الفرق بين المراجعتين لصفحة: «من قتل حسن البنا»
لا ملخص تعديل |
لا ملخص تعديل |
||
سطر ٥٨٠: | سطر ٥٨٠: | ||
'''قالت تقارير الأمن العام لوزارة الداخلية المصرية:''' | '''قالت تقارير الأمن العام لوزارة الداخلية المصرية:''' | ||
:كان [[النظام الخاص|الجهاز السرى]] محكمة تنعقد لمحاكمة من يعتبرهم الجهاز خصوما | :كان [[النظام الخاص|الجهاز السرى]] محكمة تنعقد لمحاكمة من يعتبرهم الجهاز خصوما [[للإخوان]] أو خونة فى حق الوطن والدين . وحين تصدر هذه المحكمة حكمها فإنها تختار بضعة من الشباب تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والعشرين.وتعد حجرة تضاء بشموع قليلة ويطلق فيها البخور بعبق بالحجرة . وتنطلق فى أرجائها سحبة التى تضفى عليها رهبة المعبد وقداسته. | ||
:ويؤمر الشباب بدخول الحجرة عند منتصف الليل.. بعد أن يخلعوا نعالهم ليجدوامنصة مرتفعة قليلا عن الأرض مفروشة بالسجاد , وعليها وسائد مغطاة بالسواد يتكئ عليها شيخ يرتدى قلنسوة سوداء عيناه نصف مغمضتين وبيده مسبحة طويلة فيجسلون أمامه. | :ويؤمر الشباب بدخول الحجرة عند منتصف الليل.. بعد أن يخلعوا نعالهم ليجدوامنصة مرتفعة قليلا عن الأرض مفروشة بالسجاد , وعليها وسائد مغطاة بالسواد يتكئ عليها شيخ يرتدى قلنسوة سوداء عيناه نصف مغمضتين وبيده مسبحة طويلة فيجسلون أمامه. | ||
سطر ٧٨٦: | سطر ٧٨٦: | ||
'''وأضاف:''' | '''وأضاف:''' | ||
استغل الشيوعيون الاضطرابات التى بدأها [[الإخوان]]. ولم ينضم الشيوعيون إلى [[الإخوان]] للتستر وراءهم كما يقال . فهم أكثر ذكاء من أن يفعلوا ذلك وهم يعرفون أن [[الإخوان]] يقفون ضدهم. | :استغل الشيوعيون الاضطرابات التى بدأها [[الإخوان]]. ولم ينضم الشيوعيون إلى [[الإخوان]] للتستر وراءهم كما يقال . فهم أكثر ذكاء من أن يفعلوا ذلك وهم يعرفون أن [[الإخوان]] يقفون ضدهم. | ||
أبرقت السفارة الأمريكية واشنطن تؤكد | '''أبرقت السفارة الأمريكية واشنطن تؤكد: ''' | ||
:" المسئولية الأولى فى المظاهرات ومصرع سليم زكى تقع على عاتق [[الإخوان المسلمين]] وأن الحكومة المصرية اتهمتهم بذلك علنا". | |||
'''وقالت السفارة ''' | |||
:" إن ضابط شرطة قتل وأصيب ثمانية من الضباط و54 من الجنود ومائة طالب". | |||
'''ولكن ادجار جلاد قال للقائم بالأعمال الأمريكى:''' | |||
:يعتبر الطلبة سليم زكى أحد أعمدة النظام الحاضر وهذا من أسباب عدائهم له. | |||
'''وأخذ جلاد يتحسر على الماضى أمام جيفرسون باترسون قائلا:''' | |||
:عندما كان السير توماس راسل باشا الحكمدار البريطانى لشرطة [[القاهرة]] يسير بحصانه الأبيض أمام المتظاهرين كانوا يتراجعون .. متفرقين!ويعترف جلاد باشا لباترسون قائلا: من أسباب السخط العميق كراهية الشعب للملك. | |||
قال لى [[فهمى أبو غدير]] المحامى والدى كان عضوا ب[[مكتب الإرشاد]] ممثلا لطلبة الجامعة عام [[1937]] إن [[الإخوان]] لم يقتلوا سليم زكى وإنما قتله طالب بكلية الطب اسمه [[مصطفى أمين]] ليس عضوا فى [[الجماعة]]ولم يكن مصرع حكمدار الشرطة بتدبير. | |||
أحس الشيخ [[البنا]] بخطورة الحادث فأوفد أبو غدير والشيخ [[أحمد شريت]] فى اليوم نفسه من [[ديسمبر]] إلى [[حامد جودة]] رئيس مجلس النواب يطلبان منه التوسط لدى [[النقراشي]] لبدء صفحة جديدة بين الحكومة و[[الجماعة]]. | |||
'''قال الرجلان:''' | |||
:نحن نبرأ إلى الله مما حدث اليوم. ونرجو أن تكون حمامة السلام بين [[الإخوان]] والحكومة. | |||
'''رفض [[حامد جودة]] بإصرار وقال:''' | |||
:[[الجماعة]] قتلت اليوم سليم زكي وما بينها وبين الحكومة لا يمكن الوساطة فيه أبدأ.. | |||
حمل الرجلان هذا الجواب إلى [[المرشد العام]] الذى أدرك خطورة الموقف فإن [[حامد جودة]] توسط للإفراج عنه فى المعتقل فى عهد [[حسين سرى]] يوم كان يعلم أن هناك مجالا للتوفيق..قصد '''" تشابمان أندروز"''' الوزير البريطانى المفوض إلى وزرة الخارجية يوم 5 من [[ديسمبر]] ليلتقى بوزير الخارجية بالنيابة إبراهيم الدسوقى أباظة باشا.سأل '''" أندروز"''' الوزير عن الاضطرابات التى وقعت فى اليوم السابق واغتيال سليم زكى. | |||
'''رد دسوقى أباظة قائلا:''' | |||
:أحداث الأمس ذات طبيعة يمكن أن تحدث فى أى مكان فالمشاعر العامة فى حالة التهاب بسبب موضوع [[السودان]] وكانت العناصر الساخطة فى [[الأحزاب]] السياسية, البعيدة عن الحكم, مستعدة تماما للاستفادة من الموقف ويرفع دسوقى باشا سماعة التليفون أمام الوزير البريطانى ليسأل مدير الأمن العام عن الخسائر. | |||
'''قال مدير الأمن العام:''' | |||
:أصيب سبعة من رجال البوليس وتسعة من الطلبة والمارة بجراح فى الجيزة ولم تكن هناك خسائر فى الأرواح .وفى كلية الطب '''(القصر العينى)''' إلى جانب مصرع سليم زكى بك. لقى شخص آخر مصرعه وهو مساعد معمل كان يعاون ويحرض الطلبة المتمردين. وأصيب 56 من رجال البوليس, بينهم سبعة ضباط كما أصيب 74 طالبا. | |||
:وقال المدير الأمن العام أيضا إن [[الإخوان المسلمين]] مسئولون. عن اندلاع أ‘مال العنف , وأنهم الذين جاءوا بالأسلحة وال[[قنا]]بل اليدوية. ولكن عندما بدأت أعمال الشغب , عاونتهم جماعات سياسية أخرى أبرزها الوفديون. | |||
وعلى أية حالة فإن سبب أعمال الشغب كان يتمثل فى التحريض بشأن [[السودان]] وكان الشعار الذى رفعه الطلبة هو '''" تسقط الحكومة التى باعت [[السودان]]"'''.قبل أن ينصرف '''" تشابمان اندروز"''' أخذ يذكر وزير خارجية [[مصر]] بالنيابة بمسئولية الحكومة المصرية عن تأمين وممتلكات الأجانب. | |||
ولم يكتف '''" أندروز"''' بذلك بل تحدث طويلا عن أحداث الشغب التى وقعت فى [[يوليو]] والتى أسفرت عن مصرع عدد من الأجانب وإصابة كثيرين وأعرب عن قلق بريطانيا البالغ إزاء حالة الأمن العام فى [[مصر]] وطلب تأكيدا بأن تبذل الحكومة المصرية كل ما هو ممكن لإقرار القانون والنظام. | |||
ويتوجه الوزير البريطانى مباشرة إلى القصر الملكى ليقابل حسن يوسف وكيل الديوان ويوجه إليه نفس الأسئلة ونفس التحذير. ويردد وكيل الديوان نفس المعلومات عن الخسائر للوزير البريطانى ويضيف ان الطلبة كانوا يهتفون '''" يسقط [[النقراشي]]"'''. | |||
إشارة إلى ما حدث قبل ثلاث سنوات عندما أمر النقراشى بفتح كوبرى عباس بينما مظاهرة طلابية تعبره , مما أدى إلى حالة من الذعر وأشبع أنه سقط عدد من القتلى . | |||
'''وقال:''' | |||
:القنبلة اليدوية التى قتلت حكمدار البوليس كان مقصودا بها [[النقراشي]] إذا ظهر ليلقى خطبة فى الطلاب, كما كانوا يتقوقعون.وقال حسن يوسف إن السلطات المصرية تحاول تحديد مكان محطة إذاعة تروج الشائعات الأخيرة بأن الأمير محمد على قد مات. وإن إسماعيل صدقى باشا مات فى شائعة أخرى. | |||
والهدف من هذه الأنباء خلق حالة من التوتر.تجمع طلبة المدرسة الخديوية الثانوية فى الفناء يوم 6 من [[ديسمبر]] يهتفون ضد الملك, ولصالح الملكة , والقوا قنبلتين على الشرطة خارج الأسوار فأفلت عبد الرحمن عمار وكيل الداخلية... بأعجوبة. | |||
وقالت السفارة الأمريكية إن رجال الشرطة فى [[القاهرة]] لا يزيد عددهم على الألف , وقد أصبحوا مرهقين لأنهم يعملون 24ساعة كل يوم .. ويوجد خوف من أن تتكرر الاضطرابات التى وقعت فى [[فبراير]] [[1946]] وأدت إلى استقالة [[النقراشي]]! | |||
منعت الحكومة صحيفة [[الإخوان المسلمين]] من الصدور واتهمت صحيفة '''" النداء"''' الوفدية التى يصدرها يس سراج الدين شقيق سكرتير عام الوفد [[الإخوان]] بأنهم وراء الانفجارات الأخيرة. قالت '''" النداء"''' | |||
"تلقى [[المركز العام]] [[الإخوان المسلمين]] ألوف الاستقالات من شتى جهات جهات القطر".وصورت '''" النداء"''' مجموعة من القنابل اليدوية وخلفها صورة ترمز إلى شخصية [[المرشد العام]] [[للإخوان المسلمين]]. | |||
" | علقت النداء على ذلك كله بتوقيع '''"المصرى افندى"''' الذى يبدى إعجابه ودهشته لأن '''"تلك القنابل لها ذقن"'''!!وردت صحيفة [[الإخوان]] بأن '''"النحاحسة"''' إشارة إلى [[مصطفي النحاس]] رئيس الوفد لا يتورعون من إلقاء الاتهامات تمشيا مع أخلاقهم . | ||
'''قال مرتضى المراغى مدير الأمن العام:''' | |||
:" عجزت قيادة [[الإخوان]] عن وضع التنظيم المارد أى [[النظام الخاص|التنظيم السرى]] فى القمقم بعد خروجه وانطلاقه.لقد أصبحت الهيئة العليا [[للإخوان]] بلا حول ولا طول إزاء هذا التنظيم وكان الشيخ [[البنا]] غير قادر على الحد من قوة [[النظام الخاص|الجهاز السرى]] والتسلط عليه". | |||
ويعترف المستشار [[صالح أبو رقيق]] عضو [[مكتب الإرشاد]] فى مقال نشره بجريدة الأحرار المصرية فى 11 من [[أغسطس]] عام [[1986]] بأنه لا يستطيع إنكار ما قام به [[الإخوان]] من أعمال صاحبها العنف, ولكنه تبرر ذلك بأنها كانت كلها وطنية تتجلى فيها الفدائية. | |||
ومن هذه الأعمال ما وقع يوم الجلاء عن [[القاهرة]] و[[الإسكندرية]] ونسف حارة [[اليهود]] ومحل جاتينيو ومحل شيكوريل وإن كان يقر أن الحادث الأخير وقع فى النصف الأخير من الليل.أما أهم الأخطاء التى وقع فيها [[الإخوان]] كما يرى [[صالح أبو رقيق]] فهى قتل المستشار الخازندار . | |||
ويعترف [[صلاح شادي]] أحد كبار المسئولين فى [[الجماعة]] بأنه لا يمكن إعفاء قيادة [[الإخوان]] من مسئولية عدم مسائلة [[عبد الرحمن السندي]].وكان من المحتم إبعاده عن منصبه ولو تم لتجنبت [[الجماعة]] الهزة التى حدثت فى صفوفها | |||
'''ويقول التلمسانى:''' | |||
:إن [[عبد الرحمن السندي]] تمرد على قيادته وأخذ الشيخ حسن يطاول ويعالج ! وكان [[عبد الرحمن السندي]] يشعر باستقلاله عن سلطان [[الجماعة]] ولم يكن من حتى أحد من [[إخوان]] [[النظام الخاص]] أن يتصل ب[[المرشد العام]] إلا عن طريقه وبذلك عزل النظام عن قيادة الدعوة. | |||
- واعترف عبد الرحمن السندى بقيادة النظام الخاص بقتل [[الإنجليز]] والصهاينة ف البداية ثم ارتكاب الانفجاريات داخل [[مصر]] وقتل المصريين. | - واعترف عبد الرحمن السندى بقيادة النظام الخاص بقتل [[الإنجليز]] والصهاينة ف البداية ثم ارتكاب الانفجاريات داخل [[مصر]] وقتل المصريين. |
مراجعة ١٠:٠٣، ٥ سبتمبر ٢٠١٢
- " اتاحت حرب فلسطين للإخوان التسلح والتمرن على القتال, وكشفت عن مدى استعدادهم الحربى ومدى نفوذهم فخشيت حكومة النقراشي سطوتهم".
وفى مذاكراته قال صلاح نصر مدير المخابرات العامة المصرية:
- " كنت معجبا بالتضحيات التى قدمها كثير من أفراد جماعة الإخوان المسلمين فى ميدان الكفاح المسلح على أرض فلسطين".
والحقيقة أن دور الإخوان فى حرب فلسطين كان محل تقدير مصر والعالم العربى. اشتركوا بثلاث كتائب.وكانت الكتيبة الأولى بقيادة البكباشى المقدم أحمد عبد العزيز الذى عين قائدا لقوات الجامعة العربية . وقد وصل إلى العريش يوم 25 من أبريل 1948.
وقاد البكاشى عبد الجواد الكتيبة الثانية.وقاد الشيخ محمد فرغلي مجموعة من متطوعى الإخوان , وقد حوكم محمد فرغلي أمام محكمة الثورة بعد ذلك وأعدم بتهمة الإشتراك فى محاولة اغتيال جمال عبد الناصر!
عزز الإخوان الدفاع عن القدس وبيت لحم قبل وبعد الهدنة الأولى وحاصروا المستعمرات اليهودية أثناء الهدنة.وأغاروا على القوافل اليهودية وشبكات التموين وقطعوا المياه عن اليهود ومنعوهم من تسميم آبار المياه فى المناطق التى استولت عليها القوات المصرية ووفروا لهذه القوات الحماية أثناء انسحابها من فلسطين. وساعدوا القوة المصرية المحاصرة فى الفالوجة مما جعلها تقاوم الحصار فقد أمدها الإخوان بالمؤن.
وقبل الإخوان أن يعملوا تحت قيادة الجامعة العربية ورغم ذلك لم يحصلوا على مرتبات ولم تصرف لهم ملابس! قال أحمد عبد العزيز فى تقرير رسمى:" كانت للإخوان أفكار حربية وجيهة".
وفى كتاب "الإخوان المسلمون فى حرب فلسطين" روى قائدهم كامل الشريف وهو مدنى مئات البطولات عن معارك مستعمرة "تل بيوت" واقتحام " تبة اليمن" التى اسموها تبة الإخوان المسلمين ,"التبة 86" جنوب دير البلح. ولولاهم لعزل الجيش لامصرى فى غزة وقطعت المواصلات عنه..
وكذلك استيلاؤهم على قرية العسلوج والأبطال الذين كانوا يزحفون على الإشواك تحت تهديد الرصاص كيلوا مترات وأسماء كثيرة عبد المنعم عبد الرؤوف وخالد فوزي ومكاوي سليم ومحمد قارون وإبراهيم عبد الجواد وعبد الحميد بسيوني خطاب ويحيي عبد الحليم... ومئات السماء .. الخ.... الخ وعندما كان لكلجندى من متطوعى الإخوان أربعة أرغفة كل يوم كانوا يقدمون واحدا منها للعرب المهاجرين.
وقد أتيح لأبطال الإخوان أن ينطقوا بكلمات قبل الشهادة.كانوا يرددون : هبى ريح الجنة .... هبى.ولكن غذا كانت الجيوش النظامية قد هربت من إسرائيل فإن متطوعة الإخوان لاقوا الموت من إسرائيل والإضطهاد من حكومتهم!
ولكن ... كان للحكومة المصرية رأى أخر فى دور الإخوان المسلمين فى حرب فلسطين عبرت عنه النيابة العامة فى مرافعتها فى قضية اغتيال النقراشي قالت
- " لما أخذت مشكلة فلسطين مظهرها الخطير وجد أعضاء الجمعية السرية الجهاز السرى للإخوان فرصة ذهبية للفت الأنظار إليهم , وإرهاب المصريين , وإظهار السلطات بمظهر العاجز عن حفظ الأمن وحماية أرواح المصريين والأجانب .. فدبروا سلسلة من الحوادث الإرهابية أطلقوا فى بعضها الرصاص على اليهود .. واستعملوا فى بعضها المواد المتفجرة لنسف محالهم".
وفى مذكرات الدكتور حسين هيكل قال:
- " اعتبر الإخوان الحرب بين العرب واليهود حربا دينية فتطوع عدد غير قليل منهم خاضوا غمارها.وكان من متطوعيهم عدد من الشبن المتعلمين رأوا ما كان من عبث فى ميادين القتال.
- وكيف كانت الاسلحة فاسدة والمدد غير منتظم , وكيف أدى ذلك إلى اخفاق المجهود المصرى وإلى عقد الهدنة المؤقتة ثم إلى عقد الهدنة الدائمة فعادوا إلى وطنهم ساخطين على طريقة حكمه , مؤمنين بأن أطراد الأمر على هذه الوتيرة يجر على الوطن أبلغ الضرر.وكان من اثر هذه الحرب أن قويت شوكة جماعة الإخوان المسلمين "!
كتب تشابمان أندروز إلى لندن:
- " حصلنا على لا شئ , أو ما يقرب من اللاشئ , من تعاملنا مع الحكومات العديدة التى تعتمد على البرلمان الحالى حتى مع المساعى الحميدة للملك فاروق .ومن المؤكد أن الحالة الراهنة للأمور لا يمكن أن تستمر طويلا.
- وأشك فيما إذاكان هناك وقت منذ 1882 أذعن فيه المصريون بشكل أكثر من حيث اللامبالاة إزاء استمرار وجود حكومتهم كما أشك غذا كنا قد شهدنا حكومة أكثر فى عدم شعبيتها من هذه الحكومة.وإذا ظلت هذه الحكومة فى السلطة لاجراء الانتخابات الجديدة فقد يقاطعها الوفد.
- وإذا وجدت المجموعة الحالية نفسها فى الحكم مرة أخرى فى مواجهة الاحتمال خمس سنوات من العقم فسيكون صعبا أن نتوقع من الشعب الاستمرار فى الإذعان واللامبالاة طوال هذه الفترة بل سيكون هناك انفجار رهيب.
ووما أخشاه أن القوى الناشئة عن مثل هذاالانفجار ن حيث طبيعتها وقوتها ستكون مفاجئة للمصريين الذين يقفون على جانبى الهوة التى لا يمكن اجتيازها والتى تفصل بين القصر والوفد".
تدهورت سمعة الملك فاروق وكتب مراسل أمريكى يقول:
- " عندما توفى الملك فؤاد والد فاروق قبل 12 عاما , ترك لابنه الذى كان فى السادسة عشرة من عمرهعندئذ ثروة شخصية مقدارها 120 مليون دولار وزيادة على ذلك تدفع له الحكومة المصرية 400 ألف دولار سنويا.
- وقد تولى الشاب العرش فوق موجة من الشعبية الشخصية التى نادرا ما تمتع بها ملك فى العصر الحديث.وفى سن السابعة عشرة تزوج فاروق الوسيم ذو المظهر الجذابمن مليكته فريدة التى كانت مصرية لطيفة ومحبوبة. وبدا أن الأسرة المالكة ينتظرها مستقبل سعيد.
- ولسوء الحظ مصر هجم على الملك الشاب جميع الطفيليين بالقصر وتمكنوا منه واصبح حلاقه الايطالى بوللى مستشاره وسكرتيره الخاص . ومنحه فارق لقب " بك" وهى مساوية تقريبا للقب سير فى انجلترا وجعله رعية مصرية لينقذه من السجن على أيدى البريطانيين اثناء الحرب وكان بوللى هو الذى قاد فاروق على طريق الملاهى الليلية.
- قال إن الناس سيعتبرونه ديمقراطيا إذا خرج بينهم ولكن الناس الذين يتكلم عنهم بوللى لا يخرجون من منازلهم قبل الظلام ولا يأوون إلى فراشهم قبل الفجر !
- وسرعان ما بدأ الملك يشاهد فى صحبة نساء لسن من ذوات المكانة. وكانت للملك مائدة محجوزة على الدوام فى علب الليل مث " أوبرج الأهرام " وحديقة السطح فى فندق " سميراميس" ونادى " الأريزونا" وغير ذلك من الأماكن الساخنة!
- وكانت له عادة مائدة كبيرة مستديرة بجوار حلبة الرقص.. ومهما كانت الأماكن مزدحمة تبقى مائدة الملك فى انتظاره دائما.وإذا أعجبت الملك أمرأة على مائدة أخرى يدعوها بوللى للرقص مع جلالته.
- فإذا رفضت طلبت منها الإدارة أن تنصرف ومن معها. وبدأت الإشاعات تنتشر حول السلوك الشخصى للملك الذى لا يشاهد مع مليكته أبدا. كان بعضها نتيجة لحملة همس بدأها حزب المعارضة الوفدى. ولم يكن هناك من ينكر أن الملك " يتصعك"!
- وطبقا لتقارير الدوائر السياسية فى القاهرة أعد الوفديون ملفا كاملا حول السلوك الاجتماعى للملك بما فى ذلك صور من يفضلهن لإقناع أعلى سلطة روحية فى العالم الإسلامى وهم كبار علماء بأن الملك لا يتصرف بما يتفق مع التراث الإسلامى.
- واقنع الوفد عشرة من الأزهريين بأن يلبسوا ملابس أفرنجية بدلا من ملابسهم التقليدية ليتعقبوا الملك فى علب الليل!وفى الوقت ذاته بدأت القصص تنتشر حول إهمال الملك لزوجته وأنه يعيش حياة عابثة فى قصر عابدين.
- وأثناء الحرب العالمية كان فاروق يقود سيارته فى أنحاء القاهرة مرتديا " الشورت " والملابس الرياضية وعقد صداقات كثيرة مع الأمريكيين.وعندما كان الماجور جنرال بنجامين جاليز ينظم سهرة بوكر كان فاروق يزوره ليجلس بجوار طاولة اللعب وينظر ..
فيصيح به جايلز:
- هيا يا ملك!
- وكان فاروق يراقب اللعب لبعض الوقت ثم ينصرف إلى المطبخ ليستكشف الثلاجة فيعد لنفسه ساندويتشا ويعب المشروبات الغازية فهو لا يحتسى المشروبات الكحولية.وكانت للملك الشاب عمره 28 سنة فى الصل أحلام كبيرة أن يخلص بلاده من البريطانيين ويحق استقلالها. وأن توجد البلاد العربية تحت قيادته.
- وفى عام 1942 حاصر البريطانيون قصره بالدبابات ودخل عليه السفير البريطانيى السير مايلز لامبسون اللورد كيلرن محاطا بالضبط والجنود وطلب إليه أن يعين النمحاس باشا رئيسا للوزارة وإلا فإن طائرة تنتظر كما قالوا لتأخذ الملك فى رحلة طويلة!
- وأطل الملك من إحدى النوافذ ورأى الدبابات استسلم ولكن المرارة ملأت فؤاده رأى أنه ضحية لسياسة القوة . سجين فى بلدة فأصبح غليظا متشككا.ومنذ تلك اللحظة , كما يقول أصدقاؤه استسلم لملذاته. إن رعاياه لامسلمين شعب متعصب فهم غاضبون لتورط الملك فى حياة الليل بالقاهرة.
- إن حياة فاروق تلقى ظلال الشك على مستقبله . وربما ينجو ولكن الأمر خطير فى نظر المراقبين الأكفاء فى القاهرة".
ساعد على انهيار سمعة الملك والدته الملكة نازلى.اتهمها فاروق بأن لها علاقة برئيس ديوانه الراحل أحمد حسنين وأنها تزوجته عرفيا.سافرت صاحبة الجلالة إلى أوربا فى صيف عام 1946 بعد وفاة أحمد حسنين, وتنقلت بين عواصم العالم ثم استقرت فى الولايات المتحدة . ورفضت العودة إلى مصر.
وأخذ الناس يتناقلون روايات فضائح الملكة الأم التى ألحقت بخدمتها رياض غالى أمين المحفوظات السابق بالقنصلية المصرية فى مارسيليا كسكرتير ثم زوّجته عام 1950 وهو مسيحى من ابنتها فتحية شقيقة فاروق!
فى لقاء بين الملك فاروق والسفير البريطانى رونالد كامبل وصف فاروق مشاعره نحو البنا.
قال:
- الشيخ فى حالة غير طبيعية من الإحساس بقوته .ويعتقد أنه مامن أحد يجرؤ على الإعتداء عليه.وقد وصل الشيخ البنا إلى حد أنه يطلب من اتباعه أن يقسموا يمين الولاء له وأن يفعلوا ما يأمرهم به وأن يمتنعوا عما يناهم عنه.
- وطلب ذلك من ضباط الجيش الذين يرغبون فى الإنضمام إلى جماعته ولكنهم, أو الأغلبية العظمى منهم , رفضوا ذلك نظرا لليمين التى اقسموها بالولاء لملك مصر ولولا ذلك لكان كل ضباط الجيش قد انضموا للجماعة
وأضاف فارق:
- ليس عندى شك فى أن الإخوان المسلمين معادون للملكية بشكل مؤكد
وكرر صاحب الجلالة القول:
قال عبد الطيف البغدادي عضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 فى مذاكراته:
"فى بداية 1940 قمنا بعمل تنظيم سرى بين ضباط الطيران والجيش استعدها للمشاركة فى تحقيق هدفنا وهو مقاومة الاحتلال البريطانى.رحب الشيخ البنا بالفكرة ولكنه اقترح إدماج تنظيمنا مع الإخوان المسلمين.
قال الشيخ البنا:
- لدينا الجنود وهم الأعضاء المنضمون للجمعية ويقدر عددهم بربع مليون ونحن فى حاجة إلى القادة القادرين على قيادة هؤلاء الجنود وستكونون القادة
واضاف:
- نحن ندعو إلى الدين لغرض سياسى نأمل تحقيقه ولسنا مشايخ طرق رفض البغدادى وزملاؤه الاندماج خوفا من ان تذوب منظمتهم وهى بداية عهدها داخل جماعة الإخوان المسلمون فوافق الشيخ البنا على التعاون مع التنظيم فى عرقلة تقهقر الجيش البريطانى عند انسحابه من صحراء مصر الغربية أمام الألمان".
وإذا كانت هذه المحاولة لاختراق الجيش قد فشلت فى تلك السنة فإنها نجحت عام 1944.وكانت الخلية الأولى الرئيسية لرجال الجيش من أعضاء الجماعة تضم سبعة ضباط برئاسة محمود لبيب وكيل الإخوان.
وبين الضباط السبعة ثلاثة من الضباط الأحرار الذين قاموا بعد ذلك بثورة 23 يوليو واصبحوا أعضاء فى مجلس قيادتها وهم جمال عبد الناصر والملازم أول كمال الدين حسين والملازم أول خالد محيي الدين.
والأربعة الآخرون هم عبد المنعم عبد الرؤوف وسعد حسن توفيق وحسين محمد أحمد حمودة وصلاح الدين خليفة وهم من الضباط الأحرار.
وظلت اجتماعات هذه الخلية تعقد سرا كل أسبوع, خلال أربع سنوات وأربعة شهور , فى منازل أعضاء مجلس الثورة الثلاثة وعبد المنعم عبد الرؤوف . وشكل هؤلاء الضباط خلايا فرعية يضم كل منها سبعة ضباط,وبايعت الخلية الرئيسية عبد الرحمن السندي قائد التنظيم السرى فى أوائل عام 1946 كما يقول حسين حمودة فى كتابه "أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمين".
وقال خالد محيي الدين إن مراسم الانضمام كانت توحى بالسرية المطلقة فتتم البيعة فى غرفة مظلمة ويقسم الضباط على مصحف ومسدس.وكان هؤلاء الضباط يقومون بتدريب أعضاء الجهاز السرى على استخدام السلاح .
وفى عام 1948 كان عدد ضباط القوات المسلحة المصرية الأعضاء فى الإخوان المسلمين قد زاد فانضم إلى الجماعة كثيرون من الضباط الأحرار بينهم انور السادات وعبد الحكيم عامر , ورشاد مهنا وحسين الشافعي وحسن إبراهيم.
وفى مذكرات الشيخ الباقورى أن جبل المقطم كان ساحة للتدريب على استخدام الأسلحة لشباب النظام .
وكان يقوم بتدريب التشكيلات الفدائية بعض ضباط القوات المسلحة من أعضاء النظام الخاص وبينهم جمال عبد الناصر الذى انضم للإخوان عن طريق الضباط الطيار عبد المنعم عبد الرؤوف عام 1942 عندما كان أركان حرب الكتيبة رقم 13 مشاة.وارتبط جمال عبد الناصر بالنظام الخاص يعمل فى صفوفه يدرب أعضاءه ويخرج معهم فى رحلاته .وكان عبد الناصر فى اتصلاته بالإخوان يتخذ لنفسه اسما مستعارا هو زغلول عبد القادر.
وبدأ عبد الناصر فى تحويل ولاء الضباط له فى عام 1946 دون علم الصاغ محمود لبيب. وعندما نقل عبد الرحمن السندي إلى مستشفى القصر العينى وكان يعالج به أثناء عقوبة السجن فى قضية سيارة الجيب زاره عبد الناصر وأصدر بعد الثورة عفوا عنه.ولم تنقطع صلة عبد الناصر بالإخوان.
بعد ثورة 23 يوليو 1952 زار الشيخ البنا وقال للإخوان المسلمين " لا تظنوا أيها الإخوان المسلمون أنى أجنبى عنكم فإنى واحد منكم
خطوة للتقارب مع الملك
بدا تشايمان أندروز خطوة للتقارب مع فاروق .دعا كريم ثابت المستشار الصحفى للملك إلى دار السفارة فى أوائل أكتوبر وطلب منه إقناع الملك بمنح تأييده السريع والقوى للتوصل إلى اتفاقية عسكرية بشروط معقولة مع بريطانيا وأن تتخذ مصر مواقف علنية مؤيدة لبريطانيا والقوى الغربية.
حمل كريم ثابت إلى الوزير المفوض يوم 11 من أكتوبر رد فاروق قال:
- " قرر جلالة الملك بصفة نهائية الاستجابة إلى اقتراح مستر بيفن والدى تلقاه خشبة باشا وزير الخارجية فى باريس ويقضى بإجراء مفاوضات بين بريطانيا ومصر على مستوى المفاوضات التى تجرى بين وزراء دفاع الدول الغربية وطلب الملك وقف الدعاية المؤيدة لحياد مصر.
- وقرر فاروق أن تنضم مصر بصورة علنية جانب قوى الغرب ويرغب فى أن يصبح على مصر نفس الواجبات والمسئوليات الملقاة على عاتق دول الحلف الغربى ... يعنى حلف الأطلسى.وإذا كان النقراشي غير مستعد لتنفيذ مثل هذه السياسة فيجب البحث فورا عن رئيس وزراء آخر يقوم بهذه المهمة.وقد أبلغ كل من إبراهيم عبد الهادي وحسن يوسف والنقراشي باشا بذلك خلال اجتماع دام تسعين دقيقة.
وقد رد النقراشى قائلا:
- الملك هو المدبر وإذا كانت هذه إرادته فلابد أنه يسعى إلى غرض ما من وراء ذلك.ووافق النقراشي على الفور وقف سياسة إهانة بريطانيا ومضايقتها واستدعاء عبد الفتاح عمرو باشا سفير مصر فى لندن للتشاور.
وعلق اندروز على ذلك قائلا:
- " ينبغى علينا نكون حذرين للغاية فى معالجة هذا الأمر فلا يمكن ضمان سكوت الوفد والإخوان ورجال مكرم إلا عن طريق الرقابة الدقيقة على الصحافة.وستكون هناك معارضة إذا تمكنت من تحقيق نجاح فى هذا الشأن كما تمكنت فى الماضى من قلب ميزان الأمور الدقيقة الأخيرة فإن الموقف سيكون أكثر صعوبة من ذى قبل وتصبح معالجته أمرا عسيرا.
- ولن تكون هناك معارضة كبيرة للتوصل إلى شكل من أشكال الاتفاق مع بريطانيا ولكن المعارضة ستكون موجهة إلى اسلوب إجراء المفاوضات وتوقيع المعاهدة عن طريق حكومة تابعة للقصر ليست لها شعبية وتعتمد على الرقابة وفرض حالات الطوارئ لتنفيذ سياستها.
وفى رأيى التزام الحذر من الذهاب إلى ما وراء المحادثات العسكرية والدخول فى القضية المصرية بشكل عام إلا :بعد إنتخابات وقد سبق لفؤاد سراج الدين . السكرتير العام للوفد. أن نصح بعدم افقبال على هذه الخطوة.
- وأرسل لى فؤاد سراج الدين خطابا بأن آية محاولة للوصول إلى اتفاقية مع حكومة تابعة للقصر ستفشل لا محالة كما فشلت محاولات سابقة.وقال أيضا أن صور الفشل المتتابعة جعلت من العسير على حكومة الوفد التى ستأتى لا محالة آجلا أو عاجلا التوصل إلى أية اتفاقية معنا".
ولكن الإخوان من ناحيتهم كانوا يتوقعون سقوط كل الأحزاب كتب جيفرسون باترسون القائم بالأعمال الأمريكى يقول:
ويلتقى كلاتون مدير الإدارة الأفريقية بوزارة الخارجية البريطانية فى باريس يوم 22 من سبتمبر بادجار جلاد سألأه عن الموقف فى مصر.
قال جلاد:
- الملك والجميع وافقوا على إبعاد النقراشي. وقال إن خليفة النقراشي إما أحمد خشبة بشا وزير الخارجية وهو رجل ضعيف , على أن يتولى وزارة الداخلية إبراهيم عبد الهادي.
وأضاف:
- المطلوب حكومة ائتلافية ولكن الملك لن يقبل النحاس كرئيس للوزراءة وإذا حاولتم أى الإنجليز فرض النحاس عل صاحب الجلالة فستقوم الاضطرابات ,اطال جلاد فى الحديث بينما التزم كلاتون وزميل له الصمت .. وأخيرا قالا تشكيل الحكومة مسألأة داخلية مصرية مخصة. ولن تتدخل فيها الحكومة البريطانية.
ولكنهما استدركا قائلين:
- كل الذى يحظى بهتمامنا أن نجد حكومة مصرية تستطيع التعامل معها
بدا جلاد يهدد قال:
- فى هذه الحالة سيلجأ الملك إلى الشعب , ويجدد تأييده للإخوان المسلمين الذين تخلى عنهم ! توجه تشابمان أندروز الوزير البريطانى المفوض لمقابلة النقراشي لابلاغه بإصرار بريطانيا والولايات المتحدة على ضرورة تقرير الوسيط الدولى بضرورة تقسيم فلسطين بين العرب واليهود.
- اضطر النقراشي للموافقة فهو يعلم حقيقة الموقف العسكرى والإقتصادى فى مصر والموقف الدولى الذى يفرض على مصر... الخضوع! وبعد انصراف اندروز كانت الدموع تغطى وجه النقراشى ويعرف الوزير البريطانى ذلك من " صديق مصرى"
ويكتب أندروز إلى لندن :
- لم أسمع من قبل أن النقراشي يبكى . رغم أن هؤلاء الناس يستسلمون فى لحظات الضيق والتوتر إلى التنفيس العاطفى.ولابد انه توصل إلى أن موقفه بلا أمل"!
الملك الجديد
كان يجب أن ينتبه صاحب الجلالة لخطورة الموقف فى مصر, ويتخذ إجراءات حاسمة حتى لا تتدهور الأمور بعد حرب فلسطين.ولكن فاروق نطلق فى عبثه.قصد تشايمان أندروز الوزير البريطانى المفوض إلى الإسكندرية ليتابع الملك فاروق ثك كتب هذه الرسالة إلى مايكل رأيت الوكيل المساعد لزارة الخارجية البريطانية.
قال:
- "امضيت عدة ساعات على ظهر عوامة عبود باشا فى ميناء الإسكندرية التى ترسو قرب اليخت الملكى برأس التين.وأتيح لى بشكل مفاجئ أن أرى عن قرب أحوال صاحب الجلالة وهو ينتقل بصورة متقطعة بين يخته " المحروسة" و"فخر البحار" وعوامة قديمة أخرى ترسو على مسافة ليست بعيدة عن عوامة عبود.
- لقد تم نقل كل العوامات الأخرى بعيدا حوالى 200 متر من هذا الركن . وكان مقررا أن تبتعد عوامة عبود أيضا لولا أن الملك ميزها واشار من فوق " المحروسة " بان تبقى كما هى.ورغم ذلك تم إبعادها الآن .
- وهكذا يمكن رؤية جلالته فى ماء البحر على نحو حذر مع فتاتين يونانيتين فى العوامة القديمة , أو يطوف الميناء فى زولاقة السريع , عارى الصدر والرأس بصحبة شخص يشبه بوللى وهو القواد ورفيق الملذات الإيطالى الذى أنعم عليه بالبكوية اخيرا.
- وفى بعض الأحيان, يخرج جلالته للصيد ليلا. وفى أحيان أخرى يخرج للقمار ليلا:وخلال العطلة قضى ليلتين وهو يلعب "البكاراخ" فى نادى السيارات الملكى ومع ذلك , فبعد هذه الليالى . يظهر فى الحادية عشرة صباحا . يطوف الميناء وضحكاته تدوى فوق مياة البحر المتوسط
- وهو قوى جسمانيا ومن الواضح أن يستمتع بشكل طفولى بمهارته وجرأته فى التلاعب بزورقه السريع يتلوى فى منحنيات دقيقة. ثم ينطلق به بأقصى سرعة فى اتجاه شىء معين ثم يتفاداه قبل أن يصل إليه بعشر ياردات فقط.
- وهذه الأعمال الجريئة موضع اعجاب بالغ من أطفالى الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم بين خمس وعشر سنوات فهم يجلسون مبهورين ويمنعون أنفسهم بصعوبة من الصياح والتهليل له بين الحين والآخر وعندما يحدث ذلك يستدير صاحب الجلالة ويلوح بشكل ودى.
- وسمعت أن جلالته يفكر فى الآونة الأخيرة فى إمكان طلاق الملكة فريدة فلن يكون مناسبا له أن يحتفظ بزوجتين على الرغم من أن الشريعة الإسلامية تسمح له بذلك.وأعتقد أن المشكلة الرئيسية تتمثل فيما ستفعله الملكة إذا حصلت على حريتها.
فاتح الملك وهو يضحك الأمر مع الملكة قال لى جلاد:
- فى آخر مرة ناقش فيها الملك الأمر مع لاملكة قالت إنها " ستذهب وتتزوج الخباز" والملك يأخذ هذه الفكاهة بجدية بالغ ولم ينجح بعد ذلك فى حل مشكلة كيف يحصل على حريته دون أن يحررها فى الوقت نفسه"!
أراد فاروق ألا تتزوج الملكة فريدة بعد طلاقها فقال لشيخ الأزهر:أريد أن تصدر فتوى بأنه لا يجوز لها أن تتزوج رجلا آخر .
قال شيخ الأزهر: المرأة بعد الطلاق وانقضاء العدة تستطيع أن تتزوج من تشاء طبقا للشريعة.
قال فاروق: ولكنها ملكة؟
قال الشيخ: الدين لا يفرق بين ملكة وامرأةمن عامة الناس !
ولا يجد فاروق مفرا من طلاق زوجته الملكة فريدة فى 17 من نوفمبر 1948 دون أن يشترط عليها ألا تتزوج . ... وعلى أى حال فإنها لم تتزوج بعد طلاقها من صاحب الجلالة .. أو بعد وفاته! وتستمر المحاولات للإطاحة بالنقراشي بعد أن قاطعته السفارة البريطانية تماما.
كتب تشابمان اندورز الوزير البريطانى المفوض إلى لندن:
- " قيل لى أن الملك يفكر من جديد فى التخلص من النقراشي بمجرد أن يدرك الشعب المصصرى حقيقة الوضع فى فلسطين.
- ووفقا لما يقوله أحمد عبود المليونير ورجل الأعمال المصرى فقد أرسل فاروق منذ بضعة أيام يستدعى حسين سرى وطلب منه تشكيل حكومة على أساس البرلمان الحالى. وبعد أن فكر حسين سرى فى ذلك لفترة ما .
- تخاذل وأبلغ الملك أنه لا يستطيع إلا إذا صار مفهوما أنها حكومة انتقالية تتولى السلطة بهدف إجراء انتخابات عامة. ولم يقرر الملك وأعتقد أنه قد يقرره فى الخريف ..
- ومن المؤكد أن المرء لا يتلقى مطلقا أية كلمة طيبة من النقراشي والحكومة الحالية بينما يسمع المرء من جوانب عديدة أن الأمل الوحيد يتمثل فى عودة الوفد .
- ويخشى الناس باستمرار على إقناع وزارة الخارجية البريطانية بأن تتركنى أبلغ الملك بأنه لا يمكننا السماح بإستمرار الأوضاع كما هى فترة أطول مبينا أن الحفاظ على وضعنا الاستراتيجى هنا أمر حيوى ويجب أن نحظى بحسن نوايا الشعب المصرى إلى جانب احتياجاتنا العسكرية الضرورية
- وتمضى الأمور من سيئ إلى أسوأ ولا يمكن أن نفكر فى محاولة تسيير أمورنا مع حكومة لا تتمتع بتأييد شعبى!
وأعتقد أن أفضل ما يمكن عمله فى الوقت الراهن أن نترك الكلاب النائمة ... نائمة!
- وإذا تمكن المرء من إقامة صلة طيبة مع الملك فاروق بصورة شخصية بالشكل الذى يجعل التعامل معه بصراحة ممكنا وبطريقة غير رسمية فسيكون شيئ طيبا أن نحثه على إجراء انتخابات عامة مبكرة.وأعترف بأنى لا استطيع اختراق المجموعة المحيطة به . الذين يكسبون معاشهم أو يحتفظون بمناصبهم من كونهم سماسرة.
- وإذا اتيحت لى نصف فرصة سأنتهزها ولكن عدم تمكنى من مثل هذه الفرصة حتى الآن ولا السفير يبين أن الملك يعرف الاتجاه الذى يجب أن تسير فيه مثل هذه المحادثات ولا يريد سماع نصيحة لا يستسيغها "! وتستمر المفاوضات من وراء ظهر النقراشي للإطاحة به ويكون رسول الملك ..
- إبراهيم عبد الهادي باشا رئيس الديوان الملكى الذى تولى الوزارة 9 مرات ممثلا للحزب السعدى الذى كان يراسه أحمد ماهر وبعده النقراشي.ويكون رسول عبد الهادى للوفد المليونير أحمد عبود . طلب سراج الدين من عبود استشارة تشابمان اندروز .
رد الوزير البريطانى المفوض قائلا:
- لن يخسر سراج الدين شيئا من ابقاء القنوات مفتوحة! قال فاروق لمستشاره الصحفى كريم ثابت إنه قرر إعفاء النقراشي من رئاسة الوزارة
وأضاف:
- إنى غير آسف على تغييره فقد فشل على طول الخط " وجاب لنا وجع الدماغ" من كل ناحية.ووقع الإختيار على أحمد خشبة باشا وزير الخارجية لاذى ينتمى إلى حزب الأحرار الدستوريين ليخلف النقراشي لأن خشبة محبوب من الجميع ويصلح لرئاسة مهمتها تهدئة الأحوال فى البلاد والتقريب بين مختلف الهيئات والجهات.
- ويبعث فروق بمستشاره الصحفى إلى خشبة يستطلع رأيه, فوافق وبدأ فاروق يستطلع رأى الحزب السعدى الذى يراسه النقراشي وهل تؤيد الوزارة الجديدة أم لا على أساس أن الأغلبية للسعديين فى البرلمان
ويؤكد تشابمان اندروز الوزير المفوض للندن:
- الملك فاروق مصمم هذه المرة على التخلص من النقراشي وأخشى استدعاء أحمد خشبة باشا وزير الخارجية بدعوى أنه قادر على التوصل إلى اتفاقية معنا بشأن الدفاع والسودان مدعما مركزه فى البلاد ومتيحا للحكومة الاستمرار.
- وهو تصور خطير وأرجو ألا نشجع خشبة على الأمل فى النجاح فسيكون ذلك ميكافيلليا.وأؤيد تماما أن يصبح خشبة باشا رئيسا للوزراء لأنى مقتنع بأنه لن يستمر سوى بضعة أسابيع ولا أرغب أن يشعر لمصريون أننا قد " سرحنا" بشكل من ألشكال وبعد خشبة لا يمكن أن تقوم سوى حكومة محايدة قبل إجراء الانتخابات ويمكن أن يرأس حسين سرى الحكومة المحايدة.
- وهو يقبل المنصب لكنى اشك فيما غذا كان الملك سيعرضه عليه . فقد ضاق به وطلب عدم ذكر اسمه مرة أخرى فى حضرته ومن الاحتمالات الأخرى بهى الدين بركات وشريف صبرى وحافظ عفيفى.
- وقد أخبرنى حافظ عفيفى ليلة أمس أن قبوله رئاسة الوزراة تعنى الإستقالة من منصبه كعضو منتدب لبنك مصر وهو غير مستعد لذلك إلا بعد أن يتوافر له الوقت الكافى لتنفيذ برنمج فعال للإصلاح الاجتماعى وطد نفسه عليه وقد يكون ذلك ممكنا فى ظل ظروف معينة ولكنى لا أركن إلى تلك الظروف فى الوقت لاحاضر"
وهذه البريقية تبين أن الوزير المفوض البريطانى كان يساند خشبة باشا علانية فى القاهرة ويعارضه سرا فى لندن.وتؤكد هذه البرقية أن عمر وزارة النقراشى لن يطول.
ولم يدرك أحد أن عمر النقراشي لن يطول .كان مقررا أن يفتتح صاحب الجلالة البرلمان فى 19 من نوفمبر 1948 غير أنه تلقى تهديدات بالقتل . فأوقد فى اللجظة الأخيرة ابن عمه وولى عهده الأمير محمد على إلى البرلمان الدورة نيابة عنه.
وجاء ذلك بعد اتخاذ تدابير أمنية لم سبق لها مثيل, عل طول الطريق الذى كان مقررا أن يسلكه الملك. فتشت المبانى تفتيشا دقيقا بما فى ذلك الجامعة الأمريكية.
وابلغت الجامعة أن يبقى الطلاب فى قاعات المحاضرات بين العاشرة والنصف صباحا حتى الواحدة والنصف بعد الظهر وقد اعتبرت الجامعة ذلك إجراء غير عملى فعطلت الدراسة فى ذلك اليوم.
وحذر البوليس سكان المنازل على جانبى الطريق من استقبال الأجانب وأمروا بألا يلقوا زهور أثناءمرور الموكب الملكى.وامتنع الملك والوزراء عنم الظهور فى أى مكان عام خوفا من رصاص الإرهابيين. أيد الإخوان بأ‘مالهم شكوك الملك.. ضدهم ضاعفوا منحملتهم عليه.. واتجهوا بنقدهم إليه.
كتب صالح عشماوي وكيل الجماعة فى صحيفة الإخوان المسلمين يصف خطاب لعرش:
- " اشرأبت الأعناق وأرهفت الآذان لسماع ما يقوله خطاب العرش عن القضية الوطنية بعد أن طال عليها الركود ولكن كانت فجيعة للمصريين والسودانيين على السواء حين لم يسمعوا جديدا يقطع الصمت أو يروا بصيصا من النور يبدد بالقضية من ظلام وغموض".
قال مراسل " شيكاغو " ديلى تريبيون:
- " يخشى الملك على سلامته الشخصية والملاحظة التى تتردد فى القاهرة الآن هى: النقراشي أول وفاروق ثانيا"!
أراد فاروق أن يتخذ خطوة للتقارب مع الإنجليز بعد الهزيمة فى فلسطين فقام بزيارة مفاجئة للسفير البريطانى بدار السفارة فى 24 من نوفمبر 1948 يرافقه عبد الفتاح عمرو باشا سفير مصر فى لندن وكريم ثابت المستشار الصحفى لصاحب الجلالة.
قال فاروق للسفير البريطانى:
- آمل أن تكون هذه الزيارة مناسبة لبداية علاقات طيبة بين البلدين
وأضاف :
- تحدونى آمال عريضة أن نتوصل إلى انفاق لصالح مصر وبريطانيا وهذه المنطقة من العالم , ولكن ذلك لن يكون أمرا سهلا.
قال السير رونالد كامبل:
- اشارك ساحب الجلالة هذه الرغبة ولكن لابد أن يقتنع الجانبان بوجود احتمال حقيقى للنجاح قبل الدخول فى محادثات , فالأمر لا يحتمل أن نبدأ ثم نفشل.
وافق فاروق على رأى السفير الذى قال:
- إذا بدأت المفاوضات وكانت هناك رغبة فى نجاحها فمن الضرورى الحفاظ على المثابرة .
