فاطمة فضل سيد

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
السيدة فاطمة فضل سيد

فاطمة فضل سيد .. زوجة في بيت سياسي

إن حال أمتنا ودعوتنا يعلمه القاصي والداني؛ فأصحاب الدعوات مطاردون ومعتقلون، وغيرهم من أهل الفسق والمجون في خير بلادنا يرتعون, وعلى مر الزمان والدعاة في محن وابتلاءات، فأعطوا القدوة في أنفسهم، فصبروا وثبتوا ورابطوا, وسلكوا درب الصالحين درب محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه رضوان الله عليهم أجمعين.

نلتقي لنقطف زهرة من بستان رواه الشهداء على مر العصور بدمائهم، فانبثقت زهرة من نور تملأ الدنيا بعبيرها, نلتقي مع زوجة مجاهد تكبد العناء سنين عددًا في سجون الظلم، فما زاده إلا إيمانًا، نلتقي مع السيدة الفاضلة فاطمة فضل سيد زوجة الطبيب السياسي الدكتور عصام العريان.

البداية

الدكتور عصام العريان زوج السيدة فاطمة فضل

البداية ومنذ شهور عددا ونحن نلح على السيدة الفاضلة في الكتابة غير أنها كانت تأبى لعلة يعلمها الجميع أنها وغيرهن الكثير من زوجات الإخوان الموجودين يرفضون الكتابة عنهن، ويحتسبون دورهن لله وحده، غير أن توفيق الله كان معنا إذ وافقت هذه السيدة على لقائنا؛

فذهبنا إليها في منزلها الكائن في شارع خاتم المرسلين بالهرم جيزة، ومع أول خطوة نخطوها داخل المنزل وجدت سكينة وطمأنينة تتملكني بعد هيبة الموقف التي كنت أعيش فيها فالسيدة رغم عدم معرفتي بها إلا أنها زوجة أحد قيادات الإخوان الذين لا نزكيهم على الله- رغم هيبتها إلا أنها أحن من الأم في جلستها، واستقبالها.

ذهبت إليها فأجلستني بجوارها وأخذت تذهب من رهبتي حتى إذا شعرت بالهدوء حادثتها فيما أنا قادمة إليه فضحكت، ثم وافقت على أن لا أسجل شيء إلا ما تستوعبه ذاكرتي فوافقت ولبيت طلبها، ثم دخل علينا الدكتور عصام فقوى من عزمي لتضامنه معي.

هي فاطمة فضل سيد، نشأت في بيت رجل محامي متدين، ربى أولاده على المعاني السامية والأخلاق الرفيعة، ونشأت في ظل هذه البيئة وليست وحيدة أبويها فلها من الإخوة أربعة ولها أخت واحدة وهي زوجة الدكتور عبد الناصر صقر أحد قيادات الإخوان في محافظة الجيزة.

ولدت بمحافظة الجيزة، والتحقت بمراحل التعليم المختلفة حتى حصلت على بكالوريوس تجارة، غير أنها لم تكتف بذلك فحصلت أيضا على ليسانس أصول الدين من جامعة الأزهر. (1)

زواج مبارك

كان لزواجها بالدكتور عصام قصة تدل على توفيق الله لعباده، حيث ظلت تدعوا الله أن يرزقها الزوج الصالح، واستجاب الله لدعائها، حيث أعلنت الجامعة عن رحلة عمرة عام 1977م، وكان الاشتراك فيها 50 جنيها، فسارعت أختها وأخوها محرم بالاشتراك؛

غير أنها لم تكن تمتلك هذا المبلغ فلجأت إلى الله تدعوه وتبكي بين يديه أن ييسر لها الخروج لهذه الرحلة، وكانت المفاجأة مع قدوم إحدى زميلتها تخبرها بأن الجامعة اختارتهما ليكونا ضمن طاقم الإشراف على رحلة العمرة، فتملكتها السعادة والسرور لهذا الفضل، وكان من ضمن المشرفات على الرحلة أيضا الدكتورة سميحة زوجة الدكتور سناء أبو زيد عليهما رحمة الله وأثناء تواجدهم في العمرة ظلت تدعوا الله أن يرزقها الزوج الصالح. (2)

وعادوا من الرحلة، وفي هذا الأثناء كان الدكتور عصام العريان قد تخرج من كلية الطب وكان في الامتياز، وكان يبحث عن زوجة، فسأل بعض الإخوة عن عروسة، خاصة أنه لم يوفق مع اثنتين من أخوات بعض الأخوة، فسأل إخوانه فرشحوا له الأستاذة فاطمة، وتقدم لها غير أن والدها طلب منه ألف جنية مهر وخمسمائة جنيه شبكة، فقال له الدكتور أنا معي ثمانمائة جنية، فرضي الوالد بذلك وتم عقد القران في شهر مارس عام 1978م.

