الإخوان المسلمون وحكومة أحمد ماهر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون وحكومة أحمد ماهر

موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي)

مقدمة

لقد ذكرنا في الحلقات السابقة كيف كانت علاقة الإخوان المسلمين مع الحكومات وكيف كانوا يتعاملون معهم من منطلق القاعدة إذا أحسنت قالوا أحسنت وإذا أسأت نصحوها وقوموها.

ولقد اختلفت العلاقة ما بين حكومة وأخرى، حسب القواسم المشتركة بين الإخوان والحكومات الموجودة، وحسب مصالح الوطن التي تسعى وراءها جماعة الإخوان والحكومة.أحمد ماهر باشا من يكون؟

أحمد ماهر (باشا) بن محمد ماهر: من الزعماء السياسيين بمصر. ولد بالقاهرة. وتعلم الحقوق بها وبجامعة مونبلييه (بفرنسة)، وعين أستاذًا للاقتصاد والقانون بمدرسة التجارة العليا.

واشترك في الحركة القومية مع سعد زغلول. وانتخب نائبًا. وعين وزيرًا للمعارف سنة 1924 فى وزارة سعد. واتهم بالاشتراك في مقتل السردار البريطاني السير لى ستاك Sir Lee Stack فاعتقل وحوكم وبرئ. وانفصل عن (الوفد) بعد وفاة سعد بمدة.

وألف حزبا سماه (الحزب السعدي) وتولى رئاسة مجلس الوزراء في 10 أكتوبر 1944م ورئاسة مجلس النواب مرتين. واغتاله شاب مصري يدعى محمود العيسوي يوم 24 فبراير 1945م لنية ماهر الزج بمصر في أتون الحرب وإعلانه أن مصر ستقف بجوار الحلفاء في الحرب(1).

ولقد تحدث معظم المؤرخين الليبراليين واليساريين بأن محمود العيسوي كان فردا في النظام الخاص التابع لجماعة الإخوان المسلمين في محاولة لتشويه الجماعة وإلصاق تهمة القتل بها، وهو ما ليس بصحيح حيث أن محمود العيسوي كان محام في مكتب فتحي رضوان، وكان ينتسب إلى الحزب الوطني، كما أكد هذا الأمر بعد ذلك أحمد ماهر (وزير الخارجية المصري) وحفيد أحمد ماهر باشا بتعليقه على مسلسل الجماعة الذي ذكر أن العيسوي عضو بالإخوان.

حيث برأ الإخوان من ذلك فقال: في حوار لبرنامج القاهرة اليوم رداً على مسلسل "الجماعة": إن المسلسل نسب إلى الجماعة أعمالاً لم يكن لها يد فيها، موضحاً أن حادث اغتيال جده أحمد ماهر باشا نفذها شاب من الحزب الوطني يدعى محمود العيسوي، إلا أن المسلسل قدم الشاب على أنه عضو بالجماعة(2).

العلاقة بين الطرفين

بدأت العلاقة بين الإخوان المسلمين وأحمد ماهر من قبل أن يتولى الحكومة، خاصة حينما كان وزيرا للمالية، حيث كان لاعبًا مشهورًا في مراهنات سباق الخيل، وله جياد تجري باسمه، كما أنه كان عضو في لجنة التحكيم، وقد انتقدت مجلة "النذير" -الناطقة باسم الإخوان في الفترة من 1939م1941م - ذلك معتبرة أن هذه الأمور مخالفة صريحة للشرع، فالمفروض في الوزير المسلم –وكان أحمد ماهر وزيرًا للمالية آنذاك– أن يمنع الناس عن المنكر والمعاصي ومن بينها سباق الخيل كنوع من الميسر، أما إذا وقع الوزير في ذلك كان جزاؤه شرعًا ودينًا العزل فضلاً عن القصاص في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد.

وعندما نشرت بعض الصحف أن الدكتور أحمد ماهر وزير المالية اجتمع مع وفد يمثل أعضاء أندية السباق، وعرض عليهم أن يكون للحكومة 10٪ من ربح الأفراد حتى يزيد إيرادات الدولة، فإن مجلة الإخوان علقت رافضة ذلك؛ حيث إن هذه الإيرادات من الميسر والمال الحرام، ومهما قيل عن هذه الزيادة وإنها ستصرف على المرافق العامة وستستفيد منها الأمة فإن الإخوان لا يقرونها، وحسبهم أن يرددوا القول المأثور: "ليتها لم تزن ولم تتصدق"(3).

