موكب الشهداء

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
في موكب الشهداء .. يمضي الرجال ويبقي النهج والأثر

تقديم: د. محمد عبد الله الخطيب .. من علماء الأزهر الشريف


من الدستور الخالد

يقول الحق سبحانه وتعالي :

( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ) ( آل عمران : 169- 171) .

عن المقدام بن معدي كرب قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " للشهيد عند الله سبع خصال يغفر له في أول دفعة من دمه ويري مقعده من الجنة ويحلي حلة الإيمان ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ويشفع في سبعين إنسان من أهل بيته . ( الجامع الصغير الدر المنثور السيوطي )

تقديم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد .

فهذه رسالة مختصرة عن الداعية الشهيد محمد بوسليماني أحد رموز العمل الإسلامي بالجزائر رحمه الله واسعة وأصل هذه الرسالة العدد الخاص من مجلة الإرشاد عن حياة الشهيد تحت عنوان " يمضي الرجال , ويبقي النهج والأثر " بتاريخ 19 محرم 1415هـ والعدد كله شهادات من إخوانه وأبنائه ومحبيه وأهله وكلها تنطق بما للشهيد من مكانة في الدعوة إلى الله ومواقفه في مؤازرة القضايا الإسلامية وحرصه الشديد على نشر روح الألفة والإخوة والخلق الإسلامي الرفيع في داخل الجزائر وخارجها عرفت الشهيد عن قرب خلال زياراتي للجزائر فهو العالم العامل المتواضع الذي ربط مصيره ومستقبله بالإسلام لقد حمل هموم المسلمين ودعاهم إلى اليقظة و الحذر وطلب منهم العمل والحركة قبل وقوع الخطر استقبل الشدائد والمحن في حياته استقبال المؤمنين الصادقين فعنده البلاء والابتلاء هو القدر المكتوب على العاملين للإسلام جميعا يقول الحق سبحانه ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم )( محمد 31) ويقول سبحانه ( ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم ) ( محمد 4-6)

هذه بعض منازل الشهداء عند الله الذين قتلوا في سبيله هناك في الملأ الأعلى لهم أجرهم ونورهم وصدق الله العظيم إذ يقول :( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ) البقرة 154).

ولقد كرم الله الشيخ محمد بوسليماني بالشهادة في سبيله وغدر الغانية إلى الباقية على المحجة البيضاء لم يساوم على عقيدته ولم يبع دينه بعرض زائل من الدنيا واستطاع من خلال معرفتي به أن أحكم بأنه رحمه الله كان مسلما حقا متخلقا بأخلاق الإسلام لقد كان جادا في الدعوة إلى الله حريصا على إحياء أمته بكل الخلق وفي حكمه على الأمور وكان صبورا جادا متمكنا من نفسه لا يقدم على شئ إلا بتمهل عظيم وبإخلاص قوي .

والله وحده يعلم أن أمته وإخوانه قد خسروا بموته خسارة كبيرة ولكنه القضاء الذي يجب على الجميع الرضا به والله لا يضيع أجر من أحسن عملا فإنا لله وإنا إليه راجعون .

ولقد عاش الشهيد رحمه الله ورضي عنه من الرجال الذين يصطنعهم الله ويختارهم من بين خلقه ويكل إليهم بيان الحق ومقارعة الباطل ومنازلة الظلم وإشعال جذوة الإيمان بالله في القلوب وبث روح الإخوة بين المؤمنين حتى تتكون لدعوة الإسلام قاعدة صلبة ترفع صوت الحق وترد كيد الكائدين هنيئا لشهيد الإسلام هذه المنازل عند الله .

روي الإمام أحمد بن حنبل في مسنده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يعطي للشهيد ست خصال عند أول قطرة من دمه تكفر عنه كل خطيئة ويري مقعده من الجنة ويزوج من الحور العين ويأمن من الفزع الأكبر ومن عذاب القبر ويحلي حلة الإيمان فهذا الحديث وغيره بيان لمنزلة الشهداء عند ربهم وهذه نهاية الهداية الممتدة والاستقامة على أمره نحسب شهيدنا الصادق المجاهد الصابر من أصحاب هذه المنازل .

رضي الله عنه و أرضاه ورزق أهله وذويه الصبر الجميل والعمل للإسلام كما كان رحمه يعمل وصدق الله العظيم إذ يقول : ( المتقين في جنات ونهر * في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) ( القمر 54 , 55).

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلون والحمد لله رب العالمين .

محمد عبد الله الخطيب

يمضي الرجال ويبقي النهج والأثر

يشاء الله عزوجل أن يبتلينا في أصعب اللحظات ونحن لما نقطع مشوارنا الذي بدأناه في جمعية الإرشاد والإصلاح من أجل الانتصار للحق وأصحابه ونشر مبادئ العدل وقيمه نبتلي – وأى بلية – في رئيس الجمعية فضيلة الشيخ محمد بوسليماني رحمة الله عليه ورضوانه ذلك الطود الأشم الذي ما عرف إلا مدافعا عن الحق .

إن استشهاد الداعية الشيخ محمد بوسليماني لهو ضريبة غالية نؤديها على طريق الدعوة الإسلامية الأصيلة التي ـأبي إلا أن تسقي بدم أبنائها العظماء .

ولأن التضحية في سبيل الإسلام تتطلب التجرد كله والولاء كله أيضا فإن أغلي ما تعبد هذه الطريق هو دم الدعاة السائرين في ركبها الحريصين على أصالتها المخلصين لثوابتها وسلوكياتها وإن الدعاة هم الأولي والأجدر بأن يوقعوا سجل الشهادة ( لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) ( البقرة : 143) وقد جادت الدعوة الإسلامية المعاصرة برجالات أفذاذ صبروا على الابتلاءات المتعددة والتحديات المتكررة بسبب أفكارهم الإسلامية التي يحملونها وأخلاقهم الإسلامية التي يتميزون بها من الشهيد حسن البنا وعبد القادر عودة , وسيد قطب , إلى الشيخ عبد اللطيف سلطاني , والأستاذ سليم كلالشة إلى الشيخ محمد بوسليماني .. رضي الله عن شهداء الدعوة جميعا .

إننا حين نبكي الرجل أو نذكر مناقبه وسجاياه لسنا من الذين يخافون الموت أو يرهبون الولوج في معركة صناعة الحياة لكننا في الوقت نفسه لا نؤمن بالأساليب الدموية التي تلغي من مشروعها كل آليات التحرك السلمي الذي تتطلبه الدعوات وتؤصله سيرة المصطفي صلي الله عليه وسلم وتقتضيه أنماط الصراع الحضاري الذي تسعي الصحوة الإسلامية من خلاله إلى طرح بدائل حقيقية في مستوي التحديات التي يعرفها عالم اليوم وتدبرها قوة الاستكبار العالمي .

إن افتقاد رجل الدعوة ومربي جيل الصحوة – الشهيد بوسليماني – في أوج عطائه وفي فترة صعبة كهذه وفي منطقة كشمال أفريقيا – على قلة علمائها ودعاتها الربانيين وكثرة أطماع أعدائها الصليبيين وعملائهم من المرتزقة والعلمانيين – لهو محنة من أشد المحن على نفوس حملة المشروع الإسلامي والتغيير الحضاري .

وإن اغتيال الدعاة على أيدي أناس يحسبون كذبا وزورا على جيل الصحوة بل ويرفعون شعار ( الجهاد ) مصيبة من كبريات المصائب . إن استشهاد الداعية محمد بوسيلماني يطرح على الحركة الإسلامية استفهاما كبيرا ويحملها مسئولية الإجابة هذه المسئولية التي لا تعفي عالما ولا داعية سواء أكان في الجزائر أم في المملكة العربية السعودية في مصر أم في باكستان في سوريا أم في السودان ..

إنكم معشر العلماء والدعاة كما تفننتم في أساليب تحريك جيل الصحوة الإسلامية وتحملتم مسئولية المواجهة مع الفكر الشيوعي الملحد الغربي المادي الانحلالي يجب أن تتحملوا مسئولية كشف خيوط الفتنة التي تدبر لتفريق صفوف الصحوة الإسلامية ولطالما أسهبتم في وصف الأشكال والصور " الطاغوتية " التي تعترض تطبيق شرع الله في أرضه فإن الأمة اليوم تحملكم أمانة كلمة الحق وأن تكون لكم الجرأة في تحديد التوجهات المعادية للإسلام وكشف ملابساتها مهما كانت أشكالها وحيثما امتدت مساحاتها ولو كان يمس بمن يحسبون على الصحوة الإسلامية وهي منهم براء قال تعالي : ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ) ( آل عمران : 187).

لقد دق ناقوس الخطر ليدرك دعاة الحركة الإسلامية أن دعوتهم تمر بمنعرج صعب وأن استمرارها الأصيل يتطلب تحريك العقل وتعميق الفكر لا تأجيج العواطف وإشاعة الأوهام .

إننا نعتقد:

إن اغتيال الدعاة ومحاولات إكراههم على تبني رأي ما , أو أسلوب ما أو دفعهم إلى الإفتاء بقول لا يسوغه نص شرعي هو الفتنة عينها وهذا ما لا يسمح لنا به فهمنا للشرع وانتماؤنا للإسلام وإخلاصنا للسلف .

إن أسلوب العنف الأهوج الذي لا يفرق بين عدو وصديق ولا بين قريب وبعيد ولا يدرك حجم المؤامرة التي تدار ضد عالمنا الإسلامي وحجم التحدي الحضاري لواقع على منظومتنا الفكرية والثقافية والأخلاقية لا يسمح لنا بتبنيه عقل مستنير يهدي الكتاب أو قلب مفعم بحب الله والإيمان بيون الحساب .

إن ولاءنا لله ولرسوله وللمؤمنين يدفعنا إلى التضحية بعواطفنا في سبيل دعوتنا ووحدة أمتنا وشعبنا وإننا لنري أن الفتنة تدفع بالصبر والثبات لا بالتنافس في إشعال الفتن وبذر سلوك الانتقام ونشر ثقافة الأحقاد مصداقا لقوله تعالي:( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ( الشوري : 43)

إن الوفاء للمبادئ والثبات على المنهج يقرضان علينا مسئولية الإرشاد والإصلاح في الأفكار والسلوكيات والثقافة وبذلك لا يمكن أن نخون أمانة الدين أو الوطن, أو التاريخ , ولن نخشي بعد ذلك في الله لومة لائم .

إن المشروع الذي ظل الشهيد يسعي لتحقيقه سيجد من أبناء الرجل وإخوانه من حماة الحركة الإسلامية ومن المخلصين لوطنهم وتاريخهم كل تضحية وثبات عملا خيريا وتنويرا ثقافيا وفكريا وإن جمعية الإرشاد والإصلاح لها من الثقة في الله والرصيد من أبنائها ما يدفع الألم بالأمل من أجل أن تنتصر المبادئ الأصيلة في جزائر الشهداء ويسود شرع الله في بلادنا وفي ربوع أمتنا جميعا ولله در شاعرنا :

ثم مطمئنا شهيد الحق مبتسما
فالركب بعدك ماض ليس يستتر
فلتكتبوا بدم الأبطال قاعدة
يمضي الرجال ويبقي النهج والأثر

الشيخ محفوظ نحناح يحدثنا عن مآثر الشهيد العظيم

بسم الله الرحمن الرحيم

إن لله وإنا راجعون إنا لله وإنا إليه راجعون وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا تقول إلا ما يرضي ربنا في هذا الظرف العصيب الذي تمر به حركتنا وجزائرنا وشعبنا في ظرف التحولات التي تعمقت مآسيها وتمزقاتها في الآونة الأخيرة والتي أصابت لوثاتها أهل الثقافة والصحافة والعلم والدعوة والصحوة والرياضية والأحزاب والجمعيات والمثقفين والنساء والمواطنين والرعايا الأجانب .

ولا يسعني إلا أن أفتح معكم هذا اللقاء المهيب في هذه التأبينية لأخي ورفيق دربي الشيخ محمد بوسليماني الشهيد الفقيد الذبيح إلا أن أتقدم بهذه الآيات البينات من كتاب الله تعالي :

بسم الله الرحمن الرحيم

1- ( إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم * أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين ) ( أل عمران : 21 , 22)

2- (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ) ( الحج : 40)


وقد أخرج محمد بوسليماني من بيته , ومن دفتي المصحف الشريف منتهكين حرمة البيت وحرمة الزوجة وحرمة الأقارب وحرمة إنسانيته وآدميته ودينه .

3- ( إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق ( البروج : 10).

4- ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ) ( الأحزاب : 58)

ومن هنا فإننا إذ نتكلم عن الشيخ محمد بوسليماني فإننا نتكلم عنه لأنه وتد من أوتاد الجزائر وعالم من علماء الجزائر وداعية من الدعاة إلى الله في الجزائر .

ولعل بعض من معنا يتساءل قائلا : من قتله ؟

وللإجابة يجب أن نقول :

إن الذي قتله هو جهل الجاهلين , وطيش الطائشين وخيانة الخائنين وتآمر المتآمرين وحسد الحاسدين .

وقتله العمل المسلح الأهوج الحقود الأعمي الذي يعرف بما لا يعرف وقتله للأسف الشديد : سراق الصحوة ولصوص الدعوة الذين عملوا على قتله ثم أرسلوا وافدهم مستنكرين هذه الفعلة الشنعاء بعد أن ألقموه سبا وشتما في حياته أرسلوا يقدمون تعازيهم في حق هذا الطود الأشم هذا الرجل الفريد هذا الأسد الغضنفر الذي كان له معنا صولات وجولات ودفع من خلالها ودفعنا من خلالها ثمنا باهظا بسبب الاعتدال والاتزان والتسامح والدعوة إلى الله بالحسني وبالموعظة والكلمة الطيبة وبالصفح عن الناس , ويتجاوز العقبات ويكظم الغيظ والعفو عن الناس دفع ودفعنا الثمن باهظا بسبب الحب وما زلنا ندفع ضريبة الحب في الله ثم لهذا الوطن ولرجاله ومجاهديه وعلمائه والمخلصين فيه والمخلصات والطبيين والطيبات .

وللسائل أن يسأل : لماذا اختطفوه وقتلوه ؟

فنجيب بكلمات موجزة قائلين :

إن اختطافه واغتياله لم يقصر من عمره في هذه الدنيا ولم يقصر في أجله المحدود والمحتوم وإن شاء الله نحن على عهده ماضون لكنهم قصروا الطريق لأنفسهم نحو النار أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين .

استهدفوا من اختطافه واغتياله تهيئة الأجواء المتعفنة لتمرير المشروعات المشبوهة في هذا الوطن الشاهد على جميع الشعوب والأمم استهدفوا من اختطافه واغتياله سياسة التأزيم والتيئيس .

استهدفوا من اختطافه واغتياله كسر المسار الدعوى والتربوي الذي كان من أجله يعمل ويناضل رفيق دربي الشهيد الذبيح .

اختطفوه واغتالوه رغبة منهم في إرباك الحركة وفي جرها نحو مستنقع اليأس أو الانتحار أو الاقتتال أو الفتنة والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها .

استهدفوا من اغتياله قطع الطريق أمام المشروع الإسلامي المتجدد المتطور الذي يعيش عصره ويعيش مستقبله بوجوه شابة أعلنت القطيعة مع كل فساد ومفسد وتريد أن تعيش الجزائر في قمة العلياء سامقة وضاءة الجبين بهية الطلعة بين الأنام عربيا وأفريقيا وإسلاميا ودوليا .

استهدفوا من اغتياله تشويه صورة الجزائر الحبيبة إلى قلوبنا وتشويه صورة الدولة الجزائرية التي ضحي من أجلها مليون ونصف مليون من الشهداء والأبرار .

استهدفوا من اغتياله إعطاء صورة مشوهة عن حقيقة الإسلام الذي يدعو إلى التآخي والتضامن والاتحاد ويدعو إلي القوة ويدعو إلى الإسلام ويدعو إلى العدل ويدعو إلى وحدة الأمة مشرقا ومغربا وإقليما ووطنا وعشيرة وسلالة قومية .

- استهدفوا من اغتياله – للأسف الشديد – أن يوجدوا غطاء سياسيا لمسلسل العنف والوحشية التي أصابت أكبادنا الحراء أصابت نساءنا وأولادنا وجيراننا وجزائرنا الحبيبة كما أصابت شهداءنا وهم يحلمون داخل قبورهم بأن تكون الجزائر في عليائها مستقرة متقدمة مزدهرة .

- استهدفوا من اغتياله بث الشكوك والظنون ذات اليمين وذات الشمال تضليلا للرأى العام , وتلاحم في هذا ما يتوارد على أعمدة الصحافة وعلى ألسنة من ينتسبون إلى الإسلام مرة وللوطنية مرة أخري من أجل زعزعة الاستقرار وإرباك هذا المجتمع وإرباك الرأي العام بهذه الممارسات الشنيعة الفظيعة التي لا يقبلها دين , ولا تقبلها وطنية , ولا تقبلها , ويمارسها الجحود الكنود الحسود الخائن الظالم الطاغية الجبار العنيد .


في الحقيقة إنه باختطاف واغتيال أخي الشهيد محمد بوسليماني فيها معني إحياء روح مسلمة وابن سلول ,وابن ملجم والريبضة الذي تحدث عنه الرسول صلي الله عليه وسلم .

أيها الإخوة الأكارم:

إننا نلتقي اليوم في هذه التأبينية لكي ندرك من أن التأبينية دفع نحو تحقيق انتصارات أخري على وجه هذه الأرض التي استخلفنا عليها وأن دم هذا الرجل العظيم الذي ترك وراءه أما تفجر ثديها لبنا وترك وراءه زوجا كانت نعم الرفيق ونعم المؤنس له ولم يترك وراءه ولدا ولا بنتا ولم يترك وراءه قصرا ولا دارا فارهة ولا سيارة فاخرة وإنما ترك وراءه كوخا فيه غرفة ينام فيها ومكتب يستقبل فيه زواره ومريديه ومحبيه وأنا أحد هؤلاء المحبين وقد توهم المصور أنه يسكن في قصر كان بجانب بيته حتي قيل له أنه لا يملك هذا القصر ولكنه يسكن هذا الكوخ .

كوخ تسلل من خلاله الخونة الطائشون ليجهزوا عليه بعد أيام قلائل وتذكرت أن المختطفين في البلدان المتحضرة قد يساومون قد يتأجرون قد يطالبون بأمور غير الذي حصل في بلادنا مع هذا الشيخ ذي الشبيه وأعرفه وهو صغير وليس معه شيبة إلى أن شاب في الإسلام وتنورت لحيته ورأسه بأنوار الإسلام هذا الرجل يغتال بما أعطانا فهما واستنتاجا عبر العملية الفظيعة التي وجدت في جسده رحمه الله عليه من أنه عذب عذابا شديدا ثم أجهز عليه في عملية ذبح لا تذبح بها سوي الخراف والنعاج وليس معه سلاح إنما رجل أعزل .

