الفرق بين المراجعتين لصفحة: «خيري ركوة»
لا ملخص تعديل |
لا ملخص تعديل |
||
سطر ٨: | سطر ٨: | ||
<center>'''ولست أبالي حين أقتل مسلماً''' | <center>'''ولست أبالي حين أقتل مسلماً''' | ||
:::::'''على أي جنب كان في الله مصرعي'''</center> | :::::::'''على أي جنب كان في الله مصرعي'''</center> | ||
كانت هذه الأبيات يستشعرها دائما العالم الزاهد الداعية الشيخ خيري ركوة مسئول قسم نشر الدعوة في [[جماعة الإخوان المسلمين]]، فلم يكن يبحث عن دنيا زائلة، أو مظاهر كاذبة، لكنه تجرد لله وأخلاص لدعوته حتى توفاه الله. | <center>كانت هذه الأبيات يستشعرها دائما العالم الزاهد الداعية الشيخ خيري ركوة مسئول قسم نشر الدعوة في [[جماعة الإخوان المسلمين]]، فلم يكن يبحث عن دنيا زائلة، أو مظاهر كاذبة، لكنه تجرد لله وأخلاص لدعوته حتى توفاه الله.</center> | ||
سطر ١٣٩: | سطر ١٣٩: | ||
:وإن من مؤهلات من يعد لحمل الأمانة أن يكون مملوء القلب ثقةً في نصر الله وثوابه، فإن هذه الثقة هي التي تعين على وجود المؤهلات الإيمانية التي ذكرت وتزيدها نموًا وأثرًا، فيصبر على المعاناة والمشاق، ويستمر في العلو فوق الشهوات، ويستخفف ما يلاقي من الآلام؛ لأنه يوقن في نصر الله للحق وإزهاق الباطل، ويؤمن بأن أجرَ الله وثوابَه مضمون للعاملين الصابرين، وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. | :وإن من مؤهلات من يعد لحمل الأمانة أن يكون مملوء القلب ثقةً في نصر الله وثوابه، فإن هذه الثقة هي التي تعين على وجود المؤهلات الإيمانية التي ذكرت وتزيدها نموًا وأثرًا، فيصبر على المعاناة والمشاق، ويستمر في العلو فوق الشهوات، ويستخفف ما يلاقي من الآلام؛ لأنه يوقن في نصر الله للحق وإزهاق الباطل، ويؤمن بأن أجرَ الله وثوابَه مضمون للعاملين الصابرين، وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. | ||
المؤمنون الذين استجابوا للدعوة، ويغدون لحمل أماناتها لا يكفى منهم أن يقولوا بألسنتهم آمنَّا، بأن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فقط.. إن هذا لا يكفي لأن تسند إليهم الأمانة فقد يقفون في الطريق فلا يواصلون مسيرتهم، وقد يجتزئون بعضها دون الآخر، وقد يختارون ويتركون، وقد يكتفون بأنفسهم أو ببعض ذويهم ولا يهتمون بهذه الدعوة جميعها شريعةً وعقيدةً وناسًا وأُمَمًا مستخفين بعضًا ومستثقلين بعضًا.. يقول الله تعالي: '''"أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ"''' (العنكبوت: 2) لا.. بل لابد أن يُفتَنوا وأن يُبتَلوا، وأن يجرَّبوا بعد قولهم آمنَّا؛ لتعرف المعادن، ويعرف الصدق من الكذب، واليقين من الشك، وكيف يترك مَن يعلن الإيمان بلسانه دون فتنة وابتلاء، وسنة الله فيمن سبقهم من المؤمنين في الأمم السابقة أنهم تعرضوا للفتن | المؤمنون الذين استجابوا للدعوة، ويغدون لحمل أماناتها لا يكفى منهم أن يقولوا بألسنتهم آمنَّا، بأن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فقط.. إن هذا لا يكفي لأن تسند إليهم الأمانة فقد