كلمة المرشد العام في حفل الإفطار رمضان 1426هـ

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كلمة المرشد العام في حفل الإفطار رمضان 1426هـ


جانب من الحضور في حفل إفطار الإخوان

(12-10-2005)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد..

فيسعدُنا أيَّما سعادةٍ أن نرحِّبَ بضيوفِنا الكرام، من رجالاتِ مصر ونسائِها، ونقدمَ لهم جزيلَ الشكرِ والعرفانِ على تلبيتِهم دعوتَنا، وتشريفِهم حفلَنا السنويَّ في إفطار رمضان، وإننا لنرجو أن تتواصلَ اللقاءاتُ وتتسعَ دائرةُ الحواراتِ وتتلاقحَ الأفكارُ بيننا وبين كلِّ المعنيِّين بمصلحةِ هذا الوطنِ والحريصين على تقدُّمِ هذه الأمةِ؛ حتى نستطيعَ أن نصِلَ بها إلى المكانةِ التي تستحقُها بين الأمم، ونعيدها- كما كانت- أمةً قائدةً ورائدةً، ومصدرَ إشعاعٍ ثقافيٍّ وحضاريٍّ بين العالمين.

أيها الإخوةُ الكرامُ والأخواتُ الفُضليات..

يُسعدنا أيضًا أن نهنِئَكم بشهرِ رمضانَ المبارك، شهرِ الصيامِ والتقوى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ﴾ (البقرة: 183)، الشهرِ الذي اتصلت فيه السماءُ بالأرضِ بعد انقطاعٍ دامَ ستةَ قرونٍ، فنزلَ الوحيُ بالقرآنِ والنورِ ليحققَ للإنسانِ سلامَهُ النفسيَّ والأُسْرِيَّ والاجتماعيَّ، وينظمَ له جميعَ جوانبِ حياتِه على كل المستويات ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيْ أُنْزِلَ فِيْهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ (البقرة: 185) ﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللهِ نُوْرٌ وَكِتَابٌ مُبِيْنٌ* يَهْدِيْ بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوْرِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيْهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ﴾ (المائدة: 15، 16).

شهرِ التكافلِ والتكاملِ، شهرِ الصبرِ والنصرِ؛ إذْ لا نصرَ بغيرِ صبرٍ "وأنَّ النصرَ معَ الصبرِ، وأنَّ الفرجَ معَ الكربِ، وأنَّ معَ العسرِ يسرًا" النصرِ على النفسِ، والاستعلاءِ على المادةِ والشهواتِ، والتحكُّمِ في زمامِ الأهواءِ والرغباتِ؛

تمهيدًا للانتصارِ على الظلمِ والبغيِ والفسادِ، فَمَنْ أَفْلَحَ في الانتصارِ على نفسِه فهو جديرٌ بالانتصارِ على عدوِّهِ، ومِنْ ثمَّ كانَ رمضانُ ظرفًا لانتصاراتٍ فاصلةٍ حوَّلت مجرَى التاريخِ وصَحَّحَتْ مسارَ البشريةِ نحوَ الحقِّ والعدلِ والخيرِ، تأتِي على قمَّتِها غزوةُ بدرٍ الكبرى، وفتحُ مكة، ومعركةُ عينِ جالوت، التي أنقذت البشريةَ من العدوانِ المغوليِّ الهَمَجيِّ الجامحِ، وأخيرًا وليس آخرًا- بإذنِ اللهِ- معركةُ العاشرِ مِنْ رمضانَ، التي نحتفلُ بذكراها هذه الأيام، هذه المعركةُ التي خاضَها جيشُنا الباسلُ باسمِ اللهِ الأكبرِ، معتمدًا على ركيزتين:

الأولى: الإيمانُ بالله والتوكلُ عليه.

والثانية: استخدامُ كلِّ معطَيَاتِ العلمِ والتقنيةِ والتخطيطِ والتدريبِ.

فعَبَرَ القناةَ وحرَّرَ الأرضَ وحقَّقَ النَّصْرَ.

أيها الإخوةُ والأخواتُ..

