الدستور والقرآن

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الدستور والقرآن

بقلم / الإمام حسن البنا

منذ عشر سنوات خلت أو تزيد قام الإخوان المسلمون بدعوتهم، وعماد هذه الدعوة وسداها وأصلها وفرعها أن تركز النهضة الإسلامية الحديثة على قواعد ثابتة من تعاليم الإسلام الحنيف، وأن تهيمن روح الإسلام وكلمة القرآن على كل ناحية من نواحى الحياة ومظهر من مظاهرها فى كل هذه الأمم.

فنظام الحكم يجب أن يكون إسلاميا قرآنيا، وقوانين البلاد المسلمة يجب أن تكون إسلامية قرآنية، وبيوت المسلمين وعاداتهم وتقاليدهم يجب أن تكون مستمدة من روح الإسلام لا تتنافى بحال مع ما شرعه وحدده وأمر به وحض عليه.

والعقائد والعبادات والأخلاق وكل شىء مما يتعلق بالفرد أو بالأسرة أو بالأمة يجب أن يكون مأخوذا عن الإسلام تابعا لما جاء به رسول الله عن ربه، وبذلك تعود إلى المسلمين قوتهم الروحية وقوتهم المادية، واستقلالهم المفقود، وعزهم الضائع، ومجدهم المغصوب.

رفع الإخوان المسلمون أصواتهم بهذه التعاليم والمبادئ منذ عشر سنوات أو تزيد، وكتبوا فى ذلك مئات المقالات، ومن يطالع جريدة الإخوان المسلمين منذ ست سنوات يجد ذلك جليا تكاد تلمسه فى كل مقال من مقالاتها، وسيظل الإخوان ينادون بهذه المبادئ ويعملون لها، وسيجاهدون فى سبيل تحقيقها؛ حتى يصلوا.

وسيضحون بكل شىء فى سبيل الوصول إلى هذه الغاية لا يثنيهم عن ذلك شىء حتى؛ يأتى أمر الله.

وهما خطتان لا ثالث معهما إما أن تكون هذه الأمم إسلامية تحب الإسلام وتجله وتريد أن تعمل به فلا مناص لها من أن تنزل على حكمه، وتعمل بكل تعاليمه، وتؤمن بكتابه جميعه فلا تأخذ بعضه وتترك بعضا آخر، وإما أن تظل على ما هى عليه من خروج على تعاليمه فى نظمه العملية من حكم، وقانون، وعادات، ومعاملات، وعبادات، وعقائد فهى غير مسلمة، وإن ادعت ذلك حتى ينشق حلقها، وصرخت به حتى تملأ صرختها أجواز الفضاء فليس الإيمان بالتمنى، ولكن ما وقر فى القلب وصدقه العمل.

إن الذين وضعوا الدستور المصري قالوا فى المادة التاسعة والأربعين بعد المائة منه: (إن دين هذه الدولة الرسمى هو الإسلام) فالأمر لا يعدو أحد اثنين إما أن يكونوا جادين فى هذا الذى سجلوه على أنفسهم وعلى الدستور المصرى، فيجب أن يكون محل احترام منهم، وأن يعملوا جاهدين؛ حتى تحل النظم الإسلامية محل كل نظام غير إسلامى فى كل شىء فى الحكم والقانون والعادات والمعاملات وكل مظاهر الحياة.

وحينئذ يكون بحق دين الدولة الرسمى هو الإسلام، ويكون الدستور المصرى محترما مصونا قد احترمه واضعوه، ونزلوا على حكمه هو الآخر، وإما أن يكونوا لا يقصدون ما يقولون، ولا يؤمنون بما يكتبون، وهم بذلك يعبثون ويلهون أو يغشون الشعب ويخدعونه بمثل هذا النص الذى لا تحقق له فى الخارج.

وحينئذ يجب علينا -معشر الدعاة- أن نقوم إليهم وإلى هذا الشعب المخدوع بالنصيحة، فإن فعلوها فبها وإلا فنحن دائبون فى جهادنا عاملون على تحقيق هذه الغاية مهما كلفتنا، جادون فى إيقاظ الفكرة الإسلامية النائمة فى نفس الشعب المسلم المسالم الطيب القلب؛ حتى يعرف حقه، ويحرص على دينه، ويملى إرادته على حكامه، فينزلون عليها ولا يجدون مناصا من تحقيقها فيكون الدين الرسمى بذلك للدولة هو الإسلام.

فأى الموقفين يريد حماة الدستور وواضعوه أن يضعوا أنفسهم فيه أمام الأمة؟ وهل يرضيهم أو يروقهم أن يظل هذا التناقض قائما بين الدستور المكتوب والدستور المنفذ؟

وما قيمة نصوص لا تتحقق؟ أفتونا -أيها الفقهاء الدستوريون - أثابكم الله!!

