معنى الصوم والجوع

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
معنى الصوم والجوع


لفضيلة الأستاذ/ جمعة أمين عبدالعزيزعضو مكتب الإرشاد


الأستاذ جمعة أمين


الحمدالله، والصلاة والسلام على رسول الله..

فبدايةً نقول: كل عام وأنتم بخير، ونسأل الله- سبحانه وتعالى- أن يتقبل منا صيامنا في هذا الشهر الكريم، وأن يحقق فيه آمال المسلمين.

هذا الشهر الكريم شهر الشخصية الإسلامية المتكاملة؛ الصائمة، القائمة، العفيفة، طاهرة اللسان والقلب..

هذا الصيام الذي فرضه المولى- سبحانه وتعالى- وكان منهجًا من مناهج التربية الإسلامية للفرد المسلم؛ سواءً كان رجلاً أم امرأة، بل إن البيت كله في هذا الشهر، شهر البيت (المنزل) بيت المسلم؛ رجل وامرأة وأولاد؛ يجتمعون جميعًا في وقت واحد، لا لمأكل ومشرب فحسب، ولكن لكي يحقِّقوا: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: من الآية 183).

وهذا هو الفرق الواضح بين الجوع والعطش وبين الصيام، وإن اشترك الصيام في الجوع والعطش، لكن فرقٌ كبيرٌ بين أن يجوع إنسان فربما يكون مُضطرًا، وربما يكون من حاجة، وربما يكون مجبرًا على ذلك، لا يستطيع أن يملك قوت يومه أو لقمته، وإنما الصيام قد تملك الدنيا والقناطير المقنطرة، لكن تطيع الله- سبحانه وتعالى- في هذا الصيام وفي هذه الفريضة، التي بيَّن الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن صنفًا من الناس ليس له من هذا الصيام إلا الجوع والعطش.

لكن المسلم- لكي يفرقَ بين بطنه الجائعة وبين قلبه المتقي- يرى أن هناك فرقًا كبيرًا جدًّا بين الأمرين، بين إنسان- وهو يصوم- يحاسب العين على ما ترى، والأذن على ما تسمع، والجارحة حين تتحرك، بل وخطرات النفس، يقف أمامها محاسبًا نفسه على خطرات نفسه التي لا يحاسب المولى عليها؛ لكي يحقق التقوى في قلبه. أين هذا من إنسان جائع عاطش، لا يملك لاماءً ولا طعامًا، ويضطر اضطرارًا على أن يصبر على الجوع؟!

فرق بين أمر يُجبر عليه الإنسان، وأمر يأخذه الإنسان بمحض رغبته؛ طاعةً لله- سبحانه وتعالى- الذي قال في كتابه العزيز: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة:183).

وأين الجوع والعطش من إنسان صائم في نهاره، ثم يأتي في ليله ليقوم بالليل، قد يكون الناس نيامًا، وقد يكونوا يقظى، لكنه يتمثل قول ربنا: ﴿كَانُوا قَلِيلاً مِّن اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ* وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (الذاريات:17- 19).

بيت تجتمع عليه- على المائدة- امرأة هي أم أو زوجة، تتقي الله- سبحانه وتعالى، ويُذكرني ذلك بهذه المرأة الصالحة- وكل امرأة صالحة- تقول لزوجها إذا خرج من بيته: "اتق الله- تدعوه إلى التقوى التي يحققها هذا الشهر- اتق الله فينا، ولا تطعمنا من حرام، فإننا نستطيع أن نصبر على الجوع- الجوع نصبر عليه- ولكن لا نستطيع أن نصبر على النار".

ولكي نتقي النار، ولو بشق تمرة؛ ولذلك من فطَّر صائمًا كان له أجر عظيم... شهرٌ فيه التكافل، فيه المحبة، فيه الأخوة، فيه الترابط، بل يتحقق فيه العَقدان معًا، عَقد الإيمان بهذا الصيام والقيام، حتى اللسان عفيف، إنسان إذا سبَّه أو شمته أحد لا يقول له إلا: "إني صائم"، ومعنى "إني صائم": أني صمت بلساني عن كل كلمات جارحة، وعن كل الألفاظ، إلا من ذكر الله- سبحانه وتعالى: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: 28).

فالإنسان يشغل نفسه بذكر الله- سبحانه وتعالى- قائمًا وقاعدًا، يشغل نفسه بقراءة القرآن الذي أنزله المولى في هذا الشهر الكريم، يشغل نفسه بمساعدة يتيم أو مسكين أو ذي حاجة، يسعى في خير الناس.. إنه مجتمع التكافل والمحبة والإخاء، الذي يتكافل لإزالة الجوع الذي يشعر به المسكين.

هذا هو الفرق الواضح بين الصيام الذي يدفع عن الفقير- بالإنفاق- جوعه وعن الجائع- هذا الذي لا يملك قوت يومه- فيصبر، حتى إن المولى- سبحانه وتعالى- يبين لنا أن هؤلاء الذين يخرجون على شرع الله، والذين يعلنون الإفطار في شهر رمضان، والذين لا همَّ لهم إلا المأكل والمشرب واللذة... سيأتي اليوم الذين يقولون لهؤلاء المتقين، يقولون لهم: ﴿أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قَالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ (الأعراف: 50).

نسأل الله- سبحانه وتعالى- أن يرزقنا التقوى في هذا الشهر الكريم؛ كي نحقق الشخصية المؤمنة التقية. لِمَ؟ لأن المولى- سبحانه وتعالى- لا يحقق نصره بالقلة على الكثرة، والأعزل على المسلَّح، والعدد القليل على العدد الكثير... إلا إذا تحقَّقت التقوى التي تتحقق في هؤلاء: ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ﴾ (التوبة: 112)، إذا تحققت هذه الشخصية بالتقوى يبشرهم ربهم ويقول: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

نسأل الله- سبحانه وتعالى- في هذا الشهر الكريم أن نكون من التقاة، من هؤلاء الذين يقفون ليلهم ونهارهم في فلسطين هناك، يحاربون العدو، ويبذلون المهج والأموال والأنفس وكل ما يملكون.

واللهِ ما استطاع واحد منهم أن يصل إلى هذه المرتبة- مرتبة الشهداء- إلا حين تحققت التقوى في قلبه، فنظر فشمَّ للجنة ريحَها، نسأل الله أن نكون منهم.... وفي النهاية أقول أيضًا: كل عام وأنتم بخير، ورزقنا الله وإياكم التقوى.... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته