الحكم الدستوري فى فكر الإمام حسن البنا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٢:٥٧، ١٨ يناير ٢٠٢١ بواسطة Admin (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الدولة الدستورية فى فكر الإمام حسن البنا


موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي)


مدخل

لقد طالب الإمام حسن البنا منذ نشأة الإخوان بتطبيق الشريعة الإسلامية ، فظن كثيرون بأن البنا يطالب بدولة دينية قوانينها مقدسة ـ فى ظنهم ـ مستمدة من عند الله ، وبالتالى فهو يعارض الدستوروالقانون ، لأنها اجتهادات بشرية ، وهذا محض افتراء ، فالإمام البنا لم يعارض النظم الحديثة فى الحكم ، فالحكمة ضالة المؤمن أدنى وجدها ، فهو أحق بها وأهلها ، بل اعتبر الحكم الدستورى لا يتعارض مع الإسلام ، وطالب بتعديل القوانين التى تخالف الإسلام ،وأشار إلى أنه ليس من المعقول أن تسن القوانين مخالفة للإسلام فى دولة ينص دستور سنة1923على أن دين الدولة هو الإسلام .

فهل هذه دعوة ضد الحكم الدستورى أو الدولة الدستورية ، ودعوة للدولة الدينية ؟

حقيقة لم يدرك كثيرون ما يهدف إليه الإمام البنا فى حديثه عن نظام الحكم فى الدولة والدستور والقانون وتطبيق الشريعة ، فظنوا أنه يعارض الأحزاب والتعددية السياسية ، والنظام البرلمانى.

والواقع أنه لا يرفض الحكم الدستورى ، بل يرفض أن يكون شكلا معطلا ، وينتهك سيادته ، هو لا يرفض النظام النيابى ، بل يرفض الوصول إلى مجلس النواب بالتزوير ، لذا فإنه يدعو إلى تعديل قانون الانتخاب بما يمنع من التزوير .

ويرفض الحزبية ومفاسدها فى عصره ، ولا يرفض نشاط الأحزاب كمبدأ عام ، ودعا إلى تطبيق الدستور والقانون ، ودفع بعدم دستورية بعض القوانين مما يعكس رؤية قانونية دستورية لدى الإمام البنا على نحو يجهله كثيرون عنه..

والدستور والقانون عند الإمام البنا ليس مقدسا ، بل نجد الإمام البنا يطالب بتعديل القوانين وإعادة صياغة مواد الدستور التى تحتمل عدة أوجه.

وهو لا يعارض الدستور والقانون من حيث المبدأ ، لكنه يعارض ما علق به من شوائب ، فيقول :

" نحن لا نعترض على الحكم الشوري النيابى من حيث هو، فإن الإسلام قد وضع الأساس للشورى وللتناصح، ولحرية الرأى ولسلطة الأمة، ولتبعة الحكام، وهى أركان الدساتير العصرية، ولكن الذى نعترض عليه ونطالب بالتحرر منه هذه الشكليات الفارغة التقليدية التى جربناها عشرين سنة، فلم نجن منها إلا الفرقة والخلاف والشوك والحسك والصاب والعلقم.

نريد تعديلات فى النصوص والأشكال توفق بين تعاليم الإسلام وما نحن عليه، وتخلصنا من هذا البلاء الداهم الذى وقعنا فيه من جراء تقليد الغرب من غير تبصر ولا تقدير لعواقب الأمور..) 1 (وذلك على نحو ما سيأتى بيانه .

ولقد أثيرت تساؤلات عديدة حول الشعار الذى رفعه الإخوان (القرآن دستورنا ) مما دفع البعض إلى إدعاء أن الإخوان يرفضون الاجتهادات البشرية فى مجال تشريع القوانين،فتقول سورينتينو ديانا (Diana Sorrentino )

إن جماعة الإخوان المسلمين تسعى من خلال العملية السياسية الديمقراطية إلى السيطرة على الحكومة و فرض الشريعة الإسلامية وإقامة دولته الإسلامية .(2)

TheMuslimBrotherhoodseeksthe,establishmentoftheirIslamicStatebytakingcontrolofimpositionofShariaLaw. the government and the

وفى موضع آخر تقول : وفقا لرأى البنا ، فإن الله هو المصدر التشريعى الوحيد للقانون ، ويذهب الرجل إلى أن القوانين البشرية لا مكان لها فى الدولة الإسلامية .

According to al Banna; Allah is the only legitimate source of law for man and that man- Made laws have no place in an Islamic State.

ويقول د. عمرو الشوبكى عن الإمام البنا : وأعرب (البنا ) عن اعتقاده أن الإسلام لا يسمح بالتعددية أو تشكيل الأحزاب، كما قال، "أعتقد أن الإسلام هو دين الوحدة في كل شيء، النية الصادقة، نقاء القلوب والإخاء الصحيح، والتعاون المخلص بين جميع الشعوب ليكونوا أمة موحدة .

أمة موحدة لا تقبل نظام الأحزاب ، التى تؤدى إلى تفكيك كل هذه الأطراف، ثم تشكيل سلطة وطنية تؤدي إلى نجاح وفقا لتعاليم القرآن الكريم.(3)

". He believed that Islam does not allow pluralism or forming parties, as he said, "I believe that Islam is the religion of unity in everything; sincere intention, purity of hearts, true brotherhood, and sincere cooperation among all peoples to be a united nation. A united nation does not accept the system of forming parties. What will save it is the dismantling of all these parties, then to form a national authority to lead to success according to the teachings of the noble Qur'an."

والإمام البنا قدم تصورا للدولة الدستورية على نحوما تدعو إليه النظم الدستورية الحديثة ،وسار هذا التصور ملازما لتصورالجماعة للحكم الدستورى ، فقد وصفت صحيفة الأهرام جماعة الإخوان المسلمين نظام الحكم الدستوري بأنه أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله إلي الإسلام‏,‏ وأن الحكم الدستوري قرره الإمام المؤسس حسن البنا في رسالة المؤتمر الخامس الذي عقد في2 فبراير1939, حيث قال: الواقع ـ أيها الإخوان ـ أن الباحث حين ينظر إلي مباديء الحكم يجدها تنطبق كل الانطباق علي تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده في شكل الحكم(4) ، ولعلنا هنا نلقى بعض الضوء على الدولة الدستورية فى فكر الإمام البنا .

أولا : الحكم الدستوري : المفهوم والخصائص

" الدولة هى الكيان السياسى والإطار التنظيمى الواسع لوحدة المجتمع والناظم لحياته الاجتماعية وموضع السيادة فيه ، بحيث تعلو إرادة الدولة شرعا فوق إرادات الأفراد والجماعات الأخرى فى المجتمع ، وذلك من خلال امتلاك سلطة إصدار القوانيين واحتكار حيازة وسائل الإكراه المشروعة وحق استخدامها فى تطبيق القوانين بهدف ضبط حركة المجتمع ، وتأمين السلم والنظام وتحقيق التقدم فى الداخل و الأمن من العدوان فى الخارج ، وإلى جانب الاستخدام العام للمصطلح بمعنى الجسم السياسى للمجتمع، هناك استخدام أكثر تحديدا يقتصر فيه المعنى العام على مؤسسات الحكم .

وتتألف عناصر الدولة من الشعب والأرض والسلطة .

ومن الناحية القانونية تعتبر الدولة شخصية قانونية موحدة ، وكيانا جماعيا دائما .

يتمتع بسلطة الأمر والنهى على نحو فريد فى المجتمع .

ويضم هيئة الأشخاص الطبيعين ويديرون السلطة العليا للدولة والتى تمارسها عنها وكالة الحكومة ."(5)

والحكم الدستوري يبنى على تعدد السلطات وسيادة القانون ، يقوم على دعامات ثلاث : السلطة التشريعية، والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية، وكل منها تعمل بشكل متمايز ومتكامل ومتضامن فى آن واحد، بما يتيح توزيع للمسؤوليات والسلطة ومنع احتكارها من قبل سلطة واحدة.

وهكذا نستطيع أن نقول إن سيادة القانون تعني أن الأفراد ـ مهما علوا في مدارج السلطة ـ محكومون بنصوص الدستور والقانون ، وتصرفاتهم خاضعة لسلطة القضاء.

ومن أهم خصائص الحكم الدستوري

سيادة الدستور والقانون

إن وجود الدستور في الدولة كمؤسسة قانونية لا يكفي حتى نتحدث عن دولة دستورية ، بل يتوجب أن يتضمن دستورها المبادئ الديمقراطية التي تكفل صون الحقوق والحريات ، ويفترض أن تقوم الهيئة القضائية بحمايته من أي عبث من قبل الهيئات الأخرى ومن هنا كان استقلال القضاء في الدولة أمرا حيويا .(6)

والدولة التى لها دستور، لكنها لا تطبقه لا تعتبر دولة دستورية ، إنما هى دولة تعطل دستورالبلاد ، وتستبدله بالاستبداد والأهواء الشخصية فى الحكم.

والقاعدة القانونية تأتى فوق إرادات الإفراد جميعا حاكمين أو محكومين وتلزمهم جميعا باتباع أحكامها، فان لم يلتزموا ـ خاصة الحكام ـ بالقاعدة القانونية انقلب تصرفهم المخالف للقانون إلى تصرف باطل وغير قانونيوالشعب فيها مصدر السلطات .

والدولة الدستورية هى التى تسير وفقا للقانون والدستور ويتساوى فيها جميع المواطنين ، ويخضعون لأحكام القضاء مهما كانت مكانتهم ووظيفتهم .(7)

وفي دولة القانون أيضاً تنتفي حاجة المواطن لصاحب النفوذ أو السياسي أو المسؤول في الحكومة ، ويتم القضاء على الرشوة والمحسوبية ؛لأن كل مواطن سوف يحصل على حقه سواء كان على علاقة بأحد المسؤولين أم لا، فالجميع سواسية أمام سلطة القانونً.

ويتطلب لتحقيق مبدأ سيادة القانون أن تكون الحكومة فيها قانونية أي: أن تلتزم بالقواعد والأصول القانونية القائمة الموجودة في الدولة .

وهذا يعني سيادة القانون في الحياة العامة والخاصة وفي كافة القطاعات والمؤسسات ، وأن يكون القانون المرجع النهائي في فض المنازعات وتنظيم العلاقات الفردية والجماعية وأن تلتزم به كافة الهيئات الإدارية والاقتصادية والثقافية والسياسية .

حصانة السلطة التشريعية والقانونية

إن تطبيق الدستور والقوانين يتطلب قوة شرعية تعمل على صيانته واحترامه ، وكذلك احترام القوانين المتفرعة منه.

وتتمتع السلطة التنفيذية بوسائل القوة المعينة لها على تنفيذ واجباتها.

ولذا يجب أن يمنح كل من نواب البرلمان (السلطة التشريعية والرقابية ) ، وكذلك السلطة القضائية حصانة تحميهم من بطش الحكومة ( السلطة التنفيذية ) وتمكنهم من مراقبة أدائها ومحاسبتها على أى تقصير ، ومحاكمتها عند مخالفة الدستورأوالقانون.

