كليات التغيير الخمسة عند الإخوان المسلمين
مثَّلت جماعة الإخوان المسلمين الحلقة الأكثر تطوراً ونضجاً، في سلسلة الإحياء والتجديد، التي ارتاد ميدانها جمال الدين والأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا والكواكبي، وناضل في سبيلها أحمد عرابي ومصطفى كامل ورفاقه، فاستكملت الجماعة ما بدأوه، واستدركت على ما لم يدركوه.
وفي تحليله للأوضاع الإجتماعية والسياسية في مصر، قال حسن البنا: (مطالبنا الوطنية لم نصل فيها إلى شيء، وروح الشعب المعنوية محطمة.. والشقاق والخلاف يملك نفوس القادة والزعماء.. والجهاز الإداري أفسدته المطامع الشخصية، وسوء التصرفات وضعف الأخلاق والمركزية القاتلة والإجراءات المعقدة.. والقانون قد ضعف سلطانه على النفوس والأوضاع لكثرة ما اقتحم عليه من تحليل واستثناءات.. واشتد الغلاء وكثر المتعطلون لقلة الأعمال وانخفض مستوى المعيشة إلى حد لا يكاد يتصوره إنسان، والأخلاق قد انتهى أمرها – أو كاد- وعصف بها الجهل والفقر، وانتشرت الرذائل ومظاهر الانحلال الخلقي في كل مكان والأفكار مبلبلة.
ولهذا تنفذ لمصر كثير من المبادئ الجديدة تكافح في سبيل استيلائها على النفوس المصرية والقلوب المصرية أشد الكفاح.. فالشيوعية جادة في فرض تعاليمها على أبناء هذا المجتمع، والديمقراطية الاستعمارية الهزيلة تحاول من جانبها أن تقاوم هذا التيار، ويتوسطهم قوم دعوا للاشتراكية ويقف بين هؤلاء جميعا وبين أمتنا الإسلام العتيد) [١]
وانطلاقاً من هذه الرؤية، لم تكن خطة جماعة الإخوان المسلمين إصلاح أو ترميم ما هو موجود، بل كانت تسعى إلى تغيير حقيقي وجذرى في أوضاع المجتمع المصري كنقطة بداية في مشروعها الإسلامي التحرري.
يقول الدكتور عماد حسين محمد – أستاذ التاريخ المعاصر: (إن النتيجة الطبيعية لدراسة أفكار الجماعة وتصوراتها عما هو قائم في المجتمع المصري وما يجب أن يقوم فيه تقودنا إلى أن الجماعة تريد أمرًا أعمق من مجرد الإصلاح لبعض نواحي أو مجالات ترى فيها خللا، وأن الجماعة تريد أن تصل إلى شكل آخر للمجتمع وللدولة وللوضع الدولي للعالم الإسلامي، ولهذا يعتقد الباحث أن إطلاق وصف "التغيير" على خطة الجماعة بصورة عامة أدق من وصف "الإصلاح")[٢]
وبطبيعة الحال لم تكن خطة الإخوان هذه سهلة ميسورة، حيث قوبلت بقدر عالٍ من العنف من جهة أنظمة الحكم المحلية، وهو ما حصل طوال العهد الملكي وعهود ما بعد الإنقلاب العسكري عام 1952..
فقد حاولت أنظمة الحكم العربية، أن تقضي على جماعة الإخوان المسلمين أو أن تحرْف مسارها على الأقل، ومن أجل ذلك لجأ النظام إلى إتباع سياسية قمعية شديدة القسوة على الجماعة، كما سعى كذلك إلى تفجير الجماعة من داخلها..
لكن كانت الجماعة في كل مرة تنجح في تجاوز محنتها، متحركة خطوات إلى الأمام، نحو تحقيق أهدافها. فقد أحاطت جماعة الإخوان المسلمين نفسها بكليات خمسة، تمثل الإطار الحاكم والضابط لسعيها نحو تحرير الإرادة والوطن.
الإنطلاق من الهوية الإسلامية
أولى الكليات التي انطلقت منها جماعة الإخوان المسلمين، هى إعادة الفاعلية إلى الهوية الإسلامية، تلك الهوية الجامعة للشعوب العربية والإسلامية ومنها الشعب المصري، فقد ظلت هذه الهوية (هي الروح السارية والمرجعية الحاكمة للقانون في بلادنا على امتداد تاريخ الإسلام) [٣]
وهى التي دافعت عن إستقلال المصريين وحمتهم من الذوبان في ثقافات المحتل الأجنبي، والتي تحت شعارها (الجامعة الإسلامية)، ناضل المصريون ضد الإحتلال الفرنسي والإنجليزي، تحت زعامة شيوخ الأزهر وأحمد عرابي ومصطفى كامل ومحمد فريد وغيرهم..