يأتي احتفالُنا هذا العامَ بعدَ أحداثٍ جسامٍ مُفعَمَةٍ بالحراكِ السياسيِّ لتحقيقِ الإصلاحِ الحقيقيِّ في مختلفِ جوانبِ الحياةِ، فبعدَ نصفِ قرنٍ في ظلِّ نظامٍ يستمدُّ شرعيتَهُ من القوةِ والقهرِ، من الشرطةِ والسلطةِ، ومن تزويرِ إرادةِ الشعبِ ومصادرةِ حرياتِه، ومن الانحرافِ بالتشريعِ والقانونِ، ومن تكبيلِ القضاءِ ومحاولةِ تسييسِه بالغوايةِ والترهيبِ، ومن البطشِ بالمعارضين وإقصائِهم، في ظلِّ قانونِ الطوارئ- الذي أسماه الدكتور أحمد كمال أبو المجد (قانون الموت)، ولا أظنُّ الرجلَ يقصدُ بذلك الموتَ الماديَّ الذي طالَ عددًا من الناس تحت وطأةِ التعذيبِ فحسب.

ولكنني أعتقدُ أنه يقصدُ كذلكَ الموتَ المعنويَّ الذي لَحِقَ بالأمةِ كلِّها، فدفعَها سريعًا إلى الهبوطِ والتقهقرِ، حتى صارت في مؤخرةِ دولِ العالمِ في كلِّ المجالاتِ، في مجالِ الحرياتِ وحقوقِ الإنسانِ، في مجالِ نزاهةِ الانتخاباتِ، في مجالِ استقلالِ القضاءِ، في مجالِ التنميةِ البشريةِ، في مجالِ التربيةِ والأخلاقِ، في مجالِ التعليمِ والثقافةِ والإعلامِ، في مجالِ البحثِ العلميِّ وتقييمِ الجامعاتِ، في مجالِ الشفافيةِ ومحاربةِ الفسادِ، في مجالِ الاقتصادِ بفروعِه المختلفةِ، وتدنِّي مستوى المعيشةِ ومتوسطِ الدخل، في مجالِ محوِ الأميةِ، في مجالِ الصحةِ العامةِ، في مجالِ مكافحةِ البطالةِ، وأخيرًا وليس آخرًا في مجالِ المونديالِ صاحبِ الصفرِ الكبيرِ.

كلُّ هذهِ الأمورِ أثمرت فسادًا نَما وترعرعَ، حتى استشرى وتوحَّشَ، وجَثَم على صدرِ الشعبِ المصريِّ الطيبِ الصبور، فانبرَى عددٌ من الكتَّاب والمفكِّرين الوطنيين يدعون للإصلاحِ والتغييرِ، وتقدمْنا بمبادرةٍ للإصلاحِ، فلم يستجب من النظامِ أحدٌ، وتحت ضغطِ الحراكِ السياسيِّ الحادثِ في المجتمعِ خلالَ الفترةِ التي أعقبتْ ذلكَ كانت استجابةُ النظامِ لتغييرِ المادةِ 76 من الدستورِ بعدَ طولِ رفضٍ وإباءٍ؛ ليصبحَ انتخابُ رئيسِ الجمهوريةِ بالانتخابِ الحرِّ المباشرِ، بينَ عدةِ مرشحين، بدلاً من الاستفتاءِ على شخصٍ واحدٍ.

واعتبر الجميع هذه الخطوة- رغمَ صِغَرِها وضآلتِها بالنسبةِ لاستحقاقاتِ منهجِ الإصلاحِ الكاملِ- خطوةً مُبشِّرةً، قد تكون مفتاحًا للخير، إلا أنًَّ أصحابَ الثقافاتِ المنحرفةِ والمستبدةِ قَتلوا الأملَ في نفوسِ الناسِ، وصاغوا المادةَ الدستوريةَ صياغةً أفرغتْها من مضمونِها، وحوَّلتْ العمليةَ الانتخابيةَ إلى تمثيليةٍ رديئةٍ، معلومةٌ نتيجتُها، بل إنها ابتدعت بدعةً فاحشةً بأنْ جعلت من نصوصِ الدستورِ أمشاجًا متنافرةً، يضربُ بعضُها أعجازَ بعضٍ، ويهدم بعضُها ما يبنيه البعضُ، فإذا كان الظلم جريمةً، وتكرارُ الظلمِ جريمةً أكبرَ، فإن تقنينَ الظلمِ هو أبشعُ ألوانِ الظلمِ؛ ذلك لأنه يجعلُه القاعدةَ المطردةَ التي تنظِّمُ حياةَ الناسِ، فما بالُنا بتحصينِ النصوصِ الظالمةِ بتضمينِها في الدستورِ حتى لا يطعنَ فيها أحدٌ، ولا يطمعَ في تغييرِها أحدٌ.