حفاوة ما بعدها حفاوة ! نذالة ما بعدها نذالة !

والمختطفون في بلاد الغرب أشرف لأنهم يطالبون ويساومون أما الذين اختطفوه واغتالوه فما علمنا عنهم شيئا إلى الآن – للأسف الشديد – ولكن ستلاحقهم لعنات الله في الدنيا والآخرة من فرط ما فعلوه في هذا الرجل وفيما فعلوه في أهله وإخوانه وحرمه وأمه وجماعته وحركته .

أيها الإخوة :

إن لأخي محمد فلسفة خاصة هو أنه كان يعمل على صناعة الحياة كان من أهل الإصرار على أن المنهج السلمي التربوي الدعوي الذي ملأ الدنيا تصافحا وتغافرا هو السبيل الأقوم لتحقيق مشروع الله في الأرض حتي وإن طال الطريق .

إن الشيخ أبا سليماني ما كان يعيش لنفسه – يشهد الله على ما أقول إنما كان يعيش من أجل مبدأ وفكرة هذا المبدأ لقي بسببه العنت وهذا الذبح المريع في حقه وفي حق إخوانه وكان يري من أن الأسلوب الأمثل هو الدعوة إلى الله والأسلوب الأمثل هو اللين – لين العريكة وقوة الشكيمة والصواب في الحق والصدع به والعمل الصالح في جميع الميادين سياسية واجتماعية واقتصادية هو السبيل الأقوم أما حمل السلاح فما كان يدور بخلده ولا خلد من معه من إخوانه إلى أن ظن الظانون بعد سباب وشتائم وكلام قبيح وضرب في المساجد وفي غير المساجد والإهانات الرخيصة والكلمات البذيئة والاعتداءات المتكررة والرسائل التهديدية المتعددة , ما كانت هذه الأساليب لا مدعاة للاستمرار على الخط التربوي الأصيل الذي به يضمن الأمن والأمان في الدنيا ويضمن الفوز في الآخرة ( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) ( أل عمران : 185) ..

يا إخواننا :

إننا نعلم أن هذه الفاجعة سيترتب عليها أنواع من الناس كان منهم رعاع في أيام عثمان حيث كان يشدون بقميص عثمان ونعلم أن من أن هناك بسبب هذه الضربة الفاجعة الضخمة بأن هناك من ينكمش على ذاته خوفا وجزعا .

ويعلم بأن هناك من يعمل على المتاجرة في هذا الأمر ونعلم بأن هناك المتهورين ونعلم بأن هناك يائسين قانطين .

ولكن الثبات على المبدأ والفكرة من أجلها تعاهدنا عهدا لا يمكن أن تنقص عراه إلا إذا التقينا يوم القيامة على سرر متقابلين ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوا إلا المتقين ) ( الزخرف / 67) .

ونعلم بأن هذا المنهج الذي نسير عليه ونتحرك من خلاله وها نحن نري في هذا اليوم من أن الكل يصب في إناء واحد هو الحفاظ على وحدة هذا الشعب الذي يتآمر عليه في الأيام الأخيرة وتساوم به جزائرنا ويتآمر ويتاجر من يتاجر لكننا نعتقد بأن الله عزوجل يقول :

( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) (الرعد: 17) نسأل الله أن يجعل قطرات شهيدنا محمد أبي سليمان ى آخر القطرات التي بها يلتئم شمل هذه الأمة .

ونعلم من أن الدماء الغزيرة وخصوصا لحوم العلماء على ما يقول عبد الله بن المبارك التابعي " لحوم العلماء مسمومة " وفي حق من يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس يقول تعالي ( وما لهم من ناصرين ) أى سيتشتت أمرهم ويتفرق جهدهم وتتبدد طاقاتهم وحتما لا ينالون أى أمر يمكن إن يتحقق على يديه الخير في الدنيا أو الآخرة حتي وإن حصلوا على بعض مآربهم وحققوا بعض أهدافهم فإن الهدف الأعظم هو أن نقف غدا جميعا بين يدي الله وعند ربكم يومئذ يعرف الظالم من المظلوم والخصم من الخصيم والعدو من الصديق والثقيل بالحسنات من الثقيل بالسيئات وعندئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .

أيها الإخوة والأخوات :

كنا نتكلم منذ أكثر من ربع قرن أن هذا الطريق محفوف بالمكاره ومحفوف بالمخاطر وأن هذا الخطر الذي لحق أخي محمدا هو خطر في ظاهره لنا وله ولكنه نصر مبين لجزائرنا ولدعوتنا ولإرادة شعبنا ولكي يستفيق الناس من غفواتهم وكبواتهم وعثراتهم عساهم أن يتراجعوا عن هذه المناورة التي مست أمتنا ونساءنا ورجالنا .

فماذا يقول القاتل غدا بين يدي الله ؟ وماذا يقول المختطف غدا بين يدي الله ؟ ماذا يقول من كان يدفع الناس نحو الخطف والاغتيال لرجال من الجزائريين ؟ ومن غير الجزائريين ؟

كيف يكون الجواب غدا أمام الحضرة الإلهية أما الميزان وأمام الصراط وأمام كفة الحسنات وكفة السيئات ؟.

ماذا يقول الذي كان يدعو إلى حمل السلاح في وجه إخوانه الجزائريين ؟ ماذا يقول من مارس السلاح في حق إخوانه الجزائريين سواء بالسلاح الأبيض أو الرصاص ؟

ماذا يقول الذي كان يأمر بالمنكر وينهي عن المعروف ؟ ماذا يقول هذا الذي قدم عونا ماديا أو ماليا لمن يقتل الأبرياء ويقتل الصالحين ويقتل العلماء ويقتل العارفين بالله ؟

ماذا يقول غدا بين يدي الله ؟!! الدنيا زائلة فانية ويبقي وجه ربك ذو الجلال والإكرام .

أيها الإخوة :

أنه باستشهاد أخي الذي تربيت وإياه منذ أن كانت أعمارنا ست سنوات إلى اليوم عرفنا فيها السراء والضراء وعرفنا فيها البأس وعرفنا فيها البؤس وعرفنا فيها الدعوة إلى الله والعمل السياسي .

وعرفنا فيها المعارضة وسجنا مع بعض وخرجنا مع بعض واستمررنا على هذا الخط إلى أن اختطفته اليد الآثمة واقتطعت رأسه يد مجرمة في حالة من البشاعة والفظاعة لم يرق إلى مستواها حتي اليهود في فلسطين مع إخواننا الفلسطينيين .

هكذا آلت الجزائر إلى هذا الوضع السياسي وسوف يتحمل المسئولية ثلاثة أطراف .

1- الطرف الأول : النظام السياسي الذي عجز عن حل المشكلة بطريقة سياسية حكيمة ذكية , ثم تعاظم الفتق على الراقع إلى أن بدأت تتهاوي مؤسسات الدولة مؤسسة ولم يبق منها سوي المؤسسة العسكرية رقم واحد .

2- الطرف الثاني : مصابيح الأمة الوهاجة العلماء والعارفون وأولياء الله الصحالون والأساتذة والدكاترة والأئمة والخطباء خصوصا ممن لهم علم شرعي وسكتوا ولا أظن أن سكوتهم سيعفيهم من الخطف والاغتيال أو سيعفيهم غدا بين يدي الله من السؤال .

3- جماهيرنا : التي تتألم مما حصل من كيد ومكر أمتنا نتوجع شعبنا يتضرع من ألم المصاب ومصاب هذه الفتنة التي أضحت علينا الصديق والعدو وتهاوي أمام ضحكات الآخرين واستهزائهم شرف الجزائر ومسح شرف الجزائر إلى درجة أن عجز المسئولون عن الرد على الذين يأمرون علينا بالتصريحات المشوهة لسمعتنا .

يا معشر الأحبة :

حان الوقت لكي نطوي الصفحة الأولي على ما فيها من سلبيات وعروات لننتقل إلى صفحة مليئة بالأنوار الوهاجة والأضواء التي من خلالها نستطيع أن نعبر إلى القرن الواحد والعشرين بوجوه مستبشرة وأفواه ضاحكة , وألسنة بالحق ناطقة كما كان أخي محمد الذي عرفته لله ذكارا وعند النعماء شكارا وعند البأساء صبارا هذا الذي عرفته في هذا الرجل ورجاؤنا ممن جميع الحاضرين أن يفهموا بأن أى شهيد سقط على هذه الأرض ليس الشهيد الذي يغتال الناي ويتآمر عليهم ويعصف بممتلكاتهم ومقدراتهم ويسرق أموالهم ويهلك الزرع والضرع والنسل والسلالة البشرية بالباطل هذا لا يعتبر شهيدا وإنما هو في عرف الشرع مجرم محارب باغ قاطع طريق وهنا يفترض في أهل العلم الشرعي وفي أهل الدعوة إلى الله أن يستمروا في النطق بكلمة الحق والصدع بها سواء في داخل ترابنا العزيز أو في أرض الإسلام الزاخرة بالعلماء والدعاة .

ومن العجيب أن يأتينا بعض استنكار بعد خراب البصرة وبعد الدمار وبعد الإفلاس وبعد أن آلت الجزائر إلى ما آلت إليه ليقول القائلون إننا لم نكن سببا في هذا .

إن صناعة مناخ وجو سياسي يعطي لأهل الجريمة أن يفعلوا ما شاءوا ويعطي لأهل السرقات واللصوصية أن يفعلوا ما شاءوا ولم نسمع يوما من الأيام – وإلى الآن – كلمة فيها شجب أو تنديد أو استنكار مما حصل ومما يحصل الآن , ومما قد يحصل – لا سمح الله في الأيام القادمة .

ونحن من هؤلاء الذين لا نرد على من أرادوا يتهموا حركتنا في أشخاصها ورموزها أو أرادوا أن يتهموا حركتنا في جماعتها أو في توجهاتها فنحن لا نرد عليهم وسنصفح الصفح الجميل , ولا نريد أن نزيد بيتنا نارا ولا اشتعالا ولا اضطرابا.

وتغمد الله أخي وقتلي الجزائر برحمته الواسعة والحمد لله رب العالمين.


حادثة الاستشهاد من الاختطاف إلى الاغتيال

كتب حسن عمر

الخميس : 25/11/ 1993م

- الشيخ بوسليماني يترأس اجتماع المكتب الوطني للجمعية بالمقر الوطني لمناقشة التحضير لاحتفال بذكري مظاهرات 11 ديسمبر 1960 وقد اختار للتظاهر شعار ( والصلح خير ).

- كما أشرف على تأسيس مكتب الدراسات الشرعية التابع للجمعية في حدود الساعة الرابعة مساء .

- الشيخ بوسليماني يغادر المقر الوطني بعد صلاة المغرب بعد أن أم المصلين متجها إلى بيته مودعا إخوانه على أمل اللقاء يوم السبت .

الجمعة : 26 /11 / 1993م

- في حدود الساعة السادسة والنصف صباحا ( بعد صلاة الفجر ) وبينما الشيخ يتلو ورده القرآني إذ اقتحم المنزل مسلحون أربعة ( اثنان دخلا البيت واثنان بقيا خارجه ) ليخطفوه إلى وجهة مجهولة .

- ومما قالوه لأهله : إننا مسلمون ولا نقتل المسلمين وسنأخذه إلى إخوانه الذين جاءوا من أفغانستان ليستفسروه عن بعض الأشياء وهذا بعد أن تفوهوا بكلمات بذيئة تجاه رفيق دربه الشيخ محفوظ نحناح وآخر كلمة قالها الشيخ لابن أخته : لا تحزن فإن والدك شهيد وسألحق به شهيدا.


المسلحون كانوا – للأسف الشديد – ملتحين ويحملون بنادق مقطوعة الماسورة , وأخذوه في ملابس النوم وقميص خفيف وركبوا سيارته ( من نوع رونو 20) وأمروه أن يقودها بنفسه ختي لا يلفت انتباه المصلين أمام المسجد الذي هو في طريقي سيرهم بالقرب من المنزل .

- الساعة الثامنة صباحا زوجة الشيخ محمد بوسليماني تتصل هاتفيا بالمقر الوطني للجمعية لتبليغ الخبر الذي نزل على أبناء الجمعية كالصاعقة جعلهم من لحظتها لا يرتاحون إلى الآن .

- بعد صلاة الجمعة المكتب الوطني للجمعية وبعد اجتماعه في جلسة طارئة بعدد أعضائه الحاضرين يصدر بيانا إعلاميا يؤكد فيه خبر اختطاف رئيس الجمعية .

السبت : 27 / 11/1993م

- المكتب الوطني للجمعية يصدر البيان رقم ( 2) ليؤكد فيه أن الاختطاف تم من منزل الشيخ بوسليماني وليس من بيت صهره كما ذكر بيان السلطات المنية – ويحذر في هذا البيان من الانزلاقات الخطيرة التي يمكن أن تقع محملا الجهات المعنية بالعملية وعواقبها ومنوها بالمواقف التضامنية التي تلقاها من قبل الهيئات والشخصيات والمنظمات .

- في حدود الحادية عشرة يتم العثور على سيارة الشيخ على بعد كيلو مترين عن بيته .

- في حدود الساعة الثامنة وعشرين دقيقة مساء وبينما أعضاء المكتب الوطني يتابعون الوضع عن كثب بمقر الجمعية وإذا بالهاتف يرن ليكون المتحدث الشيخ محمد بوسليماني بنفسه سائلا عن أحوال أبنائه وإخوانه في الجمعية وعن أهله .

- هذه المكالمة دامت حوالي دقيقة ونصف تخللها قطع للمكالمة مرة ومما جاء على لسان الشيخ المخطتف أنه بخير وأنه مع ( إخوانه) ويريد أن يطمئن على من تركهم من ورائه .

- ومما قاله أيضا وبنبرة شجاعة : الحمد لله يكون مع الشكر وأحيانا يكون مع الصبر.

وعند استفساره عن المكان الموجود به قال : ( إنني بيد الجماعة الإسلامية المسلحة ) ولما طلب منه أن يوضح مطالبهم قال أحد المختطفين وهو بجواره إذ سمعت كلمته بالهاتف : ( قل لهم إذا أرادوا أن يبلغوا وسائل الإعلام والسلطات الأمنية فليفعلوا ) .

وعند محاولة معرفة المطالب انقطعت المكالمة الهاتفية والتي كانت بواسطة جهاز لاسلكي أو هاتف متنقل وقد عرف ذلك من خلال الأصوات التي سبقت انقطاع المكالمة مرتين .

الأحد : 28 /11/ 1993م

- في حدود الساعة الثانية عشرة ( منتصف النهار ) المكتب الوطني للجمعية يتلقي مكالمة هاتفية من قبل المختطفين سألوا فيها عن الشخص الذي تحدثوا معه بالأمس بواسطة الشيخ بوسليماني ولما لم يكن موجوا بالمقر حدودا موعدا في حدود الساعة الثانية والنصف بعد الزوال .

- في نفس الموعد الذي ضربوه اتصلوا ثانية طالبين نفس الشخص ولما لم يكن موجودا تكلموا مع احد عناصر المكتب الوطني مؤكدين هويتهم بأنهم ( الجماعة الإسلامية المسلحة ) وحاول عضو المكتب الوطني أن يعرف مطالبهم إلا أنهم رفضوا .

- الدكتور يوسف القرضاوي يوجه نداء إلى الجزائريين عبر جمعية الإرشاد والإصلاح يدعوهم فيه إلى المصالحة مستنكرا عملية الاختطاف معبرا عن فزعه بنبأ اختطاف الشيخ معتبرا هذا الأسلوب منافيا للشرع .

- في مساء هذا اليوم ينظم مكتب الجمعية بالبليدة تجمعا حاشدا يندد فيه ويستنكر عملية الاختطاف .

الاثنين : 29 / 11/ 1993 م

- بعد نشرة الواحدة زوالا .. المختطفون يتصلون للمرة الثالثة بمقر الجمعية مؤكدين هويتهم أنهم ( الجماعة الإسلامية المسلحة ) غير أن كل المحاولات التي تمت من قبل أعضاء الجمعية لمعرفة مطالبهم باءت بالفشل غير أنهم ذكروا بأنهم تابعوا التجمع الذي نظم بالبليدة وهددوا بكلام غير واضح ( لغة ولهجة المختطفين هي لم تتغير لهجة عاصمة لا تنم عن مستوي عال من الثقافة ).

- المكتب الوطني يصدر البيان الثالث يرد على التساؤلات الملحة للرأي العام حول تطورات عملية الاختطاف معلنا أن هناك مكالمات هاتفية استقبلها من قبل مجهولين يتبنون عملية الاختطاف ولم يعلن عن هويتهم لعدم تأكده منها .


الثلاثاء : 30 / 11/ 1993م.

- بعد نشرة الزوال مباشرة يتلقي أعضاء المكتب الوطني للجمعية مكالمة هاتفية من المكتب الولائي للبليدة يعلمونهم فيها بأنهم تلقوا مكالمة هاتفية – بعد تلاوة البيان رقم 3 للجمعية في نشرة أخبار الواحدة – يقول صاحبها إنه يتحدث باسم منظمة الشباب الجزائري الديمقراطي ويعلن بأن منظمته هي التي اختطفت الشيخ بوسليماني غير أن المكالمة تعتبر غير جادة لسببين :


أ‌- لماذا الاتصال بمكتب البليدة وليس المقر الوطني .

ب‌- لماذا بعد صدور البيان رقم 3 الذي يعلن أن الجمعية لم تتأكد من هوية المختطفين الذين اتصلوا وهناك سبب ثالث يفند هذه المكالمة هو ذكرهم كلمة الديمقراطي كوصف للمنظمة مع العلم أن المنظمة المسماة بهذا الاسم فهي :( الشباب الجزائري الحر وليس الديمقراطي ).


حركة المجتمع الإسلامي حماس في بيان لها تستنكر العملية وتندد بفاعليها وتعرب عن تأسفها الشديد لحالة اللاأمن التي وصلت إليها البلاد .

الأربعاء: 1/12/ 1993م

المكتب الوطني للجمعية يصدر البيان رقم 4 يعلن فيه للرأي العام أن الذين تبنوا عملية الاختطاف من خلال المكالمات الهاتفية هم ( الجماعة الإسلامية المسلحة ) ومنظمة الشباب الجزائري الحر وكان هذا البيان بمثابة رسالة موجهة للجماعة الإسلامية المسلحة حتي تؤكد أو تنفي تبنيها للعملية.

الخميس : 2/ 21/ 1993م

المجلس الإسلامي الأعلي بألمانيا في بيان له يدين عملية الاختطاف التي تعرض لها الشيخ .

الجمعة 10/ 12/ 1993م

الجمعية تستقبل رسالة من الاتحاد الإسلامي للمنظمات الإسلامية بفرنسا تعبر فيها عن مساندتها للجمعية في أزمتها وتندد بعملية اختطاف رئيسها.

الأربعاء : 15/ 12/ 1993م

- جمعية الإرشاد والإصلاح توجه رسالة مفتوحة عبر وسائل الإعلام إلى المختطفين تناشد فيهم دينهم ووطنيتهم وضميرهم وتخاطب فيهم المروءة والشهامة أن يتراجعوا عن قرارهم وممارساتهم وأن يطلقوا سراح الشيخ بوسليماني ولم تنس أن تتوجه في الأخير إلى الصامتين أن ينطقوا.

الأحد:25/ 12 / 1993م

- الجمعية تتلقي رسالة مساندة وتأييد من قبل سبعة من علماء المسلمين كانوا يشاركون في مؤتمر إسلامي باستكهولم ( السويد) وهم : د. يوسف الحبر نور الدايم د. عصام البشير, د. عبد الحي الفرماوي , د. فؤاد البرازي ومالك البدري وعز الدين توفيق ود محمد الحاج ويستنكرون عملية الاختطاف ومنددين بها .

الخميس : 29 / 12 / 1993مر

- مكتب الجمعية يتلقي رسالة المؤتمر السنوي لرابطة الشباب المسلم العربي في أمريكا الشمالية( و هو اكبر هيئة شعبية للجالية المسلمة في أمريكا الشمالية ) يندد فيها بعملية اختطاف الشيخ بوسليماني ويعبر عن مساندته للجمعية والوقوف معها في محنتها .

الأحد: 3/1/ 1994م.

- منظمة الشباب الجزائري الحر في بيانها رقم 2 تتبرأ من عملية اختطاف رئيس جمعية الإرشاد والإصلاح وتذكر في بينها أن محمد بوسليماني لم يكن هدفا أهدافها .

- هيئة العلماء والدعاة( تجمع تحت التأسيس) تنظم بالتعاون مع جمعية الإرشاد والإصلاح مؤتمرا حاشدا بقاعة حسن حرشة يجضره علماء ودعاة من مختلف أنحاء التراب الجزائري بالإضافة إلى الآلاف من ابناء جمعية الإرشاد والمتعاطفين معها مساهمة منهم في إخماد نار الفتنة وقول كلمة حق حول ما يجري في جزائرنا الحبيبة وكان الحديث المختطف هو لب هذا اللقاء .

الجمعة : 21 / 1/ 1994 م

- قوات الأمن تعثر على جثة الشيخ محمد بوسليماني ببلديى العفرون غرب مدينة الجزائر بحوالي 70 كيلو ويبقي الخبر في طي الكتمان.

الشبت : 22/1/ 1994م.

- محافظ الشرطة لولاية البليدة في مكالمة هاتفية مع زوجة الشيخ المختطف يستفسر عن الملابس التي كان يرتديها الشيخ صبيحة اختطافه ( بداية ظهور ملامح القضية – الاغتيال ).


- ما بين يوم السبت 22/1/ 1994م ويوم الخميس 27/1/ 1994م انتشرت إشاعة خبر العثور على جثة الشيخ بوسليماني من عدة مصادر غير رسمية ولكن مساعي مسئولي الجمعية مع الهيئات الرسمية باءت كلها بالفشل فهل كان ذلك بسبب التعتيم على الندوة الوطنية للحوار أو لظروف التحقيق والتأكد من هوية صاحب الجثة ؟ أسئلة تبقي الإجابة عنها مبهمة.

الجمعة 28/1/ 1994م


- السلطات المنية تتصل بعائلة الشهيد لتطلب منها الذهاب إلى مستشفي عين النعجة للتعرف على هوية الشهيد بوسليماني .

- وفد من عائلة الشهيد وجمعية الإرشاد ورفقاء الشهيد يعاينون الجثة بمستشفي عين النعجة ويتعرفون عليها رغم تشوهها .


- مساء نفس اليوم .. المكتب الوطني للجمعية في بلاغ للأمة يعلن خبر الاغتيال ويؤكد أن المعاينة أثبتت أن الجثة الموجودة هي جثة الشيخ بوسليماني .

السبت : 29 / 1/ 1994 م


- وفد عن المكتب الوطني للجمعية يستقبل من قبل وزير الداخلية السيد سليم سعدي والذي يقدم لها تعازي وزارته ورئاسة الحكومة معلنا لهم أن عملية الكشف عن جثة الشهيد تمت بعد إلقاء القبض على أحد ( الإرهابيين) في احدي عمليات التمشيط والذي دل على المنطقة التي توجد بها الجثة .

- بيان لمصالح الأمن يعلن أن مصالح الأمن ألقت القبض على إرهابيين وهما : زبراني رشيد وفيدوم وناصر وهما من الجماعة الإسلامية المسلحة وقد دلا على مكان الجثة ( يلاحظ اختلاف بين ما أعلنه وزير الداخلية عن أن إرهابيا واحد ألقي عليه القبض هو الذي دل على مكان الجثة . بينما بيان مصالح الأمن تقول إرهابيين اثنين ؟).


المجلس الأعلى للدولة يتقدم بتعازيه إلى عائلة الشهيد وإلى جمعية الإرشاد والإصلاح .

الأحد : 30 / 1/ 1994م

- الشعب الجزائري في مظهر مهيب يعد بعشرات الآلاف قدره الإعلام الغربي بأكثر من 250 ألفا يشيع الشهيد محمد بوسليماني إلى مثواه الأخير في يوم حزنت فيه الجزائر عامة وحزنت مدينة البليدة خاصة والتي عبرت عن ذلك من خلال غلق محلاتها وإدارتها وشركاتها ومؤسساتها ومشاركتها في الجنازة بالإضافة إلى الوقفة التضامنية التي وقفها سكان البليدة مع عائلة الشهيد ومع جمعية الإرشاد .


- الشيخ يوسف القرضاوي يراسل الجمعية ليس معزيا بل مهنئا بالشهادة التى نالها رئيسها ومستنكرا فعل الجاهلين وقد ضمنها كلمة صدقها الواقع وصدقها الشعب الذي قرأها وهذه الكلمة : (فإن لم تثأر له عدالة الأرض فستثأر له عدالة السماء ( وهذا الذي حدث فيما بعد ثلاثة أيام قلائل ).

الخميس : 3/ 2/ 1994م


- جمعية الإرشاد والإصلاح تقيم تأبين للشهيد بقاعة ابن خلدون بالعاصمة تعجز القاعة عن استيعاب الحشود القادمة من مختلف المناطق وقد تدخل في هذا التأبين أصدقاء ورفقاء الشهيد وممثلو الهيئات الرسمية وممن تدخل رفيق دربه الشيخ محفوظ نحناح ورفيقه مصطفى بلمهدي وكذا مندوب رئيس الدولة السيد عبد الحفيظ أمقران وزير الشئون الدينية وغيرهم .

الأربعاء : 22/2/ 1994م.


- السايح عطية الملقب بـ: عطية الخن الرجل الثاني في الجماعة الثاني في الجماعة الإسلامية المسلحة التي تبنت اختطاف الشهيد يلقي حتفه متأثرا بجراحه التي أصيب بها في اشتباك مع قوات الأمن يوم 13/ 2/ 1994 م( الخبر أعلن عنه رسميا يوم 16/4/ 1994).

السبت : 26 / 2/ 1994 م

- سي أحمد مراد الملقب بجعفر الأفغاني زعيم الجماعة الإسلامية المسلحة يلقي حتفه في عملية درامية مع تسعة من رفقائه ببلدية بوزريعة بالعاصمة على يد قوات الأمن .

مقر الجمعية طيلة مدة الاختطاف وما بعد الجنازة كان يستقبل يوميا المئات من المكالمات الهاتفية ويستقبل العشرات من الرسائل والبرقيات والعشرات من الزوار الوافدين من شتي مناطق الوطن وهذا كله للتعبير على المساندة والتضامن مع الجمعية وعائلة الشهيد ... فجزي الله الجميع خيرا وأبعد عنهم أى مكروه .

من عمق الموت يعود الشهيد رغم أنف الحجاج

بقلم : النذير مصمودي

إلى من أضاف بدمه خطوات واثقة على الدرب السائر باتجاه الكرامة والشرف والاعتدال ... إلى أخي وصديقي الشهيد محمد بوسليماني .

أخي الحبيب :

من قال إنك مت ؟ ومن قال إن سكاكسن الصغار تستطيع أن تقل الكبار ؟! ومن قال إن الناس ولو اجتمعوا على صعيد واحد وعلى قلب رجل واحد يستطعيون أن يوقفوا حقيقة ما جهر به الحق تعالي في كتابه العزيز ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون )( آل عمران : 169) .

لقد ظن الذين ذبحوك أنهم قتلوك وأنهم بقتلك سينحون من شمس أفكارهم التي أحرقتهم وعذبتهم إنهم لم يقتلوك وكل ما فعلوه أنهم قتلوا أنفسهم وأعطوك فرصة لحياة أخري تتصل بحياة من أحيتهم سيوف الحجاج حين قطعت رؤوسهم !!.

صحيح أنك عند ربك في حياة أخري وصحيح أن جثمانك قد ووري التراب, وصحيح أن الفقراء والمساكين لم يعدودوا يرونك في شوارع " البليدة" وحاراتها وأنت تواسي جراحاتهم وتعيش معاناتهم وصحيح أن الآلاف من إخوانك وأبنائك لم يعودوا يسمعون صوت المتدفق بالنصيحة والحنان وصحيح أن كرسيك الخشبي بمكتب جمعية الإرشاد سيظل فارغا لا يجرؤ أحد على الجلوس عليه وصحيح أن زوجتك التي شارتك الأعباء والهموم لن يعوضها عنك أحد .ز لكن غير الصحيح :

أنهم قتلوك .... سيظل دمك فوارا وساخنا تشمه الأجيال معبقا بالمسك في كل أرجاء الوطن كما لن يفلح من عاشرك ومن أحبك في التلمص لحظة من شعور أنك حي لم تمت وأن كتبت كل صحافة الدنيا خبر موتك وأنهم قتلوك .

أما أنا فليس سهلا على محاولة الانعتاق من ذكريات جميلة عشت أحداثها معك من أول يوم التقيت فيه بك ببيت الشيخ محفوظ نحناح الذي دعانا معا إلي الاجتماع على مائدة كرمه عام 1985م حيث تبادلنا الآلام والآمال وأشعلنا شمعة فالتة من ليل العتمة المخيم على أرجاء الوطن وتعاهدنا على الانحياز للحب حتي النهاية !!.

أخي الحبيب :

لقد سألني عنك ذلك الطفل البوسني الذي ضممته إلى صدرك ذات مرة وبكيت معه بكاء الأطفال فأخبرته أنك حي ترزق , وأن الحجاج الذي تبني عملية قتلك واهم لا يعرف الحقيقة وأن " القمار الصناعية " التي نقلت مأتمك إلى جهات الأرض الأربع كانت عاجزة عن نقل ما يدور في القلوب من أسرار وعاجزة عن نقل صور العمليات السرية التي كانت تجري خارج حدود القلوب التي قطفتها بلا حدود .

إنه لم يكن من السهل على ذلك الطفل أن يسمع النحيب ويصم أذنيه .. لقد فضحته النكبة وهزه الخبر لكنني علمته بسرعة أن العدالة التي تتفاعل فيها الدماء والنهايات الجميلة لن يكون فيها البكاء عليك إنما يكون معك وعندها فقط يصبح للموت معني ويصبح لحقيقته حال من الوهج والحياة حال الانطفاء والزوال .

أخي الحبيب:

عندما طلب مني رئيس تحرير الإرشاد كتابة شئ عنك مارست غضبي على حروفي المكبلة وأقمت الحد على بكائية النكبة لكنني عجزت عن ملاحقة تفاصيل الذكري.. وإذا لم أكتب شيئا عنك أو كل شئ فإنك ستظل منتصبا بباب الذاكرة ضاربا جذور قدميك في ملحمتها المستفيضة لأنك ستظل حيا وأظل من ورائك أرفض الإقرار بحقيقة ما حدث .

وغدا سيعرف الحجاج أن سيوفه تحي ولا تميت , وأن الفراشات التي تصنع لون الحياة الجميلة في الربيع تعود مع كل ربيع وأن نياشين المجد لا تصنعها البطولات الزائفة وأن الشهداء يعودون من عمق الموت رغم أنف ألف حجاج وأن قصائد الأطفال الباكية ستخطوا غدا حروف الدمع إلى نشيد الثورة وأن الذين يصنعون الدمع في عيون الأمهات لا يجدون غدا من يبكي عليهم أو معهم لأنهم عاشوا لأنفسهم وماتوا من أجل أنفسهم .؟

أما أنت أيها الشهيد العائد في كل يوم ... أنت وحدك العطاء والأمل ... وأنت وحدك الراية في المعركة وأنت وحدك البوصلة في الاتجاه وأنت وحدك المثل في الانتماء .

من معرفتي بالداعية محمد بوسليماني

محمد هيشور

أستاذ بجامعة وهران

كنت أسمع عن الأستاذين التوأمين " محفوظ نحناح" و" محمد بوسليماني" – العلم رحم بين أهله – في أواخر السبعينيات حين خروجهما من السجن وأنا طالب في جامعة وهران وذلك من خلال بعض زملائي الذين كانوا يؤدون الخدمة العسكرية بولاية البليدة وبقيت أتلقي أخبارهما في كل المناقشات والجلسات الليلية في غرف الأحباء الجامعية حين يخلو الأصدقاء مع بعضهم البعض وما زالت تلك الأخبار الطيبة والجلسات الغالية تعزز مكانة الرجلين في قلبي حتي أستقر في ذهني وارتسم في خيالي من أثر هذين الرجلين قد تميزا بخصال حميدة كثيرة فيها الشجاعة والإقدام واقتحام الخاطر وعدم الاستسلام لمثقلات الواقع كما أنهما على درجة كبيرة من التفاني في العمل الإسلامي والوعي بمؤامرات الخصوم وكنت أحس أن الشباب الإسلامي الجامعي يومئذ من حولي يشاركني هذه النظرة وهذه الحالة التي كان القدر يهيئ أمرا من رجالات الدعوة من خلالها إلى عظائم الأمور التي سنواجهها اليوم والغد .

وما زلت مشدودا مع الكثير من رفاقي الطلبة إلى اليوم الأغر الذي نفوز فيه بلقاء الشيخين إلى أن كان لى ذلك في أكتوبر عام 1984م حيث التقيت بالأستاذين الكبيرين في ليلة مطرة بوهران وأنا أتهيأ للسفر للقاهرة لإتمام دراستي العليا وفي هذه الفرصة كان فضل الله على عظيما وفيها ربط الشيخان بيني وبين زميل من العاصمة كان مسافرا هو الآخر للقاهرة للغاية ذاتها وشاء الله أن يكون هذا الخ الكريم من أقرب الإخوة لي وما زالت الأيام تعزز العلاقة بيننا والحمد لله ... هذه واحدة من فضل الله على في هذه الفرصة أما الثانية فكانت هي بداية التزامي بالخط الحركي والمنهج الدعوي الذي نحن عليه اليوم .. نسأل الله الثبات .

أما الثالثة فهي توثيق صلتي بالرجلين اللذين تجمع بينما قواسم مشتركة كثيرة وإن انفرد كل منهم بخصوصيات يقوي أحدهما ومثيلاتها في أخيه .

وكان مما شد انتباهي في ظاهر الشيخ أبو سليماني رحمة الله كأنه تبدو من ملامحه شدة الطبع وقساوة المعاملة ولكن بمجرد ما تقترب منه يتلاشي هذا الظاهر لتجد باطنا مخالفا له وما ذلك إلا من طبع الذين لا ييأس الضعيف من عدلهم ولا يطمع الظالم فيهم وأن الرجل رحمه الله كان بمثابة الأسد الوديع وهو ما أكدته لى الصلة التي توثقت بيني وبين المرحوم بعد أن انقطعت اللقاءات بيننا حوالي عامين بعد اللقاء الأول بسبب غيابي خارج الجزائر ويوم يسر الله اللقاء الثاني وجدت الرجل – رحمه الله – ما زال يذكرني جيدا حين تأسست جمعية الإرشاد والإصلاح الوطنية وانطلقت نشاطاتها عبر الوطن الجزائري في مادين الحياة الخيرية والثقافية والاجتماعية والتربوية وغيرها .

وتعددت نشاطات هذه الجمعية الواعدة في ولاية وهران كغيرها من ولايات البلاد التي كان المرحوم طيارا إليها في كل مناسبة برغم سعة مساحة الجزائر وبعد المسافة ... وكان حظ وهران من وجوده معنا كبيرا محاضرا ومرتبا لشئون الجمعية الإدارية وزائرا لفعاليات وأعيان من وهران وأهل الحل والعقد فيها وفي كل هذه الزيارات العملية كنا نزداد معرفة بشخصية الشيخ المرحوم العلمية والدعوية وما تفصح عنه أقواله وأعماله من طيب نفس وروح طموحة إلى خدمة الحق ومحاولة تقديم شئ للجزائر الجريحة والعالم الإسلامي المثقل بالهموم وكنا نلمس فيه رحمه الله قوة صاحب الحق وحكمة صاحب المبدأ .

وقد كان لملامحه الجادة ومواقفه المتينة وسلوكياته اللينة أثر في تكويني الذاتي وخصوصا إني كنت أحسن أني أمام أخي الكبير طاب لى العمل معه , وهذا من أكبر ما فقدناه من الناحية الروحية نحن الشباب والشهيد الذبيح رحمه الله وهو ما يصعب على من هم في عمري تعويضه – وإن كان هذا ممكنا لمن هم دوننا في العمر من شباب الجمعية وشباب الدعوة والصحوة عامة ولو على مر سنين قد تطيل انتظارنا للأيام ليتجود على الدعوة برجل كالشيخ محمد وإن كانت هذه رزيتنا فإن من عزائنا التأسي لذكريات الرجل رحمه الله حين كان يصول بيننا في رحاب الدعوة الإسلامية ويواسي ويؤنس ويرشد ويعلم ويشد العزائم ويشحذ الهمم .

وما زلت أذكر لقاءاتنا به في المكتب الوطني للجمعية في أخريات أيامه وأنه رحمه الله بات معنا ليلة في مقر الجمعية لأمر أمني فكان أخر من نام منا وأول من استيقظ باكرا .

