كلمة المرشد العام في افتتاح مؤتمر الحملة الدولية ضد الهيمنة الأمريكية
2006-23-03
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتم المرسلين، سيدِنا محمد وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، وبعد!!
أيها الإخوةُ الكرامُ والأخَوَات الفُضْلَيات..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
تطلَّعت البشريةُ بعدما وضعت الحربُ العالميةُ الثانيةُ أوزارَها، وبعدما ذاقتْه فيها من وَيلاتٍ وعذاباتٍ قُتلَ فيها ما يزيد عن خمسينَ مليونًا من البشرِ، وسُوِّيَتْ المدنُ بالترابِ، واستُعملت القنابلُ الذَّريةُ، وعاشَ الجنسُ البشريُّ في رعبٍ من الفناءِ في أهوالٍ يستحيلُ على البيانِ وصفُها..
تطلَّعت البشريةُ بعدها إلى عصرٍ يخلو من الحروبِ والصراعاتِ وتسودُهُ روحُ الحقِّ والعدلِ والتعاونِ والسلامِ، فصدرت إعلاناتٌ، وتأسَّستْ هيئاتٌ، وأُقِرَّتْ مواثيقُ تبشِّرُ بانتهاءِ عصرِ الاستعمارِ، وتقريرِ حقِّ الشعوبِ في تقريرِ مصيرِها، وتجريمِ استغلالِ الشعوبِ والثرواتِ والاستيلاءِ على الأراضي بالقوةِ المسلَّحةِ، واحترامِ حقوقِ الإنسانِ وحرياتِهِ، وتحقيقِ الديمقراطيةِ، وتحقيقِ التعاونِ بينَ الشعوبِ والحكوماتِ في ظلِّ أمنٍ وسلامٍ دائمَيْنِ.
وما هي إلا سنواتٌ قليلةٌ حتى وقعَت جريمةٌ إنسانيةٌ كبرى، وهي الاعترافُ بقيامِ دولةِ الكيان الصهيونيِّ على أنقاضِ دولةِ فلسطينَ العربيةِ المسلمةِ، بعدما دارَتْ المجازرُ في أهلِها، وتشرَّدَ منهم مَن بقيَ علَى قيدِ الحياةِ، واغتُصِبتْ الأراضي والمدنُ والقرى والديارُ، في أبشعِ صورةٍ للاستعمارِ الاستيطانيِّ العنصريِّ التوسعيِّ عرفَها التاريخُ، كلُّ هذا وَمِدَادُ الإعلاناتِ والمواثيقِ الدوليةِ لم يكنْ قد جَفَّ بعدُ!!
وما إِنْ انتهَتْ الحربُ الباردةُ بين القطبَيْنِ الكبيرَينِ في العالمِ- بانهيارِ الاتحادِ السوفيتيِّ- حتى تَفَرَّدت الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ بالقوةِ العظمى في العالمِ؛ وكشَّرَتْ عنْ أنيابِها، وأسفرَتْ عن حقيقتِها، وكشفَت عن مخططاتِها للهيمنةِ على العالمِ، وتكوينِ إمبراطوريةٍ استعماريةٍ جديدةٍ، في تنكُّرٍ واضحٍ لكلِّ الإعلاناتِ والمواثيقِ والقيمِ والقوانينِ الدوليةِ، مستخدمةً هيئةَ الأممِ المتحدةِ كأداةٍ لتحقيقِ هذه الأهدافِ، فإنْ عجزَتْ عن استخدامِها تجاوزتْها ونفَّذَت ما تريدُ من فوقِ رأسِها، في استعلاءٍ وتجبُّرٍ!! بل واستخدمَتْ برلمانَها (الكونجرس) في إصدارِ قوانينَ تعاقبُ بها دولاً أخرى!!
ثم تعاونَ الاستعمارُ القديمُ والجديدُ على تفتيتِ أمتِنا وإذلالِها وإضعافِها؛ لتحقيقِ أهدافِهِم، وإشباعِ جشعِهِم، ونُصرةِ المشروعِالصهيونيِّ الكبيرِ، فأمدُّوا الكيان الصهيونيِّ بالمالِ والسلاحِ، وأعانوه على صُنعِ الأسلحةِ النوويةِ، واستخدموا "الفيتو" لحمايةِ عدوانِها في مجلسِ الأمنِ، وأيَّدوها سياسيًّا في كلِّ المحافلِ الدوليةِ، وفي ذاتِ الوقتِ أيَّدوا الأنظمةَ المستبدةَ الفاسدةَ القاهرةَ لشعوبِها في حكمِ بلادِنا.