ولنتعرف على الدكتور العريان عن قرب هذا الرجل الذي أصبح وجها إعلاميا لجماعة الإخوان المسلمين، بل أصبح المدافع عن كينونة الجماعة عبر الفضائيات.

فهو الدكتور عصام الدين محمد حسين العريان، ولد في 28/4/1954م، بقرية ناهيا التابعة لمحافظة الجيزة، تلقى فيها تعليمه حتى حصل على بكالوريوس الطب عام 1977م، وتعرف على دعوة الإخوان فترة أن كان في الجامعة عام 1974م. (3)

يعمل كطبيب، و يشغل منصب أمين صندوق نقابة الأطباء المصريين، حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة كلية طب القصر العيني بتقدير جيد جدا، تخصص في أمراض الدم والتحاليل الطبية، وحاصل على ماجستير الباثولوجيا الإكلينيكية؛

وسجل لرسالة الدكتوراه في الطب بجامعة القاهرة وأعيقت بسبب الاعتقال المتكرر والتضيقات الأمنية من ناحية أخرى، حاصل على ليسانس الآداب قسم التاريخ بجامعة القاهرة 2000م، وليسانس الشريعة والقانون من جامعة الأزهر، لديه إجازة في علوم التجويد، حصل على الإجازة العالية في الشريعة الإسلامية من جامعة الأزهر.

كان مسئولا عن اتحاد الطلاب في جامعة القاهرة، وكان أمين اللجنة الثقافية باتحاد طلاب طب القاهرة خلال 1972 - 1977م.

انتخب عضوا في مجلس إدارة نقابة الأطباء منذ عام 1986 وحتى الآن، و انتخب عضوا في مجلس الشعب المصري "البرلمان" في الفصل التشريعي 1987 - 1990 عن دائرة إمبابة و كان أصغر عضو بمجلس الشعب المصري وهو المجلس الذي تم حله قبل استكمال مدته الدستورية، وهو الآن مسئول القسم السياسي لجماعة الإخوان المسلمين بمصر.

اعتقل الدكتور العريان ضمن من تم اعتقالهم عام 1981م ولم يفرج عنه إلا عام 1982م، ثم اعتقل عام 1995م وقدم للمحاكمة العسكرية هو وكوكبة من إخوانه وحكمت عليه المحكمة وبعض الإخوان بالسجن لمدة 5 سنوات، ثم أعيد اعتقاله مرة أخرى صباح الجمعة 6/5/2005م هو والأستاذ ياسر عبده "مدير بنك"، والدكتور عمرو دراج الأستاذ بجامعة القاهرة، والدكتور حمدي شاهين الأستاذ المساعد بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، بعد اقتحام منزل العريان، ثم أفرج عنه يوم السبت 15/10/2005م.

ثم اعتقل هو والدكتورمحمد مرسي يوم 18/5/2006م، وأفرج عنهم يوم السبت الموافق 9/12/2006م، ثم اعتقل يوم 17/8/2007م، وأفرج عنه يوم الجمعة 5/10/2007م، هذا غير المنع من السفر فقد منع من السفر إلى دولة البحرين يوم الأربعاء 22/3/2006م لحضور المؤتمر العام لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم؛

كما منع من السفر يوم 19/12/2006م أثناء سفره لحضور المؤتمر القومي الإسلامي والذي ينعقد في العاصمة القطرية الدوحة، ومنع أيضا يوم الثلاثاء 15/5/2007م؛ حيث كان من المقرَّر له أنْ يتجه إلى العاصمة النرويجية أوسلو؛ لحضور الدورة الجديدة لمنتدى مدريد لحوار الحضارات، هذا غير المنع من السفر يوم 14/7/2007م لحضور ملتقى الدكتور القرضاوي.

