قرار حل جماعة الإخوان المسلمين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
قرار حل جماعة الإخوان المسلمين


عبد الرحمن عمار صاحب مذكرة حل الإخوان عام 1948م

بدأت حكومة النقراشي باشا في اتخاذ إجراءات عشوائية ضد الإخوان المسلمين، تمهيدًا لحل هذه الجماعة التي أبلت بلاءًا حسنًا في حرب فلسطين، ونالت بهذا الموقف احترام وتقدير الشعب المصري كله، وبالفعل صدر قرار الحكومة بحل جماعة الإخوان المسلمين ومصادرة ممتلكاتها وذلك في الثامن من ديسمبر 1948.. وصلنا الخبر ونحن في معسكرنا في صور باهر، فكان له أسوأ الأثر في نفوسنا جميعًا، وعلق كثير من العسكريين بقولهم: إنه قرار خائن أصدرته جهات خائنة.. كان القرار صدمة حقيقية للشعب المصري وللمجاهدين بوجه خاص.. فنحن في أشد الاحتياج إلى الدعم المادي والمعنوي، وقرار الحل هو طعنة غادرة في ظهورنا.. كان الجميع في حزن شديد.. أما أنا فقد بلغ بي التأثر مبلغًا كبيرًا، حتى فقدت النطق ودخلت مستشفى بيت لحم كي أعالج من هول الصدمة.. وبالطبع كانت فرحة اليهود بهذا القرار الغادر فرحة عارمة، وكانوا مع الإنجليز والفرنسيين والأمريكان وراء صدور هذا القرار، كما تأكد فيما بعد.

وأعقب قرار حل الجماعة، اعتقال أفرادها وقيادتها وسحب القوة الموجودة في الخطوط الأمامية في فلسطين، بل ووضعهم في المعتقلات!!.. لتنتهي بذلك صفحة مشرقة من صفحات الجهاد المشرف والبطولة الصادقة، وتبدأ قضية فلسطين في التحول إلى طريق آخر، بعدما كادت قوات المتطوعين أن تدحر العصابات الصهيونية، وتدفعها إلى مغادرة فلسطين الحبيبة..

وأتساءل الآن: ماذا لو تركت حكومة النقراشي الإخوان يقاتلون لاسترداد أرض فلسطين، ودعمتهم بالسلاح والمال؟ هل كان يمكن أن تستمر القضية إلى يومنا هذا؟! وكلما مر الزمن ازدادت تعقيدًا، وشغلت العرب جميعًا، حتى أصبحوا يقبلون بالأمر الواقع، بعيدًا عن التمسك بالحقوق المشروعة، وحرمة الأرض والأماكن المقدسة؟!.

إن الإخوان المسلمين حينما هبوا للدفاع عن فلسطين لم يكن يحركهم إلا الوازع الديني لنصرة إخوانهم في فلسطين، والوازع الوطني الذي يجعل من الدفاع عن كل شبر من أرض الوطن هو جهاد في سبيل الله، وشهادة يستحق بها صاحبها رضاء الله تعالى، ولم تكن الجماعة تنظر أبدًا إلى مغنم دنيوي أو موقع سياسي أو امتياز حزبي.. وما زالت الجماعة إلى الآن تدعو إلى الجهاد لتحرير الوطن الفلسطيني، وتشحذ الهمم وتقوي العزائم وتشد الأزر وتفضح المؤامرات التي تحاك لإنهاء القضية دون الحصول على الحقوق.. ويقيني أنه إذا سمح للإخوان بالتطوع مرة أخرى لتحرير فلسطين ما تأخروا لحظة.. وما تردد عن المسارعة في التضحية بالنفس والنفيس..

ولا شك أبدًا في أن الظلم الذي تعرض له الإخوان – ولا يزالون – هو من جراء وقوفهم بقوة في مواجهة الصهيونية التي تحاول ابتلاع فلسطين وإنهاء القضية، ولكن هذا هو قدر أصحاب المبادئ، وطريق أصحاب الدعوات المخلصين لوطنهم وأمتهم، والنصر حليف أصحاب الحق في النهاية مهما طال الزمن.. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7).

عدنا من فلسطين في طائرة عسكرية عن طريق مطار "المفرق" ثم مطار "عمان" وكان يرافقني في الطائرة عدد من الإخوان المتطوعين والملازم أول خالد فوزي وبعض الضباط من الجيش المصري، وهبطت بنا الطائرة في مطار بالقاهرة، ومنها إلى المستشفى العسكري العام، حيث قضيت يومًا وليلة، ثم خرجت إلى المنزل، وكنت لا أزال فاقد القدرة على الكلام حتى يسر الله لي وانحلت عقدة لساني والحمد لله بعد عدة أيام.

