صبحي الصالح

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الشيخ صبحي الصالح شهيد في سماء الدفاع عن الدين والوطن


مقدمة

فضل الله العلماء بما أتوا من علم ونور هداية للبشرية عن سائر الخلائق، والشيخ صبحي الصالح كان عالم، فقيه، مجتهد، أديب، لغوي، مجاهد، شهيد ويعد أحد أهم علماء الدين السنة اللبنانيين البارزين والمحدثين، ولم يمنعه عمله عن التعاون مع كل من يدعوا إلى صحيح الإسلام، وظل كذلك حتى استشهد على أيدي أثمة لم تقبل أن يشيع نور الإسلام الوسطي بين اللبنانيين.

حياته

ولد الدكتور صبحي إبراهيم الصالح بمدينة الميناء الساحلية قرب طرابلس الشام عام 1926م، لعائلة من أصول تركية، وتلقّى علومه الأولى في إحدى المدارس الابتدائية في الميناء، وأكثَرَ من القراءة والمطالعة ومجالسة العلماء في المساجد، وفي عام 1938م بدأ دراسته الثانوية المدنية والشرعية في دار التربية بطرابلس، وبدأ الخطابة في المساجد.

في 1943م، سافر للقاهرة للدراسة بالأزهر الشريف، وفي 1947م، حصل على الشهادة العالية من كلية أصول الدين في الأزهر الشريف، وانتسب إلى كلية الآداب في جامعة القاهرة، وحصل على الشهادة العالمية من جامعة الأزهر (1949م)، والليسانس في الأدب العربي من جامعة القاهرة (1950م)، وسافر بعدها إلى باريس، ونال في (1954م) شهادة دكتوراة الدولة في الآداب من جامعة السوربون بفرنسا، تحت عنوان "الدار الآخرة في القرآن الكريم"، و"الإسلام وتحديات العصر".

عمله

بعد تخرجه عمل بالتدريس الجامعي في جامعة بغداد، ثم في جامعة دمشق (1956م)، ثم أستاذًا للإسلاميات وفقه اللغة العربية بجامعة بيروت العربية (1963م)، ثم رئيسا لقسم أصول الدين بالجامعة الأردنية (1971م)، ثم رئيسا لقسم اللغة العربية وآدابها في الجامعة اللبنانية (1975م)، ومديرا لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجامعة نفسها (1977م).

جوائز

في عام 1986م، منحته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم جائزتها عن كتابه "التفكير الاجتهادي في الإسلام".

أراءه

صبحي-الصالح.17.jpg

كان الشيخ صبحي الصالح من العلماء المنفتحين الذين عرفوا الإسلام شاملا ولا يقتصر على جانب فحسب ولذا لم يجد حرجا في التعاون مع الجماعة الإسلامية بلبنان (التابعة لجماعة الإخوان المسلمين)، ولذا جاءت أراءه شاملة لا تقتصر على جزئية من الدين او الحياة

ومنها:

  • السياسة: بالنسبة إليه ليست سوى أفضل وسيلة لتنظيم الدولة، وما زال مجتمع اليوم الإسلامي مجرّد مشروع، ولم يصل بعد إلى نموذج المجتمع الإسلامي الذي رُسمت خطوطه الأولى في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم).
  • الخلافة: رأى أن الخلافة ليست هي الشكل الأوحد للحكم في ظل الإسلام وقال: (علينا أن نكف عن الاعتقاد بأن هذا النظام التاريخي الذي لم يقم إلا على مبدأ الإجماع، هو شكل الحكم الوحيد في ظل الإسلام).
  • الحرية: دعا إلى الحرية التي تقوم على مبدأ القبول بالآخر وبالرأي الآخر، والتي تتحقّق بكل معانيها وصورها وميادينها وأجنحتها السياسية والإجتماعية والفكرية والإقتصادية والدينية متضافرة.
  • الماركسية: رفض المنهج الماركسي - الشيوعي المادي، لإهماله ومعاداته للحرية الفردية والسياسية.
  • الرأسمالية: رفض المنهج الليبرالي - الرأسمالي، لإهماله ومجانبته للحرية الإجتماعية والعدالة بين طبقات وفئات المجتمع.
  • الوحدة: كان داعية وحدة بين المسلمين، ففي مقدّمة تحقيق "نهج البلاغة" ناشد المسلمين جميعًا بالانضواء تحت راية التوحيد ودعا المؤرّخين إلى كشف الحقائق ليس انتصارًا لفريق على فريق بل دعوة خيّرة إلى تناسي المآسي الداميات.

