لماذا تخاف الحكومة من استقلال القضاء

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

لماذا تخاف الحكومة من استقلال القضاء


بقلم:المستشارمحمود رضا الخضيري

نائب رئيس محكمة النقض ورئيس نادي القضاة بالإسكندرية


أسلوب المن الذي يتعامل به المسئولون مع مطالب الشعب أسلوب مرفوض شكلاً وموضوعاً وإن كان يتفق مع الطريقة التي يأتي بها المسئولون إلي السلطة فهم يأتون عن طريق قرار منفرد من السلطان ولا دخل للشعب سواء في توليهم السلطة أو عزلهم منها ، لذلك فإنهم لا يعملون أي حساب لغضبه أو عدم رضائه عنهم وهو يطلبون منه الشكر والثناء لأي فتات يلقيه إليهم ، وينسي المسئولون دائماً أن غضب السلطان قريب وأنهم سيجدون أنفسهم في القريب العاجل خارج كرسي السلطة يتلمسون رضاء الشعب الذي جاءوا منه ، تذكرت كل ذلك وأنا أقرا تصريحات المسئولين عن تعديلات قانون السلطة القضائية الذي أعدته الحكومة بعد طول عناء لكي تتمكن من إجهاض مشروع نادي القضاة ، وأقل ما يقال عن هذا المشروع أنه ينطبق عليه المثل القائل تمخض الجبل فولد فأراً ، ورغم ذلك يباهي به الناس من حوله وهو ما ينطبق عليه أيضاً المثل القائل القرد في عين أمه غزال.

والحقيقة أن من يطلع علي مشروع الحكومة لتعديل قانون السلطة القضائية يتولد لديه إحساس قوي بأن الحكومة لا تتصور خروج السلطة القضائية من تحت هيمنتها ولا تقبل ذلك ومستعدة للكفاح في سبيل ذلك إلي ابعد مدي ، وإلا فبماذا تفسر الاعتراض علي تعديلات لا تكلف الحكومة شيئاً بل علي العكس ترفع عنها بعض الأعباء المالية وهي الخاصة بمنع الندب لغير الأعمال القضائية مثل الندب للشركات والمؤسسات والهيئات العامة وهو الأسلوب الذي طالما استعملته السلطة التنفيذية لإغراء البعض ومحاولة التلويح لهم وهو ما شاهدنا بعض أثاره في الانتخابات التشريعية الماضية هل يمكن أن يفسر ذلك بغير رغبة الحكومة في أن تجد سبيلاً للنفوذ الي داخل القضاة للتأثير عليهم حتى تستطيع من خلالهم تنفيذ رغباتها في استصدار أحكام تتفق مع سياستها وكذلك تزوير الانتخابات. والأمر الثاني مثار العجب الذي تماري فيه الحكومة هو وجود عنصر مختار من الجمعيات العمومية للمحاكم داخل مجلس القضاء الأعلى بحجة أن ذلك لا يتفق وطبيعة المجلس ولم يقل لها المسئول الذي يحارب في ذلك ما هو وجه عدم اتفاقه مع طبيعة المجلس رغم أن ذلك كان موجوداً في القوانين السابقة علي القانون الحالي ولم يتم إلغاءه لفشله في تحقيق أغراضه بل لسياسة حكومة الثورة في هذا الوقت والتي كانت تعزف عن طريق الاختيار بطريق الانتخاب لعدم اتفاقها مع طبيعة الحكم العسكري والحقيقة أن حكومتنا الرشيدة هذه الأيام تخاف من أسلوب الانتخابات كوسيلة لاختيار القادة لأنها تعلم أنه لا تأتيها بأناس تستطيع أن تسيرهم علي هواها كيف تشاء وهذا ما يتفق مع سياسة الحكومة في كل الأماكن في الجامعة والنقابات والنوادي لأن المعين بكل تأكيد يدين لها بالولاء ويعرف أن بقاءه في مكانه رهن برضائها ولذلك فهو حريص دائماً أن يكون موضع هذا الرضا السامي أما رغبات الشعب ومصالحه فلتذهب إلي الجحيم.