ومن المعروف أن أحمد ماهر باشا كان قد انضم مبكر للمحافل الماسونية، وتقلد المناصب الرفيعة فيها؛ فقد أصبح أستاذًا أعظم للشرق الأكبر منذ بداية عام 1938م(4).

كانت هذه المرحلة قائمة على النصح والإرشاد من قبل الجماعة للوزير أحمد ماهر، غير انه مع تطور الأحداث على الساحة العالمية، وقلبت الموازين في صالح الحلفاء، لم يعد الانجليز في حاجة لوزارة النحاس باشا ومن ثم أقالها الملك وعين أحمد ماهر رئيسا للوزراء حيث جرى اضطهاد الإخوان على يديه في هذه الفترة.

مرحلة الاضطهاد

لم تسلم الجماعة من الاضطهاد من قبل رؤساء الوزراء في جميع المراحل وذلك نزولا على رغبة المستعمر البريطاني الذي كان يرى الخطر في جماعة الإخوان المسلمين.

لم تكن فترة وزارة أحمد ماهر طويلة حيث تم اغتياله بعدما أعلن الحرب على دول المحور لصالح الحلفاء..غير أن وزارته ساهمت في إسقاط الأستاذ حسن البنا في انتخابات البرلمان.

فحينما أقيلت وزارة النحاس باشا في أكتوبر من عام 1944م وكلف أحمد ماهر بالوزارة كان أول عمل أقدم عليه هم حل البرلمان الذي يمثل أغلبية وفدية.

وخلال هذه التطورات دفع مكتب الإرشاد بالأستاذ البنا وعدد أخر في هذه الانتخابات وفقا لقرار المؤتمر السادس عام 1941م.

فتقدم للترشيح من الإخوان المسلمين كل من المرشد العام عن دائرة الإسماعيلية، والأستاذ أحمد السكري عن دائرة الفاروقية بحيرة، والأستاذ صالح عشماوي عن دائرة مصر القديمة، والأستاذ عبد الحكيم عابدين عن دائرة فيدمين الفيوم، والأستاذ عبد الفتاح البساطي عن دائرة بندر الفيوم، والسيد محمد حامد أبو النصر عن دائرة منفلوط(5).

وقد أوضح الإمام البنا أسباب اشتراك الإخوان المسلمين في الانتخابات، ورد على بعض تساؤلات المتسائلين -والتي لازال البعض يرددها حتى يومنا هذا- حول العلاقة بين الدين والسياسة، ودخول الإخوان للانتخابات، وحلفهم اليمين الدستورية وغيرها، فكتب تحت عنوان: "لماذا يشترك الإخوان في انتخابات مجلس النواب؟":

قرر المؤتمر السادس للإخوان المسلمين المنعقد بالقاهرة في ذي الحجة 1361ه أن يشترك الإخوان المسلمون في الانتخابات النيابية، وأخذ مكتب الإرشاد العام بهذا القرار وقدم بعض الإخوان في الانتخابات الماضية، وقرر الأخذ بهذا القرار كذلك في الانتخابات المزمع إجراؤها بعد حل مجلس النواب القائم.

وتساءل بعض الناس: لماذا يشترك الإخوان المسلمون في الانتخابات؟ والإخوان المسلمون -كما عرف الناس، وكما أعلنوا عن أنفسهم مرارًا- جمعية للخدمة العامة، ودعوة إصلاحية تجديدية تقوم على قواعد الإسلام وتعاليمه، فأما أنهم جمعية للخدمة العامة فذلك هو الواضح من ممارستهم في شعبهم لأنواع هذه الخدمة من:

ثقافة، وبر، وإحسان، ورياضة، وإصلاح بين الناس، وإقامة للمنشآت ما بين مساجد ومعاهد ومشاف وملاجئ في حدود طاقتهم ومقدرتهم، وإما أنهم دعوة إصلاحية فذلك أن لب فكرتهم وصميمها أن يعود المجتمع المصري والمجتمعات الإسلامية كلها إلى تعاليم الإسلام وقواعده التي وضعها في كل شئون الحياة العملية للناس، ومن البديهي الذي لا يحتاج إلى بيان أن الإسلام ليس دين عقيدة وعبادة فقط ولكن دين عقيدة وعبادة وعمل تصطبغ به الحياة في كل مناحيها الرسمية والشعبية.

أولئك هم الإخوان المسلمون جمعية ودعوة، والدعوة لب فكرتهم، وثمرة جهادهم، والهدف السامي لكفاحهم الطويل من قبل ومن بعد.وعماد الدعوة لتنجح وتظهر.. تبليغ واضح دائم يقرع بها أسماع الناس ويصل بها إلى قلوبهم وألبابهم، وتلك مرحلة يظن الإخوان المسلمون أنهم وصلوا بهم في المحيط الشعبي إلى حد من النجاح ملموس مشهود، وبقي عليهم بعد ذلك أن يصلوا بهذه الدعوة الكريمة إلى المحيط الرسمي، وأقرب طريق إليه "منبر البرلمان".

