الإخوان والكويت من المهادنة إلى المواجهة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان والكويت من المهادنة إلى المواجهة


مقدمة

تُعد جماعة الإخوان المسلمين من كبرى الجماعات الإسلامية في العصر الحديث؛ فقد نشأت جماعة الإخوان في مصر في عام 1928م كحركة جامعة شاملة تُعنى بالإصلاح الاجتماعي والسياسي، وسرعان ما انتشر فكر الجماعة في مختلف أنحاء العالم، حتى أصبح لها أتباع في حوالي 80 دولة في العالم.

وطبقا لأدبيات ومناهج ومبادئ جماعة الإخوان المسلمين فإنهم يهدفون إلى إصلاح سياسي واجتماعي واقتصادي من منظور إسلامي شامل، وتسعى الجماعة في سبيل الإصلاح الذي تنشده إلى تكوين الفرد المسلم، والأسرة المسلمة، والمجتمع المسلم، ثم الحكومة الإسلامية، فالدولة، فأستاذية العالم، وفق الأسس الحضارية للإسلام عن طريق منظورهم.

ويلخص د. يوسف القرضاوي شمول أهداف الإخوان وعالميتها بقوله:

"كانت أهداف الإخوان شاملة شمول الإسلام؛ فضمت الجانب العقلي والجانب الروحي والجانب الجسمي والجانب التربوي في حياة الفرد، كما ضمت الجانب الأسري، والجانب الاجتماعي والجانب الاقتصادي والجانب السياسي في حياة المجتمع: الوطني والإسلامي والعالمي. (1)

وقد عبر مؤسس الجماعة - حسن البنا - عن هذه الأهداف بقوله:

"نريد الفرد المسلم، والبيت المسلم، والشعب المسلم، والحكومة المسلمة، والأمة المسلمة، وتبليغ الدعوة في العالم".

وبناء على طبيعة الإخوان المسلمين التي تنطلق من مبدأ الشمولية والعالمية؛ فقد انتشرت الجماعة في عشرات الدول الإسلامية، ومنها دولة الكويت التي دخلتها في منتصف العقد الخامس من القرن الماضي، واستخدمت الجماعة في سبيل نشر فكرتها في المجتمع الكويتي مختلف الوسائل الفكرية والاجتماعية والسياسية.

البداية

كان لامتداد التيار اليساري والقومي في دول الخليج العربي تأثره القوى في توجه كثير من الأنظمة إلى احتضان التيار الإسلامي في سبيل صد هذه التيارات، و رغبة منهم في إحداث نوع من التوازن الفكري الذي يحول دون تحول الجماعات الفكرية إلى جماعات ضغط حقيقية. (2)

ويؤيد هذا الأمر ما ذكره أحد أعمدة التيار الإسلامي في الخليج، وفي دولة الكويت بصورة خاصة، وهو الشيخ عبد الله علي المطوع إذ يقول:

"بدأت حركتنا الإسلامية منذ أوائل الخمسينات مع اشتعال هجمة الغرب الشرسة ليس على الكويت فحسب، بل على المنطقة العربية والإسلامية بأكملها، طرحوا لنا أفكار أومبادئ دنيوية، وجيء بالقومية العربية ومنبعها الجامعة الأميركية في بيروت، وجيء بالبعثية ومنبعها ميشيل عفلق والغرب من ورائه، وجيء بالاشتراكية والحداثة، وكلها تصرف هذه الأمة عن دينها وعقيدتها، فقمنا نحن أبناء الكويت بتأسيس عمل إسلامي سياسي لنتصدى لهذه الهجمة الشرسة. (3)

فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945، دخلت منطقة الخليج العربي مرحلة تاريخية جديدة، تميزت بحدوث تحولات وتغيرات في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كما شهدت الساحة السياسية في الكويت في هذه الفترة أيضا تنوعا في تياراتها السياسية المختلفة، نظرا للمجال الواسع الذي أتيح للتنظيمات السياسية لممارسة نشاطها بقدر من الحرية في المجتمع الكويتي

