مثَّلت جماعة الإخوان المسلمين الحلقة الأكثر تطوراً ونضجاً، في سلسلة الإحياء والتجديد، التي ارتاد ميدانها جمال الدين والأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا والكواكبي، وناضل في سبيلها أحمد عرابي ومصطفى كامل ورفاقه، فاستكملت الجماعة ما بدأوه، واستدركت على ما لم يدركوه.
وفي تحليله للأوضاع الإجتماعية والسياسية في مصر، قال حسن البنا: (مطالبنا الوطنية لم نصل فيها إلى شيء، وروح الشعب المعنوية محطمة.. والشقاق والخلاف يملك نفوس القادة والزعماء.. والجهاز الإداري أفسدته المطامع الشخصية، وسوء التصرفات وضعف الأخلاق والمركزية القاتلة والإجراءات المعقدة.. والقانون قد ضعف سلطانه على النفوس والأوضاع لكثرة ما اقتحم عليه من تحليل واستثناءات.. واشتد الغلاء وكثر المتعطلون لقلة الأعمال وانخفض مستوى المعيشة إلى حد لا يكاد يتصوره إنسان، والأخلاق قد انتهى أمرها – أو كاد- وعصف بها الجهل والفقر، وانتشرت الرذائل ومظاهر الانحلال الخلقي في كل مكان والأفكار مبلبلة.
محمد سعيد علي بن أحمد بن حسن بن الزين باعبّاد، وأل باعباد أشهر مشائخ حضرموت، إذ يقول الشاطري في كتابة ( أدوار التاريخ الحضرمي ): هم من أعرق القبائل حيث يرجع أصلهم إلى العصور الإسلامية الأولى، جدهم الجامع في حضرموت عبدالله بن محمد باعباد الملقب بالقديم المولود سنة 616 هـ والمتوفي سنة 687 هـ، ويرجع نسبهم إلى البيت الأموي في قريش.[١]
والمشائخ آل باعباد كانت لهم هجره إلى أرض الساحل للدعوة إلى الله من القرن السابع الهجري، وهناك بنوا المساجد وأوقفوا الأوقاف لنفع وتعليم المسلمين، ويمثلون من أغلبية سكان الساحل.
دأ هذا العهد مع الأنصار في المدينة حين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الأولى على الإيمان والالتزام بأخلاق الإسلام، وبايعوه البيعة الثانية على الإسلام والنصرة، وأن ينصروه بما ينصرون به أنفسهم وأولادهم وأموالهم..
وبعد أن أذن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة كان من مقتضيات الإيمان أن يهاجروا إلى المدينة لينصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يكونوا معه في مواجهة معسكر المشركين.
الهجرة في مفهومها الإيماني ودلالتها السياسية تحتاج إلى وقفة وتأمُّل؛ فالمسلمون أمة واحدة يتعاونون على إقامة دولة الإسلام ودفع الأخطار عنها، ولذلك كان المسلم المقيم في مكة القادر على الهجرة مُطالَباً بأن يرحل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهاجر إليه، فإن لم يفعل كان خاذلاً لدين الله خاذلاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظالماً لنفسه مُستجيباً لهواها وشهوتها.
علمتني الهجرة: أن العاقبة للمتقين، فمهما انتفش الباطل فهو مهزوم، لكن النصر ليس فقط تغلبا على عدو، ولا قهرا لخصم؛ بل ثباتك على الحق نصر، وتمسكك بمبادئك نصر، فمصعب لم ير تمكينا، وحمزة لم ير غلبة للدين وقد انتصروا بثابتهم على المبدأ حتى ماتوا، وإمامهم في ذلك نبيهم صلى الله عليه وسلم حين قال كما في سيرة ابن هشام : "يَا عَمِّ وَاللَّهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ مَا تَرَكْتُهُ".