فكان لزامًا على الإخوان أن يزجوا بخطبائهم ودعاتهم إلى هذا المنبر لتعلوا من فوقه كلمة دعوتهم، وتصل إلى آذان ممثلي الأمة في هذا النطاق الرسمي المحدود، بعد أن انتشرت فوصلت إلى الأمة نفسها في نطاقها الشعبي العام.. ولهذا قرر مكتب الإرشاد العام أن يشترك الإخوان في انتخابات مجلس النواب.

وإذن فهو موقف طبيعي لا غبار عليه، فليس منبر البرلمان وقفًا على أصوات دعاة السياسة الحزبية على اختلاف ألوانها، ولكنه منبر الأمة تسمع من فوقه كل فكرة صالحة، ويصدر عنه كل توجيه سليم يعبر عن رغبات الشعب، أو يؤدي إلى توجيهه توجيهًا صالحًا نافعًا.

وسيفيد الإخوان من هذه الخطوة فوائد جليلة.سيفيدون -على أسوأ الفروض- انتهاز هذه الفرصة لنشر الدعوة في هذا المحيط الذي تعترك فيه الفكرة، وتشتجر فيه الآراء، وما كان لدعوة الحق الكريم أن يخفت صوتها في وقت تعلو فيه كل الأصوات، ويختلط فيه الحابل بالنابل، ولا قيام للباطل إلا في غفلة الحق.

وسيفيدون -بعد ذلك- أن يفهم الناس أن دعوتهم لا تقف عند حدود الوعظ والخطابة، ولكنها تحاول أن تشق طريقها إلى المنابر والمجتمعات الرسمية، وأن على المؤمنين بهذه الدعوة أن يهيئوا أنفسهم لهذا الميدان، وأن يستعدوا لخوض غماره.

وسيفيدون إرشاد الناس إلى هذا المظهر الكريم من مظاهر التنافس الفاضل الشريف في هذا الميدان، ستقوم دعاية الإخوان على المبادئ والأهداف، وسيرى الناس أمامهم لونًا فريدًا جديدًا من ألوان الدعاية الانتخابية البريئة المطهرة تستمد من قول الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[الحجرات: 11]. هذه فوائد مقطوع بها مهما كانت النتيجة الانتخابية.

وسيفيد الإخوان -بعد ذلك، إذا قدر لهم النجاح، وهو المأمول إن شاء الله- هذه الصفة الرسمية لدعوتهم، وهذا التسجيل الرسمي لنجاحهم في وصولها إلى آذان الشعب ومداركه، وسيرى كثير من الناس في هذا النجاح بوادر الأمل القوي في نهضة جديدة وحياة جديدة، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، سيخوض الإخوان هذه المعركة وعمادهم تأييد الله إياهم ودعايتهم فكرتهم التي اختلطت بصميم نفوسهم وأرواحهم، وعدتهم إيمان أنصارهم بأحقية الفكرة بأن تقود الأمة وتهدي الناس سواء السبيل.

ويتساءل فريق من الناس فيقولون: أليس معنى هذا الاشتراك أن الإخوان سيخرجون من حيزهم الديني إلى حيز سياسي فيصبحون هيئة سياسية بعد أن كانوا هيئة دينية؟!

ونقول لهؤلاء: إن الإسلام لا يعترف بهذا التفريق بين الأوضاع في حياة الأمة الواحدة؛ فالهيئة الدينية الإسلامية مطالبة بأن تعلن رأي الإسلام في كل مناحي الحياة، والطريق البرلماني هو أقرب الطرق وأفضلها لهذا الإعلان، ولا يخرجها هذا عن صفتها ولا يلونها بغير لونها.

وتقول طائفة ثالثة: أليس هذا التنافس مما يكسب الإخوان أعداء ومنافسين، والدعوة أحوج ما تكون إلى مصادقة الجميع وتأييد الجميع؟

وذلك كلام طيب جميل، ونحن أحرص ما نكون على أن تظفر الدعوة بهذا الموضع من القلوب، وستكون المعركة الانتخابية الإخوانية معركة مثالية في البعد عن المثالب الشخصية أو إثارة الأحقاد والحزازات، فإذا فهم الناس هذا المعنى وبادلونا إياه فسندخل أصدقاء ونخرج أصدقاء، وإذا لم يفهموه ولم يقدروه فهم الملومون، وليست الدعوة ولا أصحاب الدعوة بمكلفين بأن يتجنبوا طرائق نجاحها خشية الناس والله أحق أن نخشاه، وأية دعوة في الدنيا نريد ألا يكون لها منافسون وخصوم؟! وحسب الدعوة وأصحاب الدعوة شرفًا ألا يخاصموا الناس في الباطل، بل في الحق، وأن يحاربوا بأنظف الأسلحة وأنبل الوسائل.