حيث كان الشيخ عبد الله السالم الصباح "حاكم الكويت"، ذو سياسة ليبرالية منفتحة، وفي ظل هذا المناخ السياسي المتحرر الذي قلما تشعر به الدول العربية في الوقت الحاضر، بدأت الأحزاب السياسية بالتشكيل في الكويت، وقد استثمر الإخوان المسلمين هذه الفرصة ، وبدأوا بتشكيل أول تنظيماتهم في المجتمع الكويتي، عن طريق عبد العزيز العلي المطوع "مؤسس الإخوان المسلمين في الكويت" الذي تعرف في منتصف الأربعينيات على الشيخ حسن البنا المؤسس والمرشد العام للإخوان المسلمين، وذلك خلال دراسته في القاهرة.

وفي عام 1947 ، تمكن عبد العزيز العلي المطوع من تأسيس أول بناء للإخوان المسلمين في الكويت على شكل شعبة، وفي البداية تخوف الكويتيين من تسمية (الإخوان المسلمين) لما تثيره كلمة (إخوان) في نفوسهم من الذكريات المريرة التي عاصروها عند هجوم (الإخوان الوهابيين) على الكويت عام 1921

وعدم اطمئنان الكويتيين من كلمة (حزب) وتحسسهم منها، وهذا ما دفع مؤسس تنظيم الإخوان المسلمين في الكويت عبد العزيز العلي المطوع، أن يقترح على الشيخ حسن البنا بأن تكون التسمية (جمعية الإرشاد الإسلامية)، لتكون واجهة اجتماعية لنشاط الإخوان المسلمين التنظيمي. (4)

وفي أول رمضان 1392هـ الموافق 24 مايو 1952 تم الإعلان رسميا عن (جمعية الإرشاد الإسلامية)، وكان تشكيلها كالاتي:

  1. الشيخ يوسف بن عيسى القناعي "رئيسا للجمعية"
  2. عبد العزيز علي المطوع "مراقب عام للجمعية"
  3. محمد العدساني "عضو"
  4. خالد مسعود الفهيد "عضو"
  5. عبدالله سلطان الكليب "عضو"

شهدت الكويت بعد استقلالها عام 1961، نوعاً من الانفراج السياسي الداخلي ، وقد كان وراء ذلك الانفراج أسباب معينة ، تأتي في مقدمتها مطالبة حكومة عبد الكريم قاسم بالكويت ، بوصفها كانت من الناحية الإدارية والتاريخية قضاء تابعاً إلى لواء البصرة

فلم يكن أمام حاكم الكويت آنذاك الشيخ عبدالله السالم الصباح والذي كان من أنصار التيار الإصلاحي ، ألا أن يفسح المجال للقوى السياسية والقومية منها بشكل خاص ، التي كانت مسيطرة على الشارع الكويتي آنذاك ، بمزاولة نشاطها ، بهدف الاستعانة بها في مواجهة مطالب الحكومة العراقية ، ومن جهة أخرى لإعطاء صورة مقبولة للرأي العام العالمي ، بأن النظام الكويتي نظام ديمقراطي.

وأيضاً للرد على الحملات الإعلامية التي كانت تريد أن تنقل للعالم بأن النظام الذي يحكم الكويت ، نظام عشائري، فبدأت القوى السياسية التي سبق أن جمدت نشاطها قبل سنوات ، تمارس نشاطها من جديد في الساحة السياسية الكويتية. لكن خلف واجهات ومسميات جديدة.

وفي ظل هذا المناخ السياسي اجتمع ثلاثون شخصاً من المنتمين إلى تنظم الإخوان المسلمين في ديوانية الحاج فهد الحمد الخالد ، في 16 محرم 1383هـ ، الموافق 8 حزيران 1963م ، وتباحثوا حول ضرورة قيام كيان إسلامي في الكويت ، يحافظ على الأخلاق والهوية الإسلامية للشعب الكويتي.

واتفق الجميع على تأسيس جمعية جديدة باسم (جمعية الإصلاح الاجتماعي) ، التي أصبح واضحاً أنها كانت امتداد طبيعياً لجمعية الإرشاد الإسلامية التي تأسست عام 1952، وفي 11 حزيران 1963 عقدت الجمعية اجتماعها الأول ، وتم فيه انتخاب الهيئة الإدارية للجمعية. فأصبح يوسف النفيسي رئيسا للجمعية ثم تولى هذا المنصب فيما بعد ، يوسف الحجي.