وقامت كافةُ القوى السياسيةِ والوطنيةِ- وفي القلبِ منها الإخوان المسلمون- بالتحذيرِ من مغبَّةِ ذلك، حتى إذا بُحَّت الأصواتُ، وجَفَّت الأقلامُ، وضاقَت الصدورُ، لم يبقَ إلا النـزولُ إلى الشارعِِ، لإسماعِ الصُمِّ، وإيقاظِ النائمين، وإنذارِ الظالمين، وكان ردُّ فعلِ السلطةِ قاسيًا كعادتِها، فتمَّ اعتقالُ ثلاثةِ آلافِ شخصٍ من الإخوان المسلمين، وإلقاؤهم في السجونِ، ولا يزالُ نفرٌ منهم في غياهبِ السجنِ حتى اليوم، وعلى رأسِهم أخونا الحبيب د. عصام العريان، فكَّ اللهُ أسرَهم، وأطلَقَ سراحَهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

وجرى الاستفتاءُ على المادةِ المعدلةِ، وأُعلَنت النتيجةُ التي قررَ القضاةُ من خلالِ ناديْهم أنها مزوَّرةٌ، وأعلنوا ذلك في تقريرٍ أصدروه ونشروه.

قضاة مصر الشرفاء.. خطوة للإصلاح

واجتمعت الجمعيةُ العموميةُ لنادي القضاة، وطالبوا بإصدارِ قانونِ السلطةِ القضائيةِ المقترَحِ منهم منذ عام 1992م، وطالبوا بتعديلِ قانونِ مباشرةِ الحقوقِ السياسيةِ، وقانونِ الأحزاب، وطالبوا بإلغاءِ حالةِ الطوارئِ، ومباشرةِ حقِّهم الدستوريِّ في الإشرافِ على الانتخاباتِ والاستفتاءاتِ، من بدايتِها إلى نهايتِها، كلُّ ذلكَ من أجلِ تفعيلِ الدستورِ، وتحقيقِ الفصلِ بين السلطاتِ، واستقلالِ القضاءِ، وتحقيقِ الإصلاحِ السياسيِّ والقانوني، وأيضًا إبراءُ الذمةِ أمامَ اللهِ ثم أمامَ الشعبِ والتاريخِ من سُبَّةِ تزويرِ الاستفتاءاتِ والانتخاباتِ التي قرروا أنها كانت كلّها مزيفةً طيلةَ الخمسين عامًا الماضية، عدا مرةٍ واحدة، والتي زعمت الحكوماتُ المتعاقبةُ أنها كانت نزيهةً وأنها أُجريت تحتَ إشرافِ القضاءِ كذبًا وبهتانًا.

ومن ثمَّ فقد أرادوا أن يتبرَّؤوا من إلصاقِ هذا العارِ بهم ويعلنوا ذلك على الملأ، ولا زالوا مصرِّين على مطالبهم التي يؤيدهم فيها الشعبُ بأكمله، إلا أن الحكومةَ للأسفِ الشديدِ لا زالت تصمُّ آذانَها عن هذه المطالبِ، وتلتفُّ عليها بُغيةَ وأْدِها، وتسعَى من أجلِ تمزيقِ صفوفِهم.

وأُجريت الانتخاباتُ الرئاسيةُ- ورغم رفضِنا للنصِّ المعدَّلِ للمادةِ 76 من الدستورِ، وعلمِنا بأنَّ نتيجتَها محسومةٌ- إلا أننا شاركنا فيها، ودعَونا الناسَ إلى المشاركةِ؛ بُغيةَ إخراجِ الشعبِ من قوقعةِ السلبيةِ، وتعويدِه على الإيجابيةِ لمكافحةِ التزويرِ، ومن أجلِ انتزاعِ حرياتِه وحقوقِه المغتصبة، فإنَّ الحريةَ والحقوقَ تُنتزع ولا تُوهب، وكانت النتيجةُ كما علمتم جميعًا، ولا نزالُ ننتظرُ تقريرَ القضاةِ عنها، وتمَّ حَلِفُ اليمينِ، وأصبحَ التمديدُ أمرًا واقعًا.