مؤلفاته

زخرت المكتبة الإسلامية بالكثير من مرلفات الشيخ صبحي ومنها:

فمن مؤلفاته في العلوم الشرعية:

  1. ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الفرنسية، بالاشترك مع دانيس ماسون، 1979م.
  2. مباحث في علوم القرآن، مطبعة جامعة دمشق، 1378هـ - 1958م.
  3. علوم الحديث ومصطلحاته، مطبعة جامعة دمشق، 1378هـ - 1959م.
  4. منهل الواردين في شرح رياض الصالحين، دار العلم للملايين، بيروت، 1390هـ - 1970م.

ومن مؤلفاته في علوم اللغة العربية التي كان يعتمد على دورها في توحيد الأمة وتأكيد هويتها:

  1. دراسات في فقه اللغة، مطبعة جامعة دمشق، 1960م.
  2. نهج البلاغة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (تحقيق وفهرسة)، بيروت، دار الكتاب اللبناني، 1387هـ.

ومن مؤلفاته في الفكر الديني وأحكام أهل الذمة:

  1. فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحية، ترجمة بالاشتراك مع د. فريد جبر، دار العلم للملايين، بيروت، 1967م.
  2. أحكام أهل الذمة لابن قيم الجوزية (تحقيق وتعليق)، دار العلم للملايين، بيروت، 1391هـ.
  3. شرح الشروط العمرية (مجردا من أحكام أهل الذمة)، بيروت، 1391هـ.

ومن مؤلفاته في الدراسات الفكرية والحضارية:

  1. النظم الإسلامية نشأتها وتطورها، بيروت، دار العلم للملايين، 1965م.
  2. معالم الشريعة الإسلامية، دار العلم للملايين، بيروت، 1975م.
  3. الإسلام والمجتمع العصري، حوار ثلاثي حول الدين وقضايا الساعة، بيروت، دار الآداب، 1398هـ.
  4. المرأة في الإسلام، مؤسسة الدراسات العربية، معهد الدراسات النسائية في العالم العربي، كلية بيروت الجامعية، 1980م.
  5. الحرية ومفهومها الإيجابي في الإسلام، محاضرة، الرباط، 1975م.
  6. الإسلام ومستقبل الحضارة ، دار الشورى، بيروت، 1982م.
  7. الضمير الديني والتسارع التكنولوجي والحضاري، محاضرة، الرباط، 1974م.
  8. الوعي الكوني في التصور الإسلامي، محاضرة بالرباط، 1983م.

مناصبه

تولى العديد من المناصب والعضويات ومنها:

  1. ترأس المجلس الإسلامي الأعلى في لبنان.
  2. أختير أمين عام رابطة علماء لبنان
  3. الأمين العام للجبهة الإسلاميّة الوطنيّة في لبنان
  4. عضو مجمع اللغة العربية في القاهرة
  5. عضو أكاديمية المملكة المغربية
  6. عضو المجمع العلمي العراقي في بغداد
  7. عضو لجنة الاشراف العليا على الموسوعة العربية الكبرى.
  8. رئيس اللجنة العليا للقرن الخامس عشر الهجري في لبنان

قالوا عنه

صبحي-الصالح.14.jpg

ذكره الشيخ الدكتور طه الصابونجي -مفتي طرابلس والشمال السابق- بقوله:

كان الشيخ صبحب الصالح عالما تجديديا، وكان مفكرا إبداعيا، وكان أديبا لوذعيا، وكان خطيباً يسحر الألباب بفصاحته، وكان لغوياً تشهد المجامع اللغوية ببراعته، وكان نهضويا على مثال الروّاد الكبار الذين أحيوا أممهم من غفلتها وضياعها، وأثروها بأمجادها وطموحاتها، وكان حوارياً أرسى قواعد الحوار الديني والوطني والحضاري بالحقائق اليقينية، وبالحكمة الرصينة، وبالسماحة المترفعة
كانت للصالح أفكارٌ نهضوية لا يُذكر اسمه إلا مقترنا بها، من ذلك دعوته إلى إطلاق الاجتهاد من جديد، وأن يكون القرن الخامس العشر الهجري قرن الإجتهاد حتى يصبح الاجتهاد ظاهرة غالبة

قائلا:

إن حاجة الأمّة إلى الاجتهاد بديهيّة، لم تكن في نظر القدامى تقبل الجدل، حتى تحتمل التأجيل عند المعاصرين، وأن المحقّقين من علمائنا شاركوا في مقاومة التقليد، وفي دعوة الناس إلى الاجتهاد، وإن كانوا لم يفتحوا بابه على مصراعيه، إلا للقادرين عليه
كما دعا إلى تنمية الفكر الإجتهادي، وتوسيع مجالاته، والتنسيق بين جميع عملياته بين روح الشريعة ومقاصدها العامة وبين إيجاد الحلول المناسبة لمعضلات الحياة العصرية في كل الميادين. وقال: لن نكون بحاجة إلى أشخاص المجتهدين وألقابهم ومراتبهم، بقدر حاجتنا إلى توعية تفكيرهم واجتهادهم واختصاصهم، تمهيدا إلى يوم نُوفَّق فيه إلى إنشاء "المجتمع الإجتهادي الجماعي" على مستوى العالم الإسلامي
وكان يرى ضرورة أن يلمّ المجتهد إلماما تامًا بلغة حيّة على الأقل إلى جانب لغتنه الأم، كي يكون على دراية - من خلالها - بثقافة العصر وبكل مسألة طارئة في ضوء العلوم المتعلّقة بها، وبهذا يتحوّل الاجتهاد من الصيغة الشكليّة إلى جهاز حي دائم التحرك.

قال عنه المستشار عبد الله العقيل :

"كان الشيخ صبحي الصالح خطيباً مفوهاً، ومحاضراً بارعاً، ومدرساً موفقاً، حاز ثناء الزملاء من الأساتذة وطلابه النجباء الذين يقدرونه، ويحترمون شخصه، وحسن أدائه، ودماثة خلقه، وتواضعه، وبساطته.
ولم تكن معرفتي به بادئ الأمر إلا من خلال كتبه، ثم بتعريف الإخوة بلبنان: فتحي يكن، وفيصل مولوي، وإبراهيم المصري، والإخوة بسورية: زهير الشاويش، ونزار الصباغ، الذين أشادوا بنشاطه الثقافي وانطلاقه في مجال الدعوة الإسلامية، وتحرره من قيود التقليد المذهبي والتعصب
وانفتاحه على الأفكار المعاصرة التي لا تصطدم بعقيدة الإسلام ولا بنصوص الكتاب وصحيح السنة، مع الالتزام الواضح بأخلاق الإسلام وسلوكياته، وواجب المسلم نحو عقيدته ومجتمعه وعدم التفريط بمقتضيات الإخوة الإسلامية والتكافل الاجتماعي والحرص على النهوض بالأمة وبذل قصارى الجهد لإقالة عثرتها وبيان الطريق الحق الموصل إلى تحقيق أهدافها.

