نائب المرشد العام في حوارٍ شامل
[18-12-2004]
مقدمة

- أي محاولة للتطبيع مع العدو الصهيوني مصيرها الفشل
- النظام يخشى الإصلاح السياسي حتى لا يفقد سلطانه
- انتخابات 2005م لن تختلف عن الانتخابات السابقة
- الحزب الحاكم كافأ المعارضة على استبعادها للإخوان
- القوى الخارجية تستهدف تغيير ثوابت الأمة
حوار: محمد الشريف
متلاحقةٌ هي القضايا التي يطرحها الواقع الحالي، خاصةً مع قتامة الظروف التي تحيط بالأمة مع جسامة التحديات وحجم التبعات المفروضة من القرارات المصيرية الصادرة عن الأنظمة والمحكومة بضوابط الترمومتر الأمريكي!.
من ملامح هذا الواقع بدأ الحوار مع الدكتور محمد حبيب- النائب الأول المرشد العام للإخوان المسلمين- للوقوف على طبيعة رؤية الإخوان للواقع المصري الآن، وتقييمهم للعلاقات المصرية الأمريكية من جهة والصهيونية من جهة أخرى، ومدى قدرة الإخوان على الحوار مع قوى سياسية رفضت الجماعة، وفي الوقت ذاته رؤية الإخوان المسلمين لعام 2005م، الذي يحمل في جعبته العديد من مواقف الحسم السياسي، وفي مقدمتها الاستفتاء على فترة رئاسية جديدة للرئيس المصري محمد حسني مبارك، ثم انتخابات برلمانية أقل ما يمكن أن توصف به "أنها مصيرية".
إنه حوار.. أشبه بالسير على الألغام، أو البحث عن إبرة حرية في كوم القش الذي تفرضه الحالة الأمريكية..
نص الحوار
- النظام المصري قبل الضغوط الخارجية لتغيير مناهج التعليم.. في تقديرك لماذا يصرُّ النظام على عدم الاستجابة للإصلاح السياسي؟
- هناك استجابة للضغوط الخارجية في أمور كثيرة وليست في تغيير مناهج التعليم فقط، أما لماذا يصر النظام على عدم الاستجابة للإصلاح السياسي فذلك مرده إلى عدة أسباب، يأتي على رأسها:
- حرصه على ألا يفقد بعضًا من صلاحياته أو سلطاته، وهو ما يدفعه إلى تكبيل نشاط الأحزاب وشلِّ فاعليتها، فضلاً عن التضييق على كل القوى السياسية والوطنية في البلد وعدم إعطائها فرصة التخاطب المباشر مع الجماهير عبر وسائل الإعلام القومية أو من خلال إقامة المؤتمرات في الميادين العامة.
- خوفه من التغيير سواء تغيير الوجوه أو تغيير السياسات، فهناك أناس ظلوا داخل النظام طوال عقود كثيرة وارتبطت حياتهم وحاضرهم ومستقبلهم به، وهم من ثم متشبثون بما هم فيه.
- الخوف من كشف الفساد المالي والإداري وعمَّن تسبب فيه، ويكفي في هذا الصدد ما قاله وزير الزراعة أمام مجلس الشورى في الأيام القليلة الماضية، وما خفي كان أعظم!.
- القوى السياسية المصرية وفي مقدمتها الإخوان المسلمون يرفضون الإصلاح من الخارج والنظام لا يتحرك لتحقيق إصلاح داخلي فما السبيل إذن؟
- القوى الخارجية لا تريد إصلاحًا وإنما تريد تغييرًا في ثوابت الأمة وتذويبًا لخصوصيتها الثقافية وتغييبًا للهوية بما يحقق مصالحها، والتبشير بالديمقراطية والحرية وحماية حقوق الإنسان غير صحيح بالمرة، والجميع يعلم أن الإدارة الأمريكية وقفت وساندت أنظمة ديكتاتورية في أماكن كثيرة من العالم لأزمان طويلة، وقد فعلت ذلك لأن الديمقراطية في هذه البلدان لا تتفق ومصالحها.
- إنَّ الإدارة الأمريكية وهي تهدد بممارسة ضغوط على الأنظمة والحكومات العربية، إنما تفعل ذلك من قبيل الابتزاز؛ لأنها تعلم أنَّ الديمقراطية في هذه المناطق قد تتمخض عن فوز أصحاب الحركة الإسلامية.