الفصل بين السلطات

الحكم الدستورى يتطلب الفصل بين السلطات ، واستقلال القضاء ،وتؤكد أغلب دساتير العالم على أهمية الفصل بين السلطات كمبدأ أساسي لا يمكن الحياد عنه لبناء دولة القانون على أساس ديمقراطي يخدم المجتمع، ولا يسمح للفرد بالتسلط والتفرد باتخاذ القرار والانقلاب على شرعية الحكم. (8)

والعمل بمبدأ فصل السلطات بمعنى أن يتم وضع الحدود الدستورية لكل سلطة ، وحيث أن التجربة التاريخية والسياسية والدستورية قد أكدت أن تمركز الوظائف والسلطات في يد سلطة واحدة قد أدى بالنتيجة إلى حدوث الانقلابات والثورات وأدى إلى عدم السير المنتظم للسلطات والأجهزة السياسية في الدولة عامة وتضاربت الوظائف والاختصاصات وتم الاعتداء على الحريةالسياسية والتي لا يمكن أن تقوم إلا في حكومة معتدلة قائمة على أساس توازن السلطات. (9)

الانتقال السلمى للسلطة عن طريق الانتخابات

ومع ذلك ؛ فإن وجود الدولة الدستورية لا يستلزم نوعا معينًا من الأنظمة السياسية ، فقد تكون الدولة دستورية، ولو كان شكل نظام الحكم فيها رئاسي أو ملكي دستوري أو برلماني أو اشتراكي أو رأسمالي وإن الإيديولوجية التي تسير عليها الدولة لايقدح من كونها دستورية طالما التزمت بالمعايير والشروط الدستورية والمبادئ الديمقراطية التي اتفق عليها الفقه التقليدي وبدأ يؤكدها الفقه السياسي والدستوري المعاصر .

وإذا نظرنا إلى الدولة الدستورية فى مصرمثلا من القرن العشرين حتى ثورة 25 يناير 2011م نجد أنه لا وجود للدولة الدستورية فى مصر، سواء فى النظام الملكى فى عهد الاحتلال أو بعد ثورة 23 يوليو 1952 وحتى سقوط الطاغية حسني مبارك فى 11فبراير 2011م ،فكان رئيس الدولة يجمع فى يده السلطات الثلاثة ، يستبد ويظلم ويسجن ويعذب ، وينتهك الدستور والقانون وفق مشيئته ، فكأنه كما قال الشاعر الذى أضفى الألوهية على حاكمه :

ما شئتَ لا ماشاءت الأقدارُ فاحكم ، فأنت الواحد القهارُ

ثانيا : الدولة فى فكر حسن البنا دستورية

الحكم الدستورى يتمثل فى وجود دستوروقانون يعبران عن تطلعات الشعب وسلطته وحرياته ،ويتم تطبيقهما واحترامهما ، وتخضع موادهما للتعديل بما يتناسب مع حاجة المجتمع .

وقدأبدى البنا احترامه للنظام الدستورى، وطالب باحترام الدستور والقانون ، وتعديل مواد القانون التى تتعارض مع الدستور.

ويتحدث البنا عن مشاكل نظام الحكم الدستوري في مصر ، فيوضح أنه يتفق تماما مع الإسلام فى الحرية والشورى والفصل بين السلطات ، واستمداد السلطة من الامة ، فيقول فى( رسالة المؤتمر الخامس):"...

وأحب قبل هذا أن نفرق دائما بين ( الدستور ) وهو نظام الحكم العام الذي ينظم حدود السلطات وواجبات الحاكمين ومدى صلتهم بالمحكومين , وبين( القانون ) وهو الذي ينظم صلة الأفراد بعضهم ببعض ويحمى حقوقهم الأدبية والمادية ويحاسبهم على ما يأتون من أعمال .

وأستطيع بعد هذا البيان أن أجلي لكم موقفنا من نظام الحكم الدستوري عامة ، ومن الدستور المصري خاصة .

إن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستوري التي تتلخص في المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها , وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة وعلى مسئولية الحكام أمام الشعب و محاسبتهم على ما يعملون من أعمال , وبيان حدود كل سلطة من السلطات هذه الأصول كلها يتجلى للباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده في شكل الحكم، ولهذا يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستوري هو أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله إلى الإسلام ، وهم لا يعدلون به نظاماً آخر." (10)

وهذا لا يمنع من تعديل مواد الدستور والقانون بما يتناسب مع تطلعات المجتمع ،فيقول : (ومع أن النظام النيابي والدستور المصري في قواعدهما الأساسية لا يتنافيان مع ما وضعه الإسلام في نظام الحكم، فإننا نصرح بأن هناك قصورا في عبارات الدستور وسوءا في التطبيق وتقصيرا في حماية القواعد الأساسية التي جاء بها الإسلام وقام عليها الدستور، أدت جميعا إلى ما نشكو منه من فساد ، وما وقعنا فيه من اضطراب في كل هذه الحياة النيابية.

ويؤكد الأمر نفسه - مع تسليمه وإقراره بأصول نظام الحكم في مصر، في تعقيب له على موقف الأستاذ صالح العشماوي في مقالات كتبها حول الدستور، واجهت انتقادات من القراء ، فقال: " لهذا يعمل الإخوان جهدهم حتى تحدد النصوص المبهمة من الدستور المصري وتعديل الطريقة التي ينفذ بها هذا الدستور في البلاد، وأظن أن موقف الإخوان قد وضح بهذا البيان وردت الأمور إلى نصابها الصحيح، أن الأخ صالح أفندي ؛ قد أراد أن يعبر في مقاله الأول عن وجهة النظر التي يراها الإخوان، فاحتد واشتد، ولما نبهناه إلى أن هذا ليس موقفنا في الواقع؛ فنحن نسلم بالمبادىء الأساسية للحكم الدستوري، باعتبارها متفقة، بل مستمدة من نظام الإسلام...

ثم يقول :" بقي بعد ذلك أمران :

أولهما النصوص التي تصاغ في قالبها هذه المبادئ .

و ثانيهما طريقة التطبيق التي تفسر بها عمليا هذه النصوص .

إن المبدأ السليم القويم قد يوضع في نص مبهم غامض فيدع مجالا للعبث و بسلامة المبدأ في ذاته , و إن النص الظاهر الواضح للمبدأ السليم القويم قد يطبق و ينفذ بطريقة يمليها الهوى و توحيها الشهوات , فيذهب هذا التطبيق بكل ما يرجى من فائدة .