يقفون في الطريق فلا يواصلون مسيرتهم، وقد يجتزئون بعضها دون الآخر، وقد يختارون ويتركون، وقد يكتفون بأنفسهم أو ببعض ذويهم ولا يهتمون بهذه الدعوة جميعها شريعةً وعقيدةً وناسًا وأُمَمًا مستخفين بعضًا ومستثقلين بعضًا.. يقول الله تعالي: '''"أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ"''' (العنكبوت: 2) لا.. بل لابد أن يُفتَنوا وأن يُبتَلوا، وأن يجرَّبوا بعد قولهم آمنَّا؛ لتعرف المعادن، ويعرف الصدق من الكذب، واليقين من الشك، وكيف يترك مَن يعلن الإيمان بلسانه دون فتنة وابتلاء، وسنة الله فيمن سبقهم من المؤمنين في الأمم السابقة أنهم تعرضوا للفتن | ||
مراجعة ١٨:٤٢، ٣١ أكتوبر ٢٠١١
موقع إخوان ويكي (ويكيبيديا الإخوان المسلمين)
- إعداد: عبده مصطفى دسوقي
مقدمة
- على أي جنب كان في الله مصرعي
النشأة

ولِد فضيلة العالم الجليل الشيخ ركوة أحمد مكاوي الشهير بـ"خيري ركوة" في قرية نزلة علي مركز طهطا محافظة سوهاج سنة 1934م وحفظ القرآن الكريم في كُتَّاب القرية مبكراً، فقد كان يتمتع بذاكرة قوية وهبها الله إياه.
يقول الشيخ محمد عبد الله الخطيب: كانت له همة عالية منذ صغره فبعد التحاقه بمعهد طهطا الديني الابتدائي الأزهري الذي كان يبعد عن قريته سبعة كيلو مترات كان يقطعها يوم الخميس سيراً على الأقدام عائداً إلى بيت أسرته ليبيت معهم ويخطب الجمعة وهو في هذا السن الصغير عملاً بما حفظ وعلم من القرآن والسيرة والحديث والتفسير، وقد ساعده على ذلك انضمامه المبكر لجماعة الإخوان المسلمين فقد كانوا ومازالوا خير معين للطلاب وغيرهم من احتاج منهم درساً وفَّروه له، ومن احتاج أي شيء أوجدوه بإذن الله وتوفيقه لهم، فقد كانوا يُوقِفون النشاط الطلابي أيام الامتحانات ويلزمون الطلاب بيوتهم حتى يتفوقوا في دراستهم وكانت النتائج تفوق نسبة الــ 90%".
التحق الشيخ خيري ركوة بالمعهد الديني الثانوي، وقد كان يتحدث اللغة العربية بلسان طلق، وحديث عزب، مما أهَّله بعد ذلك لإلقاء الكلمات في الاحتفالات الجامعة، فقد ذهبنا ذات ليلة وكانت ليلة امتحان إلى حفل مُقام بمناسبة المولد النبوي، فإذا بنا نجد شيخ المعهد يجلس في الصفوف الأولى، فسلمنا عليه بعد الحفل وسألنا ماذا ستفعلون غداً في الامتحان؟ وبعد العودة مكثنا على المراجعة وبفضل من الله أجدنا في الإجابة على الأسئلة، وبعد الامتحان ما كان من شيخ المعهد إلا أن دعا لنا.
ثم التحق الشيخ خيري ركوة بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر الشريف ليتخرج منها بالشهادة العالية ثم ليحصل على دبلومه في التدريس، وكان يتمتع بين زملائه بإيمان صادق، وخُلق عظيم، وعلم ثمين، وذكاء, يستخدمهم جميعا لينشر دعوة الله بين خلقه أينما وجد.
بين الصفوف المؤمنة
التحق الشيخ خيري ركوة بجماعة الإخوان المسلمين وهو طالب في الجامعة، وعمل من أجلها، وظل مجاهدًا في سبيل نشرها حتى اعتُقل في عهد عبد الناصر عام 1965م ولم يخرج إلا في عام 1971م، كما أُعيد اعتقالُه في عهد الرئيس مبارك؛ حيث قضى خلف القضبان عامًا كاملاً!!
أصبح الشيخ ركوة المتحدث الرسمي باسم جبهة علماء الأزهر والتي أنشئت عام 1946م وتضم أكثر من ألف عالم وشيخ حيث تم اختياره لهذا المنصب عام 1998م، كما اختير مسئول قسم نشر الدعوة في جماعة الإخوان المسلمين.
يقول الشيخ الخطيب: فبعدما عمل بوزارة التربية والتعليم في التدريس عامين جاءت محنة 65 المخترعة المختَلقة من قِبل النظام الحاكم حينئذٍ وحُكم عليه بثلاث سنوات قضاها مع قسوتها كنموذج يحتذى به في الصبر والاحتمال والرضا بقضاء الله، ولم يكتف النظام الحاكم بالسجن فبعد الإفراج عنه ذهبوا به إلى المعتقل ليقضي به ثلاث سنوات أخرى، وكان ما كان من الشدائد في السجن والمعتقل وما كان منه إلا الصبر الجميل واحتساب الأجر عند الله.
وبعد خروجه من المعتقل عاد إلى عمله، ثم تزوج وتعاقد على العمل مبعوثاً للسعودية بإندونيسيا ثم عاد إلى مصر ويوفقه الله للعمل بدولة الإمارات مفتشاً للغة العربية لغة القرآن الكريم التي عشقها وعمل على غرس حبها في قلوب تلاميذه.
لم ينس الشيخ دعوته في كل هذه المراحل ولم يقصّر في حقها، فقد كان يعمل دوماً لأداء واجبه الأول الذي خُلق من أجله وهو العمل للإسلام والدعوة إلى الله، فسعى بجد حثيث ونشاط دائم ليصل بها إلى أهلها الذين قعدوا عنها، مثله في ذلك مثل جميع إخوانه الذين فقهوا قول الله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33))، ونهجه في ذلك ما كان عليه رسولنا القدوة الحسنة ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)))، مضحياً مع إخوانه بكل ما يملكون من نفس ومال ووقت (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40))، وليتحقق فيهم قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
قالوا عنه
قال عنه الشيخ محمد عبد الله الخطيب:

- كان رحمه الله على فهم جيد لقوله تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)، فرأى مع إخوانه هذه الآية وأمثالها فحفظوها وأدركوا حُكم الله القاطع بأن المسلم لا خيار له إما أن يكون مع الله ورسوله يحبهما ويفديهما بكل غال ونفيس وإما أن يشتغل بفتات من الدنيا وأعشابها كما يحلو للبهائم والدواب أن تتعلق بهما، فحكم الله القاطع هو الفسق والعياذ بالله.
- ولقد أدرك الإخوان المسلمون وفضيلة الشيخ خيري ركوة معهم قول الشاعر:
- على أي جنب كان في الله مصرعي
- فكانت دعوتهم إلى الله أغلى عندهم من كل شيء وأعز من كل شيء، فعملوا وما زالوا يعملون ويضحون لتعلوا راية الإسلام في كل مكان.
- كان مع أهله رفيقاً كما تعلَّم من سيرة الرسول، كان في خدمتهم ليدخل عليهم السرور والفرح، وما رأيته ولا سمعته يشتكي من أحدهم أبداً.
- وكان- رحمه الله- مهذباً مؤدباً طيلة حياته فما رأيته أساء أو اغتاب أحداً من إخوانه أو من المسلمين، وكنتُ أكبر منه بأربع سنوات فقط فما غضب مني ولا ردّ لي كلمة قط، وفي مرضه الأخير ذهبتُ لعيادته، فقال انظر إلى يدي فنظرتُ إليه, وقلتُ طيبة وأنتَ طيب, وقبَّلتُ يده، فقال: أنا الذي أقبِّل يدك وقدمك.