بعد ذلك تولى رئاسة الجمعية ، مراقب الإخوان المسلمين في الكويت ، وعضو المكتب التنفيذي لتنظيم الإخوان المسلمين دوليا ، عبد الله العلي المطوع، وفي 22 يوليو 1963 ، تم إشهار جمعية الإصلاح الاجتماعي ، ونشر هذا الإشهار في الصحيفة الرسمية للبلاد. (5)

وحينما قام النظام العراقي بغزو الكويت عام 1990م كان لإخوان الكويت والعالم دور مهم في التنديد بهذا الغزو، بل شكل إخوان الكويت جبهات مقاومة لصد الغزو العراقي.

يقول د. فلاح عبد الله المديرس:

"وفي ظل الاحتلال العراقي للكويت، انخرط أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في الداخل في المقاومة المدنية، ولعبوا دورا في التنظيم والإشراف على الجمعيات التعاونية، وحث المواطنين على الصمود، كما تعاونوا مع القوى السياسية الأخرى على تأمين المواد التموينية للمواطنين. وفي الخارج شاركت قيادات الجماعة التي خرج معظمها من الكويت أثناء الاحتلال في المؤتمر الشعبي في جدة الذي عقد في الثالث عشر من أكتوبر عام 1990م. (6)

يقول علي كندري - الخبير الكويتي في شئون الجماعات الإسلامية:

مع تطورات الأحداث، وغزو العراق للكويت، دخلت البلاد في محنة غير مسبوقة، وكان للإخوان المسلمين هناك دور كبير في توفير الخدمات الأساسية لأفراد المجتمع، بالإضافة للعبهم دورًا توجيهيًا مهمًا من خلال المساجد، كما لعبت الجماعة دورًا في تعزيز شرعية الأسرة الحاكمة في الكويت وقتها في مقابل ادعاءات "صدام حسين" التي زعم فيها أن سبب دخوله الكويت هو عدم شرعية أسرة آل الصباح التي استبدت بالحكم وألغت الديمقراطية، ولعل أبرز دور سياسي قام به الإخوان أثناء الغزو هو مساهمتهم في إعداد مؤتمر جدة. (7)

ولتيار الإخوان دورا كبيرا في الحياة الطلابية، حتى أن "القائمة الائتلافية"، المحسوبة على جماعة "الإخوان المسلمين"، تفوز سنويا منذ أكثر من 35 عاما بمقاعد الهيئة الإدارية للاتحاد الوطني لطلبة الكويت فرع الجامعة.

الإخوان والنظام الكويتي

كعادة المجتمع الكويتي الذي تتميز فيه العلاقة بين الأسرة الحاكمة والشعب بنوع من الحميمية والاحترام .. ظلت جمعية الإصلاح على علاقة طيبة مع السلطة؛ حيث كان عدد من أعضاء الجمعية والمتعاطفين معها من أبناء الأسرة الحاكمة والأعيان والتجار ومن الشخصيات المهمة في النظام.

ورغم ذلك فقد كانت أنشطة الجمعية تحت مراقبة السلطة؛ حتى لا تعرضها للمشاكل، خاصة في سياستها الخارجية؛ حيث كانت الجمعية تشن هجوما عنيفا - من خلال مجلة (المجتمع) لسان حالها - على الأنظمة العربية التي مارست الاضطهاد ضد الحركات الإسلامية، لا سميا في مصر وسوريا؛ وهو ما أدى إلى مصادر أعداد من المجلة. (8)

غير أن إخوان الكويت ظلوا يعملون وفق الأطر القانونية والسياسية والدستورية في البلاد، غير أن التحول الذي حدث بعد ثورات الربيع العربي ألقى بظلاله على الأحداث في الكويت.

