مؤتمر الذكرى المئوية لولادة أبي الأعلى المودودي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مؤتمر الذكرى المئوية لولادة أبو الأعلى المودودي

مقدمة

الإمام المودودى

بدعوة وتنظيم من قبل " الجماعة الإسلامية" في باكستان انعقد مؤتمر أبو الأعلى المودودي بمناسبة الذكرى المئوية لولادته ( 1903 ) وذلك تذكيرا للأمة بمآثره من طرف الجماعة التي غرسها سنة 1941 فسيلة صغيرة ولا تزال تمتد بجذورها وفروعها وتنمو ثمارها وينتشر أثرها في في محيطها الأصلي وعبر أمة الإسلام والعالم حتى تبوأت وتبوأ مؤسسها الذي وافاه الأجل في أواخر السبعينات، الصف الأول من رجال ومؤسسات الحركة والتجديد والاصلاح في الإسلام المعاصر، وبالخصوص في شبه القارة الهندية:الهند ، باكستان، بنغلاداش، سيرالنكا.

لقد أمكن "للجماعة الإسلامية" مع أحد تلاميذ المؤسس النجباء القاضيحسين أحمد زعيمها الحالي أن تغدو في الباكستان خاصة أهم حركة سياسية وفكرية واجتماعية منظمة: تأصيلا للإسلام وقيمه ومسالكه وسائر برامجه، وتعبئة للشعب حوله، والمحور الذي تمكّن أن يجمع في المستوى السياسي أهم تيارات الفكر الديني في الباكستان: التقليدي " الديوبانديين"، والصوفيين"البريلويين" والسلفيين أهل الحديث والشيعة، وذلك ضمن تحالف" العمل الإسلامي المتحد" : التحالف الذي يقود اليوم المعارضة في البرلمان الفيدرالي.

كما يقود التحالف على صعيد الحكم المحلي الحكومة في إقليمين من بين أقاليم الباكستان الأربعة، وهو ما جعل من القاضي حسين أحمد- كما ذكر لي أحد المعلقين الصحفيين الكبار في الصحيفة اليومية الكبرى "جانك"- أنه اليوم أقوى رجل في الباكستان، تعلق عليه آمال غالبية الباكستانيين في إنقاذ البلاد من الفساد والنفوذ الأمريكي الصاعد في البلد.

فماذا دار في المؤتمر ؟

انعقد المؤتمر يومي 7و8 من الشهر الجاري في مدينة لاهور العاصمة الثقافية لباكستان والتي تشرف بانتساب إقبال إليها، فأقامت- لتخليد ذكراه باعتباره صاحب فكرة تأسيس باكستان (الأرض الطاهرة)- مركزا ضخما يطلق عليه " ديوان إقبال" حيث تربعت صورة له ضخمة في القاعة الكبرى التي دارت فيها لقاءات المؤتمر واحتلت النساء مدرجاتها العليا والرجال مدرجاتها السفلى، في جمع لا يقل عن خمسة آلاف قد اختيروا من بين القيادات العليا والوسطى للجماعة في مختلف مؤسساتها وأقاليمها وممثليها في المهجر، إلى جانب ممثلي الصحافة ونخب من عالم الفكر والسياسة والمجتمع المدني الباكستاني.

أما المدعوون من الخارج فقد جاؤوا من بلاد كثيرة يتقدمهم من العالم العربي الشيخ يوسف القرضاوي قادما من قطر والشاعر د. محمد صيام من فلسطين(حماس).

ومن الكويت الاستاذ محمد مصطفى الطحان، ومن لبنان د. فتحي يكن رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية في لبنان, ومن الأردن الأستاذ عبد المجيد الذنيبات المراقب العام للإخوان والكتور حمزة منصور الامين العام لجبهة العمل الاسلامي.

ومن المغرب الأقصى الدكتور المقرئ بوزيد الإدريسي : عضو مجلس شورى حركة الاصلاح والتوحيد وعضو البرلمان المغربي ومن تونس الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة قادما من العاصمة البريطانية ومن السودان الصادق عبد الماجد المراقب العام للإخوان المسلمين وكذلك الأستاذ عبيد مسؤول العلاقات الخارجية في المؤتمر الوطني الحاكم ومن إيران الشيخ آية الله التسخيري عضو مجلس الخبراء مستشارخامنائي والعضو السني في مجلس الخبراء ومستشار لخمنائي أيضا.

ومن بنغلاداش البروفسور غلام أعظم النائب السابق لأمير الجماعة الاسلامية زمن الوحدة وأميرها السابق بعد الانفصال.

ومن النيبال حضر ممثل عن الاقلية الاسلامية.

ومن الولايات المتحدة حضر ممثل عن المهاجرين الباكستانيين باحث في جورج تاون.

تداول المدعوون مع قادة الجماعةخلال يومين الحديث عن أعمال المودودي ومآثره رحمه الله,من جهة،ومن جهة أخرى تناول المتحدثون واقع المسلمين وما يواجههم من تحديات ومدى ما يمكن لفكر المودودي ونهجه في التغيير أن يسهم به في مواجهتها .

ولقد غلب هذا المحور على معظم المداخلات بسبب ثقل الشعور بوطأة الاخطار التي تتربص بالمسلمين .

فغلبت الأجواء المشحونة بالعواطف وبالروح التعبوية على أغراض البحث العلمي لآثار الرجل وتمحيصها وتمييز ما ظل صالحا منها مما هو لصيق بظروف خاصة مضت فيحتاج الى التجاوز والتعديل.

ففي الشق الاول وهو الأوفى- حيث غلبت الروح العاطفية التعبوية الملتهبة.

أ- تم استدعاء ذكريات من

سيرة الزعيم المؤسس مفعمة بروح المحبة والعرفان والولاء ،مما يمكن أن تدرج ضمنه مداخلات معظم قادة الجماعة :القاضي حسين ونائبه البروفسور خورشيد أحمد وسكرتير الجماعة وبالخصوص البرفسور غلام أعظم الذي يمكن إدراجه ضمن الشهداء الأحياء،فقد اندلعت حال اتجاهه صوب المنصة موجة عارمة من مشاعر الحماس والوجد والشوق والعرفان والاعجاب،هزت القاعة الكبرى،فهي المرة الأولى التي يقدم فيها الى باكستان بعد مغادرتها منذ ثلاثين سنة,على إثر انفصال بنغلاداش "باكستان الشرقية يومئذ.

لقد كان نائبا لأمير الجماعة زمن الوحدة وهو بنغالي، فأمره المودودي أن ينتقل الى أرض الدولة الجديدة بنغلاداش ليصبح أميرا لجماعة مستقلة تأسيسا على أصل المودودي في رفض العمل السري والعنف .

ولأن الجماعة قد اتخذت موقفا رافضا للانفصال فقد اتهمت وأميرها بالخيانة من قبل الانفصاليين وأصدروا حكما باعدامه, ولم ينفذ الحكم بسبب الاعتراض عليه، غير أنه منع من حق المواطنة وحمل جنسية البلد فاضطر الى الهجرة ولكن لا الى باكستان- كما هو متوقع- بسبب اعتراض المودودي واشتراطه عليه أن لا يأتي باكستان إلا بجواز بنغالي فهاجر الى انقلترا وظل من هناك يتابع شؤون جماعته ويلاحق قضيته في المحاكم حتى أمكن له الحصول على حكم بالبراءة من تهمة الخيانة،وحكم بحقه في الواطنة،فعاد الى بلده،

غير أن السلطة التنفيذية ماطلت في تمكينه من جواز السفر، فأمضى سنوات محاصرا الى أن سقط حكم الحزب العلماني المتطرف الموالي للهند الذي قاد الانقلاب، وحصلت تطورات ادت الى قيام تحالف انتخابي بين الجماعة وبين الحزب المعارض المعتدل في علمانيته وأقرب الى الباكستان والذي تقوده الشيخة حسينة، نجح التحالف في انتزاع السلطة وقام حكم ائتلافي شاركت فيه الجماعة ه9و حاكم اليوم،وذلك بعد أن أقدمت الجماعة على

تحولات في استراتجيتها استوعبت وقبلت استقلال البلاد كأمر واقع واستقال الأمير السابق غلام أعظم ليتحول رمزا تاريخيا وقيادة روحية ومشاركا بالرأي في مؤسسات الجماعة وبذلك تجاوزت الجماعة المحنة وطبّعت وضعها مع الاستقلال، وأمكن للبرفسور غلام أعظم أن يسافر الى باكستان أول مرة بعد ثلاثين سنة، فكان له هذا الاستقبال في وطنه القديم وفيا لوصية شيخه .