- أما ما هو السبيل، فإني أتصور أنَّ الإصلاح لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الشعب، مصدر الشرعية وصاحب الحق في اختيار مَن يمثله والمنهج الذي يُعبِّر عن طموحاته وأشواقه وأمانيه.
توسيع المشاركة الحزبية
- يتحدث النظام كثيرًا عن توسيع المشاركة الحزبية في انتخابات 2005م هل تتوقعون تمتع المعارضة بحرية الحركة في هذه الانتخابات؟
- السياسة لا تُبنى على الأماني ولا على الأقوال أو التصريحات، وإنما تبنى على الأفعال والممارسات، ولو كانت هناك نية صادقة ورغبة جادة في أن تُجرى انتخابات حرة ونزيهة عام 2005م لاتخذ النظامُ الإجراءات التي تدل على ذلك، وهي:
- إيقاف العمل بقانون الطوارئ، وتشكيل لجنة قضائية مستقلة تقوم بالإشراف الكامل والحقيقي على الانتخابات القادمة بدءًا بتنقية جداول الناخبين وانتهاء بالفرز وإعلان النتائج، ومن ثم فأنا أرى من خلال استقرائي للسياق العام أن انتخابات 2005م لن تختلف عن أية انتخابات سابقة، بل ربما تتفوق عليها في التزوير؛ وذلك حتى يضمن النظام أغلبية ساحقة تمكِّنه من التحرك بأمان بخصوص ترشيح رئيس الجمهورية، هذا طبعًا في حالة ما إذا سبقت انتخابات المجلس إجراءات ترشيح الاستفتاء على رئاسة الجمهورية.
- على خلفية تخوف النظام من فوز الإخوان بعدد كبير من المقاعد حال إجراء انتخابات حرة نزيهة.. كيف تتوقعون سير العملية الانتخابية عام 2005م؟
- أتصور أنه حتى في حالة إجراء انتخابات حرة ونزيهة ربما لا يستطيع الإخوان الحصولَ على أكثر من حوالى 25% من الأصوات، وبرغم ذلك فإن النظام سوف يكون حريصًا على تزوير الانتخابات وربما يتبع في ذلك أساليب جديدة كي لا يعطي الفرصة للإخوان في الفوز إلا بأقل القليل من المقاعد!.
- إن عدد سبعة عشر مقعدًا في مجلس الشعب ( 2000 – 2005م) شكلت له إزعاجًا وهاجسًا وقلقًا، وهو ما دفعه إلى أن يقوم باتخاذ كل الوسائل والإجراءات لإسقاط عضوية النائبين محمد جمال حشمت وعزب مصطفى، إن لدينا تجارب مأساوية مع النظام في كل الانتخابات التي خُضناها، فهو لا يجد حرجًا في إلقاء القبض على الذين يُتوقع ترشيح أنفسهم، فضلاً عن اعتقال الآلاف من الوكلاء والمندوبين من أنصار المرشحين حتى لا يستطيع هؤلاء المضي قدمًا في الطريق إلى نهايته!.
حوار فاشل
- هناك اتفاق على أنَّ الحوار بين المعارضة والحزب الحاكم كان فاشلاً.. في تقديرك لماذا عاود الحزب الحاكم الكرَّة، ولماذا قبلت الأحزاب الحوار مرةً أخرى؟
- الحزب الحاكم عاود الكرة كمكافأة لأحزاب المعارضة على موقفها من استبعاد الإخوان من حوار المعارضة، وحتى يسد الطريق على الدور الذى أراد أن يقوم به الإخوان مع أحزاب المعارضة في طريق الإصلاح.. أما لماذا قبِلت الأحزاب الحوارَ رغم تجربتها المرة السابقة من عدم جدوى الحوار مع الحزب الحاكم.. فهذا راجع في تصوري إلى التلويح ببعض المكاسب التى يمكن أن تحصل عليها، إضافةً إلى أنه لا يوجد أمام الأحزاب سوى هذا الطريق، وأنه لا يوجد لديها ما يمكن أن تقوم به عبر الجماهير.
- تشهد الساحة المصرية حاليًا تقاربًا ملحوظًا بين النظام المصري وبين العدو الصهيوني، هل ترون أنها بداية مرحلة جديدة من العلاقات بين الطرفين؟
- هناك لا شك ضغوط تمارسها الإدارة الأمريكية على النظام المصري بُغية إحداث هذه التقارب لصالح الكيان الصهيوني، وأنَّ الاتفاق معه هو السبيل الذى يفتح الباب لمزيدٍ من توثيق العلاقات مع الإدارة الأمريكية.. ولننظر إلى اتفاقية الكويز التي عقدها النظام المصري مؤخرًا مع الكيان الصهيوني وأمريكا!.