الكويت والإخوان بعد الانقلاب العسكري

كان للانقلاب العسكري الذي أطاح الرئيس المصري محمد مرسي في أوائل يوليو 2013، والحملة التي شنّتها الحكومة الجديدة بعد ذلك على الإخوان المسلمين، تأثير كبير على البيئة السياسية والأمنية والحقوقية في مصر، بيد أن تأثيرات هذه الأحداث خارج حدود مصر كانت مهمة هي الأخرى.

يقول أنور بوخرص:

أدّى الحدث المصري إلى مفاقمة حدّة التوتّرات بين الإسلاميين والعلمانيين عموماً، ودفع المنطقة في اتجاه سياسات الحصيلة صفر (الغالب يفوز بكل شيء) بدلاً من أن يؤدّي إلى بناء الإجماع. فقد أصبح القادة الإسلاميون والأحزاب الإسلامية التي كانت تتصرّف قبل عام واحد كما لو أن وصولها إلى السلطة عبر صناديق الانتخابات كان حتميّة تاريخية، في موقف دفاعي الآن. وفي الوقت نفسه، يبدو العلمانيون، سواء في المعارضة أو في السلطة، أكثر توكيداً للذات وأقلّ استعداداً للتسويات.

بل أدّى سقوط مرسي إلى حدوث تحوّل شبه زلزالي في سياسة المملكة العربية السعودية تجاه مصر، وأسفرت عن ضخّ 12 مليار دولار من إلى الحكومة الجديدة المدعومة من السيسي شاركت في تقديمها، إلى جانب السعودية، كل الكويت والإمارات العربية المتحدة.

انضمت الكويت إلى المملكة العربية السعودية والإمارات في تقديم دعم دبلوماسي ومالي كبير للحكومة المصرية المؤقتة، وإن كان موقفها أقل حدة من موقف السعودية والإمارات، لكن ما أن ألقى محمد مرسي خِطابه الأخير الذي رفض فيه الانْصِياع لمطالب المعارضة، حتى دعا السفير الكويتي في القاهرة الكويتيين إلى مغادرة مصر "على وجه السّرعة"، مما دل أن السلطات الكويتية كانت على علم بالانقلاب.

اختلف الموقف الرسمي عن الموقف الشعبي حيث لم يقبل الشعب الكويتي – خاصة الإسلاميين – بهذا الانقلاب، حيث أعربت جماعة الإخوان الكويتية، وهي أحد الأطراف المشاركة في المعارضة السياسية في البلاد، عن غضبها من تصرّفات الجيش المصري وانتقدت الحكومة الكويتية صراحة بسبب دعمها للنظام المصري الجديد، وقال نائب إسلامي سابق إن الرئيس المصري المؤقّت عدلي منصور رئيس غير شرعي جاء إلى السلطة عن طريق انقلاب عسكري ضد حاكم عربي منتخب، واستقباله في الكويت يفتح الباب أمام دعم الانقلابات العسكرية ضد الحكومات الشرعية".

في الوقت نفسه، صعّد معارضو الإخوان المسلمين خطابهم، وربما استشعروا أن هناك فرصة سانحة لتدمير الحركة سياسياً، واتّهم الساسة المعارضون لجماعة الإخوان ووسائل الإعلام الكويتية الجماعة بأنها تابعة إلى المصريين وتهدّد الدولة وتنخرط في ممارسات فاسدة، ووفقاً لما يقوله عضو في البرلمان مناهض للإخوان، فإن الجماعة "تسعى إلى إسقاط الدول العربية وشعوبها"، واتّهم عضو أخرى التنظيم بالانخراط في "الإرهاب" و"غسيل الأموال". (9)

وفي تطور للأحداث كشف السياسي الكويتي، ناصر الدويلة، عن تفاصيل تهديد وصفه بـ"العنيف" وصل إلى الكويت، ليلة عزل الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، من قبل السعودية، بعدما أصدر مجلس الوزراء الكويتي بيانًا كان شبه إدانة لعزل مرسي.