- كان كتلة من الإخلاص لدعوته ودينه وإخوانه وتلاميذه فما قصَّر في حق شئ منهم ولا تَوان في أداء واجب, رحمه الله وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.
وقال عنه الدكتور عبد الحميد الغزالي (الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية والمستشار السياسي للمرشد العام):
- إن الشيخ ركوة كان من رموز جماعة الإخوان التي أسهمت بإخلاص وتجرد وثبات أصيل في جانب التربية والدعوة، وأضاف أن الشيخ كان له مواقفه العظيمة وتضحياته الكبيرة في سبيل نشر الدعوة، وكيف أن الابتلاءات التي لحقت به لم تنل منه بل تغلَّب عليها فكان يخرج من كل محنةٍ منتصرًا وأقوى مما كان.
- وأوضح أنه كان نموذجًا وقدوة مشرفة لتلاميذه من بعده مربيًا فيهم حب الدعوة والثبات على طريقها مهما كانت العواصف والمحن، وكان سلوكه النبيل الذي يُجسِّد المسلم الفاهم والواعي بقضيته يترك انطباعًا إيجابيًّا وحبًّا يزداد بين تلاميذه، داعيًا الله عز وجل أن يتقبَّل منه وأن يرحمه ويسكنه فسيح جناته.
وأكد الحاج مسعود السبحي (سكرتير المرشد العام للجماعة) أن:
- الشيخ ركوة كان من المجاهدين الأوائل في نشر الدعوة؛ حيث بدأ يعمل لهذه الرسالة وهو طالب بجامعة الأزهر ووظَّف لها حياته وحمل أعباءها ومسئوليتها على عاتقه، وكان يخشى أن يُؤتى الإسلام من قِبله فكان أشد ما يكون العبد إخلاصًا لربه وقضيته.
- وأشار إلى أن ثباته على هذا الطريق عرَّضه للاعتقال في عهد الرئيس جمال عبد الناصر وأمضى في السجن ثلاث سنوات، ولكن هذه العقوبة استمرت إلى ست سنوات ثم أُعيد اعتقاله في عهد الرئيس حسني مبارك لمدة عام، وكان الشيخ الجليل يخرج في كل مرةٍ أشد ثباتًا وأقوى إيمانًا ولم يمنعه هذا المعتقل من أن يستمر محبًّا ومجاهدًا في سبيل لدعوته.
- وأضاف أن الشيخ كان غيورًا على دينه وله كتابات عدة في مجال الدعوة إلى الله، كما أنه كان أحد المسئولين عن قسم نشر الدعوة، وظلَّ مجاهدًا صابرًا في طريقه إلى أن ابُتلى بالمرضِ الذي لم يمنعه من المداومة على الخير فكان يعمل ويرفض أن يُفوِّت لقاءً فيه خير إلا ويحضره، وظل كذلك حتى وافته المنية ولقي ربه صابرًا محتسبًا.
وأشار المهندس عاصم شلبي (مدير دار النشر للجامعات) إلى أن:
- الشيخ ركوة كان من أبرز رموز الدعوة كان له دور غاية في الأهمية في خارج مصر، وعندما عاد إلى مصر أصبح مسئولاً عن قسم نشر الدعوة وعضوًا بمجلس شورى الجماعة، وأشار شلبي إلى أن ركوة كان بليغًا، وكان من المتحدثين في كلامهم بالبلاغة والحكمة.
- ولم تُثنه الابتلاءات والمعتقلات عن المضي قُدمًا في طريق دعوته فقد اعتُقل في العهد الناصري ورأيته في المعتقل أثناء إحدى زياراتي قويًّا جلدًا يُعطي لمَن حوله الثقةَ في قضاء الله والصبر عليه.
- وضرب المثل في صبر الداعية عند الشدة وعند المنحة شاكرًا، ولفت النظر إلى أن إخلاص رجال هذا الجيل هو السبب في عدم قدرة خصومهم على تحجيم نشاطهم ونشاط دعوتهم، وهو ما جعلها تنتشر وتتسع بصدقهم وعزيمتهم.