وكان لا يجلس حين نأخذ نحن وقتا للراحة وكأنه رحمه الله يريد أن يضغط كل الأعمال في أصغر حيز من الوقت ولسان حاله أكثر من قوله يردد الواجبات أكثر من الأوقات وكأن يد القدر كانت كان تحركه في عجل من عمره وهو يعد من شئون السفر حيث لا رجوع إلى الأبد.

فهذا فرز قليل مما عرفنا من خصال أخينا وشيخنا الشهيد الذي دعا إلى الله حيا وميتا وما نال منه أعداؤه وخصومه حتي في لحظات استشهاده لو كان على غير هذا لربما كان لهم منه موقف آخر فأثمرت مواقفه حيا وميتا ولعل من أبرز مواقفه لدعوته ميتا أن استشهاده أفصح لنا عن حقائق كثيرة منها :

1- أن رابطة الإخوة والبنوة في الله قد تتعمق وتسموا إلى مستوي عال قد تفوق مستوي رابطة الدم لقد عرفنا هذا من خلال دموع الشباب الذي رباه الشيخ وعلمه الكثير منه وكيف يعيش الله ويحيا في سبيل المبادئ والقيم لا للماء والخبز فقط مما هو دأب الكثير .

وأنا على يقين أنه لو كان مطلوبا من الشباب يوم دفن الشيخ غير الصبر والاحتساب ما تردد في فعل أى شئ في حق أخيه وأبيه وأستاذه .

2- لقد كانت شهادة الشيخ الذبيح حافزا قويا في أوساط الجمعية وفي أوساط أحرار الصحوة الإسلامية وحتي خارجها من قبل محبي الخير والمبادئ الإنسانية وأحسب أنه ليس في هذا جديد وإنما هو دأب الأبرار أن تكون دماؤهم وقود تحركاتهم ودعواتهم التي أسسوها وانتموا إليها فبموتهم تعيش أفكارهم وتنتصر مبادئهم ورحم الله الشهيد سيد قطب رحمه الله حين جعل من شروط حياة الفكرة وفعاليتها موت صاحبها من أجلها .

3- أرتنا شهادة الشيخ الذبيح مساحة الخير العريض الذي كان للشيخ رحمه الله في الوسط الجزائري وخصوصا المتعلم والمحب للخير منه وفي الوسط العالي الذي عرفناه من خلال الرسائل التي نودي فيها المختطفون قبل الاغتيال ومن خلال برقيات التعازي والاستنكار التي نبعت على المستوي المحلي ومن عمق ضمير الإنسان الجزائري ومن حقيقة فطرته الصافية قبل أن تلوثها الإيديولوجيات والعمالة ونبعث من خلال الإخوة الإسلامية والإنسانية العالمية التي وردت من الهيئات والجاليات والمراكز الإسلامية في العالم التي زار الكثير منها شيخنا الذبيح عليه سحائب الرحمة .

4- نمو التعاطف وزيادة المحبين وخصوصا ممن كانوا في تردد من أمرهم في منهج الجمعية لمسنا هذا من خلال حديث الشارع وردود الأفعال العفوية من المواطنين .

5- تأكد لكل المتربصين والأعداء أن الجمعية لن تحيد عن منهجها الدعوي إلى المنهج الدموي الذي يراد لها من قبل الكثير .


وهذه كلها وغيرها كثيرات كانت من أمنيات وأهداف شيخنا الفقيد وبه تقر عيناه وينام في قبره هنيئا وقد أدي ما عليه ووضعت تلك النفس الطاهرة الواجبات من على الأكتاف وغن الله يوفيه أجره الآن إن شاء الله بغير حساب .

فلينم أستاذنا وأخونا قرير العين فنحن على الدرب سائرون على العهد باقون إن شاء الله .

هذه شهادتي: الشهيد رجل دعوة والمغتالون فئة باغية

بقلم : الشيخ مصطفى بلمهدي

عضو المكتب الوطني لجمعية الإرشاد والإصلاح

وأحد رفيقي الشهيد بوسليماني منذ الصبا

إن تاريخ حياة الشهيد الشيخ بوسليماني شديدة الارتباط بشخصي وشخص أخي رئيس حركة المجتمع الإسلامي حماس الشيخ محفوظ نحناح حفظه الله فقد بدأت زمالتنا منذ ست وأربعين سنة حين التقينا في صف الدراسة بمدرسة الإرشاد التابعة للحركة الوطنية وكان ذلك نتيجة التقاء آبائنا على حب اللغة العربية التي أججت نارها جمعية العلماء الجزائريين في نفوسهم فقد فضلوا تعليمنا اللغة العربية رغم الصعاب ورغم امتيازات التعليم الفرنسي .

الشيخ الشهيد من أسرة مجاهدة .. عرفت أسرته الكبيرة تضحيات جساما فقد قدمت أزيد من عشرة شهداء من بينهم أخوة أحمد بوسليماني خريج مدرسة الإرشاد والكلية العسكرية العراقية والشهيد صهره مطاولي خليل زوج أخته وما زال من أسرته مجاهدون أحياء .

تقلد الشيخ بوسليماني الشهيد مسئوليات خطيرة أثناء الثورة التحريرية وهو شاب لا تتجاوز سنه سبعة عشر عاما كان مسئولا على مجموعة من المسلمين .

كان بيتهم الذي اختطف منه مأوي ونقطة عبور للمجاهدين أثناء الثورة وكان الشهيد منذ مطلع شبابه يمتاز بمميزات الرجولة الراشدة والشجاعة المتزنة والثبات على المبدأ منحه الله الحنكة والذكاء له قدرة على صناعة الحدث غير هياب من التخلص من المآزق .

أسرته متوسطة الحال تحمل عبثها مع والده منذ الصغر مارس التجارة أمتهن فن البناء وحذق فيه صاحبته صفة العفة في كل مراحل حياته وظهرت جلية بعد الاستقلال عندما سطا الانتهازيون على مساكن المعمرين الذين غادروا الجزائر ورغم ما له من حقوق على الثورة تعفف وفضل هو ووالداه العيش في بيتهم رغم الضيق والقدم وعندما راح غيره بعد الاستقلال يبنون دنياهم راح ينبي آخرته بمواصلة العمل الجهادي فترك ميدان التجارة المريحة وفضل ميدان العلم والتعليم أعطاهما جهده ووقته وعمره واحد وعشرون سنة نصرة للحرف العربي في مرحلة طغيان الحرف الفرنسي بدافع الإسلام والوطنية فكان بحق أحد جنود التعريب المجهولين وكان من الذين عبدوا الطريق لنشر اللغة العربية والتي كانت فيما بعد – رغم المؤامرات – وسيلة ووعاء للصحوة الإسلامية في الجزائر .

كان أحد أقطابها الأوائل بغير منازع شارك في تعريب المدرسة الجزائرية وأبلي فيها البلاء الحسن فكانت النتيجة تخريج جيل معرب اقتحم فيما بعد الجامعة الجزائرية .

تخرج الشهيد في الجامعة والمدرسة العليا للأساتذة سنة 73 والتحق بالتعليم الثانوي وكان أمله الوحيد تكوين جيل من الشباب ليكونوا في المستقبل قاعدة صلبة للصحوة الإسلامية وبذل جهده ليكون تعيينه بثانوية الفتح للبنات فكان نعم الأب ونعم الأخ ونعم المرشد لطالبات الثانوية ومن ثمار عمله أول طالبة ارتدت الحجاب الإسلامي من طالباته فكانت بحق من الغرباء وقف إلى جانبها يثبتها ويشد من أزرها حتي انتصر الحجاب وأصبح التبرج حالة شاذة .. عمل هذا كان يعمله للدعوة داخل الثانوية وخارجها في الأحياء الشعبية تحولن فيما بعد إلى مرشدات شاركن في مسيرة الدعوة والصحوة الإسلامية .

لعب دورا في بعث الثقافة الإسلامية في أوكار الثقافة الاشتراكية .. عندما تقلد رئاسة اللجنة الثقافية بالبليدة بحكم عمله الثوري فكانت إسهاماته الإسلامية مبعثا لاتهامه بالانتماء لحركة الإخوان المسلمين التي لم نعلم عنها شيئا إلا بعد إعدام الشهيد سيد قطب رحمه الله سنة 1966 .

فالحركات الإسلامية الأصيلة تنتشر كلما تفجرت دماء شهيد من شهدائها .

واصل الشهيد عمله الدعوي العمودي والأفقي إلى أن جاءت فترة إثراء الميثاق الوطني فقال كلمته فيه هو وثلة من إخوانه سنة 76 واعتقل وقضي 31 شهرا نافذة ولم يقعده ذلك عن واجبه الدعوي وسط شريحة المساجين في إعادة صياغة نفوسهم وتربيتهم كان من بينهم التائب والمقلع عن الجريمة .

بعد الإفراج انتقل من ساحة السجن إلى ساحة الدعوة من جديد سنة تسع وسبعين يحافظ على الصحوة ويصونها من الانحرافات فكانت المعارض والمخيمات وغيرها من المشاريع بلورت شعار ( الإسلام هو الحل ) رغم ذلك لم تنج الصحوة الإسلامية من الأفكار المنحرفة والمؤامرات الداخلية والخارجية لإجهاضها وقطف ثمار الصحوة قبل نضجها سطوا وسرقة وكانت نتائجها ما وصلت إليه حالتنا في زمان انقلبت فيه موازين الخير والشر وأصبح فيه المخلص خائنا والخائن مخلصا والمجاهد خائنا والمنحرف مجاهدا .

وبعد هل من البطولة والشجاعة أن يسطو كومندوس من أربعة شبان مفتولي السواعد أعمارهم لم تبلغ عمر الدعوة التي قضاها الشيخ فاقتحموا عليه البيت بأسلحة وهو رجل أعزل من كل سلاح إلا سلاح الدعوة تجاوزت سنه الخمسين في بيت منعزل من حيث الموقع وقد عرف بيته الكثير من شباب الصحوة هل من البطولة والشجاعة أن يسطو هؤلاء الحاقدون على رجل متسامح مسالم واسع الصدر لا يقابل الإساءة بالإساءة وهو الذي دأب على أن يقول لمن أساء إليه : هذا عرضي أتصدق به عليك فانهش به ما شئت .

هذا الرجل الذي كرس حياته من أجل الجزائر والتمكين لدين الله يحمل هموم الدعوة يسكن بيتا متواضعا غير متحصن لا بالأسوار ولا بالحراس بيته مفتوح لكل زائر عدوا كان أم صديقا لو أراد أحد اغتياله لما احتاج مثل ذلك الكومندوس الحقير الذي اختطفه .

لماذا يتحصن وهو رجل مسالم ؟ لا يكن لأحد حقدا ولا عداوة ينتقل بسيارته وحده ليلا ونهارا بلا رفيق ولا حراسة فإذا عرفنا ذلك ظهرت لنا مدي حقارة ودناءة ووحشية هذه العملية ولو وضعنا صورته بعد ذبحه واغتياله وسط صور ضحايا مجزرة الصرب في حق البوسنيين لقلنا إنه اغتيل أثناء زيارته للبوسنة .

إن اصدق وصف في حق هؤلاء المجرمين هو تسميتهم بصرب الجزائر لأنهم يلتقون مع إخوانهم صرب البوسنة في بشاعة وقذارة حربهما غير أن صرب البوسنة يفعلون ويرتكبون جرائمهم باسم الصليبية وصرب الجزائر يقترفون أعمالهم باسم الإسلام وصرب البوسنة يرتكبون جرائمهم ضد الإنسانية وصرب الجزائر يرتكبون جرائمهم ضد الإنسانية وباسم الإسلام والإسلام براء منهم لأنه هو الذي جعل كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه وهو الذي حرم أسر المسلم وترويعه وهو حرم ضرب المسلمين بعضهم رقاب بعض والإسلام هو الذي أمر البحوار والحوار بالحسنى حتي مع الأعداء ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ) ( العنكبوت : 46) فكيف إذا كان المجادلة والحوار بين الإخوة في العقيدة والإيمان فهي أحق وأجدر بالحسني .

أليست هذه النصوص القرآنية والسنية ناطقة ببراءة الإسلام من أ‘مال هؤلاء المارقين ؟.

كان في استطاعة الشيخ الشهيد رحمه الله أن يقاوم بقدر استطاعته لو علم أن هؤلاء الساطين على بيته وأهله غير مسلمين ولو علم أنه سيذبح بهذه الطريقة سواء قاوم أم استسلم لأختار المقاومة وهو بين أهله ولما انقاد لهم ليفعلوا ما فعلوا به .

كان في ظنه هؤلاء مهما كانت الخلافات في الوسائل مسلمون لهم ضمائر حية يحكم تصرفاتهم الكتاب والسنة كما يدعون.

لكنهم يرهنوا على انحراف فكرهم ومرض نفوسهم وقساوة قلوبهم أنهم كما وصف أسلافهم النبي ( صلي الله عليه وسلم ) لأصحابه :" أنهم قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم لكنهم قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ".

إنهم يتقربون من الله بمعصية الله تماما كما فعل جدهم أبرهة الأشرم الحبشي الذي أراد هدم الكعبة ليحول الحج إلى كنيسته التي بناها تعبدا أو تقربا إلى الله .

أخي الشهيد الذبيح الشيخ بوسليماني : فارقتنا بجسدك الطاهر وبقيت معنا بروحك الشفافة السمحاء ترفرف علينا وقبسا ينير طريقنا .

إننا محزونون على فراقك وليس على شهادتك أفضيت إلى ربك ونعم الإفضاء عندما يكون استشهادا في سبيل الله فأنت أفضلنا وأسعدنا حظا بفوزك هذا .

إنك محل حسد من إخوانك تتمتع في الفردوس الذي كان لب دعواتك فأصدق الله أفرح بما آتاك الله من فضله واستبشر بمن وراءك من إخوان على دربك سائرون وعلى ما اغتالتك الفئة الباغية عازمون . ألحقنا الله بك على درب الشهادة التي قدمت من أجلها حياتك .

فزت حيا قبل الاغتيال وحيا بعد الاغتيال آثارك ومآثرك فتبت يد المغتالين وتبت يد الباغين الظالمين .

أخي الشهيد إن الفئة الباغية ثكلوا والدتك التي تفجر ثدياها عطفا عليك .

ورملوا زوجتك الوفية وفجعوا أهلك وإخوانك وحرموا المساكين والأيتام من الحنان والرحمة غن دعوة هؤلاء المظلومين ليس بينها وبين الله حجاب ستكون دعواتهم لعنات تلاحقهم في كل مكان .

اللهم اجعل دمه المسفوح ريا للكلمة الطيبة والشجرة الطيبة اللهم اجعل شهادته سببا في يقظة الضمائر الميتة اللهم حقق بشهادته التمكين لدينك وثوابت أمتنا .


الدكتور محيي الدين عميمور يتحدث عن ذكرياته مع الشهيد

الشيخ وأنا

تم اللقاء الأول , وليس الأخير بين الشهيد محمد بوسليماني وبيني على بعد آلاف الكيلو مترات من الجزائر وفي ظروف أتصور أن استعراضها هو ضرورة لوضع اللقاء في الإطار الذي يعطي أبعاده الحقيقة الكاملة ويرسم بكل صدق جانبا من صورة الرجل الذي كان ضياعه خسارة لا لأحبائه الأوفياء فحسب وإنما أيضا لخصومه الشرفاء .

جري اللقاء في مطلع التسعينيات وكنت آنذاك أتولي مهمة سفارة الجزائر في الباكستان التي عرفت عند وصولي إليها في أكتوبر 1989م أنها تضم كثيرا من أبناء الجزائر يعملون في إطار الجهاد الأفغاني ضد بقايا الوجود السوفياتي .

ولم تكن لدي أى معلومات محددة اللهم إلا عدد المسجلين في نصالح القنصلية والذين كانوا في حدود الخمسين كما لم تكن لدي تعليمات محددة فيما يختص بأسلوب التعامل مع جاليتنا هناك الذين كان معظمهم ينظرون إلى كل العاملين في السفارة بمزيج من الشك والريبة والكراهية ولم يتردد البعض في مصارحتي وأنا أحاول كسب ثقته تدريجيا بأنه خرج من الجزائر فرارا من نظامها الشيوعي نحو أرض الإسلام الحقيقي ! وهي الصورة التي وجدتها عند قيادات إسلامية أفغانية وباكستانية ولابد أن أعترف هنا أنني وجدت هناك شباب مخلصا يتفجر بالحيوية دون أن ينفي هذا أنه كانت هناك عناصر لها أهدافها الخاصة .


وكوطني التزمت بخط واضح لا خروج عنه وهو أنني – بغض النظر عن أى اعتبار – ممثل الدولة الجزائرية في المنطقة وأنا بالتالي مسئول عن كل الرعايا الموجودين فيها مهما كان اتفاقي أو اختلافي مع طروحاتهم وطالما كان ذلك يتماشي مع احترام المصلحة الجزائرية العليا.

وكانت المشكلة الحقيقية هي أن يكون هناك في بعض مراكز المسئولية على مستوي الوصاية من لا يتفق معي في نظرتي إلى الوضعية كلها وفي أسلوب تعاملي معها مما قد يعرقل عملية رأب الصدع مع شبابنا الذين ربما كان كثير منهم يتصورون أنني ما جئت إلى هناك إلا ( لأتجسس ) عليهم وهو ما عرفت فيما بعد أنه كان من بين توجيهات بعض القيادات التي تتولي التجنيد والتمويل .

وعندما عرفت بعد ذلك وعن غير الطريق الرسمي بأن عدد الجزائرين الذين جاءوا إلى الباكستان في أقل من ثلاث سنوات يصل إلى أكثر من ألف شاب بغض النظر عن الأحداث الذين يلحقون بمعاهد قرآنية كثفت جهودي في كل الاتجاهات وعلى كل المستويات وكان من النتائج أنني تركت العاصمة الباكستانية في جوان 1992 وعدد المسجلين في مصلحتنا القنصلية يشمل أغلبية الجزائريين الموجودين في المنطقة .

في ذلك الإطار يندرج الدور الرائع الذي قام به شهيدنا العظيم وعدد من القيادات الدينية الواعية في مقدمتهم الداعية الإسلامي الكبير الأستاذ كمال الهلباوي مستشار معهد الدراسات السياسية التابع للجماعة الإسلامية برئاسة القاضي حسين أحمد.

كانت علاقتي بالقاضي حسين أخطر القيادات الإسلامية في شبه القارة الهندية قد بدأت بنفور متبادل بحكم خلفيات كل منا وخلال لقاء عاصف قلت له فيه بحضور عدد من رجال السفارة ( إذا كنت تعتقد أن الإسلام مرتبط بحجم اللحية فإن كارل ماركس أكثر منك إسلاما ).