و إذا تقرر هذا فإن من نصوص من الدستور المصري ما يراه الإخوان المسلمون غامضا مبهما يدع مجالا واسعا للتأويل و التفسير الذي تمليه الغايات و الأهواء , فهي في حاجة إلى وضوح و إلى تحديد و بيان ... هذه واحدة ,

و الثانية : هي أن طريقة التنفيذ التي يطبق بها الدستور , و يتوصل بها إلى جني ثمرات الحكم الدستوري في مصر، طريقة أثبتت التجارب فشلها و جنت الأمة منها الأضرار لا المنافع , فهي في حاجة شديدة إلى تحوير و إلى تعديل يحقق المقصود و يفي بالغاية . " (11)

ويشير إلى هذا فى موضع آخر بقوله :"لهذا يعمل الإخوان المسلمون جهدهم حتى تحدد النصوص المبهمة في الدستور المصري ، و تعدل الطريقة التي ينفذ بها هذا الدستور في البلاد , و أظن أن موقف الإخوان قد وضح بهذا البيان , و ردت الأمور إلى نصابها الصحيح .....

فنحن نسلم بالمبادئ الأساسية للحكم الدستوري باعتبارها متفقة ، بل مستمدة من نظام الإسلام ، و إنما ننقد الإبهام و طرائق الإنفاذ."(12)

ومن هنا ؛ فإن الدولة الدستورية هى ما يدعو إليه الإمام البنا ، وأن يخضع جميع المواطنين للدستور والقانون دون تفرقة على أساس اللون أو الجنس أو الدين أو المنصب أو المكانة الاجتماعية ، أى دولة سيادة القانون .

مجلس النواب يمثل سلطة الشعب

الشعب أو الأمة مصدر السلطات شعار رفعه البنا منذ بداية دعوة الإخوان المسلمين ، وقد عبر الأستاذ البنا عن ضرورة مشاركة الشعب فى القرار السياسى بقوله تحت عنوان :

" ...وأما عن احترام رأى الأمة , ووجوب تمثيلها واشتراكها في الحكم اشتراكاً صحيحاً ، فإن الإسلام لم يشترط استبانة رأى أفرادها جميعاً في كل نازلة ، وهو المعبر عنه في الاصطلاح الحديث بالاستفتاء العام ، ولكنه اكتفى في الأحوال العادية (بأهل الحل والعقد) ولم يعينهم بأسمائهم ، ولا بأشخاصهم ..... ولقد رتب النظام النيابي الحديث طريق الوصول إلى أهل الحل والعقد بما وضع الفقهاء الدستوريون من نظام الانتخابات وطرائقه المختلفة ، والإسلام لا يأبى هذا التنظيم ما دام يؤدي إلى اختيار أهل الحل والعقد ، وذلك ميسور إذا لوحظ في أي نظام من نظم تحديد الانتخاب صفات أهل الحل والعقد ، وعدم السماح لغيرهم بالتقدم للنيابة عن الأمة ".

وفى موضع آخر يؤكد الأستاذ حسن البنا أن الشعب مصدر السلطات فى فكر الإخوان ، فالشعب هو الذى يختار الحاكم ويملك عزله إن أساء ،والشعب هو الذى يوافق أو يرفض على القوانين التى تمس حياته وتنظم شئونه الخاصة، يقول الأستاذ حسن البنا فى ( رسالة المؤتمر الخامس):

وفى موضع آخر يقول عن سلطة الشعب فى ظل الدولة الإسلامية :" كما كانت إرادتها محترمة مقدرة ، فما كان أبو بكر يمضي في الناس أمراً إلا بعد أن يستشيرهم وخصوصاً فيما لا نص فيه ، وكذلك كان عمر بن الخطاب ، فقد جعل الخلافة من بعده شورى في الستة اللذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض". (15)

ويقول عن البرلمان : " إن دار البرلمان هى مظهر كرامة الأمة ورمز آمالها وأمانيها وصورة قوميتها وحياتها ."(16)

وأشار إلى أن النظام النيابى يتوافق مع نظام الحكم فى الإسلام بما يجعل الشعب يشارك فى صنع القرار السياسى فى الدولة ويحقق مبدأ الشعب مصدر السلطات ،وهو بذلك يتوافق مع النظام الإسلامى ، فيقول في رسالة )مشكلاتنا الداخلية في ضوء النظام الإسلامي):

" وعلى هذا، فليس في قواعد هذا النظام النيابي ما يتنافى مع القواعد التي وضعها الإسلام لنظام الحكم، وهو بهذا الاعتبار؛ ليس بعيدا عن النظام الإسلامي ، ولا غريبا عنه، وبهذا الاعتبار يمكن أيضا أن نقول في اطمئنان إن القواعد الأساسية التي قام عليها الدستور المصري لا تتنافى مع قواعد الإسلام، وليست بعيدة عن النظام الإسلامي ولا غريبة عنه، بل إن واضعي الدستور المصري رغم أنهم وضعوه على أحدث المبادئ والآراء الدستورية وأرقاها فقد توخوا فيه ألا يصطدم أي نص من نصوصه بالقواعد الإسلامية ".(17)

تعديل قانون انتخاب مجلس النواب

و يوضح الأستاذ البنا الشروط التى ينبغي توافرها ، لكي يكون الشعب مصدر السلطات من إصلاح لقانون الانتخاب، فيقول تحت عنوان : ( تعديل وإصلاح ) :" لا بد من تعديل وإصلاح لقانون الانتخاب ، ومن وجوه هذا الإصلاح الضرورية :

1 - وضع صفات خاصة للمرشحين أنفسهم ، فإذا كانوا ممثلين لهيئات فلا بد أن يكون لهذه الهيئات برامج واضحة وأغراض مفصلة يتقدم على أساسها هذا المرشح ، وإذا لم يكونوا ممثلين لهيئات فلا بد أن يكون لهم من الصفات والمناهج الإصلاحية ما يؤهلهم للتقدم للنيابة عن الأمة ، وهذا المعنى مرتبط إلى حد كبير بإصلاح الأحزاب في مصر، وما يجب أن يكون عليه أمر الهيئات السياسية فيها .