وقال الدكتور حازم فاروق (عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين سابقا وأحد الذين تربوا على يد العالم الجليل):
- إنَّ أعيننا تفتحت على الشيخ ركوة دءوبًا مربيًّا مثابرًا يرص اللبنة تلو اللبنة والشباب بجوار الشباب، ويبث فيهم الثقة في نصر الله وبأنهم جيل هذا النصر المنشود، كما أنه كان شعلةً تُضيء أمامنا الطريق ويدًا ترسم لنا ملامحه، يسافر هنا وهناك، ويربت على كتف الكبير ويحتضن الصغير حتى تثمر النبتة، واستمر الشيخ في جهاده لم يفتر ولم يُغيِّر ولم يبدل حتى لقي ربه صابرًا شاكرًا.
- وأشار إلى أن الله اجتباه بابتلائه وامتحانه بالاعتقال والمرض حتى يخرج من ذنوبه ويلقاه راضيًا مرضيًا، وختم فاروق قائلاً: إن أعين محبيه وتلامذته وأهله وإخوانه لتدمع وإنَّ قلوبهم لتحزن على فراقه، ولكنهم لا يملكون إلا قولهم ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾.
وفاته
تُوفي الأستاذ والعالم الجليل الشيخ خيري ركوة في 3 مارس 2007م الموافق 13 صفر 1428 هجريًّا.
حيث نعاه الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين للعالمين العربي والإسلامي، وشيعت جنازته من مسجد رابعة العدوية بضاحية مدينة نصر بشرق القاهرة عقب صلاة ظهر يوم الأحد 4 مارس 2007م.
من كتاباته
شدائد الفترة المكية وأهميتها في عقيدة المؤمنين
كتب تحت عنوان (شدائد الفترة المكية وأهميتها في عقيدة المؤمنين):
- بسم الله والحمد لله، وبعد.. فمن المعلوم أن الإسلام ليس مجردَ عنوان يُطلق أو كلمة تُقال، ولكنه كيانٌ ذو بناءٍ متكاملِ العناصر، يقوم على تناسب هذا الكيان والبناء.. عمقًا واتساعًا وامتدادًا، ومن مقتضيات البناء أن يقوم على أسس ودعائم، وبقدر ضخامة البناء وشموخه وحجمه يكون النظر في تشييد الأساس متانةً وصلابةً واستمراريةً.
- فأساس يقوم عليه بناء من عدة طوابق يختلف عن آخر يتكون من طوابق أقل عددًا أو أكثر، والإسلام عبَّر عنه الرسول- صلى الله عليه وسلم - بهذا المفهوم "البناء"، فقال- صلى الله عليه وسلم -: "بني الإسلام على خمس"، وشبَّه علاقة المؤمنين فيما بينهم وشدة التحامها بالبنيان، فقال - عليه السلام -: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا"، ونوَّه القرآن الكريم بصورة تعاضد المسلمين في صف القتال في سبيله فقال - تعالى -: "إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ" (الصف: 4).
- وهذا البنيان سواء كان في شكل قواعد للإسلام، أو في شكل توحُّد المسلمين جسدًا واحدًا، أو في شكل صفٍّ يواجه أعداء الدعوة في ميادين القتال.. إنه في كل هذه الصور يتطلَّب اللبنات القوية التي بها يتحقق هذا البناء المطلوب؛ كي يحقق هدفه ويؤدي أغراضه.. ويستطيع مواجهة الأنواء والنوازل والهِزَّات.