يقول حسن البنا: (دعوتنا إسلامية ، بكل ما تحتمل الكلمة من معان ، فافهم فيها ما شئت بعد ذلك و أنت في فهمك هذا مقيد بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة السلف الصالحين من المسلمين، فأما كتاب الله فهو أساس الإسلام ودعامته، وأما سنة نبيه فهي مبينة الكتاب و شارحته، وأما سيرة السلف الصالح فهم رضوان الله عليهم منفذو أوامره والآخذون بتعاليمه، وهم المُثل العملية والصورة الماثلة لهذه الأوامر والتعاليم) [٤]
وقد تحدث حسن البنا – بعمق –عن تكامل دوائر الانتماء، التي تبدأ بالانتماء الوطني، فقال (إن مصر هي قطعة من أرض الإسلام، وزعيمة أممه، وفي المقدمة من دول الإسلام وشعوبه. ونحن نرجو أن تقوم في مصر دولة إسلامية، تحتضن الإسلام، وتجمع كلمة العرب، وتحمي المسلمين في أكناف الأرض من عدوان كل ذي عدوان، وتنشر كلمة الله وتبلغ رسالته. إننا نحب وطننا مصر، ونحرص على وحدته، ولا نجد غضاضة على أي إنسان أن يخلص لبلده، وأن يفني في سبيل قومه، وأن يتمنى لوطنه كل مجد وفخار، وأن يقدمه في العمل على ما سواه. وأن يقدم في ذلك الأقرب فالأقرب رحمًا وجوارًا. إننا مع دعاة الوطنية، بل مع غلاتهم في كل معانيها الصالحة التي تعود بالخير على البلاد والعباد، فالوطنية لم تخرج عن أنها جزء من تعاليم الإسلام. فالدائرة الوطنية، في دعوتنا، هي الأساس الأول للنهوض، والوحدة العربية هي الحلقة الثانية في النهوض. أما الجامعة الإسلامية فهي السياج الكامل للوطن الإسلامي العام، ولا تعارض بين هذه الحلقات الثلاث، لأن كلًا منها تشد أزر الأخرى، وتحقق الغاية منها)[٥]
وقد رفض حسن البنا أى محاولة لتسويق (إسلام) يتكيف مع منطلقات الرؤية الغربية، فقال: (وفريق ثان من رجال الدعوة إلى الإسلام أيضًا أو ممن ينادون بهذه الدعوة طالت بهم الطريق، وعز عليهم الوصول إلى الغاية، ونالت منهم عقبات السير، وأخذت بأبصارهم زخارف مدنية الغرب، وضعفت في نفوسهم المتعة الإسلامية؛ لتأثر بيئة، أو قلة من محصول علمي، أو بعد عن روح الإسلام الصحيح، أو لغير ذلك من الأسباب.. فجعلوا مدنية الغرب أساسًا يشكلون به الإسلام على غرارها، ويطيعون قواعده ونظراته وأحكامه في قوالبها، فما وافق هذه المدينة من الإسلام أشادوا به وطنطنوا بفضله واكتسبوا بذلك عطف الجماهير، ودعموا به ما ذهبوا إليه من الظهور بمظهر الزياد عن حمى الإسلام. وما استقصى من قواعد الإسلام ونظرياته على هذه المدنية وأبى أن ينطبق على قواعدها وأصولها قسروه على ذلك قصرًا، وقهروه قهرًا، وزادوا فيه أو نقصوا، وغالطوا أفهامهم وأفهام الناس معهم، ووجدوا في التأويل مندوحه أو شبه مندوحة واتخذوا منه تكأة لما يريدون حتى يخرجوا من ذلك بإسلام أوروبي)[٦]
ونبَّه حسن البنا إلى جهود المستعمر لضرب هذه الهوية واستبدالها بأخرى، فقال: (إن الدعاية الأوروبية قد نجحت تمامًا في غزو الفكرة الإسلامية وإحلال غيرها من الفكرة المدنية [أي الغربية] محلها في مظاهر الحياة العامة، ولم تبق بين المسلمين إلا قشورًا لا تنفع، ففي السياسة وفي القانون وفي الخلق وفي الاجتماع زاحمت الفكرة الإسلامية أفكارًا أخرى أضعفت قوتها وأذهبت ريحها وصرفت الأبصار عنها) [٧]
وهكذا يبقى الإسلام بعقائده وحضارته، هو الثابت المطلق في فقه جماعة الإخوان المسلمين. فالإسلام كان هو مصدر القوة الوحيد في التصدي لتيار التغريب الجارف، الذي مهَّد للسيطرة الغربية على العالم العربي والإسلامي.