قال الملك:
- أرجو أن تبذلوا من جانبكم كل ما فى وسعكم لمساعدتى وتجنب تعقيد الأمور أمامى.وأشار إلى المباحثات التى تجرى فى أنقرة بين الأمريكيين والبريطانيين والأتراك للدفاع عن الشرق الأوسط وقال إنها تجرى دون حضور مصر.فى اليوم التالى لزيارة فاروق فسر عبد الفتاح عمرو باشا للسفير البريطانى مغزى الزيارة وتلميحات فاروق لمباحثات أنقرة
فقال عمرو باشا:
- إن فاروق يشعر بضرر كبير لعدم اشتراك مصر فى هذه المحادثات وهو فاروق مهتم بهذا الموضوع ويأمل فى استخدام نفوذه مع الدول المجاورة يقصد نشر شبكة من التعاون العسكرى مع البريطانيين فى منطقة الشرق الأوسط وتضم الشبكة اليونان وتركيا.
وقال عمرو:
- يأمل صاحب الجلالة أن يبدأ هذا التعاون بين مصر وبريطانيا العظمى دون تأخير.ويكتب السفير البريطانى إلى لندن يوم 25 من نوفمبر
يقول:
- " هذه هى الزيارة الأولى التى يقوم بها الملك فاروق إلى سفارة جلالة الملك منذ وصولى أى منذ مارس عام 1946.وهى تحتاج إلى بعض الشجاعة من جانبه . وكان الهدف منها أن ينقل بوضوح إلى الحكومة البريطانية آماله ونواياه الصادقة وتعريف الرأى العام المصرى بإتجاه سياسته".
اتصل السفير بكبير ياوران الملك ليعرب له عن تقديره للزيارة فوجد كبير الياوران سعيدا يشعر بالرضا والارتياح لأن صاحب الجلالة قام بالزيارة ... أخيرا!
قال السفير فى برقية إلى لندن:
- " إن عمل الملك سيصبح رمزا لحالة نفسية جديدة بين المفكرين المصريين".
وهكذا أصبح واضحا أن فاروق يريد تسوية الخلافات وتححسين العلاقات بين مصر وبريطانيا بعد الهزيمة فى مجلس الأمن . وفى فلسطين.وحدد فاروق أهدافه وهى معاهدة جديدة بين البلدين وموافقة مصر على الاشتراك مع الغرب فى الدفاع عن الشرق الأوسط.ولكن كيف يمكن الوصول إلى ذلك كله.
يشرح السفير البريطانى المر فى برقيته إلى لندن قال:
- " سيكون من نتائج الزيارة غبعاد النقراشى الذى يكرهه الملك والذى سيتم استبداله فى أسرع وقت ممكن بشخص آخر ,لكنه لن يكون النحاس".
ولكن بيفن ظل أكثر من عامين يرفض " عزل" النقراشي والتدخل فى الشئون الداخلية المصرية.ويجتمع مجلسا البرلمان فى جلسة سرية أكثر من أربع ساعات مساء يوم 30 من نوفمبر برئاسة الدكتور محمد حسين هيكل باشا رئيس مجلس الشيوخ لمناقشة الموقف فى فلسطين.
سئل النقراشي عن خسائر التى تعرض لها الجيش المصرى فقال إنها 1,5% فقط بينما بلغت الخسائر العادية فى الحروب 6% وفى بعض ميادين الحرب العالمية الثانية بلغت 22% ورفض أن يؤكد أو ينفى أن نسبة الخسائر تشمل القتلى فقط وأبى أن يجيب عن سؤال الحافظ رمضان باشا رئيس الحزب الوطني عن نسبة الخسائر من الضباط والجنود فانسحب حافظ رمضان من الحلبة احتجاجا وأعلن فؤاد سراج الدين باشا سكرتير عام حزب الوفد أن الحرب كلفت مصر 50 مليونا من الجنيهات.
وسألا رئيس الوزراء :
- لماذا لم تقم بتجهيز الامدادت اللازمة من الذخيرة قبل فرض الحظر ما دامت لديك نية فى غزو فلسطين خاصة وقد انقضت سبعة أشهر بين إعلان البريطانيين قرارهم بالإنسحاب من فلسطين وبين عبور الجيش المصرى للحدود فى 15 من مايو؟!
اعترف النقراشي بأن ما ذكره فؤاد سراج الدين حقيقة لا غبار عليها ولكنه قال :الأولى بك أن توجه هذا الكلام إلى نفسك . يقصد أن سراج الدين وافق فى اجتماع البرلمان عند مناقشة الموضوع على دخول الحرب, وأن حكومة الوفد لم تعد الجيش , للحرب فى اثناء توليها الحكم!وقال النقراشي إن قبول الهدنة ... " غلطة"!
أبرق السفير البريطانى يصف الجلسة قال:
- " وقع رئيس الوزراء فريسة لهجوم نارى.وبالنسبة لهذه القضية فقد منحت الحكومة البريطانية فى أوائل عام 1946 مصر نوعا من المعدات لتشكيل لواء مسلح ولكن المصريين أهملوا الإفادة من هذه المنحة على الرغم من أنى قمت حينئذ بتذكير الملك فاروق ورئيس الوزراء بذلك.
- وأقر رئيس بمسئوليته الشخصية نحو قضية إمدادت السلاح . وبهذا الخصوص سبق أن قال لى السفير المصرى فى لندن عبد الفتاح عمرو بأنهم لن يسمحوا للنقراشى بالقاء تبعة فلسطين علينا وقد امتنع الوزراء عن ذلك بالفعل وتحمل المسئولية على عاتقه وتعرض الفريق محمد حيدر باشا وزير الدفاع لهجوم عنيف من جانب المعارضة.
- وكان رد فعله عنيفا أيضا.اتهم بالإخفاق فى عمل الاستعدادت المناسبة قبل الاضطلاع بالحملة العسكرية وخيانة وطنه بتكليف الجيش بعمل لايقدر عليه وبعدم ثقته أى حيدر فى الآخرين.
- ودعى لوقف الخسائر فى الأرواح والأموال قبل أن تجئ بالخراب إلى مصر دافع حيدر بحرارة عن قراره الخاص بارسال القوات المصرية إلى فلسطين قال إن أى فشل فى تحقيق نصر سريع وكامل لا يرجع إلى خطأ من جانبه بل هو خطأ السياسيين الذين وضعوا العراقيل فى طريقه كوزير للحربية لبناء قوات قوية معدة إعدادا جيدا.
- وقيل إنه فقد أعصابه تماما فى اثناء الرد وأنه لقب الذين نقدوه " بأولاد الكلاب"!وفى نهاية المناقشة أصدر الشيوخ قرارا, وأعلن فيما بعد يمتدح كفاءة الجيش المصرى . ولم تكن لهجة القرار كتلك التى اعتادوا استخدامها فى وصف أعمال الجيش فى فلسطين .
- وقد أعد مشروع القرار بعناية شديدة من قبل فى القصر الملكى بهدف إعلان الثناء ليكون له أطيب الأثر على معنويات الجيش.ولم يكن مشروع القرار حافلا بالمديح حتى لا يرفضه مجلس الشيوخ الذى ينزع دائما إلى النقد ".
وهكذا نجد ان النقراشي تحمل النقد كله نيابة عن الملك والجيش والإنجليز قال السفير البريطانى:
- وبدأ من الواضح أن النقراشي لم يستطع إقناع أولئك الذين انتقدوه حقق النقراشي هدف الملك ولم يخذله أبدأ فى تلك الفترة وبذلك حان الوقت لخروجه إرضاء لكل الأطراف.
ولكن صاحب الجلالة رأى أن يستمر النقراشي فى مهمته ليخلصه من عدوه الأكبر: الإخوان المسلمين !فقد زاد نفوذ الجماعة السياسى إلي حد كبير بعد أن حددت وأعلنت مبادئها فى كل الأمور
وأهمها:
- " إعادة الخلافة .. وحتى لا يغضب الملك أو تزيد حدة غضبه على الجماعة قال المرشد العام لابد من خطوات تمهيدية لها بالتعاون الإقتصادى والثقافى والاجتماعى بين الشعوب. " الوحدة العربية الإسلامية."
- إدماج الأحزاب فى هيئة واحدة لها برنامج إصلاحى تقوم على الإسلام لاستكمال الاستقلال والحرية.
- " تطبيق نظرية الإسلام الإقتصادية أى على أساس ما جاء بالقرآن الكريم."
- أعادة النظر فى نظام الملكيات فى مصر بتحديد أو اختصار الملكيات الكبيرة وتعويض أصحابها وتشجيع الملكيات الصغيرة.
- تمصير الشركات وانتزاع المرافق العامة من الشركات الأجنبية .
- توزيع أملاك الحكومة فورا على صغار الزراع
- " فرض ضريبة الزكاة على رأس المال والربح لا على الربح وحده
- " الضرائب تصاعدية ويعفى منها الفقراء.
- تحريم الربا.
- "العودة للأصول الكبرى:القرآن والسنة كمصدرين للتشريع.
أسقطت الجماعة أو ساهمت فى إسقاط, وزارتين فى سنة واحدة: النقراشى فى أوائل عام 1946 وصدقى فى أواخر ذلك العام.واصبحت قوية تضم 600 ألف عامل والمؤازرون ضعف هذا العدد ولها ألفا شعبة فى مصر وخمسون فى السودان وشعب فى كل الدول العربية وإندونيسا وسيلان وأفغانستان, وتركيا وأوربا , وأمريكا . وأنشأت الجماعة أعدادا كبيرة من المستوصفات والمدارس والأندية والجمعيات الاجتماعية.. ودارا للأعلانات .
وأخرى للطباعة, وثالثة للنشر تصدر الصحيفة اليومية ومجلة أسبوعية ومجلتين شهرتين وكتبا إسلامية , وعدة شركات منها 4 شركات كبرى للمناجم والنسيج والتجارة وإصلاح الأراضى بنجع حمادى.
قال هيوارث دان: إن هناك نوعا من المهدية فة حركة الجماعة وأن المرشد العام هو " المهدى"
وقال العميد أحمد كامل قائد شرطة القصور الملكية:
- " كان صاحب الجلالة يخاف الإخوان ويكرههم جدا. ويعتبر الشيخ البنا خطرا عليه ويخشى على حياته من الإخوان حتى أنه كلفنى أى أحمد كامل بأن أشدد الحراسة عليه فى تنقلاته والأماكن التى يتردد عليها ومكلاحظة العمال والزوار فى القصور والتفاتيش أى الأراضى الزراعية والعزب الملكية وطلب إخراج الموظفين والعمال الذين ينتمون للإخوان المسلمين من القصور والتفاتيش . وأمر بعمل حواجز حديدية على الأبواب الرئيسة لإجبار السيارات على الوقوف والتحقيق ممن فيها".
وقال حسن يوسف وكيل الديوان الملكى إن الملك رأى فى جماعة الإخوان خطرا على عرشه وأن السبيل لوقف هذا الخطر هو التخلص من الجماعة.
وبعد ثورة 23 من يوليو 1952.. قال يوسف رشاد أيضا:
- كان الملك يبدى مخاوفه من الإخوان وقد أبلغ أنهم ينادون بأن الملك بالمبايعة ولا بالميراث ويهاجمونه وينتقدون صراحة تصرفاته وارتياده للأندية الليلية. وظهوره مع بعض النساء.وأنهم يرون خلعه.وكان الملك يقول إنه يجب حل حزب الإخوان وتشتيته.وقد تلقى الملك تقارير من جهات مختلفة بذلك.
- وكان البنا قد أعلن أن الملك لا يورث حسب الدين الإسلامى ويجب أن يتم اختيار الحاكم بطريق المبايعة لا بطريق الوراثة.وأيد فكرة الخلافة .
ونشرت صحيفة " الزمان " المسائية التى يصدرها ادرجار جلاد باشا رجل الملك:
- "تآمرت مجموعة من 80 فردا من الإخوان المسلمين لتنصيب الشيخ البنا خليفة وتم وضع استعدادات تفصيلية لمسيرة فى القاهرة فى أثناء إجراء الإنتخابات البرلمانية القادمة لإعلان قيام حكومة إسلامية.وتتجه نية الإخوان المسلمين إلى الدخول فى هدنة مع المجموعات الإرهابية الأخرى وبهذا تضمن تعاون العناصر الشيوعية".
وقال وكيل وزارة الداخلية عبد الرحمن عمار:
- " استقر فى نفس الملك أن الجماعة تريد خلعه عن العرش وإقامة جمهورية إسلامية تشمل مصر والدول الإسلامية.والمرشح لرئاسة الجمهورية المرشد العام".
استمرت المحاولات لتشويه صورة الإخوان أمام السفارات الغربية.زار المركز الرئيسى للجماعة ثلاثة أسابيعمتصلة كاتب أمريكى اسمه ديرونيان يوقع كتبه باسم مستعار هوجون روى كارلسون ليؤلف كتابا عنوانه " الكشف عن المتآمرين".
قدم كارسلون إلى السفارة الأمريكية صورة لأعضاء الجماعة فقال:
- " يمكن رؤية مجموعة من أكبر قطاع الطرق البلطجية فى العالم يوحى منظرهم بالشراسة فى مقر جماعة الإخوان .هم مجموعة من أصحاب اللحى ذات الملابس المتسخة للغاية لغاية منهم من أصابه الحول. ملامحهم خشنة قاسية, تجد بين صفوفهم أكثر المتعصبين قسوة..
- ويصعب التوصل إلى حل للألغاز الخاصة بهذه الجماعة , فهم يعادون الأجانب, ويميلون للشك بدرجة كبيرة.
ومحاولة الإتصال بقادتهم صعبة للغاية تكتنفها مخاطرات شخصية بل إن تحويل مجرى النيل أسهل من الوصوب إليهم بسرعة!
- وهناك من يبالغ فى تصوير القوة التى يتمتع بها الإخوان وهناك من يهون منها. ولا أعتقد أن رقم نصف المليون عضو ينطوى على كثير من المبالغة إذا حسبنا الأتباع ... وأقارب الأعضاء!
- وعلى سبيل المثال كنت أزور مطار ألماظة فذهبت إلى مكتب شركة مصر للطيران. وقلت إنى سأتوجه بعد ذلك لمقابلة البنا فتطوع موظفون لمساعدتى وعندما أخطأ قائد سيارة الأجرة فى الالتزام باشارات المرور نهره أحد جال الشرطة بصوت عال فقال السائق: إنى أنقل رجلا أمريكيا إلى المقر الرئيسى لجماعة الإخوان عندما سمع الشرطى أسم الجماعة لم يكتف بالإعتذار بل وجه إلى التحية".
قال النقراشي لكريم ثابت المستشار الصحفى
- قل للملك إن الإخوان إن الإخوان أعدوا شبكة لا سلكية تمكنهم من الأتصال بفروعهم فى جميع أنحاد البلاد فى اليوم الذى يقررون فيه قطع المواصلات. إن لاموضوع أخطر جدا مما كنت أتصور فى بادئ الأمر.
- فوجئ كريم ثابت عند دخوله على الملك فاروق بصاحب الجلالة يفتحدرجا وأخرج منه نتيجة من النتائج التى تطبعها مصلحة المساحة لتعلق على الجدران وفيها شهور السنة وأيامها ومواقيت الصلاة
وقال:
واضاف فاروق:
- أتريد أن ترى صورة الملك الجديد. أنظر ... صورة من هذه؟
قال كريم ثابت: صورة البنا
وأضاف: كيف كان ذلك؟
قال فاروق: هذه النتيجة التى تراها أمامك ليست سوى واحدة من مئات عثر عليها رجال المباحث فى دمنهور وقد نزعت منها صورتى ووضعوا مكانها صورة البنا ..ز إنه الملك الجديد!
الــــرعــــب
فى كتاباته ورسائله وخطبه قال الشيخ البنا إن أركان دعوة الجماعة هى: "العلم والتربية والجهاد"
وقال :
- " بدون استعداد كل فرد فى الجماعة للجندية لا يكون شيئ " وجعل للعضوية ست مراتب منها " المجاهد"
- واشترط أن يكون العضو " قادرا على الصبر والكتمان وحفظ السر" وحدد المرشد العام مظاهر النشاط الأسبوعى للأعضاء فأعلن أن منها " يوم المعسكر " أى يوم الجندية استعدادا للجهاد المقدس.
وقال لى الشيخ عمر التلمساني المرشد العام السابق للإخوان المسلمين:
- " الإسلام يتضمن فرض عين وفرض كفاية" الصلاة والصوم مثلا فرض عين يسأل عنهما الفرد. أما فرض الكفاية فيتمثل فى الجهاد... والزراعة الخ.. فإذا قام المسلمين بفرض الكفاية سقطت المسئولية عن الباقين... وإذا لم يقم أحد بذلك فإن المسلمين جميعا مسئولون.
فكر البنا فى الفرض الأخير أى الجهاد ورأى إنشاء قوة فى مصر ميليشيا تستطيع مقاومة الإنجليز ومواجهة اليهود فى فلسطين خاصة وأن السلاح متوافر فى كل مكان.
وأكد الشيخ الباقورى
- "إن النظام الخاص أنشئ لتدريب الراغبين فى الجهاد عن طريق لاعمل الفدائى فى فلسطين أولا. ثم فى مصر, ضد الاحتلال البريطانى لمنطقى قناة السويس. وكان التمويل من اشتراكات أفراد النظام".
- وقد انتقد البعض الإخوان وقالوا إنهم تحولوا من الإشتغال بالدين والتربية الإسلامية إلى العمل السياسى وهذا غير صحيح فقد فكر الشيخ البنا فى الجهاد عندما أنشأ الجماعة 1928.
- وفكر فى إقامة النظام الخاص الذى أطلق عليه الناس اسم النظام السرى أو الجهاز السرى عندما فكر فى الدعوة .. أى منذ البداية ولدت الفكرة مع الدعوة وفى السنة الأولى منها , ويرجع ذلك إلى أن البنا كان يرى أن الإستعداد بالتسليح والتدريب أمر ضرورى ليعرف الأعضاء معنى الجهاد ولاكتمال الدعوة وتنفيذ أمر الإسلام"
وأضاف الشيخ التلمساني:
- كل مسلم يجب أن يكون مستعدا للجهاد ويحسن استخدام السلاح
وقال:
- النظام السري لم يقم لقتل الوزراء أو قلب نظام الحكوم بالقوة وقال لى فهمى أبو غدير المحامى الذى كان عضوا بمكتب الإرشاد العام . إن التنظيم الخاص بدأ صغيرا عام 1935
- فقد تأثر الشيخ البنا بالشيخ عز الدين القسام الفلسطينى الذى قتل ومعه 13 من أنصاره فى فلسطين فى معركة غير متكافئة فرأى إنشاء هذا الجهاز لإيمانه بأن أى حق فى الدنيا لا تحميه قوة يعتبر حقا ضائعا. ومهمة الجهاز فى رأيه القتال ضد الإنجليز فى مصر وضد اليهود فى فلسطين.
ويقول الشيخ التلمساني:
- إن الجهاز أنشئ عام 1936.واعترف اثنان من رجال الإخوان هما محمود عبد الحليم وصلاح شادي] بأن المرشد أنشأ النظام الخاص عام 1940 فى سرية مطلقة لتواجه به الجماعة مسئوليتها إزاء الإنجليز فى الداخل والصهاينة فلسطين.
وقال الشيخ الباقورى:
- " كان الشيخ يعرف الشباب الذى انضم إلى النظام الخاص فى صفوف الشعب والجيش والبوليس بأعيانهم واسمائهم وأسرهم التى ينتمون إليعا وبلادهم التى يعيشون فيها"
اختار الشيخ صالح عشماوي وكيل عام الجماعة لرئاسة الجهاز فى البداية ثم اسند قيادته بعد ذلك إلى عبد الرحمن السندي وهو موظف كتابى بوزارة الزراعة لم يتم دراسته العليا! والسندى شقيق ميسور الحال عمدة لقرية بنة سند مركز منفلوط.ادى السندى البيعة أمام المرشد العام وتعهدا بألا يقدم على عمل إلا بعد الرجوع إلى لجنة القيادة وإلى المرشد شخصيا.
اعترف عبد الرحمن السندي بدوره فى الجهاز السرى عام 1954 فكتب يقول:
- " وكان البنا يعرف قدر الرجال فيعطى العاملين منهم الفرصة للعمل لخير الوطن والإسلام.ما أن تعرف علىّ وتوثقت رابطة الإخوة بيننا والثقة المتبادلة وعرضت عليه آمال وأفكارى حتى أطلق يدى فى العمل لدعوة الله ومكن لى من إعداد العدة نصرة دين الله.
- انطلقت بفكرتى أعد الشباب للجهاد , واصنع منهم الرجال المخلصين الأقوياء الذين لقى أعداء الله والوطن من مستعمرين وأذنادبهم على أيديهم أشد ألوان العذاب والبلاء.وكانوا خير الرجال الذين أقضوا مضاجع الكفر والإستعمار"
تطور التنظيم على مراحل.بدأ فى صورة نشاط رياضى كشفى , وكان البنا قد ألف أول شعبها , وتولى تدريبها بنفسه.ومع انتقال المركز العام للإخوان من الإسماعيلية إلى القاهرة تطورت ط فرق العمل " أو " فرق الرحلات" وتعددت أغراضها واصبح أولها التدريب العسكرى.
وتغير اسم فرق الرحلات إلى (الجوالة) وزاد الإهتمام بها فى أعقاب مؤتمر الإخوان الثالث عام 1935 فأصبح تنظيما مستقلا يتبع المركز العام مباشرة وفى عام 1939 عين البنا محمود لبيب الضابط السابق بالجيش قائدا عاما لفرق الجوالة وون لها مجلس قيادة من سبعة أشخاص...
إن المرشد العام بهذاالقرار رأى أن تبدأ الجيل الثانى من الإخوان عمله .. وهو الجبل الذى يحارب وأن الجبل الأول:جيل المستعمرين قد أكتمل
قال عمر التلمساني:
ولكن الحاج أمين الحسيني مفتى فلسطين ظل يردد:
الإعتداء علي البريطانيين
بدأت محاولة الاعتداء على البريطانيين عام 1942
- " قبض على اثنين من الإخوان هما جمال فكيه ومحمد عبد السلام فهمي فى ذلك العام بتهمة إعداد جيش لمحاربة الإنجليز أثناء انساحبهم من مصر فى أعقاب تقدم قوات روميل فى الصحراء الغربية.وطلبت النيابة الحكم عليهما بالإعدام."
- وقبض على نفيس حمدي الطالب وحسين عبد السميع فى السنة نفسها بتهمة إلقاء قنابل على النادى البريطانى أيام أعياد الميلاد:وزارد نشاط الجهاز الخاص ضد الإنجليز من نوفمبر عام 1944 وقد دفع صالح أبو رقيق الذى أصبح فيما بعد من كبار قادة الجماعة مهر عروسه الجهاز الخاص لشراء سيارة يحتاجون إليها فى الأعمال الفدائية ضد الإنجليز فى القتال.
وتكررت عمليات ذلك الجهاز فى أواخر عام 1945 . واستمرت الاعتداءات فى فترات مختلفة ولم يتم القبض على أحد بسبب نقص الأدلة والشهود. ووقعت هجمات على أعداد كبيرة من البريطانيين فى سينما ميامى بالقاهرة يوم 10 من مارس عام 1946.
وقذفت إحدى السيارات قنبلة خارج مبنى جمعية الشبان المسيحية يوم 5 من مايو فأصيب 16 من أفراد القوات المسلحة البريطانية بينهم سيدتان.وألقيت قنبلة خارج ثكنات الجيش البريطانى بالعباسية فأصيبت سيدتان مصريتان .
وتتابعت القنابل على سينما " الآمبايركلوب" الصيفية فى 6 من يونيو. وآخر حادث من هذا النوع كان على كوبرى قصر النيل فى 10 من يوليو. ولم تلاحق الاتهامات الإخوان المسلمين فقط بل قبض على حسن عزت من الضباط الأحرار وخمسة آخرين!
وبدأ النظام الخاص باغتيال أحمد ماهر عام 1945! ولكنه لم يشترك فى اغتيال أمين عثمان عام 1946. وارتكبت فى يوليو 4 حوادث ضد السيارات والأندية الليلية للقوات البريطانية. ووضعت قنابل فى ستة من أقسام الشرطة بالقاهرة فى 2 من ديسمبر ضد مشروع معاهدة صدقى – بيفن.
" وألقيت قنبلة يوم 3 من ديسمبر على منزل الدكتور محمد حسين هيكل رئيس مجلس الشيوخ ورصدت الحكومة مكافأة 3000 جنيه لمن يرشد عن المتهم.وألقى أعضاء النظام القنابل على نادى الاتحاد المصرى – الإنجليزى ليلة عيد الميلاد مساء 24 من ديسمبر عام 1946 فأصيب 3 من المصريين ولم يصب بريطانى واحد.
قبض على ثلاثة من الجماعة ووجدت مع أحدهم قنبلة يدوية ويقول التلمساني إن السندى بث الفزع فى قلوب المحتلين بتوقيت ليلة عيد الميلاد واختيار النادى البريطانى الذى كان مكتظا بالجنود الإنجليز وضباطهم ولكن لم يقتل أحد.
كتب السفير البريطانى إلى لندن يقول:
- " يلقى الرأى العام والشرطة مسئولية حوادث الاعتداء بالقنابل والتى أفسدت احتفالات أعياد الميلاد على الإخوان المسلمين ولكن البنا أعلن أن ذلك ليس من سياسة الإخوان.وأضاف أن جميع المسلمين يحترمون هذه المناسبة وأهميتها الدينية".