ويوجه بعض المتساءلين سؤالاً جميلاً فيقولون: وماذا تصنعون في اليمين الدستورية إذا نجحتم، وفيها النص على احترام الدستور، وأنتم معشر الإخوان تهتفون من كل قلوبكم القرآن دستورنا؟ والجواب على ذلك واضح مستبين، فالدستور المصري بروحه وأهدافه العامة من حيث الشورى وتقرير سلطة الأمة وكفالة الحريات لا يتناقض مع القرآن.

ولا يصطدم بقواعده وتعاليمه، وبخاصة وقد نص فيه على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، وإذا كان فيه من المواد ما يحتاج إلى تعديل أو نضوج فقد نص الدستور نفسه على أن ذلك التعديل والنضوج من حق النواب بطريقة قانونية مرسومة، وتكون النيابة البرلمانية حينئذ هي الوسيلة المثلى لتحقيق هتاف الإخوان.

"وبعد" فقد اختار مكتب الإرشاد العام هذا القرار، واتخذه بعد أن درس الموضوع من كل وجوهه، وهو مع ذلك يرقب سير الأمور عن كثب، وسيرسم للإخوان طريق اشتراكهم في هذه الانتخابات على ضوء ما سيرى من ظروف وملابسات، وسيكون رائده في ذلك الحكمة التامة، ومراعاة الظروف العامة والخاصة، وأن يكتسب للدعوة أعظم الفوائد بأقل التضحيات.والأمور بيد الله، وهو حسبنا ونعم الوكيل(6).

وقد سألت جريدة الإخوان العلامة الشيخ محمد أبي زهرة عن رأيه في ترشيح الإخوان، وهل يعني ذلك الرضا بالقوانين الوضعية، كما سألوا عن تحرج البعض من القسم على احترام الدستور، ولأهمية تلك المسائل القديمة الجديدة نورد نص ذلك الحوار.

س: ما رأيكم في أن يرشح بعض الإخوان المسلمين أنفسهم لكراسي النيابة في مجلس الشورى في مصر؟

ج: إن ترشيح بعض الإخوان المسلمين الذين يستمسكون بالعروة الوثقى والدين الاعتبار الأول في نفوسهم أمر واجب جد واجب؛ لأنه يحمي جماعة الإخوان وينشر دعوتهم، ويفيد الحياة النيابية في مصر.

أما حمايته لجماعة الإخوان فلأن وجود نواب يمثلونهم يمكن الجماعة من أن ترفع صوتها في دار الشورى بالشكاة العادلة مما عساه يقع على أعضائها من: المظالم، أو اضطهادات، أو نحو ذلك مما تتعرض له الجماعات في مصر.

وأما أنه سبيل لنشر فكرتها فلأنها تمكن ممثليها من أن يدلوا بآراء الجماعة الصحيحة في كل ما يعرض من قوانين تدرس في دار الشورى من مسائل إدارية ونظامية، وإن صوتهم سيكون صوت الإسلام يتردد تحت قبة البرلمان، وهو رقابة قوية تستمد قوتها من الدين كضمان وثيق لكي تسير أمور الدولة في جل أمرها غير متجانفة عن الإسلام ولا مجافية لأحكامه.

وأما فائدتها للنيابة في مصر فلأن نواب الجماعة سيكونون ممثلين للفكرة فوق تمثيلهم لناخبيهم، وسيعملون تحت سلطان هذه الفكرة على أن يكونوا رقباء على الحكومة فاحصين لأعمالها -ناقدين أو مؤيدين- على أساس من القسطاس المستقيم، وبذلك يعلم سائر النواب وتعلم الأمة أن عمل النائب ليس التردد في الدواوين حاملاً للشفاعات، متوسلاً بالرجاء لقضاء الحاجات، فلا يكون عنده قوة للاعتراض على من توسل إليهم ولا للرقابة عليهم.

