كلمة توجيهية للشعراء الشباب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كلمة توجيهية للشعراء الشباب

أ.د/جابر قميحة

وفى نطاق ما قرأتهمن شعر الشباب رأيت بين هؤلاء الشباب نقاط التقاء ، ووجوه شبه ، كما رأيت بينهم وجوه اختلاف وفروقًا فى التصوير والتعبير ، وقدر التوهج الوجدانى ، فكان لكل منهم بصمته الفنية المتميزة ، مع وحدة الموضوع . ولا شك أن « ت. س. اليوت » كان على حق حين قال: " لو أن ألف شاعر نظموا فى الربيع لكنا أمام ألف ربيع لا ربيع واحد ".

وبعد قراءتي ، بل معايشتي لهؤلاء الشعراء أبدي بعض الملاحظ والتوجيهات التى أعتقد أنها مهمة - لا لهؤلاء الشعراء فحسب - بل لغيرهم من الشعراء الشباب، وربما لغير الشعراء من الأدباء :

1 - كثيرون من شعراء الشباب - وهم يخطون خطواتهم الأولى على الطريق - رأيتهم ما بين متردد ، يأخذه الحياء ، فلا يقدم إبداعه للنشر، ولا في الصحف المحلية ، ولا يعرضه على من يثق بهم من النقاد ، وكأنه يؤمن بالمثل العامي القائل «تروح فين يا صعلوك بين الملوك ». وينكفئ على ذاته ،

فلا يبدع إلا لنفسه ، مع أن هذا الإبداع قد يكون فيه من الآسْر العظيم ما يفوق إبداع بعض المشاهير، ولا يعتبر هذا المسلك من قبيل التواضع ؛ لأنه يعكس شعورًا حادًا بالضعة ، واحتقار الذات . وهناك متعجل يجعل من نفسه مبدعًا وناقدًا مقيِّمًا فى وقت واحد : فيبدع، ويحكم على إبداعه بالنضج والتفوق وقوة التأثير .

وكلها سمات متوهَّمة لا وجود لها ، بل إن بعض هؤلاء يرى في صراحة من ينقده حسدًا منه على «موهبته» المتوهمة التى نفخ فيها وضخمها حتى ابتعد بها كثيرًا جدًا عن واقعه الفني المتواضع ، وهذا هو الغرور الذى يقود صاحبه إلى الانتحار الذاتي البطيء ، لذلك كانت نصيحتي أسديها دائمًا للأدباء والشعراء من الشباب: « كن معتزًا بإبداعك دون غرور، وكن متواضعًا بلا ضعة».

2 - دراسة قضايا العالم الإسلامي بتوسع ضرورة عقَـدَية وحيوية فى وقتنا الحاضر، وخصوصًا قضية فلسطين ؛ لأنها قضية عِـرض قبل أن تكون قضية أرض ، وقضية قيم ودين، قبل أن تكون قضية مبانٍ وطين، وقضية وجود لا قضية حدود . ومن ثم كانت هي «القضية الأم» فى وقتنا الحاضر... القضية التى تمس وجود كل شعب عربي ، ومصير كل شعب مسلم .

ودراسة هذه القضية دراسة واعية بكل مشتملاتها وتفصيلاته ، تقدم للشاعر المسلم مادته الشعرية من ناحية ، وتُـذْكي شحنته النفسية ، وطاقته الروحية من ناحية أخرى ، فتتكامل فى تجربته الشعرية كل العناصر والقيم الفكرية والجمالية والشعورية ، والتعبيرية فى صورتها المنشودة .

3 - دراسة «العَروض» مهمة للشاعر ؛ حتى يستطيع أن يتفادى فيما ينظم الإخلال بالوزن ، ويكتشف ما قد يكون فى شعره من كسور، ويَـحسُن بالشاعر الشاب أن يدرس كتابًا فى علم العروض يتسم بالسهولة والبساطة والإيجاز، وكثرة التطبيقات مثل كتاب «صفوة العروض» لأستاذنا عبد العليم إبراهيم (رحمه الله) .

ولكن هناك حقيقة مهمة يجب أن نؤمن بها وهى أن العروض لا يصنع شاعرًا، وإلا ما كان على الساحة العربية شاعر قبل «الخليل بن أحمد الفراهيدي» الذى قدم للعربية علم العروض فى العصر العباسي؛ لأن الموهبة هي الأصل، وشعراء العصر الجاهلى مثلاً - وهم فحول الشعر - ما كانوا يعرفون عروضًا، ولا بحورًا، وإنما كانوا مدفوعين للقول بموهبتهم الشعرية التى مكنتهم كذلك من تمييز الصحيح المستقيم من المكسور المختل. والخليل بن أحمد نفسه - وهو صاحب علم العروض - لم يكن شاعرًا، صحيح أن له قصائد ومقطوعات، ولكنها لا ترقى إلى مستوى الشعر الفائق.

وحتى يطبع الشاعر حاسته على الأوزان الشعرية، ويتمكن - إلى حد كبير - من التمييز بينها، أنقل إليه تجربتى الشخصية فى هذا المجال، وذلك فى قراءتى للشعر القديم، فأغلب دواوين الشعر القديم ترتب قصائدها على أساس الحروف الهجائية بالنظر إلى القافية، بدءًا بالقصائد التى قافيتها الهمزة، وانتهاء بالقصائد التى قافيتها الياء. وكل قصيدة مصدّرة باسم البحر مع العنوان، فتجد مثل هذه العبارة (وقال يهجو فلانًا.. وهى من الكامل).