التنظيم حامل الفكرة
ولكى تنجح الفكرة الإسلامية في تبديل الأوضاع القائمة، فلابد لها من (تنظيم)، يجمع شتات العاملين والمؤمنين، فالكلمة وحدها لا تكفي..
فلم ترتض جماعة الإخوان المسلمين لنفسها، أن تكون جماعة تتفرغ للتنظير الفكري، فتقتصر في التعبير عن آرائها وأفكارها، من خلال الكتب والجرائد والمجلات، أو الصالونات الفكرية، والتي كانت موضة ذلك الزمان.
وعندما تواصى بعد المهمومين بالهم الإسلامي العام، من أمثال محب الدين الخطيب والشيخ الدجوي، بإصدار مجلة "الفتح" الإسلامية، لم ير حسن البنا في ذلك أمرًا شافيا وكافيا، فأسس جماعة الإخوان المسلمين[٨]
فجاء في بيان جماعة الإخوان عام 1937م تحت عنوان نظام الجمعية: (ولجمعية الإخوان المسلمين نظام إداري خاص بها أقرب ما يشبه به أنه مدرسة شعبية عامة منهجها كتاب الله ومبادئ الإسلام الصحي)" [٩]
كما تضمن القانون الأساسي للجماعة: (الإخوان المسلمون هيئة إسلامية جامعة تعمل لتحقيق الأغراض التي جاء من أجلها الإسلام الحنيف). [١٠]
الشعوب.. ومشروع التغيير
نظر حسن البنا إلى الشعوب على أنها صاحبة المشروع واداته في آن، فإذا لم تتبنى الشعوب التغيير، فإنه لا ينجح، لذلك لم يخاصم حسن البنا المجتمع المصري، وإن حمَّله وزره استسلامه لمخططات أعدائه، وعمل على الإرتقاء به وحمايته.
فكان يقول: (الفرق بيننا وبين قومنا بعد اتفاقنا في الإيمان بهذا المبدأ (يقصد العمل لنصرة الإسلام والالتزام به) أنه عندهم إيمان مخدر نائم في نفوسهم.." أما عند الجماعة "إنه إيمان ملتهب مشتعل قوى يقظ في نفوس الإخوان المسلمين)[١١]
ويقول في نفس الرسالة: (و نحب أن يعلم قومنا أنهم احب إلينا من أنفسنا ، و أنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب فداء لعزتهم إن كان فيها الفداء ، و أن تزهق ثمنا لمجدهم و كرامتهم و دينهم و آمالهم إن كان فيها الغناء، و ما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التي استبدت بقلوبنا و ملكت علينا مشاعرنا ، فأقضت مضاجعنا ، و أسالت مدامعنا ، و إنه لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان أو نستكين لليأس ، فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا، فنحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب ، و لن نكون عليكم في يوم من الأيام) [١٢]
وبقيت هذه العاطفة هى حبل الوصال بين الجماعة وبين المجتمع، والتي تم ترجمتها إلى العديد من الأنشطة التي تفوقت فيها جماعة الإخوان على غيرها من القوى والتيارات، بل وتفوقت على النظام نفسه، مما جعل جماعة الإخوان المسلمين هى القوة الشعبية الأولى، كما سيتضح فيما بعد.