وفي فترة حل الجماعة وانفراط عقد الإخوان وفقدان السيطرة على الأفراد وامتلاء الصدور بالغضب، وتحت وطأة الإحساس بالظلم والقهر والغدر، قام شاب من الإخوان باغتيال النقراشي باشا رئيس الوزراء الذي أصدر قرار الحل، وقد استنكر الأستاذ المرشد هذا الحادث في بيان شهير بعنوان "ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين"..


اغتيال حسن البنا

وتسارعت الأحداث بعد ذلك بصورة دامية وفي الثاني عشر من فبراير 1949 اغتيل حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين، ليفقد الشرق الإسلامي واحدًا من أعظم من أنجبتهم البشرية في العصر الحديث، ولتغتال الأيدي الآثمة حلم المسلمين في التحرر والاستقلال الحقيقي والوحدة والتقدم وسيادة البشرية بالعدل والإحسان..

دبرت الحكومة بالاتفاق مع الملك فاروق خطة الاغتيال، فسحبت من حسن البنا مسدسه الخاص المرخص قبل الاغتيال مباشرة، وعندما ذهب المرشد العام إلى مبنى جمعية الشبان المسلمين، بشارع رمسيس بوسط القاهرة يرافقه الأستاذ عبد الكريم منصور المحامي وزوج أخته، وعقب خروجه من المبنى أطفئت أنوار الشارع، وأطلقوا عليه رصاصات الغدر والخسة، ورغم ذلك لم تصبه في مقتل، فترك السيارة الأجرة وصعد إلى مبنى الشبان المسلمين مرة أخرى، وطلب الإسعاف بالتليفون، وحضرت الإسعاف ونقلت المرشد إلى مستشفى القصر العيني، وهناك أدخلوه في غرفة وتركوه ينزف، ولم يسمحوا بدخول الأطباء لإسعافه، حتى فارق الحياة..

لم تكتف الحكومة والملك بذلك، بل رفضوا أيضًا السماح لأحد بالمشاركة في حمل جثمانه وتشييع جنازته إلى المقابر وسار خلفه والده العالم الصابر الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا، وابنه أحمد سيف الإسلام الذي لم يكن قد جاوز الخامسة عشرة من عمره بعد، والسياسي القبطي مكرم عبيد باشا، وحمل النساء الجثمان الطاهر إلى المقابر في حي البساتين.

ويشاء القدر أنه لما مات الملك فاروق في الخارج، وكان قد طلب أن يدفن في مصر، وسمحت الحكومة بذلك، وعندما حضر الجثمان لم يشيعه ولم يسر خلفه إلا ثلاثة أفراد فقط منهم ابنه الأمير أحمد فؤاد وكان صغير السن، وسارت الجنازة في نفس الشارع الذي سار فيه جثمان الشهيد حسن البنا (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) (الفجر: 14).

وفي فلسطين قام المتطوعون من الإخوان المسلمين بعمل جنازة عسكرية صامتة، حيث تجمع الإخوان في ميدان بيت لحم، ووقفوا طوابير طويلة منظمة، اشترك معهم فيها الجيش المصري والبوليس الحربي والعلماء والمسيحيون من بيت لحم والأهالي، وذهبوا إلى بيت المقدس لإقامة صلاة الغائب على الإمام الشهيد حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين.. وكان ذلك يوم جمعة..

عقب عودتي أو ترحيلي من فلسطين، تم اعتقالي وتفتيش منزلي بالمنيل.. كان ذلك عقب استشهاد الإمام البنا بستة أيام، ومكثت في قسم شرطة مصر القديمة 17يومًا، بعدها تم ترحيلي إلى الهايكستب، حيث كان القطار في انتظارنا لنقلنا إلى مدينة السويس وكانوا قد جمعوا كل المعتقلين من الإخوان في الهايكستب، وعندما وصلنا إلى السويس، ركبنا الباخرة "فوزية" حيث نقلتنا إلى معتقل "الطور" بمدينة الطور بسيناء.. كان المعتقل مليئًا بالإخوان وعلى رأسهم أعضاء مكتب الإرشاد، وأعضاء الهيئة التأسيسية أذكر منهم الدكتور مهندس مصطفى مؤمن، وكان معنا في الباخرة فضيلة الشيخ محمد الغزالي والصاغ محمود علي والملازم أول محمد رشاد المنيسي.. كان معتقل الطور حجرًا طبيًا للحجاج في طريقهم لأداء المناسك.. ومكثنا في المعتقل ثمانية أشهر، لم نر أهلنا مطلقًا، كان مسموحًا فقط بكتابة الرسائل.. كنا نصلي في جماعة، ويؤمنا في الصلاة الشيخ العالم عبد اللطيف الشعشاعي، وهو من رجال [[الأزهر]ي الشريف، وكان الأخ محمد مهدي عاكف هو المسئول عن النشاط الرياضي، وأحيانًا كنا نتسلل من بين طيات السلك الشائك الملفوف حول المعتقل، ونذهب إلى المدينة في جبل الطور وفي عيون موسى، ثم نعود إلى المعتقل في نهاية النهار وقبل غروب الشمس، وكنا نشتري بعض الأشياء من الفلاحين المنتشرين في الطريق دون أن يرانا الحراس.