إن عمل النائب الذي خلق له أن يراقب الوزراء لا أن يرجوهم، وأن يصلح الإدارة المصرية لا أن يفسدها، وأن يقطع السبيل على من يجعلون الأمور تسير بالشفاعة والضراعة لا أن يروج الشفاعة في صفوف القائمين بالأمر في الكافة، على هذه الجادة يسير ممثلو الإخوان، فيكونون مثلاً صحيحًا لممثلي الأمة، وما يجب أن يكون عليه النائب الذي يعرف غايته وغرضه وهدفه.

س: إن بعض الإخوان يقول: إن دخول نائب من الإخوان يقتضي ضمنًا الرضا بكل القوانين الحاضرة التي تسير عليها مصر، ومن هذه القوانين ما ترى الجماعة وجوب تغييره، ولذلك يتحرج هؤلاء من فكرة ترشيح بعض الإخوان لأنفسهم، فما رأيكم في ذلك؟

ج: إن المقرر فقهًا ومنطقًا أن الدلالات الضمنية لا تتعارض مع الدلالات الصريحة، وقد أعلنت الجماعة في كل دعواتها وجوب تغيير ما ترى تغييره من قوانين الدولة، فلا يمكن أن يكون دخول نواب منها دالاً على رضاهم بهذه القوانين، إلا إذا أعلنوا الرضا صراحة حتى يلغوا كلامهم الأول، وإن الطريق المعبد لتغيير ما يراد تغييره من قوانين هو دخول دار الشورى؛

لأن القوانين تغير بها، ولو قلنا: إننا لا ندخل حتى تتغير القوانين التي نرى تغييرها فعلاً لكان معنى ذلك أن الإخوان لا يدخل أحد منهم دار الشورى إلا بعد الوصول إلى الغاية الكبرى للإخوان، وكأنهم بذلك يصدون أنفسهم عن باب من أبواب الجهاد، والجهاد باب من أبواب الجنة.

وإذا كان بعض الإخوان يتحرج من قسم النائب باحترام الدستور فليس لتحرجه معنى؛ لأن الدستور في لب معناه تنظيم للشورى، ووضع حدود ورسوم لها، وليس في ذلك أي مجافاة للقرآن العظيم؛ لأن الشورى جاء بها القرآن فقال: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾(الشورى: 38)، ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ﴾(آل عمران: 159).

وليس ذلك بمانع من أقسم باحترام الدستور من أن يسعى في تغيير بعض القوانين التي تخالف الإسلام وتجافي أحكامه، وإلا لكان معنى ذلك أنه ليس للنواب أن يغيروا أي قانون، وذلك قول بعيد عن المنطق بعده عن الواقع وعن الدستور وعن نصوصه وأحكامه ومعانيه(7).

ولقد طالب الإخوان في نشرة انتخابية إلى الأمة المصرية الكريمة أن يعطوهم أصواتهم لكي يدافعوا عن الإسلام والوطن من خلال المؤسسات الشرعية، جاء فيها...اليوم وقد دعيت الأمة المصرية الكريمة لتقول كلمتها، وتقدم إلى مجلس نوابها من يمثل حقيقة شعورها، ويعبر عن مكنون رغباتها.

اليوم يتقدم إليها جماعة من الإخوان المسلمين بأشخاصهم التي أوقفت على الجهاد في سبيل مطالبك الوطنية والاجتماعية، وبمنهاجهم الذي يستمد من كتاب الله ويعتمد على وحي السماء، حين فشلت توجيهات الأرض.

اليوم -أيها الشعب الأبي الكريم- تواجه أنت بنفسك التبعة كاملة، فالكلمة كلمتك، والسلطة لك وفي يدك، وتستطيع اليوم أن ترفع إلى هذه المقاعد التشريعية من يتحمل عنك التبعة بين يدي الله والناس.

كان يتردد على ألسنة الناس كلما استعرضوا فساد الحال، وفشو المنكرات، وانتشار الآثام: أين العلماء؟ وأين البرلمان؟ كنا نقول: لا تذهبوا إلى الملاهي الخليعة، والمسارح الرخيصة، والمراقص والمشارب. فيقال لنا: وما ذنبنا نحن وقد وجدنا السبيل ممهدًا، والطريق معبدًا، والمغريات من بين أيدينا ومن خلفنا؟!

كنا نقول: هذبوا ناشئتكم، وربوا على الأخلاق أبناءكم، وبثوا تعاليم الدين في نفوس صغاركم. فيقولون: وهل نحن الذين نضع مناهج التعليم، ونشرف على سير المدارس والمعاهد؟ أقنعوا وزارة المعارف وأفهموا البرلمان.