كنت أقرأ الديوان - لا بترتيبه المطبوع - ، ولكن على أساس وحدات البحور، فأقرأ قصائد البحر الكامل كلها (وهى موزعة فى الديوان على صفحات متفرقة غير متتالية)، ثم قصائد «البسيط» ثم قصائد الطويل.. وهكذا. ويكون ذلك فى جلسات متعددة، فلا أقرأ قصائد بحرين فى جلسة واحدة.

وبعد الانتهاء من قصائد البحر الواحد أحاول أن أتعرف على تفعيلاته ومتعلقاتها فى كتاب العروض المبسط . وتوالى هذه التجربة ساعدنى كثيرًا فى استيعاب البحور، وترسيخ الأوزان فى حاستي الشعرية . إنها تجربة نجحت معي ، وآمل أن تحقق مثل هذا النجاح لشعرائنا الشباب .

4 - كما أوصي الشباب - حرصًا على سلامة اللغة - بدراسة كتاب سهل فى النحو مثل كتاب «النحو الواضح» للأستاذ على الجارم ، فإذا ما وجد الشاب فى نفسه مزيدًا من الوعي ، والقدرة فعليه بكتاب «النحو الوافي» للأستاذ عباس حسن، أو متن هذا الكتاب على الأقل.

وفى القواعد البلاغية أنصح أبناءنا الشعراء بدراسة كتاب «البلاغة الواضحة» للأستاذ على الجارم (رحمه الله).

5 - ورأيت كثيرين من شعراء الشباب وأدبائهم بينهم وبين كتب النقد حجاب، يستوي فى ذلك كتب النقد العملي أو التطبيقي، وكتب النقد التنظيري ، والنوع الأول هو الذى يتناول الأعمال الإبداعية بالتشريح والتقييم. وهي تفيد الشاعر المتلقى فى التعرف على العيوب التى تعلق بأشعار الآخرين ، أو تثقلها، فيحاول - إذا ما اقتنع بهذه الأحكام - أن يتفادى فى إبداعه العيوب والنقائص، وأن ينتفع بالمحاسن والمآثر، ومن هذه الكتب: «الورد والهالوك» للدكتور حلمى القاعود. و«دير الملاك» للدكتور محسن أطيمش ، والدراسات التطبيقية فى مجلة الأدب الإسلامى.

أما كتب النقد التنظيري فهي الكتب التى تقدم عناصر العمل الإبداعي، ومصادره ، وسماته ، وأبعاده ، والشرائط التى يجب أن تتوافر فيه حتى يحتل مكانته ، ويحقق أهدافه ، ومن هذه الكتب: النقد الأدبي أصوله ومناهجه للشهيد سيد قطب ، والمقدمة الرائعة التى كتبها المرزوقى، وصدّر بها شرح ديوان الحماسة الذى جمع شعره الشاعر أبو تمام.

6 - وأوصى الشعراء الشباب باستلهام التراث العربي والإسلامي فى أعمال درامية بقدر المستطاع، وكذلك أوصيهم بتوظيف الآليات والحيل المستجدة تأثرًا بعلوم السينما والمسرح مثل: السيناريو، والمونتاج، والمرايا، واللقطات المقتطعة، وأحيلهم للتعرف على هذه الآليات على كتاب «اتجاه الشعر العربي المعاصر» للدكتور إحسان عباس، وكتاب «التراث الإنساني فى شعر أمل دنقل» لجابر قميحة.

7 - إذا كان الهدف الأول من الكتابات النثرية هو نقل المحتوى ، أى المضمون الفكري إلى المتلقى ، فهو هدف يأتى فى المرتبة الثانية فى «النثر الفني» ، ويأتى كهدف «تبعي» في الشعر؛ لأن غاية الشعر إثارة الشعور، وهز الوجدان، وتحقيق المتعة النفسية والروحية عند المتلقي ، وتوصيل المضمون الفكري من خلال كل أولئك .

أما «المباشرية» فهى أعدى أعداء الشعر، وهى تعني معالجة الموضوع بأفكار متراصة ، مقدمة للقارئ بصورة صريحة مباشرة ، محرومة من التصوير المحلق ، والتعبير الموحي الآسر ، والعاطفة المتوهجة ، كما نرى فى كثير من شعر الفقهاء الذين يهمهم سوْق الحكمة ، بصرف النظر عن الصياغة الفنية الجمالية .

ومثال المباشرية قول الشاعر:

ثم قالوا تحبها؟ قلت بهْرا

عددَ النجم والحصى والترابِ

ولا كذلك قول الشاعر:

أطيْرَ القطا هلْ من يعيرُ جناحه

لعلى إلى من قد هويتُ أطيرُ؟

ولا أدعى أن مضمون هذا المقال يمثل كل ما يجب أن يقال لشعرائنا الشباب، ولكنه بعض من كل ، وقليل من كثير . هدفي منه - بدافع الحب - أن يواصلوا مسيرتهم فى قوة وإيمان ، وقد استكملوا آليات الفن الراقى الرفيع . وفقهم الله .

المصدر:رابطة أدباء الشام