وانفجر الشيخ ضاحكا , ربما بحكم المفاجأة وبدأت بيننا صداقة أساسها الاحترام ولا يفسد الاختلاف فيه للود قضية ووجدت لديه ولدي جماعته قدرا كبيرا من التفهم مكننا من تجاوز لحظات عصبية ومن سد الطريق أمام بعض المزايدات وهو ما يجعلني أذكر للأمانة وإحقاقا للحق أنه لم يحدث أن تعرض العاملون في السفارة لأى اعتداء أو إيذاء من أبنائنا هناك حتي في أشد الظروف تعقيدا وأكثرها توترا بل إنه لم يحدث أى مظاهرة أمام السفارة أو في محيطها أو أى حالة اعتصام أو ما شابه ذلك رغم وجود من كان يدفع الأمور نحو التصعيد ..

في تلك الظروف جاء من يبلغني أن داعية إسلاميا جزائريا يسمي الشيخ محمد بوسليماني قد وصل إلى لاهور للمشاركة في لقاء ديني ولم أكن قد تلقيت رسميا ما يبلغني بوجود زائرين جزائريين في الباكستان "

وقال لي بعض الشباب آنذاك : إن ذهابي لرؤية الشيخ الزائر سوف ساهم في إقامة الجسور وفي دعم رصيد الإخوة الذي بدأت السفارة في تحقيقه خاصة منذ وصولي إلى إسلام أباد.

لم أكن أعرف الشيخ بوسليماني شخصيا لكنني كنت سمعت عنه وعن توأمه الروحي الشيخ محفوظ النحناح في الفترة التي كانت بقايا الطلقاء وتلاميذ لاكوست قد نجحوا في خلق وضعية التناقص والتنافر بين الوطنيين والإسلامية وتكفل العناد الجزائري أو نقص المرونة لدي البعض وسوء النية لدي عناصر كثيرة في دفع الأمور من الخلاف نحو الاختلاف وضاعت سنوات من رصيد الجزائر قبل أن تضيع من عمر عدد من خيرة أبنائها وكان معظم المؤهلين بحكم التكوين أو الشعور بالانتماء لوضع الأمور في نصابها مكبلين بقيود الشكوك يفتقدون المعلومات الصحيحة والمعطيات الموضوعية ربما لأن كثيرين لا يرون من الألوان إلا الأبيض والأسود فقط ولهذا كله أحاديث أخري ’, إذا اتسع المجال ولم تضق بعض الصدور .

قلت لمحدثي وفي حزم كاد يكون خشونة _ أتصور الآن أنه لم يكن هناك ما يبررها – ( أيا كان الرجل فيجب أن تفهموا أنني أمثل الدولة الجزائرية وهذا هو أساس تعاملي مع الجميع ولست مستعدا لكي أذهب لأحد في غير ضرورة تفرضها على التزاماتي الدبلوماسية خاصة وأنا لم أخطر سميا بوصول زائر وعلي الذي لا يحترم السفارة ألا يتوقع أن تحترمه السفارة ).

هنا أصل إلى بيت القصيد وهو شخصية الشهيد بوسليماني الذي قال لمحدثه كما نقل إلى ( السفير على حق ونحن الذين يجب أن نذهب إليه إذا رغب في استقبالنا فهذا يدعم سمعة الجزائر في الخارج وهذا اجبنا جميعا ).

وعندما سمعت بذلك كبر الرجل في عيني وتذكرت السابقين الأولين من رجال الدعوة وقلت لنفسي هذا نوع متميز من الرجال وعندما لقيته كنت أدعو الله أن يكثر من أمثاله .

والذي حدث هو أنني استقبلت الشيخ في مقر السفارة وفتحت له قلبي ووضعته في الصورة بالنسبة لكل المعطيات وقلت له رأيي في الأحداث وفي أسلوب مواجهتها واتفقنا علي أسلوب عمل تتكامل به جهودنا خاصة فيما يتعلق برعاية أبنائنا هناك وفي بدء العمل لوضع قائمة لكل الشهداء الجزائريين لكي تتحمل السلطات الأفغانية مسئوليتها تجاههم على الأقل من الناحية المعنوية .

وكانت زيارة الشيخ الشهيد للمنطقة بداية مرحلة جديدة من العلاقات الأخوية بين السفارة الجزائرية ومعظم الشباب الموجودين في المنطقة وأصبح الكثيرون أقل حدة في تعاملهم مع مصالحها وأقل تشنجا ف يحوارهم مع أعضائها وأكثر تفهما لوضعيتها ولالتزاماتها بعد أن أدركوا أن هناك من يعمل على احتوائهم وحرمانهم من العمق الذي توفره السفارة لرعاياها تحقيقا لأهداف لا علاقة لها بالغايات النبيلة التي نذروا أنفسهم لتحقيقها وهي أهداف تتلخص في محاولة الانفراد بهم وتحويلهم من مجاهدين إلى مرتزقة .. وجودهم رهن برضاء منظمات وهيئات لها مخططاتها وأهدافها الخاصة التي لا علاقة لها دائما – إن لم تكن تنتاقض غالبا – مع الهدف الرئيسي الذي التحق من أجله أبناء بلد المليون ونصف المليون شهيد ببلد المليون شهيد.

و؟ل شيخنا – فيما بعد – وفيا لما نذره على نفسه من رعاية لأبنائنا هناك وهو ما قد أتناوله في فرصة أخري .

رحم الله الفقيد الجليل وعوضنا عنه خيرا ولا نملك إلا أن نقول بعد بسم الله ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) الأحزاب : 23 ).

لقد كان للشهيد جولاته ومقالاته وتحركاته

بقلم: مصطفي مشهور

نائب المرشد العام للإخوان المسلمين

رحم الله أخانا محمد بوسليماني وكتبه عنده من الشهداء لقد عرفناه أخا داعيا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة كما أمر الله , ولم نعلم عنه عنفا أو حدة أو عداء وتحديا لأحد ولكنه وقد اختار طريق العمل لإعلاء كلمة الله والتمكين لدين الله كان يعلم أن هذا الطريق ليس مفروشا بالورود ولكنه محفوف بالمكاره لأن أعداء الإسلام وهم كثيرون يعلمون أن في انتصار رواد هذا الطريق فيه إزهاق لباطلهم فهم يحاولون الكيد للتيار الإسلامي ويظنون أنهم يستطيعون أن يختفوا صوته أو أن يقضوا عليه ولكنهم واهمون وصدق الله العظيم( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ) ( الصف : 8)

لقد كان للشهيد جولاته ومقالاته وتحركاته في حقل الدعوة الإسلامية الصحيحة وكله ثقة في دينه أنه الدين الحق وكله أمل في المستقبل للإسلام رغم كل هذا الظلم والظلام لأن وعد الله حق كان مريبا فاضلا ربي أجيالا من الشباب الجزائري على تعاليم الإسلام وعلى التمسك بشريعته السمحة وهكذا أراد الله له أن يلقاه شهيدا لينعم في آخرته بهذه الشهادة وبما قدم من أعمال صالحة في سبيل الله .

وإنا وإن كنا محزونين لفراقه كلنا سعداء أن يلقي الله وهو على خير ونسأل الله أن يفسح له جناته وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة وأن يجمعنا به في جنات النعيم إنه سمعي قريب مجيب.

ونقدم عزاءنا ودعاءنا لأهله وإخوانه فصبر جميل والله المستعان وصلي الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

كلمة عائلة الشهيد ذي القرنين محمد بوسليماني

في تابينه يوم 22 شعبان 1414 هـ الموافق لـ 3/2/ 1994م بقاعة ابن خلدون الجزائر العاصمة .

قال تعالي :( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) ( العنكبوت : 2: 3)

إن الشيخ محمد بوسليماني بمثل ما هو رجل دعوة ظهرت ثمار أعماله داخل الجزائر وخارجها فإنه ابن عائلة عاشت معه هذه السنين قد يجهل الكثير من الحاضرين كيف كانت سيرته مع أفرادها .

فمن باب شهادة الحق واقتداء بقول رسول الله صلي الله عليه وسلم ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) فإن عائلة الشهيد محمد بوسليماني تشهد أمام الملأ أنه كان : لوالديه الابن البار .

- ولزوجه المعاشر بالمعروف والإحسان

- ولإخوانه خير الأنيس بعد أن فقدنا قبله أخاه الشهيد أحمد .

- إن الشهيد بوسليماني كان خير الحال الذي أعتني بأبناء إخوته فرباهم أحسن تربية .

- وكان لأصهاره الأب الناصح والوالد الراعي فإن ولد لهم المولود كان هو المؤذن والمحلق لشعرهم يوم العقيقة بعد أن يختار لهم أحسن الأسماء وقد كان الحريص على إحياء سنن المصطفي صلي الله عليه وسلم داخل الأسرة .

- يرحمك الله رجلا لم تنسه مشاغل دعوته وواجباتها الاهتمام بمشاكل عائلته وصلة أرحامه .

- إن المصيبة التي ألمت بآل بوسليماني لعظيمة وإن الجرح لعميق وإن الفراغ الذي تركته يا محمد بعدك لرهيب .

- ولكن عزاءنا فيك دموع إخوانك وأبنائك التي سالت لتعبر عن استنكارها للجريمة الشنعاء وتعاطفها مع العائلة وكذلك عزاؤنا فيك آخر كلام قلته لابن أختك مراد الذي استقبل بصدره 1976م رشاش حاكم ظالم وهذه المرة بندقية مقصوصة لحظة اختطافك وأنت تودع:

- أبوك مات شهيدا , وأخي أحمد مات شهيدا وسوف يكون موت خالك محمد شهادة إن شاء الله .

- فصدقك الله في أمنيتك بعد أن رزقك الشهادة وأرادوا دفنك في مكان مجهول ولكن الله أخرجك منه ودفنك أهلك وإخوانك ومعهم حشود من أبناء وطنك في قبر اخترته بنفسك أيام حياتك تحت الزيتونة التي وصيت أمك أن تدفن قربها وقلت لها سوف أموت قبلك .

وأخيرا فإن آل الشهيد بوسليماني يشكرون جميع الهيئات والشخصيات والعلماء والدعاة وجميع الأخوة والأخوات ونخص بالذكر جمعية الإرشاد والإصلاح وحركة حماس وعلى رأسها شيخها حفظه الله الذين شاركونا محنة الاختطاف وفاجعة الاغتيال ومن أهل مدينته البليدة وحيه الذي سمي بحي الشهيد محمد بوسليماني ومن الأحباب والأصدقاء من داخل الزائر وخارجها وأفرادا ومنظمات وهيئات فشكر الله لكم وأثابكم .

فاللهم تقبله عندك شهيدا واجعل دمه سقاية لشجرة الدعوة المباركة وارزقنا بعده الصبر والسلوان .

كلمة عبد الحق بومشرة

كلمة عبد الحق بومشرة

القائد العام للكشافة الإسلامية الجزائرية

السلام عليكم ورحمته تعالي وبركاته :

لقد شاء القدر أن يغيب عنا الابن البار للجزائر الجريحة بانتقاله إلى جوار ربه والنشء الصاعد في أمس الحاجة إلى نصحه وطيبة قلبه فارق الحياة في الوقت الذي تبحث الجزائر على من يأخذ بيدها ويعلي شأنها فارق الأحباب والأصحاب في الوقت الذي يتطلب الجمع والوحدة والقوة استشهد بوسليماني فداء للدعوة والإحسان مصارعا الفرقة والتشتت والتمزق .

التقينا في الأمس القريب وكلنا أمل أن يفرج عنه ويطلق صراحة فسبقت دعوته إلى الله دعوتنا ففاز فوز الشهادة والتحق بأخيه الأكبر ومن معه فداء للجزائر ووحدتها وكرامة شعبها .

ونلتقي اليوم وهو غائب عناء لا لنبكيه ولا نقيم عليه مأتما بل يجب أن يكون لقاء اليوم لقاء الأبطال لقاء الوفاء وتجديد العهد لمواصلة بناء ما شرع فيه الشهيد شهيد الإصلاح والإرشاد فهذه أمانة والأمانة مسئول عنها المرء إن أضاعها أم أداها .

أيها الحضور الكريم:

إن ما تعيشه الجزائر والمضاعفات التي نشهدها اليوم تلو الآخر لتدعو لا إلى الحيرة والتعجب بل إلى التساؤل والتدبر والحيطة والحذر غن الأزمة التي تعصف ببلادنا لهي بفعل فاعل خطط لها وبرمجت ونفذت في موعدها ... الغاية منها إركاع الجزائر وإخضاع شعبها وتحويله عن ملته .

إن حقيقة الأزمة هي أبعد من أن تكون أزمة اقتصادية أو سياسية بل الواقع يثبت بأن ما تعرفه الجزائر هو من الصراع الحضاري القائم منذ العصور المبكرة وسيبقي قائما إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إن إيماننا بعدالة العادل يدعونا إلى قول كلمة الحق ولا نخشي في الله لومة لائم .

إن ما تعيشه الجزائر هو صراع حضاري بين بين المتمسكين بالجزائر أرضا واحدة موحدة وشعبا متماسكا ومتمسكا بقيمه وثوابته والدعاة إلى التغريب عن طريق ما يسمي بالعصرنة.

إن المصطلحات المستعملة من طرف الدعاة إلى التغريب مصطلحات تنعت الإسلام بالظلامية والأخلاق بالرجعية والتعريب والعربية بالرجوع إلى العصور الوسطي والمنظومة التربوية مولدة للإرهاب والتطرف إلى آخره من النعوت التي لا أساس لها من الصحة والتي في الواقع ما هي إلى خطة للتشويش عن أفكار أفراد المجتمع والتشكيك في معتقداتهم وثوابتهم .

وإن المدرك لحقيقة الصراع والعارف لجوهره والمتفطن للأساليب المستخدمة ليتألم لما آل إليه المخلصون في هذا الوطن في مختلف التنظيمات والجمعيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية من تمزيق وتشتيت وتقوقع تاركين ا‘داء الجزائر يفسدون فيها ولا يصلحون فاسحين لهم المجال واسعا ليبثوا سمومهم وينشروا الشكوك ويزرعوا البغضاء بين أفراد المجتمع الواحد بشتي الوسائل ودون حرج ولا خجل بل دون أياة معارضة منظمة .

إن من واجب كل واحد منا وكل واحدة أن ويواجه الصراع ولا يدبر له ظهره وأن يقاومه بالكلمة الصادقة الساطعة والحجة الدامغة والرأي السديد والتعبير الشجاع ولا يخشي في الله لومة لائم وعلينا جميعا أن نتحد وأن نتراص كأسنان المشط لنشكل الجدار المتين الذي تتحطم عليه كل المؤامرات ونتصدي به لكل المناورات الرامية إلى ضرب الشعب الجزائري في مقدساته ومقوماته وثوابته .

إن على الجيل الجديد الناشئ الصاعد أن يكون في الموعد مع التاريخ كما كان عليه السلف الصالح ممن سبقنا على درب النضال والكرامة والحرية والعدالة وهذا ليس بالمستحيل عليه.

إن دعوتنا لتنسيق موافقنا وتحيد جهودنا وتكثيف نشاطتنا يمليه علينا الواجب الديني والوفاء للشهداء والأمل في الانعتاق وتجسيد لأمل وطموح الشهيد الداعية الشيخ محمد بوسليماني أحد مؤسسي جمعية الإرشاد والإصلاح التي من مهمتها إرشاد أفراد المجتمع إلى الحق وإصلاح ذات البين .

لقد مات بوسليماني ولم يمت الأمل لقد مات الداعي إلى الحق ولم يمت الحق لقد مات المرشد فعلي من سار معه على درب الإصلاح والإرشاد وزرع الأمل أن يواصل الطريق ولا يفقد الأمل في غد مشرق ولا ييأس من رحمة الله .. إن رحمته بعباده واسعة ولطفه بهم أوسع .

الله نسأل أن يسكنه فسيح جناته وأن يدخله مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا . وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان إنه على كل شئ قدير وبالاستجابة جدير ولا حول ولا قوة إلا بالله

ظفرت بأرفع الدرجات

هز الضلوع مصابنا بممات
أيغيب عنا صاحب البركات
يا موت كيف خطفت منا مرة
شيخ التسامح واكتسحت حياتي
وسرقت حبا مر ريحه من هنا
كوديعة ولت وفي لحظات
وفجعت أما قد تفجر ثديها
لبنا أعد محمد الرحمات
نم يا محمد سرت دون وصية
فالكون بعدك حالك الظلمات
عجلت خطوك يا محمد إننا
لفراق والدنا لفي حسرات
مازال قلبي من لقاك متينا
يهفو إليك مضاعف الخفقات
يشتاق ضمتك الكبير حنانها
والعين ما شبعت من النظرات
يا شيخنا من للجميع إذا بكي
من للثكالي يفرج الكربات
يبكي عليك المعوزون شيخنا
نبكي عليك لكثرة الأزمات
يبكي عليك الجائعون وإنهم
في لوعة يا مجزل الصدقات
يبكي عليك المذنبون كمثلنا
أنت الذي كلفت بالدمعات
يبكي لك الأعداء أنك لم تزل
بهم الرؤوف فأدركوا السقطات
ثم يا محمد قد كويت قلوبنا
ورحيل نعشك فطر الكبدات
سقطت ركيزة من ركائز دعوة

قدسية الأركان واللبنات

وهوت فخلفت البناء مصدعا
من ذاك بعدك يوصد الثغرات
من ذاك يوقد بالشموع طريقنا
أنت المنارة كنت في النكبات
ما غاصنا موت فكلنا ميت
لكن ذبحك يوهن العزمات
ألانه عشق الجزائر مغرما
جبن الرجال وفضلوا الراحات
قتلوا الحبيب أمام أعيننا فهل
أم أنهم شغلوا عن النجدات
قتلوا العزيز فأين هم أسد الشري
وسعي لجمع الشمل بعد شتات
أين الحماة وقد لبوا لترضي
قل الرجال وأسكتوا بعظات
أفجعتمونا قلبا يمزقه الأسي
ما عدا يصدر قوة النبضات
نلتم مقاصدكم بقتل محمد
فأذقتمونا أبشع الطعنات
نمنا وما نمتم فنلتم قبلنا
وجرحتموه فودع الدقات
وطعنتم الإرشاد في أحشائها
ولعمقنا سددتم الضربات ثمن
الضريبة كان جد مروع
إيه وقلبي هز الزفرات
يا مجمع الإخوان ذووا واهتفوا
ولتملأوا الآفاق بالصرخات
فليروعوا أو يأتهم منا أذي
ولنحقن بهم من الويلات
وليعلمن بأن رتبة شيخنا
دمه لأثمن من دم العشرات
أن تجهلوا بعرض وأن تتقولوا
نصفح ولا نصغي إلى الشبهات
لكن إذا بلغتم السيل الزبي
نفديه الشيوخ بخالص الفلذات
خلو سبيل الصابرين فإنهم
لن يجبنوا في نصرة الدعوات
وإذا ظلمنا فالمشانق لم تحف
وإلى الردي سرنا على الشفرات
لن نطبق الأجفان أنا لا نري
حقا يعاد بأعذب الكلمات
فالحق يعلو إن علا قرآننا
إن التكانف ليس بالنفحات
تعلي الكفوف إلى السيوف ولا نري
طعم الحقوق وشدة اللفحات
فإذا المنية أقبلت قلنا لها
مرحي فأنت لغاية الغايات
الله أكبر تجري يا نارنا
الله أكبر رتلي الآيات
يا نار عري القاتلين واحرقي
ريح الخيانة وأوقدي القبسات
يا نار لا تذري لقاتل شيخنا
ستروا باللهب اكتبي الآهات
الله أكبر غردي يا هذه الدنيا