وكنا نقول: إن الفرد في حاجة إلى إصلاح، والأسرة في حاجة إلى إصلاح، والفقر والجهل والمرض في حاجة إلى علاج، ومطالب الأمة العليا وأهدافها القومية في حاجة إلى جهاد وكفاح، فساعدونا -أيها الناس- على ذلك كله. فيكون الجواب: وماذا بأيدينا وهذه واجبات الحكومة وتبعات نوابنا في البرلمان؟

واليوم -أيها الشعب الكريم- في هذه الأيام القلائل، تصنع أنت الحكومة، وتكون أنت البرلمان، والكلمة لك، والسلطة كلها في يدك، فاقذف بنا إلى مجلس النواب، ودعنا نحاسب الحكومة.

أوقفونا أيها الناس وجهًا لوجه أمام الوزراء، وفي وسط النواب لنحاسبهم ولنقول لهم: إن الشعب المصري شعب متدين أبي، لا يرضى أن يستذل لغيره، ولا أن يستكين لسواه، فاستقلاله وحريته أعز عليه من نفسه ودمه، ولا يجب أن تطغى عليه إباحية الشهوات الغربية، ولا تحلل العقول المادية؛ لأن دينه وتقاليده أكرم عنده من كل ما في هذه الحياة الدنيا.

وإن الوطن المصري وطن غني بتاريخه المجيد، ونيله السعيد، وخيراته التي ما عليها من مزيد، وعقله الذكي، وخلقه القوي، فلا يرضى أن يستأثر الناس بخيراته، وهو جائع عار.

وكل ذلك يلزمكم أيها النواب أن تلزموا الحكومة تحقيق هذه الأهداف:

  1. المحافظة التامة على حرية وادي النيل ووحدته واستقلاله، ودفع كل سلطان أجنبي عنه.
  2. توثيق الروابط الكاملة بالأمم العربية والإسلامية، ومساعدة هذه الأقطار على استكمال حريتها واستقلالها، فهم جيراننا في الوطن، وإخواننا في الدين وبنو عمنا في النسب، وشركاؤنا في اللغة والمصالح والآلام والآمال.
  3. صبغ الحياة الاجتماعية بهذه الصبغة الإسلامية المجيدة ﴿صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً﴾(البقرة: 138)، فالتشريع والتعليم والتقاليد يجب أن يكون أساسها تعاليم الإسلام الحنيف، والمنكرات والموبقات التي يحاربها هديه السامي من: الخمر، والزنا، والقمار، واللهو، والمجون، والاختلاط الشائن، والعبث الفاسد، والغناء المبتذل، والتمثيل الخليع، والمؤلفات والمكتبات المفسدة، كلها يجب أن تعتبر جرائم يعاقب عليها القانون وتطاردها الحكومة.
  4. وليس في ذلك معنى للتعصب فإن الإسلام بريء من هذا كله، ولكن معناه انتصار للفضيلة التي جاءت بها الأديان جميعًا، ومطاردة الجريمة التي طاردتها الأديان جميعًا، وإيقاظ للضمائر التي لا تستيقظ بغير دين، وإنصاف للناس حتى يأخذ كل ذي حق حقه.
  5. العناية الكاملة بموارد الثروة ومطاردة البؤس والفقر، وهو أساس الجهل والمرض، باستغلال الموارد الطبيعية، والعناية بالصناعة، وتنشيط التجارة، وتكوين الشركات الوطنية، وتشجيع الملكيات الصغيرة، وتحديد الصلة بين المالكين والمستأجرين، وإعادة النظر في الضرائب، وإقرار نظام الزكاة لإمداد الخدمات الاجتماعية النافعة حتى يكون في أموال الأغنياء حق معلوم للسائل والمحروم.

ادفع بنا -أيها الشعب- دفعًا إلى كراسي مجلس النواب لنقول للوزراء في وجوههم هذا الكلام، ولنلفت نظر النواب إلى تفاصيل هذه النواحي المجملة، ولنرفع الصوت قويًا جهوريًا في دار النيابة وفي حماية من القانون، بكلمة الإسلام العالية المدوية، ونعاهدك على أن نكون كذلك، وألا نجعل هذه الثقة وسيلة إلى منفعة شخصية، فإن فعلت فقد قلت كلمتك، وأبرأت ذمتك، وأديت أمانتك، وإن لم تفعل فأنت الملوم، وعليك أولاً تقع تبعة هذا الفساد والإفساد في الدنيا والآخرة، وبين يدي الله وأمام الناس.

أيها الشعب المصري الأبي الوفي.. لقد فتحت صدرك لدعاة الإسلام الأول، فتلقيتهم تلقيًا كريمًا، وجعلت من حنايا ضلوعك، ومن ثنايا بلادك مستقرًا مكينًا أمينًا لهذه التعاليم القدسية التي جاء بها القرآن الكريم.