- من ناحية أخرى مصر تريد أن يكون لها دورها المحوري والإستراتيجي في المنطقة بشكل عام ودورها الفاعل بالنسبة للقضية الفلسطينية بشكل خاص، وهي مَن ثَمَّ تُريد أن تكون علاقتها موصولة بكل الأطراف: السلطة الفلسطينية، وفصائل المقاومة، والكيان الصهيوني، والإدارة الأمريكية، المهم ألا تكون هذه العلاقة على حساب الشعب الفلسطيني الذي يقف إلى جوار خيار المقاومة والجهاد وهو الخيار الإستراتيجي في مواجهة المحتل والعدوان، خاصةً وقد ثبت فشل كل خيارات التسوية.
- على ضوء هذا التقارب هل تتفقون مع الرأي القائل أن الساحة المصرية ستشهد مزيدًا من التضييق على القوى المعارضة للتطبيع مع العدو الصهيوني؟
- الشعب المصري- وليس القوى المعارضة فقط- رافضٌ لمسألة التطبيع مع العدو الصهيوني المحتل الغاصب لأرض العروبة والإسلام، والذي يرتكب المجازر الوحشية وأعمال التصفية والإبادة في حق الشعب الفلسطينى، وبالتالي فإن أي محاولات للتطبيع مع هذا العدو سوف تبوء بالفشل، وأقل ما هو مطلوب من النظام المصري هو احترام رأي الشعب.
تنفيذ رغبات مممن أجل التضييق
- هناك مَن يرى أن هرولة الحكومة المصرية لتنفيذ بعض الرغبات الأمريكية، ورضاء الطرف الأمريكي عن ذلك سوف يصحبه مزيد من التضييق على القوى السياسية.. فما رأيكم؟
- الهرولة قائمة على مستوى كافة النظم والحكومات، وإنَّ كان بنسب متفاوتة، والأمر يتوقف على مدى نشاط وحركة النخب ومؤسسات المجتمع المدني والقوى السياسية والوطنية حيال ذلك.. أنا أتصور أنَّ النشاط يجب أن يستمر وأن يتضاعف، بحيث تشعر الحكومة المصرية بأن هناك رفضًا واحتجاجًا لأسلوب الابتزاز الذي تمارسه الإدارة الأمريكية.
- إن قضية المضي في اتخاذ إجراءات وتدابير الإصلاح السياسي هي المدخل الحقيقي لنهضة مصر وعلاج مشكلاتها، بل والقيام بدورها المحوري والإستراتيجي تجاه القضايا القومية؛ قضية العراق وفلسطين والسودان.
- الإخوان المسلمون يمثلون فصيلاً سياسيًّا له تأثيره وفعاليته بين الجماهير، ومن العسير على أحزاب المعارضة أن تسير في قضية الإصلاح وتحقق إنجازًا بدونهم، وهي باستبعادها للإخوان تفقد أهم رصيد لها، ومن مصلحتها ومصلحة الحياة الحزبية، بل والسياسية عمومًا أن تراجع هذه الأحزاب موقفها وأن تُعيد حساباتها، فالتحديات التي تواجهها مصر داخليًّا وخارجيًّا تحتاج إلى تضافر كل الجهود وتكاتف كل القوى، ونحن من جانبنا ندفع في اتجاه أي تنسيق أو تعاون فيه مصلحة لمصر.
- سبق أن تحدثتم عن نيتكم لإقامة حوارات مع كافة القوى السياسية والوطنية، حتى أحزاب تحت التأسيس.. فهل هناك جديد في هذا الأمر؟ وهل للإخوان محاولات جديدة لدفع عملية الإصلاح؟
- الحوار مع القوى السياسية والوطنية حول قضية الإصلاح لم يتوقف، ونرجو ألا يتوقف.. صحيح أنه لا يتم بالقدر الكافي والمأمول، لكن المهم ألا يتوقف نشاطنا نحن كإخوان مع الشعب بكل فئاته وشرائحه، فهو المعني الحقيقى بهذه القضية، ومن خلاله سوف يتحقق الإصلاح بإذن الله.. وإذا استطعنا أن نغيّر من السلبية واللامبالاة وضعف المشاركة الإيجابية والفاعلة لدى ولو 10% من الشعب المصري نكون قد بدأنا أولى مراحل النجاح.
المصدر
- حوار: نائب المرشد العام في حوارٍ شامل موقع اخوان اون لاين