لقد استقبل المؤتمر البروفسور غلا م أعظم ( 74سنة ) بعظيم الحب وبحماسة غير مألوفة حيث انتفضت القاعة الكبرى وقوفا بالتكبير والشعارات من دون هتاف كما لم تفعل ذلك لأحد سواه وطفق الرجل بعد هدوء العاصفة يقص بعض ذكرياته مع الشيخ المؤسس.

ومعاناته على إثر محنة الانفصال وكثيرا ما طغت به العاطفة فغمره البكاء وانخرطت معه الجموع تبادله الحب والوجد والحنين.

ولم يكتم القاضي حسين ونوابه ومنهم البروفيسور الكبير خورشيد أحمد المفكر الاقتصادي الشهير عرفانهم للشيخ المؤسس واستمرار تتلمذهم عليه حيا وميتا وتقديرهم لنائبه

ب- أما المجال الثاني الذي غلب فيه الحماس والعواطف وروح التسيس فقد تعلق بإبرازا الأخطار التي تحيط بالأمة جراء المخططات التي يحيكها أعداؤها وتحريضا على التصدي لهذه المخططات وإفشالها.

برز ذلك في الحديث الثاني للشيخ يوسف القرضاوي الذي كان بلا منازع نجم المؤتمر فهو وحده من بين الضيوف الذي تدخل أكثر من مرة وكان يسند إليه الدعاء في ختام كل جلسة وموقعه ثابت في صدر المؤتمر.

تحدث عن شرعية المقاومة في دفع الاحتلال ورد شبهات العنف التي تلحق بالمسلمين ودعا إلى وحدة المسلمين وحذر من الأعمال المتهورة التي ترتكبها باسم الإسلام بعض المجموعات الاسلامية المحدودة والتي لا يفيد منها غير أعداء الإسلام.

كما حذر من العولمة الثقافية التي تهدد هوية المسلمين وشخصيتهم، ومن ذلك ما يتعرض له الحجاب في بعض الاقطار مثل تونس من عدوان عليه وعلى حاملاته اللائي صودرت حقوقهن في التعليم وحتى في الصحة.

وتابع هذا النهج عدد من المتدخلين منهم الشيخ فتحي يكن ومحمود صيام والشيخ ذنيبات والشيخ حمزة منصور مع التنويه بمآثر المودودي وبنائه لجماعة عظيمة هي صنو الإخوان المسلمين.

وكان خطاب أمير الجماعة في البدء والختام أشد الخطابات أثرا تعبويا وهو ما أضفى على المؤتمر طابعا حماسيا.

ربما هو جزء من الاعداد لتنفيذ التهديد الذي وجهه تحالف"العمل الاسلامي المتحد للرئيس مشرف بإسقاط التعديلات الدستورية التي سنها في غياب البرلمان وحولت نظاما برلمانيا نظاما رئاسيا،فإذا لم يستجب فالتحالف سيدعو الجماهير الى الشارع.

وضرب لذلك أجلا.

2- غير أن الأمر لم يخل من بحوث هادئة حول تراث المودودي قدمها عدد من المتدخلين استعراضا لفكر المودودي ودفعا لما رمي به فكره من تشدد وتكفير انطلاقا من مفاهيم اساسية في فكر المودودي مثل مفهوم الجاهلية والحاكمية والقومية، وقد تجاوزت بعض تلك البحوث العرض والدفاع إلى النقد، وكانت أبرز البحوث التي اقتصرت على العرض الدفاعي الموثق الورقة التي قدمها

الباحث والمفكر المغربي: المقري بوزيد الادريسي: "تاثير الامام المودودي في الفكر العربي المعاصر" عرض فيها بإيجاز وتركيز وتوثيق لوقع فكر المودودي وتأثيره في العالم العربي انطلاقا من المغرب الاقصى ذاته الذي وصفه بأنه أقصى الوطن الإسلامي ومدى تجاوب حركته الإسلامية الشابة مع فكر المودودي الوافد من أقصى شرق الوطن الإسلامي، الباكستان، وكيف مثل هذا الفكر المكون الأساسي للجيل الأول في الحركة الإسلامية المغربية.