كان الزواج عن طريق الدكتور سناء أبو زيد وزوجته الدكتورة سميحة عليهما رحمة الله حيث كان الدكتور سناء أبو زيد والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح يسبقونه بعام والدكتور حلمي الجزار أقل منه بعامين.

وكانت ثمرة هذا الزواج سارة والتي ولدت عام 1979م، ثم إبراهيم والذي حصل على كلية الطب ثم سمية ثم أسماء.

مواقف حية

تفهمت الزوجة طبيعة زوجها والوضع الذي يحياه فسخرت كل طاقتها لمعاونته على حياته الدعوية وعلى مواجهة المحن، فهو كثير التغيب إما بسبب الاعتقالات المتكررة أو اللقاءات الدعوية أو السفر، ومع ذلك فقد ربت أبناءها على حب الدعوة والعمل لها حيث أن اغلبهم يسير على خطى والدهم وسط دعوة الإخوان المسلمين، فلم تشعرهم في يوم من الأيام أن والدهم غائب.

وفي حوار معها يدل على ترسخ هذه المعاني والتي تقول فيه:

«كل ما يفعله الله لنا هو خير، وكل ما يمرُّ بنا من حبس الزوج هو قدرٌ من عند الله، وهو خيرٌ، ولا بد للإنسان المؤمن أن يستسلم ويرضَى بهذا القدر، والرضا والتسليم يكون معناه عدم الشكوى أو الاستنكار لقضاء الله وقدَره، وكل ما يمرُّ من مصاعب للإنسان في السجن شيءٌ طبيعيٌّ، مثل الإنسان المريض الذي يشرب الدواء المرّ، فهو راضٍ بالمرض ولكن الدواء مرٌّ؛
وهناك بعض المصاعب والمتاعب التي تُقابلنا، ولكن عندما يقابل الإنسان هذه المتاعب بارتياحٍ ورضا تنقلب هذه المصاعب إلى منحةٍ وليست محنةً كما يستشعرها البعض، فأنا أستشعر رعاية الله ومعيَّة الله معنا، والحقيقية لا أستطيع أن أصف لكِ أنني مهما شكرت الله عز وجل على رحمته بنا ولطفه بنا ورعايته لنا؛ لأن الله تعالى هو أرحم الراحمين ويعوضنا كل خير».

وعن المتاعب التي تواجهها أثناء اعتقال الزوج فتقول:

«المتاعب تتمثل في تحمل عبء الأولاد وحدي، فوجود الزوج يخفف عني موضوع تربية الأولاد، متاعب أخرى بسيطة تتمثل في الزيارة والانتقال، ولا تختلف متاعب الزيارة في رمضان عن غيره من الشهور، وهي في الحقيقة متاعب صغيرة لا تُذكر، خاصةً أننا اعتدنا عليها فأصبحت لا تُمثل لنا متاعب، بل أصبحت من الأمور الطبيعية، والإنسان عندما يستشعر أن وراء هذه المتاعب أجرًا من الله ورضًا من الله فالمتاعب تتحوَّل إلى أشياء مريحة».

ثم تؤكد هذا المعاني فتقول:

«ولكنني أريد أن أتحدث عن وجه آخر يمكن أن يخلقه هذا التعامل الشاذ من السلطة مع مواطنيها، فالدكتور عصام قد سبق وأن اعتقل مرتين أولاها عام 1981م، وثانيها عام 1995م، فهل غيَّر هذا من مواقفنا؟! وهل أخافنا؟! أو حتى أثَّر على أولادنا.. بأن أخذوا اتجاهًا معاكسًا لهدف الهروب من قمع السلطة؟!
إن شيئًا من هذا لم يحدث، وما زلنا كما نحن، وعلى مبادئنا التي يزداد يقينُنا بها كلما رأينا وجهَ الظلم الكالح وهو يكسر أبوابنا في همجية حمقاء، ويروِّع أطفالنا بشيطانية قبيحة، ويعتقل رجالنا في غباءٍ مستحكَم، وهو يعلم أنه مهما فعل فإنَّ سلطانه قد يكون على الجسد فيعتقله.. أما العقل والقلب فهما ملك لخالقهما، لا يستطيع أحد أن يعتقلهما، وهذا هو ما لا يفهمه الذين يتعاملون بمنطق قوة العضلات والسلاح دونما إدراك أنَّ معايير القوة في العالم قد تغيرت»

