عبرة زوال الشعوب وتعاقب الأجيال

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عبرة زوال الشعوب وتعاقب الأجيال
د. الواعى.jpg

بقلم: د. توفيق الواعي

من السنن الكونية ألا يظل الفقير فقيرًا، ولا الغني غنيًّا؛ فالأيام دُوَل، قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ (آل عمران: من الآية 140)، وهذا ما نجده في تحليل التاريخ حسب نظرية ابن خلدون التي تقول: إن الأمم لها أعمار كالأفراد؛ "لأن الأمم مجموعةٌ من الأفراد، وتمر بمراحل النمو والتطور كالأفراد؛ من الطفولة إلى الشباب، ثم الكهولة فالشيخوخة، وبعدها الموت للأفراد الذي يقابله الانهيار للأمم، وصدق الله إذ قال: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ (آل عمران).

والقرآن الكريم يردُّ المسلمين دائمًا إلى سنن الله في الأرض، وإلى الأصول التي تجري وَفقها الأمور؛ فهم ليسوا بدعًا في الحياة؛ فالنواميس التي تحكم الحياة جارية لا تتخلَّف، والأمور لا تمضي جزافًا، وإنما تتبع هذه النواميس؛ فإذا هم درسوها وأدركوا مغازيَها، وتكشَّفت لهم الحكمة من وراء الأحداث، وتبيَّنت لهم الأهداف من وراء الوقائع، واطمأنوا إلى ثبات النظام الذي تتبعه الأحداث، وإلى وجود الحكمة الكامنة وراء هذا النظام، واستشرفوا خط السير على ضوء ما كان في ماضي الطريق، ولم يعتمدوا على مجرد كونهم مسلمين، لينالوا النصر والتمكين بدون الأخذ بأسباب النصر، التي في مقدِّمتها طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.. تحقَّق لهم بمشيئة الله ما أرادوا.

يقول الأستاذ سيد قطب: "هؤلاء العرب الذين وُجِّه إليهم القول أول مرة لم تكن حياتهم، ولم تكن معارفهم، ولم تكن تجاربهم قبل الإسلام لتسمح لهم بمثل هذه النظرة الشاملة، لولا هذا الإسلام وكتابه (القرآن)، الذي أنشأهم به الله نشأةً أخرى، وخلق منهم أمةً تقود الدنيا.

إن النظام القَبَلي الذي كانوا يعيشون في ظله ما كان ليقود تفكيرهم إلى الربط بين سكان الجزيرة ومجريات حياتهم، فضلاً عن الربط بين الأحداث العالمية والسنن الكونية التي تجري وَفقها الحياة جميعًا، وهي نقلةٌ بعيدةٌ، لم تنبع من البيئة ولم تنشأ من مقتضيات الحياة في ذلك الزمان!، وإنما حملتها إليهم هذه العقيدة، بل حملتهم إليها وارتقت بهم إلى مستواها في ربع قرن من الزمان، على حين أن غيرهم من معاصريهم لم يرتفعوا إلى هذا الأفق من التفكير العالي إلا بعد قرون وقرون، ولم يهتدوا إلى ثبات السنن الكونية إلا بعد أجيال وأجيال، فلما اهتدَوا إلى ثبات النواميس نسُوا أن معها كذلك طلاقة المشيئة الإلهية، وأنه إلى الله تصير الأمور.

فأما هذه الأمة المختارة فقد استيقنت هذا كله، واتسع تصوّرها، ووقع في حسِّها التوازن في ثبات السنن وطلاقة المشيئة، فاستقامت حياتها على التعامل مع سنن الله الثابتة، والاطمئنان بعد هذا إلى مشيئته الطليقة، ولهذا عاشوا في أمان وسلام، إلى أن اختلَّت الموازين، وحكمت الحياةَ الافتراءاتُ والمظالم".

فبدأ الانهيار الكاسح؛ بانهيار وإفلاس أكثر من مليون شركة أمريكية، وإفلاس كثير من الشركات العملاقة، وعلى رأسها شركة "وورلد كوم" للاتصالات بمبلغ 41 مليار دولار، وشركة "إنرون" للطاقة الكهربائية، أفلست بمبلغ 25 مليار دولار، كما ازداد العجز في ميزانية الحكومة الاتحادية إلى 500 مليار دولار، ووصل العجز في المديونية الأمريكية إلى 7.5 تريليونات دولار، وهذا مبلغ باهظ جدًّا، صحيح أن جزءًا كبيرًا منه مسروق من العرب النفطيين، ولكن جزءًا كبيرًا أيضًا مُستَدان من الصين والهند وأوروبا، وإذا طلبته هذه الدول فسوف تهتز أمريكا عند طلبه، وهذا ما ألجأ أمريكا أخيرًا إلى أسلوب التموين بالعجز "طباعة عملة ليس لها رصيد لتغطية نفقات مغامراتها العسكرية في حروبها التي تورَّطت فيها، كما باعت أمريكا تحت ضغط الإنفاق الزائد كثيرًا من شركاتها، وباعت سندات خزينتها بمبلغ 150 مليار دولار لسد عجزها المالي.

وهكذا تنحدر أمريكا رويدًا رويدًا حتى تنهار، وتذهب السطوة الأمريكية التي سيطرت على العالم فترةً بَغَت فيها وظلمت وتغوَّلت، وظن الخانعون والكسالى أنهم يعيشون في جوارها في مأمن وحماية؛ يفعلون ما يحلو لهم من مظالم العباد ما داموا في ظلال أمريكا وحمايتها.

واليوم.. هل يستطيع هؤلاء الواهمون أن يعتمدوا على أنفسهم؟! وهل ينتعش المظلومون والمقهورون ويشعرون بأن الفجر سوف يبزغ من خلف العتمة، ويعلمون أن ناموس الحياة يدور، وأن الفساد والظلم لا يدوم، وأن القدر ماضٍ فيهم وسيفعل فعله من جديد؟! ولكن ما علينا إلا أن نكون مستعدين لتقبُّل العطاء، وإصلاح المسيرة الخيِّرة، ولا نُعيد البغي والفساد؛ لأن الله لا يصلح عمل المفسدين وصدق الله: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص: 5).

المصدر


قالب:روابط توفيق الواعى