أبلغ النقراشي السفير البريطانى بالحادث تليفونيا وعرض أن يرسل إلى المستشفى أية مساعدات إضافية.
رد السفير:
إنى على ثقة من إنك ستتخذ كل الإجراءات لاستئصال هذا النوع من الجرائم.
وتوجه السفير لزيارة النقراشي وقال له:
- أتحدث إليك بدون تعليمات ولكنى أنقل إليك قلقى الشخصى إنى واثق أن سلطات الأمن , تحت قيادتك تبذل كل ما فى وسعها للقبض على مرتكبى هذه الأعمال الإجرامية.
وأضاف:
- الأمر الذى لابد أن يكون محبطا للشرطة ومشجعا للمجرمين هو التأخير فى الإجراءات الجنائية والأفراج عن كثير من المتهمين بكفالات بسيطة.
قال النقراشي:
- ليس فى الإمكان التدخل لدى القضاء فالمحافظة على مشاعرهم فى الاستقلال والأان أمر جوهرى لتحقيق الممارسة الصحيحى للعدالة . ولا شك أن المحاكم المصرية لا تعمل بالسرعة المعتادة فى بريطانيا.ولكن حيث يحتمل أن تصدر أحكام بالإعدام فإن أعضاء هيئة المحكمة يجب أن يكونوا مطمئنين , للغاية إلأى قراراتهم.
ألقيت قنابل يديوة على قطار فلسطين فى يناير 1947 وكان به بعض الجنود البريطانيين فأعلنت الحكومة عن مكافأة قدرها عشرة آلاف جنيه مصرى لكل من يدلى بمعلومات حول الحادث.
ولم تسفر تحريات الشرطة المصرية عن أى دليل ضد المصريين لاذين لا يعرفون أن قوات بريطانية مسافرة فى ذلك القطار بوجه خاص.
ويثير السفير السير رونالد كامبل الأمر مع النقراشي باشا الذى قال:
- أمل أن تؤدى المكافأة إلى نتائج . ومن المحتمل أن تكون الجريمة بفعل ناصر صهيونية.
قال السفير:
- بعض سلطات الأمن العسكرية البريطانية تميل إلى هذا الرأى . ويمكن أن يكون الصهاينة على علم بذلك نظرا لوجود بعضهم بين القوات البريطانية وفى هذه الحالة لا أتوقع ظهور معلومات نتيجة الاعلان عن المكافأة
وبعثت وزارة الخارجية إلى السفير تقول:
- " ويبدو أن الحكومة المصرية غير راغبة وأيضا خائفة , من اتخاذ إجراء صارم ضد مرتكبى الاعتداءات".
وطلبت الوزارة من السفير:
- عليك مواصلة الألحاح على رئيس الوزراء .
وحاول أومباشى مصرى نسف فندق بالإسماعيلية يوم 17 من يناير 1947 يقيم فيه الجنود البريطانيون.انفجرت قنبلة فى دار المعهد البريطانى بالقاهرة يوم 18 من مارس 1947.
ووجدت فى اليوم التالى قنبلة أخرى . لم تنفجر بمبنى كلية فيكتوريا بالإسكندرية.وتلقى القنصل البريطانى بالإسكندرية خطابات تهديد بنسف القنصلية بالقنابل من جماعة أطلقت على نفسها اسم " لجنة التحرير الوطنية".
ويكتب السير رونالد كامبل:
- " يمكن أن تكون هذه الانفجارات من تدبير عناصر فى الإخوان المسلمين ليس لها اتصال بقيادة الجماعة وتأثرت بقرار الحكومة بمنع الاجتماعات وفضل بعضهم فوجدوا أن هذه الاعتداءات قد تكون فى صالح الجماعة فقاموا بها خاصة انهم لم يلتوا من القيادة أية تعليمات تفيد العكس.
- واستمرت هذه الهجمات رغم تصريحات البنا لجميع الصحف ولابد أن يكون الإخوان المتمردون أو الذين لا يتصلون بقيادتهم قد اطلعوا عليها وقامت الشرطة بحملات واسعة النمطاق على جميع المؤسسات والمنازل التى يعتقد أن لها صلة بالجماعة عقب اعتداءات أعياد الميلاد التى كانت موجهة ضد الاتحاد المصرى البريطانى والعديد من الملاهى التى يتردد عليها الجنود البريطانيون وألقت الشرطة القبض على عدد كبير للغاية منهم ثلاثة من أعضاء الجماعة كانوا متورطين بكل تأكيد فى هذه الإعتداءات بالقنابل.
- وبصفة عامة فإن الإخوان المسلمين هم المتهم رقم (1) عندما يحدث اعتداء من هذا النوع سواء كاوا متورطين بالفعل أم غير متورطين , ورغم عدم وجود دليل قوى يؤكد تورطهم.ولكن هذه العدة التى دأب البعض على اتباعها وهى إلقاء التهمة على الإخوان المسلمين قد تؤدى إلى احتمالات خطيرة فى المستقبل.
- وإذا لجأ الوفد أو حزب آخر يرغب فى إرباك الحكومة إلى الإرهاب كسلاح سياسى فإن الإخوان سيكونون اول من تلقى عليهم مسئولية الإرهاب.ومن المحتمل أن تعتبر عناصر الشرطة الموالية للوفد إدانة الإخوان المسلمين فى هذه الحوادث على أنها أمر ثابت".
وألقيت 3 قنابل فى الإسماعيلية يم 16 من أبريل.ودمرت أجزاء من مبانى سينما مترو فى القاهرة بالقنابل فى 6 من مايو 1947 فأعلنت الحكومة عن مكافأة قدرها عشرة آلاف جنيه لمن يرشد على الفاعل
وقد اتهم الدكتور محمد حسين هيكل فى مذكراته الإخوان والجماعات اليسارية وبإلقاء هذه القنابل ولكن صلاح شادي من زعماء الإخوان قال إن رابطة الشباب الوفدية هى التى القت تلك القنابل.
تلقت المفوضية البرازيلية تهديدا بنفسها , بعد تقديم البرازيل مشروعها فى مجلس الأمن بأن يحل النزاع المصرى البريطانى بالتفاوض بين البلدين وطالب خطاب لاتهديد بدفع خمسة ملايين جنيه تعويضا عن وقاحة البرازيل فى مجلس الأمن وإلا أخذ وزيرها المفوض وجميع أعضاء الجالية رهائن.. وذبحوا وفى 28 من أغسطس 1947 ألقيت قنبلة على مقر المفوضية واتهم ثلاثة شبان مجهولون بالجريمة.
وقال الماجور سانسوم ضابط أمن السفارة البريطانية أنه يشك فى قيام الإخوان المسلمين بالقاء القنبلة.وفى يناير 1948 أعلنت الحكومة عن اكتشاف 165 قنبلة مع مجموعة من الأسلحة مع بعض الشبان الإخوان فى تلال جبل القمطم أقر الشبان أنهم اشتروها من البدو استعدادا لفسلطين.
وفى 20 من فبراير 1948 وقع انفجار عنيف فى المركز العام للإخوان سمع صداه فى كل أنحاء العاصمة ورغم ذلك فإن تسعة فقط أصيبوا. ولم يكن المرشد العام فى مقر الجماعة.
وتبين أن أسلحة ومتفجرات نقلت من أحد الفنادق قبل أن يداهمه رجال الشرطة إلى المركز بموافقة الشيخ البنا الذى قال إن اثنين من الفلسطنين جاءا بالأسلحة وأنها لتحرير فلسطين واتصل المرشد العام بالحاج أمين الحسيني مفتى فلسطين طالبا إليه التدخل فأفرج عن الإخوان وسلمت الشرطة الاسلحة للهيئة العربية العليا لفلسطين التى أعادتها بعد ذلك للفدائيين .. أى للنظام الخاص " ... كما تقول تقارير الأمن البريطانية".
وفى تقرير السفارة البريطانية قالت:
- " رضيت سلطات الأمن المصرية بتفسير أن الأسلحة لفسلطين أو تظاهرت هذه السلطات بالإقناع"!
قالت تقارير الأمن العام لوزارة الداخلية المصرية:
- كان الجهاز السرى محكمة تنعقد لمحاكمة من يعتبرهم الجهاز خصوما للإخوان أو خونة فى حق الوطن والدين . وحين تصدر هذه المحكمة حكمها فإنها تختار بضعة من الشباب تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والعشرين.وتعد حجرة تضاء بشموع قليلة ويطلق فيها البخور بعبق بالحجرة . وتنطلق فى أرجائها سحبة التى تضفى عليها رهبة المعبد وقداسته.
- ويؤمر الشباب بدخول الحجرة عند منتصف الليل.. بعد أن يخلعوا نعالهم ليجدوامنصة مرتفعة قليلا عن الأرض مفروشة بالسجاد , وعليها وسائد مغطاة بالسواد يتكئ عليها شيخ يرتدى قلنسوة سوداء عيناه نصف مغمضتين وبيده مسبحة طويلة فيجسلون أمامه.
- يمضى الشيخ فى همهمته وتمتمته. ويدير حبات المسبحة والبخور ينطلق والشيخ لا يزال مطرقا لا ينظر إليهم , وعيون الشباب تختلس النظر إليه.ويستمر الشيخ فى صلاته الخافتة قرابة نصف ساعة فتتعطل حواس الشباب عن التفكير فى أى شئ , حتى ينسوا أنفسهم.
- يفتح الشيخ عينيه ويحدق فيهم طويلا فتنحسر من الرهبة أبصارهم كأن له عينا يشع منها "مغنطيس" عجيب.. إن تحديقه فيهم يحذرهم ويسلبهم القدرة على الحركة.والبخور يدغدع إحساسهم وكأنه يدخل رءوسهم لتخيم سحبه على عقولهم .
ويقوم الشيخ متثاقلا ويقول لهم:
- حان وقت صلاة الفجر.ويصلى ذاكرا فى صلاته آيات الذين يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون ولهم الجنة.تنتهى الصلاة ويصمت الشيخ برهة ثم تدوى منه صيحة عالية.هل أنتم على استعداد للإستشهاد فى سبيل الله؟ يردون: نعم
- يقول الشيخ: وهل أنتم مستعدون لقتال أعداء الله " فيقولون : نعم
- يقول الشيخ: هل تقسمون على الوفاء بالعهد؟
- يقولون : نقسم.
- يقدم الشيخ المصحف ليقسموا عليه . فيقول استودعكم الله . وموعدنا الجنة.يخرجون وفى عزمهم شئ واحد القتل".
وهذه المحكمة كما تقول تقارير الأمن العام!هى التى قررت اغتيال المستشار أحمد الخازندار! ويقع انشقاق فى جماعة الإخوان فقد تحدى عبد الرحمن السندي المرشد العام فقرر القيام بأعمال دون الرجوع إليه .
كتب بعض الإخوان إلى الشيخ البنا يسألونه:ما رايكم دام فضلكم فى حالكم ظالم يحكم بغير ماأنزل الله ؟
رد المرشد العام كتابة بالآية التى تقول:
- " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض".
وكان عبد الرحمن السندي وراء طلب الفتوى دون الإعلان عن نفسه وهدفه منها ظهر يوم 22 مارس عام 1948 عندما اغتال حسن عبد الحافظ ومحمود زينهم وهما من الطلبة الأعضاء فى الجماعة , المستشار أحمد الخازندار بينما كان يغادر منزله فى حلوان.
طارد رجال الشرطة المقاتلين وقبضوا عليهما.قالا إن أحمد الخازندار أصدر حكما بالسجن عشر سنوات على أخ فى الجماعة لمهاجمة مجموعة من الجنود البريطانيين فى أحد الملاهى الليلية بالإسكندرية عام 1946.
رأى الدكتور محمود عساف , المرشد العام وهو يعاقب أو يحاكم السندى على إغتيال أحمد الخازندار.وتعلل السندى بأن فتوى المرشد العام ضد الحاكم الظالم تجيز قتله.
قال الشيخ البنا:
- بربك كنت أقصد بالحاكم الظالم مثلا يزيد بن معاوية...
وأضاف:
- الحاكم المسلم يطبق القانون والقانون هو الظالم لا القاضى كما هو الحال بالنسبة للمستشار أحمد الخازندار.
وقال أيضا: الحاكم هو الذى يطبق القانون ولا تطبقه الرعية.
ويعترف الشيخ الباقورى بأن السندى اتخذ قرارا منفردا بقتل الخازندار ولكن من الواضح أن بعض الإخوان كانوا يؤيدون هذه العملية ضد الخازندار نفسه.. وربما لإرهاب باقى رجال القضاء إذا قدم إليهم متهمون من أعضاء الجماعة.
قال لى فهمي أبو غدير المحامى:
- لو كنت فتيا قويا لقتلت الخازندار .
وأضاف :
- اعتدى رجل فى أسيوط على طفل اعتداء مشينا فحكم الخازندار على المتهم الحبس سنة مع وقف التنفيذ.وأصدر حكما بسجن لأم ثلاث سنوات لأنها قتلت ابنتها التى رفضت مصاحبة أحد الأثرياء .
- وهذه الأحكام الهينة تقابلها أحكام قاسية على الذين يريدون عزة مصر بقذف الإنجليز بالقنابل. إن الخازندار يحل قتله فهو يقتل دعوة تضم الملايين !
ويضيف أبو غدير:
- إن مجلس إدارة الجهاز السرى وافق على الإغتيال . قلت : وما موقف الشيخ البنا من هذه الجريمة؟ قال: نسب الشيخ البنا أنه قال " ربنا يريحنا من الخازندار " أو" ربنا ينتقم منه" وذلك بعد إصدار الأحكام العنيفة ضد شباب الإخوان"
واضاف: ولكن الشيخ لم يأمر ابدا بقتل الخازندار ولم يعلم به قبل وقوعه استجوب المرشد العام فى اتحقيق ثلاث ساعات قال الشيخ البنا إنه لم يأمر بالجريمة ولم يشر بها, ولم يشجع عليها , أو يرضى عنها بتصريح أو تلميح.
قال التلمساني:
- كان الشيخ البنا فى المركز العام للإخوان بالحلمية الجديدة يوم اغتيال الخازندار وقد تألم كثيرا عندما سمع بالحادث وأحس بضيق لأن هذا الطيش ينعكس على الإخوان ويعطى للعالم صورة سيئة عنهم.
واجتمعت قيادات الإخوان على أن الغضب الألم أخذا من المرشد كل مأخذ بعد اغتيال الخازندار.قال إنها جريمة بشعة تؤدى إلى تدمير الجماعة التى قضى عمره فى بنائها وأن الرصاص الذى أطلقت على الخازندار إنما أطلقت على صدره هو وهى نفس كلمات سعد زغلول عندما سمع بإطلاق الرصاص على السردار البريطانى السير لى ستاك.. فإن اغتيال السردار أدى إلى استقالة وزارة سعد زغلول وسحب الجيش المصرى من السودان.
حكم على المتهمين ياغتيال الخازندار بالأشغال الشاقة المؤبدة وتتابعت الانفجارات.فى 25 من أبريل جرت محاولة لنسف بيت مصطفي النحاس وقالت تقارير المخابرات البريطانية:" هناك شئ من الشك حول ما إذا كان الإخوان متورطين فى هذا الحادث".
وثبت فيما بعد أن رجال الملك السابق هم الذين قاموا بهذه المحاولة أعلنت الأحكام العرفية يوم 13 من مايو 1948 وفى 15 من مايو دخلت القوات العربية فلسطين.
ووقع الحادث الأول من سلسلة الانفجارات فى الممتلكات اليهويدة فى 20 من يونيو الحى اليهودى بالقاهرة فاشتعلت النار فى بعض منازل الحى ردا على مذبحة دير ياسين بفلسطين فى 9 أبريل.
ويبعث تشابمان أندروز إلى لندن بعد 48 ساعة يقول:
مما يدل على شكوك السفارة والشرطة فى دور الإخوان... خاصة أن تقارير المخابرات البريطانية قالت إن اسرة غير يهودية تقيم فى الحى حذرت وأنذرت قبل الحادث بيوم كامل وتركت المنطقة.
وفى 6 من يوليو اكتشف مستودع من الجلجنايت مزود بجهاز تفجير زمنى تحت السلم فى مكتب وكالة حكومة السودان ... التابعة للإنجليز.
وقالت المخابرات البريطانية
- " وربما يكون الإخوان هم الذين قاموا بذلك".
وفى 9 من يوليو استؤنف القتال بعد انتهاء الهدنة الأولى فتسفت محلات يهوديين "شيكوريل"و"أركو" فى اليوم ذاته.وفى 28 من يوليو وقع انفجار بمحلات " دواد عدس" للأقمشة بشارع عماد ادين.
وفى أول أغسطس نسفت محلات يهودية أخرى " بنزايون" بشارع قصر النيل و" جاتينيو" بشارع محمد فريد , وجرح 28. وفى 3 من أغسطس انفجر مبنى شركة أراضى الدلتا بالمعادى فى ضواحى القاهرة ومحطة تلغراف ماركونى التى أعتبرت مركزا للإتصالات اليهودية ردا على قرار الهدنة فأصيب ثلاثة.
بعث جيفرسون باترسون القائم بالأعمال الأمريكى إلى واشنطن يوم 13 من أغسطس يقول:
- ويذكر حيدر باشا أحيانا على أنه المسئول عن حوادث الانفجار ولكن لا يوجد دليل إيجابى يؤكد ذلك".
وقع انفجار يوم 24 من أغسطس فى مطار الإسكندرية بينما كانت طائرة النقراشي القادمة من القاهرة تستعد للهبوط . ولم ينشر النبأ فى الصحف ولكن السفارة البريطانية سجلت الحادث فى برقياتها.
وفى 23 من سبتمبر تعرض الحى اليهودى حارة اليهود مرة أخرى لإنفجار عنيف قتل 20 واصيب 61.وفى 28 من سبتمبر وقع انفجار بمصنع للزجاج بحلمية الزيتون تملكه " محلات شيكوريل".وفى 8 من أكتوبر ضبط مخزن أسلحة فى عزبة الشيخ محمد فرغلي قائد كتائب الإخوان عند الإسماعيلية
قالت القنصلية البريطانية فى بور سعيد:
- لم يعثر على أسلحة فى مقار الإخوان فى بورسعيد أو الإسماعيلية. ولكن رجال خفر السواحل كانوا يغتشون العزب القريبة من الإسماعيلية بحثا عن الحشيش فوجدوا كمية كبيرة من الأسلحة والمتفجرات فى عزية الشيخ محمد وعلى بعد 14 كيلو مترا من الإسماعيلية. وكانت الأسلحة فى مخبأ تحت الأرض مبنى بالخرسانة وتعتقد سلطات الأمن المصرية أنه يوجد عدد من مخابئ السلاح المماثلة فى أنحاء مختلفة من مصر".
وعلى الفور صدر أمر عسكرى فى 28 من أكتوبر بحل شعبتى الجماعة فى الإسماعيلية مهد الحركة وبور سعيد وإغلاق مقار الإخوان بهما. وانتاب البوليسالشك أيضا فى أن الإخوان ألقوا قنبلتين يدويتين على منزل عبد الفتاح عمرو باشا فى 2 من نوفمبر..
قبض رجال الشرطة على 350 من أعضاء الجماعة فى القاهرة يوم 4 من نوفمبر لمنعهم من القيام بمظاهرة احتجاجا على اغرق شعبتى الجماعة فى الإسماعيلية وبورسعيد.
وألقيت قنا]بل على مكاتب الصحف الأجنبية فى مصر يوم 11 من نوفمبر 1948.ومن البداية طبقا لما يقوله تقرير المخابرات البريطانية تشكك البوليس المصرى فى الإخوان المسلمين فمنذ اللحظة الأولى التى اتضح فيها أن مصر ستقوم بشن حرب ضد دولة إسرائيل لم يضع الإخوان أية فرصة للتنديد العنيف باليهود ... وحاولوا بكل الطرق إثارة الشعب ضدهم.
وكان ذلك واضحا بصفة خاصة بعد الغارة الجوية التى وقعت فى 15 من يوليو 1948 حين سقطت قنابل من طاشرة معادية وأصابت عددا من الضحايا.. بعضهم إصابته قاتلة بين السكان المصريين فى القاهرة.
وبعد الغارة الجوية بفترة قصيرة طبقا لتقارير المخابرات البريطانية تلقى الحاخام الأكبر مكالمة تليفونية من شخص يعتقد أنه من الإخوان يحذره من أن الإخوان قرروا الانتقام من كل المؤسسات اليهودية فى مصر وينتاب مصر كلها ... الرعب!
ساعة المواجهة
نفذ الإخوان كما قال رجال الشرطة تهديداتهم ضد أكبر وأخطر المؤسسات اليهودية فى مصر.
- " وفى 12 من نوفمبر 1948 أمر السندى بنسف مكتب مطابع الشركة الشرقية للإعلان الإنفجار عنيفا فاهتزت الممبانى المجاورة للشركة واعترف نمؤلفو الإخوان بعد ذلك بأن الجماعة مسئولة عن نسف شركة الإعلانات الشرقية وقالوا إن عبد الرحمن السندي هو الذى أمر بالنسف وحاولوا تخفيف المسئولية فقالوا إن النسف تم وقت الراحة حتى لا يصاب احد واعترفوا بأن الإخوان فجروا المخازن السرية للمفرقعات فى حارة اليهود
وبرر فهمى أبو غدير هذه الأحداث بعد وقوعها بأكثر من ثلاثيت عاما فقال:
- شركة الاعلانات شركة يهودية وكل ما تفعله تشكيك الناس فى الإسلام! وعرض النقراشي مكافأة 10 آلاف جنيه لمن يرشد عن مرتكبى الانفجارات على دور الأعمال اليهودية ولكن الفاعلين ظلوا مطلقى السراح كما يقول تشابمان أندروز.
قال الكاتب السوفييتى سيرانيان:
- " اشتعلت نيران حرب حقيقة بين الحكومة والجماعة.ودبر الإخوان عدة هجمات فى القاهرة فى وقت واحد على مكاتب ومراكز المراسلين الصحفيين لبعض الصحف الأجنبية.وفجروا العديد من المبانى فى أحياء القاهرة المختلفة مما نجم عنه الكثير من الضحايا الأبرياء والخسائر المادية الفادحة".
- ورأت السلطات المصرية والبريطانية أن توجه اهتماما أكبر لنشاط الإخوان وتمكن البوليس المصرى من تأكيد شكوكه حول مسئولية الجماعة وكانت نقطة التحول سيارة " جيب"! بدأ رجال الشرطة يفتشون بيوت الإخوان المشتبه فيهم عقب حادث انفجار شركة الإعلانات الشرقية التى يملكها اليهود فخاف قادة الجهاز السرى .
- ووضعوا كل الأوراق والسمتندات فوق سيارة " جيب" اتجهت مساء اليوم التالى 13 من نوفمبر 1948 إلى بيت أحد أعضاء الجهاز فى حى العباسية وكان مراقبا رأى جنديا شرطة أربعة شبان يرتدون الملابس المدنية داخل السيارة التى لا تحمل أرقاما فاقترب من السيارة.
ارتاع أحدهم وهو السائق فترك السيارة وفر هاربا فأخذ الجندى يصرخ قائلا:
- يهودى .. صهيونى. تجمع الناس واخذوا فى ضرب من بالسيارة ثم قبضوا على الشبان الثلاثة وبتفتيش سيارة الجيب بواسطة البوليس اتضح أنها تحمل 28 مسلما ورشاشا ومدفعا " برن" و2700 قطعة من الذخيرة و48 قنبلة يدوية وصندوقين من الجلجنايت.. (أحدهما مرتبط بجهاز تفجير زمنى) وكمية من الخناجر.
- وأدى استجواب الشبان الثلاثة ورابعهم الذى ثم القبض عليه بعد فترة قصيرة إلى العثور على عدد من الوثائق شملت رسوم وخرائط المبانى المختلفة مثل السفارات الأمريكية والفرنسية والبريطانيةومنازل النحاس والنقراشي وإسماعيل صدقي وشريف صبري ومكرم عبيد وعبد الرحمن عمار وعبد الفتاح عمرو وحسن فهمى رفعت وكيل الداخلية السابق وكل أقسام الشرطة وتم العثور على خريطة الشركة الشرقية للإعلان ومبانيها.ووجدت بالسيارة شفرة الإخوان وخططهم السرية والأهداف التى يزمعون مهاجمتها أو تفجيرها.
- السفارة الفرنسية: كان مقررا إلقاء القنابل عليها يوم 15 من نوفمبر.
- السفارة ألأمريكية: 12 أو 22 من نوفمبر.
وثبت من الوثائق المضبوطة أن الإخوان المسلمين هم المسئولون عن حوادث الانفجارات التى وقعت فى القاهرة خلال الشهور الستة الأخيرة.واعترف الشبان بأنهم نفذوا الهجمات التى تعرضت لها بعض المنشآت وأظهرت هذه الوثائق أسماء أعضاء التنظيم الخاص ورئيسه عبد الرحمن السندي وتولى سيد فايز قيادة التنظيم بصفة مؤقتة.
