كلمة المرشد العام لمؤتمر القاهرة الثالث للحملة الدولية ضد الاحتلال الأمريكي والصهيوني

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كلمة المرشد العام لمؤتمر القاهرة الثالث للحملة الدولية ضد الاحتلال الأمريكي والصهيوني


(25-03-2005)

تصوير- تامر فوزي

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا ومولانا محمدٍ رسولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، أما بعدُ..!!

فيا أيُّها الحضورُ الكرامُ..

أُحيِّيكُم جميعًا بتحيةِ الإسلام؛ فالسلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه..

في البدايةِ أعبِّرُ عن سعادتي بهذا المؤتمرِ الكريمِ؛ لسببَيْن:

الأولُ: أن الأمةَ ما زالتْ بخيرٍ، طالما أنَّ هناكَ مخلصِين وطنيِّين في كلِّ أنحاءِ العالمِ مِن أمثالِكم، الذين يدافعونَ عن حِياضِها وشرفِها.

الثاني: أن الشعوبَ الحُرَّةَ- وعلى رأسِها مؤسساتُ المجتمعِ المدنيِّ- تَعِي ما يحدثُ مِن محاولاتٍ لفرضِ المشروعِ الصهيو أمريكي في المنطقة، وتتصدَّى له بكلِّ السبلِ والإمكاناتِ.

والحقيقةُ التي نعرفُها جميعًا الآنَ هي أنَّ المشروعَ الأمريكيَّ يستهدفُ السيطرةَ والهيمنةَ على العالم، وإقامةَ أكبرِ إمبراطوريةٍ عنصريةٍ توسُّعيةٍ في التاريخِ، وذلك من خلال تَبنِّي إستراتيجيةِ الضرباتِ الاستِباقيةِ، والتفوقِ الساحقِ في ميادين السلاحِ والإعلامِ والاقتصادِ.

ولكي يتمكنَ مِن إتمامِ مهمتِه اتَّجَهَ إلى السيطرةِ على العالمِ العربيِّ والإسلاميِّ، يحتلُّ أرضَه، ويسلِبُ ثَرَواتِه، ويستولي على مقدراتِه، وقد استغلَّت الإدارةُ الأمريكيةُ فرصةَ وقوعِ أحداثِ 11 سبتمبر، وأسرعت في تنفيذِ مشروعِها تحتَ زعمِ إعلانِ الحربِ على الإرهابِ، فغَزَت أفغانستان، وقامت باحتلال العراق متحديةً كلَّ المواثيقِ والأعرافِ والقوانينِ الدوليةِ، فضلاً عن التظاهراتِ الشعبيةِ المليونيةِ التي اجتاحتْ العالمَ؛ وذلك بحجةِ حيازةِ أسلحةِ دمارٍ شاملٍ تارةً، أو القضاءِ على نظامِ صدَّامَ، وإقامةِ الديمقراطية، وحمايةِ حقوقِ الإنسانِ تارةً أخرى..

ثم كانَ مشروعُ الشرقِ الأوسطِ الكبيرِ، الذي يهدفُ إلى تفكيكِ المنطقةِ، وإعادةِ رسمِ خريطتِها من جديدٍ، وما يحدُثُ الآنَ على مستوى المشهد اللبناني والسوري والإيراني والسوداني ليسَ خافيًا علينا.

من جانبٍ آخر، يلتقي المشروعُ الصهيونيُّ- إضافةً إلى الدعمِ والتأييدِ والمساندةِ- مع صِنْوِهِ الأمريكيِّ في أنَّه مشروعٌ اغتصابيٌّ توسعيٌّ عنصريٌّ، يستخدمُ آلتَهُ العسكريةَ الباطشةَ في ارتكابِ المجازرِ الوحشيةِ وأعمالِ التصفيةِ والإبادةِ، فضلاً عن حصارِ الجوعِ، والموتِ، وهدمِ المنازلِ، وتجريفِ الأراضِي، والجدارِ العازلِ..!!