2 -وضع حدود للدعاية الانتخابية ، وفرض عقوبات على من يخالف هذه الحدود ، بحيث لا تتناول الأسر ولا البيوت ولا المعاني الشخصية البحتة التي لا دخل لها في أهلية المرشح ، وإنما تدور حول المناهج والخطط الإصلاحية .

3 -إصلاح جداول الانتخابات ، وتعميم نظام تحقيق الشخصية ، فقد أصبح أمر جداول الانتخابات أمراً عجباً بعد أن لعبت بها الأهواء الحزبية والأغراض الحكومية طول هذه الفترات المتعاقبة ، وفرض التصويت إجبارياً .

4 -وضع عقوبة قاسية للتزوير من أي نوع كان ، وللرشوة الانتخابية كذلك .

5 - وإذا عدل إلى الانتخابات بالقائمة ، لا الانتخاب الفردي كان ذلك أولى وأفضل ، حتى يتحرر النواب من ضغط ناخبيهم ، وتحل المصالح العامة محل المصالح الشخصية في تقدير النواب والاتصال بهم .

وعلى كل حال فأبواب الإصلاح والتعديل كثيرة ، هذه نماذج منها ، وإذا صدق العزم وضح السبيل ، والخطأ كل الخطأ في البقاء على هذا الحال والرضا به ، والانصراف عن محاولة الإصلاح . (18) وفى موضع آخر يقول :

" و حسبنا أن نشير هنا إلى قانون الانتخاب , و هو وسيلة اختيار النواب الذين يمثلون الأمة و يقومون بتنفيذ دستورها وحمايته , و ما جره هذا القانون على الأمة من خصومات و حزازات , و ما أنتجه يشهد به الواقع الملموس , و لابد أن تكون فينا الشجاعة الكافية لمواجهة الأخطاء و العمل على تعديلها ."(19)

حق الشعب فى مراقبة على حاكم الدولة

يرى الإمام البنا أن مجلس النواب يقوم بمراقبة الحاكم أو الرئيس وحكومته نيابة عن الشعب ، فيقول :" ومن حق الأمة الإسلامية أن تراقب الحاكم أدق المراقبة ، وأن تشير عليه بما ترى فيه الخير , وعليه أن يشاورها وأن يحترم إرادتها , وأن يأخذ بالصالح من آرائها , وقد أمر الله الحاكمين بذلك فقال : (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (آل عمران:159( وأثنى به على المؤمنين خيرًا فقال : (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى:38) .

ونصت على ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين المهدين من بعدهم .. إذا جاءهم أمر جمعوا أهل الرأي من المسلمين واستشاروهم ونزلوا عند الصواب من آرائهم، بل أنهم ليندبونهم إلى ذلك ويحثونهم عليه . فيقول أبو بكر رضي الله عنه : (فإن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فسددوني أو قوموني) يقول عمر بن الخطاب: (من رأى فيّ اعوجاجًا فليقومه) .

والنظام الإسلامي في هذا لا يعنيه الأشكال ولا الأسماء متى تحققت هذه القواعد الأساسية التي لا يكون الحكم صالحاً بدونها , ومتى طبقت تطبيقاً يحفظ التوازن ولا يجعل بعضها يطغى على بعض ، ولا يمكن أن يحفظ هذا التوازن بغير الوجدان الحي والشعور الحقيقي بقدسية هذه التعاليم ، وإن في المحافظة عليها وصيانتها الفوز في الدنيا والنجاة في الآخرة ، وهو ما يعبرون عنه فالاصطلاح الحديث "بالوعي القومي" أو "النضج السياسي" أو "التربية الوطنية" أو نحو هذه الألفاظ ، ومردها جميعًا إلى حقيقة واحدة هي اعتقاد صلاحية النظام ، والشعور بفائدة المحافظة عليه … إذ أن النصوص وحداها لا تنهض بأمة كاملة كما لا ينفع القانون إذا لم يطبقه قاضٍ عادل نزيه" . (20)

رؤية حسن البنا لنظام الحكم فى الدولة

إن نوعية النظام الإدارى للدولة برلمانى أو رئاسى أو رئاسى برلمانى يحددها الشعب ، وتختلف الدول فى وضع النظام الذى تفضله ، والإخوان يوافقون على أى نظام يتوافق عليه المجمتع ، وإن كانت لهم رؤيتهم واجتهادهم فى نظام الحكم فى مصر دون أن يفرضوا رأيهم على أحد ، وقد عبرعنه الأستاذ البنا فى رسائله ، وهى على النحو التالى :

النظام الرئاسي

يقول الأستاذ البنا عن النظام الرئاسي: " فأما عن مسؤولية الحاكم ، فإن الأصل فيها في النظام الإسلامي أن المسئول فيها هو رئيس الدولة كائناً من كان ، له أن يتصرف ، وعليه أن يقدم حساب تصرفه للأمة ، فإن أحسن أعانته ، وإن أساء قومته.....

على أنه لا مانع في النظام النيابي من تحمل رئيس الدولة المسؤولية واعتبار الوزارة تابعة له في ذلك ، كما يقرر ذلك دستور الولايات المتحدة . والغريب أن تشير كتب الفقه الإسلامي إلى هذا الوضع أيضاً ، وتسمى هذه الوزارة (وزارة التنفيذ) فيقول الماوردي في كتابه (الأحكام السلطانية) أيضا : (وأما وزارة التنفيذ فحكمها أضعف ، وشروطها أقل ، لأن النظر مقصور فيها على رأى الإمام وتدبيره ، وهذا الوزير وسط بينه وبين الرعايا والولاة ، يؤدى عنه ما أمر ، وينفذ ما ذكر ويُمضي ما حكم …) ولا شك أن هذا من سعة مادة الفقه الإسلامي ومرونته وصلاحيته لكل زمان ومكان" . (13)

النظام البرلماني

ويعبر الأستاذ البنا عن رأى الإخوان فى نظام الحكم تحت عنوان : " موقف الإسلام من النظام النيابي والدستور المصري ، فيقول  :

" يقول علماء الفقه الدستوري إن النظام النيابي يقوم على مسؤولية الحاكم ، وسلطة الأمة ، واحترام إرادتها ، وإنه لا مانع فيه يمنع من وحدة الأمة واجتماع كلمتها ، وليست الفرقة والخلاف شرطاً فيه , وإن كان بعضهم يقول إن من دعائم النظام النيابي البرلماني :

الحزبية, ولكن هذا إذا كان عرفًا فليس أصلاً في قيم هذا النظام , لأنه يمكن تطبيقه بدون هذه الحزبية وبدون إخلال بقواعده الأصلية .