لم تعلن الحكومة عن ضبط سيارة الجيب إلا بعد 48 ساعة حتى استطاعت القبض خلال تلك الساعات على 32 من قيادات التنظيم وبينهم السندى وانكشف النظام الخاص بسقوط سيارة الجيب فى قبضة رجال الأمن العام .
بعث جيفرسون باترسون القائم بالأعمال الأمريكى إلى واشنطن البرقية رقم 11 قال:
- " صودر بيان وجد ضمن الوثائق التى عثر عليها فى عربة تحتوى على أسلحة ومفرقعات فى مؤامرة تضم مجموعة من ضباط الجيش يعتقد أنهم كانوا يتآمرون ضد الحكومة.وليس معروفا إذا كان هذا البيان الذى يحمل توقيع "ضباط الجيش" هو فعلا من وضع ضباط الجيش أم من عناصر أخرى.
يقول البيان تحت عنوان " اللهم القوة والنصر والوحدة":
- إن حملة فلسطين اظهرت " الحاجة مستقبلا إلى الإهتمام وبذل الجهود لتقوية الجيش".
- ويهاجم البيان النقراشي باشا لأنه " لم يكن يميل للحرب", كما يهاجم بشدة اللواء المواوى بك القائد لامصرى السابق فى الميدان, وينتقده لخسارته المعركة وتركه الجيش فى حالة يؤسف لها.
- ويرى كاتب البيان أن هناك دليلا على وجود موظفين يهود فى سكرتارية الوفد المصرى فى الأمم المتحدة يتصلون باليهود الصهاينة لتأخير المعلومات , وفى عدم مصادرة ممتلكات بعض اليهود المصريين قبل فوات الأوان, وفى دعوة أحد أعضاء مجلس الشيوخ المصرى لعقد سلام منفصل وهى إشارة لرئيس الوزراء السابق إسماعيل صدقى.
- أما حالات الفشل الأخرى " التى يتحملها الساسة المصريون الذين صنعتهم الأمبريالية فتتضمن : الضرائب غير الملائمة والسيطرة غير الكافية على الصحافة المصرية".
ويمضى البيان قائلا:
- " إننا سنعارض ونحارب الإنجليز واليهود وأدواتهم لتأمين مستقبل مصر من أن يتلاعب به أولئك الذين لم يمنعهم كبر سنهم من بيع مصر وخيانتها".
ويتوجه فيليب ايرلاند السكرتير الأول بالسفارة الأمريكية إلى عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية يسأله يوم 19 من نوفمبر عن الحوادث الأخيرة فقال عمار:
- عرف البوليس منذ فترة طبيعية العنف السياسى للإخوان المسلمين ولكن الذى عرقل حركة الشرطة أن عددا كبيرا من موظفى الحكومة انضموا إلى الجماعة أو قدموا الحماية لها.وقال عمار إنه مقتنع بأن الإخوان هم المسئولون عن حوادث الانفجارات التى وقعت فى اعامين الأخيرين.
وقال إن الشيوعيين توغلوا فى صفوف الإخوان ومصر الفتاة والوفد ويمول السوفيت الإخوان بالمال وإن كانت الجماعة تزعم لأعضائها أن السلاح اشترى بالموال التى جمعت من اشتراكاتهم .
ويعرف رجال الشرطة أن الإخوان ومصر الفتاة قاموا بتخرين كميات ضخمة من السلاح..ومن المحتمل أن الإخوان استخدموا خبراء أجانب فى المفرقعات. وقال إنه حذر الشيخ عدة مرات ليكبح جماح أعضاء الجماعة
وقالت تقارير المخابرات البريطانية:
- " الإخوان مسئولون إلى حد كبير عن غثارة الهجمات التى تعرض لها الأجانب. وقد اختلفت الوسائل التى تمت بها الانفجارات .. ولكن بشكل طفيف كان يتم شحنة من الديناميت إلى المنطقة المختارة بواسطة تاكسى أو سيارة أو رسائل النقل الأخرى مثل " الترسايكل" وتترك بجهاز تفجير زمنى مرتبط بها .. وفى كل حالة كان الجناة يجدون وقتا كافيا للهرب".
عاد الشيخ البنا من الحج يوم 28 من نوفمبر فقصد إلى القصر الملكى وقيد اسمه فى سجل التشريفات معتقدا أنه يستطيع تسوية الأمور!
ولكن البوليس حقق مع البنا فيما نسبيته إليه وثائق سيارة الجيب وكتب السفير البريطانى إلى لندن:
- " عندما تنتهى التحقيقات سيكون ممكنا تكوين رأى محدد فيما إذا كان الإرهابيون مجموعة من المجرمين المتهورين الذين تصادف كونهم أعضاء فى الجماعة أو أنهم يعملون من تلقاء أنفسهم, أم أن أنشطتهم كانت بإيعاز مباشر من زعيم الإخوان ومستشاريه ,وأن تنفيذها كان نيابة عنهم؟".
تصاعدت الأحداث..فى أول ديسمبر سأل الوزير البريطانى المفوض مصدرا مسئولا فى وزارة الداخلية: هل صحيح أن البنا قد اعتقل؟أجاب المصدر بأن النقراشي أصدر قرارا بذلك ولكنه سحبه خشية العواقب.ويبعث السفير البريطانى السير رونالد كامبل إلى لندن برقية طويلة يوم الجمعة 3 من ديسمبر 1948
يقول فيها:
- " ليس من المرجح اعتقال البنا إذا تخشى السلطات احتمال صدور رد فعل بالغ العنف من جانب أنصاره. وتأكد الآن بما لا يدع مجالا للشك أن أعضاء الإخوان مسئولون عن كل المحاولات التى جرت لنسف المنشآت اليهودية".
كتب البنا فى ايوم ذاته فى صحيفة " الإخوان المسلمون" يقول:
- " الأمة الإسلامية اليوم بين منحة ومحنة. إن صبرت على الشدة وواصلت السير فى قوة إلى الغاية فهى واصلة بإذن الله تبارك وتعالى إلى ما تريد مهما أرعد برقها وعظم هولها سمعت أحدهم بالأمس يخاطبنى فى حماسة فيقول إننا لسنا مجهولين إلا فى وطننا فعلينا أن نرحل"
ويختم البنا مقاله:
- " ستكشف لغمة. وتزول المحنة. فاصبروا وصابروا ورابطوا" وأبلغ أحد المحامين .. المستشار الشرقى للسفارة البريطانية أنه سمع فى الإسكندرية أن تحركا خطيرا سيحدث فى القاهرة وأن كلمة ثورة " قد استخدمت.
وتكتب السفارة البريطانية إلى لندن:
- " يوم 4 من ديسمبر ألقى طلاب جامعة فؤاد الأول الأحجار والقنابل على رجال البوليس".واعتصم طلبة الطب بسطح مبنى الكلية وأشعلوا النار فى أماكن متفرقة منها وألقوا قنبلة على اللواء سليم زكى حكمدار القاهرة فقتلوه ثم أسرعوا بالتراجع داخل المبنى ومعظم الإصابات فى صفوف الطلاب نتج عن مقاومتهم عند القبض عليهم
- ولم يكتف الطلبة بترديد الشعارات ضد النقراشي وحول السودان, بل كانوا يهتفون أيضا " يسقط فاروق الفاسق" " وعاشت الملكة فريدة" و" أين أم فاروق"؟.... إشارة إلى غياب الملكة نازلى الطويل عن مصر".أغلقت الحكومة جامعة القاهرة. بما فيها كلية الطب إل أجل غير مسمى.
- قال اللواء حسن طلعت مدير المباحث العامة " أمن الدولة "ر فى كتابه " فى خدمة الأمن السياسى" إنه ثبت إقدام أفراد الجهاز السرى للجماعة على اغتيال اللواء سليم زكى!
- زار إبراهيم عبد الهادى رئيس الديوان الملكى السفير البريطانى وقال له إن حكمدار شرطة القاهرة سليم زكى لم يقم بأى تحرك ضد الطلبة . لم يفعل أكثر من أنه نصحهم بالتزام الهدوء.. وأنهم أحرار فى مواصلة الإضراب أو مغادرة الجامعة. وفى هاذ الوقت ألقيت عليه القنبلة.
وأضاف:
- استغل الشيوعيون الاضطرابات التى بدأها الإخوان. ولم ينضم الشيوعيون إلى الإخوان للتستر وراءهم كما يقال . فهم أكثر ذكاء من أن يفعلوا ذلك وهم يعرفون أن الإخوان يقفون ضدهم.
أبرقت السفارة الأمريكية واشنطن تؤكد:
- " المسئولية الأولى فى المظاهرات ومصرع سليم زكى تقع على عاتق الإخوان المسلمين وأن الحكومة المصرية اتهمتهم بذلك علنا".
وقالت السفارة
- " إن ضابط شرطة قتل وأصيب ثمانية من الضباط و54 من الجنود ومائة طالب".
ولكن ادجار جلاد قال للقائم بالأعمال الأمريكى:
- يعتبر الطلبة سليم زكى أحد أعمدة النظام الحاضر وهذا من أسباب عدائهم له.
وأخذ جلاد يتحسر على الماضى أمام جيفرسون باترسون قائلا:
- عندما كان السير توماس راسل باشا الحكمدار البريطانى لشرطة القاهرة يسير بحصانه الأبيض أمام المتظاهرين كانوا يتراجعون .. متفرقين!ويعترف جلاد باشا لباترسون قائلا: من أسباب السخط العميق كراهية الشعب للملك.
قال لى فهمى أبو غدير المحامى والدى كان عضوا بمكتب الإرشاد ممثلا لطلبة الجامعة عام 1937 إن الإخوان لم يقتلوا سليم زكى وإنما قتله طالب بكلية الطب اسمه مصطفى أمين ليس عضوا فى الجماعةولم يكن مصرع حكمدار الشرطة بتدبير.
أحس الشيخ البنا بخطورة الحادث فأوفد أبو غدير والشيخ أحمد شريت فى اليوم نفسه من ديسمبر إلى حامد جودة رئيس مجلس النواب يطلبان منه التوسط لدى النقراشي لبدء صفحة جديدة بين الحكومة والجماعة.
قال الرجلان:
- نحن نبرأ إلى الله مما حدث اليوم. ونرجو أن تكون حمامة السلام بين الإخوان والحكومة.
رفض حامد جودة بإصرار وقال:
- الجماعة قتلت اليوم سليم زكي وما بينها وبين الحكومة لا يمكن الوساطة فيه أبدأ..
حمل الرجلان هذا الجواب إلى المرشد العام الذى أدرك خطورة الموقف فإن حامد جودة توسط للإفراج عنه فى المعتقل فى عهد حسين سرى يوم كان يعلم أن هناك مجالا للتوفيق..قصد " تشابمان أندروز" الوزير البريطانى المفوض إلى وزرة الخارجية يوم 5 من ديسمبر ليلتقى بوزير الخارجية بالنيابة إبراهيم الدسوقى أباظة باشا.سأل " أندروز" الوزير عن الاضطرابات التى وقعت فى اليوم السابق واغتيال سليم زكى.
رد دسوقى أباظة قائلا:
- أحداث الأمس ذات طبيعة يمكن أن تحدث فى أى مكان فالمشاعر العامة فى حالة التهاب بسبب موضوع السودان وكانت العناصر الساخطة فى الأحزاب السياسية, البعيدة عن الحكم, مستعدة تماما للاستفادة من الموقف ويرفع دسوقى باشا سماعة التليفون أمام الوزير البريطانى ليسأل مدير الأمن العام عن الخسائر.
قال مدير الأمن العام:
- أصيب سبعة من رجال البوليس وتسعة من الطلبة والمارة بجراح فى الجيزة ولم تكن هناك خسائر فى الأرواح .وفى كلية الطب (القصر العينى) إلى جانب مصرع سليم زكى بك. لقى شخص آخر مصرعه وهو مساعد معمل كان يعاون ويحرض الطلبة المتمردين. وأصيب 56 من رجال البوليس, بينهم سبعة ضباط كما أصيب 74 طالبا.
- وقال المدير الأمن العام أيضا إن الإخوان المسلمين مسئولون. عن اندلاع أ‘مال العنف , وأنهم الذين جاءوا بالأسلحة والقنابل اليدوية. ولكن عندما بدأت أعمال الشغب , عاونتهم جماعات سياسية أخرى أبرزها الوفديون.
وعلى أية حالة فإن سبب أعمال الشغب كان يتمثل فى التحريض بشأن السودان وكان الشعار الذى رفعه الطلبة هو " تسقط الحكومة التى باعت السودان".قبل أن ينصرف " تشابمان اندروز" أخذ يذكر وزير خارجية مصر بالنيابة بمسئولية الحكومة المصرية عن تأمين وممتلكات الأجانب.
ولم يكتف " أندروز" بذلك بل تحدث طويلا عن أحداث الشغب التى وقعت فى يوليو والتى أسفرت عن مصرع عدد من الأجانب وإصابة كثيرين وأعرب عن قلق بريطانيا البالغ إزاء حالة الأمن العام فى مصر وطلب تأكيدا بأن تبذل الحكومة المصرية كل ما هو ممكن لإقرار القانون والنظام.
ويتوجه الوزير البريطانى مباشرة إلى القصر الملكى ليقابل حسن يوسف وكيل الديوان ويوجه إليه نفس الأسئلة ونفس التحذير. ويردد وكيل الديوان نفس المعلومات عن الخسائر للوزير البريطانى ويضيف ان الطلبة كانوا يهتفون " يسقط النقراشي".
إشارة إلى ما حدث قبل ثلاث سنوات عندما أمر النقراشى بفتح كوبرى عباس بينما مظاهرة طلابية تعبره , مما أدى إلى حالة من الذعر وأشبع أنه سقط عدد من القتلى .
وقال:
- القنبلة اليدوية التى قتلت حكمدار البوليس كان مقصودا بها النقراشي إذا ظهر ليلقى خطبة فى الطلاب, كما كانوا يتقوقعون.وقال حسن يوسف إن السلطات المصرية تحاول تحديد مكان محطة إذاعة تروج الشائعات الأخيرة بأن الأمير محمد على قد مات. وإن إسماعيل صدقى باشا مات فى شائعة أخرى.
والهدف من هذه الأنباء خلق حالة من التوتر.تجمع طلبة المدرسة الخديوية الثانوية فى الفناء يوم 6 من ديسمبر يهتفون ضد الملك, ولصالح الملكة , والقوا قنبلتين على الشرطة خارج الأسوار فأفلت عبد الرحمن عمار وكيل الداخلية... بأعجوبة.
وقالت السفارة الأمريكية إن رجال الشرطة فى القاهرة لا يزيد عددهم على الألف , وقد أصبحوا مرهقين لأنهم يعملون 24ساعة كل يوم .. ويوجد خوف من أن تتكرر الاضطرابات التى وقعت فى فبراير 1946 وأدت إلى استقالة النقراشي!
منعت الحكومة صحيفة الإخوان المسلمين من الصدور واتهمت صحيفة " النداء" الوفدية التى يصدرها يس سراج الدين شقيق سكرتير عام الوفد الإخوان بأنهم وراء الانفجارات الأخيرة. قالت " النداء"
"تلقى المركز العام الإخوان المسلمين ألوف الاستقالات من شتى جهات جهات القطر".وصورت " النداء" مجموعة من القنابل اليدوية وخلفها صورة ترمز إلى شخصية المرشد العام للإخوان المسلمين.
علقت النداء على ذلك كله بتوقيع "المصرى افندى" الذى يبدى إعجابه ودهشته لأن "تلك القنابل لها ذقن"!!وردت صحيفة الإخوان بأن "النحاحسة" إشارة إلى مصطفي النحاس رئيس الوفد لا يتورعون من إلقاء الاتهامات تمشيا مع أخلاقهم .
قال مرتضى المراغى مدير الأمن العام:
- " عجزت قيادة الإخوان عن وضع التنظيم المارد أى التنظيم السرى فى القمقم بعد خروجه وانطلاقه.لقد أصبحت الهيئة العليا للإخوان بلا حول ولا طول إزاء هذا التنظيم وكان الشيخ البنا غير قادر على الحد من قوة الجهاز السرى والتسلط عليه".
ويعترف المستشار صالح أبو رقيق عضو مكتب الإرشاد فى مقال نشره بجريدة الأحرار المصرية فى 11 من أغسطس عام 1986 بأنه لا يستطيع إنكار ما قام به الإخوان من أعمال صاحبها العنف, ولكنه تبرر ذلك بأنها كانت كلها وطنية تتجلى فيها الفدائية.
ومن هذه الأعمال ما وقع يوم الجلاء عن القاهرة والإسكندرية ونسف حارة اليهود ومحل جاتينيو ومحل شيكوريل وإن كان يقر أن الحادث الأخير وقع فى النصف الأخير من الليل.أما أهم الأخطاء التى وقع فيها الإخوان كما يرى صالح أبو رقيق فهى قتل المستشار الخازندار .
ويعترف صلاح شادي أحد كبار المسئولين فى الجماعة بأنه لا يمكن إعفاء قيادة الإخوان من مسئولية عدم مسائلة عبد الرحمن السندي.وكان من المحتم إبعاده عن منصبه ولو تم لتجنبت الجماعة الهزة التى حدثت فى صفوفها
ويقول التلمسانى:
- إن عبد الرحمن السندي تمرد على قيادته وأخذ الشيخ حسن يطاول ويعالج ! وكان عبد الرحمن السندي يشعر باستقلاله عن سلطان الجماعة ولم يكن من حتى أحد من إخوان النظام الخاص أن يتصل بالمرشد العام إلا عن طريقه وبذلك عزل النظام عن قيادة الدعوة.
- واعترف عبد الرحمن السندى بقيادة النظام الخاص بقتل الإنجليز والصهاينة ف البداية ثم ارتكاب الانفجاريات داخل مصر وقتل المصريين.
- ويقول صلاح شادى إن المرشد عاجلته منيتة قبل أن يقرر تقويم رئيس النظام الخاص أو نزع سلطاته.
- ويعترف التلمسانى بأن النظام الخاص اخطأ وإن فسره بأن بعض الشباب كان يأخذ المسائل بعنف وبغير فهم أو دراسة للقانون كما حدث فى اغتيال الخازندار ويقول الشيخ الباقورى: - " البنا أتعبته بطانته . أو بعض بطانته. ولو قدر له أن نبتعد عنه هذه البطانة السيئة لكان قد بلغ ما نحب لأمثاله"!
ويبقى سؤال : هل كان الشيخ البنا يعلم بجرائم النظام الخاص؟
والجواب فى رأى فتحي رضوان والتلمسانى ومنير الدلة وغيرهم من زعماء الإخوان الذين عاصروا الأحداث بأن الشيخ البنا شكل ذلك النظام ولكن قيادته تمردت على المرشد العام.
وفى رأى الشيخ الباقورى أن قيادة النظام بزعامة السندى ارتكبت تلك التصرفات الضارة والحوادث الفاجعة دون الرجوع إلى المرشد العام الذى كان وحده المسئول أمام الإخوان والرأى العام.
وفى الحكم الىذ أصدره أحمد كامل رئيس محكمة الجنايات فى قضية " سيارة الجيب" قال:
" إن بعض أعضاء الجماعة فقدوا توازنهم وتنكبوا السبيل الذى سلكه زعماء الجماعة لتحقيق أهدافها". أصبح الصدام محتوما بين الجماعة والنقراشى نتيجة لانتشار الإخوان.... وقوة الجهاز الخاص!
ولم يكن لحزب من الأحزاب – على أو سرى كالشيوعيين – ذلك التنظيم المسلح.
ويجتمع عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية لشئون الأمن برونالد فاى رئيس جمعية إخوان الحرية التى أنشأها البريطانيون فى مصر والعالم العربى لتنتشر الدعاية للإنجليز ومقاومة الإخوان فقال عمار: الإخوان المسلمون جمعية ويجب إغلاقها.
ويلتقى إدجار جلاد بك – صاحب جريدتى " الزمان" و" الجورنال ديجيبت" واحد رجال الملك فاروق – بتشابمان أندروز الوزير البريطانى المفوض فيقول له
يتردد النقراشى فى حل الإخوان على أساس أنهم أقوياء بينما الجيش فى فلسطين ولكن الملك يحاول التغلب على تردد رئيس الوزراء.
قالت المخابرات البريطانية فى مصر:" إن مجموعة فهمى النقراشى باشا رئيس الوزراء أصدر فى 18 من نوفمبر 1948 أمرا بإغلاق كل شعب الإخوان.
ولكن رئيس الوزراء رأى تأجيل اتخاذ هذه الخطوة حتى تنتهى التحقيقات فى الإنفجارات وتتضح ابعاد مرامرة الإخوان ويتم القبض على زعمائهم"
وقالت هذه التقارير:
ومن هذه التقارير يتضح أن قرار حل الجماعة اتخذ سرا ولكن كان لابد أن يسبقه اعتقال كل زعماء الجهاز السرى.
انطلقت صيحات التهدئة هنا وهناك خوفا من خطر المواجهة القادمة حذر عمر حسن من كبار رجال وزارة الداخلية النقراشى من الحل قائلا: أخشى أن تتحول الجماعة إلى عصابات خطرة!
وقصد فؤاد شيرين محافظ القاهرة إلى قصر عابدين ليلتقى بحسن يوسف وكيل الديوان الملكى قائلا:
من المصلحة تعاون القصر والإخوان.
واضاف :إن الحل الجماعة نتائج سسيئة فإن للإخوان هيئة يرجعون إليها فى تصرفاتها فإذا حلت الهيئة لم يعد أفرادها يخشون أحدا.
تخلص حسن يوسف . وقال :
- هذه المهمة تعتبر من المسائل السياسية
- ... أى أ، وكيل الديوان لا شأن له بالسياسة! ونقل حسن يوسف إلى الملك نص الحديث فقال صاحب الجلالة لوكيل ديوانه:
- هذا الرد فى محله!
- فإن صاحب الجلالة كان يسعى إلى حل الجماعة سأل فيليب ايرلاند سكرتير السفارة الأمريكية عبد الرحمن عمار وكيل الداخلية عن مستقبل الإخوان وهل سيصدر قرار بحلهم
قال عمار: النقراشى باشا لم يوقع قرارا بذلك حتى الآن . وهناك رأيان: الأول يقول بأ،ه من الحكمة عدم حل الجماعة أو القبض على البنا حتى لا تتحول إلى جهاز سرى. والثانى يقول بتحطيم الجماعة.
وقال عمار لفيليب ايرلاند: من رأيى عدم الحل!
ويرى الشيخ الباقورى أن حادث سيارة الجيب جعل الحكومة تتنفس الصعداء فأخذت تعد قرارها بحل الإخوان. ولكن المرشد لم يكن يعلم بفكرة الحل وأنها مثار بحث جدى بين الحكومة والقصر. ولو أنه كان يعلم فربما فكر أن المواجهة قد حانت . ولكن الواضح أنه كان يرى ألا يبدأ بالصدام وأن يؤخر – قدر الطاقة – ساعة المواجهة!
الضحية
فكر النقراشى باشا جديا فى حل الجماعة فقد اقتنع أن بإمكانه – عن طريق الإجراءات الصارمة – إحباط القدرة المتزايدة للإخوان وتصفيتهم كقوة سياسية واقعية لتستقر أوضاع الأمن فى البلاد. سأل إبراهيم عبد الهادى رئيس الديوزان الذى رأى عدم حل الجماعة لتحارب الوفد.
وسأل عبد الرحمن عزام أمين الجامعة العربية , فنصحه بعدم الحل وقيل له:
يمكن أن تصل إلى ما تريد بغير حل الجماعة ولكن النقراشى رفض كل النصائح والتحذيرات . قال:
إنى لا أعرف السياسة . ولا أعرف أن ألف وأدور . وأرى واجبى يحتم علىّ اتخاذ العمل الصارم.
لقد جاءنى وزراء يقولون إنهم يخافون على من نتائج القرار إنى لا أستطيع البقاء رئيسا للوزراء وأسمح بوجود جمعية الإخوان المسلمين وقرر النقراشى حل الجماعة... ولكن على دفعات .بعد اغتيال سليم باشا حكمدار شرطة القاهرة أصدر عبد الرحمن عمار – يوم 4 من ديسمبر 1948 – بصفته الرقيب العام
– أمرا بتعطيل جريدة الإخوان إلى أجل غير مسمى.
ولم يدرك الإخوان أن هذه مقدمة لقرار الحل وأن إجراءات الحكومة لن تقتصر على تعطيل صوت الجماعة . وطلب النقراشى إلى المستشار الفضائى إعداد الأمر العسكرى بحل الجماعة.
فشل المرشد العام فى مقابلة الملك
وحاول مرتين أن يقابل إبراهيم عبد الهادى رئيس الديوان الملكى ولكن رئيس الديوان اعتذر. وبعث البنا لصاحب الجلالة برسالة عن طريق أحمد مرتضى المراغىمدير الأمن العام.
اجتمع به فى منزله بحلوان وقال له: عندى رسالة شفوية أرجو أن توصلها إلى القصر . يريد رئيس الحكومة حل الجماعة وهذا قرار بالغ الخطورة وقد يكون له عواقب وخيمة ولابد أن يقع بيننا وبين الحكومة صدام عنيف.
