الإخوان وتاريخ الإذاعة المصرية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان وتاريخ الإذاعة المصرية


إخوان ويكي

مقدمة

فهم الإخوان المسلمون الإسلام كونه نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا، كما رأوا في كل وسيلة لا تخالف شرائع الإسلام أنها حلال يجب على المسلمين الإستفادة منها والعمل على تطويرها والعناية بها.

والإذاعة كانت من الأمور المستحدثة في العصر الحديث حيث كانت أول انطلاقه لإذاعة في 1895م على يد ماركوني، لكن كان أول بث إذاعي بأمريكا عام 1920م ثم انتقلت بعدها لباقي الدول، حيث حرص المحتل الغربي على إنشائها في الدول المحتلة لاستخدامها في أغراضه الحربية والسلمية.

الإذاعة المصرية ونشأتها

بدأ البث الإذاعي في مصر في عشرينيات القرن العشرين وكانت عبارة عن إذاعات أهلية، وبدأ بث الإذاعة الحكومية المصرية في 31 مايو 1934 بالاتفاق مع شركة ماركوني، وقد مُصِّرَت في عام 1947 وألغي العقد مع شركة ماركوني.

كان عدد محطات الإذاعة المصرية في بدايتها أربع محطات، وكان أول من تولى رئاسة الإذاعة المصرية سعيد باشا لطفي من 31 مايو 1934م إلى 22 ديسمبر 1947م.

وكما ذكرت فإن التلفزيون قد تأخر عمله لوسط القرن العشرين حيث كانت أول دولة في هذا الاتجاه هى الولايات المتحدة الأمريكية، ثم بدأ يغزوا البلاد العالمية. إلا أنه في الوطن العربي كانت العراق هي أول الدول التي عرفت البث التلفزيوني عام 1954م تلتها الجزائر

حيث أنشأتها فرنسا للترفيه عن الجالية الفرنسية الموجودة فيها وذلك عام 1956م، ثم تلتها لبنان عام 1959م، وفي عام 1960م اتفقت مصر مع شركة مع صوت أميركا "RCA" لتزويدها شبكة إرسال تلفزيونية وتدريب كوادرها الإعلامية، وكان أول بث تلفزيوني مصري في 21 يوليو 1960م. (1)

نظرة الإخوان للإذاعة

كما ذكرنا أن الإخوان فهموا الإسلام بمفاهيمه الشاملة التي لا تنحصر فقط في الأمور التعبدية أو متون الكتب، لكنهم – ووفق التاريخ الإسلامي وموقف علماءه- أخذوا بكل ما هو جديد وفيه نفع للناس طالما لا يخالف شريعة الله ولا يتسبب في ضرر للبشرية.

والإذاعة كانت من الأمور الهامة التي نظر إليها الإخوان المسلمين ورأوا فيها النفع، لكنهم طالبوا بإصلاح ما يعرض فيها بعدما اهتمت الدولة ببث ما هو خليع وماجن خلالها، وغلق الباب أمام ما يحاول المستعمر البريطاني بالعمل عليه من طمس هوية المجتمع من خلال الإذاعة.

حيث كتب الأستاذ البنا للإخوان حول هذه المستحدثات فقال:

إن الناس يعيشون بغير قلوب، وقد ربطتم قلوبكم وجهادكم بالله العلي القدير الذي يقول: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ "البقرة: 152"، فادرسوا وتفقهوا في مبادئكم العالية، وتمعنوا في كتاب الله جيدًا، إن هذه الكتائب والفرق لم تجهز لبغي ولا لطغيان، وإنما أعدت لتكون سلامًا في النفوس، ونظامًا للمجتمعات، وقوة للحق، ومددًا لكتاب الله، إن الإخوان المسلمين لا يحاربون المسرح ولا المذياع؛
لأنهم ليسوا من الجمود بحيث يقفون هذا الموقف وإنما يريدون أن يطهروهما من الشر والإثم، ويزيلوا أثرها السيء المنصب على نفوس الشباب والفتيات، ولذلك فهم قد أعدوا للمسرح قصصًا كريمًا وأدبًا رائعًا ومثلاً وتوجيهًا صادقًا. (2)

