فقه التنمية في الإسلام

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
فقه التنمية في الإسلام

د. فتحي يكن

مقدمة

  • تعريف التنمية
  1. التنمية العلمية
  2. التنمية الإيمانية
  3. التنمية العبادية
  4. التنمية الأخلاقية
  5. التنمية الوحدوية والأخوية
  6. التنمية الدعوية والرعوية
  7. التنمية الخيرية الاجتماعية
  8. التنمية الإنتاجية
  9. التنمية الصناعية
  10. تنمية الإدارة والإتقان


تعريف التنمية

التنمية من (نما)؛ أي زاد وكثر، وهو مصطلح ارتبط في العصر الحديث بالجانب الاقتصادي والمالي والصناعي، وبقي ثابتًا في الذهن ضمن هذه الدائرة فقط.. وكثيرًا ما تتردد عبارات (التنمية الزراعية، الاقتصادية، الصناعية، والمالية،..).

أما النظرة الاسلامية لمفهوم التنمية، فتشمل كل جانب من جوانب الحياة؛ لأن الحياة في نظر الإسلام يجب أن تنمو نموًّا متكاملاً متوازنًا مضطردًا؛ لأن عدم النمو يعني التوقف والتخلف والتراجع، ثم الموت.. . ومن هنا كانت نظرة الإسلام إلى التنمية نظرة شاملة كاملة دافعة ومحرضة على تحقيقها.

ففي القول المأثور"من تساوى أمسه ويومه فهو مغبون".

وفي الحديث:"لو قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها".

وجاء في قول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا".

وعنف عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- رجلاً بقي في المسجد، وقد انطلق الناس إلى أعمالهم التنموية المختلفة قائلاً: "قم، لا تمت علينا ديننا أماتك الله".


خصائص التنمية في الفقه الاسلامي

- التنمية المتكاملة: المادية+ المعنوية.

- التنمية المؤسسية: الرسمية + الجماعية.

(ضمان حقوق الانسان) (الناس شركاء)

- التنمية الفردية: كلكم راع+ كل مواطن مسئول وحارس.

- التنمية المتوازنة: للفرد+ للمجتمع+ للمناطق.

- التنمية الوسطية: كل ما زاد عن حده انقلب إلى ضده.

- الأولوية في التنموية: تقديم التنمية الحاجية على الكمالية (غذائية+ طبية+ تعليمية+ أمنية+ بيئية).


جوانب التنمية في الإسلام

1-التنمية العلمية

والإسلام يُعنى بالتنمية العلمية عناية فائقة؛ لأن العلم هو الباب الأوسع إلى الإيمان، وإلى معرفة سنن الله تعالى، وإلى التفكير في خلق السموات والأرض، وإلى أعطاء الله حق قدره، ومن قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾ (فاطر: 28)، ومن هنا قول الرسول الأعظم- صلى الله عليه وسلم-: "العلماء ورثة الأنبياء"، وقوله أيضًا: "فضل العالم على العابد كفضل الشمس والقمر".

ومن الشواهد القرآنية التي تحض على التنمية العلمية:

قوله تعالى:﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (التوبة: 122).

وقوله سبحانه:﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ (المجادلة: 11).

وقوله عز وجل:﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ (الزمر: 9).

وقول الله تعالى:﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾ (فاطر: 28).

ومن الشواهد النبوية التي تحض على التنمية العلمية:

قول رسول الله:"فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب".

وقال: "العلماء ورثة الأنبياء".

وقال أيضًا:"أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد".

وقال: "أطلبوا العلم ولو في الصين"، وفي هذا بيان واضح الدلالة على وجوب العناية بالتنمية العلمية.

وقال رسول الله: "من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا، سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم" (رواه أبو داوود).

ويقول:"لن يشبع المرء من خير يسمعه.. حتى يكون منتهاه الجنة" (رواه الترمذي).

ويقول:"الكلمة الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها" (رواه الترمذي).

ويقول: "من تفقه في دين الله- عز وجل- كفاه الله تعالى ما أهمه، ورزقه من حيث لا يحتسب" (رواه الخطيب).

ويقول: "إذا أتى علي يوم لا أزداد فيه علمًا يقربني إلى الله، فلا بورك في طلوع شمس ذلك اليوم" (أخرجه الطبراني).

ويقول:"من تعلم لغة قوم أمن مكرهم".

ويقول: "باب من العلم يتعلمه الرجل خير له من الدنيا وما فيها" (أخرجه الطبراني).

ويقول: "من عمل بما علم.. أورثه الله علم ما لا يعلم".

ويقول ابن المبارك: "عجبت لمن لم يطلب العلم.. كيف تدعوه نفسه إلى مكرمة؟"، وقال أبو الدرداء: "من رأى أن الغدو في طلب العلم ليس بجهاد فقد نقص في رأيه وعقله".


2- التنمية الإيمانية

من ركائز التنمية في الإسلام ما يتصل بالإيمان.

فالإيمان يجب أن ينمو باضطراد، وكل تعطل في عملية التنمية الإيمانية ينعكس سلبًا في حياة الإنسان وسلوكه ومجمل تصرفاته، كما ينعكس بالتالي على المجتمع كلّه.

شواهد قرآنية

يقول الله تعالى:﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ (التوبة: 124).

يقول سبحانه:﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ (الأنفال: 2).

ويقول عز من قائل: ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا﴾ (مريم: 76).

ويقول جل جلاله:﴿إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا* وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً* وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ (الإسراء: 107- 109).

وقال سبحانه:﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ (الأحزاب: 22).

وقال عز وجل:﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ (آل عمران: 173).

شواهد نبوية

يقول رسول الله- صلى الله عليه و سلم-:"ما من جرعة أحبّ إلى الله من جرعة غيظ كظمها عبد.. ما كظمها إلا ملأ بها جوفه إيمانًا".

ويقول- صلى الله عليه و سلم-: "جددوا إيمانكم"، قيل: يا رسول الله، وكيف نجدد إيماننا؟ قال: "أكثروا من قول لا إله إلا الله" (رواه أحمد وغيره).

ويقول:"إن لكل شيء صقالة.. وصقالة القلوب ذكر الله" (رواه البيهقي).

ويقول: "لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب، فإن القلب كزرع يموت إذا كثر عليه الماء" (رواه الطبراني).

ويقول:"إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن لا يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه".

ويقول:"الإيمان يخلق كما يخلق الثوب"؛ أي يبلى..

ويقول:"الإيمان يزيد وينقص".

ويقول:"يا معشر المسلمين، شمروا فإن الأمر جدٌّ، وتأهبوا، فإن الرحيل قريب، وتزودوا فإن السفر بعيد، وخففوا أثقالكم فإن وراءكم عقبة كئودًا لا يقطعها إلا المخففون.. أيها الناس، إن بين يدي الساعة أمورًا شدادًا، وأهوالاً عظامًا، وزمنًا صعبًا، يتملك فيها الظََلَمة، ويتصدر فيه الفسقة.. فيضطهد فيه الآمرون بالمعروف، ويضام الناهون عن المنكر، فأعدوا لذلك (الإيمان) عضوًا عليه بالنواجذ، والجئوا إلى العمل الصالح، وأكرهوا عليه النفوس، واصبروا على الضراء، تفضلوا إلى النعيم الدائم".

ويقول:"لا يبلغ العبد درجة الإيمان حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما".

ويقول:"ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟"، قالوا: بلى يا رسول الله.قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط" (رواه مسلم).

ويقول عن ربه- عز وجل- في حديث قدسي: "إذا تقرب العبد إليَّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإذا تقرب إليَّ ذراعًا تقربت منه باعًا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة" (رواه البخاري).

ويقول عن ربه- عز وجل- في حديث قدسي: "من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه" (رواه البخاري).

ويقول:"اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" (رواه الترمذي).

ويقول:"إن الله تعالى يقول يا ابن آدم: تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأسد فقرك، وإن لا تفعل ملأت يدك شغلاً، ولم أسد فقرك" (رواه أحمد والترمذي).

ويقول: ".. الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك" (من حديث طويل لمسلم).

وصدق الشاعر إذ يقول:

رأيت الذنوب تميت القلوب
وقد يورث الذل إدمانها

وترك الذنوب حياة القلوب

وخير لنفسـك عصيانها


3- التنمية العبادية

ويتناول الإسلام الجانب العبادي (العبادات)، فيدعو إلى العناية بها (نوعًا)، والإكثار منها (كمًّا)، وبذلك تبقى العبادة في تجدد وتألق، وفي تنام دائم ومستمر..

ومن الشواهد القرآنية

قوله تعالى:﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ (المؤمنون: 1- 2).

وقوله تعالى:﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ (الأنبياء:90).

وقوله تعالى:﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ (الأنفال: 2).

وقوله تعالى:﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ (الأنبياء: 73).

وقوله تعالى:﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ (الأنعام: 92).

وقوله تعالى:﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ (الحجر: 99).

وقوله تعالى:﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ﴾ (الزمر: 66).

ومن الشواهد النبوية

قول رسول الله- صلى الله عليه و سلم-: "من أكثر الاستغفار.. جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب" رواه أحمد في مسنده.

وقوله- صلى الله عليه وسلم- عن رب العزة سبحانه وتعالى: ".. وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها.." إلى آخر الحديث.

وقوله:"الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".

وقوله:"اللهم ارزقني عينين هطالتين، تشفيان القلب بذرف الدمع من خشيتك قبل أن تصير الدموع دمًا" (أخرجه الطبراني).


4- التنمية الأخلاقية

قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "أتدرون من المفلس؟" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار.فقال:"إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا.. فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار" (رواه مسلم).

وقال- صلى الله عليه وسلم-:"إن أحبكم إلي وأقربكم مني منزلة يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقًا، الموطئون أكنافًا، الذين يألفون ويؤلفون".

وقال:"ما من شيء بأثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء".


5- التنمية الوحدوية والأخوية

شواهد قرآنية

قال الله تعالى:﴿اعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ.. .﴾ (آل عمران: 103).

وقال سبحانه:﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات:10).

وقال سبحانه:﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ (المؤمنون: 52).

وقال سبحانه:﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ (الأنفال: 46).

شواهد نبوية

قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:"المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا".

وقال- صلى الله عليه وسلم-:"المسلم أخو المسلم، لا يخونه ولا يكذبه ولا يخدعه. كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه، التقوى ههنا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم" (رواه الترمذي).

وقال- صلى الله عليه وسلم-:"حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميث العاطس" (متفق عليه).

وقال- صلى الله عليه وسلم-: "حق المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس وحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده" (رواه مسلم).


6- التنمية الدعوية والرعوية

والإسلام يجعل كل مسلم خفيرًا ومسئولاً عن سلامة المجتمع وأمنه الأخلاقي، على قاعدة التواصي بالحق والتواصي بالصبر، ومن خلال مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وبذلك ينعم المجتمع الإسلامي بنعمة العافية، وتتراجع فيه ظواهر الانحراف والانحدار والشذوذ.

من الشواهد القرآنية

قول الله عز وجل:﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 104).

وقول الله عز وجل: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (فصلت: 33).

وقوله عز وجل:﴿لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (النساء: 114).

الشواهد النبوية

قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:"من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان، وليس بعد ذلك حبة خردل من إيمان" (رواه مسلم).

وقال- صلى الله عليه و سلم-:"لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم، فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم".

وقال: "كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته".

وقال:"الدين النصيحة".

وقال:"لئن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من الدنيا وما فيها"، وفي رواية: "خير لك من حمر النعم".


7- التنمية الخيرية الاجتماعية

والإسلام حلق في مجال التنمية الخيرية والاجتماعية، إلى مستويات لا تبلغها المدارك والعقول البشرية؛ وهو ما جعل البنية الاجتماعية كالبيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضًا، فالجميع يعيش هَمَّ الجميع، وصفهم الرسول- صلى الله عليه و سلم- بقوله: "مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى".

وفي كتاب الله تعالى مئات الآيات التي تحض على الانفاق في سبيل الله؛ بل إن معظم الآيات تصف المسلمين بأنهم آمنوا: ﴿ومِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ (البقرة: 3).

ويقول الله تعالى:﴿وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ (الحديد: 7).

ويقول تعالى:﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ (آل عمران: 92).

ويقول سبحانه:﴿وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً﴾ (الرعد: 22).

ويقول سبحانه:﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ﴾ (البقرة: 272).

ويقول سبحانه:﴿قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً﴾ (إبراهيم: 31).

ويقول سبحانه:﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ (البقرة: 3).

ويقول سبحانه:﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ (الحديد: 7).

ويقول سبحانه: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ (الإنسان: 8).

وفي سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عشرات الأحاديث التي تحضُّ على مختلف أنواع البر والخير.. "كالسير في حوائج الناس، ورفع الظلم عنهم، والمطالبة بحقوقهم، وتيسير عسرهم، وتنفيس كربهم، وكفالة أيتامهم، ورعاية أراملهم، وإيواء مشرديهم، وإطعام الجائعين منهم".

من ذلك قوله- صلى الله عليه وسلم-:"إن لله تعالى أقوامًا يختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، فحولها إلى غيرهم" (رواه الطبراني وأبو نعيم في الحلية).