وقال عنه رجاء جارودي عندما سمع نبأ اغتياله:

"شغفت بالإسلام دينًا ومنهج حياة، وعبر حوارات طويلة مع الصديق الذي سيعذبنا غيابه. تحسست نفسي جمالات هذه الرسالة الروحية السمحاء، ولطالما رأيت بالصديق الدكتور عن هذه السماحة. يا للبشاعة، ويا للهول أن يحدث هذا في لبنان".

ويقول عنه الصحفي غسان إمام من مجلة الوطن العربي:

صبحي الصالح رائد انفتاح على الحضارات والثقافات: العالمية من الأزهر، والدكتوراه من السوربون. صبحي الصالح منارة لعقول شابة متفتحة، وأستاذ لأجيال جامعية متعاقبة في بيروت، ودمشق، وبغداد، وتونس، والرياض، والرباط، وليون.
صبحي الصالح همزة وصل وتقريب بين الإسلام وروح العصر. رائد لإسلام يتفاعل مع المكان والزمان. إسلام يعطي بثقة ما عنده في الدين والسياسة الفكر والمجتمع، إسلام لا يستسلم انبهارًا بما عند الآخرين، أو يتوارى منهم خوفًا وانغلاقًا وارتدادًا.

وقال عنه الأستاذ محمد علي شاهين:

"وجدته صاحب علم غزير وبحث عميق واعتدال في المقاصد ومروءة ظاهرة رأى أن لا شيء يجعل جوهر الإسلام يتعارض مع التطوّر والتقدّم، وأن السياسة بالنسبة إلينا ليست سوى أفضل وسيلة لتنظيم الدولة، وقال: لا بدّ من الاعتراف بأن المجتمع الإسلامي الذي رسمت خطوطه الأولى في عهد النبي (ص) لم يجد تحقيقه الملموس في الفترة المعاصرة، لنميّز سلفاً تمييزاً واضحاً بين العقيدة الإسلاميّة وتطبيقها في بعض البلدان الإسلاميّة ؛
ويقول: نشهد هنا وهناك مبادرات لا تخلو من شجاعة، لكن سرعان ما يتغلب النص على الروح في معظم الحالات، فما زال مجتمع اليوم الإسلامي مجرّد مشروع ؛ دعا إلى فتح باب الاجتهاد قائلاً: إن حاجة الأمّة إلى الاجتهاد بديهيّة، لم تكن في نظر القدامى تقبل الجدل، حتى تحتمل التأجيل عند المعاصرين، وأن المحقّقين من علمائنا شاركوا في مقاومة التقليد، وفي دعوة الناس إلى الاجتهاد، وإن كانوا لم يفتحوا بابه على مصراعيه، إلا للقادرين عليه.
وقال: هذه شريعة عدل كلّها، ورحمة كلّها، ومصالح كلّها، وحكمة كلّها؛ وإنّنا لن نكون بحاجة إلى أشخاص المجتهدين وألقابهم ومراتبهم، بقدر حاجتنا إلى نوعيّة تفكيرهم، واجتهادهم، واختصاصهم، وإنّنا لن نقيم وزناً لما فرضوه من الشروط التعجيزيّة على المجتهد المستقل الذي اختار أن ينفرد بقواعد ومناهج لنفسه، من جميع وجوه التشريع ؛
ورأى أنّه لكي نتحوّل بالاجتهاد من الصيغة الشكليّة إلى جهاز حي دائم التحرك، أن نضيف إلى هذا كلّه شرط الإلمام الكافي بلغة حيّة على الأقل إلى جانب لغتنا، نطل من نافذتها على ثقافة عصرنا بواسطتها، وكل مسألة طارئة في ضوء العلوم المتعلّقة بها ؛ ووجد أن ذهنيّة التخلّف، ومصالح المستفيدين من واقعنا المريض، عقبة في وضع صيغة اقتصاديّة متكاملة خالية من الربا يمكن أن تضعها نخبة من فقهائنا وأهل الاختصاص فينا ؛
وتبنّى اجتهاد من رأى من العلماء، إباحة صناديق التوفير، وشهادات الاستثمار - على تفاوت - في بابي المضاربة والقرض الإسلاميّين، بعد إجراء تعديل جزئي على صياغة بعض القواعد الفكريّة والشروط الاحترازيّة الاجتهاديّة ؛ وقال: لا يجوز أن نسوّي بين المعاملات النافعة لأخذ المال وصاحب المال معاً، وبين الربا الجلي المركّب المخرّب للبيوت.
وحول الخلافة قال: علينا أن نكف عن الاعتقاد بأن هذا النظام التاريخي الذي لم يقم إلا على مبدأ الإجماع، هو شكل الحكم الوحيد في ظل الإسلام. وكان داعية وحدة بين المسلمين، ففي مقدّمة تحقيق (نهج البلاغة) يناشد المسلمين جميعاً إلى الانضواء تحت راية التوحيد ويدعو المؤرّخين إلى كشف الحقائق لا انتصاراً لفريق على فريق بل دعوة خيّرة إلى تناسي المآسي الداميات.