وعلى هذا ؛ فليس في قواعد هذا النظام النيابي ما يتنافى مع القواعد التي وضعها الإسلام لنظام الحكم ، وهو بهذا الاعتبار ليس بعيداً عن النظام الإسلامي ولا غريبًا عنه , وبهذا الاعتبار يمكن أيضاً أن نقول في اطمئنان :

إن القواعد الأساسية التي قام عليها الدستور المصري لا تتنافى مع قواعد الإسلام ، وليست بعيدة من النظام الإسلامي ولا غريبة عنه , بل إن واضعي الدستور المصري رغم أنهم وضعوه على أحدث المبادئ والآراء الدستورية وأرقاها ، فقد توخوا فيه ألا يصطدم أي نص من نصوصه بالقواعد الإسلامية ، فهي إما متمشية معها صراحة كالنص الذي يقول ) :دين الدولة الإسلام ) أو قابلة للتفسير الذي يجعلها لا تتنافى معها كالنص الذي يقول : (حرية الاعتقاد مكفولة ).

ولا مانع في الإسلام في أن يفوض رئيس الدولة غيره في مباشرة هذه السلطة وتحمل هذه المسؤولية ، كما عرف ذلك في (وزارات التفويض) في كثير من العهود الإسلامية ، ورخص الفقهاء المسلمون في ذلك وأجازوه ما دام فيه مصلحة ، والقاعدة في مثل هذه الأمور رعاية المصلحة العامة ، قال الماوردي في كتاب الأحكام السلطانية : (والوزارة على ضربين ، وزارة تفويض ، ووزارة تنفيذ ، فأما وزارة التفويض فهو أن يستوزر الإمام من يفوض إليه تدبير الأمور برأيه ، وإمضاءها على مقتضى اجتهاده ، وليس يمتنع جواز هذه الوزارة ، قال تعالى حكاية عن نبيه عليه الصلاة والسلام : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي , هَارُونَ أَخِي , اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي , وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) (طـه:29-32 ) فإذا جاز ذلك في النبوة كان في الإمامة أجوز .

لأن ما وكل إلى الإمام من تدبير الأمة لا يقدر على مباشرة جميعه إلا باستتابة ، ونيابة الوزير المشارك له في التدبير أصح في تنفيذ الأمور من تفرده بها ليستظهر بها على نفسه ، وبها يكون أبعد من الزلل وأمنع من الخلل.

والأصل في هذه المسؤولية في النظام النيابي ، أن المسئول هو الوزارة ولا مسؤولية على رئيس الدولة ، وقد جرى على هذا الدستور المصري والدستور الإنجليزي ، فصرح كل منهما بمسؤولية الوزارة ، وإخلاء رئيس الدولة من كل مسؤولية واعتباره لا يخطئ ، واعتبار ذاته مصونة لا تمس . "(14)

السلطة القضائية

يرى الإمام البنا أن القانون لايؤدى دوره إلا إذا تم تنفيذ أحكامه ونال الاحترام المنوط به ،أما إذا لعبت به الأهواء أصبح لا قيمة له ، فيقول تحت عنوان: (هيبة القانون) : " ولا شك أن سلطان القانون قد تزعزع وفقد معظم احترامه كذلك ، بسبب هذه الاستثناءات و المحسوبيات والحيل المتكررة ، والاعتداء أحياناً بنسخ القانون لغرض شخصي .. ولو أن هذا النسخ بقانون في ظاهر الأمر , ولكن الدوافع تكون معروفة دائماً ولا تخفى على أحد ، فيعمل ذلك عمله في النفوس وينال من هيبة القانون واحترام النظام" . (21)

ويرى الإمام البنا أن القاضى يحكم بما تطمئن إليه نفسه من الأدلة ، فلا يتدخل فى حكمه أحد ، وله أن يعدل إلى حكم آخر يراه ، فيقول :" إذا عرضت على القاضى أضيق ثغرة أو وقعت فى نفسه أدنى شبهة عدل عن الحد إلى ما دونه وهو التعزير والتأديب بما يتناسب من العقوبات.( 22)

وفى موضع آخر يقول : " فقد برهنت الحوادث على أن فى مصر قانونا عرف قضاة مصر كيف يجلونه ويحترمونه وينفذونه على وجهه ."(23)

ويرى بوجوب الفصل بين السلطات كى تحقق كل سلطة هدفها ، فيقول : إن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستوري ...وعلى مسئولية الحكام أمام الشعب و محاسبتهم على ما يعملون من أعمال , وبيان حدود كل سلطة من السلطات ...." (24)

حسن البنا يطالب بتطبيق الدستور

ينتقد الإمام البنا وجود قوانين تخالف الدستور مما يعنى عدم دستوريتها ، لذا نجده يدعو إلى تعديل القوانين التى تخالف الدستور ، فيقول :

" فهلا تفكر الحكومة فى تعديل القوانين ـ ولها هذا الحق وليس من يعارضها فيه إن أرادت ـ فى تعديل التشريع الحالى بما يجعله يتناسب مع الدستور ومع القوم الذين يطبق عليهم هذا التشريع ، وهلا ترى أنه من غير الجميل أن يقع هذا التناقض الغريب بين القانون الكلى ، وهو الدستور وبين القانون الجزئى وهو تشريع المحاكم الأهلية .. . (25)

ويقول الأستاذ البنا رحمه الله موضحا منهاجه في رسالة (إلى أى شىء ندعو الناس ) تحت عنوان (المنهاج واضح) :" ....احذروا الانحراف : إن لكل أمة من دول الإسلام دستورا عاما فيجب أن تستمد مواد دستورها العام من أحكام القران الكريم ، وإن الدولة التي تقول في أول مادة من مواد دستورها :

إن دينها الرسمي الإسلام يجب أن تضع بقية المواد على أساس هذه القاعدة ، وكل مادة لا يسيغها الإسلام ولا تجيزها أحكامه يجب أن تحذف حتى لا يظهر التناقض في القانون الأساسي للدولة .