وعن تعاملها مع أولادها أثناء اعتقال الوالد فتقول:

«أرفض إخفاء الحقيقة، وهذا إبعاد للأبناء عن طريق أبيهم الذي من المفروض أن يؤمنوا به ويشاركوه مخاطره، وأنا أدفع بابني إلى المشاركة في المظاهرات، ولا أخاف عليه، وأدفعه إلى التعامل مع وسائل الإعلام والتواصل معهم ومراسلتهم، وأريده أن يكون فاعلاً كأبيه مؤمنًا بمبادئه، مشاركًا في صناعةِ مشروع الحرية لا منتظرًا لما سيفعله الآخرون في ذلك المجال ليكون فقط منتظرًا لمشاهده النتائج»

وتوضح الحالة الاقتصادية وأثرها على البيت أثناء تغيب الزوج، وكيف تواجهها فتقول:

«الجانب الاقتصادي مهم جدًا في حياة الداعية وأسرة الداعية، وهنا أتوجه إلى الدعاة بأن يسمحوا لزوجاتهم بممارسة أعمال ما ذات عائد مادي كافٍّ حتى لو كان الزوج ميسور الحال؛ لأن قدرة الزوجة على العمل وإدخال دخل للبيت يحرر الداعية وهو في معتقله من همِّ البيت والأولاد في حالة الاعتقال، وليس المهم فقط أن تصبح الزوجة قادرة على إدخال دخل للبيت في غياب الزوج، وإنما كونها تعمل من السابق يجعلها قادرة على إدارة الحالة الاقتصادية للبيت بكفاءة أكثر ودراية أكثر دونما الاحتياج لأحد».

ويقول الدكتور عصام:

إن الحاجة فاطمة دائما تركز على حب الخير وفعله والعمل مع نساء المنطقة المحيطين بها، وإعالة الفقراء، وتعليم النساء أمور دينهن.
بل قامت بخير الأدوار وقت أن كنت في المعتقل أثناء المحكمة العسكرية حيث كان الأولاد يمرون بمرحلة سنية خطيرة وهى مرحلة المراهقة فاستطاعت أن تحتويهم وتعبر بهم هذه المرحلة السنية بخير وبسلام.
كما أشعر بأن أخطر دور تقوم به نحوي هو تذكيري الدائم بالإخلاص والعمل لله وتذكرني أثناء خروجي بعدم الاغترار بالفضائيات، وعدم الإكثار من الظهور، بالإضافة إلى أنها محبة للقرآن والعلم، حتى أنها ما زالت تذهب لتحفظ القرآن وتراجع حفظها في إحدى مكاتب التحفيظ».

كان ذلك نموذجا لشخصية معاصرة من الأخوات والتي تسير على خطاها كثير من الأخوات الأخريات ضربن أروع الأمثلة للمرأة الصالحة.

فاطمة فضل ... زوجتى (بقلم د. عصام العريان)

لم يكن يخطر ببالى أن أكتب عن رفيقة دربى وشريكة حياتى زوجتى، فليس ذلك من عادة الكتاب، وقد يفعلون ذلك بعد رحيلها، ولكنه الوفاء الذى تعلمته من دينى وحضارتى وعقيدتى، فقد زكى الله فى كتابه العزيز نساءً كرمهن بأسمائهن لفضلهم ومكانتهن .

ولماذا أهمل حقها، وقد تعاتبنى فى هذا، وهى صاحبة حق، ورفيقة درب، وصاحبة فضل وتحملت معى الكثير، ولله الحمد فهى لا تتذكر لى إلا مرات معدودة على أصابع اليد الواحدة التى قد أكون أغضبتها فيها؟

كانت المرة الأولى التى ترانى فيها حبيسا مقيدا أمام المستشار وفيق الدهشان فى حجرته بمقر "المدعى العام الاشتراكى" فقد ودعتنى وودعتها ليلة الثانى من سبتمبر 1981م الشهيرة إلى سجن الاستقبال بطرة لأنتقل منه فى حوالى 16/17 أكتوبر 81 إلى سجن المرج لتحقيقات مرهقة وتعذيب بدنى شديد مع حلمي الجزار وأحمد عمر وأحمد أبو الفتوح فى قضية اغتيال السادات