وطالب باحترام حق الحياة، ورفع العدوان والظلم عن الإنسان، وضرورة كفّ الجاني بالقصاص قائلاً:

العدوان على حياة فرد واحد في نظر الإسلام عدوان على كل إنسان حي، وكف الجاني بالقصاص عن قتل حياة واحدة، هو في الواقع كفه عن إزهاق الحياة كلها في أشمل معاني الحياة، وأوسعها مدلولاً، وأكثرها تفصيلاً، فما القصاص إلا حياة لأنه الحياة، وفي سبيل الحياة ؛
ولكن أعداء الحياة من زمرة الحاقدين اغتالوه في بيروت، أمام مدرسة جمال لأيتام المسلمين، وهو في أوج العطاء ؛ ولقد كان لي شرف قراءة مادتي علوم القرآن، وعلوم الحديث عليه عندما كنت طالباً في جامعة بيروت العربية في منتصف الستينات، فما وجدته سوى صاحب علم غزير، وبحث عميق، واعتدال في المقاصد، ومروءة ظاهرة.

ويصفه أحمد العلاونة بأنه:

"كان يتمتّع بشخصية قوية مع حضور البديهة، وكان ذا منزلة تؤهله لأن يكون له دور كبير في لبنان، مما جعل أعداء الإسلام يسارعون إلى اغتياله".

وكتب الأستاذ الداعية معاذ الخطيب مقالة تحت عنوان : العلامة الشهيد الدكتور صبحي الصالح (1345-1407هـ = 1926-1986م) جاء فيها:

مثل الشمس الساطعة في أيام الشتاء الباردة، ومثل العافية بعد المرض كان قدوم صبحي الصالح في الساعة الثامنة والنصف من صباح كل يوم إلى مقر جمعية رعاية أطفال المسلمين في لبنان، فينفق وقته في الإشراف على مدرستها لرعاية الأيتام، ومتابعة مدرسة أخرى لتعليم العلماء المسلمين اللغات الأجنبية … ، وكان قدومه يملأ النفوس بهجة بعمامته المهيبة ووجهه المشع بالنور وابتسامته التي لم تكن تفارق شفتيه، والتي تبعث الأمل وتخفف عسر الحياة في وجه كل من يلقاه.
تأخر الشيخ صباح يوم الثلاثاء الخامس من صفر 1407هـ - الموافق للسابع من تشرين الأول عام 1986 لأنه ذهب لرفع كربة طفل، ولمساعدة أحد طلابه الفقراء.
كان يستقل سيارة أجرة كل يوم ويشتري في طريقه جريدة الصباح … لكنه في ذلك اليوم لم يقرأ سوى عناوينها، ولم يتح له أن يدخل جمعية الأطفال فعند وقفت سيارة الأجرة وهم بالنزول اندفع باتجاهه مجرمان ملثمان يركبان دراجة نارية ومن مسافة قريبة جداً أطلقت عليه ثلاث رصاصات دخلت في جبهته وتحت عينه وفي فكه … لتنقله فيما نرجو الله إلى عالم الشهداء.
لم يكن صبحي الصالح يسد ثغرات عظيمة في مجتمعه وبلده وحتى في الأمة المسلمة فحسب بل كان يمثل بحق الإنسان الذي كرمه الله، فحقق كرامة الله فيه بنموذج قل نظيره في المعرفة والتقى والسمو والتسامح … لم يفقده فقط أيتام لبنان.. ولكن المسلمين جميعهم فقدوه
وخصوصاً أهل السنة والجماعة في لبنان، فقد خسروا باستشهاده أحد أهم مرجعياتهم التي أعطتهم توازناً ورؤية حضارية واسعة وآفاقاً إيمانية مؤثرة … وساهمت في نقلهم من الغبش الحضاري والتشرذم إلى الرؤية الحكيمة والنظر البعيد،
"وكان الصالح مقتنعاً أن حضارة العصر دائرة في الفراغ، مستعدة للرحيل … وكان يؤكد أن ضياع قيمة الإنسان هو الذي أضاع قيمة الحضارة، بين جماد المتحرك وتحرك الجماد، وبين انتصار الغريزة وانهزام العاطفة، وبين نفاق السياسة وعزلة الدين … وبرغم هذا كله كان الشهيد الصالح يتوقع حلول حضارة تقبل محل حضارة ترحل، وتوقع نور يسطع في أعقاب نجم يأفل، وإيناع حقول تثمر وسط روضات تذبل .. إنها من الأفق البعيد تومض وتلوح …إنها من جديد حضارة الإنسان، لأنها حضارة الدين وقيم الروح".
كان للعلامة الشهيد شخصية قوية، وبديهة حاضرة، وحضور محبب، وجاذبية عفوية، وقد كان له في التلفزيون الأردني منذ أكثر من ثلاثة عقود مساجلات علمية راقية جداً مع بعض العلماء، وكان يدير ذلك الأستاذ الكبير ظافر القاسمي وهو ابن العلامة الشيخ جمال الدين، رحمهم الله جميعاً
أما في العراق فكان جامع أبي حنيفة في منطقة الأعظمية يكتظ بالشباب الملتزم العطش إلى المعرفة والعلم عندما كان يحاضر فيه العلامة الصالح ، ومن الطرائف الأليمة أنه كانت بين الشيخ الصالح وسيدي الوالد (محمد أبو الفرج الخطيب الحسني) رحمهما صحبة عميقة
واجتمعا في كلية أصول الدين في الأزهر، وكان الوالد هو أول أمين عام لاتحاد الطلاب السوريين في القاهرة، وواضع نظامه الأساسي، وكان يكتب بعض الأوراق بالعربية ويقوم الصالح بترجمتها إلى الفرنسية (وقد كان بارعاً فيها) ولست أعلم بالضبط عن ماذا كانت تلك الأوراق! ما زلت أبحث لعلي أجد جواباً.
ولكن كما كان لهما مشرب متقارب في الحياة فقد اجتمعا في مشرب الموت، ومساء الاثنين مات سيدي الوالد فجأة وبعد أقل من اثنتي عشرة ساعة انتقل الصالح إلى جوار الله بطلقات مجرمة، فكان المصاب في قلبي مضاعفاً بفقد الوالد ثم استشهاد الصالح، رحمهما الله جميعاً.
من بيروت مضت جنازة الصالح إلى طرابلس الشام بلد العلماء .. وفي الطريق وقفت كل مناطق لبنان وطوائفه ومذاهبة والدموع تترقرق في أعينها .. لأنه كان العالم الذي يلم الناس إذا افترقوا، ويحيي فيهم الإنسانية إذا أطلت غرائز الوحوش، وأحنى الجميع رؤوسهم إجلالاً لموكب العالم المهيب، أما قتلته من المجرمين فظنوا أنّ صبحي الصالح ومدرسته قد انتهوا، ومازالوا يجهلون أن وراء الدجى يلد الفجر الجديد.