وقال الدويلة، في تغريدة على حسابه بتويتر :

"لم تخطئ الكويت في تاريخها إلا مرة واحدة وتحت ضغط غير طبيعي من المملكة العربية السعودية ليلة الانقلاب على الرئيس مرسي"، مضيفاً: "لقد أصدر مجلس الوزراء شبه إدانة للانقلاب وبتدخل عنيف هدد مستقبل العلاقة بين الكويت والسعودية صرح مصدر مسؤول في الخارجية تصريحا يفهم منه أن الكويت تراجعت عن إدانتها!" (10)

وبحُكم التقاليد الديمقراطية في الكويت أيضا، لم تقتصر ردود الفعل على البيانات والمقالات، وإنما ظهرت بوادر تحرّكات لمؤازرة "الإخوان"، إذ تحدّثت صحيفة "الرأي العام" عن "مبادرة شعبية كويتية لمُساندة الشعب المصري"، مشيرة إلى أن الحركة السلفية وحزب الأمّة والحركة الدستورية الإسلامية (حدس) وتجمع ثوابِت الأمة والحركة الإصلاحية الكويتية (حراك) وكتلة العدالة، أدانت ما أسمته بـ "الانقلاب ضد الشرعية والعنف ضد المتظاهرين السِّلميين في مصر".

ووصف البيان الذي وقعت عليه تلك الأحزاب الكويتية ما جرى أمام دار الحرس الجمهوري فجر يوم الاثنين 8 يوليو 2013، بـ "جريمة اقترفتها قوات الانقلاب العسكري في مصر ضد المعتصمين السلميين"، مؤكّدا أن القوى الموقعة تُدين "الانقلاب العسكري على الرئيس المصري الشرعي المُنتخَب الدكتور محمد مرسي، وتدعو المؤسسة العسكرية في مصر أن تبعد نفسها عن الصِّراع وتحافظ على التاريخ المشرّف للجيش المصري". واستنكر البيان "اعتقال السياسيين والدّعاة المعارضين وإغلاق القنوات الإسلامية والتعتيم المتعمد على وسائل الإعلام الحرة" (11)

ويقول أحمد فوزي سالم:

في وقت اجتهدت فيه الأنظمة العربية للخلاص من صداع الإخوان التاريخي، بعد انتكاسة الجماعة في مصر، جاء موقف أمير الكويت - أحد أهم الداعمين لنظام الرئيس السيسي - مخالفًا للتوقعات، فهو لم يتخذ أي إجراء لإدراج الإخوان كجماعة إرهابية، وهو القرار الذي كان يضغط باتجاهه النظام المصري والإماراتي، ورفضت السلطات الكويتية اتخاذه بناء على العلاقات التاريخية التي زرع بذرتها إخوان الكويت مع الأسرة الحاكمة منذ بداية تدشين "جمعية الإرشاد الإسلامي".

وخلْف الموقف الكويتي من محنة الإخوان الأخيرة دلالات عميقة، ودروس يمكن استنتاجها، واختلافات جذرية بين الجماعة الأم وإخوان الكويت، فالأخيرة منذ بدايتها لم تنسج صراعًا مع السلطة السياسية، بل اجتهدت لتحسين علاقتها بها، وعقدت مواءمات وتحالفات مع النظام الأميري ضد التيارات العلمانية، وتركت له المجال السياسي لتسيطر هي على المجال الاجتماعي؛ لتتخلص الجماعة بذلك من أبرز مبررات التضييق عليها. (12)

سياسة متغيرة

كان موقف السلطات الكويتية من جماعة الإخوان المسلمين واضحة، حيث ساندت السلطات الكويتية الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب المصري محمد مرسي ودعمت سلطات الانقلاب في مصر بأربعة مليارات دولار – رغم ما قيل من ضغوط من قبل السعودية، ورغم التضيق الذي حدث مع إخوان الكويت – غير أنها لم تسير على طريق السعودية والإمارات في الاعلان عن كون الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، واكتفت بالدعم المالي والدبلوماسي مع سلطات الانقلاب

بالإضافة إلى كونها طيلة هذه السنوات لم تبحث عن ماهية المصريين المقيمين على أراضها، وليس ذلك فحسب بل وقفت موقف المحايد في قضية حصار قطر بل سعت لتوفيق الرؤى وتقارب وجاهت النظر لحل المشكلة بين دول الحصار الأربعة وبين قطر، مع كونها لم تقطع العلاقات مع قطر أو تغلق مجالها الجوي أمام الطيران القطري الذي صنف بدعمه للإخوان. وفي الوقت الذي اعتلى فيه ترمب سدة الحكم في أمريكا، ووصل محمد بن سلمان لولاية العهد، إلا أن الكويت لم تغير من سياستها نحو الإخوان المسلمين.