أصلحوا القانون ،وإن لكل أمة قانونا يتحاكم إليه أبناؤها ، وهذا القانون يجب أن يكون مستمدا من أحكام الشريعة مأخوذا عن القرآن الكريم متفقا مع أصول الفقه الإسلامي ."(26)

ويقول الإمام البنا تحت عنوان : الدستور والقرآن : " إن الذين وضعوا الدستور المصري قالوا فى المادة التاسعة والأربعين بعد المائة منه: (إن دين هذه الدولة الرسمى هو الإسلام) فالأمر لا يعدو أحد اثنين إما أن يكونوا جادين فى هذا الذى سجلوه على أنفسهم وعلى الدستور المصرى، فيجب أن يكون محل احترام منهم، وأن يعملوا جاهدين؛ حتى تحل النظم الإسلامية محل كل نظام غير إسلامى فى كل شىء فى الحكم والقانون والعادات والمعاملات وكل مظاهر الحياة.

وحينئذ يكون بحق دين الدولة الرسمى هو الإسلام، ويكون الدستور المصرى محترما مصونا قد احترمه واضعوه، ونزلوا على حكمه هو الآخر، وإما أن يكونوا لا يقصدون ما يقولون، ولا يؤمنون بما يكتبون، وهم بذلك يعبثون ويلهون أو يغشون الشعب ويخدعونه بمثل هذا النص الذى لا تحقق له فى الخارج.

وحينئذ يجب علينا -معشر الدعاة- أن نقوم إليهم وإلى هذا الشعب المخدوع بالنصيحة، فإن فعلوها فبها وإلا فنحن دائبون فى جهادنا عاملون على تحقيق هذه الغاية مهما كلفتنا، جادون فى إيقاظ الفكرة الإسلامية النائمة فى نفس الشعب المسلم المسالم الطيب القلب؛ حتى يعرف حقه، ويحرص على دينه، ويملى إرادته على حكامه، فينزلون عليها ولا يجدون مناصا من تحقيقها فيكون الدين الرسمى بذلك للدولة هو الإسلام.

فأى الموقفين يريد حماة الدستور وواضعوه أن يضعوا أنفسهم فيه أمام الأمة؟ وهل يرضيهم أو يروقهم أن يظل هذا التناقض قائما بين الدستور المكتوب والدستور المنفذ؟ وما قيمة نصوص لا تتحقق؟ أفتونا -أيها الفقهاء الدستوريون - أثابكم الله!!

ذلك موقف الإخوان المسلمين من القرآن والدستور منذ عشر سنين، وذلك موقفهم منهما الآن وذلك موقفهم الذى سيظل قائما فى المستقبل؛ حتى تتحقق غايتهم فيتفق تعليم الدستور مع تعليم القرآن، وتكون تعاليم القرآن هى لب الدستور ومحوره، والحكم بيننا وبين الفقهاء الدستورين كتاب الله على أوسع حدوده، ومدلولاته فى غير سرف ولا تحكم ولا جمود ولا اشتطاط.

فلعمر الله، لقد أنصفناهم، وسنظل ننصفهم، وإنا لندعوهم إلى خطة سواء فهل هم يقبلون؟...

نريد تعديلات فى النصوص والأشكال توفق بين تعاليم الإسلام وما نحن عليه، وتخلصنا من هذا البلاء الداهم الذى وقعنا فيه من جراء تقليد الغرب من غير تبصر ولا تقدير لعواقب الأمور.

نسأل الفقهاء الدستوريين: هلا يكون المعنى النيابى قائما صحيحا إذا وضع للانتخاب ولمحاسبة الحكام نظام غير هذه الحزبية المفرقة؟ ووضع للبرلمان نظام غير نظام المجلسين، وهل البلاد التى توحدت فيها الأحزاب والمجالس وتغيير نظام الانتخاب ليست أنها بلاد دستورية نيابية؟ وسنسألهم أيضا:

هل لو عدلنا المادة الثانية فى الدستور المصري، مادة حرية الاعتقاد، فأضفنا إلى ذلك ما أضفناه لمادة حرية الرأى من أن ذلك مقيد بالقوانين والنظم الموضوعة؛ حتى يخرج المرتد فلا يكون محميا بالدستور.

هل إذا فعلنا ذلك يكون ذلك تغييراً لنظام الحكم النيابى وقلبا له؟ أيها السادة الفقهاء، وأيها السادة الحاكمون والزعماء، صارحوا الناس وقولوا لهم:

إن ذلك ليس قلبا لنظام الحكم فى شىء، وإنما هو قلب لهذه الأوضاع الفاسدة، ونحن لا نحسن الانتفاع فى جو غير هذا الجو فنحن لهذا نحارب هذا التعديل الذى لا ينقذ الأمة سواه. ." (27)

الخلاصة

إن الدولة الدستورية ، دولة سيادة الدستور والقانون ومبدأ الفصل بين السلطات، واستقلال القضاء وحماية مبدأ العدالة بين المواطنين أساس الدولة التى دعا إليها الإمام البنا .

وتبدو نظرته الشاملة وعميقة ومتطورة لفن إدارة الدولة من خلال آرائه التى تضمنت فى كثير من كتاباته .