ثم عدت للاستقبال من جديدة فى 31 أكتوبر 1981م لأجد الجنود الذين كانوا يحترمونى ويوقرونى يقابلوننى بأشد ألوان الإيذاء البدنى والضرب والتنكيل، ويقوم أحدهم بتشويه لحيتى آنذاك وتشويه شعر رأسى؛

كل ذلك وليس لى إلا ثوب واحد أتنقل به من سجن إلى سجن لأنتقل مباشرة بعد ليلتين سوداويتين إلى سجن القلعة لموجة جديدة من التعذيب البشع فى نفس القضية أو قضية الانتماء ومن القلعة فى حوالى 20 نوفمبر، وفى أشد حالات الإعياء والإرهاب أذهب إلى المستشار الدهشان لأفاجأ بالمحامين يستأذنون فى دخول زوجتى فاطمة فضل وأمى سارة أبو حمود لزيارتى، يا إلهى، وأنا فى هذه الحالة المزرية، لكنها إرادة الله .

وكانت أمى رحمها الله صلبة جلدة، علمتها الحياة القوة وعلمها الإيمان العزة والثقة بالله، فنزلت كلماتها على قلبى بردا وسلاما، لا تخشى شيئا فأنت مع الله، والله معك .

أما زوجتى فقد عرفت زيارة السجن منذ 1974 (قبل سبع سنوات) فقد اعتقل شقيقها د.صلاح الدين فضل (رحمه الله وغفر له) فى قضية الفنية العسكرية .. ومكث بالسجن 18 شهرا قبل الحكم ببراءته؛

ظلت صامتة ساهمة، اكتفت بكلمات أمى وهى تتمتم بالدعاء لى، وتحاول أن تتأمل ملامحى الشاحبة المنهكة من السجون والتعذيب والتحقيقات التى طالت بين سؤال وجواب لمدة 3 أيام أو يزيد حتى نام الأستاذ محمد عطية خميس رحمه الله على كنبة بالحجرة، وكانت حاملا فى ابنى يوسف فى الشهر السادس أو السابع .

وولدت يوسف وأنا في السجن، فقد انتقلت إلى ليمان أبى زعبل (القسم السياسى الأول) وعانت من مرضه السريع ثم وفاته المفاجأة، فاحتملت آلامها وكتمت معاناتها واعتصرها الحزن : الزوج فى السجن والابن فى اللحد، لا تدرى ما يفعل النظام بنا بعد اغتيال السادات، وتزورنى فى الليمان حيث المسافة البعيدة ومشقة الطريق ومعها ابنتى البكر "سارة" صغيرة لم تتجاوز السنتين لا تدرى من أمر الدنيا شيئا .

صمدت طوال السنة القاسية، وخرجت فجأة فى 29 أغسطس 1982 لأفاجأها بتليفون أننى فى الطريق وأن تستعد لزيارة أمى وأهلى فى بلدتى "ناهيا" بعد الراحة القليلة، ثم توالت الأيام لتكون زياراتها لى مع أولادى الأربعة الذين تحملت مسئولية رعايتهم الكاملة وتربيتهم المتميزة إبان قضائى 5 سنوات بحكم المحكمة العسكرية تطل فيها على كشمس الضحى، ضاحكة باسمة واثقة فى الله، لا تشكوا ولا تتعب، يمنعونها أحيانا من الزيارة فلا تيأس، ونطلب منها كثير الطلبات فلا تتأخر ويتعبها الأولاد فى دراستهم فلا تشكوا .

عرفت معى حلو الحياة، فلم نشعر بأى مرارة، طافت معى أرجاء الدنيا فى إيطاليا وبريطانيا وفى الحج والعمرة، كما جالت ورائى سجون مصر من طرة إلى أبى زعبل .كانت لى بصولة هادية، تذكرنى بالإخلاص التام لله، ناصحة مشفقة، قبل أى برنامج أو نشاط أو زيارة .

هى مستشارتى فى معظم شئونى، وغالب نشاطى، والرقيب الوحيد الذى قد يقرأ كتاباتى قبل نشرها، وغالبا ما أستجيب لنصحها، فهى الضمير الحى المكمل لضميرى الداخلى، روح واحدة استقرت فى جسدين .