لكن في تغير مفاجئ في سياسة الكويت نحو الإخوان أعلنت في يوليو 2019م اعتقال مجموعة من المصريين المطلوبين للقضاء المصري وتسليمهم لسلطة الانقلاب، رغم أن التهم الموجهة لهم سياسية مما دفع الجميع للتساؤل في ذلك الوقت الذي تقلصت فيه شعبية السيسي وتأكلت، كما ضعفت مكانة ترمب واهتزازها في العالم، كما أحاطت بشخصية محمد بن سلمان ومحمد بن زايد الشبهات والتي جعلت نفوذهم يتقلص بعض الشيء؟؟؟؟

حيث يقول الكاتب التونسي الحبيب الأسود:

جاء تسليم الخلية الإخوانية المصرية من قبل دولة الكويت لسلطات القاهرة ليمثّل نقلة مهمة في تعامل الجانب الكويتي مع ملف الإسلام السياسي، فالكويت كانت إلى وقت قريب ملاذا آمنا لجماعة الإخوان، ومصدر تمويل سخي للحركات التابعة للجماعة في مختلف الدول العربية وغيرها.

لعل خير تعبير عن أن الكويت طالما مثلت الملاذ الآمن للعناصر الإخوانية، ما ورد في ملف الخلية المصرية في الكويت، من أن زعيمها أبوبكر الفيومي كان يتصل بعناصر الجماعة في مصر، ليقول لهم بالحرف الواحد "الكويت ملاذ آمن لو عاوزين تيجو"، وهو بذلك ينطلق من تجربته الخاصة وتجربة العشرات من أمثاله ممن كانوا يعيشون على الأراضي الكويتية.

ووفق أغلب المحللين فإن تعامل الكويت مع الإخوان بعد الكشف عن ملف الخلية المصرية سيختلف عما كان قبلها، خصوصا وأن الموضوع يطرح مسائل مهمة منها كيفية تخفي عناصر الجماعة داخل البلاد، وعلاقتها بالجمعيات الخيرية، وبجماعة الإخوان المحلية، وارتباطاتها بالخارج انطلاقا من بلد الإقامة، وأساليب الحركة والتجمع والتمويل والاتصال بالعناصر الإخوانية وخلاياها النائمة في دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وكذلك دور إخوان الكويت ليس فقط في تأمين نظرائهم القادمين من دول أخرى، وإنما في دعم وتمويل الحركات الإخوانية في دول أخرى.

ويبدو أن جماعة الإخوان المسلمين قد فوجئت بالموقف الكويتي الذي يعتبره المراقبون تحولا مهما في سياسات بلد لم يعرف عنه حسمه في العلاقة مع الإسلام السياسي، لذلك حاولت تهدئة الموقف بالقول إنه "لم يثبت عليها يوما أي مساس بأمن الكويت أو استقرارها"، وبالتأكيد على أنها "فوجئت ببيان وزارة الداخلية الكويتية يتحدث عن إلقاء القبض على عدد من المواطنين المصريين العاملين هناك واصفا إياهم بأنهم يشكلون خلية إرهابية من الإخوان المسلمين".

كما زعم الجماعة أن

"الأفراد المقبوض عليهم هم مواطنون مصريون دخلوا دولة الكويت وعملوا بها وفق الإجراءات القانونية المتبعة والمنظمة لإقامة الوافدين بالكويت، ولم يثبت على أي منهم أي مخالفة لقوانين البلاد أو المساس بأمنها واستقرارها" (13)

كان واضحا أن سبب التغيير في سياسة الكويت نحو الإخوان ناتج عن محاولة تغير صورته النمطية تجاه الحركة والتي لم توصفها كإرهابية وموقف الدول من هذا الموقف مما جعلها تعمل على تغير هذه الصورة، والتجاوب مع التحولات الإقليمية والدولية إزاء الإسلام السياسي.

