مسلسل نهب مصر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مسلسل نهب مصر

نص عقد مشروع «مدينتي» الذي نُشر أول أمس يمثل فصلا واحدا في مسلسل نهب مصر.

صحيح أن المسلسل معروض علينا منذ عقدين من الزمان من خلال ما تنشره الصحف من أخبار وتقارير وما تتناقله الألسنة من روايات تتحدث عن صفقات الأراضي وبيع مؤسسات القطاع العام وتسهيلات البنوك وأذونات استيراد السلع الأساسية وتوكيلات الشركات العالمية وغير ذلك، إلا أن نشر عقد مشروع «مدينتي» يظل الحدث الأكثر إثارة في المسلسل.. لماذا؟ لأننا هنا لسنا بصدد أخبار وشائعات، يمكن التشكيك في صدقيتها، ولا يُستبعد أن تتعرض الوقائع فيها للزيادة أو النقصان، بسبب تعدد الرواة واختلاف أمزجتهم وأهوائهم.

إنما نحن بإزاء نص كامل للعقد، وصورة زنكوغرافية له، مكنتنا من أن نقرأه كلمة كلمة من سطره الأول: إنه في يوم الاثنين الموافق 1 أغسطس 2005، تم الاتفاق بين كل من هيئة المجتمعات العمرانية والشركة التي يمثلها المحاسب هشام طلعت مصطفى، إلى فقرته الأخيرة التي تم التوقيع عليها، ونصّت على تحرير العقد من ثلاث نسخ، وتحتها توقيع الطرفين. خلاصة العقد أن وزارة الإسكان الموقرة منحت السيد هشام 33 مليونا و600 ألف متر مربع من أرض مصرالمحروسة(؟)، وأعطته الحق وحده في امتلاك 1800 فدان مجاورة لها. ولم يحدد العقد ثمنا لتلك المساحة الكبيرة من الأرض، ولكنه نص على أن السيد هشام عليه أن يسدد قيمتها بطريقة عينية، وهي نسبة 7 ٪ من الوحدات السكنية التي يقيمها (وهو ما لم يتم، في حين أن صاحبنا باع الشركة التي يمثلها وطرح أسهمها في البورصة).

جريدة «الدستور» المصرية ذكرت أن السيد هشام الذي تسلّم الأرض بما يشبه الإهداء المجاني، لو باع متر الأرض بألف جنيه فقط، فإن ذلك يعني حصوله على ما لا يقل عن 34 مليار جنيه هدية من حكومة مصر ووزارة التعمير فيها. ولذلك لم يكن غريبا أن يصف النائب طلعت السادات، أحد المحامين في قضية سوزان تميم، العقد بأنه من المضحكات المبكيات، ومن أعجب عجائب الدنيا.

في حدود معلوماتي، فإن ذلك ليس العجيبة الوحيدة، ولكنه إحدى العجائب المسكوت عنها في بلادنا، التي أصبحت تتمدد فوق بحيرة هائلة من الفساد المروِّع. وأنا مغمض العينين أقطع بأن وزارة الإسكان لم تقدم على هذه الخطوة الصادمة من ذات نفسها، رغم أن سجلها في تبديد وإهدار الثروة العقارية للبلد متخم بالفضائح التي إذا كُشفت أمام الرأي العام، فإنها لا تُسقط وزيرا أو حكومة، ولكنها تُسقط نظاما بأكمله.

لذلك فإن القضية من هذه الزاوية تثير سؤالين أساسيين هما: كيف أُهديَ هشام طلعت مصطفى هذه المساحة الكبيرة ومن صاحب المصلحة المباشرة أو غير المباشرة في إبرام هذه الصفقة؟ أما السؤال الثاني فهو: كيف تصرّفت وزارة الإسكان في مجمل الثروة العقارية المصرية؟ ومن هم الذين اقتسموا فيما بينهم أرض «المحروسة»؟

في الأروقة كلام كثير ووقائع مذهلة تتحدث عن دور للأبناء والأصهار، واتصالات هاتفية تدخّلت في توزيع الأراضي ومجاملات لكبار المسؤولين بمن فيهم بعض الذين يجلسون على مقاعد الأجهزة الرقابية، التي يفترض أن تتولى محاربة الفساد وملاحقة الضالعين فيه، وإذا صح ربع هذا الكلام أو عشره فمعناه أن رجال السلطة المتحالفين مع رجال الأعمال نهبوا البلد ونحن غافلون، وأن الفساد الذي كان أحد أسباب تفجير ثورة يوليو، وما كان انحرافا ساذجا يتصاغر إلى جانب ما جرى في البلد بعد مضي نصف قرن بعد ذلك.

إذا قال قائل إن هذه نظرة سوداوية لا ترى سوى نصف الكوب الفارغ، فإنني أتوسّل إليه وعلى استعداد لأن أقبِّل يديه ووجنتيه إذا دلني على ما هو ملآن في الكوب، وإلى أن يتحقق ذلك، وأغلب الظن أنه سيستغرق وقتا طويلا، فهل هناك أمل في أن يجيب أحد على السؤالين اللذين ذكرتهما؟ وهل نحلم بأن يشكل مجلس الأمة، بعد التجديد التاسع عشر لرئيسه الدكتور سرور، لجنة تقصي حقائق مسلسل نهب مصر والكشف عن «كشوف البركة» الجديدة؟