ذلك موقف الإخوان المسلمين من القرآن والدستور منذ عشر سنين، وذلك موقفهم منهما الآن وذلك موقفهم الذى سيظل قائما فى المستقبل؛ حتى تتحقق غايتهم فيتفق تعليم الدستور مع تعليم القرآن، وتكون تعاليم القرآن هى لب الدستور ومحوره، والحكم بيننا وبين الفقهاء الدستورين كتاب الله على أوسع حدوده، ومدلولاته فى غير سرف ولا تحكم ولا جمود ولا اشتطاط. فلعمر الله، لقد أنصفناهم، وسنظل ننصفهم، وإنا لندعوهم إلى خطة سواء فهل هم يقبلون؟

نحن لا نعترض على الحكم الشوري النيابى من حيث هو، فإن الإسلام قد وضع الأساس للشورى وللتناصح، ولحرية الرأى ولسلطة الأمة، ولتبعة الحكام، وهى أركان الدساتير العصرية، ولكن الذى نعترض عليه ونطالب بالتحرر منه هذه الشكليات الفارغة التقليدية التى جربناها عشرين سنة، فلم نجن منها إلا الفرقة والخلاف والشوك والحسك والصاب والعلقم.

نريد تعديلات فى النصوص والأشكال توفق بين تعاليم الإسلام وما نحن عليه، وتخلصنا من هذا البلاء الداهم الذى وقعنا فيه من جراء تقليد الغرب من غير تبصر ولا تقدير لعواقب الأمور.

نسأل الفقهاء الدستوريين: هلا يكون المعنى النيابى قائما صحيحا إذا وضع للانتخاب ولمحاسبة الحكام نظام غير هذه الحزبية المفرقة؟

ووضع للبرلمان نظام غير نظام المجلسين، وهل البلاد التى توحدت فيها الأحزاب والمجالس وتغيير نظام الانتخاب ليست أنها بلاد دستورية نيابية؟

وسنسألهم أيضا: هل لو عدلنا المادة الثانية فى الدستور المصري، مادة حرية الاعتقاد، فأضفنا إلى ذلك ما أضفناه لمادة حرية الرأى من أن ذلك مقيد بالقوانين والنظم الموضوعة؛ حتى يخرج المرتد فلا يكون محميا بالدستور.

هل إذا فعلنا ذلك يكون ذلك تغييراً لنظام الحكم النيابى وقلبا له؟ أيها السادة الفقهاء، وأيها السادة الحاكمون والزعماء، صارحوا الناس وقولوا لهم: إن ذلك ليس قلبا لنظام الحكم فى شىء، وإنما هو قلب لهذه الأوضاع الفاسدة، ونحن لا نحسن الانتفاع فى جو غير هذا الجو فنحن لهذا نحارب هذا التعديل الذى لا ينقذ الأمة سواه.

هذا هو موقف الإخوان المسلمين فى الماضى والحاضر والمستقبل، وسيظلون ثابتين عليه ويتنادون به فى خطبهم وكلماتهم ومجالسهم، وسيعلنونه فى جرائدهم وفى مجلاتهم، وسيصلون لتحقيقه بكل الوسائل، وسيصلون إلى غايتهم بتوفيق الله؛ لأنهم لله يعملون، ومنه يستمدون، ولدعوته ينصرون "ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز".

فعلى النيابة التى دعت الأستاذ أحمد حسين لتحقق معه متهمة إياه بمحاولة قلب نظام الحكم لأنه كتب عدة مقالات يدعو فيها الناس إلى التمسك بالدين والقرآن وإلى جعل نظام فى مصر مرتكزا على الإسلام، أن تدعو الإخوان المسلمين وأن توجه إليهم هذه التهمة، وأن تؤاخذهم على مقالات لا عدد لها نشرت فى جريدة الإخوان سابقا منذ ست سنوات خلت، وتنشر الآن فى مجلة النذير بين سمع الحكومة وبصرها وهى أوضح عبارة وأبين مقصدا، وأقوى لهجة مما تحقق فيه الآن.

والإخوان على استعداد لتقديم هذه الأعداد لتكون حجة بيد النيابة، وهم يرقبون بعد ذلك اليوم الذى تنقل دعوتهم من ميدان الصحافة الحرة إلى ميدان القضاء الممحص المتزن، وحينئذ سيعرفون كيف يتهمون من اتهموهم بأنهم هم الذين خرجوا على الدستور يوم عطلوا أحكامه فلم يعملوا على أن يكون دين الدولة الرسمى بحق هو الإسلام؟

أما الأستاذ أحمد حسين، فنحن نحمد له موقفه، ونتمنى أن يتابع السير فى هذه الطريق التى اختطها لنفسه من جديد فهى خير له وللناس، وأجدى على الأمة، ولا أنفع لها من أن تتجرد من كل تقليد وتعود إلى تعاليم الإسلام الحنيف.


إقرأ أيضاً