لا تحب الظهور ولا التقدم ولا الذكر بين الناس، ولعلها لا تغضب منى أو تلومنى بسبب هذا المقال الذى ادخرته طويلا ليأتى فى هذه المناسبة التى لم أختارها، أمنيتها الأساسية أن يتم رفع الحظر عن السفر لتتمتع معى برحلات العمرة أو الحج حيث سافرت خلال السنوات الماضية مع الأولاد وحدها، وتريد منى أن أرافقها، ولا أحب أن أستأذن أحدا ليسمح لى بحق كفله الله لى، وهو حق السفر والتنقل، فلست عبدا إلا لله وحده، وإذا أراد فسيكون ما يريد .

سعادتها فى بذل الخير للفقراء، وأمنيتها أن تقيم مشروعا للإسكان البسيط للشباب المقبل على الزواج .وقتها مع القرآن، رغم تعثرها فى الحفظ طوال تلك السنوات، ليلها فى القيام والذكر، تصحوا وأنا نائم، فإذا استيقظت لوردى قبيل الفجر، تطلب منى أن أنبهها عند الآذان، أو عقب عودتى من المسجد إذا لم أواصل طابورى الرياضى .

تزوجتها منتقبة، وظلت كذلك حتى كانت قضيتى العسكرية عام 1995م، فسألتها:هل لن أرى وجهك إلا خلف النقاب؟فقررت ترك النقاب وقتها بإرادتها الحرة .

لم تكن تعمل وهى الحاصلة على بكالوريوس التجارة من جامعة القاهرة، فاقتنعت بعد حوار قصير بأهمية العمل فى التدريس واختارت مادة التربية الإسلامية .

قررت الالتحاق بالدراسة الأزهرية عندما فتح المغفور له الشيخ جاد الحق على جاد الحق باب الانتساب للدراسة بالأزهر، فاقتنعت بالالتحاق بكلية أصول الدين قسم العقيدة والتحقت أنا بكلية الشريعة، قسم الشريعة الإسلامية، وسبقتنى فى الدراسة وأنهت دراستها أثناء وجودى بالسجن عام 1998، بينما أخرتنى المحاكم إلى عام 2000م .

نختلف أمام التلفاز، تريد قنوات المشايخ : الرسالة، والناس .... إلخ، وأريد مشاهدة آخر النشرات والأخبار أو البرامج السياسية والفكرية .ألح عليها بضرورة الترشيح لمقاعد البرلمان، فهى لها شعبية كبيرة فى المنطقة، ومؤهلة للعمل العام، وترفض بشدة .

عارضتنى بقوة عندما دعتنى نقابة الفنانين للقاء معهم عام 1989م أثناء نظر قانون خاص بهم وكان بعض الفنانات بزعامة تحية كاريوكا معتصمات بمقر النقابة .وتحفظت على دعوة بعض الفنانات لى لإلقاء دروس بمنازل البعض، واستجبت فى المرتين لطلبها فلم أذهب إرضاء لها، ومن يستحق بعد الله أن أرضيه سواها .

رحلة عمر، وذكريات جملية، وشقاء لذيذ، وتعب نستعذبه معا طالما كان ذلك كله ابتغاء وجه الله تعالى .أسأل الله أن يختم لنا بخير ويحفظنا وأولادنا من كل سوء وشر، ويجمعنا فى جنات النعيم فى الفردوس الأعلى، ويدخلنا فى زمرة عبادة الذين قال فيهم (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)(الطور:21) آمين

الهوامش

  1. حوار شخصي أجريته مع الحاجة فاطمة يوم 30/4/ 2008م.
  2. المصدر السابق.
  3. حوار أجراه الأستاذ عبده مصطفى دسوقي مع الدكتور عصام العريان يوم 27/5/2008م.
  4. موقع ويكيبيديا.
  5. موقع إخوان أون لاين.
  6. حوار أجرته الأستاذة تسنيم محمد لموقع إخوان أو لاين مع الحاجة فاطمة يوم 12/10/2006م.
  7. حوار أجراه موقع إخوان أون لاين مع الحاجة فاطمة يوم 23/05/2005م.
  8. حوار الأستاذ عبده دسوقي مع الدكتور عصام العريان.