كما عرض لعدد من الكتابات التي عرّفت بفكر المودودي في الوطن العرب مثل كتابات محمد عمارة وعبد المجيد النجار...، رد المقري من خلالها ومن خارجها على الشبهات التي ألصقها العلمانيون بفكر المودودي.

كالتشدد والتكفير والتأسيس للعنف.

- كما كانت محاضرة القرضاوي في الجلسة الأولى للمؤتمر عرضا واسعا لفكر المودودي وعلاقته بفكر البنا وتأثيره في الصحوة الإسلامية المعاصرة.

غير أن عرضه لم يخل من نقد لبعض أفكار المودودي ولا سيما المتعلقة بالمرأة وإيجابه النقاب عليها مع أن المجال يتسع لأكثر من اجتهاد،وسفور الوجه أرجح.

كما وصف رؤية المودودي للتاريخ الإسلامي وما جرى من خلافات وتطورات بالتشدد،واعدا بنشر كتاب خاص بفكر الشيخ المودودي بسبب تعدد التأويلات وضروب التفسير التي قدمت لآثار الرجل وأسس عليها المتشددون بعض مواقفهم في التكفير والجاهلية والموقف من غير المسلم عامة،إلا أن القرضاوي لم يقصر في التنويه بمآثر المصلح العظيم ولا سيما رفضه مناهج العمل السري وطرائق العنف في التغيير ، وهو ما صان "الجماعة الاسلامية" مما انزلقت اليه حركات اسلامية أخرى بسبب عدم حسم هذه المسألة .

وقدم الاستاذ مصطفى الطحان كلمة موجزة تحت ضغط ضيق الوقت عن حال الأمة والمكايد والمخططات التمزيقية التي رسمت لها وطبقت عليها واضعا المودودي في السياق التاريخي للرد على تلك المخططات.

الشيخ آية الله التسخيري: قدم بحثا مقارنا بين فكر المودودي السياسي المتعلق خاصة بالحكومة الإسلامية وبين فكر الخميني مبرزا الاشتراك الواسع بين التصورين مفندا الرؤية الخاطئة بحسبه لفكرة ولاية الفقيه واعتبارها رؤية خاصة بالشيعة.

فالولي الفقيه حاكم منتخب من قبل مجلس علماء منتخبين بحسب ضوابط متفق عليها من كل الفرق الإسلامية:

العلم الذي يبلغ رتبة الاجتهاد والعدالة ..إلخ وأكد باعتباره أحد أعضاء ذلك المجلس الذي يختار الولي الفقيه ويراقبه ويحاسبه من دون هوادة وله سلطة عزله أن المجلس يؤدي هذه الأمانة بكل جدية وحرص محذرا من الاختراقات العلمانية باسم الإصلاح.

وقدم راشد الغنوشي بحثا حول أصالة فكر المودودي مقابل الإصلاحات البورقيبية وذلك انطلاقا من واقعة غدت معروفة في الباكستان وتتمثل في سفر الرئيس برويز مشرف إلى تونس منذ بضعة أشهر بغاية "التعلم من التجربة التونسية في القضاء على الأصولية".

فكان ذلك مثارا لمساجلات في الصحافة الباكستانية بين الإسلاميين والعلمانيين حول التجربة التونسية حقيقتها ونتائجها،وهو ما حمل المنظمين على الرغبة الى رئيس النهضة تقديم عرض لما غدا يعرف في الصحافة الباكستانية عنوانا ل"الاصلاحات التونسية"الاسلام العصريmodren Islam فاسجاب للرغبة وقدم عناوين رئيسية لتلك"الاصلاحات"

مصادرة المؤسسات الدينية:

وكان ذلك من أولى قرارات الاستقلال،فتم مصادرة واحدة من أعرق مؤسسات التعليم في العالم الاسلامي"جامع الزيتونة" وكانت قد نجحت في استيعاب العلوم الحديثة واتسعت فروعها حتى غطت أرجاء البلاد وفتحت فروعا لها في الجزائر فكان عدد الطلبة الذين يتابعون فيها تعليمهم-يوم صدر القرار بإغلاقها- يفوق سبعة وعشرين ألف طالبا،كما صودرت الكتاتيب لتعليم الصبية القرآن وصودر الوقف الذي كان يمولها ويمول مناشط اجتماعية واسعة،كما صودرت المحاكم الشرعية، وتم تأميم المساجد.

