محمد عبدالله دراز .. علماء على طريق الحق

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

وُلِد الشيخ «محمد عبد الله دراز» في قرية "محلة دياي" بمركز دسوق، التّابع لمحافظة كفر الشيخ، على الفرع الغربيِّ للنيل في عام ١٨٩٤م، ونشأ في بيت عِلم وتقوى، فوالده هو:

الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن حسنين دِراز، كان مولده بـ "محلة دياي" أيضًا في 12 يناير 1874م، في أسرةٍ علميّةٍ كان لها نشاطٌ تعليميٌّ بارز، فأبوه (الشيخ محمد) وعمّه (الشيخ أحمد) وجدّه (الشيخ حسنين) وغيرهم، كانوا يلقون دروس اللّغة العربية وعلوم الشريعة، بالمسجد العمريِّ في بلدة "دياي"، والتي كان يؤمّها طلاب العلم من البلدة وما جاورها، يتلقّون العلوم بطريقةٍ منظمة، يُراعَى فيها سُلّم تعليميّ متدرّج بحسب مستويات الطلاب، ويُتاح لهم استعارة الكتب العلميّة التي وقفها الجدُّ الشيخ حسنين على أولاده وذريّته.

وكان والده الشيخ عبد الله دراز فقيهًا ولغويًّا واسع العلم، وضع شروحًا معتبرة لكتاب «الموافقات» للإمام الشاطبي، قال الشيخ مشهور حسن سلمان في مقدمة تحقيقه لكتاب "الموافقات" في سياق الكلام على تقويم طبعات الكتاب السابقة:

« والحق يقال أن أجود هذه الطبعات طبعة الشيخ عبد الله دراز، ولا سيما أنَّه بذل جهدًا عظيمًا فيها، وذلك من خلال شرحه كلام المصنف، وتعقبه له وإحالته الدقيقة على كلام المصنف في مباحث فاتت أو ستأتي، وهذه التعليقات تدل على علم واسع ونظر ثاقب وقدم راسخة في علم الأصول، ودراسة دقيقة عميقة لكتاب "الموافقات" ».

تأثر الشيخ محمد عبد الله دراز بهذه البيئة العلمية؛ فأتم حفظ القرآن الكريم قبل أن يبلغ عشر سنين، ثم التحق بالدراسة في الأزهر وحصل على شهادة العالمية عام ١٩١٦م. بعدها عمل مدرسًا ب «معهد الإسكندرية الأزهري» حتى عام ١٩٢٨م. ثم محاضرًا في كلية أصول الدين وكانت وقتها من الكليات الأزهرية الناشئة عام ١٩٣٠م فكان محبوبًا من تلامذته وزملائه على حدٍّ سواء لأخلاقه الكريمة وتواضعه الجم مع سعة علمه.

ابتعثه الأزهر إلى فرنسا سنة 1936م حيث دَرَس الشيخ فلسفة الأديان في «جامعة السوربون» ونال منها شهادة الليسانس والدكتوراه، بعد أن مكث في فرنسا اثنتي عشرة سنة (من مايو 1936 - مارس 1948م) يدرس ويتعلم ويطلع على الحياة الغربية، فلم يزده ذلك إلا اعتزازًا بثقافته العربية والإسلامية؛ وقد ظهر ذلك في مؤلفاته.

مؤلفاته

والشيخ محمد عبد الله دراز وإن لم يكثر من التأليف إلَّا أنه ترك أعمالًا شغلت مكانة خاصة في المكتبة الإسلامية، أهمها:

• «دستور الأخلاق في القرآن»، وهو رسالته للدكتوراة كتبه باللغة الفرنسية، ونقله إلى العربية الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين، رحمه الله.

• «مدخل إلى القرآن الكريم عرض تاريخي وتحليل مقارن»، وهذه الدراسة مع «دستور الأخلاق» حصل بهما على درجة الدكتوراه، وتمت مناقشتهما في السوربون يوم 15 / 12 / 1947م.

• «النبأ العظيم .. نظرات جديدة في القرآن»، طبع بدار القلم، الكويت.

• «الدين بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان»، طبع بدار القلم، الكويت.

• «المختار من كنوز السنة»، طبع بعناية عبدالله بن إبراهيم الأنصاري، مدير الشئون الدينية - قطر.

• «الميزان بين السنة والبدعة»، طبع بدار القلم، الكويت.

• «نظرات في الإسلام»، طبع بدار الأرقم للطباعة والنشر، القاهرة.

سافر في يناير سنة 1958م إلى باكستان لحضور المؤتمر الإسلامي في مدينة " لاهور "، وألقى فيه بحثًا بعنوان: «موقف الإسلام من الأديان الأخرى وعلاقته بها»، وقد توفي في لاهور أثناء انعقاد المؤتمر في السادس من يناير سنة 1958م، الموافق 14 جمادى الآخرة سنة 1377هـ، رحمه الله.

موقفه من الإخوان

من المواقف التي سجلها التاريخ بإجلال واكبار  للشيخ دراز ولا يعرفها إلا المقربون منه ذلك الموقف الشجاع الرافض للظلم والجبروت والطغيان الذي رفض فيه التوقيع على بيان أراده عبدالناصر يدين فيه الإخوان المسلمون ويصفهم بأنهم خوارج وتستحل دماؤهم، وهنا غضب الرجل غضبة لله ودين الله وأنصار الله وقال لمن حمل إليه البيان كما حدثني نجله السفير فتحي دراز: "أتريد مني أن أوقع على إدانة أهل الإسلام؟؟".

ماذا قال عنه صالح عشماوي وكيل جماعة الإخوان؟

الدكتور محمد عبدالله دراز -رحمه الله وطيب ثراه- كان عالما ورعا من علماء الأزهر الشريف، وكان يتمتع بجانب علمه الفياض بروح شفافة، ونفس مهملة، وبصيرة نافذة، كان عالما عاملا ورعا تقيا.

    وقد سافر إلى باريس وحصل درجة الدكتوراة ولكنه كان من الأزهر بين القلائل الذي اعتزوا بزيهم الأزهري، وسمتهم الإسلامي، فعاد كما ذهب، لم تستطع الحياة في باريس أن تجذبه إليها أو تخدعه بمظهرها،  وإن كان قد ازداد علما وإيمانا وتمسكا بالإسلام الحنيف لأنه الحق المبين.

    وأخذ الدكتور دراز مكانه استاذا في كلية أصول الدين يربي جيلا من الدعاة إلى الإسلام.

    ولم يقتصر نشاطه على التدريس بل كانت له جولات في ميدان الدعوة الإسلامية حتى سافر إلى مدينة لاهور بباكستان ليحضر مؤتمرا إسلاميا، وهناك فاجأته أزمة قلبية انتهت بإسلامه روحه الطاهرة إلى بارئها وعادت نفسه المطمئنة إلى ربها راضية مرضية.

    وهكذا سقط الشيخ دراز في ميدان الدعوة الإسلامية وهو يجاهد لتكون كلمة الله هي العليا.

    وللدكتور الشيخ دراز مؤلفات قيمة ولكن نشاطه لم يقف عند حد تأليف الكتب بل امتد إلى ميادين كثيرة بمختلف الوسائل الإعلامية، منها محاضراته القيمة التي كان يلقيها بالمركز العام للإخوان المسلمين بالحلمية بالقاهرة.

    وكان من بين هذا النشاط أيضا هذه السلسلة من الإذاعات التي تناولت تفسير القران الكريم.

    ولم ينح الشيخ دراز في تفسيره النمط التقليدي من شرح للمفردات وذكر لأسباب النزول -بل سلك طريقا ما أظنه فيه كان مسبوقا، هو أقرب إلى بيان مقاصد كل سورة وربطها بما قبلها وما بعدها من سور، وذكر الأهداف التي تضمنتها كل سورة، والحكمة التي تكررت فيها لتجعل من كل سورة وحدة متكاملة وصورة متجانسة تتجلى فيها كل آية من آياتها.

    ومن هذه المجموعات التي أذاعها الشيخ دراز هذه السلسلة التي نقدمها اليوم وسيطالعها القارئ على الصفحات التالية لهذا الكتاب وهي سلسلة وثيابك فطهر.

    وكان من الممكن أن يقف الشيخ دراز عند هذه الآية وقفة قصيرة متكفيا بأن المقصود طهارة هذا اللباس الذي نواري به أبداننا، ولكن الدكتور دراز يخترق الحجب ويغوص في أعماق النفس الإنسانية ويرى أن النفس يحيط بها أربع طبقات كل واحدة منها تعد ثوبا لها.

    أدناها إلى جوهرها طبقة الصفات والأحوال النفسية، وهذا هو ثوب الشعار، ثم يلي ذلك ثلاث طبقات من الدثار: طبقة السير الأعمال ثم طبقة البنية والجثمان ثم طبقة اللبس الذي يكسو ذلك الجثمان.

    والقرآن الكريم في آياته يناشدنا أن نحرص على طهارة الطبقات الأربع جميعا:

(وذروا ظاهر الإثم وباطنه)

(ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن)

(خذوا زينتكم عند كل مسجد)

غير أنه لما كانت عناية القرآن دائما بالجوهر والمخبر أشد منها بالصورة والمظهر، كان الهدف الأول هو الجانب الروحي الخُلقي، جانب السورة والسريرة، وهذا هو الذي فهمه الصحابة والسلف الصالح.

    ويمضي الدكتور دراز في أحاديثه مفصلا ما أجمل، وشارحا ما دق وخفي. حتى تخرج النفس بعد هذا الشرح المستفيض، طاهرة نقية، وبيضاء زكية، وقد هديت إلى صراط مستقيم لا ترى فيها انحرافا ولا عوجا، ولا إفراط ولا تفريط.

    رحم الله الدكتور الشيخ محمد عبدالله دراز، فقد ترك ثورة من علم ينتفع به، وحزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين.

مصادر الدراسة

  1. النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين" لمحمد رجب البيومي (2/ 239-256).
  2. كتاب دراسات اسلامية وفي تعريف فضيلة الشيخ أحمد مصطفى فضلية بالشيخ دراز
  3. مجلة الدعوة