بصوت مرعد لدم الدعاة

يامن فجعتم شعبنا لا تفرحوا
سيلاحق الجانون باللعنات
وثقوا بأنا لو نريد لما نجا
منكم شقي يمقت الصلوات
هاجت عواطفنا ومزقنا الأسي
نبكي الذبيح بأفضل القربات
طاب الثري بقدوم نعشك والثري

رمتشف بك ضاحك القسمات

بطريقة الفاروق نمت وحمزة
ولقد ظفرت بأرفع الدرجات
نبكيك بالدم فالدموع زهيدة
نفديك بالأرواح لا العبرات
إيه سراييفوا الجراح تعفري
في بحرهم كافر الموجات
من مبلغ البلقان أن محمد
ينعي الجزائر هذه الأوقات
مات الذي مسح الأسي وتساقطت
سنواته لتساقط الورقات
يا عالم الشهد واحفظن حداءنا
والسمع صدانا من على الهضبات
ردد ورجع بالنين صرخاتنا
لحنا رخيما مبكي النغمات
يا هذه الدنيا اكتبي صرخاتنا
وشجوننا من هذه المأساة
يا أرض كيف رضيت ضم شهيدنا
وهو المضرج من دم الدعوات
جف اليراع ويتمت كلماتنا
ولساننا متعلثم النبرات
يا شيخ نم في الخلد قرب نبينا
وإلى اللقاء إن شاء في الجنات
إن العهود تظل تعقد بيننا
وبها سنلقي الله في الغرفات
أنت المسامح قد عرفتك في الإبا
تجزي الجناة وتستر العورات
بك سوف نبصر بعد أن قد أظلمت
فأوقد لنا من عزمك الومضات
إن الدموع من الكبار إشارة
لعظيم كرب هيج الأنات
أنت الذي علمتنا يوم الوغي
أن التصبر قمة الحسنات
ولطالما علمتنا وملأتنا
عند الكريهة نلجم النزوات
لدموعك الحراء أبلغ خطبة
عصماء تملأ زحمة الصفحات
حل القضاء على الأنام فمرحبا
بقضاء ربي مرسل السكرات
يا مجمع الإخوان هذا تاجكم
والشيخ ألبس أعظم الحلات
صبرا إذا ما كان هذا خطكم
والشيخ أعطي أثمن القطرات
فالدرب خضب بالدماء فأيقنوا
أنا قريبا سنقطف الثمرات

الشاعر محمد براح بلقاسم

إن الله لا يضيع أجر المؤمنين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد : فقد قال تعالي وهو أصدق القائلين :( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون* فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ) آلا عمران : 169- 170).

أيها السادة الكرام بهذه الآيات البينات من الذكر الحكيم يتقدم إليكم وإلى جميع أسرة بوسليماني إخوانكم عمار مساجد الله وأعيان العشائر وأسرة العلم بالمؤسسات الدينية للتربية والتعليم على اختلاف مستوياتها بقري وادي ميزاب ولاية غرداية جنوب جزائرنا الحبيبة بأصدق عبارات التعازي والمواساة والمشاركة الوجدانية العميقة في المصاب الجلل الذي ابتلي به الله هذه الأمة الجزائرية المسلمة الطيبة بفقدان عزيز لديها من أبر أبنائها الداعين إلى الخير الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر الصالحين المصلحين بإذن الله فانطفأت أو انهارت منارة من منارات الأمة دون أن ينطفئ نور الله في هذه الظلمة الحالكة التي تجتازها وسط فتن مظلمة ضالة مظلمة , كقطع الليل البهيم لا يهتدي فيها إلا من هداه الله بهدي كتابه الذي أنزله هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ..

واهتدي بسنة نبيه محمد صلي الله عليه وسلم – وقد أرسله رحمة للعالمين وتوسم آثار السلف الصالح من هذه الأمة عبر قرونها وقد كانوا كما نرجو أن نكون وتكونوا خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله .

أيها السادة والإخوة المؤمنون : لتكن لنا ولكم سلوي وأسوة حسن فيمن سبق من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وقد قال الله عزوجل مسليا عباده في مثل هذه المحن والفتن وفي أشد منها بقوله :( وما محمد إلا رسول ق خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين * وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين * وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين* وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين* فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين * يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين بل الله مولاكم وهو خير الناصرين ) ( آل عمران : 144- 150) .

أيها الإخوة كفانا وكفاكم بهذه الآيات موعظة وتعزية وتسلية تطمئن به قلوبنا وقلوبكم كيف لا وقد قال تعالي : ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) ( الرعد : 28)

أيها السادة : أنه لا يسعنا وإياكم إلا الرضا بقضاء الله وقدره مفوضين الأمر إلى الله قائلين ( إنا لله وإنا إليه راجعون)( البقرة : 156) راجين بشارته للصابرين( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) ( البقرة: 156 – 157) والله يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب موقنين : أن راد لقضاء الله ولا معقب لحكمه راجين من الله عوجل أن يخلف لنا خيرا مما أخذ منا ويجعلنا وإياكم خير خلف لخير سلف وأن يجزي الفقيد بأحسن ما عمل ويتجاوز عن الفقيد سيئاته ويوفيه وأصحابه الجنة ( وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ) ( الأحقاف : 16) .

أيها الإخوة المؤمنون : بعد كل ما وقع كل ذلك فإنه لا يمنعنا أن نتأسي بنبينا محمد صلي الله عليه وسلم رسول الرحمة وقد ناله ما ناله من قومه طيلة عشرين سنة أو تزيد فما فتئ يدعو ويردد قوله ( اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ) حتي إذا مكنه الله منهم وملكه ناصيتهم وأخذهم عنوة فأصبحوا تحت قدمه وفي حكمه وسلطانه قال :( ما تظنون أني فاعل بكم ) قالوا : ( أخ كريم وابن أخ كريم, ملكت فاصفح قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء ) فأصدر عفوه الشامل ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله ) ( الشوري : 40) وقد أرشد الله إلى الانتصار والعفو فقال ( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل) ( الشوري : 41) كما قال : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) ( فصلت : 34- 35).

ألهمنا الله وإياكم الرشد والرشاد والصلاح والإصلاح( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) .

عن إخوانكم في الله والدين والوطن شريفي سعيد

( الشيخ عدون)

القرارة 20 شعبان 1414هـ

1 فبراير 1994م

إلى شهيدنا ذي القبرين

الشهيد محمد بوسليماني

خال حاز في حياتي مكانة خاصة وما حازها في قلوب الناس أخوالهم .

خال كبر في عيني بمعاملته وحسن أخلاقه واهتمامه بعائلته ودعوته .

وكم زاد إكباري حبي له يوم أن رأيت جثته مستلقية وقد سبقتها روحه إلى الجنة بعد أن نال الشهادة ذبحا في نحره الشريف فما وسعني لعبر عن تقديري وحبي له إلا أن قبلت جبينه الطاهر الذي أخرجه الله من قبر أراده له الغادرون إلى قبر اختار مكانه بنفسه في حياته .

خالي الحبيب :

هكذا عرفتك في العائلة لك في نفس الجميع مكانة خاصة عند الصغار الذين إذا سمعوا بوجودك في البيت زائر أسرعوا ليقلبوك وينعموا بفيض حنانك فيمتزح مع هذا وذاك وتحمل رضيعهم وتشم رائحته وتخاطبه كأنه يفهمك وكم كنا نتعجب من تجاوبهم معك وكأن بيدك مفتاحا تدغدغ به القلوب فتزرع في وسطهم الفرحة والبهجة والسرور كأنهم بلقائك في يوم عيد ثم تعطي لكل وقته فلا يحرم العجوز من اهتمامك ولا الفتاة في عائلتك من السؤال عن أحوالها وحتي حاجاتها وكأنك كفيل العائلة كلها .

وكم عرفت في العائلة تسهل بمشورتك صعاب الأمور فتشجع المقبل على الزواج وتطلب منه أن لا يتكلف في الإنفاق مع الحرص على اجتناب الحرمات .

خالي... عرفتك في العائلة للصغار مريبا ومرشدا وللكبار ناصحا ومستشارا وللمغبونين مساعدا ومؤازرا وللجميع حبيبا موقرا .

شهيدنا العزيز :

عرفتك لدعوة الإسلام موقفا حياتك فلا تتحرك حركة ولا تنفق مالا إلا واستثمرت ذلك في خدمة دعوتك فأصبحت بحق رمزا فبرؤيتك نتذكر طاعة الله إذا نسينا ونتقوي على المداومة إذا تذكرنا فبيتك محضن للإخوان والأخوات وسيارتك مركوب مسخر لتحمل عليه ما لا يطيق لينتقل إخوانك من مسجد إلى حلقة علمية وكم كنت تفرح عندما يركب سيارتك ذات الخمسة مقاعد النفر السبعة أو الثمانية كل ذل اتسع له مركوبك بعد أن اتسع له قلبك الكريم

هكذا عرفتك في الدعوة تجالس الشباب مرشدا ومعلما مازحا ذلك بغبطة وأنت تقول : ( بمجالستكم يتجدد شبابي وتعود لي حيويتي ) .

خالي الحبيب:

لن أنسي أيام خروجك من السجن 1979م كيف تحول البيت إلى مزار يقصده إخوانك وأهل بلدك فأصبح منزلك حلقة علم وركن وفاء يتجدد فيه العهد ومحرابا يتضرع فيه بالدعاء لمن كان من إخوانك في غياهب السجون بعد .

خالي الحبيب:

لن أنسي مرافقتي لك في زيارة المشايخ والعلماء وخاصة أيام العيد وكم تعلمت منك وأنت تقبل رؤوسهم فكم فرح الشيخ ( شنتير) وكم دعا لك ولدعوتك وكم كانت غالية عندي دموع الشيخ ( ناصر – بوفاريك) – عندما زرته ورأي منك ذلك الإجلال والاحترام فقبل يديك وسالت دموعه وكم تعجب شباب وأئمة كنت تجهلهم وتقدمهم بين يديك ثم تقول لهم هكذا يجب أن نفعل بحملة القرآن ).

أه... كم في الصدر من كلام وكم في الذاكرة من مواقف تملأ المجلدات لو كتبت لولا حرقة في الصدر وجرح في القلب وانكسار في الخاطر أصابني من هول فراقك فشل قريحتي وجمد حبر القلم في يدي .

فنعم الخال أنت ونعم الداعي ونعم الشهيد

ابن أختك

يحي دوري البليدة

7 رمضان 1414هـ

17فبراير 1994م.

حوار لم ينشر مع الشهيد

محمد بوسليماني

إعداد : مليود بوزيان

الشهيد محمد بوسليماني ترك بصمات بيضاء وراءه وأبناء تعلموا منه الرحمة والإخوة والعطف والحنان والتصور الصحيح لمعالم المشروع الإسلامي المنشود تحت راية جمعية الإرشاد والإصلاح الوطنية التي قدمت الكثير والكثير للدعوة الإسلامية آخر اجتماع حضرته في مدينة وهران وأخر تظاهرة كبيرة حضرها كانت الملتقي النسوي الذي انعقد في 23 , 24, 25 يونيه 1993م بسينما الفتح تحت شعار ( المرأة وتحولات المجتمع ) حضر الملتقي في جميع أيامه حاضر وجالس الجميع وتحاور مع الجميع ترك وراءه ( أبناء وبنات تعلموا منه كيف يواجهون المصاعب والمشاق في ظل التحرشات والمؤثرات الكثيرة أجرت معه لجنة الإعلام للملتقي حوار حول المرأة ودورها الأساسي في المجتمع لإصلاحه وتقديم البديل الأمثل في ظل الضغوطات الكثيرة فظل هذا الحوار في الأرشيف إلى أن جاء الوقت لنشره ولأول مرة والذي يعتبر جزءا من توجيهات ونصائح الشيخ في كل جلساته ومحاضراته رحمه الله وأسكنه فسيح جناته .

س1 : كيف تقيمون دور المرأة في ظل التحولات التي تعرفها الجزائر؟

ج1: هناك فترات مرت بها الجزائر ما قبل الاستقلال وما بعد الاستقلال , وما بعد الانفتاح ولابد من إعطاء الحجم الحقيقي للمرأة المسلمة ودورها في هذا التحول الذي حدث في بلد المليون ونصف المليون من الشهداء خاصة في هذه الفترة الصعبة التي حاول فيها الإعلام الغربي وأذناب الإعلام الغربي التضييق على الصوت الذي يعتمد على الصدق والواقعية ويعتمد على الخطوات الهادئة الهادفة في بناء مجتمع إسلامي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان .

وإذا بنا نجد الأخت تجتمع من أجل تحطيم جدار الصمت وتشق طريقها في الدعوة الإسلامية رغم البطء في العمل أحيانا والسرعة أحيانا التي تخضع للزمان المكان وادعوا الله المزيد من للقاءات والأعمال .

س2: ما هي الأسس التي تنطلق منها المرأة لإحداث عملي التغيير للتمكين لدين الله ؟

ج2: المجتمع المسلم له ركائز وله مقومات والأسس التي يجب على المرأة المسلمة التثبت بها حتي لا يقع الانحراف أن ترتبط بالله أى الإيمان العميق وهو الذي يكون لنا المرأة الربانية المتمثلة في آسية زوجة فروعون التي بذلت جهدا لأن يتحول المجتمع الفرعوني إلى مجتمع رباني حيث كانت تعمل جاهدة من أجل نصرة موسي عليه السلام بإيمانها العميق بالله وهم يحاولون قتلها فطلبت الجوار قبل الدار فقالت :( رب ابن لى عندك بيتا في الجنة ) ( التحريم : 11)

وإذا فتحنا موضوع المرأة تاريخيا نجد من خلال ارتباطها بالله استطاعت أن تتحكم بزمام الأمور فعليها أن تبذل الجهد من أجل إيجاد جيل مرتبط بدينه مرتبط بعقيدته وتاريخه من القاعدة الفرد الأسرة المجتمع وبالمجتمع السليم تتكون معالم بناء الدولة الإسلامية وعلى الأخت أن يكون لها الوعي والإدراك وتتعرف على ما يحاك ضدها في الخفاء وخاصة الذين يريدون توظيفها من أجل أغراض معينة .

س3: ما هي الأطر التي تمارس فيها المرأة العمل الدعوي بصفة عامة والعمل السياسي بصفة خاصة وماذا حققت حتي اليوم ؟

ج3: أنا لا أري للمرأة حدودا في العمل كما لا أري للرجل حدودا في ذلك والإسلام ما وضع أطرا خاصة بالرجل وأطرا خاصة بالمرأة ... هناك قاعدة تقول:( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ) وإذا تتبعنا النساء منذ عهد الرسول صلي الله عليه وسلم وعهد الصحابة نجد أن المرأة ليست لها حدود ونجد عمل المرأة في باب الدعوة كعمل الرجل , الأخت كطالبة , أم , زوجة , أستاذة , لها دور الدعوة باتباع الضوابط الشرعية التي توقفها عند حدها مثل الرجل .

في المجال السياسي ليس لنا جدار يفصل بين العمل الدعوي والعمل السياسي فالمرأة لها عمل دعوي وسياسي مع الرسول صلي الله عليه وسلم مع الخلفاء الراشدين إبان الثورة وبعدها تبقي مصطلحات فقط تعمل على فصل الدعوة عن السياسة أو فصل السياسة عن الدين ولابد من مراعاة الزمان والمكان والحال وأعتقد أن المرأة حققت الكثير رغم المضايقات ورغم محاولة ابتعاد هذه الأخت عن الساحة الدعوية والسياسية يتحديها لهذه المواجهات ووقوفها في وقت خرصت فيه الألسن لتقول : أنا مستعدة لحمل الأمانة والرسالة .

س4: وسائل صناعة القرار تعتمد على ركائز العلم المعروف الخبرة والقدرة وترتبط مع السلوك والإيمان بالله والفهم قبل ذلك وبعده هناك رب نعتمد عليه ونتوكل عليه في أعمالنا .

س5: ماذا قدمت جمعية الإرشاد والإصلاح للمرأة وما هي العوائق التي واجهتها في مسيرتها الدعوية ؟


ج5: ما حققته المرأة في جمعية الإرشاد والإصلاح هو ما حققه الرجل فيها فالجمعية عنوان والدعوة لا تقدم لأبنائها شيئا هم الذين يحملون الدعوة فهي بحاجة إلى أبناء وبنات يحملون هذه الدعوة فشتان بين الذي يتحرك من أجل مصالح ومن يتحرك من أجل دعوة , والجمعية رغم أنها تعد من أولي الجمعيات وأن لها من الأتباع ما يعادل 3,4 أحزاب مجتمعة ولكنها لم تدع من أجل الحوار وهناك بعض وسائل الإعلام المفرنسة تحاول دائما عن طريق الهمز واللمز التشكيك فيها وفي مصداقيتها .

س6: ما هي المشاريع المستقبلي التي تنوي الجمعية إدراجها في ظل المتغيرات ؟

ج6: الجمعية انطلقت من أجل التغيير التمكين لدين الله قبل الانفتاح كانت هناك مضايقة وبعد الانفتاح سمح للجمعية ان تتحرك فالمشاريع المستقبلية تتمثل في أسلمة المجتمع اجتماعيا ثقافيا اقتصاديا, وتربويا , مشاريعنا المستقبلية تدخل في إيجاد منظومة تربوية تابعة للجمعية على أساس أن القوانين تسمح بفتح مدارس وكليات ولنا مشاريع لبناء مستوصفات ومراكز تكوين مهنية وأسواق .. ونحاول إيجاد المجال المناسب والمجتمع الإسلامي الذي يسمح للمرأة بالعمل مع الحفاظ على عزتها ودينها لأنها محاصرة بالصغائر والنواسف من قبل الحاسدين ومن قبل الذين يحسنون الطعن التفرج ولهذا لابد أن تحاول كل واحدة أن تحب الناس جميعا .