ونحن الإخوان نشعر أن النقراشى باشا جر الملك فاروق إلى خصومتنا قال المراغى:هل تأذن لى أن أدبر لك مقابلة مع النقراشى باشا لعلك تستطيع بلباقتك وحكتمك أن تصفى الجو بينه وبينكم. رفع البنا يديه وقال :لا أمل فى الوفاق معه . أعرف طباعه . إنه عنيد . وإذا ركب رأسه فلن يلوى على شئ وسينفذ رأيه.
وانقلب الشيخ الوديع نمرا هائجا وقدحت عيناه شررا كما وصفه المراغى قال:
إنها جريمة نكراء يريد النقراشى ارتكابها هل يظن أننا لعبة يستطيع تحطيمها بسهولة. قال المراغى:
رسالتك خطيرة وسأبلغا إلى الملك . وسأنقل رأيك فى حل الإخوان وخطورة عاقبته غلأى النقراشى. قابل المراغى رئيس الوزراء فى اليوم التالى وروى له الرواية. قال النقراشى:
هل تريد أن تقر الإرهاب وتريد أن تعترف بشرعيتهم وهل تسمح لهذه الجماعة أن تتمادى ؟ لابد من حلها. وهز النقراشى باشا رأسه اسنخفافا وقال
كان أحسن لو لم تقابله!
فكر الشيخ فيما قاله المراغى ورأى تهدئة الموقف فتوجه إلى وزارة الداخلية للقاء عبد الرحمن عمار. أريد مقابلة النقراشى باشا للتفاهم معه حتى يعدل عن عزمه على حل الجمعية: وأضاف : سيقتصر نشاط الجمعية على الشئون الدينية البحتة ولن نتدخل فى السياسة.
توجه الرجلان إلى رئاسة مجلس الوزراء فبقى الشيخ حسن فى غرف الانتظار بينما دخل عمار إلى مكتب النقراشى يعرض عليه الأمر.
ولكن النقراشى باشا رفض لقاء البنا.وتقدم الإخوان بالتماس غلى القصر الملكى يشكون فيه من حملات الاعتقالات التى يتعرضون لها والتهم التى يواجهونها, بلا تحريات جدية . أو تحقيقات تتولاها النيابة. ولكن الالتماس لا ينشر بسبب الرقابة على الصحف.
ويلتقى اندروز بأحمد مرتضى المراغى مدير الأمن العام الذى يقول له:
هناك مجموعات كبيرة من الشيوعيين فى الجامعة . وقد انضمت أعداد إلى الإخوان المسلمين والوفد كستار عندما بدأت حملة الحكومة ضد الشيوعيين منذ شهور.
ويلتقى المراغى برئيس الوزراء ويحذره من حل الإخوان قائلاالعواقب خطيرة.
ويهتاج النقراشى ويربد وجهه.
وفى هذه اللحظة يدخل عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الاخلية فيقطاع الاجتماع قائلا: المسألة منتهية , فقد وضعت قرار حل الجماعة . وسأعرضه غدا على دولتكم لتوقيعه. هال الأمر مدير الأمن العام فقال:
أرجو أن تتمهل فى إصدار القرار الإخوان يشكلون منظمات وخلايا سرية لا علم لوزارة الداخلية بأسماء أعضائها. وقد يكون بعضهم داخل الوزارة وحرس الأمن .
وأعلم أن كثيرين من ضبط الجيش من الجماعة ولكن النقراشى رأى أن الهزيمة العسكرية فى فلسطين واضطراب الأمن ينهى استقرار النظام كله .
ووجد فى الإخوان تهديدا للحكم بعد أن فقد الثقة فيهم نتيجة اكتشاف حجم الجهاز السرى سواء كان يتلقى التعليمات من المرشد العام أو أن هذا الجهاز فقد الإنضباط وأصبح مستقلا عن قيادة الجماعة. وقال رجال الأمن للنقراشى:
لقد اصبح القرآن هو الشفرة السرية التى يستعملها الجهاز السرى وكلمة الصحف , فى هذه الشفرة معناها السلاح!
قال كلايتون رجل المخابرات البريطانية فى مصر للدبلوماسى المصرى يحيى النقراشى والحكومة , أم البنا وأنصاره؟
وهذا السؤال يدل على إدراك الإنجليز لقوة الإخوان أو مخاوفهم منها ومن هنا الضغط البريطانى ضدهم. مضى الوزير البريطانى تشابمان أندروز فى تحذيراته للقصر الملكى ضد الجماعة .
قال لحسن يوسف بالحرف الواحد كما تقول برقيته رقم 1679 التى بعث بها إلى لندن: " هذه الأحداث – أى الانفجارات والاغتيالات – هى النتيجة الطبيعية لسماح المنظمات مثل الإخوان المسلمين بالخروج عن نطاق السيطرة وعدم اتخاذ عمل سريع جاد يسمح به القانون ضد أولئك المذنبين فى مؤامرة الإغتيال وقتل أناس مثل أمين عثمان باشا والمستشار الخازندار بك.
ومن المعروف للجميع أن الإخوان لمسلمين والحاج أمين الحسينى مقتى القدس السابق يملكون مخازن كبيرةة من المتفجرات والأسلحة, لإستخدامها فى فلسطين ظاهريا, وسماح اية حكومة بمثل هذا الوضع يعتبر بمثابة دعوة لحدوث متاعب من هذا النوع.
وتستطيع الحكومة بالتأكيد أن تقوم بعمل فعال , حتى الآن لتحطيم هذه المنظمات".
رد حسن يوسف بأنه يخشى أن يكون الإخوان المسلمون قد صاروا أقوى من أن يتم تحطيمهم بهذا الشكل.سأله الوزير البريطانى عما يقترح عمله.
هز حسن يوسف كتفيه يائسا. أعد القسم الشرقى فى وزارة الخارجية البريطانية مذكرة قال : " لا شك أن الشغب فى مصر يقوده طلبة الجامعة عموما, وصبيان المدارس والسوقة مستعدون للإنضمام للشغب من أجل النهب.
ويجب ألاّ ينظر إليهم بجدية كتعبير عن الرأى العام ولكنهم يكتشفون عجز الحكومة عن الحفاظ على الأمن فيشجعون غيرهم ممن يهددون السلام ويفتحون الطريق أمام التغلغل الشيوعى مستقبلا".
وتعد وزارة الخارجية البريطانية مذكرة عن الموقف فى مصر بصفة عامة قالت المذكرة :" يجب أن يكون خطنا لاترقب لنرى ما إذا كان المصريون سيلجأون إلينا حين يسوء الموقف.
وقد أظهر الملك ما يدل على أنه يريد ذلك. وكان واضحا منذ وقت طويل مضى أنه ما لم يتلق الزعماء المصريين والقوميون العرب الآخرون وخاصة الجامعة العربية صدمة بالغة الشدة من نوع ما تخرجهم من إطارهم الفكرى , والمتبجح والمدعى فسوف تستمر الأمور فى الشرق الأوسط فى تدهور.
وهناك بالطبع مخاطر بالغة من أن يكون تأثير الصدمة أشد مما ينبغىو ستنهار لنظم الاقتنصادية , بل والنظم السياسية أيضا. ويجب ألا تكون سياستنا الجرى وراء العرب بل نظهر لهم أننا ما زلنا أصدقاء بوسعهم إذا وضعوا أيديهم فى ايدنا , وإذا اتبعوا سياسة متبصرة أن يحققوا الإستقرار وينجزوا التقدم الإقتصادى والاجتماعى ويصبحوا شركاء فى ترتيبات دفاعية معقولة".
أى معاهدة دفاع مشترك مع بريطانيا
ويكون تاريخ هذه المذكرة يوم 8 من ديسمبر اليوم الحاسم فى تاريخ الإخوان المسلمين!
فى ذلك الصباح نشرت مجلة آخر ساعة خبرا غامضا يشير إلى أن قرار حل الجماعةسيصدر فى اليوم نفسه. ومرة أخرى لم يدرك الإخوان ذلك ولم يفطنوا إلى أنه إذا كان فى نيتهم اتخاذ عمل حاسم ضد الحكومة فهذه فرصتهم الأخيرة.
قال صالح عشماوى وكيل الجماعة إنه عندما مر النصف الأول من اليوم ولم يصدر قرار الحل عاد إلى منزله وقد ظن أن الحكومة ستعدل عن قرارها.
وتوجه بعد صلاة المغرب إلى منزل المرشد العام فوجد عنده بعض أعضاء الجماعة ورآه فى حالة نفسية قلقة فقد وصلته أنباء من " مصدر ثقة" أن اجتماعا عقد بعد الظهر فى وزارة الداخلية بين فريقين من كبار المسئولين وغير المسئولين ودارت مناقشة حامية طويلة بين مؤيدى قرار الحل ومعارضيه انتهت بترجيج الرأى القائل بالحل.
اتصل المرشد العام بإبراهيم عبد الهادى لإقناعه بالتدخل لمنع صدور القرار ولكن رئيس الديوان أخذ يراوغ ويماطل ثم طلب من المرشد العام الذهاب إلى عبد الرحمن عمار فى وزارة الداخلية. اعترض صالح عشماوى وقال المرشد.
ركب القوم رءوسهم والغرض من هذه المقابلة كسب الوقت فضلا عما فيها من الإذلال ولكن المرشد رأى أنه مكرة غير مخير فاستقل سيارته إلى وزارة ليلتقى بعبد الرحمن عمار.
قال الشيخ:ستنصرف الجماعة إلى رسالتها الدينية
لم يقل عمار للمرشد العام ما ذكره لسكرتير السفارة الأمريكية من أن هذا الوعد جاء متأخرا بل وعده بصدور قرار فى المساء يخفف التوتر.
ويطول الحوار خلال الاجتماع الذى لم ينته غلا فى العاشرة مساء فعاد المرشد إلى صالح عشماوى وعبده قاسم اللذين كانا فى انتظاره ليقول:
روح عبد الرحمن عمار طيبة وقد أبلغنى ان حل الإخوان هدم لصرح افسلام فى هذا العصر ووعدنى بإبلاغ النقراشى باشا وأن الأمر سينتهى إلى خير .وطلب الشيخ البنا إلى الإخوان المجتمعين فى المركز العام الإنصراف وبشرهم بحل الأزمة.
حملت نشرة أنباء الساعة الحادية عشرة مساء يوم 8 من ديسمبر 1948 القار الذى يخفف التوتر بالنسبة للحكومة لا للإخوان المسلمين .
بدأت النشرة بإذاعة أمر عسكرى أصدره محمود فهمى النقراشى باشا رئيس الوزراء بصفته الحاكم العهسكرى بحل الجماعة الإخوان المسلمين وجميع شعبها فى مصر. وإغلاق الأمكنة المخصصة لنشاطها وضبط أوراقها وسجلاتها وأموالها وممتلكاتها وحظر اجتماع خمسة أشخاص أو أكثر من أعضائها . وتسلمي كل وثائق الجمعية وأموالها لأقسام الشرطة لن الجماعة – كما قال الأمر العسكرى - أمعنت فى شرورها بحيث أصبح وجودها يهدد الأمن العام والنظام تهديدا بالغ الخطر وبات من الضرورى وقف نشاط الجماعة التى تروع الأمن لضمان سلامة أهل البلاد فى الداخل وجيوشها فى الخارج.
وحدد الأمر العسكرى عقوبة المخالفين بالجبس دة تتراوح بين ستة شهور وعامين وغرامة بين مائتى جنيه وألف جنيه.
وقال الأمر العسكرى إن الموظف أوالطالب الذى يخالف الأمر يفصل من عمله أو معهده وأذيعت مع القرار أسباب الحل فى مذكرة تفسيرية قدمها عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية. تضمنت المذكرة تاريخ الجمعية التى " تألفت كهيئة دينية واجتماعية ثم اسفر القائمون عليها عن أغراضهم التى يحرمها الدستور والقانون فانغمسوا فى تيار النصال السياسى لتغيير النظم الأساسية للمجتمع بالقوة والإرهاب لقلب نظام الحكم".
واستند الحل إلى " أن الجماعة اتخذت طاب العنف فدربت الشباب فى الجوالة وأنشأت مراكز رياضية للتدريب العسكرى مستترة وراء الرياضة".
وجمعت الأسلحة والقنبل والمفرقعات وقامت يتخزينها وساعدها فى ذلك ما تقوم به بعض الهيئات من جمع الأسلحة والعتاد بمناسبة قضية فلسطين .
ووجه عبد الرحمن عمار إتهاما للإخوان باتخاذ الإجرام وسيلة لتنفيذ مراميهم. وحدد 13 نشاطا إجراميا لهم بدأت عام 1942 وانتهت فى 15 من نوفمبر عام 1948 من بينها :إلقاء القنابل فى مدينة القاهرة بتاريخ 24 من ديسمبر من 1946
الإعتداءات على رجال الشرطة فى 29 من نوفمبر 1947
تهديد الشركات والمحال التجارية وابتزازها اموالها. ألقاء قنبلة على فندق الملك جورج بالإسماعيلية فى السنة نفسها
اعتداءات على خصوم الجماعة فى قرية كوم النور مركز غمر وحرق أحطاب أحد الملاك فى كفر بداواى, وقتل شيخ خفراء البلدة وإطلاق النار على رجال الشرطة فى قرية البرامون, وتحريض الفلاحين على زيادة أجورهم ووتحريض عمال تفتيش محلة موسى لوزارة الزراعة على المطالبة بتملك أراضى التفتيش .ضبط كميات ضخمة من القنابل والمفرعات والبنادق والمسدسات والمدافع ووثائق فى 22 من أكتوبر تقطع بأن الجماعة تعد العدة للقيام بأعمال إرهابية واسعة النطاق.
افساد النشء ببذر الإجرام وسط الطلبة والتلاميذ فانقلبت معاهد التعليم مسرحا للشغب والإخلال بالأمنوميدانا للمعارك والجرائم قتل المستشار أحمد الخازندار بك وكيل محكمة استئناف مصر باستخدام القنابل لارهاب القضاه وثبت أن أحد القاتلين كان سكرتيرا خاصا للشيخ البنا.
نسف شركة الإعلانات الشرقية يوم 12 من نوفمبر 1948 ولم تشر المذكرة التفسيرية للأمر العسكرى إلى القنابل التى اتهم أعضاء الجماعة بإلقائها على معسكرات الإنجليز أو منشآت اليهود. قال الضابط الكندى هاردى إن النقراشى انتهز فرصة الشغب العنيف الذى وقع فى القاهرة يوم 4 من ديسمبر ليصدر قرار الحل.
أسرع أعضاء الجماعة وأشقاء الشيخ وهم عبد الرحمن وعبد الباسط ومحمد إلى دار المركز العام بالحلمية الجديدة فوجدوا الشيخ البا فى مكتبه وقعه صفوة من الإخوان لم تكن قد انصرفت بعد.
مضت دقائق معدودة لتجئ السيارات المصفحة تحاصرا الدار من كل جانب, ثم تقتحمها وكأنها تقتحم حصنامنيعا يعد بالجنود والسلاح وعلى رأس القوة ضابط شاهر مسدسه مثبت بصره وحواسه فى شخص المرشد العام .
قال: عندى أر بالقبض على من بالدار عدا فضيلة المرشد العام وأخذ يرجو فضيلته أن يسهل مهمته لأنه " عبد المأمور"!
قبض رجال الشرطة على كل من وجودهم من الأعضاء فى المركز العام ورأى سعد الوليلى – سكرتير المرشد العام - الذى اعتقل أيضا – الشيخ البنا يصعد سلم إحدى سيارات اللورى فمنعه رجال الشرطة من الصعود تشبث بالسيارة ولكن الضابط أكد أنه لم تصدر أزامر باعتقاله.
أزداد البنا تشبثا بالسيارة واعتلى أولى درجات سلمها وهو يصيح: لا تأخذوا هؤلاء بجريرتى فأنا أول منهم بالإعتقال.. وإذاكان الإخوان عصابة إجرامية فأنا رئيسها!
تحركت السيارة بالمعتقلين وبالشيخ إلى دار المحافظة ولكن رجال الشرطة رفضوا اعتقاله. وهناك احتالوا عليه فجاءه أحد الضباط يرجوه أن يقابل الحكمدار للتفاهم معه. نزل المرشد العام من السيارة واتجه إلى مكتب الحكمدار بينما تحركت السيارة بالأعضاء وأشقاء الشيخ إلى المعتقل . وكان هذا آخر عهدهم بالشيخ البنا!
نشرت صحيفة " المصرى " ما فعله رجال الشرطة فى ذلك المساء – 8 من ديسمبر – عقب إذاعة قرار الحل , مما يدل على أن الفترة التى انقضت منذ 18 من نوفمبر كانت مرحلة استعداد كاملة.
قالت الصحيفة الوفدية
" عند الساعة الحادية عشرة والدقيقة العاشرة اخترقت قوات البوليس بسياراتها القاهرة فى طريقها إلى المركز العام لجماعة الإخوان .
وعند وصول القوات كان هناك بعض شباب الإخوان مجتمعين فى فناء المركز العام فاقتحم البوليس الدار وألقى القبض عليهم جميعا ونقلهم . بعد تفتيشهم إلى قسم الخليفة توطئة إرسالهم إلى النعتقل.
وقام رجال البوليس بعد ذلك بالتفتيش فلم يتركوا ركنا فى حجرة إلا فتشوه ولم يهملوا دولابا دون أن تمتد إليه أيديهم بالبحث والتنقيب.
ووضع رجال البوليس جميع الأوراق التى ضبطت فى الدار , أو مع الشباب المقبوض عليهم فى جوالات وأرسلت إلى قسم الخليفة لحفظها بمعرفة المختص.
وشاهد مندوب " المصرى" عداد كبيرا من السيارات المصفحة يستقلها بعض الضباط فى طريقهم إلى باقى شعب الإخوان المسلمين وكان الجنود يرتدون الخوذات الحديدية ومزودين بالسلحة والمدافع الرشاشة.
واستمرت القوات تواصل تفتيشها واعتقالاتها حتى تم تنفيذ جميع الإجراءات وأغلقت جميع الشعب والفروع التابعة للجمعية بالشمع الأحمر".
كان عبد الرحمن عمار , فى فترة نفوذ الجماعة وقوتها يخطب فى صلاة الجمعة فى بنها متحدثا باسم الإخوان وكان يقبل يد المرشد العام ويدعوه بشيخه وأستاذه ويناديه قائلا:
سيدى الأستاذ البنا ولكن عبد الرحمن عمار تغيرتماما عندما رأى اتجاهخ الحكومة ضد الجماعة علق على قرار الحل قائلا:
إذا كانت الحكومة قد خطت هذه الخطوة الجريئة التى أحجمت عنها حكومات سابقة فلأنها رأت أنه ليس هناك بد من العمل بحزم وعزم للقضاء على عناصر الشغب ودعاة الفتنة وأهل السوء , قضاء مبرما فى غير تردد وبلا شفقة ولا رحمة.
بعد قيام ثورة 23 من يوليو 1952 والقبض على عبد الرحمن عمار حاول أن يتصل من مسئولية الحل ومن المذكرة التفسيرية تماما كما يفعل كبار لاموظفين فى أعقاب الثورات والانقلابات وتغير أنظمة الحكم واتجاهاته فى مصر والدول النامية.
قال عمار:
إدارة الأمن العام هى التى أعدت مذكرة الحل بناء على طلب النقراشى وقد وضعت عليها طبقا للإجراءات الحكومية بصفتى وكيلا لوزارة الداخلية!
علق المسئولون فى وزارة الخارجية البريطانية فى مذاكراتهم الرسمية السرية على الأمر العسكرى فقالوا: وشكلت الأنشطة الأخيرة للمنظمة تهديدا للأمن العام بحيازتها لكميات ضخمة من الأسلحة والمتفجرات , ومن الواضح تماما أنها ملك المنظمة نفسها لا لأعضاء فيها وهذا صلب الموضوع وجوهره لاختلاف هذه المنظمة عن الحزب السياسى العادى .
وجاء قرار الحل متأخرا عن موعده وهناك ارتياح عام إزاء حل الجماعة
وقد ابدى لبوليس حرصا جديرا بالثناء فى تنفيذ قرار الحل. وبكن ذلك لا يعنى بالضرورة نهاية النشاط الإرهابى من جانب أعضاء الجماعة المتورطين فى أعمال الإرهاب. ومن المحتمل أن تستمر أقلية من الإرهابيين فى العمل السرى لنهم يعرفون مخابئ الأسلحة والذخائر التى لا تعلم بها سلطات الأمن.
وستحتاج سلطات الأمن إلى درجة عالية من العزم والمثابرة والكفاءة". اكتفت معظم الصحف المستقلة " الأهرام" و" المصرى"و" الزمان "و" المقطم" بنشر قرار حل الجماعة والأحداث التى تلته بدون تعليق. أما صحيفة " صوت الأمة" التى هاجمت من قبل. وبعنف الشيخ البنا وجماعة الإخوان فقد تجاهلت قرار الحل تماما , لم تنشره ولم تعقب عليه ونشرت الكتلة صحيفة مكرم عبيد وحزبه النبأ دون إبراز.
ولكن مجلة " الحوادث " التى تعبر عن الوفد - رحبت بقرار الحل تحت عنوان – لا حرية لأعداء الشعب".
نشرت المجلة تصريحا أدلى به النقراشى باشا وقال فيه :" الجماعة مرض استشنائى فكان من الطبيعى ان تعالج بطريقة استثنائية وحاسمة".
وقالت الحوادث:" نام رفعة النحاس باشا نوما هادئا عندما وصل إليه قرار الحل" وأضافت:
" يجب اعتبار يوم الحل عيدا للديموقراطية يحتفل به كما تحتفل أوربا بزوال كابوس الفاشية وحل الإخوان إجراء ديمواقراطى ويجب على المصريين أن يهللوا طويلا لهذا الإجراء .. وقد أنقذ النقراشى البلاد من عار ملفوف فى ثياب الفضيلة". زايدت صحيفة مصر الفتاة الحل وقالت " لم تأخذ حركة الإخوان طابعا معينا ولكنها تشكلت وتطورت لتجارى كل فكر وطل ظن , وكل أمل ..
وكنا نتوقع ذلك المصير بأسلوب أو بآخر ولم تصدر أيدا أن النهاية ستجئ سريعا".
وقالت صحيفة أخبار اليوم " إن قرار الحل أحدث صدى قويا فى لندن وساد الدوائر الرسمية شعور بالارتياح.
ووصفت الدوائر المطلعة فى لندن ب أنه أقوى من قرار حكومة محمد محمود بحل فرق " القمصان الزرقاء" واكتفت الصحف لتى تصدر فى مصر بلغات أجنبية بتعليقات قصيرة وهى " البروجرية " و" البورص" اللتان تصدرهما شركة الإعلانات الشرقية التى ألقيت عليهما قنابل الإخوان.
ولكن صحيفة " الجيبشيان جازيت" التى تصدرها نفس الشركة أيدت قرار الحل واتهمت الجماعة بالإرهاب " وأنها تخلت عن أهدافها الإسلامية والإجتماعية وطلبت من الحكومة التحقيق لمعرفة المسئولين عن الانفجارات حتى لا يستمر الفاعلون فى العمل السرى تحت الأرض".
وفى سورريا حملت صحيفة " المنارط الناطقة بلسان الإخوان على قرار الحل قالت:ضاعف البريطانيون من حملتهم على الجماعة ووزعت مكاتب الإستعلامات البريطانية فى العالم كله أنباء بأن السلطات المصرية وجدت منشورات شيوعية فى مكاتب الجماعة هكذا نجح البريطانيون فى غقناع حكومة مصر بإغلاق شعب الإخوان". وقالت السفارة الأمريكية إنه طلب إلى الشيخ البنا أن يلزم داره فى اليوم التالى الحل الجماعة لأنه لم ينفذ وعوده الشفوية لعبد الرحمن عمار بمنع المظاهرات ويبدو أن القرار نفذ لفترة قصيرة".
ولكن " الساس " صحيفة الحزب السعدى الحاكم قالت غن الأمر العسكرى صدر بمناسبة استقبال الوزارة لعاملها الثالث.
ونشرت الأساس أنه " تم فى ذلك المساء إغلاق 55 شعبة وأن المدارس الإلزامية تحولت إلى فصول لتعليم الشيوعية! وأن كل المدارس سلمت لوزارة المعارف والمستوصفات ضمنت لوزارة الصحة والشركات وضعت تحت إشراف وزارة الداخلية للإنفاق منها بمعرفة وزارة الشئون الاجتماعية... على ال‘مال الخيرية".
وقالت الأساس " إن الشيوعيين اتخذوا من شعب الإخوان أوكارا لهم"!
طلب الأمير محمد على ولى العهد إلى تشابمان اندروز الوزير البريطانى المفوض أن يزوره فى قصره بالمنيل فجاء الوزير ليسمع رأى الأمير فلا قرار حل الجماعة
قال ولى العهد:
دعم النقراشى موقفه بحل الإخوان ولكن البلاد بصفة عامة غير راضية والملك والحكومة ليسا محبوبين. تجمع كتاب مصر مؤيدين لقرار الحكومة ضد الإخوان لملسمين وكان العقاد على رأسهم وفى مقدمتهموأعنفهم فى الهجوم.
قال تحت عنوان " مدرسة الجريمة"
" كانت الجماعة المشئومة التى طلعت على هذا البلد المسكين تغذى الإغرار من أتباعها بصنوف شتى من الغذاء المسموم. فكل نفوذ أدبى فى هذا الوطن مهدد عندهم أو مستباح.