- خلت الأرض من نور الهداية فترةً من الزمن، ثم تداركتها رحمة الله الرحمن الرحيم، فبُعث محمدٌ- صلى الله عليه وسلم - برسالة الإسلام؛ بناء يدعو إليه ويقيم دعائمه، وفي أول يوم يتلقَّى فيه النبي- صلى الله عليه وسلم - النبوةَ ويرجف من لقاء جبريل فؤاده، ويقول زملوني زملوني من أثر غطة الملك عليه.. يلتقي بـ"ورقة بن نوفل" ويخبره بما حدث له في الغار، فيقول له "ورقة"- وكان عنده علمٌ من الكتب السابقة-: "والذي نفسي بيدِه، إنه ليأتِيك الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنَّك لنبيُّ هذه الأمة، ولتؤذَيَّن، ولتكذَّبَن، ولتقاتَلَن، ولتُنصرَن، ولئن أدركني يومك لأنصرنَّك نصرًا يعلمه الله..!! "
- يروي صاحب (السيرة النبوية الصحيحة) قول "ورقة بن نوفل": "يا ليتني فيها جذعٌ.. أكون حيًا حين يخرجك قومك"، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "أوَمخرجيَّ هم؟ " فقال "ورقة": نعم.. لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عُودي، وإنْ يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزَّرا".
- فمِن أول يومٍ لتلقِّي مهمةِ الرسالة يشاءُ الله - تعالى - أن يطلع الرسول على ما سوف يواجهه من متاعب وأعباء في سبيل الدعوة، إنه سيكون إيذاءٌ وتكذيبٌ ومقاتلةٌ وإخراجٌ من الديار؛ لكن يعقُب ذلك نصرٌ، ولن يكون هذا النصر قبل هذه الشدائد.
- إن هذا الدين وهذه الرسالة لم تأتِ لتصلح من كل فرد شأنه، ثم يخلو بنفسه بعيدًا عن الناس، لا شأنَ له بهم ولا شأن لهم به، وحينئذٍ، فلا عناءَ ولا إيذاءَ، فكلٌّ في خاصة نفسه لا شأنَ له بالآخَرين، فمَن أراد آمن ومَن لم يُرِد لا شأنَ لأحدٍ بهٍ، فله أن يعبدَ ما شاء ويتبَع مَن شاء ويفعل ما يشاء، دون قانون أو حدود للفعل أو الترك في الأموال أو الأنفس أو الأعراض أو الدماء أو التعبُّد أو الاستعباد، أو الظلم أو القهر للضعفاء والمستضعفين.
- إن هذه الرسالة قد جاءت لإصلاح الإنسان وإعادته إلى رشده وسلامة فطرته، وتكوين مجتمعه الآمن المطمئن على الأنفس والأموال والأعراض والحريات، وعلى المساواة بين بني البشر.. "كلكم لآدم"، وصمام ذلك كله العقيدة في الله، التوحيد (توحيد الألوهية والربوبية)، وتلك الأخيرة هي التي دونها الدماء والأنفس والرقاب.. لقد كانت كلمة التوحيد هي القضية الأولى في الإصلاح.. "أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا".. يأتي رجل من البادية يقول: دلوني على هذا الرجل "محمد" فلمَّا لقيَه قال: ما الذي جئت به قومك؟ قال: "لا إله إلا الله"، قال الرجل: أتريد أن يقولوا لا إله إلا الله؟! قال الرسول: "نعم" قال الرجل: "إذن يقاتلك الأبيض والأسود والأحمر"، وقالوا: "أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ" (ص: 5)
- انطلق محمد- صلى الله عليه وسلم - يدعو ويبلغ رسالته، وهو مدرك ما سيواجَه به هو ومَن يستجيب لهذه الدعوة، وهو مدركٌ كذلك أنَّ أولئك الذين يستجيبون للإسلام هم القواعد التي سترفع بها البنيان، وهم الأركان التي سيقوم عليها البناء الكبير الواسع الممتدُّ العريضُ، الذي سيظلل الأرضَ كلَّها والبشريةَ كلَّها، وأنه لا يقتصر أمرُه على أهل مكةَ أو الجزيرة العربية، بل البناء أوسع من ذلك إنه للعالمين جميعًا، وإنه لم يأت لتزكية الأنفس وصلاحها الداخلي فقط.. لا علاقة له بمعايش الناس ونظم حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. لا بل المنهج واسع شامل يحتوي كل حركة للإنسان في نفسه ومع غيره، وحركة المجتمعات مع غيرها في سلمها وحربها.. في نظامها وقوانين حياتها، وبهذا ستكون المواجهة ليست مع فرد آخر ولا مع أسرة ولا مع مجتمع، ولكنها مع كل البشر، وكل الثقافات وكل الأَعراف.
