عبد الحميد بن باديس

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الشيخ عبد الحميد بن باديس


الشيخ باديس والجزائر

عند الحديث عن الحركة الإصلاحية في الجزائر يقف أمامنا الشيخ عبد الحميد بن باديس رمزا شامخا في هذا المضمار، فقد انبرى رحمه الله لهذه المهمة العظيمة منذ بواكير عمره وكرس حياته من أجلها، بعد أن وقف على صنيع الاستعمار بالمجتمع الجزائري وبالشخصية الوطنية، وأدرك بعمق عظم الجناية في حق شعب وهوية وحضارة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ ومشرئبة بعنفوانها نحو المستقبل من أجل القيادة والشهادة على الناس ضمن بعد إنساني رشيد.

فكل الاجتهادات وكل التضحيات والإنجازات التي حققها الشيخ عبد الحميد بن باديس إنما كانت تصب في مجملها في خدمة هدفين رئيسيين متكاملين: إصلاح الأوضاع جراء ما فعله الاستعمار بالمجتمع وبالشخصية الوطنية ككيان وكموارد وكرسالة. المساهمة في بعث نهضة وطنية قوامها العلم والأخلاق.

وإذا كان الإمام ابن باديس قد بلي في هذه المهمة العظيمة البلاء الحسن، فقد كان دونها تضحيات وإرهاصات وتنسيق وتعاون وجهود تراكمية تناسقت وتكاملت لتكون هذا البناء الضخم في تماسكه وتناسقه وآفاقه.

وبالرغم من أن حياة الأمام عبد الحميد بن باديس لم تكن بالطويلة في عمرها الزمني على غرار الكثير من العلماء والمصلحين في تاريخ الأمة، فإن حياته جاءت زاخرة بالمحطات التي تؤشر بحق لعظمة هذه الشخصية وعظمة القضية التي عاش لها ومن أجلها. هذه المحطات التي كانت بمثابة المعالم في حياته وفي مساره الإصلاحي والدور الذي قام به في هذا الشأن.

ابن باديس الشخصية والقضية

ولد الشيخ عبد الحميد بن باديس بمدينة قسنطينة في شهر ربيع الثاني من سنة 1307ه الموافق ليلة الجمعة 4 ديسمبر 1889، وتوفى عام 1940م .

نشأ في أحضان أسرة عريقة في الدين والعلم والجاه، حيث منذ صباه ترعرع في رحاب القرآن الكريم، فشب على حبه والتخلق به، ثم تعلم المبادئ الأولى للدين واللغة والأخلاق في مسقط رأسه.

رحلته الأولى في طلب العالم كانت باتجاه جامع الزيتونة بتونس، وهناك التقى بالكثير من طلبة العلم واحتك ببعض الشخصيات والرموز العلمية والإصلاحية حيث أخذ العلم من المبرزين من الشيوخ والعلماء الذين كان لهم بالغ الأثر في تكوينه الفكري واتجاهه الإصلاحي، منهم السادة العلماء:

محمد الطاهر بن عاشور، ومحمد النخلي والقيراوني والبشير صفر الذي يعتبر من الذين جمعوا بين التعليم العربي والإسلامي والتعليم الغربي وإتقانه عدة لغات. قضى عدة سنوات بتونس ومع رجوعه إلى الجزائر شرع مباشرة وعلى الفور في إلقاء الدروس في الجامع الكبير والجامع الأخضر بمدينة قسنطينة فكان ذلك بمثابة أولى الخطوات على درب التوعية والإصلاح والتوجيه الفكري والاجتماعي.

إلا أن خصوم الإصلاح تربصوا بنشاطه الدوائر وتحركوا لمنعه من أداء مهمته. وبعد ذلك قرر الشيخ عبد الحميد بن باديس القيام برحلة ثانية قادته هذه المرة إلى زيارة بعض أقطار المشرق العربي، فكان أن استهل زيارته بزيارة البقاع المقدسة لأداء فريضة الحج، وبعد استكماله هذه الشعيرة وزيارته المدينة المنورة التي مكث فيها مدة ثلاثة أشهر، شرع هناك في إلقاء الدروس بالمسجد النبوي كما التقى هنا بشيخه السابق أبو حمدان الونيسي وبالشيخ البشير الإبراهيمي الذي تحادث معه وتدارسا سويا موضوع الإصلاح في الجزائر واتفقا في ذلك على خطة واضحة عند عودتهما إلى أرض الوطن.

بعد مغادرته أرض الحجاز زار الشيخ عبد الحميد بن باديس بلاد الشام ومصر وهنا زار جامع الأزهر واتصل برجال العلم والدعوة واجتمع ببعضهم وكان من الذين اتصل والتقى بهم الشيخ بخيت المطيعي الذي تناول معه قضايا الفكر والإصلاح في البلاد العربية والإسلامية.