وبناء على ذلك ، فنحن مطالبون بإعادة قراءة تراث الإمام البنا ، خاصة بعد جمع أكبر قدر من تراث فى السنوات الأخيرة والتى أسهمت فى توضيح كثير من الموضوعات عند الإمام البنا ،فليس ثمة عذر لمن يردد الشائعات دون دليل .

المراجع

(1) جريدة النذير، العدد (31)، السنة الأولى، 11ذو القعدة 1357 /3 يناير 1939تحت عنوان : الدستور والقرآن بقلم / الإمام حسن البنا ص 3ـ5.وانظر : تراث الإمام البنا ، طبعة البصائر ، جـ 9ص203.

(2) Agenda, Organizational Structure ، Understanding the Origin, Ideology:Diana Sorrentino,Ph.D . Muslim Brotherhood and Ideological Influences of the

(3)Amr Al-Chobaki :The Future of the Muslim Brotherhood , Al-Ahram Centre for Political and Strategic Studies - Cairo, Egypt

(4) الأهرام : الإخوان تصف الحكم الدستوري بأنه الأقرب للإسلام ، الأربعاء 27 رجب 1431هـ/ 29 من يونيو 2011، العدد ( 45495) ص 5.

(5) د. عبد الوهاب الكيالى وآخرون : موسوعة السياسة ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت بدون تاريخ،جـ 2 ، ص702.

(6) موسوعة السياسة ، ج 4 ص 726.

(7) أحمد جويد: موقع مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث .

(8 ) صلاح الجابري : الديمقراطية والدولة الدستورية عند يورغن هابرماز.

(9) أحمد جويد: موقع مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث .

(10) مجموعة الرسائل : رسالة المؤتمر الخامس ، طبعة مركز البصائر ،ص 350 وما بعدها .

(11) مجلة النذير ، العد (35)السنة الأولى ، 17 من ذى الحجة 1357هـ / 7فبراير 1939 ص 3ـ34. تحت عنوان : (الإخوان المسلمون فى عشر سنوات (1347ـ 1357هـ )ـ الإخوان المسلمون والدستور المصرى ، وجمعت فى رسائل الإمام البنا تحت اسم : ( رسالة المؤتمر الخامسالإخوان المسلمون والدستور المصرى.ص 356ـ358.

(12) مجلة النذير ، العدد (35)السنة الأولى ، 17 من ذى الحجة 1357هـ / 7فبراير 1939 ص 3ـ34. تحت عنوان : (الإخوان المسلمون فى عشر سنوات (1347ـ 1357هـ )ـ الإخوان المسلمون والدستور المصرى.

(13) المصدر السابق ص 658.

(14)رسالة نظام الحكم.نشرت فى جريدة الإخوان المسلمون اليومية ، العدد ( 480) 12 من محرم 1367هـ / 25 نوفمبر 1947م ص 1، 5.ونشرت فى الرسائل ، طبعة بمركز البصائر ص 657.

(15) رسالة نظام الحكم.ص 670 وما بعده ، طبعة مركز البصائر .

(16) جريدة الإخوان المسلمون الأسبوعية ، العدد (33) السنة الثانية ، 13 رمضان 1353هـ / 20 ديسمبر1943م ص26 تحت عنوان (مسجد البرلمان ).

(17) جريدة الإخوان المسلمون اليومية ، العدد ( 480) 12 من محرم 1367هـ / 25 نوفمبر 1947م ص 1، 5.ونشرت فى الرسائل ، طبعة مركز البصائر ص 661.

(18) جريدة الإخوان المسلمون اليومية ، العدد(482)، السنة الثانية ،14 المحرم 1367هـ/ 27نوفمبر 1947م ،ص 1.

(19) مجلة النذير ، العدد (35)السنة الأولى ، 17 من ذى الحجة 1357هـ / 7فبراير 1939 ص 3ـ34.

تحت عنوان : (الإخوان المسلمون فى عشر سنوات (1347ـ 1357هـ)ـ الإخوان المسلمون والدستور المصرى ، وجمعت فى رسائل الإمام البنا تحت اسم: ( رسالة المؤتمر الخامسالإخوان المسلمون والدستور المصرى.ص 356ـ358.

(20) رسالة نظام الحكم.نشرت فى [[جريدة الإخوان المسلمون]ي اليومية ، العدد ( 479) 11 من محرم 1367هـ / 24 نوفمبر 1947م ص 3.ونشرت فى الرسائل ، طبعةمركز البصائر ص 655.

(21) جريدة الإخوان المسلمون اليومية ، العدد(486)، السنة الثانية ،19 المحرم 1367هـ/ 2ديسمبر 1947م ،ص 2.

(22) جريدة الإخوان المسلون اليومية ، العدد(631)، السنة الثانية 11رجب 1367هـ / 20 مايو 1948 ص3.

(23) مجلة الإخوان المسلمون الأسبوعية ، العدد (8)، السنة الثالثة ، 4ربيع الأول 1354هـ / 4 يونيو 1935 ص33.

(24) مجموعة الرسائل : رسالة المؤتمر الخامس ، طبعة مركز البصائر ،ص 350 وما بعدها .

(25)مجلة الإخوان المسلمون الأسبوعية ، العدد(25) ، السنة الأولى 18 من رمضان 1352هـ / 4يناير 1934بم ص 17ـ 18. تحت عنوان (العيد الخمسينى للمحاكم الأهلية ) تراث الإمام البنا] جـ9ص245.

(26) مجلة الإخوان المسلمون الأسبوعية ، العدد (11)، السنة الثانية ، 7ربيع الثانى 1353هـ / 20 يوليو 1934 ص3ـ5.

(27) (جريدة النذير، العدد (31)، السنة الأولى، 11ذو القعدة 1357 /3 يناير 1939تحت عنوان : الدستور والقرآن بقلم / الإمام حسن البنا ص 3ـ5.وانظر : تراث الإمام البنا ، طبعة البصائر ، جـ 9ص203.