قضية التنظيم الدولي المزدوجة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
قضية التنظيم الدولي المزدوجة
د. رفيق حبيب

منذ بداية ما عرف بقضية التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، واتجاهات التحقيق والاعتقال تنتقل من اتجاه إلى آخر، مما يشير أن تلك القضية مثلت غطاءا للعديد من الأغراض، وأن النظام الحاكم لم يستقر بعد على الاتجاه النهائي للقضية. ففي البداية بدت القضية وكأنها موجهة لعدد من القيادات السياسية للجماعة ومنها الدكتور سعد الكتاتني والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح كرسالة للإدارة الأمريكية حتى لا تحاور أي طرف داخل الجماعة، ورغم ذلك تم القبض على الدكتور أسامة نصر وإخوانه، واستمر التحقيق معهم فترة ثم توقف، وصدر بحقهم حكم المحكمة القاضي بالإفراج عنهم، ثم اعتقلوا كنوع من التحايل على قرار المحكمة. وبعدها تم القبض على الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح واتخذت القضية مسارا آخر، مما جعلها قضية مفتوحة لحين تحديد الغرض النهائي منها. ورغم أن القضية في النهاية هي ضربة أمنية يراد منها عرقلة نشاط جماعة الإخوان المسلمين، ورغم أنها تمثل حلقة من سلسلة متواصلة من الاعتقالات بحق الجماعة منذ ما يزيد عن خمسة عشر عاما، إلا أن هناك خيوطا مهمة داخل القضية تكشف عن توجهات النظام، وتفتح ملفا جديدا في المواجهة بين النظام وجماعة الإخوان المسلمين.


فمع القبض على الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب، ومعه الدكتور جمال عبد السلام، ثم القبض على الدكتور أشرف عبد الغفار، بات واضحا أن المقصود من تلك الحملة هو نشاط الإغاثة الذي تقوم به نقابة أطباء مصر واتحاد الأطباء العرب. وقد سبق اعتقال الدكتور جمال عبد السلام من قبل، أثناء حرب إسرائيل على غزة، بهدف إعاقة عمل لجان الإغاثة. لذا يصبح من المهم النظر إلى ما قامت به قيادات جماعة الإخوان المسلمين وكوادرها من نشاط مكثف لمساعدة قطاع غزة، منذ عملية فتح معبر رفح في يناير من عام 2008، وحتى بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية الغاشمة على القطاع في يناير 2009. ففي هذه الفترة قامت جماعة الإخوان المسلمين بالعديد من الأنشطة المهمة لدعم قطاع غزة، وخرجت المظاهرات الحاشدة لدعم القضية الفلسطينية، ونشطت كوادر الجماعة بصورة مكثفة داخل مؤسسات المجتمع المدني القائمة، ومنها النقابات، لتقديم الدعم لقطاع غزة.


ومن الواضح أن دور جماعة الإخوان المسلمين في مساندة قطاع غزة، بات يقلق النظام الحاكم. لأنه في النهاية يمثل دورا شعبيا مؤثرا، يؤكد على إخلاص جماعة الإخوان المسلمين لقضايا الأمة الرئيسة، وعلى رأسها قضية فلسطين. ولكن بجانب ذلك، فإن كل نشاط يدعم قطاع غزة المحاصر ماديا أو معنويا، يمثل سندا وظهيرا لسكان القطاع المحاصرين، وأيضا لحركات المقاومة في القطاع، ومنها بالطبع حركة المقاومة الإسلامية حماس. وهنا نأتي لبيت القصيد، فالدعم المقدم لقطاع غزة مثل لحد ما نوعا من السند الذي سمح برفع قدرة قطاع غزة على الصمود. وهذا يعني ضمنا، خاصة بالنسبة لنظام الحكم في مصر، أن هذا الدعم مثل سندا لحركة حماس، وبالتالي أتاح لها فرصة أكبر للصمود في وجه آلة الحرب الإسرائيلية، وفي وجه الحصار الخانق الذي يتعرض له القطاع.


يضاف لهذا ما يعرفه الجميع، من أن حركة حماس استطاعت إدخال ملايين الدولارات من المتبرعين العرب والمسلمين إلى قطاع غزة لتحل بها مشكلات القطاع والسكان، وتحاول ترميم ما تستطيع من الخراب الذي تركه العدوان الإسرائيلي. ومن المعروف أن عملية أعمار غزة متوقفة، وتستخدم سلاحا في وجه حركة حماس لابتزازها، كما يستخدم حصار قطاع غزة سلاحا لابتزاز حركة حماس، والضغط عليها لتقدم تنازلات في الحوار الفلسطيني. وكل هذه الضغوط يفترض أن نجاحها متوقف على ما يتحقق من ضغط شديد على سكان قطاع غزة، ولكن أي مساعدات تصل إلى قطاع غزة، سوف تمثل سندا يدعم صمود سكان قطاع غزة، وصمود حركة حماس. كما أن جهات الأمن المصري تحاول معرفة كيفية جمع حركة حماس للأموال، وبالطبع هي تعرف الكثير، ولكن ما تعرفه يبدو غير كامل. كما أن أجهزة الأمن المصرية، تريد معرفة ما إذا كانت قيادات جماعة الإخوان المسلمين وكوادرها، قد ساعدوا في جمع الأموال لحركة حماس لمساعدة سكان القطاع، وهل ساعدوا أيضا في تمويل حركة حماس لتحصل على السلاح، ولتواصل صمودها، أم لا؟


لهذا أصبحت قضية التنظيم الدولي تتجه نحو متابعة حركة الأموال، ومتابعة القيادات التي تقوم بنشاط الإغاثة. حتى يتم رسم صورة عما يحدث من دعم من قبل جماعة الإخوان المسلمين لقطاع غزة، وأيضا يتم عرقلة هذا النشاط حتى يتوقف، أو يصل لحده الأدنى. مما يتيح إحكام الحصار على قطاع غزة وحركة حماس. ومعنى هذا، أن تلك القضية المفتوحة الآن، تمثل حلقة مهمة في الضغط على حركة حماس، حتى تقبل بما يعرض عليها في الحوار الفلسطيني، أي تقبل بعودة سيطرة السلطة الفلسطينية على قطاع غزة، وأيضا القبول بالشروط الدولية أو الخروج من العملية السياسية برمتها.


لهذا أصبحت هذه القضية مزدوجة، فهي تهدف لتوجيه ضربة لجماعة الإخوان المسلمين، للحد من نشاطها السياسي عموما، كما تهدف لتوجيه ضربة لنشاط جماعة الإخوان الداعم لقطاع غزة المحاصر، للضغط على حركة حماس. وأظن أنها في النهاية رسالة لدولة الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية، أن النظام يقوم بكل ما يطلب منه وأكثر .


المصدر : نافذة مصر