وغنيٌّ عن البيانِ أنه لولا العجزُ والشللُ العربيُّ ما استطاعَ الكيانُ الصهيونيُّ أن يحقِّقَ أهدافَهُ ومراميَهُ، ولا شكَّ أنَّ المقاومةَ في كلٍّ من العراق وفلسطين قد لعبت دورًا من أعظمِ الأدوارِ وأجلِّها، ليس دفاعًا عن الأرضِ والعِرضِ والمقدساتِ فحسب.. ولكنْ دفاعًا عن كرامةِ الأمةِ وشرفِها.

ومِن آخرِ مظاهرِ الحمايةِ الأمريكيةِ للكيانِ الصهيونيِّ إصدارُ قانونِ معاداةِ الساميةِ، الذي صاحَبتْهُ عمليةُ خلطٍ متعمَّدةٌ بين العَداءِ للساميةِ والنقدِ الموجَّهِ للكيانِ الصهيونيِّ كقوةِ احتلالٍ؛ لِما يقومُ به من عملياتِ قتلٍ وتدميرٍ ضدَّ الشعبِ الفلسطينيِّ؛ حيثُ ركَّزت المنظماتُ الصهيونية على اعتبارِ أيِّ نقدٍ يوجَّهُ من أفرادٍ أو هيئاتٍ أو دولٍ للكيانِ الصهيونيِّ هو عداءٌ للساميةِ، وسيكون هذا مصدرًا للمعلوماتِ التي ستعتمدُ عليها وزارةُ الخارجيةِ الأمريكيةِ في تقاريرِها في إيقاعِ العقوباتِ المناسِبةِ!!

وفي مؤتمرِكُم هذا لا يفوتُني أنْ أُحَيِّي شجاعةَ عُمدةِ مدينةِ لندن "كين ليفنجستون" لِما قاله في صحيفةِ (الجارديان) البريطانيةِ- في 4 مارس الجاري- حولَ وحشيةِ المشروعِ الصهيونيِّ والسياسة الصهيونية، وكشفَ الوجهَ الحقيقيَّ لرئيسِ الوزراءِ الصهيونيِّ "شارون"، باعتبارِه "مجرمَ حربٍ" من الدرجةِ الأولى..!!

ويكفي أن نتذكَّر ما يقومُ به من إرهابِ الدولةِ، بتورطِهِ في مسلسلِ الاغتيالاتِ الإجراميِّ، الذي راحَت ضحيتَه عشراتٌ من رموزِ المقاومةِ الفلسطينيةِ المشروعةِ، وعلى رأسِهم الشيخُ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي.

أيها السادة..

إنَّ مخاطرَ الهيمنةِ الأمريكيةِ على البلدانِ العربيةِ متنوعةُ الأشكالِ، متعددةُ الجوانبِ، وهي تدركُ أنَّ تحقيقَ أهدافِها يواجِهُ رفضًا من الشعوبِ العربيةِ؛ ولِذا فقد اتَّجَهَتْ إلى تدميرِ الثقافةِ الوطنيةِ وثقافةِ المقاومةِ، وطمسِ القيمِ العربيةِ والإسلاميةِ، والتشكيكِ في قدرةِ الأمةِ وتاريخِها وتراثِها، واستلابِ إرادةِ شعوبِ المنطقةِ، والتنكُّرِ لحقِّها في تقريرِ مصيرِها، وتفكيكِ مجتمعاتِها، وتحويلِها إلى مجردِ مجتمعاتٍ استهلاكيةٍ للحضارةِ الأمريكيةِ وتقاليدِها وقيمِها ومنتجاتِها.

لقد حاولت أمريكا أن تفرضَ ديمقراطيتَها المزعومةَ في إجراءِ الانتخاباتِ في العراق، والحاصلُ أنَّ الواقعَ يكذِّبُ هذا الادعاءَ؛ حيث عادَ العنفُ إلى وتيرتِه التي سبقتْ الانتخاباتِ، وعادَ شبحُ الموتِ كي يظللَ بعباءَتِهِ السوداء رقعةً واسعةً من البلادِ، ليسَ ذلك فحسب..