- ومن هنا كان الإعداد لحمَلة هذه الرسالة- الذين يلبون دعوتها ويؤدون مطالبها- لابد أن يكون إعدادًا لكل جوانب الإنسان الذي يحمل هذه الدعوة.. إعداد النفس والقلب والروح والمشاعر.. إعداد الأبدان والجوارح.. إنهم سيواجَهون بالمحن بوجوهها المتنوعة.. محن الرهباء.. ومحن الرغباء.. محن الجوع والعطش.. محن الإيذاء البدني والنفسي.. محن المتع والشهوات.. محن العلائق والمحاب.. الآباء والأبناء.. محن العواطف والأشواق، والأزواج والزوجات، والبنات والأمهات، كل ذلك سيكون في طريق مَن يؤمن بهذه الدعوة يشكل في طريقه عوائق ومنعطفات، قد تغريه بالتخلي عن هذا الطريق (طريق الدعوة)، وما فيه من الأشواك، ومن هنا كان لابد من الامتحانات للصقل والتطهير، والتزكية والتحرير، تحرير النفس من علائقها الدنيا، ومن رغباتها العجلى، وتخليصها من الشوائب التي تخالط جوهر النفس، فتكدر صفاءه، وتغش خلوصه، لابد من الفتنة التي تنقي المعدن الصافي الغالي من الزبد، كما ينفي الكير خبث الحديد.. إن الأمانة كبيرة وثقيلة وطويلة الطريق، فما لم ينقَّ المعدن الذي يحملها لا يقدر على حملها ولا على الاستمرار في هذا الطريق المليء بالصعاب، فليكن من البداية الاختبار والابتلاء.. "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ" (محمد: 31).
- إن الإسلام أمانة؛ لأنه دعوة الله إلى العالمين إلى يوم القيامة، وهذه الأمانة تقتضي أن يحملها من تأهَّلوا لذلك: فلابد أن يُجرَّبوا من خلال تعرِّضهم لأنواع من المعانات، فيتعرَّضوا لصنوف من المشاق العملية التي تكبدهم الآلام في جسومهم، والآلام في رغباتهم وشهواتهم فيواجهوا سغب البطون وظمأ الأكباد، ولهيب الهواجر وغلظة أكباد الطغاة وصلفهم، وينالوا عذاب الأجساد ضربًا ورجمًا وإحراقًا، يعانون القسوة من الآباء والأزواج والزوجات والقبيلة والعشيرة، وتُصَبُّ عليهم جامات الغضب والكُره والقسوة من الأحباب والأصحاب ليفتنوهم عن دينهم، ومن المؤهلات للصدق في حمل هذه الدعوة أنهم يصبرون على هذه الآلام، ويسترخصون الحياة في سبيل دينهم وعقيدتهم التي أسلموا لها، وآمنوا بها، ويقول قائلهم:
- على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
- يبارك على أشلاء شلوٍ ممزَّع
- إنهم يصبرون على المحن والابتلاءات؛ لإيمانهم أنها في سبيل الله، وأن الصبر عليها نصر من نصر الله، يهبه لمن يشاء من أحبابه، فيستعين بما يعرض من الآلام النفسية أو البدنية طامعًا وآملاً أنَّ نصر الله آتٍ لا محالةَ.. "وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحج: 40).