ولقد دافعت عن هذه المبادئ مجاهدًا بالسيف والسنان، وباذلاً في سبيلها الأموال والأرواح حتى رددت المغيرين من كل مصر في كل عصر.

والآن وقد أصبح السلاح إلى الإصلاح قول الحق، وإبداء الرأي، وحسن الاختيار، فإننا نتقدم إليك والله غايتنا والرسول زعيمنا والقرآن دستورنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل اله أسمى أمانينا، فإن رأيت خيرًا منا في ذلك فأولهم ثقتك وأعطهم صوتك؛

لأنك بذلك تقول الحق والحق أحق أن يتبع، أما إذا لم تجد ولا نظن أنك تجد فها نحن ندعوك أن تمنحنا هذا التأييد، وأن تقف إلى صفنا في هذا الجهاد، وأن ترفعنا بيدك إلى مقاعد النواب لنقول باسمك كلمة الحق، ونكون لك لسان الصدق، الله أكبر ولله الحمد(7).

تزوير الانتخابات عام 1945م

ما كاد الانجليز يعلمون بتقديم الأستاذ البنا وإخوانه أورق الترشح حتى تملكهم الغضب وضغطوا على أحمد ماهر باشا بالضغط على البنا للانسحاب كما حدث مع النحاس باشا، ولما سئل عما يحدث في تلك الدائرة أعلن أن الحكومة المصرية لا شأن لها بهذه الدائرة، وأن الإنجليز هم الذي يتولونها ممثلين في حاكم سيناء الإنجليزي آنذاك(8).

وأقام أهل الإسماعيلية على نفقاتهم 60 سرادقًا للدعاية الانتخابية للإمام البنا، وتوافد على الإسماعيلية الآلاف من إخوان البلاد الأخرى تأييدًا للإمام البنا(9).

ولما كان يوم الانتخاب فوجئ أهل الإسماعيلية بتدخل الجيش البريطاني في الانتخابات بأن أحضروا أعدادًا كبيرة من العمال الذين يعملون في معسكرات الجيش البريطاني في سيارات، وأدى هؤلاء العمال الانتخاب بتذاكر مزورة بأسماء ناخبين من أهل الإسماعيلية، واحتج أهل الإسماعيلية وأهملت السلطات احتجاجهم، وانتهى يوم الانتخابات وظهرت النتيجة وكانت إعادة بين الإمام البنا وبين سليمان عيد(9).

وجرت الإعادة في جو رهيب حيث تدخلت الحكومة والإنجليز بشكل سافر، فيقول الأستاذ محمود عساف -وكان بالإسماعيلية في ذلك الوقت:

"كنا نرى مئات من السيارات اللوري المليئة بعمال المعسكرات البريطانية، ومعظمهم من صعيد مصر تجوب طرقات الإسماعيلية هتافًا لسليمان عيد، ثم تتوقف أمام لجان الانتخابات ليدخل هؤلاء وينتخبون، واحتج الشهيد عبدالقادر عودة على التزوير، وكان يعمل قاضيًا ورئيسًا لإحدى اللجان، فصدر أمر وزير العدل بنقله فورًا من الإسماعيلية، فأبى الشهيد عبد القادر عودة هذه الإهانة واستقال من القضاء.

وكانت تلك باكورة صلته بالإمام الشهيد وبالإخوان المسلمين التي أصبح وكيلها فيما بعد قبل أن تغتاله يد الغدر بالإعدام شنقًا، وكانت الأصوات التي حصل عليها الإمام محدودة في كل اللجان، فقد بدلت الصناديق بغيرها إلا لجنة واحدة كانت منسية حصل فيها الإمام البنا على 100٪ من الأصوات، وكانت هذه اللجنة لجنة الطور، وكان وكيل الإمام فيها الخواجة خريستو صاحب محل البقالة الوحيد هناك(10).

وما حدث مع الإمام حدث تقريبًا مع باقي مرشحي الإخوان، ولكن بدرجة أقل فلم ينجح منهم أحد في هذه الانتخابات، وعند إعلان النتيجة وقف الإمام البنا وسط الإخوان متحدثًا إليهم ليهدئهم ويوضح لهم ما حدث، وكان مما قاله لهم:

"إن عجز أمة عن أن تدفع أحد أبنائها إلى البرلمان ليقول كلمة الحق والإسلام لدليل على أن الحرية رياء وهباء، وأن الاستعمار هو سر البلاء، إنني أحسب أن مراجلكم تغلي بالثورة وعلى شفا الانفجار، ولكن في هذا الموقف لابد من صمام الأمان، فاكظموا غيظكم، وادخروا دماءكم ليوم الفصل، وهو آت لا ريب فيه ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ووصيتي لكم أيها الإخوان أن تنصرفوا إلى منازلكم وبلادكم مشكورين مأجورين، وأن تفوتوا على أعدائكم فرصة الاصطدام بكم"(11).

