في فقه التعامل مع الآخر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
في فقه التعامل مع الآخر

القيادة النبوية وإمارة الخلافة لم تلغ الآخر،فكيف بإمارة جمعية أوتنظيم؟

بقلم الداعية الدكتور فتحي يكن

تشويه صورة الاسلام

عجبت لأناس يعمدون الى تشويه صورة الاسلام – وما أكثر ظواهر تشويه الاسلام في هذا العصر ـ من خلال ما اختزنته عقولهم الباطنة من أفكار مغلوطة ،وما استقر في أعماقهم من أمراض وعقد نفسية،وحالات من هلوسة وأوهام هي أبعد ما تكون من حقائق ومباديء الاسلام العظيم ..

من هؤلاء،من يظن أن تنصيب أمير على مجموعة،أو قائد على تنظيم،يوجب اختصار كل من حوله من أشخاص، واختزال جميع ما حوله من أفكار .. وحاشى للاسلام أن يكون نهجه كذلك،أو أنه يقبل بمثل ذلك،لأن ذلك لا يعني إلا قتل المواهب،وقمع التجليات،وحظر الاجتهاد،والتمحور حول ما يتمخض عنه تفكير هذا الانسان أو ذاك !!

الاسلام خلاف ذلك تماما .. الاسلام حض على التفكير .. على التفكير الفردي قبل أن تتشكل الرؤية الجماعية والتي ليس بديلا عن الاجتهادات الفردية التي تشكل ثرورة فكرية بحد ذاتها ..

إن اجماع المسلمين في عصر من العصور لم يؤد الى الغاء الاجتهادات الفرية،ووقف المبادرات الذاتية في إعمال العقل واستنباط الجديد من الأحكام والآراء الشرعية لمختلفة ..

إنه لو لم ذلك كذلك لما كان هنالك هذا الكم من الثروات الفقهية والفكرية في كل شأن من شؤون الحياة الذي هو نتيجة طبيعية لكدح العلماء وحراكهم ومبادراتهم الشخصية في مجال التنافس العلمي الهادف الى بلوغ ذروة الحقائق والكمالات !

إن تعطيل العقل جريمة شرعية لا تماثلها جريمة أخرى،لما تحدثه من تخلف وفقر وضياع في مستوى التفكير العام،ولما تعكسه من حالة ضعف مريع في مستوى مواجهة تحديات العصر!

  • لقد نعى القران الكريم العقل حيال تعطيله من قبل فرعون الذي سمح لنفسه بإعفاء الناس من التفكير،وقيامه بالتفكير عنهم.
  • أما رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى،فكان حريصا تحريض صحابته على التفكير،ولو أدى ذلك الى مخالفة ما يراه ما لم يكن وحيا ً!ولكم ردد في ظروف وقضايا مختلفة ومتعددة قولته المشهورة :(أشيروا علي أيها القوم)

· أما الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم وأرضاهم فلم ينفكوا يحضون على إبداء الرأي وإعمال النصيحة،لتي هي الدين أو من الدين،والتي تختص أكثر ما تختص أئمة المسلمين وامرائهم وقياداتهم، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم :(الدين النصيحة .. قيل لمن يا رسول الله ؟ قال : .... نص الحديث)


الاسلام والآخر

إن وظيفة الاسلام الاساسية هي دعوة الناس الى الاسلام ، واستيعابهم في حركته ومشروعه ومسيرته .. والخطاب القرآني لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، جاء بالصيغة التكليفية عبر العديد من الآيات ، منها قوله تعالى :{ يا أيها الرسولُ بلِّغ ما أ ُنزلَ اليك من ربك، فان لم تفعلْ فما بَلغتَ رسالته ، والله يعصمُك من الناس }

أما دليل الاهتمام بالاخر فيذخر به كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من زوايا واوجه مختلفة .. فمن الأدلة القرآنية على الاهتمام بالآخر الحض على أن تكون الدعوة بالحكمة وبالتي هي أحسن ، مصداقا لقوله تعالى : (أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)ولقد بلغ حرص الاسلام على الآخر، ما جاء من نهي قرآني عن مجادلة حتى غير المسلمين الا بالتي هي أحسن ، فقا ل تعالى :{ ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن } ..

بل إن السياق القرآني الذي جاء به التكليف الرباني لموسى عليه السلام في مخاطبة فرعون ـ وهو الذي قال لقومه أنا ربكم الاعلى ـ ليعتمد اسلوبا يتجلى فيه منتهى الحرص على حسن مخاطبة هذا الطاغية ومحاولة استيعابه،فقال تعالى :{ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى }

أما شعور البعض بصعوبة قبول الآخر ، فيعود من وجهة نظري الى التربية المفرطة في الانغلاق التنظيمي، والتي تستصعب قبول الأخر الاسلامي،فكيف بالعلماني والنصراني وسواه؟بل إن هذه التربية تدفع أحيانا الى اعتبار من يترك التنظيم،لسبب ولآخر،عدوا ً تجب مقاطعته ومحاربته ؟

