من الوصى

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

من الوصى؟

يزعم الغرب أنه بما وصل إليه من حضارة ومدنية وعلو فى الحياة قد صار وصيا على العالم يتحكم فى شعوبه ويسيطر على شئونه ويتخذ ذلك وسيلة لقضاء ما تريد أممه من المطامع والأغراض وساعده على هذه المزاعم ما وصل إليه علماؤه من كشف لبعض قوى الكون جعل فى مقدوره أن ينعم بترف الحياة مما لم يتح لغير أممه ذلك إلى غفلة الأمم الشرقية ووقوعها فى سبات عميق.


غرتنا نحن الشرقيون هذه المناهج فركنا إليها واطمأننا بها وألقينا بأنفسنا فى أحضان المدنية الغربية وصارت كل أمة تعمل "لتكون قطعة من أوروبا" فإذا ما وصلت إلى شىء من مظاهر الحياة الأوروبية فاخرت به غيرها وجعلته مقياس رقيها وتقدمها وغلونا فى ذلك حتى احتلت العادات الأوروبية و الأفكارالأوروبية و الزخارف الأوروبية عقولنا و بيوتنا و امتدت إلى نفوسنا و أخلاقنا و عواطفنا وسار إلى جانب هذا الاحتلال الفكرى والاجتماعى سلطان آخر عمل على تثبيته وتقويته بقدر ما عمل على القضاء على ما لنا من خواص ومقومات ومميزات والسير بنا فى طريق التمثل والفناء.


وأمام هذه المظاهر الخلابة غفلنا عما ينطوى تحتها من الخطرعلى كياننا ونسينا معها مهمتنا وكرامتنا وعزتنا ومقدساتنا وسلمنا للغرب ما يريد طائعين أو مكرهين رغبا أو رهبا فكان عن ذلك كله ما نقاسى من مصائب وويلات.


وها هى ذى المدنية الأوروبية التى اعتز بها أهلها حينا من الدهر وزينوها للناس بكل أنواع الزينة تنهار صروحها وتندك ولا يستطيع أهلها أن يقيموا بناءها المنهار أو يمسكوا صرحها المتداعى رغم ما يبذلون من جهود ويعقدون من مؤتمرات.

الثورات المتعاقبة القوية , الفضائح المالية الاقتصادية التى لوثت سمعة كثير من عظمائهم , الأزمة المستحكمة التى وقعوا فيها وأوقعوا العالم معهم , المجاعة الروحية التى يذوقون ألمها, ويقاسون مضاضتها , المفاسد الخلقية التى استفاضت فى مجتمعهم حتى أغرقته . كل هذه مظاهر الافلاس وآيات انهدام صرح هذه المدنية التى شيدها الغرب على المادة والمتعة وأهمل فيها جانب الخلق والروح وهما أقوى العوامل فى حياة الأمم وأروع مظاهر الانسانية.


أيها المسلم انقشعت الغشاوة وقام الغربيون أنفسهم يحاولون تغيير الحال ويريدون التخلص مما فرضته عليهم مواضعات مدنيتهم وقوانينها من حدود ومناهج فهل انقشعت الغشاوة عن أعيننا أيضا أم لا نزال مخدوعين؟


حدد النظر أيها المسلم وابحث عن الحقائق ولا تلهينك هذه الزخارف وأنا على يقين أنك بعد هذا البحث ستعود شخصا آخر يتعرف مهمته ويعمل لأدائها.


ولعل هذه فرصة مناسبة أتحدث إليك فيها عن مهمتك وعن السبيل إلى أدائها فى كلمات موجزة وسل التاريخ يفصل لك ما أجملت.


بعث الله نبيك محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين وكافى للناس بشيرا ونذيرا وبعث معه دينا قيما فيه النظام الشامل والقانون المحكم والدستور الكافل لسعادة الأمم ورفاهتها وصلاحها فى الحياة وبعد الحياة, وفرض هذا الدستور على كل مسلم أن يتطوع للعمل على أن يكون هذا القانون هو نظام البشرية جمعاء وبين له بيانا لا يدع زيادة لمستزيد إن عليه فى ذلك أن يقدم نفسه وماله ومايملك فإن قصر فى ذلك فهو آثم وضمن للمسلمين إن نفذوا ذلك سيادة الأرض أو بعبارة أدق :هداية الأرض وارشاد العالم.


فهم المسلمون ذلك من الاسلام فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم فهبوا معه ينفذون أمر الله الذى أنزله إليهم ويجاهدون مع نبيهم صلى الله عليه وسلم فى سبيل ابلاغ هذه الرسالة وقلوبهم تهزج بأهازيج السرور والنصر والفرح لما انتدبهم الله تعالى له من انقاذ البشرية وألسنتهم تترجم عن هذا الشعورالسامى النبيل بهذه العبارة الفطرية الحلوة:


نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما حيينا أبدا حتى أثنى الله تعالى عليهم بقوله: ( لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم)"التوبة:88-89".


وجاء المسلمون من بعدهم فتبعوهم باحسان وفهموا الدين كما فهمه سلفهم فعرفوا مهمتهم وعلموا أنهم ورثة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مهمته وخلفاؤه فى أداء رسالته والقائمون عنه لانقاذ العالم واسعاد الانسانية وتعميم الاسلام بين ربوعها فهبوا هم الآخرون يعملون ويجاهدون عملا وعلما وحربا وسلما فكان عن ذلك فى دمشق وبغداد وقرطبة والقاهرة دول ثابتة الدعائم شامخة الذرى وحضارة قوية الأصول ومدنية سامقة الفروع وحياة يجول فيها النعيم الروحى والمادى وترف عليها أزاهر السعادة مصداق قول الله تبارك وتعالى: (من عمل صالحا من ذكرأو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)"النحل:97".


يوم كنا أوصياء على العالم كان ينعم بالحرية الصحيحة والعدالة المنصفة والسعادة الشاملة ذلك لأن المسلم إذا فتح بلدا أو غزا أرضا فإنما يفعل ذلك وهو يعتقد فر قرارة نفسه أنه إنما فعله ليسود المبدأ الذى يسوى بين الناس لا لتسود الأشخاص ولا العناصر فإذا دخل أهل هذا البلد فى الاسلام كان لهم ما للفاتح وعليهم ما عليه لا فضل لعربى على عجمى إلا بالتقوى


ثم شاخت الأمة الاسلامية القوية الزعيمة فتسلط عليها من كانوا بالأمس تلامذتها وغمروها بمظاهر قوتهم فكانت من ذلك فكرة التقليد الأوروبى القائمة التى نسينا فيها مهمتنا وحرم العالم بتقصيرنا نعمة التمتع بشمس الاسلام المشرقة وقد نلنا بذلك من أنفسنا ما لم ينل منا الأعداء.


والآن أيها المسلم وقد أدال الله لدولتك وأثبتت الحوادث حق الخلود لشريعتك وتهيأ العالم لمهمتك هل ستظل غافلا مفرطا حتى تضيع الفرصة السانحة أم ستستيقظ لأداء الرسالة الذى أوجبت على نفسك القيام بأدائها منذ نطقت بكلمة الاسلام واعتنقت تعاليم الاسلام؟ [[تصنيف:رسائل الإمام حسن البنا]]