وما إنْ وقَعَت أحداثُ سبتمبر سنةَ 2001 م في نيويورك التي لا نعلمُ على وجهِ اليقينِ مَن الذي قامَ بها؛ حيثُ لم يتم تحقيقٌ- أيُّ تحقيقٍ فيها- حتى قامت أجهزةُ الإعلامِ الأمريكيةِ والصهيونيةِ الجبَّارة بإلصاقِها بنفرٍ مِنَ العربِ والمسلمين، وظلَّت تكرِّرُ هذا الأمرَ حتى ألقَت في رَوعِ الناسِ جميعًا أنها الحقيقةُ التي لا يخالطُها شكٌّ، ثم أخرجت الولاياتُ المتحدةُ الخططَ المُعدَّةَ سلفًا للعدوانِ على الدولِ الإسلاميةِ في حربٍ مفتوحةٍ استباقيةٍ ضدَّ عدوٍّ غيرِ محدَّدٍ سَمَّتْهُ "الإرهابَ"؛
ليكونَ ذريعةً للضربِ في المكانِ والزمانِ الذي تريدُ، وتمَّ احتلالُ أفغانستانَ وقَتْلُ الآلافِ مِن أهلِها المحارِبين والمسالمين- الرجالِ والنساءِ والأطفالِ- واعتقالُ الآلافِ، وتعذيبُهم بأشدِّ وسائلِ التعذيبِ، ونقلُهم إلى معسكرِ الاعتقالِ في جوانتانامو.
ثم اختَلَقت قصةَ أسلحةِ الدمارِ الشاملِ في العراقِ ، والتعاونِ مع تنظيمِ القاعدةِ- التي ثَبُت كذبُها- وقامت بغزوِ العراقِ وقتلِ عشراتِ الآلافِ من أبنائِهِ واعتقالِ آلافٍ آخرين، وتعذيبِهم في سجنِ "أبو غريب" وغيرِه من السجونِ، التي تسرَّبَتْ منها صورُ التعذيبِ البَشِعِ لتفضَحَ أمريكا، زعيمةَ العالمِ الحرِّ، وراعيةَ حقوقِ الإنسانِ في العالمِ!! كما قامت بتدميرِ عمرانِهِ ومرافقِهِ ونَهْبِ تراثِهِ وثرواتِهِ، وجَرِّهِ لِهُوَّةِ الاقتتالِ الطائفيِّ الذي لا يُبقِي ولا يذَرُ.
ولا تزالُ تحومُ حول سوريا ؛ لإذلالِها وفرضِ الانصياعِ لإرادةِ الكيان الصهيونيِّ عليها، وكذلك لبنانُ ؛ لفرضِ نظامٍ عميلٍ لها، ونزعِ سلاحِ حزبِ اللهِ لتحقيقِ الأمنِ والطمأنينةِ للكيان الصهيونيِّ ، وكذلك حصارُ إيرانَ ؛ لتجريدِها من برنامَجِها النوويِّ السلميِّ حرصًا على مصلحةِ الكيان الصهيونيِّ ، وهكذا تتضحُ العلاقةُ الإستراتيجيةُ المشتركةُ بين الدولتَيْن الاستعماريتَين الغاصبتَين؛ لتؤكد غلبةَ الروحِ العنصريةِ الصهيونية والمسيحيةِ الصهيونية عليهما، وغيابَ الإنسانيةِ الراقيةِ عنهما.
لم يقفْ عدوانُ أمريكا على البشرِ في هذا الجيلِ، ولكنه امتدَّ ليشملَ البيئةَ برفضِها معاهدةَ "كيوتو" للحفاظِ على البيئةِ، بما يُنذِرُ بإفسادِ عناصرِ الحياةِ في هذا الكونِ للأجيالِ المقبلةِ، وكذلك رفضُها التوقيعَ على اتفاقيةِ إنشاءِ محكمةِ الجناياتِ الدوليةِ، لحمايةِ مقترِفي جرائمِ الحربِ- من رعاياها- من المحاكَمةِ والحسابِ، وأخيرًا وليس آخرًا رفضُها مع الكيان الصهيونيِّ وبالاو وجزرِ الماريشال الموافقةَ على إنشاءِ مجلسِ حقوقِ الإنسانِ التابعِ للأممِ المتحدةِ، بينما وافقت 170 دولةً من دولِ العالمِ على إنشائِهِ، وذلك منذ أسبوعٍ فقط.
وإن كنتُ أُلقي باللَّومِ على هذه الدولِ الاستعماريةِ فإنني أُلقي باللومِ الأكبرِ على أنظمتِنا وحكوماتِنا التي ارتَمَت في أحضانِها، وقهرتْنَا، وطغَت في البلادِ فأكثرتْ فيها الفسادَ، فأضعفَت قُوانا وبدَّدَتْ ثرواتِنا، وطارَدَت علماءَنا ومفكرِيْنا، واعتقَلَت أحرارَنا، وعذَّبت شبَابَنا، وجعَلَت بلادَنا لقمةً سائغةً للغاصبين.
ورغم ذلك فما زالت شعوبُنا تقاوِمُ وتدفعُ ضريبةَ الدمِ والحياةِ فداءً لحريةِ الأوطانِ والشعوبِ، ولا يزالُ موقفُ الشعبِ الفلسطينيِّ البطلِ صامدًا، يفرضُ على العدوِّ والعالمِ أجمعَ الاعترافَ به، بعد أن أنْكَرَ وجودَه زمنًا طويلاً، ويُثبتُ يومًا بعد يومٍ فَشَلَ المشروعِ الصهيونيِّ التوسعيِّ، ويكلِّلُ هذا الجهادَ بانتخابِ المؤمنينَ بخيارِ المقاومة سبيلاً للتحريرِ لحكمِهِ وقيادتهِ.
ولا يزال الشعبُ العراقيُّ الصامدُ يكيلُ الضرباتِ للمحتلين الغاصِبين، حتى باتوا يأملون في الخروجِ مِن هذا المستنقعِ الوخيمِ الغائصين فيه، قبل أن تُدركَهم نهايةُ "فيتنام" مرةً أخرى.
وإنني لأحيِّي مِن فوقِ هذا المنبرِ كلَّ الرجالِ والنساءِ بل والأطفالِ الذين يتصدَّون بالصدورِ العاريةِ وبالحجارةِ والسلاحِ لقواتِ البغيِ والاحتلالِ المدجَّجةِ بأسلحةِ الفتكِ والدمارِ؛ جهادًا في سبيل الله، وأداءً لحقوقِ الوطنِ والشعوبِ، والتي تقرُّها كلُّ القوانينِ.
وإذا كانَ هذا واجبَهم، فلا ريبَ أن علينا واجباتٍ لنُصرتِهم ضدَّ الصهيونية والاستعمارِ، يتمثلُ بعضُها فيما يلي:
• نَشرُ المفاهيمِ الإسلاميةِ التي ترفضُ الخضوعَ للذلِّ، وتحضُّ على الجهادِ ضدَّه، والفزعِ لنُصرةِ المستضعفين، ولا سيما إِذا كانوا من المسلمينَ.
• إحياءُ إرادةِ التحررِ والاستقلالِ لدى الشعوبِ، ونفخُ روحِ المقاومةِ والتحدي والتصدي للغُزاةِ بكلِّ الوسائلِ؛ حفاظًا على الحياةِ الكريمةِ والهويةِ والثقافةِ والثروةِ، ورغبةً في القوةِ والبناءِ والتقدم.
• دعمُ حكومةِ حماس (السلطةُ الفلسطينيةُ المنتخَبة) بكلِّ الوسائلِ الماديةِ والمعنويةِ والخبرةِ؛ لإغناءِ الشعبِ الفلسطينيِّ عن الحاجةِ لدولِ الغربِ المنحازةِ ضدَّ حريتِهِ ومصالحِهِ.
• التعاونُ مع الحكوماتِ وأحرارِ العالمِ والمنظماتِ والقوى الشعبيةِ التي تنتهجُ سياسةً حرةً وتُعادي الاستعمارَ بكلِّ صورِهِ وأشكالِهِ، مثل دولِ أمريكا اللاتينيةِ؛ لتكوينِ رابطةٍ عالميةٍ ورأيٍ عامٍّ يكافحُ الظلمَ ويسعَى لإقرارِ الحقِّ والعدلِ والسلامِ في العالمِ.
• تفعيلُ سلاحِ المقاطعةِ الاقتصاديةِ للدولِ الاستعماريةِ، وأيضًا مقاطعةُ الإنتاجِ الثقافيِّ لهم، الذي يهدفون من ورائِه لتغييرِ الأفكارِ والأخلاقِ وأنماطِ السلوكِ وتعظيمِ القابليةِ للاستعمارِ.
• رفضُ كلِّ صورِ التطبيعِ مع العدوِّ الصهيونيِ ، وعدمُ التعاملِ معَه.
• سعيُ الشعوبِ لاستعادةِ حرياتِها وحقوقِها، واختيارِ حكامِها، وتحقيقِ الإصلاحِ الداخليِّ السياسيِّ والاقتصاديِّ والاجتماعيِّ، وإزالةِ الفجوةِ والجفوةِ بينَ الشعوبِ والحكامِ؛ من أجلِ اصطفافِ الحكامِ في خندقِ الشعوبِ؛ لكسرِ حلقةِ التحالفِ والتبعيةِ بين هؤلاءِ الحكامِ والدولِ الاستعماريةِ، ورفضِ الهمينةِ الأمريكيةِ.
• العملُ على تصحيحِ صورةِ الإسلامِ في أذهانِ الغربيِّين، وتوضيحِ حقيقةِ قضايانا العادلةِ لاجتذابِ الرأيِ العامِّ الغربيِّ لصفِّها، وإزالةِ الصورةِ المشوَّهةِ والمفاهيمِ الخاطئةِ التي أشاعَها الإعلامُ الصهيونيِّ عن الإسلامِ والمسلمينَ.
وإنني لعلى ثقةٍ مِن أنكم في فعالياتِكُم المختلفةِ في مؤتمرِكم هذا سوفَ تتوصَّلون إلى خطةٍ كاملةٍ لدعمِ المقاومة في فلسطين و العراق ضدَّ العولمة والإمبريالية والصهيونية.
وفَّقكم اللهُ وسدَّدَ خطاكم ونصرَكم بالحقِّ ونصرَ الحقَّ بكم.
والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه.
المصدر
- بيان:كلمة المرشد العام في افتتاح مؤتمر الحملة الدولية ضد الهيمنة الأمريكيةإخوان أون لاين