وبالإضافة إلى زياراته واتصالاته فقد كانت للشيخ ابن باديس أيضا مدارسات واطلاعات كثيرة على إنتاج وتأليف بعض العلماء والمفكرين وكان من الذين تأثر بهم الإمام عبد الحميد بن باديس الشيخ رشيد رضا لا سيما ما يتعلق بمنهجه الفكري ونظراته الإصلاحية وهو ما انعكس فيما بعد في مفهومه للإصلاح الذي تحدد لديه في إرجاع الشيء إلى حالة اعتداله بإزالة ما طرأ عليه من فساد.

معالم الإصلاح

وبزياراته واتصالاته واجتهاداته تكون قد اكتملت لدى الإمام بن باديس معالم الإصلاح واتضحت لديه الرؤية للشروع في هذه المهمة التي باتت لديه بمثابة القضية، لهذا مباشرة بعد رجوعه إلى الجزائر شرع في العمل التربوي في المساجد والمدارس وعند وضعه لمناهج التعليم لم يكن مذهبه ينحو نحو نزعة مثالية مبنية على تصورات نظرية فحسب بل كان مذهبه واقعيا أملته متطلبات وأوضاع المجتمع حيث يقول بهذا الشأن:
"إن أبناءنا هم رجال المستقبل وإهمالهم قضاء على الأمة إذ يسوسها أمثالهم ويحكم في مصائرها أشباههم، ونحن ينبغي منا أن نربي أبنائنا كما علمنا الإسلام، فإن قصرنا فلا نلومن إلا أنفسنا ولنكن واثقين أننا نبني على الماء ما لم نعد الأبناء بعدة الخلق الفاضل والأدب الديني الصحيح".
وكان الإمام ابن باديس يحرص في التعليم على الكيف أكثر من حرصه على الكم ويرى التركيز على الفهم وأعمال الذهن وتشغيل قوى المخيلة أكثر من الحرص على شحن الذاكرة.

كما ركز في مجال التعليم على إعداد الأمة المسلمة للقيام بوظيفة تربية الأجيال وفي هذا الشأن يقول:

"إذا أردنا أن نكون رجالا فعلينا أن نكون أمهات، ولا سبيل إلى ذلك إلا بتعليم البنات تعليما إسلاميا وتربيتهن تربية إسلامية، وإذا تركناهن على ما هن عليه من الجهل بالدين فمحال أن نرجو منهن أن يكون لنا عظماء الرجال وشر من تركهن جاهلات بالدين إلقاؤهن حيث يربين تربية تنفرهن من الدين أو تحقره في أعينهن فيصبحن ممسوخات لا يلدن إلا مثلهن".
وفي سبيل بعث الوعي ونشر العلم والقيام برسالة التوجيه والإصلاح قام بتأسيس الكثير من دور العلم والمدارس التي ساهمت بقسط وافر في إيقاظ الهمم وحماية هوية المجتمع وتكوين رجالات العلم والإصلاح من الذين دشنوا المسيرة أو الذين استكملوها.
الإمام عبد الحميد بن باديس وعلاوة على ذلك فهو شخصية علمية فسر القرآن الكريم خلال خمس وعشرين سنة في دروسه اليومية، كما شرح الموطأ خلال هذه الفترة وهو مفكر وسياسي وإعلامي، يحمل قضية ويكرس حياته من أجل أحقيتها وتبليغها ونشرها فشغل المنابر وكتب في الجرائد والمجلات التي أصدرها وهو أيضا مربي الأجيال في المدارس والمساجد التي كانت وقود معركة تحرير الجزائر.
كل ذلك أكسبه نظرة أعمق وثقة لا تتزعزع في قضيته وإيمان لا يخالجه شك في الانتصار، حيث كان مع أخذه بكل ما يستطيع من الأسباب في تأدية رسالته يلتجئ إلى الله تعالى بثقة لا توهب إلا لأولي العزم الرجال ففي إحدى ساعات الشدة والعشرة قال لأحد طلبته "يا بني إن جميع الأبواب يمكن أن تغلق أمامنا ولكن بابا واحدا لن يغلق أبدا هو باب السماء".
وفي مسار الإصلاح استعان هو ورفاقه بالوسائل الضرورية المساعدة لنشر دعوتهم فإلى جانب الدروس والمحاضرات والخطب، اتخذوا من الصحافة منبرا آخر لبيان المفاهيم الإسلامية الصحيحة، فقد شارك في تأسيس جريدة النجاح ثم أسس جريدة المنتقد مفتتحا عددها الأول بقوله (بسم الله وباسم الحق والوطن ندخل عالم الصحافة العظيم شاعرين بعظم المسؤولية التي نتحملها فيه مستسهلين كل صعب في سبيل الغاية التي نحن إليها ساعون والمبدأ الذي نحن عليه عاملون).

تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

ليأتي موعد إخراج الفكرة التي طالما اختمرت في ذهنه وذهن رفقائه حيث كان موعدها في 05 مايو 1931م وتتأسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي سرعان ما انتشرت فصائل الإصلاح من مدارسها التي نبتت في كل المدن والقرى الجزائرية، فكان أن انتخب الشيخ عبد الحميد بن باديس غيابيا رئيسا للجمعية والشيخ البشير الإبراهيمي نائبا له ومنذئذ دخل في مرحلة نوعية أخرى من العمل الإصلاحي، وبدأ النضال من أجل استرجاع الشخصية الجزائرية بكل أبعادها ومقوماتها؛

وكان مبدأ الجمعية في إصلاح المجتمع الجزائري منذ تأسيسها مبنيا على الآية الكريمة (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) الرعد11. لذلك اعتبرت الحركة الإصلاحية التي قادتها جمعية العلماء الباعث الحقيقي والعامل الرئيسي للنهضة الجزائرية لأنها جاءت بإصلاح شؤون الفرد في المعتقد والسلوك من جهة وإصلاح الأسرة والمجتمع من جهة أخرى.

وقد قال الشيخ عبد الحميد بن باديس في أهداف تأسيس جمعية العلماء، أن الغرض من تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين هو محاربة الخرافات والشعوذة التي عمت البلاد، كما لخصت جريدة "لسان العرب" أهداف الجمعية في غرضين اثنين هما: إحياء ما اندثر من معالم الإسلام وإحياء ما مات من مظاهر اللغة العربية، وقد أشار الشيخ محمد خير الدين أحد أعضاء الجمعية لأهداف الجمعية بقوله: "كانت أهداف جمعية العلماء تتمثل في إحياء الإسلام بإحياء الكتاب والسنة وإحياء اللغة العربية وآدابها وإحياء التاريخ الإسلامي وآثار رجاله المخلصين".

وإذا كان الهدف المرحلي الأول من تأسيس الجمعية هو تصفية وتنقية الإسلام مما علق به من الشوائب فإن الهدف الثاني استرجاع حرية الجزائر واستقلالها حيث وجدنا الإمام ابن باديس يخاطب الشعب سنة 1936 ويقول "أيها الشعب إنك بعملك العظيم الشريف برهنت أنك شعب متعشق للحرية هائم بها، تلك الحرية التي ما فارقت قلوبنا منذ كنا الحاملين للوائها وسنعرف في المستقبل كيف نعمل لها وكيف نحيا لأجلها".

إلى أن يقول:

"أيها الشعب، لقد عملت وأنت في أول عملك فاعمل ودم على العمل وحافظ على النظام واعلم أن عملك هذا على جلالته ما هو إلا خطوة ووثبة وراءها خطوات ووثبات إما الحياة وإما الممات". ليؤكد على هذه الحقيقة أيضا في مقال له سنة 1937 الذي أشار فيه إلى أن اليأس من فرنسا يدعم خط السير في طريق الثورة.

وقد حدد الإمام ابن باديس العناصر المكونة للشخصية الوطنية وتحديد كل عنصر حيث قال عن العنصر الأول:

"الإسلام عقد اجتماعي عام فيه ما يحتاج إليه الإنسان في جميع نواحي الحياة لسعادته ورقيه، وقد دلت تجارب الحياة كثيرا من علماء الأمم المتمدنة على أن لا نجاة للعالم مما هو فيه إلا بإصلاح عام على مبادئ الإسلام"، وعن العنصر الثاني العربية قال:
"علينا أن نعرف تاريخنا ومن عرف تاريخه جدير بأن يتخذ لنفسه منزلة لائقة به في هذا الوجود ولا رباط يربط ماضينا بحاضرنا الأغر ومستقبلنا السعيد إلا هذا الحبل المتين، اللغة، لغة الدين، ولغة الجنس، ولغة القومية لغة الوطنية المحروسة).
وبخصوص العنصر الثالث: الجزائر وطننا يعتبر أن الوطن ليس إقليما جغرافيا فحسب لكنه كيان حي من البشر الذين يعيشون فيه وتؤلف بينهم روابط الدين واللغة والتاريخ حيث يقول لمن أعيش؟ أعيش للإسلام والجزائر .

المصدر

عبد الحميد بن باديس موقع الإمام عبد الحميد بن باديس