استشهاده

اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975م والتي جاءت على الأخضر واليابس بها. وفي 28 ديسمبر - كانون الأول 1985م، عُقِد "الاتفاق الثلاثي" بين الميليشيات (القوات اللبنانية المسيحية – حركة أمل الشيعية – الحركة الوطنية اللبنانية الدرزية)، لتسلّم الأمن في بيروت بديلا عن سُلطة "أمين الجميّل".

وإزاء هذا الاتفاق تنامت حركة شعبية رافضة له، ومنادية بإضراب عام ومفتوح، أدّى إلى إحداث عُزلة تدريجية للمليشيات بكافة انتماءاتها ومصالحها. وكان ردّ فعل المليشيات على هذه الحركة الشعبية: وضع قائمة اغتيالات لبعض أبرز قادة الرأي والفكر والمحرّكين لها، ونفي البعض الآخر خارج لبنان.

كان الشيخ الدكتور "صبحي الصالح"، واحدًا من الوجوه البارزة في هذه الحركة الشعبية، وكان خطيبًا مفوّهًا متدفّقًا يحظي باحترام الكثيرين؛

كما يصفه أحمد العلاونة بأنه:

كان يتمتّع بشخصية قوية مع حضور البديهة، وكان ذا منزلة تؤهله لأن يكون له دور كبير في لبنان، مما جعل أعداء الإسلام يسارعون إلى اغتياله.
كانت قد وصلته بعض التهديدات إلا أنه لم يكن يأبه لها. وحان دوره في قائمة الاغتيالات صباح 7 أكتوبر - تشرين الأول 1986م، حيث قام مسلّحان ملثمان على دراجة بخارية، باغتياله بثلاث طلقات في الرأس، فور نزوله من السيارة التي أوصلته إلى جمعية للأيتام كان يشرف عليها، ليتوفّى فور وصوله إلى المستشفى متأثرًا بإصابته الخطيرة.
كان الدكتور "الصالح" قد حصل على جائزة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم قبلها بشهور، ولذا جاء تعليق المفكّر الفرنسي "رجاء رجاودي" لما وصله خبر اغتيال الشيخ الدكتور صبحي الصالح:
يا للبشاعة، ويا للهول أن يحدث هذا في لبنان… لقد شغفت بالإسلام دينًا ومنهج حياة، عبر حوارات طويلة مع الصديق الدكتور الذي سيعذبنا غيابه. وأحدث خبر اغتيال الدكتور صبحي الصالح موجة شعبية غاضبة، اضطرت الميليشيات أن تصطف -مداهنةً- على طول الطريق ما بين بيروت وطرابلس الشام، تؤدّي التحيّة لموكب جنازته.
كان رحيل "الصالح" خسارة حقيقية على عدّة مستويات (علمية وشعبية وسياسية)؛ إلا أنّ الميليشيات كانت بحاجة شديدة إلى مثل هذا الاغتيال، خاصةً وأنّ الصالح كان سيصبح البديل الأبرز والأخطر لمفتي لبنان "الشيخ حسن خالد"، الذي تمّ اغتياله هو الآخر فيما بعد.

المصادر

  1. محمد السيد أبو ريان: صبحي الصالح: داعية الاجتهاد المغدور، 28 أكتوبر 2015
  2. صالح محمد الجاسر: أعلام في دائرة الاغتيال. مطابع الخالد، الرياض، 1411هـ.
  3. حسن صعب: شخصيات عرفتها وأحببتها. دار العلم للملايين، بيروت، 1990م.
  4. عيسى كباره: الدكتور صبحي الصالح. مجلة الموقف الادبي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، عدد 434، حزيران، 2007م.

للمزيد عن الإخوان في لبنان

أهم أعلام الإخوان في لبنان

روابط داخلية

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

.

مقالات متعلقة

.

وثائق متعلقة

متعلقات أخري

وصلات خارجية

مقالات خارجية

تابع مقالات خارجية

وصلات فيديو