- يمرُّ النبي- صلى الله عليه وسلم - على آلِ ياسر وهم يعذَّبون بالنار والضرب الشديد فما يزيد على قوله: "صبرًا آل ياسر فإنَّ موعدكم الجنة"، ولم نسمع أنه دعا لهم بهلاك مَن يعذبونهم، أو بانصرافهم عنهم، ونراه يأتيه "خباب" فيقول له: يا رسول الله، ادع الله لنا يخفِّف عنا هذا العذاب.. فيقول له: "إن مَن كان قبلكم كان يؤتَى بالرجل فيُحفَر له في الأرض، ثم يؤتَى بالمنشار فيوضَع على مفرق رأسه فينشر نصفين، ثم يؤتى بأمشاط الحديد فيمشط جسمه.. ما بين لحمه وعظمه.. ما يصرفه ذلك عن دينه، ولينصرن الله هذا الدين أو ليتمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت ما يخاف إلا الله والذئبَ على غنمِه غير أنكم تستعجلون".
- إنه الدرس في مدرسة الصبر على البلاء في سبيل الله وفي سبيل دعوة الله.. "إنه صهر المعادن النفسية لتتخلص مما علق بها من الزَّبد الذي عادةً ما يَذهبُ جفاءً ولا يبقي إلا ما ينفع الناس.
- ومن مؤهلات حمل الأمانة الاستعلاء على الشهوات، فللنفس محاب ورغبات، حب المال، وحب الأولاد وحب الأزواج، ذلك غريزة مركوزة في الأنفس، من لا يستعلي عنها غلبته على نفسه، واستولت على قلبه وعقله وسيطرت على فكره وتوجهاته، فأصبح لا يرى إلا بمنظارها، فحب الشهوات يعمي عن سداد الرؤية وصواب النظر.. "حبك الشيء يعمي ويصم".
- فصاحب الدعوة وحامل الأمانة لابد أن تكون شهوته طوَعَ إيمانه وأسيرة إيمانه وعقيدته، ولا تكون ضخمة الحجم والسيطرة على صاحبها، فإنه في طريق جهاده ستبرز أمامه أهواء شهوة القرابة- كالأبوة والنبوة- وشهوة الجاه والمنصب لتكون في معادلة مع دينه وعقيدته وجهاده، فأي الكفتين ترجَّح لديه ومع أيهما يميل؟ "فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا" (النساء: 135)، وقد عيب على قوم سبقوا ضلوا طريق أسلافهم من المؤمنين، قال تعالي: "فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا" (مريم: 59).
- وإن من مؤهلات من يعد لحمل الأمانة أن يكون مملوء القلب ثقةً في نصر الله وثوابه، فإن هذه الثقة هي التي تعين على وجود المؤهلات الإيمانية التي ذكرت وتزيدها نموًا وأثرًا، فيصبر على المعاناة والمشاق، ويستمر في العلو فوق الشهوات، ويستخفف ما يلاقي من الآلام؛ لأنه يوقن في نصر الله للحق وإزهاق الباطل، ويؤمن بأن أجرَ الله وثوابَه مضمون للعاملين الصابرين، وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون.
المؤمنون الذين استجابوا للدعوة، ويغدون لحمل أماناتها لا يكفى منهم أن يقولوا بألسنتهم آمنَّا، بأن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فقط.. إن هذا لا يكفي لأن تسند إليهم الأمانة فقد يقفون في الطريق فلا يواصلون مسيرتهم، وقد يجتزئون بعضها دون الآخر، وقد يختارون ويتركون، وقد يكتفون بأنفسهم أو ببعض ذويهم ولا يهتمون بهذه الدعوة جميعها شريعةً وعقيدةً وناسًا وأُمَمًا مستخفين بعضًا ومستثقلين بعضًا.. يقول الله تعالي: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ" (العنكبوت: 2) لا.. بل لابد أن يُفتَنوا وأن يُبتَلوا، وأن يجرَّبوا بعد قولهم آمنَّا؛ لتعرف المعادن، ويعرف الصدق من الكذب، واليقين من الشك، وكيف يترك مَن يعلن الإيمان بلسانه دون فتنة وابتلاء، وسنة الله فيمن سبقهم من المؤمنين في الأمم السابقة أنهم تعرضوا للفتن