مصادرة ما استبقاه الاستعمار من الأحكام الشرعية

محاربة اللغة والثقافة العربيتين لصالح اللغة الأجنبية:الفرنسية

التعرض بالنقد للعقائد الإسلامية واتخاذها هزء مثل الجنة والنار ومعجزات الانبياء والتصدي لركن الصوم وانتهاكه جهرة من قبل رئيس الدولة باعتباره عائقا أمام النهوض الاقتصادي!!

محاربة القيم الإسلامية مثل قيمة العفة والحياء مقابل الدعوة للإباحية وحظر الحجاب ومطاردة حاملاته.

حظر إقامة المساجد في المؤسسات الإدارية والتعليمية والاقتصادية وحظر اللحي.

حظر تأسيس الأحزاب على أساس ديني مقابل تشريعها على إساس لا ديني كالشيوعية والعلمانية.

شن الحرب الاستئصالية على الحركة الإسلامية وتحويل الدولة كلها إلى أداة حرب للإسلام ودعاته ومؤسساته.

في المستوى السياسي:تم تأسيس نظام فردي طاغ فاسد لم يوفر حرية من الحريات لأي اتجاه إسلامي وحتى علماني معارض مستعيضا عن حياة سياسية تعددية وانتخابات تعبر عن إرادة الشعب وتحقق التداول السلمي للسلطة، بديكور ديموقراطي فارغ لا يجد الرئيس فيه عناء في تحقيق نسبة تزيد عن 99%.

بل حور الدستور لتسويغ الرئاسة المؤبدة.

ولم تعرف البلاد سنة دون محاكمات سياسية وما يصاحبها من تعذيب، فتداولت كل التيارات على السجون التي لم تتنفس قط الصعداء وهي اليوم تزدحم بأكثر من 600سجين مضى عليهم حوالي عقد ونصف في ظروف موت بطيئة.

أما التعذيب فهو بشهادة المنظمات الدولية بما فيها منظمة الامم المتحدة لحقوق الانسان" ممارسة يومية منظمة تجد التشجيع عليها من أعلى هرم الدولة"حسب تعبير امنستي،فتحولت تونس إلى محط انشغال للمنظمات الإنسانية المدافعة عن حقوق الانسان .

أما الصحافة فهي لا تزال نسخة من الاعلام الستاليني البائد،حتى أنه أدرج النظام التونسي من طرف المنظمة العالمية للناشرين الدوليين ضمن الدول العشر الأولى القامعة للحريات في العالم مثل حرية الصحافة.

لقد أخضعت البلاد لخطة دولية تعرف ب"تجفيف ينابيع الاسلام" واستئصال قوى المقاومة الثقافية لتحويله البلاد سوقا رأسماليا مفتوحا لا مجال فيه للحديث عن هوية وأخلاق وتنمية مستقلة.

وفي هذا الصدد تمت تنقية البرامج التعليمية من كل ما يشير الى نظم الاسلام بحجة مقاومة الاصولية والتطرف،كما تمت إشاعة ثقافة المجون والتحلل وتدمير خلق الحياء والعفة.

ومع ذلك لا يفتأ شعببنا الاصيل في إسلامه يعبر رغم كل هذا القمع عن تمسكه بهويته الإسلامية فبعد أن قمعت الصحوة الاولى بحجم هائل من القمع انطلقت خلال السنة الاخيرة صحوة جديدة، موجة عارمة من التدين والإتجاه إلى المساجد ولبس الحجاب رغم كل ضروب القمع والطرد المتوالي لحاملات الحجاب من كل مؤسسات الدولة وحتى من المستشفيات وتمزيق الحجاب في الشوارع وإجبار اللاتي يحملنه على توقيع التزام بعدم العودة إليه.