نذكر إمامهم " شيخ الإسلام" فيقولون بل " ناظر مدرسة" ولا شأن له بإممة الدين لهم العلماء ذلك فيقولون إنهم لا يعلمون ويذكر لهم " سعد زغلول" فيقول بل يكتبون إنه ليس بزعيم الأمة ولكنه صنيعة الإنجليز ويذكر لهم رجالات مصر والشرق واحدا واحدا فيلصقون بكل منهم تهما لا تبقى له محلا من الإحترام .
فإذا كانت الأسرة المختلة مدرسة الجريمة فهذه قبحها الله جامعة الجريمة".
واتهم العقاد الإخوان بأنهم عملاء للأجانب تحت عنوان " جماعة الإخوان فتنة أجنبية".
قال:
" وما من أحد يحتاج إلى تعب ليعلم أن جماعة المجرمين فتنة اجنبية يزودها بالمال والسلاح أناس لا يريدون خيرا بالإسلام والمسلمين".
واشترك كثير من لاكتاب المصريين فى الهجوم على الإخوان . وكتب محمد توفيق دياب:
فعلت البذور السامة فعلها المشئوم فى فئات من الطلاب والتلاميذ فإذا معاهد التربية والتعليم فى أعينهم ثكنات جيش وميدان قتال , وغذا كتبهم وأدواتهم مسدسات وقنابل , وغذا عدوهم – الذى يقاتلونه ويقتونه – إخوان لهم مصريون من رعاة الأمن والعلمانية".
وقال محمد لاتابعى:
" شبان سذج . آلات وأدوات سهلة طيعة .. تناولها زعماء الإخوان وقادتها وصاغوها فى القالب الذى أراده .. وأخرجوا منها آلات خرساء صماء ... وتتحرك بلا إرادة وتنغذ مشيئة سواها بلا تعقيب نزولا على حكم السمع والطاعة .. وأن طاعة القيادة من طاعة الله".ولم تكتب كلمة واحدة دفاعا عن الجماعة لأن كتابها متقلون ول، الرقابة على الصحف كانت ائمة!قال أحد المتهمين فى حوادث اعتداء بالقنابل لوكيل النيابة أثناء التحقيق معه:
لمذا اعتقلتمونا بسبب نسف المحلات التجارية اليهودية بينما كانت الحكومة تشجعنا على ذلك. ومضى يقول: كانت السلطات تعيد إلينا كل المتفجرات التى عثر عليها زعمنا أنها تتجه إلى فلسطين! قصد مندوب صحيفة " المصرى" إل الشيخ حسن لبنا يسأله رأيه فى حل الجماعة.
فقال: " لا يمكن بالتحديد حصر الأسباب التى دعت الذين اصدروا هذا القرار إلى إصداره ولكن يقال غن من هذه الأسباب... التحول الذى طرأ – أو فى النية أن يطرأ – على اتجاهات السياسة البريطانية فى الشرق.
ومن المعلوم ان بريطانيا تعتبر الإخوان المسلمين قوة وطنية متطرفة وتغزو إلى دعايتهم تعطيل الاتفاق مع مصر.وكذلك الحزبية التى تصاحب قرب موعد الانتخابات النيابية... لأن الحزب السعدى يريد أن يظفر بأغلبية برلمانية تمكنه من الإستمرار فى الحكم . والإخوان المسلمون قوة شعبية ينتظر منها الصمود فى هذا الموقف.
ومن " التكتيك الحزبى" أن يشوه موقفهم بمثل هذا العمل قبل حلول موعد الإنتخابات فى أكتوبر 1949, ورغبة الحكومات العربية فى إنهاء قضية فلسطين ولو على غير ما تريد الشعوب.
وهناك من الضغوط الجنبية ما لم تستطع معه الحكومة المصرية إلا أن تتخذ هذا الإجراء .
وعلى كل حال فهو موقف يؤسف له وما لم يعدل فى وقت قريب. فإن الأمور فى لاداخل والخارج لا يمكن أن تستقر على هذا الأساس من الضغط والظلم والتحدى".
ولم ينشر حديث الشيخ إلا فى 9 من أكتوبر 1949 بعد استقالة إبراهيم عبد الهادى ..ز بسبب الرقابة على الصحف.
قالت صحيفة " شيكاغو ديلى تريبيون":
" حلت جماعة الإخوان المسلمين بأوامر شخصية من الملك عندما علم أ،ها تخطط للإطاحة به والإستيلاء على الحكم".
على الجبهة المصرية كنت توجد مأساة أخرى....
مساء 7 من ديسمبر اقتحم اللواء البردينى القائد الثانى للقوات المصرية فى فلسطين معسكر الإخوان ليبلغ قائد الجماعة كامل الشريف أن الحكومة قررت حل الجماعة , وسيعلن ذلك فى اليوم التالى . وقال: الحكومة المصرية تخشى أن يقوم الإخوان بحركات انتقامية فى الميدان .
أجاب كامل لاشريف:لن يختم الإخوان جهادهم بضرب المؤمنين من إخوانهم وزملائهم ويجتمع اللواء فؤاد صادق قائد القوات المصرية فى فلسطين بالإخوان فيعلن حسن دوح أ،هم قرروا البقاء وموصلة الجهاد. ويبعث المرشد العام برسالة إليهم يقول فيها:
" ما دام فى فلسطين يهودى واحد يقاتل فإن مهمتكم لم تنته بعد. ويستمر الإخوان .. يقاتلون . وتماطل الحكومة فى منح الشجعان أوسمة ... وعندما تمحنها لبعضهم تسميهم " جماعة المتطوعين المصريين". وتحلل وزارة الخارجية البريطانية الموقف بعد حل الإخوان.
قالت الوزارة
" حدث تدهور خطير للغاية فى الأمن العام . وتكمن خطورة الموقف الراهن فى اسبابه أن لامصريين ينفسون عن مشاعرهم بهذه الطريقة من وقت لآخر ولا شك أن الإنفجار الأخير كان نتيجة لتصاعد الشعور بالإحباط. والجمهور المصرى يدرك فى المقام الول , أن مغامراتهم فى فلسطين قد فشلت.
ويدرك المصريون أيضا حماقة الحكومة المصريةإذ أحجمت عن التصديق على اتفاق كامبل – خشبة حول السودان.
ويدركون عزلتهم الاستراتيجية فى مواجهة موقف دولى متدهور وهم يعترضون على سلوك ملكهم وما زالوا نتظرون حدوث شئ ملموس باتجاه الإصلاح الاجتماعى.
كل هذه المصادر التى ينبع منها السخط زادت حدتها فى الأسابيع القليلة لاماضية .
وحدثت اضطرابات فوضوية مماثلة فى سوريا فى الأسبوع الماضى.
وقد تكون أخطر عناصر هذه الاضطرابات أنها تخلق الموقف الملائم تماما الذى ينتظره الشيوعيون.
ومقارنة بالشرق الأقصى وأفريقيا أظن أن التسلل السوفيتى للشرق الأوسط لم يكن نشيطا كما يجب.
وبما يكون الأمر أن لسوفيت ينتظرون سقوط لحكومات العربية وهو ما توقعوه عقب الفشل العربى فى حل المشكلة الفلسطينية.
ولا يوجد لدنيا لاكثير مما يمكن ان نفعله فى مواجهة هذه السياسة السوفيتية سوى أن نفهم الحكومات العربية ضرورة الحفاظ على النظام العام وتشجيعها مر اخرى على اتخاذ خطوات أكثر إيجابية باتجاه الإصلاح الاجتماعى".
وهكذا نجد أن بريطانيا خافت من أن يؤدى تدهور الأمن إلى سقوط مصر فى ايدى الشيوعيين ومن هنا كان الضغط البريطانى ضد الإخوان أما السوفييت فرأوا أن الفشل العربى فى فلسطين سيؤدى إلى سقوط الحكومات العربية وسقوط مصر فى أيدى الشيوعيين وكان الإخوان هم الضحية!
الصامتون
كانت اللجنة العليا للحزب الوطنى – التى يرأسها فتحي رضوان المحامى وتضم شباب الحزب الوطني – الهيئة الوحيدة التى احتجت على قرار حل جماعة الإخوان المسلمين.قال فى بيان لها:
" القرار ثورة على الدستور, وخروج بسلطة الحكام العرفية عن الغرض الذى أعدت له .
إن النقراشى باشا الحاكم العسكرى فى فترة الحرب مع الصهاينة, هو الذى يحل هيئة الإخوان المسلمين الذين حاربوا فى فلسطين شد الصهاينة كأشجع وأقوى ما يكون المحاربون.
وإذا كان ما نسب إليهم صحيحا فهو لا يعدو اعتداء على المحال اليهودية أو على أفراد من اليهود مما يجعل النظر فيه من اختصاص المحاكم العادية ويخرجه عن سلطة الحاكم العسكرى تماما.
ولا يملك الحاكم العسكرى أن يحل حزبا بأسره يختلف معه الرأى وينافسه فى الإنتخابات القريبة ويصادر أمواله ويستولى على عقاراته, ويتوقف نشاطه لأن الدستور وقانون العقوبات لا يسمحان بشئ من ذلك حتى فى حق من تثبت عليهم قضايا ارتكاب جرائم الخيانة العظمى أو التطاول على مقام جلالة الملك وهى جرائم مهددة لكيان الدولة.
ولا يوجد مسوغ للإستيلاء على دور الإخوان والتصرف نهائيا فى أموالهم لأن ذلك لا يحقق إلا غرضا واحد وهو التنكيل بالإخوان.
إن بريطانيا وصحفها أبدت ارتياحا للحل مما يكشف جانبا من جوانب الخطر فى هذا الإجراء".
وقال البيان:
"إن المنطق الذى أخذ به الحاكم العسكرى فى محاربة الإخوان , ترفع اللورد اللنبى وبريطانيا عن الأخذ به فى معاملة المضربين.
لقد اعتبرت بريطانيا حوادث الاغتيال فى المدة من 1920 حتى 1924 عملا وفديا بحتا وأن سعد زغلول هو المسئول عن هذه الجرائم.. ومع ذلك لم توعز بريطانيا بحل حزب الوفد وكانت تملك أن تفعل .
فهل يكون المصريين أكثر جرأة على الدستور وأمعن فى محاربة الحقوق الأساسية للناس من بريطانيا والبريطانيين".
لم ينشر هذا البيان عقب صدوره لأن الرقابة على الصحف كانت قائمة ونشر جانبا منه فتحي رضوان – فى جريدة المصرى فى 28 من فبراير 1950 – فى عهد وزارة الأخيرة ولكنى وجدت هذا البيان ضمن الوثائق البريطانية المحفوظة فى مركز الوثائق العامة فى لندن!
واستنكر صالح حربا باشا رئيس جمعية الشبان المسلمين قرار الحل. قال : " لم يجازف الإنجليز بحل الوفد المصرى رغم أتهام بعض أعضائه باغتيال السرادار السير لى ستاك باشا حاكم السودان والحكم عليهم بالإعدام ورغم حوادث الاغتيال لمتعددة التى نسبها الإنجليز لوفد المصرى وأعتقل بسببها مكرم عبيد والدكتور أحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى وإبراهيم عبد الهادى وغيرهم.
على الرغم من ذلك كله .. فقد بقى الوفد المصرى ولم يحل ولكن السعديين المصريين حلوا جمعية الإخوان". ... لم تنشر كلمات صالح حرب إلا فى 19 من نوفمبر عام 1949 فى جريدة " الكتلة" التى انطلقت قبل غيرها ودون غيرها , لفترة طويلة, فى الدفاع عن الإخوان... بعد استقالة إبراهيم عبد الهادى وتولى حسين سرى باشا رئاسة الوزارة.
ولكن باقى الأحزاب المصرية استقبلت قرار الحاكم العسكرى فى صمت لم تستنكره مع أن قرار الحل قد يلاحقها .. ولم تؤيد القرار لأنه يخلصها من أقوى أ‘دائها..
وفى بيان فتحي رضوان غلى ذلك:
" إ، التأييد الصمنى " أو الصريح الذى لقيه الحاكم العسكرى من بعض المعارضين له يرجع إلى أن الحاكم العسكرى تحمل – دون معارضيه – وزر خطوة لم يجدوا عندهم الشجاعة عليها".
وتوجه بعض رجال الأزهر إلى مكتب عبد الرحمن عمار يهنئون بقرار الحل قائلين:
هؤلاء إخوان الشياطين . والحمد لله على خلاص البلاد من شرهم وأيد بعضهم قرار الحل فى أحاديث قدمتها الإذاعة المصرية . وأكدت المفوضية الامتناع عن تأييد قرار الحل على أمل تأييد الجماعة لهذه الأحزاب فى الانتخابات القادمة". وقد تبين صدق هذه النبوءة فيما بعد! وقالت صحيفة " أخبار اليوم" ... " أدلى النحاس باشا بحديث إلى صحيفة " الأهرام" أيد فيه قرار الحل ولكن فؤاد سراح الدين سكرتير عام الوفد أوقف النشر... لأن الحديث ليس للنشر"!
قالت مجلة آخر ساعة تحت عنوان المعارضون يصفقون ويبكون لحل الإخوان المسلمين".
" ابدى المعارضون ارتياحهم لهذا القرار سرا فقد تخلصوا من جمعية كانت تعتبر أقوى من خصومهم. ولم تكن هذه الجمعية حزبا فقط بل كانت أشبه بدولة لهاجيش ومستشفيت ومدارس ومصان وشركات اما عن العلن فقد رفضت صحف المعارضة أن تعلق بكلمة واكتفى المعارضون فى أحاديثهم مع الشيخ البنا بإبداء الأسف والسخط وتحدث مكرم عبيد مستنكرا هذا التصرف حتى ظن الشيخ حسن أن مكرم باشا أصبح هو الآخر أخا مسلما"!
علقت السفارة البريطانية على البيان بأن فتحي رضوان محاممن طراز وطنىمتطرف وداعية يثير الفتن والقلاقل.
وقالت تقارير السفارة :
" أراد الإخوان الاندماج فى اللجنة العليا للحزب الوطنى ويعتزمون مواصلة النشاط السرى تحت حماية هذه اللجنة ورعايتها.
وأثير اقتراح بأن يتولى الحزب الوطني النشاط السياسى للجماعة بينما يقتصر نشاط قادتها على متابعة رسالتهم الدينية والاجتماعية".
وفكر الشيخ البنا- كما يقول الباقورى - فى ان يستبدل باسم جماعة الإخوان اسم " رابطة المصحف " حتى يتفرغ للتربية الدينية التى هى اصل الأصول فى جماعات الإصلاح.قال زكى على باشا وكيل جمعية الشبان المسلمين إن المرشد العام أراد الإندماج فى جمعية الشبان المسلمين.
خاف أعضاء جمعية الشبان المسلمين على أنفسهم من عنت الدوة فاعترض وكيل الجمعية زكى على باشا على حضور الشيخ
ولكن صالححرب باشا رئيس الجمعية زار المرشد العام فى بيته وقال له :
- اعتبر دار الشبان دار الإخوان... دارك ومفتوحة لك دائما.
- عرفت الحكومة بذلك فاتصل المسئولون بصالح حرب وقالوا له: هذا تحد لأمر الحل.
- رفض صالح حرب الخضوع قائلا: هذه دار المسلمين جميعا . لن يوصد بابها فى وجه مسلم ومن باب أولى لا يوصد فى وجه البنا وستظل داره راغبا فى زيارتها.
- وقال لمحمد الليثي: اخل مكتبك للأستاذ البنا .. وحاول ألا تجمع معه فى المكتب أكثر من ثلاثة أشخاص حتى لا يطبق عليه قرار الحل. وهمس صالح حرب فى أذن الليثى قائلا:
- لا تدع الشيخ يعلم بشيء مما دار بيننا وبين الحكومة بشأنه .
- وقال الدكتور يحيى الديرديرى مراقب الجمعية للأعضاء الشيخ حسن يحضر إلى الجمعية كرجل مسلم وكضيف. وقد قرر ألا يعقد فى " الشبان المسلمين" اجتماعات ولا يلتقى بأعضاء.
وهكذا أصبحت جمعية الشبان المسلمين المكان الوحيد الذى يتردد عليه البنا فدفع اشتراك 5 سنوات سابقة لم يسدد عنها الاشتراك من قبل . وكتب بخط يده فى 4 من فبراير طلبا ليكون عضوا فى الجمعية . وقال غنه صحفى هدفه أغراضها فتقرر أن يعرض طلب الالتحاق على مجلس الإدارة يوم 18 من فبراير لاتخاذ قرار فيه.
وقيل إنه سيكون رئيسا للجمعية وبذلك تتحول لتصبح بديلا للإخوان ! وفى كتاب محمود عبد الحليم قال:" إنه لا يستبعد رغبة الشيخ البنا فى نقل نشاط الجماعة والإندماج هنا و هناك فيجد لدعوته منفذا مؤقتا قبل أن تطبق عليها الغيوم أطباق كاملا, وليدخل الطمأنينة إلى نفس الملك".
ولكن أخفق الشيخ البنا فى التماس المنفذ!
وزارا الشيخ البنا رئيس الحزب الوطني حافظ رمضان باشا يسأله فيما إذا كان من الأفضل إثارة موضوع الحل فى البرلمان.
قال حافظ رمضان:
اللجوء إلى الهيئات النيابية قد يضر ضررا بليغا إذا وافقت تلك الهيئات على قرار الحل.
وكان حافظ رمضان يعرف أن الأغلبية , فى مجلس النواب للحكومة ومن الطبيعى أن يؤيد النواب قرارها. أفضى الشيخ إلى فتحي رضوان بأنه يود أن يكل إلى هيئة من رجال السياسة المصريين حزبين ومستقلين وبعض المشتغلين بالشئون العربية والإسلامية – بينهم وهيب دوس بك المحامى القبطى وصادق المجددى سفير الأفغان بالقاهرة – أمر الوساطة بين الإخوان وحكومة النقراشى.
وكان يأمل أن تنجح وساطة هؤلاء الكبار فى أن تخفف الحكومة من شدة اجراءات الإعتقال وأن تدع نشاط الإخوان الخيرى والدينى وأن تعفى من الصادرة والحل الشركات التى تمارس نشاطا اقتصاديا.
وحمل عبد العزيز الصافانى سكرتير الحزب الوطني قائمة بالأسماء المقترحة للهيئة وعرضها على حافظ رمضن باشا قائلا:
يطمع الشيخ البنا فى أن تقوم بدعوة هذه اللجنة للإجتماع فى دارك
قال حافظ رمضان للصوفانى: أنصحك بصرف النظر عن المشروع كله!ويلتقى الشيخ البنا بفتحي رضوان فيقول له:
- ماذا فعل الباشا – يقصد حافظ رمضان – لنا وبنا . ونسينا أن غضب علينا؟
- أجاب فتحي رضوان:
- الخلاف بينك وبين الحكومة خلاف مبدئى لا تنفع فيه وساطة الوسطاء
- رد الشيخ معللا النفس بالأمانى:
- هذا باب مفتوح يجب أن نطرقه حتى لا نكون قد قصرنا فى شئ!
- اقام الشيخ دعوى أمام مجلس الدولة يطلب فيها الغاء قرار الحل. وتوجه مع صهره عبد الكريم منصور إلى المجلس فجاء شرطى فتش المرشد تفتيشا دقيقا وكأ،ه يريد أن يعرف ما إذا كان الشيخ يلبس درعا أم لا.
- وقال منشور سرى كتبه البنا عنوانه" قضيتنا":
" طلبت السفارة البريطانية من النحاس باشا عام 1942, والحرب العالمية على أشدها والألمان على الأبواب, حل الإخوان المسلمين وتعطيل نشاطهم فأبى أن يجيبها إلى ذلك, وأكتفى بإغق الشعب كلها مع بقاء المركز العام إلى حين!
- إن الدافع الحقيقى للحل هو انتهاز الجانب فرصة وقوع الحوادث مع اضطراب السياسة الدولية , وقلق الموقف فى فلسطين , وتردى سياسة مصر بين الإقدام والإحجام فشددوا الضغط على الحكومة. وكان فى وسع رئيس الوزراء أن يزجرهم عن مثل هذا التدخل فى شأن داخلى".
- ونسب الشيخ البنا أسباب الحل إلى ما يشاع عن قرب الإنفاق بين الحكومة المصرية والحكومة البريطانية والموقف الحزبى والتأهب للإنتخابات القادمة.
- وقال الشيخ البنا:
" اعتقل ألف شخص ليسوا متهمين فى شئ, وهم بين استاذ الجامعة كالأستاذ حسين كمال الدين, أو فى الأزهر كالأستاذ بهى الخولى, أو فى المعاهد العليا كالأستاذ عبد العزيز كامل وأحمد كامل سليم, أو فى دار العلوم كالأستاذ أحمد عبد العزيز جلال.
ومنهم المحامون الكبار, أو التجار الفضلاء والعمال والطلاب وليس فيهم أبدا منهم ولا مجرم.
وفصلت الحكومة أكثر من 150 موظفا من الموظفين الصغار الذين لا ستطعيون مقاضاتها أمام مجلس الدولة. وشردت من القاهرة وحدها إلى الوجه القبلى 500 موظف.
وصدرت الأوامر العسكرية بمصادرة مرتبات عدد كبير من الموظفين, وأموالهم وشركات هى:
شركة " الإخوان للتجارة" بميت غمر, و"المناجم والمحاجز العربية" و" الإخوان للنسيج"و" الإخاء الإسلامى بفرشوط" و" دار الإخوان للطباعة" و"دار الإخوان للصحافة " وكلها لا صلة لها بهيئة الإخوان ولكنها وضعت هذا االقسم من باب الدعاية التجارية.
وقال الشيخ البنا" إن كل ما يطلبه من الحكومة أمرين اثنين:
(أ) دفع المظالم التى وقعت على الناس بلا سبب.
(ب) إطلاق حرية الدعوة فى الوقت المناسب بالأسلوب الذى لا ينال من هيبة الحكومة ولا يعطل من نشاط الإخوان.
(ت) وفى نظير ذلك يتعهد المرشد العام ورؤساء الإخوان أن يكونوا أعوانا صادقين للحكومة فى استقرار الأمن واستتباب النظام".
ولكن الحكومة اكتفت بمصادرة المنشور واعتقال موزعيه وحائزيه!
وأذاع الشيخ البنا بيانا آخر رد فيه على مذكرة عبد الرحمن عمار عن الماعة فند فيهكل أسباب الحل. ولكن الحكومة أيضا صادرت هذا البيان وأعتقلت موزعيه وحائزيه وتركت كتابه الشيخ البنا ... حرا! وقال الإخوان:ط إن سفراء بريكانيا والولايات المتحدة وفرنسا اجتمعوا يوم 20 من نوفمبر 1948 فى معسكرات القوات البريطانية بفايد قرب الإسماعيلية وقرروا أن يتقدم السفير البريطانى – باسمهم – يلطب حل الجماعة.
وفى 20 من نوفمبر 1948 ارسل الكولونيل ماك درموت, رئيس إدارة المخابرات فى قيادة القوات البريطانية, إلى مدير إدارة المخابرات يبلغه بأن السفارة البريطانية اخطرت القيادة البريطانية رسميا بأن خطوات دبلوماسية تتخذ لإقناع السلطات المصرية بحل الجماعة فى أقرب وقت مستطاع. وقال عبد الرحمن عمار فى أثناء محاكمة لامتهم باغتيال النقراشى إن الإخوان ادعوا ذلك لإيهام الناس بأ، النقراشى حين قرر حل الإخوان كان تحت ضغوط أجنبية.
ونشر الإخوان نصوص الرسائل المتبادلة فى العدد الأول من مجلة الدعوة الصادرة فى 31 من يناير عام 1951.وأشاروا إليها فى أثناء محاكمة المتهمين اغتيال البنا.
ضاق الإنجليز بذلك فزار تشابمان اندروز الوزير البريطانى المفوض إبراهيم عبد الهادى باشا فى منزله وقال له:
هذه الوثائق مزورة . وإنى أطلب منك ن تعلن ذلك باعتبارك رئيس الوزارة التى قبض فى عهدها على بعض المتهمين فى سيارة الجيب وغيرها – وأضاف " أندروز":
- إذا وجدت حرجا فى النش فى بالصحف أو الاتصال بالفضاء فإن السفارة البريطانية على استعداد لإعلان ذلك رسميا:
اعتذر رئيس الوزراء السابق فبعث مورى جراهام المستشار القانونى للسفارة البريطانية إلى وحيد رأفت مستشار الرأى لوزارة الخارجية المصرية رسالة قال فيها:
" إن أمر حل الإخوان المسلمين لم يكن محل حديث بين السفارة الأمريكية والحكومة لامصرية" وقدمت النيابة هذه الرسالة للمحكمة فى قاعة الجلسة.وكان مورى يكذب فإن مقابلات السفير البريطانى السير رونالد كامبل لرجال الملك والوزراء تقطع بان السفير ألح على ضرورة الحل.
كتبت السفارة البرطانية إلى لندن بعد يومبن من قرار الحل:
" تجتاح الأمة المصرية حاليا موجة من الغضب بسبب الروح التى أبدتها الأحزاب السياسية المختلفة. ويعيب الشعب على السلطات سلوكها تجاه الإخوان والذين استخدموا فى نفس الوقت كأدوات ضد الوفد. وبينهم الرأى العام جميع الأحزاب بالإهتمام بمصالحها الخاصة.