س7: كلمة أخيرة؟

ج7: في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها الجزائر وأعداء هذا الوطن وأعداء أبناء هذا الوطن يخططون لضربه ولتمزيقه, وأرواح الشهداء الذين ماتوا من أجل أن تعيش الجزائر تحت راية الإسلام وباعوا أنفسهم وأموالهم لله فهذه ثمار طيبة لجهود طيبة والمرأة التي استطاعت أن تعيد شرف أسماء وسمية وعائشة وزينب غيرهن استطاعت أن تتحدي الظلم والطغيان وتتحدي كل من يريد مساومتها في ثوابتها بعدما كلفها المولي سبحانه بالتمكين لدينه وتحمل هذه الأمانة وهي عظيمة لا يحملها إلا من له عظمة كعظمة الرسالة وبهذا يتحقق في الميدان قوله سبحانه : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) ( التوبة : 71) والله سبحانه وتعالي قسم أمانة التمكين لدين الله بين المرأة والرجل وأمانة التغيير في قوله تعالي : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) (آل عمران : 110) فالله نسأل أن يرزق المرأة المسلمة الثبات والاستمرار في الدعوة وأن يجعل مستقبل هذا البلد مستقبلا زاهرا ملؤه المحبة والأخوة والتضامن والارتباط بالله سبحانه وتعالي .. والسلام عليكم .

الحسد أعمي قلوبهم فذبحوه !!عبارة سمعتها تنطق من فم والدة المرحوم الشيخ محمد بوسليماني بعد يوم واحد من دفنه وهي ( قتلوه لأنهم حسدوه , قتلوه لأنهم حقدوا عليه) ووقتها هضمت هذه العبارات جيدا, وقلت : إذا كان الحسد قد أعمي قلوب أولئك الظالمين فمن يقصدون بالذات ؟ هل يقصدون بفعلتهم قتل هذا الرجل وتنحيته من هذا الوجود أم أنهم يريدون إطفاء نور الله وتدمير كل من رفع لواء الخير والحق والإحسان ؟!!!.

مات الرجل نعم .. ولكن أفعاله لم تمت ولن تموت – بإذن الله – وهو القائل في إحدي مقالاته  : ( لقد أصبح من الواضح أن كل المحاولات التي جرت على أساس الوصول إلى بناء تصور بعيد عن روح هذه الأمة وهويتها وتاريخها وثوابتها انتهت في الأخير بالفشل وثبت ضعف التجربة وإخفاقها فالصحوة الإسلامية تعمل على نفض غبار النظرة الجزئية والثانوية وتثبيت معالم الإسلام في الحياة العامة للمجتمعات الإسلامية وهي ماضية في طريقها لتحقيق نهضة حضارية شاملة مبدعة تزول فيها فوارق اللون والجهة وتسود فيها معاني العدل والصلاح والإخوة والحب والاحترام ).

وهو القائل أيضا – رحمه الله :

...نتوجه إلى كل المواطنين وأبناء الجمعية بأن يتحلوا باليقظة والحذر لما ينشر في بعض وسائل الإعلام التي تعمل على زعزعة استقرار الجزائر الحبيبة ومحاولة تمزيق الوحدة الوطنية التي ضحي من أجلها ملايين الشهداء .

وأنت اسم آخر يضاف إلى قائمة الشهداء , يا أروع من غدرت به أيادي الغدر – أنت أيها الشهيد الذبيح – الذي فضلت الموت على الاستسلام والخضوع لمن تسببوا في قتلك ولكن ما دام دم الشهيد هو في نظر الإسلام أزكي دم يراق على تبة الوطن – فالله نسأل أن تكون حيا ترزق عند ربك وهو القائل عزوجل ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) ( آل عمرن : 169) .

إذا فهكذا تفني الحياة وهكذا ننتهي والموت حق ولكل أجل كتاب وهاهو عزيز علينا يرحل وإلى الأبد تاركا وراءه أبناء أحبوه كثيرا وبكوه كثيرا وأصدقاء ذرفوا من الدمع ما ذرفوا وأما صبورا أرادته شهيدا مثل أحيه وزوجة وفية ترك لها زوجها الفقيد أكثر من ابن وبنت ..

وهكذا يرحل عنا الداعية المعروف برقته وحنانه وحبه لعمل الخير ودفاعه عن كلمة الحق .

وكأني بهذه الأبيات تنطق باسمه :

تغربت عن أهلي فطالت غربتي
فيا أسفي أموت في الدنيا غريب
فأموت ولم يدر أحد بموتتي
ولكن تصريف الزمان عجيب

ولكنك لم تبق غريبا فقد كان شيّال نعشك ألفا وألف صديق وحفرا قبرك أعز رفيق فنم قرير العين أيها الشهيد الذبيح فأبناء الإسلام على العهد باقون وللمسيرة مكملون وللراية البيضاء دوما حاملون .

حقا لقد خطفك الموت فجأة وقد كنت بيننا أكبر أمل تألمنا كثيرا وقمنا بالواجب فهل ترانا ننساك أم نبقي على ذكراك فنستسلم للآلام بدعوي الوفاء لك ؟! كلا وألف كلا فوفاؤنا الوحيد لك أن لا ننساك بالدعاء والاستغفار الرحمة والصدقة وقضاء الدين عك – إن وجد – ووفاؤنا الوحيد أن تظل إشراقة الأمل التي بعثتها في أنفسنا تدب وتدب وتكبر يوما بعد يوم...

نعم انطفأت شمعة لتشتعل شموع , وشموع ... وذهب واحد لكني بقي من أمثاله الآلاف .. وهكذا هي الطريق إلى الله مملوءة بالأشواك والمخاطر ومملوءة بالمحن ولنتذكر فقط السنوات القليلة التي سبقت كيف كان آباؤنا وأمهاتنا يذبحون ويصلبون على مأي من الأنظار وهم يذودون عن هذا الوطن قبلوا بالعذاب والموت من أجل حرية وطنهم وعدم الخضوع لأطماع المستعمر الغاشم وهكذا هم أبناء الإسلام اليوم وأبناء كلمة الحق يفضلون الموت في سبيل الله على أن يستسلموا للباطل وهكذا سنكون وسيكون أبناؤنا إن الله .

وأنتم يا من تحملون لواء الدعوة والعمل الخيري لا تستسلموا للأحزاب ولا تتركوا الآلام تحطمكم فالأجل حتما سيأتي ولكن الأمل سيبقي والعمل سيحقق هذه الآمال فجاهدوا وجاهدوا حتي آخر لحظة في الحياة لتكون سعادتها في الدارين – بإذن الله .

وآخر القول دعاء نتوجه به للمولي سبحانه للشهيد الذبيح محمد بوسليماني رحمه الله .

( اللهم إنه في ذمتك وحبل جوارك فقه فتنة القبر وعذاب النار وأنت أهل الوفاء والحق فاغفر له وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم ).

آمنة بواشري

مليانة – عين الفلي


وقفة مع آية

قال الله تعالي :( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) ( الأنعام: 153).

لكن الإنسان كثيرا ما ينجرف عن هذا الصراط بسبب مرض القلوب ونزغ الشياطين حينما أمر بالسجود لآدم فقال :( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) ( الأعراف : 12) وقد أصاب هذا المرض أو هذه الجرثومة ابن آدم في مراحل ثلاث .

جرثومة تمكنت من صاحبها فادعي لنفسه الربوبية كما وقع لفرعون ( فحشر فنادي * فقال أنا ربكم الأعلي ) ( النازعات: 23 , 24) وكما وقع لنمرد في حواره مع إبراهيم ( قال أنا أحيي وأميت ) ( البقرة : 258) .

وجرثومة أصابت الإنسان فتنكر لأوامر الله واستصغر الكتب السماوية بما في ذلك القرآن الكريم ووضعه جانبا واستحدث قوانين ودساتير بشرية وكون من هواه إلها فعبده ورب العزة يقول ( أفرأيت من اتخذ إله هواه ) ( الجاثية : 23) فاتخذ هذا الإنسان من هواه إلها فعبده وهذا الهوي أملي عليه وضع قوانين ودساتير وعرض هذه القوانين والدساتير على الإنسان عن طريق الترغيب حينا وعن طريق الترهيب أحيانا أخري وعن طريق التقتيل والأغراء .

وصنف ثالث دخلت هذه الجرثومة إلى ذاته فانطوي على نفسه ونظر إلى نفسه بأنه أحسن من الآخرين وتكونت فيه جرثومة الأنا) جرثومة القيام بعملية ما نسميه القضاء أو نفي قبول النصيحة من الغير ويري أنه أحسن من غيره وهذه أصابت القلب ورب العزة يبين لنا أن القلب إذا أصيب بهذه الجرثومة فإنه سوف يلقي الله سبحانه وتعالي وهو غيرا راض عنه .

ولذلك قال عزوجل ( يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتي الله بقلب سليم ) ( الشعراء:88) وتوج رب العزة في عملية الإصلاح والتوجه وإعادة البشر إلى الخط السليم أمة محمد صلي الله عليه وسلم , التي نحن جميعا في قائمتها إن شاء الله وجاءت هذه الأمة لتنتقد الإنسان ولتنتقذ الكون الذي ظهر فيه الفساد .

الشهيد بوسليماني

المدرسة العليا للأساتذة

بمناسبة معرض الخلافة الإسلامية

8/6/ 1989م

الشيخ عمر عامر أحد معلمي الشهيد بمدرسة الإرشاد

من هو الشيخ عمر عامر ؟

عمر عامر بن حسين.

مولود في 12 يونيه 1928م.

تخرج في مدرسة الإرشاد التابعة للحركة الوطنية بالبليدة .

عمل 38 سنة في التعليم , 20 سنة كمدير مؤسسة والآن متقاعد .

س: إذا سألناك شيخنا عن محمد بوسليماني التلميذ بمدرسة الإرشاد فماذا تقولون , سواء عن تصرفاته عن دراسته عن معاملته لمعلميه ولزملائه ..؟

ج : الشيخ محمد بوسليماني لا يمكن أن أنساه من حيث مظهره يوم كان عمره خمس سنوات كنت أقدمه دائما للأعمال التطبيقية في الدرس كالصلاة والوضوء حيث يصعد على مكتب القسم ويصلي أمام التلاميذ صلاة نموذجية وكذلك الأمر بالنسبة للوضوء فيخرج الجميع إلى حنفيات المياه لتعلم الوضوء لأنه كان يؤدي عملا مثاليا وكان يمتاز بالجدية منذ صغره حتي في بعض الأحيان تحاول إضحاكه لكنك لن نتمكن هذا ما أحفظه في ذاكراتي عن هذا الرجل .

س:إذا ذكرت لكم الشيخ عمر – محمد بوسليماني – فماذا يمثل لكم هذا الاسم؟

ج: يمثل لى المثالية في صغره مثالي في العمل الجاد ولم يكن يملك وقتا للهزل.

س:نعود مرحلة الدراسة فهل يمكن أن تعرف عن الشهيد بعض التفاصيل كالنتائج التي حصل عليها الاجتهاد في الدروس ومعاملته لزملائه ومعلميه ؟

ج: الشئ الباقي في ذاكرتي هو منظره وهو صغير 5, 6 سنوات لن أنساه لجديته واجتهاده كنت أستغله مع التلاميذ لأداء الصلاة والوضوء .

س: إحساس الشيخ عمر عامر وهو من بين المساهمين في بناء رجل من أعظم ما أنجبته الجزائر ؟

ج: رغم أنني لست الوحيد الذي تعلم الشهيد على يديه وفي الحقيقة المعلم الذي يري تلاميذه في نجاح مستمر وتطور دائم لا شك أنه يسعد بذلك ويسر .

س: لنتحدث قليلا عن الفترة أو المرحلة الأخيرة من حياة الشيخ محمد بوسليماني ... ماذا كنتم تسمعون عن هذا الرجل وهل بقيت هناك اتصالات بينكم ؟

لم تكن على اتصال دائم إلا بعض اللقاءات العابرة وبالصدفة كذلك فأصارحكم أن التعليم والمدرسة التي كنت أديرها – الإرشاد – تأخذ كل وقتي وانشغالي بها كان دائما .

س: قضية اختطاف الشيخ .. كيف سمعتم الخبر , وما انطباعاتكم ؟

ج: لا إله إلا الله , لم أكن أظن أن القضية تبلغ والأمور تصل إلى هذا الحد حتي وإن كانت حركة مسلحة ( بين قوسين) وكانت صدمة عنيفة بالنسبة لى والله وقدر له ذلك .

س: هذا عن الاختطاف فماذا عن الاغتيال ؟

ج: بقينا على نارين بين الإشاعة والحقيقة من الاختطاف إلى الاغتيال فقد كانت صدمة على صدمة فتوالدت عنها صدمات إلى يوم الجنازة إلى أن تأكدنا من وفاته فلا حول ولا قوة ولا بالله .

س: ما هو انطباعكم يا أستاذ عن رجل عاش لدينه ووطنه عاش مدافعا عن فكرته وأهدافه يناضل من أجل مشروع حضاري في هذا الوطن ؟

ج: والله الإنسان أصبح حائرا في هذا الوطن وخاصة خلال الثلاث سنوات الأخيرة أصبح كل شئ ممكنا وعاديا رغم الخطورة الكبيرة.

خسارة كبيرة أن تفقد الجزائر أمثال هؤلاء , فإن يتكون إنسان كمحمد بوسليماني في هذا الزمان ليس أمرا سهلا لا من حيث الكفاءة الإخلاص الدين لهذا فالخسارة جسيمة وعظيمة .

س: رسالة إلى القراء من إنسان ومواطن يري وطنه ينزف دما ويغرق في الفتن؟

ج: إياكم أن تنسوا شهداءكم مثل محمد بوسليماني في ذكر حركته في ذكر نشاطه وسيرته إحياء له .

س: كلمة لأبناء جمعية الإرشاد والإصلاح .

ج: لا أقول لهم أنهم أصبحوا يتامي فإن لهم رجالا أكفاء لا يزالون يحملون المشعل .

شهادات حية من أفواه أصحابها حول قضية اغتيال الشيخ محمد بوسليماني رحمه الله

علامات الاستفهام كثيرة وعبارات الدهشة ما زالت تبعث في نفوسنا الألأم والحيرة تجاه ما يجري في وطننا من حوادث مفجعة وفي هذا المستوي لا يمكن أن نطوي ملف الاغتيالات بسهولة إذ أن عملية اغتيال الشيخ محمد بوسليماني رحمه الله أحد أبناء الجزائر كانت ولا تزال تثير الكثير من الأسئلة أهمها :

لماذا قتلوه ؟!.. ومن القائل ؟! أسئلة لا يمكن إدراجها في دائرة ( عفا الله عما سلف ) أو تحت شعار ( اللي فات مات ) فاغتيال الرجل أثار سخطا عاما حمله الشعب تجاه حالة اللاأمن التي تعيشها البلاد.. لماذا يغتال الشيخ بوسليماني الرجل الداعية الذي عرف بإيمانه وعمله لهذا الوطن وحتي خارج الوطن ؟ فالصدمة ما زالت عنيفة ورائحة الموت تزكم الأنوف وكان من الصعب أن نصدق بأن الشيخ بوسليماني قد مات بتلك الطريقة الشنعاء !!

ولكنه فعلا مات فلكل أجل كتاب – وإنما السؤال المحير هو من القاتل؟ ولماذا هذه المرة على محمد بوسليماني ؟!


بعض الشهادات الحية أدلي بها أصحابها كردود أفعال على ما وقع..


ممثلة جمعية وفاء للمسنين والعجزة ( القبة):

( إن اغتيال الشيخ بوسليماني يعني اغتيال الخير واغتيال العلاقات الطيبة بين الناس . فعند سماعنا للخبر تألمنا فقدنا أخا طيبا وأبا كريما وصديقا حميما شعرنا بحزن كبير أولا لأننا نعرفه بخصاله الحميدة وعطائه المتواصل في المجال الخيري وثانيا لأننا لسنا بخير في هذا البلد , فعندما يقتل إنسان مسلم – سواء كان بوسليماني أو غيره من المخلصين الذين سبقوه – أكثر من سؤال يطرح : لماذا يقتل وهو مسلم ؟ ويكفي أن نقول إننا فعلا فقدنا جوهرة قلما نجدها في الجزائر وإذا كنا قد نلنا الحرية والاستقلال في عام 1962م فهذا لا يعني أبدا أننا تحررنا بل ما زلنا نعاني مما تركه المستعمر من مخلفات ورواسب ولم نتحرر بعد من أنانيتنا المفرطة وقلة وعينا .. رحم الله الشيخ وأسكنه فسيح جناته ).



ممثلة جمعة الفجر لمرضي السرطان ( القبة) :

في الحقيقة ليس لنا سابق معرفة بالمرحوم شخصيا إلا عن طريق وسائل الإعلام ولم تكن هناك اتصالات بين الجمعيتين " الفجر " و" الإرشاد " ولكن الحق يقال : الطريقة التي قتل بها محمد بوسليماني كانت غير إنسانية ولا تمت للإسلام بصلة وعندما نفقد أناسا مثل هذا الشخص ومثل غيره ممن اغتالوه نشعر بالحزن وخيبة الأمل لأن بلادنا بحاجة إلى أناس عمليين ولا يبخلون بالعطاء أيا كان نوعه إننا فعلا نتأسف ونحن الذين تابعنا قضية اختطاف الشيخ منذ بدايتها وفي الأخير فوجئنا بقتله !!.

نسأل الله أن يرحم هذا الإنسان ويجعل أعماله الخيرة أحسن شاهد له أمام الله .

قتل العظماء إحياء لهم

رغم أنه ليس ممن تصفي بهم الحسابات إلا أنه كان ضحية مشروع خطير حمل أبشع صور الإجرام كان ضحية لكنه مات موتة الأبطال .



هنا حدثتنا الأخت سامية .ك مختصة في علم النفس ( الجزائر ) :

( سلوك مثل هذا لا يدل إلا على موت القلوب ليس أكثر ... وفي الحقيقة أنهم أحيوا الرجل حتي لدي الذين لم يعرفوه .. إلا أن ممارسة مثل هذا الفعل الشنيع بعيد كل البعد عن تعاليم ديننا الحنيف وإنما هو يصدر من أصحاب عقول متحجرة وقلوب قاسية حاقدة على الفكرة التي كان يحملها هذا المسلم ) .