والآن.. ما هو موقفُنا؟ وما هو واجبُنا؟

إننا نؤمنُ بـ :

  1. أن الكفاحَ السلميَّ من أجلِ التغييرِ والإصلاحِ قد بدأَ، وأن طريقَه طويلٌ، ولا يمكن أن يتوقفَ أو ينكص.
  2. أن الإصلاحَ يحتاجُ إلى تضافرِ جهودِ كلِّ المخلصين دونَ إقصاءٍ أو استبعادٍ، وأن إحسانَ النيَّاتِ واحترامَ الرؤَى والآراءِ المخلصةِ هما السبيلُ إلى تضافرِ هذه الجهودِ، ومن هنا فقد رحَّبْنا بالجهودِ المشكورةِ التي سعَت لتكوينِ الجبهةِ الوطنيةِ التي ضمَّت كلَّ القوى السياسيةِ المعارِضةِ التي تسعى للإصلاحِ، انطلاقًا من الكلياتِ الجامعةِ التي يتفقُ عليها الجميعُ، مع احترامِ الرؤَى الخاصةِ لكلِّ فصيلٍ.
  3. أننا لا بد وأن نُقرَّ عقدًا اجتماعيًّا جديدًا تكون الأمة فيه هي مصدرَ السلطاتِ، ويكونُ الحاكمُ فيه وكيلاً عن الأمةِ، وليس سيدًا لها، يتقيَّد بإراداتِها، ويحترمُ مرجعيتَها، ولها حقُّ محاسبتِه وعزلِه، كما أن لها حقَّ انتخابِه وتعيينِه، يباشرُ السلطةَ التنفيذيةَ دون افتئاتٍ على السلطتَين الأُخْرَيَيْن التشريعيةِ والقضائيةِ، وتكونُ ولايتُه لفترتَين فقط، يَترك بعدهما الحكم.
  4. إننا نرفض توريثَ الحكمِ رفضًا مطلقًا تحت أيَّ اسمٍ وبأيِ شكل، ونحن نعلمُ علمَ اليقين- ولا أقولُ نشكُ شكًا كَبيرًا- في أن صيغةَ تعديلِ المادةِ 76 من الدستورِ ورفضِ تعديلِ المادة 77 منه، لم تكنْ بهدفِ التوريثِ فقط؛ وإنما كانت بهدفِ تأبيدِ التوريث، وهذا بإذن الله لن يكون، وسنكافحه مع المخلصين بلا هوادة.
  5. إننا نقفُ وراءَ القضاةِ حتى تتحققَ جميعُ مطالبهم العادلة، تحقيقًا للحريةِ والأمنِ والاطمئنانِ والاستقرارِ في المجتمع، ونتصدى لجميعِ محاولاتِ الالتفافِ على هذه المطالب، أو الانتقاصِ منها، أو المساومةِ عليها، فهم سدنةُ الحقِّ والعدل، وحصنُ الشعبِ ضد الظلمِ والبغيِ والقهر.
  6. إننا نطالبُ بإلغاءِ حالةِ الطوارئِ الآن بقرارٍ بقانون، ودونَ انتظارِ انتهاءِ مدته في منتصفِ عام 2006، وكذلك القوانينَ سيئةِ السمعةِ، وإطلاقِ سراحِ المعتقلين فورًا، وإعادةِ محاكمةِ المحبوسين بأحكامٍ صادرةٍ من القضاءِ العسكريِّ أو محاكمِ أمنِ الدولة، وإعادةِ محاكمتِهم أمامَ القضاءِ الطبيعيِّ، وتعويضِهم عما لحِقَ بهم.
  7. إننا نطالبُ بإعادةِ النَّظرِ في الحبسِ الاحتياطِيِّ الذي عانَى منْهُ مَا يقْرُبُ من عشرين ألفًا منَ الإخوان المسلمين خِلالَ الثلاثةِ عشرَ عامًا الأخيرة، وَحُبِسُوا مُددًا وصلتْ في بعضِ الأحيانِ إلى خمسةَ عشر شهرًا على ذمةِ التحقيق، ثُمَّ أُفرج عنهم دون محاكمة؛ الأمرُ الذي يقطعُ بأنَّ الحبسَ الاحتياطِيَّ استُخْدِمَ ضِدْنَا كعقوبةٍ بعيدًا عنْ سُلْطةِ القضاءِ، ومِنْ ثَمَّ فإننا نُطالبُ أنْ يكونَ تعيينُ النائبِ العامِ بالانتخابِ بطريقةٍ يُقرُّها القُضاة، ولا يُعَيِّنَهُ رئيسُ الجمهوريةِ كما هُو الحادثُ الآن.
  8. إننا ندْعُو إلى التعدديةِ السياسية، وحقِّ كُلِّ تيارٍ فِي تشكيلِ حِزبِهِ وإِصدارِ صُحُفِهِ، وأًلاَّ يكونَ لأيةِ جِهةٍ إداريةٍ أو مَحكْمةٍ مُلفَّقةٍ حقُّ التَّدَخُلِ بالمنعِ أو الحدِّ من هذا الحقِّ، وأَنْ تكونَ السُّلطة القضائيةُ المستقلةُ - مُمثلة في المحكمةِ الدستوريةِ العليا بعد رفعِ يدِّ السلطةِ التنفيذيةِ عنها- هِيَ الْمرجِعُ لتقريرِ ما هو مُخالفٌ للنظامِ العامِّ أو الآدابِ العامةِ أو المقوماتِ الأساسيةِ للمجتمع، وما يُعدُّ إخلالاً بالالتزامِ بالعملِ السلميِّ.
  9. كما نُؤمن وندعو إلى التداولِ السلميِّ للسلطةِ عن طريقِ صناديقِ الاقتراعِ في إطارِ جمهوريةٍ برلمانيةٍ دستورية.
  10. إننا ندعُو للشفافيةِ في مجالِ المالِ العامِ وإعلانِ ميزانياتِ جميعِ المؤسساتِ المدنيةِ للدولة، ابتداءً من مؤسسة الرئاسة وحتَّى أصغرِ مؤسسةٍ، وكذلكَ ثرواتِ المسئولين وأسرهم من أكبر رأسٍ حتى أصغرِ مسئولٍ.
  11. إننا ندعُو لمكافحةِ البطالةِ والفقرِ اللذين عضَّا بأنيابهما كثيرًا منَ النَّاسِ، وخصوصًا الشباب، فأصاباهم باليأسِ والإحباط، وخلعَا من قلوبِهم الشعورَ بالولاءِ والانتماء، واستبدلا به الكراهيةَ وربما العداوةَ للمجتمعِ، ومِن ثَمَّ فإننا ندعُو إلى مراعاتِهم في التشريع والتأهيل والتوظيف، وإلى تَقريبِ الفوارقِ بينَ الطبقاتِ، كما ندعو لتفعيل فريضة الزكاة على أن تقوم عليها جمعية أهلية من شخصياتٍ محترمةٍ مشهودٍ لها بالنزاهةِ والكفاءةِ، بعيدًا عن البيروقراطيةِ والفسادِ الحكومِيَّين.

أيُّها الإخوةُ والأخوات:

انتخابات البرلمان المصري.. إلى أين؟!

إننا أمامَ أوقاتٍ فاصلةٍ في مسارِ هذا الوطن، فنحنُ مُقبلونَ على انتخاباتٍ برلمانيةٍ جديدة، إمَّا أنْ تكونَ حُرَّةً نزيهةً، تأتي بمجلسٍ أمينٍ يُعبِّرُ عنْ إرادةِ الشعبِ، ويكونَ قاطرةً تقودُ المجتمعَ على طريقِ الإصلاحِ؛ لِتُحقِّقَ هذه الأهدافَ التي نسعَى لتحقيقِها، وإمَّا أنْ تكونَ كسابقاتِهِا خلالَ نصفِ القرنِ المنصرمِ.. الأمرُ الذي يُنذرُ بأوخمِ العواقبِ وأسوأِ النتائجِ على الجميعِ، عافانا اللَّهُ وأُمَّتَنَا مِنْها.

لذلك أرى لزامًا علينا جميعًا أن نسعى بقوةٍ لخوضِ هذه الانتخاباتِ، وحثِّ الشعبِ أن ينفضَ عن نفسِهِ غُبارَ اللامبالاةِ، وأن يُشاركَ في اختيارِ مَن يُمثلونه حتَّى يأتيَ تَشكيلُ المَجْلِسِ مُعبِّرًا عنْ إِرادتِهِ الحقيقية، وعلينا أيضًا أنْ نُقاومَ مُحاولاتِ التزويرِ ونَفضحَهَا، وفِي هذا المجالِ فإننا نُعرِبُ عنْ استعدادِنا وترحيبِنا بالتَّعاونِ والتنسيقِ معَ كًلِّ فصيلٍ من الفصائلِ الوطنيةِ، وكُلِّ حزبٍ يُريدُ أنْ يُنسِّقَ معنا؛ تعاوُنًا على البِّرِ والخيرِ ومصلحةِ الوطن.