بل أن الأستاذ البنا أول من ذكر كلمة التلفاز قبل أن يتواجد التلفاز على الأراضي المصرية بما يزيد عن ربع قرن، حيث طالب في رسالة نحو النور بحسن اختيار ما يقدم في الإذاعة والتلفاز، فيقول تحت عنوان "بعض خطوات الإصلاح العملي": حسن اختيار ما يذاع أو يعرض على الأمة من برامج ومحاضرات وأغاني وموضوعات واستخدام الإذاعة والتلفاز في تربية وطنية خلقية فاضلة. (3)

وكرروا طلبهم بحسن اختيار ما يذاع على الأمة من المحاضرات والأغاني والموضوعات واستخدام محطة الإذاعة في تربية وطنية خلقية فاضلة. وزاد الأمر إيضاحا من خلال رسالة "المنهج" التي أوضح فيها بأن الإخوان المسلمون يريدون العلم النافع المثمر، والعقل الناضج السليم، والتفكير المنطقي الدقيق، يمد ذلك كله الخلق الفاضل والنفس الزكية الطيبة

ويكون ذلك بما يأتي:

  1. استخدام الإذاعة استخدامًا ثقافيًّا وتهذيبيًّا وإصلاح شأنها.
  2. العناية بالأغاني والأناشيد وصبغها بالصبغة الحماسية مع الروحية، وإبعادها عن العاطفة الغرامية التي تنافي الرجولة.
  3. الاهتمام بحركة التأليف والنشر، ومراقبة المطبوعات، ومصادرة كل الروايات الهازلة الضئيلة المغزى، على أن يستبدل بها روايات وأقاصيص أخرى مع تهذيب تراثنا القصصي القديم وبعثه من جديد. (4)

وقف الإخوان في مواجهة هذا المخطط وظلوا يضغطون على الحكومات لوقف هذا الغث الذي يذاع على الجمهور، فيقول حسن البنا في رسالة المؤتمر السادس: لقد رسمنا للحكومات المصرية المتعاقبة كثيرًا من مناهج الإصلاح، وتقدمنا لكثير منها بمذكرات ضافية في كثير من الشئون التي تمس صميم الحياة المصرية.. لقد لفتنا نظرها إلى وجوب العناية بإصلاح الأداة الحكومية نفسها باختيار الرجال، وتركيز الأعمال، وتبسيط الإجراءات، ومراعاة الكفايات، والقضاء على الاستثناءات.

وإلى إصلاح منابع الثقافة العامة بإعادة النظر في سياسة التعليم، ومراقبة الصحف، والكتب، والسينمات، والمسارح، والإذاعة، واستدراك نواحي النقص فيها، وتوجيهها الوجهة الصالحة.

ويضيف في موضع أخر من الرسالة:

وأن تهتم بإصلاح منابع الثقافة العامة إصلاحًا جديًّا، فتحدد مهمة الإذاعة والمسارح والسينمات والصحافة والمطبوعات تحديدًا صالحًا، وتشرف على ذلك كله إشرافًا فعليًّا يجنى الشعب من ورائه فائدتها ويتقى ضررها. (5)

وظل الإخوان عبر صحفهم يطالبون الحكومة بمراقبة دور التمثيل وأفلام السينما والتشديد في اختيار الروايات والأشرطة، وتهذيب الأغاني واختيارها ومراقبتها والتشديد في ذلك، وحسن اختيار ما يذاع على الأمة من المحاضرات والأغاني والموضوعات واستخدام محطة الإذاعة في تربية وطنية خلقية فاضلة. (6)

لم يحارب الإخوان كل ما كان يذاع عبر أثير الإذاعة لكنهم حاربوا فقط الفساد والمجون، ومع ذلك أثنوا عليها خيرا حينما كانت تذيع ما يحض على الأخلاق والفضيلة وتربية المجتمع، وتوعية الوعي المجتمعي لكل سلوك قويم

فجاء في مقال "الإذاعة اللاسلكية الغث والسمين في نصف أسبوع":

"للإذاعة اللاسلكية محاسن لا يسعنا نكرانها وحرمان الناس من الاستمتاع بها، ولها مساوئ نحذر الناس منها، أقل ما فيها أنها تثير عواطف البليد وتدفعه حتمًا إلى ارتكاب الفواحش، وقد يقول قائل: إن التسلية بمثل هذه الملاهي قد يخفف على النفس تحفزها إلى الدخول في الشهوات، ونؤكد له أن الميل إليها يزيده هيامًا بها. (7)