غير أن حسن البنا حمَّل المسلمين بعض المسئولية، حيث عتب على الشعوب أنها سارت في فلك الحضارة الغربية وانبهروا بزينتها، ثم وضح لهم العلاج فيقول: "أيها المسلمون: لا تلوموا فرنسا ولا هولاندا ولا إيطاليا ولا إنجلترا في شيء من هذا ولا تعيبوها، فإن مهمتها جميعًا الاستعمار، وهو يتطلب في عرفهم هذا وأكثر منه، ولا تقولوا: إن ذلك ينافى المدنية والحضارة، ومزاعم الأوروبيين في تقديس الحرية والعمل لإنصاف الشعوب إلى آخر هذه المترادفات، فإن هذه مصطلحاتهم يغيرونها في أي وقت ويفسرونها كما شاءت لهم الأهواء. وإنما خدعكم عن حقكم أنكم اتبعتم ما زينوا لكم من أعمال وأقوال ولا تحاولوا أن تطلبوا من هذه الدول وأشباهها من ذوى المطامع إنصافًا أو عدالة، فإن أكبر العجز أن يكون عدوك خصمًا وحكمًا، ومتى رجا الناس الإنصاف من مصدر الظلم أو جنوا العنب من منابت الشوك؟ ولن يكون الخصم حكمًا أبدًا ولا تقولوا: ماذا نصنع ونحن مغلولون مقيدون، وقد أحيط بنا من كل مكان؟ فإن طريق الخلاص واضحة وسبيل النجاة ممهدة، فإن شئتم أن تسلكوها فهيا حرروا أنفسكم من شهواتها التي استرقتها وكبلتها وصفدتها ومنعتها القوة والعافية، وأذهبت ما فيها من مناعة وحرارة، ثم ربوها على تعاليم القرآن وحماس القرآن وهمة القرآن وأصول القرآن، ثم ضموا صفوفكم ووحدوا كلمتكم".[١٣]
وقد شرع حسن البنا في البدء بأنشطة إجتماعية وتربوية واسعة، طالت العديد من شرائح الشعب المصري، مما شكل بعد ذلك رافعة إجتماعية لباقي أنشطتها المجتمعية والسياسية.
ضد الإستعمار والتبعية
وفي نقلة كبيرة وجريئة، ذهب حسن البنا إلى أبعد من مجرد التنظير، بل اشتبك من التهديد الأكبر للشعوب الإسلامية والعربية.. فإحدى كليات منهج التغيير الذي مارسته جماعة الإخوان المسلمين، موقفها الثابت من الإستعمار، سواء في مصر أو في أرجاء العالم الإسلامي.
فلم يقبل الإخوان بوقوع وطنهم أسيرًا في قبضة المستعمر الأجنبي، واعتبروا أن من حقهم الدفاع عن حرياتهم والعمل على تحرير بلادهم من المغتصب الغربي، فأوصى حسن البنا شباب الدعوة بأن يبينوا للناس اعتداء الدول الكافرة وجرائمها بحق المسلمين، وأن يُعلموهم أن الإسلام لا يرضى من أبنائه بأقل من الحرية والاستقلال، فضلاً عن السيادة وإعلان الجهاد، ولو كلفهم ذلك الدم والمال، فالموت خير من هذه الحياة، حياة العبودية والرق والاستذلال، ويبشرهم بالنصر إن صدقوا الله في جهادهم مستدلاً بقوله تعالى: (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قويٌ عزيز) [١٤]
وفي استدعاء لمعنى الأمة، يضيف حسن البنا: (ولنا حساب بعد ذلك مع إنجلترا في الأقاليم الإسلامية التي تحتلها بغير حق، والتي يفرض الإسلام على أهلها وعلينا معهم أن نعمل لإنقاذها وخلاصها أما فرنسا التي ادعت صداقة الإسلام حينًا من الدهر فلها مع المسلمين حساب طويل، ولا ننسى لها هذا الموقف المخجل مع سوريا الشقيقة، ولا ننسى لها مواقفها في قضية المغرب الأقصى والظهير البربري، ولا ننسى أن كثيرًا من إخواننا الأعزاء شباب المغرب الأقصى الوطني الحر المجاهد في أعماق السجون)[١٥]
ويقول: (ومن هنا يعتقد الإخوان المسلمون أن كل دولة اعتدت وتعتدى على أوطان الإسلام دولة ظالمة لابد أن تكف عدوانها، ولابد من أن يعد المسلمون أنفسهم ويعملوا متساندين متحدين على التخلص من نيرها)[١٦]
لقد اعتبر الإمام البنا أن إخراج المحتل وتحقيق استقلال الوطن وتحريره من كل سلطان أجنبي في شتى المجالات، هدفًا رئيسًا تعمل عليه الجماعة وتحشد له طاقات الأمة، فيقول: (أيها المواطنون.. إن حقوقكم قد اجتمعت عليها كلمتكم، وارتبطت على المطالبة بها قلوبكم، وهى الجلاء التام عن وادى النيل بلا مراوغة ولا تسويف، ووحدة الوادي بلا تردد ولا إمهال، وحل المشاكل الاقتصادية المعلقة بيننا وبين الإنجليز على وجه السرعة، حتى تتنسم البلاد ريح الحرية، ويطمئن الناس على حياتهم ومستقبلهم)"
ويضيف: (والإخوان المسلمون إذ يضعون هذه الحقوق والأهداف من رسالتهم موضع العقيدة والإيمان أنها ليست مما يصح أن يكون محلاًّ للمساومة على الإطلاق، وكل من حاول ذلك فهو خارج على وطنه متحمل وحده تبعة عمله منبوذ من سائر المواطنين)[١٧]
وضد الإستبداد والفساد
كما اشتبك حسن البنا كذلك مع الفساد والاستبداد، بدعوى أنهما قنطرة المستعمر إلى داخل البلاد، لذلك رفض الإخوان المسلمون أن يسلموا "باللعبة السياسية" كما هي، فلم يشاركوا فيها إلا بعد أن توافر فيها الحد الأدنى من الشروط التي تضمن هويتهم الإسلامية من جهة، وحريتهم في اتخاذ القرار المناسب.