حتى أن ناصر الدويلة – عضو مجلس الأمة – اتهم وزارة الداخلية الكويتية بمخالفة الدستور، على أساس أن "تسليم المعارضين السياسيين أمر ترفضه جميع الدساتير الحديثة". واستنكر تسمية بيان وزارة الداخلية للخلية بأنها إرهابية، وقال إنه "تحول كبير جدا جدا جدا له ما بعد. فهل نحن أمام مرحلة جديدة في تاريخ الحريات أم هي سقطة غير موفقة". كما استنكر عضو مجلس الأمة الكويتي وليد الطبطبائي تسليمهم إلى "نظام قمعي"، متهما النظام في مصر بتلفيق الاتهامات.

وأضاف:

وإن كانوا فعلا من الإخوان فهم حتما ليسوا إرهابيين ولا يتعاطون العنف والأحكام الصادرة ضدهم احكام ظالمة نتيجة تهم ملفقة من نظام قمعي وعليه فإن تسليمهم لبلدهم أمر خاطئ وفيه مخالفة للمواثيق الدولية.
كل ذلك على الرغم من ثبات موقف الكويت نحو عدم تصنيفها الإخوان كجماعة إرهابية حيث جاء ذلك على لسان نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجارالله، وردا على سؤال للصحفيين على هامش حضوره حفل السفارة الفرنسية لمناسبة العيد الوطني لبلادها، حول تسمية جماعة الإخوان المسلمين بالتنظيم الإرهابي، أجاب الجارالله، قائلا: "ليس هناك شيء محدد في هذا الخصوص" موضحا أن "هذا الموقف سبق التعبير والإعلان عنه ولا جديد في هذا الشأن". (14)

لا شك أن كثير من التيارات المخالفة للإخوان تضغط لإدراج الكويت جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية مثل مصر والسعودية والإمارات، حيث استخدموا المنصات الاعلامية والتواصل الاجتماعي في المطالبة بذلك فهل يتحقق ذلك وتعلن الكويت جماعة الإخوان جماعة إرهابية.

المراجع

  1. يوسف القرضاوي: الإخوان المسلمون .. 70 عاما في الدعوة والتربية والجهاد، مكتبة وهبة، ط1 (1420هـ = 1999م)، صـ85.
  2. عمر البشير الترابي: الإسلام السياسي في الخليج خطاب الأزمات والثورات ، مركز المسبار للدراسات والبحوث
  3. حوار مع عبدالله المطوع: جريدة الرأي العام، 12 أبريل 1997م.
  4. هاشم عبد الرزاق الطائي: التيار الإسلامي في الخليج العربي، (دراسة تاريخية)، طـ1، دار الانتشار العربي، 2010م، صـ140.
  5. المرجع السابق، صـ147.
  6. فلاح عبدالله المديرس: مرحلة تأسيس الإخوان المسلمين وبروزها في الكويت
  7. أحمد فوزي سالم: كيف عاد إخوان الكويت إلى الواجهة
  8. صلاح العقاد: التيارات السياسية في الخليج العربي، مكتبة الأنجلو المصرية، 1983م، صـ43.
  9. عدة باحثين: تأثيرات الحدث المصري: توتّرات متصاعدة وتحالفات متبدّلة، مركز كارنجي
  10. السعودية هددت الكويت عشية عزل مرسي لهذا السبب
  11. رشيد خشانة: بعد الإطاحة بمرسي تبايُن ردود الفعل الخليجية يعكس تباعُد المواقف من "الإخوان"
  12. أحمد فوزي سالم: مرجع سابق.
  13. الحبيب الأسود: هل غيرت الكويت موقفها نهائيا من الإخوان؟
  14. جدل في الكويت حول تسليم مطلوبين للقاهرة

للمزيد عن الإخوان في الكويت

وصلات داخلية

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

.

تابع مقالات متعلقة

.

.

من أعلام الإخوان في الكويت

وصلات خارجية

مواقع الإخوان في الكويت

وصلات فيديو