أما على الصعيد الإقتصادي ورغم الجعجعة والتبجح بالمعجزة الإقتصادية في تونس فإن الوقائع تشهد بخلاف ذلك من مثل حجم البطالة الذي يقدر ب20% في الاقل ولا سيما في أوساط الشباب المتعلم واتساع الفوارق بين النخبة الحاكمة المستبدة وبين جماهير الشعب المنهوبة المقموعة، الى ارتفاع حجم التداين حتى أن التونسي يعد أكبر إنسان مدين في العالم إضافة إلى تفاقم ظاهرة الفساد الإداري والمالي في غياب الرقابة الإعلامية

والسياسية والقضائية وانعدام الوازع الديني وقد تجلى هذا الفساد الذي طال كافة مناحي الحياة في عجز قطاع البنوك على أداء دوره في تنشيط الحياة الإقتصادية حيث تم نهب المليارات من صناديقه بعناوين قروض موهومة يعسر تسديدها ما ينذر بانهيارات مخيفة في الإقتصاد التونسي رغم الدعم المالي والسياسي الخارجيين الذين يعملان على تأخير هذا الإنهيارالقادم لا محالة إلا أن يحدث تحول دراماتيكي في أداء الحكم وتغيير سياسي جاد يشارك في صنعه كل التونسيين .

وإني لأتساءل في مرارة عما يمكن لبلد كبير مثل باكستان ، عريق في إسلامه ، عريق في تجربته الديمقراطية عريق في مستوى التوافق الكبير بين مختلف تيارات نخبه من إسلاميين وعلمانيين فلم يعرف العنف أو القمع الواسعين ، ماذا يمكن لبلد تأسس على فكر مصلح كبير مثل إقبال وتعمق في تجربته الإسلامية الثرية مستلهما الكثير من فكر العلامة المودودي الذي أشاع في عالم الإسلام المعاصر فكرة الدولة الإسلامية الديمقراطية التي يحكمها دستور شغل المودودي القسم الأكبر من جهده في صياغته واستلهامه من الاسلام مستفيدا من التجارب المعاصرة ،ورسخت فكرة هذا الدستور وقيمه الاسلامية حتى تحول ثقافة وطنية عامة لم يستطع حاكم عسكري أو مدني أن يتحداها فلم يتورط البلد في محرقة العنف والنظام الفردي

والمحاكمات السياسية الواسعة والاعتقالات بالجملة وشنيعة التعذيب وديمقراطية الفرز والديكور وفوز الرؤساء بالنسب الفضائحية99%ولا غابت عنه شمس الحرية يوما، بلد مثل هذا استوعب في إطار عزته الاسلامية خير ما في الحداثة من علم وتقنية وحريات سياسية وصحفية معقولة ،ماذا يمكن أن يتعلم من تجربة "الإصلاح" البورقيبي القائمة على فكرة تأليه الزعيم والدولة وسحق وتفكيك المجتمع واحتقار الفرد وقهره، والقطيعة مع الماضي والحرب عليه وعلى الإسلام، متولها بنماذج خارجية مستوردة لم يستوعب جوهرها الديموقراطي منبهرا بخصوصيتها في التمرد على الدين؟ ماذا يمكن لمجتمع باكستاني مثل هذا أن يتعلم من التجربة البورقيبية غير درس واحد هو الاعتبار بها وشدة الحذر من التردي في براثنها ومتابعة طريقها المهلك؟

إن باكستان لم تحتج إلى العلمانية والصراع مع الإسلام من أجل أن تثبت وجودها وتتعامل مع التحديات الكبرى التي تواجهها: تحدي التنمية إنتاجا لكل ما تحتاجه في مجال الصناعة والزراعة حتى أنها رغم ملايينها المائة وخمسين تصدر الأغذية.

تحدي الدفاع:

في مواجهة قوة تفوقها عددا أكثر من سبع مرات.

ومع ذلك واجهت التحدي ولم تذعن وأنتجت قنبلتها النووية، وصنعت غواصاتها،وصواريخها،فخلقت توازنا مع قوة تفوقها،خلافا للتجارب العربية المفلسة ومنها التجربة التونسية.

والتحدي السياسي:

إقامة لنظام ديموقراطي- رغم دورات الصعود والنزول- لم يعرف الفرز والاقصاء وتكميم الأفواه والاضطهاد المفتوح.