إن قبول الآخر واستيعابه يجب أن ينطلق من قاعدة حب الخير للآخرين والحرص الصادق على هدايتهم واستنقاذهم من ضلالاتهم،ومن القناعة الصادقة بشرعية هذا الأمر ووجوبه،كما من خلال تأصيله وتجذيره في المشروع الاسلامي وفق العناوين العريضة التالية :

· أن الاسلام يعترف بوجود الاضداد من خلال قوله تعالى :{ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة } هود 118

· وهو يدعو الأضداد الى التلاقي والتعارف،مصداقا لقوله تعالى :{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا،إن اكرمكم عند الله اتقاكم،إن الله عليم خبير }الحجرات 13

· والاسلام يدعو الكل للتعاون على الخير،من خلال قوله تعالى :{ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ، واتقوا الله إن الله شديد العقاب } المائدة 2

· والاسلام ينهى عن اعتماد سياسة القمع والاكراه مع الآخر،من خلال قوله تعالى :{لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } البقرة 256 وهذا منتهى الانفتاح على الآخر والاعتراف به .

· والاسلام يحذر من الاساءة الى الاخر ولو كان مشركا او علمانيا،أو غير ذلك من خلال قوله تعالى :{ ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم } الأنعام 108

· والاسلام يدعو الى البحث عن القواسم المشتركة في دعوة الآخرين حرصا على استجابتهم واستيعابهم فيقول :{ قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم،ألا نعبد الا الله،ولا يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله }ال عمران 64

· والاسلام يدعو الى التعاون والتضامن مع الأخر كائنا من كان لدرء المفاسد وجلب المصالح ، كرفع الظلم ، وتعزيز الحرية والعدالة والمساواة ، وصون حقوق الانسان .

ومن أجل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{ لقد حضرت في دار عبدالله بن جدعان حلفا،ما أحب ان لي به حمر النعم ، ولو دعيت الى مثله في الاسلام لأجبت }

· ومن دلائل حرص الاسلام على الآخر ، دعوته وحضه على الاستفادة مما عنده من خير وما لديه من حكمة،حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :{ خذو الحكمة من أي وعاء خرجت } و {الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها } و{ اقبلوا الحق ممن جاء به من صغير أو كبير ولو كان بغيضا بعيدا ، وارددوا الباطل على من جاء به من قريب أو بعيد ولو كان حبيبا نسيبا }

والحقيقة أن المسلمين عموما والاسلاميين خصوصا،مدعوون لامتثال الاسلام ومبادئه وأحكامه واخلاقه في التعامل مع الآخر،بصرف النظر عن معتقده وفكره وفلسفته ما لم يحمل عليهم السلاح ويقاتلهم،وليتدبروا بامعان قوله تعالى :{ لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم إن الله يحب المقسطين }الممتحنة 8


الاسلام والتعامل الحضاري مع التعددية

يكفي الاسلام حضارية أنه استوعب كل الانتماءات الدينية والقومية والعرقية حين أعلن ابتداء :{ لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } البقرة 256 ، وجاء الخطاب القرآني الآخر ليكرس حرية المعتقد بقوله تعالى { أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين } يونس 99

ولقد بلغت سماحة الاسلام في تعامله مع التعدديات المختلفة شأوا لامثيل له في الأولين والآخرين ، وبخاصة في هذا الزمان التي تفاقمت فيه حروب التصفيات العرقية والاثتية والدينية على نحو ما جرى ويجري في العديد من دول العالم كالبوسنة والهرسك والشيشان وكشمير والهند وكوسوفا وايرلندا وغيرها .

لقد احتضن الاسلام أصحاب الانتماءات الاخرى وجعلهم في عهدته وذمته،مما يؤكده بجلاء الخطاب النبوي القــائــــل :

{من آذى ذميا فقدآذاني،ومن أذاني فقد آذى الله } رواه الطبراني في الأوسط ,, وفي موضع حضاري آخر يقول عليه الصلاة والسلام :{ من قتل معاهدا ، لم يرح – أي يشم – رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما }

وهنا أود أن أنقل كلاما مميزا للمؤرخ "غوستاف لوبون" حيث وضع كتابا عنوانه "حضارة العرب " جاء فيه (كان تأثير العرب على الغرب عظيما،واليهم يرجع الفضل في حضارة اوروبا،ولم يكن نفوذهم في الغرب أقل من نفوذهم في الشرق .. لقد تمتعت اسبانيا بحضارة سامية بفضل العرب،بينما كانت بقية اوروبا غارقة في ظلام وتاخر .. ولو سار الغرب تحت راية العرب لتسامت منزلته،ورقت أخلاق أهله ،ولما وقعوا في الحروب الدينية والمصائب التي غرقت فيها اوروبا بالدماء عدة قرون)

إنه يكفي دلالة على انفتاح الاسلام الحضاري على الآخرين في المجتمع الاسلامي وضمن الدولة الاسلامية،أن التاريخ ذاخر بالشواهد والأدلة التي تؤكد مشاركة غير المسلمين في شؤون الحكم والادارة وفي مختلف مؤسسات واجهزة الدولة .

المصدر