واستمرت صحف الإخوان على الثناء على كل ما هو نافع في الإذاعة ونشره عبر صفحاتها وإرشاد القراء لمواعيد البرامج النافعة التي تبثها الإذاعة المصرية والتحذير من كل ما هو فاسد

فكتبت تقول:

وهنالك الإذاعة اللاسلكية وهي أيضًا كالصحف والسينما على أن تكون أداة تثقيف وتهذيب يمكن أيضًا أن تكون وسيلة من وسائل تهييج الشهوات، وتعويد الآذان سماع ما يكرهه أنصار الفضيلة، نقول ذلك بمناسبة ما اعتادته إدارة الإذاعة اللاسلكية من تركيب آلاتها في حفلات كحفلات "كشكش" وصالة بديعة مصابني
فتنقل إلى المنازل وإلى أسماع الفتيات ما لا يرضى به الآباء الذين يهمهم أن تبقى أخلاق بناتهم طاهرة مصونة، فكم من الألفاظ المقذعة والعبارات النابية تلقى في مثل هذه الحفلات، فتقشعر منها جلود الآباء الحريصين على طهارة بناتهم، وينشأ عن ذلك خزي كانت مصر غنية عنه لأن مثل هذه الصالات والحفلات ليس كل الناس سواء في الرغبة وفي الإذن لفلذات أكبادهم في استماع ما يلقى بين جدرانها. (8)

غير أن الإخوان لم يستطيعوا الولوج في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة لندرتها في ذلك الوقت ولوقعها تحت المسئولية الرسمية للدولة خاصة الإذاعة، ولتأخر مصر في دخول عالم التلفزيون لوقت متأخر، حيث كانت السينما والمسرح هى الوسائل المرئية في مصر الملكية.

وهو ما جعل الإمام البنا يكتب عن ضعف إمكانيات الإخوان في مواجهة إفتراءات الحكومة وقت حل الجماعة

حيث كتب يقول:

لقد سمع الرأي العام المصري والعربي والإسلامي قضية الإخوان المسلمين من جانب واحد، هو جانب الحكومة التى اعتدت على هذه الهيئة بإصدار أمر عسكري بحلها وهو الجانب الذي يملك كل وسائل الدعاية من الصحف الخاضعة للرقابة كل الخضوع
ومن الإذاعة التى تديرها وتهيمن عليها الحكومة ومن الخطباء فى المساجد الذين هم موظفون حكوميون، ولكن هذا الرأي العام لم يسمع من الطرف الآخر.. لم يسمع من الإخوان المسلمين الذين حُرموا كل وسائل الدفاع عن أنفسهم وشرح قضيتهم للناس فصودرت صحفهم وعطلت أقلامهم وكممت أفواههم واعتقل كل خطيب لهم واعتبر كل اجتماع خمسة منهم فى أى مكان جريمة أقل عقوبتها السجن ستة أشهر. (9)

المراجع

  1. عبدالله زلطه: نشأة وتطور وسائل الإعلام، دار الفكر العربي، مصر، 2000م.
  2. أنور الجندي: الإخوان المسلمون في ميزان الحق، دار الطباعة، ص(38).
  3. مجموعة رسائل الإمام البنا: رسالة نحو النور، مجلة النذير، العدد (36) السنة الثانية - 17 رمضان 1358ه الموافق 31 أكتوبر 1939م.
  4. مجموعة رسائل الإمام البنا: رسالة المنهج، دار التوزيع والنشر الإسلامية.
  5. مجموعة رسائل الإمام البنا: رسالة المؤتمر السادس، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، 2008م، صـ511.
  6. جريدة الإخوان المسلمين: السنة الرابعة – العدد 39 – 22 شوال 1355هـ - 5 يناير 1937م.
  7. جريدة الإخوان المسلمين: السنة الخامسة – العدد 7 – صـ12 – 23 ربيع الثاني 1356هـ - 2 يونيو 1937م.
  8. جريدة الإخوان المسلمين: السنة الرابعة – العدد 11 – 4 ربيع الثاني 1355هـ - 23 يونيو 1936م.
  9. مجموعة رسائل الإمام البنا: رسالة قضيتنا، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، طـ1، 2008م صـ 832.