وظلت العملية الانتخابية أبدا ذات مصداقية، وظلت حركة الشارع كلما تعرضت المؤسسات الديمقراطية للضعف والانحراف بها ، أداة رقابة وضغط وتعبئة وتغيير،بينما الاصلاح البيورقيبي وورثته لا يرون في حركة الشارع إلا العدو الأعظم والخطر الماحق الذي يجب أن يواجه بكل أسلوب بما في ذلك اقتراف المجازر كما حصل مرات كثيرة.

ودلالة ذلك واضحة على اغتراب هذه"الاصلاحات" وروادها عن روح الشعب وثقافته ومصالحه،ولأنهم لا يثقون فيه ويعبئون الجيوش ويشحذون الاسلحة لسحقه كلما تحرك مطالبا بالاصلاحات الديمقراطية الحقيقية

لقد كان لفكر المصلحين الكبيرين محمد إقبال وخليفته المودودي اليد الطولى والأثر البالغ في بناء دولة اسلامية حديثة على أسس متينة من العزة الاسلامية والشريعة الاسلامية وأصول الاسلام ومقاصده وحضارته وتراثه إطارا وموجها وضابطا في التعامل مع الحضارة الغربية السائدة أخذا وعطاء فبولا ورفضا.

صحيح أن هذه التجربة تعرضت لتحديات كبرى منها تحدي ميزان القوى الدولي المائل منذ200سنة لصالح الحضارة المتغلبة ولكنها ظلت صامدة وتقاوم وتتعلم من أخطائها وتواجه الضغوط الخارجية الهائلة لا بالميل الى الاستسلام والانحناء كما هو اتجاه النخب العلمانية وإنما بمزيد من التعمق في الهوية وتعبئة قوى الشعب حولها وحول همومها والانفتاح على كل قواها في اتجاه تأسيس الاجماع الوطني الكفيل وحده بعون الله في الوقوف في وجه كل تحدأكثر على الجماهير وحمل همومها كالانفتاح على كل القوى منها تحدي باكستان فلم تتورط البلاد لا في العنف ولا في الاستئصال والقمع فظل التعايش بين كل أطرافه وطوائفه أبدا قائما.

واليوم عندما نرى هذه الانعطافة الشعبية الواسعة صوب الالتزام بالاسلام وابتغاء العزة والنصر عنده وتشكل جبهة اسلامية واسعة تبشر بالبديل الاسلامي ندرك مدى أصالة المنهج الاصلاحي الذي اختط اقبال أصوله وتولى العلامة المودودي تفصيلها في سائر مجال الحياة بما يرشح الباكستان لتقدم نموذجا اصلاحيا مشرقا جديرا بالاستلهام منه والاعتبار به.

شريطة أن لا يعتبر الوفاء للشيخ المؤسس الرائد المودودي رحمه الله عكوفا على آثاره ووقوفا عندها وتحنيطا لها.

وإنما الوفاء للرواد متابعة جهودهم التجديدية واحتفاظا بما هو أصيل فيها والبناء عليه وتجاوزا لجوانب القصور في كل عمل بشري وما هو لصيق بأوضاع خاصة قد مرت ونحن اليوم نواجه غيرها ما يجعل الواجب المحتم أن يكون لنا سهمنا في التجديد والريادة كما كان لهم.

قال تعالى" إن في قصصهم لعبرة لأولي الالباب".

على هامش المؤتمر:

وفي الجلسة الختامية قدمت إدارة المؤتمر مشروع بيان ختامي تضمن توصيفا للواقع الذي تمر به الامة الاسلامية وما يتربص بها من أخطار وبالخصوص أخطار التجزئة والاحتلال والعولمة،فدعا الى وحدة الصف ودعم حركات التحرير في فلسطين وكاشمير والعراق والشيشان والفلبين..كما دعا الى مناصرة قضايا الحرية والتحول الديمقراطي في العالم الاسلامي منددا بالقمع والدكتاتورية داعيا الى نصرة ضحايا الاضطهاد.