فاهتم الإخوان المسلمون أولا بتهيئة الظروف والمناخ المناسب للعمل السياسي، مناخ يتسم بالحريات العامة، والتداول الحقيقي للسلطة، وإمكانية تطبيق البرنامج السياسي المتعاقد عليه مع المواطنين.
وكمثال على تعامل الإخوان في نظام الحكم، موقفهم من معاهدة 1936، حيث طالب الإخوان المسلمون كثيرا من خلال المراسلات للملك والحكومات المتعاقبة بإلغاء المعاهدة، بل طالبوا رؤساء الوزراء بالتوقف عن المفاوضات مع الانجليز؛ لأنه يحاول كسب الوقت من خلالها فقط ولن يترك الوطن إلا بالجهاد والتصدي له.
ولهذا شدد الإمام البنا في كتاباته على ذلك بقوله: "يعلن المركز العام للإخوان المسلمين باسم شعب وادي النيل هذه الحقائق الآتية: أن معاهدة سنة 1936 ملغاة بحكم الحوادث والظروف، ولن تفيد بنودها ونصوصها والتزاماتها هذا الشعب بشيء، فقد حل محلها ميثاق الأمم المتحدة وأصبحت غير ذات موضوع، وأن حكومة صدقي باشا بإصرارها على المفاوضة لا تمثل إرادة الأمة، وكل معاهدة أو محالفة مع بريطانيا تعقدها قبل جلاء قواتها باطلة، لا ترتبط الأمة بها في كثير ولا قليل، وأن بقاء القوات الأجنبية عدوان مسلح على سيادة الوطن وحريته يترتب عليه آثاره القانونية والعملية".
لكن موقفه هذا من تفريط الحكومة في الثوابت الوطنية، لم تجعله يتردد في أن يقف إلى جانبها حين إلتزمت جانب الصواب في الحفاظ على هذه الحقوق..
فحين عُرضت القضية المصرية على مجلس الأمن عام 1947م لم يكتف حسن البنا بإرسال مصطفى مؤمن لحشد الرأي الغربي للتضامن مع القضية المصرية في أمريكا، بل أرسل برقية إلى رئيس مجلس الأمن جاء فيها: "والشعب المصري الثائر يستنكر كل قرار ينتقص من حقه، ويرفض العودة إلى المفاوضات الثنائية، ويعلن سقوط معاهدة 1936م، ويهيب بمجلس الأمن أن يحافظ على صيانة الأمن المهدد في الشرق[١٨]
الخاتمة
يقول الدكتور عماد حسين محمد – أستاذ التاريخ المعاصر: " إن النتيجة الطبيعية لدراسة أفكار الجماعة وتصوراتها عما هو قائم في المجتمع المصري وما يجب أن يقوم فيه تقودنا إلى أن الجماعة تريد أمرًا أعمق من مجرد الإصلاح لبعض نواحي أو مجالات ترى فيها خللا، وأن الجماعة تريد أن تصل إلى شكل آخر للمجتمع وللدولة وللوضع الدولي للعالم الإسلامي، ولهذا يعتقد الباحث أن إطلاق وصف "التغيير" على خطة الجماعة بصورة عامة أدق من وصف "الإصلاح". [١٩]
ولم يكن هذا التوجه من جماعة الإخوان المسلمين، سوى صدىً لمسيرة رموز الأمة الإسلامية، فكان فكر جماعة الإخوان المسلمين، كما جاء به الإمام الشهيد حسن البنا أو كما مارسه في حياته الدعوية القصيرة هو نفسه الفكر الإسلامي الأول، الذي ظل سائدا في عقول وقلوب النخبة الراشدة من أبناء المسلمين على مر العصور [٢٠]
وبقيت جماعة الإخوان المسلمين ملتزمة بهذه الكليات الخمسة طوال مسيرتهم من عهد المؤسس حسن البنا وحتى المرشد العام الثامن لجماعة الإخوان المسلمين، وعلى مدى ما يقرب من قرن من الزمان.