أيُّها الإخوةُ والأخوات:

إنَّ الموقفَ الذي استعرضناه آنفًا إنما مبعثه هو شريعةُ الإسلام التِّي نرجعُ إليها، ونستمدُّ منها، ونُصْدِرُ عنها، فهي التي تُقدِّسُ حُرِّيةَ الإنسانِ وكرامتَه وسيادتَه، وتُعنى بجوهرِهِ كما تُعنى بضروراتِهِ وحَاجياتِهِ، ومن ثَمَّ كانَ منهجُهَا فِي الإصلاحِ يعتمدُ على بنائِهِ الداخليِّ، على أساسِ الإيمانِ باللهِ وكتبِهِ وشرعِهِ واليومِ الآخرِ والحساب، وعلى التمسكِ بمكارمِ الأخلاق، وعلى التهذيبِ بالعبادات، وعلى التنظيمِ بالمعاملات، كُلُّ ذلك منْ أجلِ إحياءِ الضمائرِ ومراقبةِ اللهِ قبْلَ مراقبةِ القانون، ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11).

وأحسبُ أنَّ كثيرًا منْ مشكلاتِنا هِيَ مشاكِلُ أخلاقٍ وضميرٍ، فمَن لمْ تَرْدَعْهُ التربيةُ والتهذيبُ فَلْيَردَعْهُ القانونُ، "فََإنَّ اللَّهََ لَيَزَعَ بِالسِّلُطَانِ مَا لاَ يَزَعُ بِالقُرآن"، ولذلك يجبُ أنْ يَسيرَ الإصلاحُ الأخلاقيُّ بالتوازِي معَ الإصلاحِ السياسيِّ والاقتصاديِّ والاجتماعيِّ والتعليميِّ... إلى آخره.

أيُّها الإخوةُ والأخوات..

أمَّا بالنسبةِ لأهمِّ الأحداثِ الإقليميةِ والدوليةِ فتأتِي قضيةُ فلسطين فِي مُقدمتها؛ حيثُ تؤكدُ الأيامُ أننا أمامَ عدوٍّ عُنصريٍّ مغتصبٍ إرهابيٍّ دموي، لا يُريدُ حتَّى أنْ يتنازلَ عنْ الضفةِ وغزة، بل يسعَى إلى ابتلاعِ معظمِ أراضِي الضفةِ الغربيةِ بإنشاءِ مغتصباتٍ صهيونيةٍ يستجلبُ لها مغتصبينَ صهاينةً من الخارج، بينما يعزلُ الفلسطينيين خلفَ سُورٍ عُنصري، يقتطعُ الكثيرَ من أراضيهِمْ، رغْمَ حُكْمَ محكمةِ العدلِ الدوليةِ بعدمِ مشروعيةِ إنشاءِ هذا الجدار.

وحتَّى عندما انسحبَتْ قواتُهُ منْ قطاع غزة وأخْلَى مغتصباتِه منْهُ فإنَّه حاصرَ القطاعَ من البرِّ والبحرِ والجوِّ، ثمَّ قامَ بحملاتٍ إجراميةٍ منْ القتلِ والاعتقالِ والتدميرِ في الضفةِ والقطاع، ولا يزال، ومع ذلك يُطالِبُ العربَ والمسلمين بمكافأتِهِ نتيجةَ هذا الانسحابِ المحدود، ويُطالِبُ السُّلطة بنـزعِ أسلحةِ الفصائلِ المجاهدة، وكأنَّما حُرِّرَتْ الأرضُ والإرادة، وأُعيدَتْ القُدسُ، وقامتْ الدولةُ، والمؤسفُ حقًّا أنْ تُسارعُ دولٌ عربيةٌ وإسلاميةُ إلى إقامةِ علاقاتٍ معَ الكيانِ الصهيوني، متخلينَ عنِ الْقضيةِ الفلسطينيةِ التي هِيَ قضيةُ المسلمين كافَّةً، ورغمَ ذلك فلا يزال الفلسطينيون ثابتين صامدين، يدفعون ضريبةَ الدمِ، ويُقدِّمون أغلى التضحيات، ليثبتوا للعالم أنَّ القوةَ مَهْمَا كانتْ لنْ تقهرَ الحَقَّ، وأنَّ الشعوبَ لا تموت.

ولقدْ أحزنتنا كثيرًا الأحداثُ المؤسفةُ التِّي وقعتْ بينَ السُّلطةِ وحماس، أُريقَتْ فيها دماءٌ زكيةُ، ووقعَ فيها جرحَى، وإننا من هذا المكانِ نُناشدُ الجميعَ الاحتكامَ إلى الحكمةِ والعقل، وألاَّ يرتفعَ السلاحُ إلا فِي وجِهِ الأعداء، حتَّى لا نُحقِّقَ أهدافَ العدوِّ وَهُمْ ينظرون.

المقاومة الفلسطينية هي الأمل

واجبٌ علينا أيُّها الإخوةُ والأخواتُ ألاَّ تغيبَ القضيةُ الفلسطينيةُ عنَّا، بلْ يجبُ أن تكونَ ماثلةً أمامنا جميعًا بكلِّ أبعادها، وأن نستشعرَ أننا نقفُ معَهُمْ فِي خندقِهِمْ؛ فنرفضُ التطبيعَ، ونحضُّ على المقاطعةِ، ونُقدِّمُ العونَ ما استطعنا، وأن نطلبَ من الشعوبِ- التي يتهافتْ حُكامُهَا على إقامةِ العلاقاتِ- أن تضغطَ عليهم لإيقافِهَا، كما يجبُ علينا أن نُعبِّرَ عن مشاعرِنَا المؤيدةِ لإخواننا، والغاضبةِ تجاهَ الصهاينةِ ومَن يقفون وراءَهُمْ، بكلِّ الوسائلِ والصور.

وعلى الحكوماتِ أنْ تعملَ بإخلاصٍ للارتقاءِ والنهوضِ ببلادِهَا في كلِّ المجالاتِ التربويةِ والعلميةِ والبحثيةِ والاقتصاديةِ والسياسية، حتى تُحْرِزَ القوةَ التِّي أمرَهُمْ اللَّهُ بهَا لتأديبِ هؤلاء الطغاة، وتطهيرِ الأرضِ والمقدسات.

أما القضيةُ الثانيةُ فهي قضيةُ العراق وأهلِهِ، وهنا يجبُ أنْ نقررَ أنَّ كراهيتَنا لأمريكا والغرب ليستْ موجهةً إلى الشعوبِ، فليسَ بيننا وبين تلكَ الشعوبِ عداءٌ، ولكنها موجهةٌ إلى الحكوماتِ التِّي استباحتْ لنفسها التدخُلَ في شُئوننا إلى حدِّ اجتياحِنا عسكريًّا تحتَ ذرائعَ كاذبةٍ، متجاوزةً قراراتِ مجلسِ الأمنِ وهيئةِ الأممِ المتحدةِ والقانونَ الدولي، وكأننا في غابةٍ تحكمها عِصابة، تقومُ بأبشعِ ألوانِ الإرهابِ تحتَ دعوى محاربةِ الإرهابِ وإقامةِ الديمقراطية، وهل تقومُ الديمقراطية على جماجمِ الشعوبِ؟!

وهل تقومُ في ظلِّ احتلالٍ عسكريٍّ يحكمُ بالحديدِ والنَّار؟! وهلْ مَا حدثَ في سِجْنِ (أبو غريب) والفالوجا وشتَّى مدنِ العراق والاعتداءُ على الشرفاءِ والعلماءِ يمتُّ إلى الإنسانيةِ- فضلاً عن الديمقراطية- بصلة؟! وهل فقدانُ الأمنِ، وشلالاتُ الدمِ، والأشلاءُ، تَنتسب في شيءٍ منها إلى حقوقِ الإنسان؟! وهل التدخُلُ لفرضِ دستورٍ يُمزِّقُ الدولةَ ويُثيرُ النعراتِ بين أبنائِهَا ويُكرِّسُ العداوةَ بينهُم يمكن أن يكون من الديمقراطية في شيء؟

إننا إذا تذكرنا ذلكَ كله أمكننَا أن نفهم لماذا تُصرُّ الولاياتُ المتحدةُ وحلفاؤها على عدمِ وضعِ تعريفٍ قانونيٍّ دوليٍّ للإرهاب، وعلى رفضِ اعتبارِ المقاومةِ الوطنيةِ للاحتلالِ عملاً مشروعًا، رغْمَ إقرارِ القانونِ الدوليِّ بذلك، وعلى الإصرارِ على دمْغِهِ بالإرهاب، ولو افترضنا فَرْضًا جدليًّا قيامَ دولةٍ من الدولِ باحتلالِ ولايةٍ من الولاياتِ المتحدةِ فهل ستقاومُ منْ أجْلِ طَرْدِ الاحتلال أم تُرحبُ بِهِ على اعتبارِ المقاومةِ عملاً إرهابيًّا؟!

كما أنَّ سياستَهَا القائمةَ على تهديدِ سوريا وحصارِها بهدف تركيعها لتتماشى مع المخططاتِ الأمريكيةِ في المنطقة، إنما يؤكدُ السياسةَ العدوانيةَ تجاه الدولِ العربية، والانحيازَ السافرَ لمصلحةِ الدولةِ الصهيونية.

وبهذه المناسبةِ فإننا نطالبُ النظامَ في سوريا، كما نطالبُ كلَّ الأنظمةِ العربيةِ والإسلاميةِ بالتصالُحِِ مع شعوبِها ورفعِ القيودِ عنها ليتمَّ رصُّ الصفوفِ لمواجهةِ الأخطارِ المُحْدِقةِ بنا جميعًا.

بالإضافةِ إلى موقفها من برنامجِ إيران النووي، ومحاولةِ حرمانِ إيران من حقِّها في استخدامِ الطاقةِ النوويةِ في مجالاتِ الاستخدامِ السلمي، هذا في الوقتِ الذي تغضُّ الطرفَ عن الرؤوسِ النوويةِ للكيانِ الصهيوني.. الأمرُ الذي يكشفُ أيضًا الانحيازَ ضد الدولِ الإسلاميةِ، ويؤكدُ سياسةَ الكيلِ بمكيالين، والغريبُ أنهم يتساءلونَ بعد ذلك لماذا تكرهوننا؟ ويزعمونَ أنهم يريدونَ لنا الإصلاحَ وتحقيقَ الديمقراطية..!!

لقد طالبتُ في خطابي في رمضان الماضي القانونيين ومنظماتِ حقوقِ الإنسان على المستوى المحليِّ والإقليميِّ والدوليِّ بإحصاء الخسائرَ في الأرواحِ والأموالِ والممتلكاتِ التي نتجت عن الجرائمِ الأمريكيةِ والغربيةِ والصهيونية ضد شعوبنا وأوطاننا، ورفعِ دعاوَى أمام المحاكمِ الدوليةِ؛ باعتبارها جرائمَ حرب يجبُ أن يُحاسَبَ عليها مرتكبوها، ولا زلتُ وسأظلُّ أطالبُ بذلك حتى يقتصَ المظلومون من ظالميهم، ويتمَّ تعويضُهم أفرادًا ودولاً عما لَحِقَ بهم من خسائرَ وخراب.

أيها الإخوةُ والأخوات..

إن هذه الظروفَ التي نمرُ بها تفرضُ علينا أن نبحثَ عن كلِّ أسبابِ القوة، والوحدةُ في مقدمتها، ولذلك فنحن ندعو- وبمنتهى الإخلاصِ والتواضع- أصحابَ السلطةِ في بلادنا أن يستجيبوا لدعواتِ الإصلاحِ المنطلقةِ من قلوبِ المخلصين في هذا الوطن، وأن ينزلوا على إرادةِ الشعبِ، وأن يقدموا المصلحةَ العامةَ على المصالحِ الشخصية، حتى نتفادى انفجارًا من الداخلِ أو ضغطًا أو عدوانًا من الخارجِ- لا قدَّرَ الله- وحتى نزيلَ الاحتقانَ المكبوتَ والألمَ عن النفوسِ المحبطةِ والقلوبِ المُحْرَجَة، ويعمَّ الوئامُ والسلامُ والحبُ والولاءُ ربوعَ البلادِ ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾، ﴿وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾.

وفقنا الله للانتصارِ على نفوسنا وأهوائنا، ووحَّدَ صفوفنا لننتصرَ بعونِه على عدوِّنا.

وكل عام وأنتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المصدر