ويواجه الإخوان حاليا أبشع التهم دون إجراء الحد الأدنى نم التحريات للتحقيق فيها".
تلقت وزارة الخارجية المصرية المحاسبة ومجلس الدولة رسائل تهديد بنسفها. وقالت المفوضية الأمريكية أنه وجدت متفجرات فى مكتب وكيل وزارة الأشتغال .
وأعلنت الحكومة عن مكافأة لمن يرشد عن مستودعات السلاح ونشرت كميات وأعداد الأسلحة المضبوطة. حرم الشيخ البنا على نفسه الطعام الطيب ليشارك الإخوان فيما يتحملونه فى السجون والمعتقلات. وكان يستيقظ ليلا قائلا:
اسمع صياح الأطفال الذين غاب آباؤهم فى المعتقلات.
وأصدر القنراشى باشا بصفته الحاكم العسكرى العام أمرا بمنع الطلبة من الإشتراك فى النشاط السياسى للأحزاب أو الأندية السياسية.
ولم تنشر أنباء الاعتقالات فى الصحف نتيجة للرقابة مما ترك أسوأ انطباع لدى الإخوان كما تقول السفارة البريطانية.
رد الإخوان بطبع منشورات توضح موقفهم وموقف الحكومة تجاه الحركة الوطنية.
تلقى وزراء حزب الإحرار الدستوريين منشورا وقع باسم " كتاب النضال المقدس لتحرير الإسلام". احتج المنشور على قرار الحل وقال إن أ‘داء الجماعة غيروا – بدهاء – طبيعتها الحقيقية فقد قام الإخوان لإنقاذ الأمة مبادئ الإسلام والعمل بالقرآن وتنفيذ إرادة الله.
وقال المنشور إن موقعيه من الإخوان وإنهم يختلفون مع زعيم الجماعة البنا فى أسلوب إعادة حقوق الجماعة و سيتبعون طريقا خاصا لذلك فالعدوان يرد بالعوان وهم مرغمون على رد السهام التى وجهت إليهم.
وطالب المنشور الحاكم العسكرى" بعلاج الإجراءات الظالمة التى لا ترضى الله والملك والدستور أو الشعب سينفذون إرادة الله أو يموتون شهداء"
علقت المفوضية الأمريكية على ذلك بأن أسلوب المنشور يدل على أن كاتبه هو المرشد العام أو أحد خلصائه بهدف آخر وهو إقناع الحكومة بأن البنا ليس مسئولا ‘ن أعمال الإرهاب.
وقالت المفوضية إن صدور هذا المنشور وتوزيعه دليل على أن الحكومة لم تعتقل بعد كل الإرهابيين! حاول البنا لقاء النقراشى والوصول غلى تفاهم يوقف اندفاع شباب الجماعة وأراد أن يبين له أن تطرف بعض الشباب لا يجب أن ينعكس على الإخوان جميعا.
وكان البنا يرغب فى أن يشكو إلى رئيس الوزراء من أن بعض الشركات الصادرة ليست لها علاقة بالإخوان ما تم استيلاء العمد والمشايخ على أراض زراعية بدعوة أنها مملوكة للإخوان! ولكن النقراشى رفض لقاءه فكتب إليه المرشد العام رسالة بأن الإخوان يعتزمون الهدوء وسيعاونون على قرار الأمن.
واجتمع الشيخ البنا وإبراهيم عبد الهادى رئيس الديوان الملكى قدم البنا لرئيس الديوان رسالة بأن الإخوان يعتزمون التزام الهدوء.
رد رئيس الديوان:
تحدد خط الحكومة بشكل مؤكد. فإما أن ترضخ أو تتحمل العواقب رأى المرشد العام أن يبين موقفه لكل المحيطين بالملك فاجتمع بكريم ثابت المستشار الصحفى لفاروق, يشكو إليه قسوة تدابير حل الإخوان واتساع نطاق موجة الاعتقالات.
قال: إن انحراف الإخوان المسلمين إلى الاشتغال بالسياسة كان خطأ كبيرا وكان أحرى بهم أن يتجنبوها وأن يقصروا رسالتهم على خدمة الدين, والدعوة إلى مكارم الأخلاق. والهداية إلى آداب الإسلام وهو الأصل فى تكوين الجماعة.
وإنى أطلب إليك أن تنقل إلى الملك فحوى هذا الحديث ليتدخل لتخفيف تدابير الحل والمصادرة . وتبقى على الإخوان كهيئة دينية تنصرف إلى تأدية رسالتها دون أن تجاوزها بحال. واضاف الشيخ البنا:
سيكون الإخوان المسلمون كهيئة دينية عونا كبيرا للملك والعرش فى مقاومة الشيوعية والمبادى الهدامة. وإذا وافق الملك فإنى مستعد – تسهيلا لمهمة الحكومة – أن أذيع بيانا أعلن فيه أن الإخوان لن يشتغلوا بالسياسة وأنهم من الآن فصاعدسيوجهون جهودهم إلى الأغراض الدينية وحدها.
وظل البنا يردد فى أحاديثه للسياسيين ورجال الصحافة :" إن ولاءنا للعرض لا ينكره إلاكل مكابر". وقال :" الإسلام لا يتعارض مع النظم الملكية".
وأعلن أن الإخوان يلتزمون بقول الحسن البصرى :" لو كانت لى دعوة مستجابة لجعلتها للسلطان فغن الله يصلح بصلاحه خلقا كثيرا".
قالت تقارير المخابرات البريطانية بعد أسبوع من الحل" إن اضطرابات عنيفة وقعت فى مدرسة الزقازيق وأن ثلاثة من أعضاء الجماعة الإخوان المسلمي ألقوا قنبلة على رجال الشرطة ما أدى إلى غصابة ثلاثة منهم , ووجدت قنبلة أخرى لم تنفجر.
وعثرن الشرطة خلال التفتيش على خطاب يتهم البنا بالتقاعس إزاء قرار الحل".
قصد ثلاثة من رجال الملك فاروق إلى السفارة البريطانية بعد حل الإخوان . قال السير رونالد كامبل السفير البريطانى لإبراهيم عبد الهادىء رئيس الديوان الذى زار السفارة بعد 48 ساعة من القرار: أعتقد أن الحكومة تأخرت أكثر من اللازم فى اتخاذ قرار الحل
قال رئيس الديوان: لا أظن لك وقمعهم سيستمر بقوة.
قال السفير: هل البنا مخلصا فى رسالته بالتزام الهدوء أم أنه يحاول كسب الوقت للتحضير لعودة الإخوان .
أجاب عبد الهادى: لا يمكننى تحديد الدافع وراء الرسالة لأن عقلية الشيخ مراوغة... والحكومة تعتزم القضاء عليهم.
وقال حسن يوسف وكيل الديوان الملكى لتشابمان أندروز الوزير البريطانى المفوض:
كان الإجراء الذى اتخذته الحكومة عقب حل الجماعة إجراء سلميا وناجحا إلى حد كبير. تم الإستيلاء على جميع مقارهم فى أنحاء البلاد واستخدم بعضها كنقط إضافية.
وصودرت كميات كبيرة من الذخائر والمفرقعات .... والموال .
واختتم حسن يوسف حديثه قائلا:
نحن نشكر النقراشى على اتخاذ الإجراءات وهناك رجلان فى مصر لديهما القدرة على أداء هذه المهمة ... إسماعيل صدقى , والنقراشى.
كان ادجار جلاد هو الرجل الثالث الذى ذهب ليتناول الشاى مع اندروز وادجار جلاد كان يصدر جريدتى" الزمان" العربية المسائية ," الجورنال ديجيبت" الفرنسية الصباحية. قال جلاد وكأنه يلقى بنكته:
أدى الملك فاروق خدمة جليلة إلى الحلفاء فى الحرب القادمة باتخاذ إجراءات ضد هؤلاء الناس.
بدأ على أندروز أنه لم يفهم ما يقصده جلاد بك فأخذ الصحفى يشرح وجهة نظره الشخصية قال:
كان الإخوان سيقفون بالتأكيد ضد أى محاولة مع بريطانيا من الناحية العسكرية . ويمثلون شوكة فى حلق بريطانيا خلال الحرب.
أجاب أندروز:
من الطبيعى أن تجمع الآراء على سلامة تصرف الملك ولكن بصرف النظر تماماعن موضوع الحرب القادمة فإن هذا الإجراء القوى جاء فى موعده المناسب لصالح الأمن الداخلى. قال جلاد:
لابد من الاعتراف بأن النقراشى نفذ المهمة بنجاح إلى أقصى حد وهذا يعنى بالطبع أن يبقى فى منصبه بأى ثمن حتى يتم أنجاز المهمة.
وزاد مركزه قوة فى البلاد نتيجة لذلك, فالإخوان لم تكن لهم شعبية رغم قوتهم وعددهم.سأله اندروز: هل تعتقد أن الحكومة وضعت يدها على جميع مخازن الأسلحة ولن يثير الإخوان متاعب أخرى؟ قال جلاد:
أعتقد أن عناصر متفرقة من اخوان المسلمين سيقوم ببعض أعمال العنف بصورة متقطعة . وسبق للإخوان أن حذروا الميع من أنهم سيلجأون للعمل السرى تحت الأرض.
وقال حسن يوسف باشا وكيل لديوان الملكى لفؤاد شيرين باشا محافظ القاهرة :
حلينا الجماعة ولم يحدث شئ!
ويبدأ التفكير فى تغيير النقراشى مادام قد حقق مهمته فى حل الجماعة قصد السفير البريطانى إلى وزارة الخارجية المصرية ليزور أحمد خشبة باشا بعد أسبوع بالضبط من قرار الحل.
قال وزير خارجية مصر:السبب الذى من أجله يحبنى صاحب الجلالة هو أدراكه إنى أستطيع التعاون معكم. وهو السبب أيضا فى اختيارى رئيسا لوفد مصر فى الأمم المتحدة ببباريس وهو دليل على عزم جلالته التوصل إلى اتفاقمعكم. واضاف : كيف تسير الأمور؟
قال السفير:
قيام الملك بزيارة السفارة ولكن الأهم أن يظهر جلالته الاستمرار قال خشبة باشا: يخشى الملك إذا تخلص من النقراشى لللوصول إلى اتفاق وعلان وأن تلبسوا تدخلكم ثوب النصيحة!
.... يقصد بذلك إزعامه على تشكيل وزارة برئاسة النحاس.
قال السفير:
لقد نفى مستر بيفن وزير الخارجية أية نية للتدخل فى شئون مصر ومهما أكدت للملك أننا لن نتدخل فإن الفكرة تظل تؤرقه وتطارده.
قال خشبة :
أعتقد أنه لن يكون هناك تحسن دون إجراء تغيير فى الوزارة. ولن تخف حدة اضطرابات السودان دون إجراء هذا التغيير.
وقال وزير الخارجية:
الملك يتعجل إجراء التغيير وعاد الوزير يكرر مرة أخرى:
يخشى الملك أن يفرض عليه نوع التغيير الوزارة وشكله ويكتب السفير البريطانى قائلا: " ينتظر منا خشبة باشا كلمة تجعله رئيسا للوزراء"!
استمر النقراشى فى اعتقال أعضاء الجهاز السرى خوفا من وقع اضطرابات وكان من نتيجة ذلك أن قطعت الصلة بين البنا وقادة الجهاز وبين القادة واتباعهم.
قال الشيخ الباقورى" إن قرار النقراشى بتصفية موجودات الإخوان وممتلكاتهم, نفذ بأسلوب يثير الحفائظ ويوقظ الضغائن فى صدور المتحمسين من شباب الإخوان.
وكان من شأن هذا التصرف أن يحمل هؤلاء الشبان على أن يلقوا السيئة بسيئة مثلها . أو أكثر سوءا فقد تصوروا النقراشى معتديا على الإسلام ومعلنا الحرب على المسلمين فقرر نظامهم الخاص أن يثأروا لأنفسهم أو لجماعتهم".
لم يتحقق ما رجاه صاحب الجلالة من أن الحل لم يعقبه شئ وكان السفير لبريطانى وحده لاذى تنبأ بما تجرى عندما قال إن الإخوان سيلجأون إلى أعمال العنف. وكان النقراشى نفسه يعرف الحقيقة.... عندما حذره مرتضى المراغى من حل الجماعة قال رئيس الوزراء وهو يضحك:
- أعرف ديتها... رصاصة أو رصاصتان فى صدرى. وبعد عشرين يوما من حل الجماعة تحققت النبوءة كاملة!
الـــدم.... بالــــدم
وصل النقراشى باشا إلى وزارة الداخلية فى العاشرة وخمس دقائق من صباح الثلاثاء 28 من ديسمبر 1948 يحيط به ضباط الشرطة يحرسونه وهو يتجه إلى المصعد فى طريقه إلى مكتبه بالدور الثانى.
تقدم منه شاب يرتدى ملابس ضباط شرطة برتبة ملازم أول وأطلق عليه فى ظهره رصاصتين فسقط قتيلا بعد عشين يوما من صدور الأمر العسكرى بحل الإخوان.
لم يحاول القاتل الهرب فقبض عليه الرائد عبد الحميد خيرت ياور رئيس الوزراء واليوزباشى مصطفى علوان الضابط – بإدارة المباحث لجنائية وقد أسند إلى الضابطين – بعد ربع قرن تقريبا – منصب محافظى سوهاج وأسوان.
قال القاتل إن اسمه عبد المجيد أحمد حسن وأنه طالب بكلية الطب البيطرى. واعترف بأنه ارتكب الجريمة لأن النقراشى خائن للوطن.
وحدد أسباب الجريمة قائلا:
- لم يقم النقراشى بأى عمل إيجابى فى موضوع السودان.
- فلسطين ضاعت أخذها اليهود. وهذا يرجع إلى تهاون النقراشى.
- اعتدى على الإسلام شرد طلبة الكليات وحل جماعة الإخوان المسلمين وشركاتها.
- وقد ابعدت من كلية الطب البيطرى مع أن هذه الكلية لم تشترك فى اضطرابات كلية الطب. ولم يضيف عبد المجيد أحمد حسن إلى اعترافاته جديدا خلال الستة عشر يوما التالية رغم التعذيب الوحشى الذى عاناه وقاسته أسرته معه.
- ولكن تغير هذا الشاب القاتل العنيد فجأة عندما قدم إليه النائب العام محمود منصور صباح يوم 11 من يناير 1949 صحف الصباح وفيها " بيان للناس" كتبه الشيخ البنا.
- وكان الشيخ البنا قد كتب هذا البيان بهدف إقناع الحكومة بأن الجماعة ليست طرفا فى جريمة اغتيال النقراشى وليست محرضة عليها. وكان الشيخ البنا يريد تهدئة الموقف مع الحكومة وإقناعها بالإفراج عن المعتقلين وعدم تعذيبهم.
- ولم يدرك الشيخ البنا أن أحد أهداف الحكومة من البيان إقناع ذلك القاتل العنيد بأنه حان الوقت ليخون الإخوان ... كما خانوه ... وليخدعهم كما خدعوه وليقدمهم إلى القضاء والسجن والتعذيب ليعانوا كما يعانى ويلقوا بعض ما لقى من هوان!
- تكلم عبد المجيد أحمد حسن فى نفس اليوم.. ربما نتيجة التعذيب . وربما لأ، البيان يعطيه فرصة الإستسلام والإنهيار وإلقاء اللوم على المرشد لعام أو الذين خدعوه باسم المرشد العام.
- عجبت كل العجب بعد أن قرأت " بيان للناس" وعلمت أن هيئة كبار العلماء أصدرت بيانا عن هذا الحادث فاطلعت عليه.
- وعقب ذلك أردت أن أعلن جميع أفراد النظام الخاص بأنه غر بنا ولست وحدى.
- كان نفس التاثير الذى وقع علىّ واقعا عليهم, ولا أعلم إن كان هذا التأثير لا يزال واقعا عليهم إلى الآن أم لا وكنت أعتقد . بحسبتعاليم هذا النظام الخاص أن كل أمر . يكلف بارتكابه أفراد نظامنا. يوافق عليه البنا شخصيا بصفته القائد لهذا النظام. - وأعتقد أن المسئول الأول عن جميع هذه الحوداث هو البنا بشخصه ولكنى لا أملك سوى أدلة سماعية فقط.
- .... توالت أعترافات عبد المجيد أحمد حسن عن النظام الخاص الذى التحق به فى أواخر عام 1945 وتدرج فيه حتى أقسم على البيعة فى صيف عام 1949.
- قال إن خطة اغتيال رئيس الوزراء وضعت يوم 18 من ديسمبر واتفق على التنفيذ فى 23 من ديسمبر أى بعد أسبوعين من قرار الحل. ثم أرجى التنفيذ إلى أن تتخذ التدابير لحماية البنا إن اتجه التفكير غلى قتله انتقاما لاغتيال النقراشى.
- وقال إن أحد أعضاء الجماعة واسمه محمد مالك – الموظف بمطارألماظة – قال له إن قرار الحل يعتبر تحديا للجماعة وجرحا لهيبتها وجراة من جانب الدولة . ولابد من أن تغسل بالدم, هذه الإهانة والجرأة.
- وقال له مالك أيضا:
- الناس ينتظرون عملا يقوم به الإخوان ضد من حل الجماعة.
- فاقترح حد أعضاء الجهاز مهاجمة منزل النقراشى فرد مالك قائلا:
- الشيخ البنا لا يريد أن يضحى بأكثر من واحد مقابل اغتيال النقراشى.
- أدت اعترافات عبد المجيد أحمد حسن إلى القبض لى خمسة من الإخوان المسلمين بتهمة الاشتراك والإنفاق والتحريض والمساعدة بينهم الشيخ سيد سابق الذى أخذ يقنعه بأن القتل حلال فى سبيل الله فالنقراشى اعتدى على الإسلام بحل الجمعية.
- واستشهد الشيخ سابق ببعض الآيات القرآنية.
- واعترف عبد المجيد بعد ذلك على تسعة آخرين.
قال إنه عندما دخل وحده غرفة مظلمة ليؤدى قسم البيعة للنظام الخاص وجد شخصا لثما يتلقى البيعة, وعرف من صوته وحجمه وهيئته العامة – إذ كان ملتحيا – أنا صالح عشماوى وكيل جماعة الإخوان ومدير صحيفتها.
ولكن الشيخ صالح عشماوى لم يسأل فى قضية اغتيال النقراشى ولم يحقق معه وبالتالى لم يقدم غلى المحكمة رغم أن صلاح شادى قال فى كتابه إن صالح عشماوى كا يعتبر أسا من رؤوس النظام الخاص .
واعترف عبد المجيد على ضابط الشرطة أحمد فؤاد الذى اعد كل الإستعدادت للجريمة وكان مقررا أن يقوم بنفسه باغتيال النقراشى ... وقد انتحر هذا الضباط عند محاولة القبض عليه.
ولكن فهمى أبو غدير المحامى يقول:
الحقيقة أن أحمد فؤاد قتل بيد ضابط شرطة ولكن الحكومة ادعت أنه انتحر ولم يكن فى استطاعة أحد فى ذلك لحين تكذيب الحكومة أو الإصرار على تشريح الجثة لمعرفة سبب الوفاة!
قالت صحيفة" المصرى" الناطقة باسم حزب الوفد:
" كان لانقراشى مثالا للنزاهة وكان وطنيا مخلصا لوطنه. عاش ومات فقيرا".ودافع عباس محمود العقاد عن النقراشى ورد على اتهامات الإخوان لرئيس الوزراء الراحل . كتب فى جريدة الأساس:
" إن خصوم النقراشى وأصدقاءه لم يجمعوا على صفة من صفاته كما أجمعوا على نزاهته وطهارة يديه.فلماذا يسوغ فى عقل من العقول أن يتهم هذا الرجل بالتواطؤ مع اليهود؟المصلحة وزارية ؟ إن مصلحته ومصلحة وزارته ومصلحة النظام إنما هى تحقيق النصر واجتناب الهزيمة. فهل من مصلحة مالية؟
إن ماضى الرجل كله لا يسوغ هذه التهمة ما الدليل عليها"ز
قال البنا إنه لا يعرف هوية القاتل . ولم يره قبل ذلك . ولا يعرف إذا كان من الإخوان أم لا. وأنه فوجئ بمقتل النقراشى كأى إنسان آخر .
وقال للصحفى أبو الخير نجيب:
اتصلت بمن استطيع الاتصال بهم يتنكرون لى. ويتهربون من محادثتى ويعدوننى كل الخير ولكنهم لم يتحركوا قيد أنملة.
ولو أتيح لى الإتصال بأنصارى حتى أبصرهم بما يفيد وما يضر , لما وقع هذا الحادث.
قال والد الشيخ البنا غن ابنه ظل يردد أن اغتيال النقراشى ليس من مبادئ الجمعية وان الإغتيال تم على غير رغبته وبدون علمه وكان يسنكره بشدة.وقال كثيرون من كتاب الإخوان إن المرشد لم يعلم أبدابنية اغتيال لنقراشى وأن عبد الرحمن السندى رئيس الجهاز كان صامتا لا يتكلم ولا يعلن نواياه.. أبدأ!
وقال الشيخ عمر اللتلمسانى:
عندما قتل النقراشى فإن الإخوان , الذين لا يقرون الإغتيال , استقلبوا النبأ مع الرضا تماما كما حدث ند اغتيال السادات إن ديننا لا يسمح بذلك ولكن طغيان النقراشى فى أواخر أيامه جعل الناس يستريحون لأى عمل ضده
وأضاف :
دوافع قتل النقراشى نفسية محضة . عبد المجيد حسن كان فردا فى الجماعة ورأى النقراشى يحلها ويعتقل أفرادها ويعذبهم ويصادر أموالهم ويجمد ممتلكاتها فاندفع, وبعض الشباب معه لارتكاب مثل هذا التصرف والنقراشى هو الذى قتل نفسه بسبب ما اقترفه فى حق هذا البلد!
قال فهمى أبو غدير: كان التنظيم الخاص هيئة تأسيسية توافق على كل عملية. بين أعضائها مصطفى مشهور وأحمد حسنين وأحمد زكى.
وقال: لا يستطيع أحد – السندى أو غيره – أن يتمرد على المرشد العام . ولكن يمكن القول إن هذه الهيئة , أو بعض أفرادها , ربما فهموا ان الشيخ البنا راض عن عملية الإغتيال .
وقال ابو غدير:
قتل النقراشى والجماعة بلا قيادة وعبد الرحمن السندى فى السجن ويبقى سؤال :
من حرض على قتل النقراشى؟
قال الضابط الكندى هاردى فى بحثه دفاعا عن المرشد العام: " يدعى المصريون المعارضون للإخوان أن الجماعة ذاتها " سواء كن البنا جزءا من المؤامرة أم لا مسئولة عن اغتيال النقراشى.
ولكن المرشد لعام شديد الذكاء . ومن المستبعد أن يكون قد تخيل أن مثل هذه الخطوة يمكن أن تسفر عن تقدم لجماعته".
وقال هاردى: " تخيل البنا أنه يستطيع تهدئة الموقف ولكن آماله تحطمت عندما أغتيل النقراشى"ويصدر البنا كتيبا صغيرا عنوانه " القول الفصل" وزعه سرا عرض فيه وجهة نظر الإخوان .
قال: إن الضغط الأجنبى هو الذى أدى إلى قرار الحل. والأسلحة كانت بعلم الحكومة لقضية فلسطين والانفجارات لم ترتكب بأمر قيادة الإخوان وعلى فرض أن الإخوان قاموا بها فالجماعة ليست مسئولة عن أعمال نفر من أعضائها.
وابدى أسفه لقتل المستشار أحمد الخازندار واغتيال محمود فهمى النقراشى وقال غنه بالنسبة لمصرع رئيس الوزراء فإن قادة الجماعة كانوا معتقلين أو مراقبين وكان ذلك رد فعل لقرارات الحكومة"! أكد كثيرون:
إن موقف البنا من اغتيال النقراشى يشبه موقف سعد زغلول من اغتيال السردار البريطانى السير لى ستاك.
إن سعدا لم يأمر باغتيال السردار فإه كان يعلم عواقب هذه الجريمة وكذلك الحال بالنسبة للمرشد العام ومصرع النقراشى.. فالأقرب للعقل والمنطق أن تكون الجريمة قد تمت بغير علم الشيخ البنا وإن كان القاتل ينتمى إلى الجهاز الذى أنشاه وشكله الشيخ.
وصف السير رونالد كابل السفير البريطانى رد فعل مصر إزاء اغتيال النقراشى. قال فى أول برقية بعث بها إلى لندن فى عام 1949 " لم يكن النقراشى باشا رئيس وزراء شعبيا ..
ومع ذلك فغن اغتياله يحظى بالرثاء على نطاق واسع بوصفه حلقة أخرى من سلسلة الأعمال الإجرامية التى أعلنت على العالم افتقار مصر للنضج السياسى والإستقرار. ومن وجهة النظر الداخلية فإن الحادث كثف الإحساس بالاشمئزاز لدى المواطن المصرى العادى بالنسبة لاحتمال استمرار النظام.
وهناك إحساس بالإنهيار المستمر فى الشئون الداخلية والغامرات المكثفة فى الخارج".
..... يقصد حرب فلسطين.