واعتقد أنه من هذا المنطلق أيضاً تأتي سياسة الحكومة مع منع النص علي نادي القضاة في مشروع الحكومة لتعديل قانون السلطة القضائية فهي تريد أن تعد له نصاً محكماً في قانون أخر كما صرح بذلك وزير شئون مجلسي الشعب والشورى حتى تحكم السيطرة عليه مع غيره من النوادي خاصة بعد ما شاهدته من وقوف النادي في وجه تزوير إرادة الشعب في الانتخابات التشريعية الماضية فهي لا نريد ان نكرر هذه التجربة المريرة مرة أخري واعتقد أن ذلك أيضاً وراء تأجيل الانتخابات المحلية حتى تلتقط الحكومة أنفاسها بعد هذه المعركة التي خرجت منها مثخنه بالجراح علي المستوي المحلي والعالمي ولكن ما يجب علي ترزيه القوانين أن يعلموه هو أن شعب مصر دبت فيه الحياة وتنبه لأساليب التلاعب بإرادته وأنه سيتصدي بكل قوي لمحاولة العبث بهذه الإرادة وأن ما يظنه البعض من أن الاحتقان الموجود لدي الشعب لا يتعدي بضع مئات من الأمتار حول دار القضاء العالي غير صحيح وأن جموع الشعب تطالب بالإصلاح والتغيير ومن أول هذا التغيير المطلوب هو الإصلاح القضائي الذي يأتي بسلطة قضائية قوية تستطيع أن تتصدي للحاكم قبل المحكوم وللقوي حتى تأخذ حق الضعيف منه وأن تحاسب كل من يعتدي علي حريات المواطنين وأعراضهم. هل يستطيع ترزيه القوانين أن يقولوا لنا ما سر المعارضة في تبعية التفتيش القضائي لمجلس القضاء الأعلى وهو الجهاز القابض علي زمام وهو الجهاز القابض علي زمام الأمور والمتحكم في كل ما يخص رجال القضاء من ترقيه ونقل وندب وشكاوي تقدم ضدهم فضلاً عن تقييم أعمالهم وما يترتب علي ذلك من التأثير في ترقيتهم بل وبقائهم في أعمالهم ، جهاز هذا شأنه وهذه هي خطورته لماذا تصر الحكومة علي بقائه خاضعاً لها هل يمكن أن يكون لذلك هناك تبرير سوي أحكام القبضة علي القضاة والسيطرة عليهم علماً بأن أجهزة التفتيش في كل من مجلس الدولة والنيابة الإدارية وقضايا الدولة تابعه لرؤسائها فهل يمكن أن يكون القضاء العادي في هذا الشأن أقل من باقي الهيئات.

كل ما يهدف إليه مشروع نادي القضاة لتعديل قانون السلطة القضائية هو أن يشعر الناس بالاطمئنان إلي أن هناك قضاء يحميهم ويعطيهم حقوقهم ويحافظ علي حرياتهم ولا يمكن أن يكون هناك قضاء هذه وظيفته إلا إذا كان مستقلاً غير خاضع سوي للقانون وضمير القاضي. وكل من يتتبع نصوص هذا المشروع يشعر أن كل كلمه فيه تهدف إلي ذلك فما بال الحكومة تنازع في هذا الشأن وتخشاه وتحاول أن تصور نصوص المشروع علي أنها موضع خلاف بين القضاة وأنها لا تتفق مع السياسة التشريعية والصياغة القانونية وفي الحقيقة أنها إذا كانت لا تتفق مع شئ فإنها لا تتفق مع رغبة الحكومة في إحكام السيطرة علي السلطة القضائية لأنها تعلم أن في خروج السلطة القضائية عن سيطرتها عدم تنفيذ رغباتها في التدخل في شئونها والأمر الأهم في نظرها هو أن في وجود سلطة قضائية قوية وجود سلطة تشريعية قوية تمارس حقها المشروع في التشريع وفي مراقبة السلطة التنفيذية وتحجم دورها ومنع هيمنتها وهو أمر لا طاقة لها في احتماله.