المصادر:
- ↑ مجموعة الرسائل – رسالة مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي
- ↑ ويكيبديا إخوان - جماعة الإخوان الحتمية التاريخية
- ↑ الهوية والحضارة الإسلامية الأصالة.. والمعاصرة.. والتحديات https://alummacenter.com/?p=3026
- ↑ مجموعة الرسائل – رسالة دعوتنا
- ↑ مجموعة الرسائل – رسالة المؤتمر الخامس نقلاً عن الهوية والحضارة الإسلامية الأصالة.. والمعاصرة.. والتحديات https://alummacenter.com/?p=3026
- ↑ حسن البنا: "طريقان"، جريدة الإخوان المسلمين، العدد (17)، السنة الثالثة، 7 جمادي الأولى 1354هـ - 6 أغسطس 1935، ص3. ويكيبديا إخوان - الإخوان المسلمون والوعي التأسيسي بالمعركة الفكرية للاستعمار https://www.ikhwan.wiki/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%88%D9%86_%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B9%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A3%D8%B3%D9%8A%D8%B3%D9%8A_%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D9%85%D8%A7%D8%B1#%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%83%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%A9_%D8%AF%D8%A7%D8%AE%D9%84_%22%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%88%D9%86%22_%D9%88%D8%AA%D8%A3%D8%B3%D9%8A%D8%B3_%D9%88%D8%B9%D9%8A_%22%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%88%D9%85%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9%22
- ↑ حسن البنا: "من قواعد الإصلاح"، جريدة الأخوان المسلمين، السنة الرابعة، العدد (47)، 26 ذو الحجة 1355هـ، 9 مارس 1937م، ص1 . ويكيبديا إخوان - الإخوان المسلمون والوعي التأسيسي بالمعركة الفكرية للاستعمار https://www.ikhwan.wiki/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%88%D9%86_%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B9%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A3%D8%B3%D9%8A%D8%B3%D9%8A_%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D9%85%D8%A7%D8%B1#%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%83%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%A9_%D8%AF%D8%A7%D8%AE%D9%84_%22%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%88%D9%86%22_%D9%88%D8%AA%D8%A3%D8%B3%D9%8A%D8%B3_%D9%88%D8%B9%D9%8A_%22%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%88%D9%85%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9%22
- ↑ حسن البنا – مذكرات الدعوة والداعية
- ↑ بيان موجز للإخوان المسلمين، مجلة جريدة الإخوان الأسبوعية العدد (4)، السنة الخامسة 1356هـ/ 1937م.
- ↑ القانون الأساسي للجماعة والذي تم إقراره بصورة نهائية في 21 مايو 1948م - مادة (2)
- ↑ مجموعة الرسائل – رسالة دعوتنا
- ↑ مجموعة الرسائل – رسالة دعوتنا
- ↑ علاقة الإخوان بالغرب.. تعايش لا وصاية (1/ 2) https://www.ikhwanonline.com/article/237468
- ↑ رسالة المؤتمر الخامس
- ↑ المصدر السابق
- ↑ المصدر السابق
- ↑ جريدة الإخوان المسلمين: العدد (89)، السنة الرابعة، 7 ربيع أول 1365 - 9 فبراير 1946
- ↑ علاقة الإخوان بالغرب.. تعايش لا وصاية (1/ 2) https://www.ikhwanonline.com/article/237468
- ↑ ويكيبديا إخوان - جماعة الإخوان الحتمية التاريخية
- ↑ زهير سالم - الفكر السياسي عند جماعة الإخوان المسلمين.. رؤية ومضامين.. ثوابت ومتغيرات