وقوله: "على كل مسلم صدقة"، قال: أرأيت إن لم يجد؟ قال: "يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق". قال:أرأيت إن لم يستطع؟ قال: "يأمر بالمعروف أو الخير" قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة" (متفق عليه).

وقال:"من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيًا في أهله بخير فقد غزا" (متفق عليه).

وقوله:"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" (متفق عليه).

وقوله:"المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عنه كربة فرج عنه بها كربة من كرب يوم القيامة" (متفق عليه).

ومن ذلك قوله:"من حما مؤمنًا من ظالم بعث الله له ملكًا يوم القيامة يحمي لحمه من نار جهنم".

وقوله: "من نفس عن مؤمن كربة، نفس الله عنه كرب الآخرة".

وقوله: "من سر مؤمنًا فقد سرني، ومن سرني فقد سر الله".

وقوله: "من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته".

وقوله:"الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله وكالقائم الليل الصائم النهار".

وقوله:"إن لله خلقًا خلقهم لحوائج الناس، يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله".

وهذا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يقول عام المجاعة، وقد أقسم على ألا يذوق سمنًا ولا لبنًا ولا لحمًا حتى يحيا الناس: "بئس الوالي أنا إذا شبعت وجاع الناس، ولم إذن كنت إمامًا إذا لم يمسسني ما يمسهم؟!".

وجاء في حق الجوار:

في القرآن الكريم:﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا﴾ (النساء: 36).

وفي السنة النبوية الشريفة: قوله- صلى الله عليه و سلم-: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت" (متفق عليه).

وقوله: "خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحه، وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره" (رواه الترمذي).

وقوله: "لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه" (رواه مسلم).


8- التنمية الإنتاجية

والإسلام يوجب على كل مواطن أن يعمل، وأن يأكل من كسب يديه، فهو لا يرضى للناس أن يكونوا عاطلين عن العمل، عالة على الآخرين، يستجدون الناس أعطوهم أو منعوهم.

وفقه التنمية في الإسلام يدعو إلى تحقيق التوازن بين عمارة الدنيا وعمارة الآخرة، على قاعدة قوله تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ (القصص: 77).

ويوم رأى عمر بن الخطاب- رضى الله- رجلاً بقي في المسجد وقد خرج الناس، فخفقه بالدرة (العصا) وقال: "قم، لا تمت علينا ديننا أماتك الله".

ومن هديه- صلى الله عليه وسلم- قوله: "ما أكل أحد طعامًا قط خير من أن يأكل من عمل يده، وإن داوود كان لا يأكل إلا من عمل يده".

وعندما صافح أحد المسلمين وشعر بخشونة في يده قال: "إن هذه يد يحبها الله، هذه يد لن تمسها النار أبدًا".

وقال: "اليد العليا خير من اليد السفلى".

ثم إن التشريعات التي تناولت الشئون التجارية المختلفة ووضعت أصولها وقواعدها وضوابطها.. لتؤكد على مدى اهتمام الإسلام بالتنمية التجارية، من بيع وشراء ومرابحة ومشاركة.


9- التنمية الصناعية

إن قاعدة الأخذ بكل أسباب القوة التي بينتها الآية الكريمة: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾ (الأنفال: 60) لتؤكد وجوب الأخذ بكل مقومات التنمية الصناعية في شتى المجالات التي تعود على الناس بالخير وليس بالدمار والخراب، بسبب وجهة الاستعمال، وبسبب فائض الإنتاج الصناعي الذي أدى إلى تراكم النفايات والتلوث البيئي، الذي يتهدد العالم، بالكوارث الصحية والبيئية.


10- تنمية الإدارة والإتقان

والإسلام منهج حياة لتنظيم كل شيء، وهو في كل تشريعاته يعتبر التنظيم أساسًا للنجاح والجودة، نتيجة شفافية العمل وأخلاقيته، والتي عبر عنها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أدق تعبير حين قال:"إن الله يحب من أحدكم إذا عمل العمل أن يتقنه".

في ضوء كل هذه المعطيات يتبين أن التنمية في الإسلام سياسة شاملة متوازنة متكاملة، تفرض على الفرد والمجتمع الأخذ بجميع أسباب النماء والارتقاء المادي والمعنوي، ووفق القاعدة النبوية الداعية إلى النمو والارتقاء ساعة بعد ساعة ويومًا بعد يوم، والتي تتجلى في القول المأثور: "من تساوى يوماه فهو مغبون"، وفي رواية: "من تساوى يومه وأمسه فهو مغبون".

المصدر