أما الأخت : مريم . م طبيبة ( عين الدفلي ) فقالت : ( لقد كان الشيخ محمد بوسليماني متفتحا على الجميع غير متعصب , ويخاطب الناس على أساس أنهم جميعا أبناؤه والذين يقولون بأن جماعة إسلامية قتلته بتلك الطريقة الوحشية فإننا نستغرب هذا الفعل على الإسلام ثم لأي سبب يقتل ؟ ولماذا تزامن إعلان اغتياله مع الندوة الوطنية المنعقدة في شهر جانفي ..

حقيقة إن ظروف اغتياله مبهمة وليس لنا المعطيات الكافية لكي نوقع الشك على هذه الجماعة أو تلك فالأمر جد غامض وعناصره متداخلة مع بعضها البعض ومن الصعب والفصل بينها ولا يمكن أن نبني أحاسيسنا بطريقة عشوائية بل لابد أن تتوافر الأسباب والمعطيات الكافية لكي يمكن توجيه أصابع الاتهام لجماعة معينة ولكن أعود إلى سؤالي: لماذا اغتيل وهو المعروف بإخلاصه واعتداله في مجال الدعوة ؟!) .



الأخت جميلة . ب ( بيطرية) مليانة :

- قالت : ( كان الخبر مفجعا لأن دم مسلم قد سال , وأى مسلم لا يرضي أن تسفك الدماء , لقد كان الحزن شديدا في أوساط الذين عرفوه .. عرفوه بخصاله الإسلامية وباهتمامه بالشباب وبارتقاء مستواهم الفكري والعبادي والخلقي فكلمته الطيبة لا تقهر بموته لأنها قد أخذت طريقها في قلوب أبنائه ورسخت في أذهانهم والبذرة التي غرسها ستتأصل جذورها وتعطي ثمارها- بإذن الله – والحق دائما بحاجة إلى تضحيات تحميه وتفتديه والشهادة شرف الإنسان وشرف الحياة ) .


البراءة تتكلم: أنا أتهم جماعة معينة:

التلميذة آمال . ب ( 12 سنة) قالت : لقد بكيت عندما سمعت بقتل بوسليماني واندهشت للطريقة التي قتل بها أما من قتله فأنا أشك في الشيوعيين لأن هؤلاء يتحركون ضد الإسلام ولا يريدون للمسلمين أن ينهضوا أو يتقدموا .

حقيقة أن الرجل مات وانتهي الأمر ولكن القضية ما تزال قائمة لأن الجريمة لم تكن تستهدف شخصا فحسب وإنما كانت تهدف الفكرة التي كان يحملها ويقوم بنشرها بين أبناء هذا الوطن من أجل تنحيتها بخلق الرعب والذعر والهلع في نفوس أبناء الإسلام ومن أجل تعكير أجواء الدعوة إلى الله .

وفي الأخير كان لنا حديث مع الأخت أم أويس وهي باحثة في علوم الشريعة ومما تبين لنا أنها جدية بدرجة كبيرة فقالت :

اغتيال الشيخ محمد بوسليماني أسقط دموعا كثيرة في بيتنا ولا أظن أن هناك أن هناك تعبيرا آخر أكثر من تعبير الدموع لقد أمضي إلى ربه شهيدا .

أدعو الله له بالرحمة والمغفرة.

نعم لقد كان يحلم بالشهادة فلقيها وكيف لا وهو أحد المتفانين من أجل الغير فقد اختار طريقه منذ شبابه وقدم أغلي ما يملك .

وآخر ما يمكن أن يكتب هو كلمات قالها الشيخ محمد بوسليماني أثناء أحد الحوارات التي أجريت معه فكان تعليقه( رحمه الله):

( لكن أن يقتل الجزائري أخاه الجزائري وأن تسيل الدماء بهذه القوة يعتبر في نظري تعد للخط الأحمر وعلينا أن نسأل القاتل من هو والمقتول من هو .

للمقتول أهل , والأهل يفكرون في الانتقام والقضية تخزن ثم تنفجر في يوم من الأيام ).

رحم الله الفقيد شفيعا لنا يوم القيامة .. آمين



آمنة بواشري: من مدينة الورود إلى موكب الخاليدن

تمر قافلة الشهداء وتشاء الأقدار أن تكون مدينة الورود احدي محطاتها فموعد الرحل قد حان والشيخ الفاضل يتأهب للانضمام إلى بعثة الشهداء .

رحل الشيخ محمد بوسليماني رحلا الرجل الذي آمن بالله ربا وبمحمد نبيا وبالإسلام دينا رحل الرجل الذي كان يعي جيدا بأن رسالة السماء الخالدة التي بعث بها الله خاتم الأنبياء صلي الله عليه وسلم هي رسالة عظيمة في خلودها يمكن سر الخلود ومنها يشع النور أبد الدهر على هذا الوجود فأبي لذلك إلا أن يترفع عن الكثير من أمور الدنيا ليتسني له الارتفاع إلى مستوي الدعاة إلى الله وإلى مستوي الدعوة إلى كل ما تضمنته رسالة السماء .

رحل الشيخ محمد بوسليماني الذي كان يعي جيدا أن هذا الدين الذي بعث به الله نبي الرحمة صلي الله عليه وسلم فيه كل من شأنه أن يخرج البشرية من دروب الجهل المظلمة إلى دروب العلم النيرة ومن عالم يبسط فيه الظالم أجنحته السوداء إلى عالم الحرية والأمن والسلام فأبي إلا أن يتحول إلى شمعة تحترق كغيرها ليخترق نورها حجب الظلام فيبدده وإلى مثال حي يقتدي به – على المدي القريب والبعيد – تلامذته .

رحل الشيخ محمد بوسليماني الذي كان يعي جيدا بأن المنهج الإلهي لا يمكن أن يتحقق في هذه الأرض دون بذل الجهود والمنهج في سبيل الدعوة إلى الله وفي تجسيد كل ما تضمنته رسالة السماء الخالدة فتحدث لأجل ذلك عن الدعوة إلى الله جيدا حتي إذا ما تكلم تركت كلماته أثرا طيبا في قلوب الآخرين وإذا ما أرشد أيقظ ضمائر الحياري والتائهين وإذا ما أصلح انجذب غيره أكثر فأكثر لمعرفة سر العظمة في هذا الدين .

رحل الشيخ الفاضل وترك وراءه جيلا يحمل همومه وآلامه وآماله جيلا مطالبا بالإخلاص والتفاني حتي يكمل المشوار فالجنة محفوفة بالمكاره والطريق إما صحور عاتية أو أشواك دامية جيلا يؤمن بضرورة التغيير الإسلامي الذي يتم وفقا للمنهج الرباني والذي عمل بموجبه رسول الله صلي الله عليه وسلم وليس وفقا لما تمليه الأهواء ويؤمن بأن الحياة الحقيقية هناك وبأن كل ما وعد به الله عبادة حقا .

قال تعالي:( ا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون * يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم) ( سورة الصف : 10 – 12 )


عندما يذبح الحق !!

الإهداء إلى الشعلة النادرة .. إلى الكلمة الثائرة .. إلى من غدرته الأيادي السافرة .. إلى الرمز الشيخ بوسليماني .

ماذا أهديك ؟ أهديك دمعا ودعاء وتنهدات متناثرة .. أهديك كلمات معبرة وحائرة.. أيعقل أن تغتال الحق ويتراقص الباطل بكل تحد .. أيذكر أن يدفن الرمز مذبوحا بأيادي الغدر في زمن التردي ماذا دهاك يا جزائرنا؟؟ ماذا دهاك يا بلاد التصدي ؟ قم لتري يا ابن باديس قم لتري ماذا يجري ؟؟ قتلوه .. اغتالوه .. بل ذبحوه سجل يا تاريخ .. سجل بلون الدم حكاية الدهر .

يا شيخنا تبكيك الإرشاد وتبكيك المساجد وتبكيك الجزائر كلها فهذا كل ما لديها .. دمع ودعاء وكلمات كبلنا بهذا الثلاثي فما صرنا أهلا للتصدي يا شيخ الإرشاد هل تركتنا للذئاب تنهش واللئام تعض بكل عزم لإفتاء شعب وقمع صوت ودفن حق أم هو بزوغ فجر وأمل آت ونور يلوح من بعد يأس ..

هل تعود للقلوب طمأنينتها وتعود للثغر والوجوه فرحتها بعد طول نكس فقد قتلوك وقالوا : نهاية.. اغتالوك وقالوا : فناء واندثار جففت دمع العين وصرخت في كل وجه لئيم وقلت : بل هي البداية هي تجديد العهد هذا هو القرار ...

وأقول للإنذال: هو الحق صامد ثابت مغوار هو الطريق طويل وشائك المسار لكن هو النصر آت , آت رغم المآسي رغم الذبح رغم الآنذال .

يا شيخ الوحدة والعزة والجهاد نعاهدك أنه ما يكون لنا يوم للتخلي سنواصل بناء صريح كانت جثث الأبرياء له أساس نعاهدك أن الركب سيسير بكل إخلاص .

يا شيخ الجزائر وحامي مجدها ثم رحمة الله تتولاك وعين الله ترعاك فسنواصل جهادا كانت دماء الآلاف له مورد بعد جفاف طال نم قرير العين ورحمة الله تتغمدك والموعد جنان عدن ..

السيدة: أم عبد اللطيف



عبرات من أعماق القلب

فقدنا الشيخ ونحن في أمس الحاجة إليه طعنة أبناء الوطن وأعداء الإسلام من الخلف ولم يعرف قيمته وقدره وجالت عبارات تألمت من خلالها وتمنيت لو أسمعتها العالم كله كلمات للقاتل .

لو علمت قيمة الرجل الذي قتلته لكرهت الرجلين اللتين قادتاك نحو جسده لو علمت علم الرجل الذي قتلته لكرهت العينين اللتين نظرتا نظرات غش وغدر إلى وجهه لو علمت سماحة الرجل وعدله لبغضت اليدين اللتين حملتا السكين وصوبنا نحو عنقه .

أهكذا يكون جزاء المصلحين والمرشدين وممن يدعون إلى الإسلام يؤسفنا أن تكون وصمة عار في تاريخ الجزائر قتل العلماء .

لم ينجب بوسليماني أبناء ليبكون ولكنه أنجب بعلمه وإرشاده وبصيرته من أحبه كأب وكأخ وداعية وبكوه أشد البكاء لأنهم في أشد الحاجة لعلمه ونصحه فما دام هذا قدر الله وقضاء فنحن راضون ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) .

فهنيئا لك يا بوسليماني على الشهادة في سبيل الله ولقاء الأحبة وهنيئا لك على زغاريد حور الجنة وجزاك الله تعالي بالفردوس الأعلي في الجنة ووفقنا الله لإكمال ما بدأته إن شاء الله يا بوسليماني فأبناء المسلمين كلهم بوسيلماني وكلنا أبناؤه .

فالله أكبر على حفاري قبور الدعاة .

والله أكبر من زنزانات الطغاة

الأخت س. أم الخير

افلوا – الأغواط


رسالة إلى الشيخ محمد بوسليماني

رحمه الله وطيب ثراه

شيخنا :

انتقلت إلى جوار ربك وأسقطت على إخوانك مسئولية تسميتك والبحث عن لقب يليق بمسيرتك الدعوية فكنت الإمام الشهيد والشهيد الذبيح وكنت خير خلف لخير سلف .

ألبسك الله تعالي حلة الشهادة ولم يرض لعبده الصالح أن يلبس غيرها فزادتك نورا على نور دمك سري نقبا كعقيدة الحق على الثري خط كلاما يري كأني به وصية لأحبابه وإخوانه – الذين لم يكتحل عند إغماضه الممات ولا أقول الموت – برؤية واحد منهم - أن أكملوا الطريق فقد عبدته بجسدي الله , الله في الإرشاد التي كنت أحمي حوضها وأحرم على المكدرين خوضها .

قالوا : إنك ستعود بعد يومين لكنهم أضافوا إلى اليومين شهرين لتصبح بعدها جبال العفرون وتطير فرحا وتقول : أتدرون ماذا أحويت وعلى أى الجواهر احتويت لقد احتويت على أمة في رمة وعلى عالم في واحد وعلى بناء أجيال في حفرة .

شيخنا:

إننا لم نقبل عزاء فيك ولم نقدم تعازينا لأحد إلا للوطن المفجوع فيك وتعاز خاصة إلى اليد التي بينت مالا يرضي الله عزوجل من القول واليد التي أوعزت باختطافك واليد التي اختطفتك واليد التي اغتالتك .


أما نحن فلقد زففنا فارسا إلى الحور العين في أعلي الجنان ولقد كانت مكافأة من الله عزوجل لك حينما علم أنك صدق الإيمان والإخلاص .

إنه لمن الميسور أن نطفيء النار ذات الوقود لكنه من الصعب أن نطفئ نار الحقد في صدور الحقود إلا أننا لا زلنا نحتفظ بما عهدنا منك احتفاظ الشحيح بماله وجزاء تلقاء في هذه الدنيا وطيب ذكر وعند ربك ثمين ذخر .

تقبلك الله في صفوف الشهداء والصالحين .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إحدي بناتك


صرخة في أبناء الوطن المكلوم!!

إلا من مبلغ زين الفعال
أحر تحية لفتي الموالي
وأخري للألي حضروا ولبوا
نداء الحق ياله من منال
دعيتهم أيها الإخوان طرا
سواء من جنوب أو شمال
من الغرب الحبيب لكل حر
من الشرق الموشي بالخلال
جزائرنا دعاة الحق صاحت
ألا هبوا بني إلى المعالي
لقد أوهي سباتكم عظامي
أفيقوا وانهضوا صوب الكمال
أعيدوا مجد آباء عظام
بنوه لنا فريدا في المثال
لقد حلت بقطركم صعاب
تخر لهولها صم الجبال
عراني اليوم من أرزاء شعبي
خطوب منذرات بالزوال
تمزقنا حماة الدين شؤم
ووأاسفي لمن قد لا يبالي
ألبس بشرعنا أصل أصيل
أخوتنا الكفيلة بالكمال
وكنز من كنوز الدين فينا
زهدنا في لآلئه الغوالي
قديما كان في الأسلاف حب
تجمع حوله أسد الرجال
فبوأهم مكانا في البرايا
جليل القدر من جم النوال
فإما أن نسير على خطاهم
فيكرمنا بنصر ذو الجلال
وإما أن نكون ذيول قوم
فيتعس جدنا دون الوصال
لعمر الله ما الإسلام أضحي
سبيلا للتخلف والهزال
ولكن علة الإسلام فينا
أضعفناه فتهنا في ضلال
فأصبح أهلنا صرعي انبهار
لما للغرب من زف الرئال
فكونوا أنتم أحلاس علم
تصيبوا الكفر بالداء العضال

عبد الله الجديدي( عنابة)


هكذا فليمض الخالدون

بقلم : عيسي بن الأخضر

لم أكن أعرف أن تلك الصفات التي ينفرد بها أناس في صمت دونما رياء هي سبب عظمتهم ولم أكن أدرك أن التواضع في زمن التطاول من أصعب المهمات ولم أكن أعتقد أن الابتسامة المشفقة في زمن العداوة هي أخطر من كلمة حق عند سلطان جائر .

يا سيدي يا شهيد العصر موتك درس آخر في فن الشهادة وطريقة استشهادك علمتني أن درب المخلصين شائك وبمقدار درجة إخلاص الرجال يكون نوع الابتلاء وكيفية الشهادة ( أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل).

سيدس إن الطريق الذي سلكت تمناه إخوانك الدعاة لكنك فزت به لوحدك بل كنت السباق إليه كنت حين وضعت الأغلال في معصمك في السبعينيات حين اقتادتك زبانية النظام الحاكم آنذاك سخرت بهم في زمن التحدي وأنت تودع أهلك وتعدهم باللقاء في الجنة .

لكنك عدت إليهم بعد ثلاثين شهرا وتسخر هذه المرة من فعلة الجبناء فتودع أهلك وتعدهم بلقاء في الجنة لكنك قررت ألا تعود هذه المرة في زمن التردي .. نعم الآن يا سيدي عرفت أن عنادك في سبيل الحق لا يساوم وكبرياءك في الاعتدال الدعوي لا يقاوم عرفت الآن فقط أنك لم ترد إضافة رقم في قائمة شهداء الدعوة الإسلامية المعاصرة على أيدي زبانية الأنظمة العلمانية فحسب ولكنك أردت ألا تكون شهيدا لنفسك وإنما شاهد على انحراف الصحوة الإسلامية في بعض أجنحتها أيضا...

لقد تكلمت في مناسبات كثيرة عن الدعوة الإسلامية وما يراد لها في الجزائر من تدجين أو تطرف , من تخريب أو دروشة كنت حريصا على أن يفهم الناس هذا ويعيه أبناء الحركة الإسلامية قلت هذا الأبناء الجزائر وقلته خارج الجزائر في إيطاليا وأمريكا وغيرها ولم تبلغ الكلمات مداها ولا المعاني مجراها إلا بعدما تفجر دمك الطاهر فداء لها .

حينها يا سيدي كانت لحظة الندم من الغافلين لحظة المعاناة والألم من لدعاة العاملين ومن العلماء الربانيين فهاهم الذين أفتوا لقتلك باسم الجهاد في الجزائر يتدثرون ويتنكرون الذين اطلعوا على منهجك وفكرك – وبعد سماعهم هول المصيبة – يحوقلون .

يا شهيد العصر كم كنت جريئا وأنت تأبي أن تحيطك عصبة من أبناء الدعوة – التي رسخت منهجها – من أجل حمايتك أو إطرائك وكان لسان حالك كان يقول : ( إذا كان الخطر المحدق بالحركة الإسلامية آت من بعض صفوفها , فالأولي بالتصدي لها هم الدعاة ) .

هذه هي المعاني التي كنت استشفها من كلامك عن الصحوة وعن السائرين في دربها كان ذلك واضحا في لهجتك ولقاءاتك مع أبناء الحركة الإسلامية بل مع إخوانك من العلماء والدعاة ..

فهاهم الدعاة الربانيون يقفون اليوم على حقائق مرة كنت تدعو لتداركها قبل فوات الأوان حقائق مرة كنت جزئيا في كشف زيفها وتوضيح معالمها على المستوي الفكري والثقافي لشباب الصحوة الإسلامية .

ها أنت تكتب للجيل الجديد معلما آخر وتخطه بدمك الطاهر ها أنت ذا تؤصل لمعلم الربانية الحقة وتأبي أن تلين عن منهج الحق أو يستهويك تأويل نص لإرضاء مخلوق في معصية الخالق , ألا ما أعظمك يا شيخ في حياتك تواضعا وشكرا وما أعظم استشهادك ثباتا وصبرا ألا هكذا فليمض الخالدون !!.