هراش لا نقاش

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
هراش لا نقاش


(الأربعاء 16 سبتمبر 2015)

د. فتحي أبو الورد

هالنى نقاش دار بين شباب وشيخ يقترب من الثمانين حول بعض المسائل الدعوية والقضايا والفكرية ، فوجدت تجاوزا لأدب الإسلام فى التعامل مع الكبير ، وتخطيا لأخلاقيات المسلم فى أدب الحوار والنقاش مع الآخر عامة ، ومع كبير السن بخاصة ، الأمر الذى يستوجب التنبيه إليه ، ومراعاة اللطف فى العبارات ، والرفق فى الألفاظ ، حتى وإن اختلفت معه فى الرأى .

وإن كنت ترى أن رأيه لا يصلح لزماننا ، مما جعلنى أصف هذا النقاش بأنه هراش لا نقاش ، والهراش فى لغة العرب هو التحريش والتقاتل ، كما جاء عند ابن منظور فى لسان العرب ، ومن المشهور فى هذا الصدد مايقال عنه : هراش الديكة كما جاء عند الجاحظ فى كتاب الحيوان .

ومما يؤسفنى أن هذا التطاول فى الحديث ، والتجاوز فى النقاش يتم تحت مظلة حرية التعبير عن الرأى ، وحق المعرفة والعلم ، لكن الذى لا يختلف فيه اثنان ، ولا ينتطح فيه عنزان ، والذى يصلح لزماننا ولكل زمان ، والذى يصبح لازمة لا مفر منها لمن يتصف بالخلق ، هو ألا يتجاوز المناقش حدوده فى النقاش ، وألا يؤذى الآخرين بحدة ألفاظه ، وخشونة أسلوبه ، وغلظة عباراته ، وتجهم وجهه ، وهذه أدبيات ليست محل جدال أو نقاش ، وإلا فلا حاجة إذن للنقاش من أصله .

وقد ورد فى أدب النبوة فى الحديث الصحيح الذى رواه الترمذى أن النبى - صلى الله عليه وسلم – قال : " ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا ". وفي رواية لأبي داود: " ويعرف حق كبيرنا " .

هذه أبجديات يتربى عليها الصغار والناشئة منذ نعومة أظفارهم فى البيت والمدرسة ، وكانت كتب التربية الإسلامية ونحن تلاميذ فى المرحلة الابتدائية تعج بمشاهد وصور تدعو إلى احترام الكبير ، والشفقة عليه ، من أمثلة : الطفل الصغير الذى يأخذ بيد الكبير ليعبر الطريق ، أو الطفل الذى يحمل عن الكبير أغراضه ليوصله إلى داره ، أو الطفل الذى يناول الشيخ كوبا من الماء تقديرا ورحمة وشفقة .

هذا غراس التربية الإسلامية فى نفوس الناشئة منذ الصغر ، يوجهنا إلى ذلك أدب النبوة فى مثل حديث أبي موسى الأشعري، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط ".رواه أبو داود وحسنه الألبانى .

قال الأمير الصنعانى فى التنوير شرح الجامع الصغير : "من إجلالكم الله تعالى أن تكرموا ذا الشيبة المسلم ؛ فتعظيمكم إياه وتوقيره إجلال لله تعالى " .

وقال الطيبى فى شرحه على مشكاة المصابيح : " إن من إجلال الله " أي من جملة تعظيم الله تعالى وتوقيره أن يكرم موضع وقاره وهو شيبة المسلم .

ومن مظاهر إجلال الله تعالى كما قال الإمام المناوى فى فيض القدير شرح الجامع الصغير : " تعظيم الشيخ الكبير صاحب الشيبة البيضاء الذي عمره في الإيمان ، وتوقيره في المجالس ، والرفق به ، والشفقة عليه ".

ومما روته السيدة عائشة - رضى الله عنها - : " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم " .

وقد كان لأمنا عائشة تطبيق عملى فى ذلك ، كما روى أبو داود عن ميمون بن أبي شبيب ، أن عائشة مر بها سائل فأعطته كسرة، ومر بها رجل عليه ثياب وهيئة، فأقعدته، فأكل، فقيل لها في ذلك، فقالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنزلوا الناس منازلهم " .

ومعنى الحديث بيّنٌ فى إيتاء كل ذى حقٍّ حقَّه، وتبليغه منزلته فى كل باب .

لا خير فى طالب علم ، ولا صاحب دعوة ، ولا صاحب قلم إن لم تكن هناك خطوط حمراء ، لا يجوز تجاوزها مع كبار السن ، وأهل الفضل ، وأهل السبق ، مما يطلق عليه فى أدبيات المسلمين الأخلاق .

هل يصح أن نتخطى هذه الأبجديات باسم حرية التعبير عن الرأى ؟ وهل يليق أن نجرح مشاعر الآخرين ، ونؤذى نفوسهم تحت بند الاختلاف فى الرأى ؟ وهل يمكن أن يتحقق خير ، أو يرجى نصر ، ونحن نتعبد إلى الله بإهانة الكبير ، والإساءة إلى أصحاب الشيبة ؟ .

هذا تلبيس من إبليس ، يجب أن ننتبه إليه ، ونبرأ منه ، ونتوب إلى الله تعالى من قلة الأدب ، وسوء الخلق ، وإن توهمنا أننا ندافع عن الحق ، أو ننصر الدين ، أو نمارس حقا مشروعا يسمى التعبير عن النفس ، فمن المماحكة والمغالطة أن ندخل إهانة الكبير ، والإساءة إلى ذى الشيبة تحت بند حرية الرأى أو التعبير عنه

المصدر