وإنما لاحَتْ في الأفُقِ مساعٍ حثيثةٌ لإشعالِ نارِ الفتنةِ بين السنَّةِ والشيعةِ، على نحوٍ يصبُّ في مجرى الحربِ الأهليةِ، التي تُنهِكُ الطرفَيْنِ، وتَصرِفُ الانتباهَ عن قضيةِ الاحتلالِ، بل تُبرِّرُ استمرارَه إلى أجلٍ غيرِ مسمًّى، وتحاولُ أمريكا كذلك- من حينٍ لآخر- تهديدَ سوريا، والسودان، وإيران، بحجةِ محاربةِ الإرهابِ، وفرضِ أجندتِها على المنطقةِ، والتلويحِ لحزبِ اللهِ في لبنان بنزعِ سلاحِهِ.

أقولُ: إن مواجهةَ الهيمنةِ الأمريكيةِ- في ظلِّ ظروفِ ضعفِ الأمةِ- لا تحقِّقُها الرغبةُ فقط؛ لأنَّها تحتاجُ إلى توافرِ شروطٍ موضوعيةٍ، تؤهِّلُ الأمةَ لهذهِ المواجهةِ، وتُتِيحُ لها ردَّ الهجمةِ والحفاظَ على مصالِحِها وهويتِها وتماسكِها.

وتكمنُ هذه الشروطُ في: فهمِ ومعرفةِ الظروفِ والمسبِّباتِ التي أوصلتنا إلى الحالِ الذي نحن فيه.. والعملِ على معالجتِها بالعودةِ إلى الشعبِ، واستنفارِ طاقاتِه وقُواهُ الحيةِ، في إطارِ برنامجٍ قوميٍّ شاملٍ.. وفي الوقتِ نفسِه لا بدَّ من أن ندفعَ جميعًا في اتجاهِ نظامٍ عربيٍّ إقليميٍّ فعَّالٍ، يتحققُ من خلالِه تضامنُ الأمةِ ووحدتُها الاقتصاديةُ والعسكريةُ والسياسيةُ، والدفاعُ عن مصالحِها في مواجهةِ المشروعِ الصهيو أمريكي.

ويمكننا التصدي لهذه الهجمةِ الأمريكيةِ الصهيونية، من خلالِ عديدٍ من المواقفِ والتوجهاتِ، أبرزُها:

أولاً: إحياءُ إرادةِ وثقافةِ المقاومةِ لدى الشعوبِ، وتحفيزُها للدفاعِ عن قضاياها وتقريرِ مصيرِها، وتعميقِ وعيِها بأنَّها الوحيدةُ القادرةُ على حلِّ مشاكلِها، وبناءِ مجتمعِها، وصَدِّ الغزاةِ الصهاينةِ والأمريكانِ، وحمايةِ الأمةِ ومصالِحِها وتراثِها وثقافتِها والحفاظِ على هويتِها، والتخلِّي عن السلبيةِ، ونزعِ بذورِ الإحباطِ، وخلعِ ثوبِ اللامبالاةِ، وإعادةِ توعيةِ الناسِ بأهميةِ دورِهم في بناءِ الحاضرِ والمستقبلِ.

فالشعوبُ هي التي أتاحت للانتفاضةِ الفلسطينيةِ أن تُسطِّرَ صُمودًا عزَّ مثيلُه، وتبتكرَ الأساليبَ التي لم يستطِعْ جيشُ الاحتلالِ بكلِ جبروتِهِ أن ينتصرَ عليها، وما حدثَ أيضًا من صمودِ المقاومةِ المشروعةِ في العراق لصدِّ الاحتلالِ الأمريكيِّ خيرُ دليلٍ على قوةِ الشعوبِ.