_ مما هو جدير بالملاحظة المشاركة النشطة للمرأة في قسم الأخوات بالجماعة الاسلامية الذي يشرف على شبكة واسعة من المؤسسات التعليمية والاغاثية فضلا عن إدارتهن لتنظيم ممتد على طول البلاد مواز لتنظيم الرجال.

وهن يشاركن في كل المجالات بما في ذلك المجال السياسي فتحالف"العمل الاسلامي الموحد"ممثل بنسبةنسوية 20%من أعضائه في البرلمان.

ولم يمثل الحجاب عائق مشاركة بقدر ما كان عامل تحرر وانطلاق.

ولقد ذكر لي أخي القاضي حسين وهو الرجل الذي قاد الجماعة بخلفيته الطلابية السابقة فنقلها من الحالة النخبوية الى الوضع الجماهيري،ذكرأن هذه النسبة فرضها الرئيس مشرف،فقلت حسنا فعل،وكان حريا بكم أن تكونوا المبادرين،وأنا بذلك أشير الى تخلف فكر المودودي في هذا الجانب إذ منع النساء من عضوية مجلس الشورى حسب تصوره واجتهاده،مما خالفته جماعته والتيار الرئيس في الحركة الاسلامية تأسيسا على أصل المساواة وسوابق الشورى النسائية في العهد النبوي نفسه.

لاحظت ما حصل في الشارع من تحول خلال السنتين الماضيتين على صعيد ارتفاع نسبة حاملات الزي الاسلامي، وذلك أن الزي الباكستاني الشعبي محتشم جدا ولا يحتاج إلا لتعديلات بسيطة ليستوي على جادة المقاييس الاسلامية ولكن ظل التميز واضحا بين المتأثرات بقيم الحركة الاسلامية وبين التقليديات.

لقد ارتفعت نسبة النموذج الاسلامي الحديث ولكن ليس في اتجاه النقاب كما كان عليه الزي الاسلامي حسب الفقه الحنفي الذي تمسك به المودودي وانتقده يوسف القرضاوي وإنما في التخفف من النقاب فلم يعد الوجه كله محجوبا وإنما نصفه السفل فقط،بما يمثل اتجاها واضحا نحو اللقاء بالنموج السائد في عالم الاصلاحية الاسلامية النسوية:ستر كل الجسد عدا الوجه والكفين، وهو اجتهاد أصيل وعملي واليه الاتجاه العام.

السمت العام للحياة في الباكستان يشعرك حيثما وجهت نظرك بعزة الاسلام، وأن الاسلام هنا في داره، لافرق بين قطاع حديث وقطاع وقديم ،ولا بين سلطة وشعب،فكان الأذان هو أول صوت وأعلى صوت ملأ الاذن والقلب في مطار كاراتشي.

وفي مسجد المطار ترى الشرطي الملتحي وضابط الغمارق الذي يزاحم للوصول الى الصف الأول.

أما عند الفجر فصوت المؤذنين بمكبرات الصوت لا يستبقي نائما إلا من كان ميتا،أو في آذانه وقر.

كم كان ذلك جميلا ورائعا وباعثا على الوجد في نفس مغترب حرم لسنوات طويلة من أعذب لحن في حياة المسلم.

الجدير بالانتباه أيضا أن الباكستاني نشيط جدا ويبدأ يومه مبكرا فلا تسبقه الشمس انسلالا من غمد الليل بل هو يسبقها الى مغادرة دفء الفراش.

كنت أنظر من نافذتي الى الحركة المندفعة كالسيل في الطريق المواجه للفندق:عربات من كل نوع مندفعة في سباق محموم عربات حديثة وأخرى مهترئة وعجلات تدفعها قوة عضلية وعربات تقليدية مندفعة وراء خيول.

مشهد يجسم روح التحدي التي تسكن الباكستاني ، فلا يرضى أن يستورد شيئا ولا يستنكف من استخدام كل ما هو متاح في بئته من وسائل دون عقد أوحرص على تحديث مظهري.

ففي ملابسه وأثاث بيته ووسائل نقله وطرق انتاجه تحكمه روح برغماتية وعزة وطنية اسلامية فلا يقف منبهرا ولا مشدوها أمام أي تحد.

"فاسعوا في مناكبها وكلوا من رزقه"

المصدر: موقع نهضة نت 13/12/2003

المصدر