طرائف في المحنة

بين طيات المحنة.. محنة الحرمان من الجهاد في سبيل الله.. وحبس الحرية، والحرمان من الأهل، ومن الحياة الطبيعية، كانت تمر بنا أوقات تخفف عنا ما نحن فيه، وتغسل بعض الهمم، وتدخل البهجة في النفوس الحزينة، منها مثلا في إحدى المرات فكر المعتقلون في أن يلعب كبار السن منهم مباراة في كرة القدم.. فوقف العالم الكبير الشيخ سيد سابق صاحب فقه السنة، حارسًا للمرمى، فدخل فيه الهدف، فقال له أحد الإخوة: أفتنا يا مولانا عن هذا الهدف، فقال الشيخ: هذا الهدف لم يرد فيه نص!.

وكان العالم الداعية الشيخ محمد الغزالي يحاور بالكرة في الأمام أي كما يقول خبراء الكرة: "فِرْود".. وكنا نضحك كثيرًا.

كان هناك أيضًا إخوان لنا من المتطوعين في فلسطين، معتقلون في رفح وفي العريش وكنت أراسلهم لأتعرف على أحوالهم، وعندما يأتيني الرد، كنت أخبر زملائي وإخواني به أولا بأول.

وفي أحد الأيام دخل علينا قائد المعتقل واسمه "عباس عسكر" وحوله جميع القوة الموجودة، من ضباط وجنود من الهجانة وبيدهم كرابيج، وكنا نعرف أنه "خفيف العقل" فجمع كل المعتقلين في "حزاء2" وهم حوالي 500 معتقل، وباقي الإخوة في "حزاء4" و"حزاء5" وكان العدد الإجمالي ما بين 1500 و2000 معتقل، وأمرنا بالجلوس على الأرض وقال إن الحكومة قوة يمكن أن تفعل كذا وكذا بنا، فقام الأخ إبراهيم كروم وهو من إخوان حي السبتية بالقاهرة، وكان مشهورًا بقوته البدنية ويلقب بـ "فتوة السبتية" وجيء به من قبل إلى معتقل الطور مع المجرمين عام 1946، وبعد ذلك هداه الله فأصبح من رجال الإخوان المسلمين.. فقام يخاطب قائد المعتقل (وهو يعرفه جيدًا من الاعتقالات السابقة) بقوله: إذا كانت الحكومة قوية فنحن أيضًا أقوياء، وشمر عن ساعده ولفه حول رقبة الضابط، الذي خاف منه، وقال قائد المعتقل إذا كنتم تحبون الملك "فاروق" فهيا نقرأ الفاتحة على ذلك.. ورفع الإخوان أيديهم إلى السماء وهم يدعون على الملك وحاشيته، وقائد المعتقل يظن أننا نقرأ الفاتحة وندعو للملك، وانصرف مسرورًا بهذا الموقف المضحك!!.

ثم انتقلنا إلى معتقل عيون موسى ومكثنا به حوالي شهرين ونصف، وفي تلك الفترة سقطت حكومة إبراهيم عبد الهادي، وبدأ الإفراج عنا على دفعات.. وعندما جاء موعد الإفراج عني ركبت السيارة إلى السويس ومنها إلى القاهرة.. وكنا نهتف أثناء ركوبنا ونحن في الطريق إلى القاهرة ولا نبالي رغم وجود الحراس معنا، حتى وصلنا إلى مبنى محافظة القاهرة، وكان في باب الخلق في ذلك الوقت، وأدخلونا إلى ضباط القلم السياسي "مباحث أمن الدولة الآن" حيث أخذوا يحذروننا من العمل بالسياسة، وإلا سنلقى نفس المصير وربما أشد.. وبعد ذلك تم الإفراج عنا، وذهب كلٌ إلى منزله، وكانت فرحة الأهالي وأبناء الشعب بخروجنا كبيرة جدًا.

إقرأ أيضاً