ثانيًا: تفعيلُ مقاومةِ الدعوةِ إلى التطبيعِ على كلِّ الأصعدةِ، ومقاطعةِ البضائعِ والثقافةِ والحياةِ الاستهلاكيةِ الأمريكيةِ والصهيونية، من خلالِ حياةِ الناسِ اليوميةِ وسلوكِهم وأنماطِ عَيشِهِم، وحَسمِ مواقفَ ثقافيةٍ وسلوكيةٍ تؤكدُ على أن الطرفُ الأمريكيَّ والصهيونيَّ هو المغتصبُ والعدوُّ، وأنه الخطرُ الحقيقيُّ على مصالحِ الأمةِ.

إنَّ هذه الأنشطةَ التي يراها بعضُ الناسِ صغيرةً هي في الواقعِ بدايةُ طريقٍ طويلٍ، يُسهمُ بفاعليةٍ في نزعِ السلبيةِ واللامبالاةِ عن الشعوبِ.

ثالثًا: التواصلُ مع القوى الشعبيةِ وجماعاتِ الضغطِ في المجتمعِ الأمريكيِّ، التي تناهضُ السياسة التي تنتهجُها جماعةُ المحافظين الجدُد، الذين يتشبَّعون بمزاعمِ الصهيونية الإنجيليةِ.

رابعًا: تصحيحُ الصورةِ المغلوطةِ التي تقدمُها أجهزةُ الإعلامِ الأمريكيةِ للمواطنِ الأمريكيِّ والغربِ عن قضايا الإسلام والمسلمينَ، وإبرازُ معاناةِ الإنسانِ المسلمِ في وطنِهِ، والجرائمِ الصهيونية الأمريكيةِ التي تستهدفُه، وإنهاءُ الربطِ المتعمَّدِ والظالمِ بين الإسلام والمسلمينَ والإرهابِ الدوليِّ.

خامسًا: اتباعُ مختلفِ الوسائلِ لزيادةِ الضغطِ الشعبيِّ على الحكوماتِ والأنظمةِ السياسيةِ العربيةِ، ودفعِها لتبنِّي مواقفَ جادةٍ لمواجهةِ العدوِّ الصهيونيِّ والغازي الأمريكيِّ، وإلزامِها بتحقيقِ التنسيقِ بين مواقفِها، والتضامنِ لمواجهةِ أعدائِها، والاستقواءِ بشعوبِها من جهةٍ وبإمكاناتِها الاقتصاديةِ والسياسيةِ والإستراتيجيةِ من جهةٍ أخرى، ومنعِها من الاستسلامِ للهيمنةِ الأمريكيةِ.

هذه المواقفُ ممكنةُ التنفيذِ، على أن تتولَّى متابعتَها في كلِّ بلادِ العالمِ قُوى المجتمعِ الحيَّة من أحزابٍ سياسيةٍ، ومؤسساتِ المجتمعِ المدنيِّ، والنُّخَبِ الثقافيةِ والاجتماعيةِ، والجمعياتِ والهيئاتِ.. فهي مسئوليةُ هذه الفئاتِ جميعِها.

وفي الختامِ..

أقولُ للعالَمِ الحرِّ المتحضِّرِ، وشعوبِ الأرضِ، وحكامِ الدولِ:

أنتم مسئولون عن التغوُّلِ الأمريكيِّ الذي استغلَّه الصهاينةُ، وإن سكَتُّم فعليكم سيَحِلُّ الدورُ لا محالةَ، فتحركوا، وأوقِفوا هذه التصرفاتِ الحمقاءَ من حكومةِ بوش والصهاينةِ، قبل أن يؤديَ ذلك- لا قدَّرَ اللهُ- إلى حربٍ عالميةٍ تأتي على الأخضرِ واليابسِ.

وأخيرًا.. أتوجَّهُ إلى إخوانِنا وأهلِنا في العراق وفلسطين بالتحيةِ لمواقفِهم الثابتةِ والصامدةِ في مواجهةِ الغطرسةِ الأمريكيةِ والصهيونية.. "واللهُ مَعَكُمْ ولَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ" (محمد: 35).

وأرجو لمؤتمرِكم التوفيقَ والسدادَ.. "واللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ" (يوسف: 21). وصلِّ اللهمَّ على سيدِنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسَلِّم.. والسلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

المصدر