نماذج أخرى من الاضطهاد

لم يتوقف اضطهاد الحكومة عند تزوير الانتخابات وإخراج الأستاذ البنا وإخوانه من حلبة سباق البرلمان، لكن انتشر البوليس السياسي يحصي أنفاس الإخوان عليهم، فيذكر الأستاذ محمد العدوي أن أحد المخبرين وجد ورقة بخط الإمام الشهيد من سلة مهملات مكتبه، وقدمت للنيابة كدليل بأن الجماعة بصدد تشكيل لجنة لإثارة الرأي العام، وأخرى ثورية.

وتم استدعاء الإمام البنا للنيابة لسؤاله عن تلك اللجان، ولم يعمل وكيل النيابة عقله في الورقة المكتوبة، ولا في أسماء أعضاء اللجان المشكلة؛ لأنه كان مدفوعًا من قبل رؤسائه، فقد سأل الإمام البنا عن تشكيله لجنتين: أحدهما: ثورية، والأخرى لإثارة الرأي العام.

فأجاب الإمام البنا سؤاله بسؤال وقال له: وممن تتشكل اللجنتين؟ فقال: أما الأولى فهي من الشيخ شلتوت وآخرين، والثانية من عزيز المصري وآخرين. فقال له الإمام البنا: الأولى أن نضع الأولى مكان الثانية والثانية مكان الأولى، فتجاهل المحقق ذلك وأراد أن يواجهه بالدليل وقال للإمام: أليس ذلك خطك؟

فقال له: لا لزوم لرؤيتي للورقة ولن أنكر ما فيها، ولكني أنكر قراءتك لها، أما اللجنة الأولى فهي لجنة شورية وليست ثورية، أما الثانية فهي لجنة لإنارة الرأي العام وليست لإثارته، فأسقط في يد وكيل النيابة وأخلى سبيل الإمام البنا(12).

الاضطهاد بعد الممات

استمر مسلسل اضطهاد الإخوان من هذه الحكومة حتى بعد اغتيال رئيس الوزراء أحمد ماهر، فلقد تم اعتقال الإمام البنا بتهمة اغتيال أحمد ماهر باشا لكن سرعان ما أفرج عنه لعدم وجود أدلة على ذلك، غير أن ذلك ترك علاقة سيئة بين الإخوان والنقراشي باشا(13)

المصادر

  1. الأعلام:/ الجزء الأول، صـ 201.
  2. اليوم السابع: الاثنين، 27 سبتمبر 2010م
  3. مجلة النذير، العدد (8)، السنة الأولى، 20جمادى الأولى 1357ه/ 18 يوليو 1938م، ص(3-5).
  4. مجلة المنصورة، العدد (6095)، السنة الثالثة عشر، 29ذو القعدة 1356ه/ 31 يناير 1938م، ص(2).
  5. الإخوان المسلمون، العدد (53)، السنة الأولى، 5شعبان 1365ه/ 4 يوليو 1946م، ص(4).
  6. مجلة الإخوان المسلمين النصف شهرية، العدد (46)، السنة الثانية، 18ذو القعدة 1363ه/ 4 نوفمبر 1944م، ص(3-4).
  7. السابق، العدد (47)، السنة الثانية، 2ذو الحجة 1363ه/ 18 نوفمبر 1944م، ص(7).
  8. السابق، العدد (49)، السنة الثالثة، 4محرم 1364ه/ 19 ديسمبر 1944م، ص(5، 10).
  9. مجلة المباحث القضائية، العدد (54)، السنة السابعة، 2ربيع الأول 1370ه/ 12 ديسمبر 1950م، ص(4).
  10. محمود عساف: مع الإمام الشهيد حسن البنا، مكتبة عين شمس، 1413ه/ 1993م، ص(114).
  11. محمود عبدالحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، دار الدعوة، الجزء الأول، 1998م، صـ 265).
  12. مع الإمام الشهيد، مرجع سابق، ص(115).
  13. عباس السيسي: حسن البنا مواقف في الدعوة والتربية، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2001م، ص(202).
  14. محمد العدوي: حقائق وأسرار الإخوان المسلمين، دار الأنصار، 1980م، ص(42-43).
  15. جمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين.