مذكرات حسين حجازي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مذكرات حسين حجازي
من بطولات الإخوان في حرب فلسطين
جماعة افتدت أمة

تقديم د. مصطفى مؤمن

من مذكرات حسين حجازي

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما دلوا تبديلا)(الأحزاب)

بقلم الدكتور مهندس مصطفى مؤمن

دلفى إلى مكتبي حاملا بعض ما خطت يمينه .....

أنها بطاقة تقديم أو تعريف له.. إنه واحد من الإخوان ذوي الوجوه المسفرة المستبشرة الذين حملوا على كواهلهم طوعا لا كراها عبء الأمة بأسرها وراحوا يسعون بذمتها آمرين بالمعروف سلما ناهين عن المنكر تحذيرا آمرين بالمعروف سلما ناهين عن المنكر تحذيرا أو تعزيرا.. ومقاتلين غلاظا لأعداء الحق حتى يدكوا حصونهم بحول الله دكا دكا.

وهكذا حمل أبو ياسر أو حسن حجازي أوراقه ومذكراته وهي كل ما يملك من زاد الحياة ماضيه وحاره وربما مستقبله إنها سجل لأحداث شارك فيها بل خطط مع أقرانه لها ثم نفذوها بقلوب شجاعة وعزائم مستبسلة امتدت آلاف الأميال ابتداء من الفسطاط حيث يقيم في مصر إلى جبل المكبر حيث أراد الاستشهاد على أرض الشام ذات الأخاديد قديما المسماه فلسطين حديثا والمعروفة اليوم ب إسرائيل زيفا وخلا إثر قرار ظالم من الأمم المتحدة ظاهرته أساطيل ومدرعات وقاذفات الأممين الكبار من الشرق والغرب يوم الخامس عشر من مايو عام 1948 وحتى إشعار آخر إن ما فعله الضابط المتطوع حسين حجازي .

وأصحابه منذ اربعين عاما في قتالهم للباطل بلا ككل ولا ملل ظلت أمواجه تتلاحق وأصداؤه تتردد وتتجدى عبر الأيام والسنين في صورة بطولات فذة قام بها رجال وشبا وفتيات ولعل أحدثها صورة بطولات فذة قام بها رجال وشباب وفتيات ولعل أحدثها ما نقله الأثير إلينا عن فدائي طائرة كنيته أبو رامي وعمره (22) اثنا وعشرون عاما اقتحم بطائرة شراعية حصون العتاة الجبابرة في الجليل الأعلى ودمر معسكر الاحتلال فيها وقتل نيفا وعشرين جنديا وزلزل الأرض تحت أقدام الغزاة الإسرائيليين.

والراسخ في الوعي السياسي الرشيد الذي حمله الإخوان في قلوبهم وعقولهم وتنمي بمعايشتهم ومصاهرتهم للحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين ورمز ثورتها في الثلاثينات والأربعينات من هذ القرن، .

إن القضية الفلسطينية هي قضية إسلامية بكافة أبعادها وأنها لن تكون في منظورهم الأندلس المشرقية بعد خمسة قرون أو يزيد على سقوط الأندلس المغربية.

وقد ثبت في أفئدة الملايين من أبناء مصر أن ثغرة من ثغور الإسلام توشك أن تضيع وعليهم الاستنفار والبحث عن الفريضة الغائبة حتى يحضروها ثانية لمعاقل العروبة وأرض الإسلام ولعل هذا ما حصل الإمام الراحل مؤسس الجماعة ومرشدها الأول تغمده الله بواسع مغفرته ورضوانه على ابتعاث رسله لدى المنظمات الدولية وأقطاب العقيدة وحملة الدعوة شرقا وغربا .

فكانت أول صيحة للإخوان في مجلس الأمن عام 1947 من أجل تحرير مصر تلتها مظاهرات في الجمعية العامة لمناهضة ومنا جزة تقسيم فلسطين ثم رحلات مكوكية لإيران والشام و العراق والتعرف عن قرب على عمد الجعفرية ودعاة مذهب الاثنى عشرية صدر بلاغ ومحمد بهشتي وروح الله الخميني تلاميذة ومحبي كبيرهم آية الله الكاشاني الرمز الذي قاد مظاهرات عارمة كاسحة في طهران وأصفهان احتجاجا على قرار الاعتراف الأممي بدولة إسرائيل في 15/5/ 1948.. وقد ساند الكاشاني ورجاله الزعيم (محمد مصدق) رئيس وزراء إيران الراحل في حربه ضد (الشاه) حتى تم عزله عن العرش لأول مرة وطرده إلىالمنفى في روما يوم الثامن عشر من يوليو عام 1952....

وكان كاتب هذه السطور أول المهنئيني لمصدق في بيته باسم المصريين رجالا ونساءا ودعونا يومذاك العلي القدير أن تتخلص بلاد الكنانة مثلما تخلصوا من جبابرة وطغاتها ويسألونك متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا.

فلما حدث الانقلاب العسكري وسطا أصحاب البزة الصفراء على السلطة ليلة الثالث والعشرين من يوليو عام 1952 أيقظني المتحدث هاتفيا لأغادر فندق الفردوس بطهران للقاء عاجل مع الرئيس محمد مصدق وآية الله الكاشاني وقد طلبا إلى أن أستقل أول طائرة للقاهرة لأنقل رسالتهما لأخواني ولكل المخلصين في أرض الكنانة ألا يساندوا العسكر فالشبهات قد وسمت خراطيمهم في كل مكان بله في مصر التي يتعبد الناس في صلواتهم بإدانة جندها في القديم(وإن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين)... ولا نريد إدانة أخرى لجندها في الحديث انتهت الرسالة.

وفي أعقاب الأسبوع الأول لحركة العسكر دخلت باب العمارة رقم (20) شارع الروضة وفي الطابق الثالث أبلغت الرسالة التي حملتها من مصدق وكاشاني لرمز الإخوان ومرشدها الثاني رحمة الله عليه فأطرق طولا وقال إن إخوانك لهم رأي أخر هم صلة وطيدة بهؤلاء الضباط وفيهم أعضاء عاملون في الجماعة.

ودافعت عن الرسالة وصاحبيتها والمضامين التي حوتها وشجبت فعال العسكر في الشام وكيف أن حسني الزعيم الضابط الشركسي الصغر الذي قلد نفسه أعلا الرتب العسكرية وأمسك بعصا المارشالية وضرب هاماتا الرجال وحل الأحزاب والهيئات واعتقل رموز الجماعة هناك مصطفى السباعي محمد المبارك معروف الدواليبي ووقع اتفاقيه الهدنة التي رفضها من قبل شكري القوتلي رئيس الجمهورية المعزول بأسنة الرماح .

وبعد نحو أربعة أشهر انقض العقيد سامي الحناوي على السلطة وذبح الزعيم ورئيس وزرائه محسن البرازي وفي ديسمبر سنة 1951 أعلن أديب الشيشيكلي البيان رقمي واد ونصب نفسه رئيسا للدولة إثر ابتداعه لعبة استفتاء بنعم أو لا على المرشح الوحيد لرئاسة الجمهورية حتى يضفي برقعها ديمقراطيا فجا على احتوائه للسلطة وأنه قد غدا في الأرض فردا صمدا هذا الأديب خلعه العسكر البعثيون فيما بعد وفر إلى فرنسا ومنها إلى أمريكا اللاتينية حيث لاحقه شاب سوري فلاح قام باغتياله ليغسل عار أخته التي ثلم شرفها الشيشيكلي إبان تربعه دست الحكم للبلاد والعباد..

وبعد انقضا أكثر من نصف الساعة في تعداد مثالب العسكر القافزين على السطلة وافتقادهم للخبرة والحنكة السياسية ولجوئهم للبطش والترويع هنا وهناك قال فضيلة المرشد الثاني للجماعة إن الإيام القليلة القادمة ستجعل الرؤيا أكثر وضوحا ومرة أخرى أكدت لفضيلته حرج الموقف وأن الزمن لن يكون في صالح الإسلاميين ولن يكون لهم وقتئذ خيار إما مع العسكر أو عليهم وكلاهما مر بل علقمي المذاق وهذا .

وسرعان ما تلاحقت الأحداث وأصدر البكباشي جمال عبد الناصر أوامره بإسقاط عضوية مجلس قيادة الثورة عن كل من الفريق طيار عبد المنعم عبد الرؤوف واللواء أركان حرب أبو المكارم عبد الحي لانتسابهما لجماعة الإخوان وراح العسكر يضيقون الخناق على الحاج أمين الحسيني وخاصة بعد زيارته الميدانية لكل من غزة ودمشق واستقباله فيهما بأمواج بشرية متلاحقة كانت حديث الصحف والإذاعات وهتافها الجماهيري آنذاك كان أشبه بالقواصف سيف الدين الحاج أمين .

وطلب إلي الأستاذ الراحل أحمد الشقيري أن يقوم مقام الحاج أمين الحسيني ويعسى بذمة الفلسطينيين هنا وهناك ومن بعد اصطحب جمال عبد الناصر ياسر عرفات في طائرة خاصة ليقدمه لرجال الكرملين بوصفه رمزا تقدميا لشعب فلسطين وحكومته الديمقراطية ودولته العلمانية التي لم يقدر لها عد أن ترى النور.

وأخيرا وليس آخرا فما لم ينض الفلسطينيون عن كوهلهم هذا الزيف التنظيري الدخيل الذي يلوكونه اليوم وما لم يغسلوا حشو جماجمهم سبع مرات إحداهن بالتراب ليزول ما علق بها من أدران بل أنجاس حملت قادتهم ذات يوم عبوس قمطرير أن يؤيدوا في عدن الغزو السوفيتي لأفغانستان أي تحرير هذا الذي تنتسب إليه منظمتكم يا ر جال.

أيها الإسلاميون في كل مكان .. هبوا فلا مندوحة لكم عن حمل العبء فقد ناءت بكلكلة ظهور بعض الرجال ... هنا وهناك.

لقد أفتدت جماعتكم الأمة مرة.. وسنفتديها مرات ومرات.... تلك أقداركم بل أقدارنا جمعا ومن كانت هذه أقداره ومصائره فسيبقى مستنفرا ما وسقت عيناه ماء.

د. م. بمصطفى مؤمن.

الفصل الأول: ما قبل المعركةالقضية الفلسطينية وكيف نشأت

بيع الأرض

بداية أود أن أشير هنا إلى حقيقة مريرة لازمت أمة العرب والمسلمين ردحا طويلا من الزمان ذلك بأنها لا تفيق من سبات إلا إذا حلت بها الصواعق ونزلت بساحتها القوارع عندئذ تضرب أخماسا بأسداس تلاحقها الحسرة وتحاصرها الندامة....بعدها يذكرون (ألا ملجأ من الله إلا إليه) فالعرب في فلسطين لم يحسوا إلا مؤخرا أن شراذم البشر وشذا المعمورة قد حلوا بديارهم وأخذوا في شراء أراضيهم شيئا يسيرا أو كثيرا وخاصة بعد وفاة السلطان عبد الحميد آخر من أستأهل لقب الخلافة من آل عثمان بالآستانه مات الرجل مسموما أو محموما بفعلة كبير الصهاينة كار هيرتزرج وشراذمته أثر رفضه السماح لهم بشراء بضعة هكتارات بأرض فلسطين ليقيموا عليها مقابر للصالحين منهم... وكان رده عليهم.

وهل يخرج من أصلاب قتلة الأنبياء رجال صالحون أو إماء مصلحات وأنهى مقابلتهم له..

وحول الأرض وبيعها ونذكر تلك الوقائع والحقائق.

1- صدرت مجموعة من الفتاوي عام 1861 تحرم على مسلمي فلسطين بيع الأرض لليهود الذين قالوا (عزيز بن الله).

2- قامت تظاهرات في السوق الكبير لاستصدار مرسوم همايوني بوقع أصرم العقوبات ببائعي أضهم لأي من بنى إسرائيل أو سماسرتهم عام 1863.

3- تشكلت جماعة سرية وعلنية من وجهاء القدس سنة 1890 للحيلولة دون بيع أي دونمات من أرض العرب لغير العرب منها (جماعة الإخاء والعفاف) والجمعية الخيرية الإسلامية وجمعية مكافحة الصهيونية التي رفعت شعار الأرض أو الموت.

4- توالت مطالبات الفلسطينيين للباب العالي في الآستانة الاستبدال كلمة المنتفعين بالأرض التي يملكها السلطان العثماني وإحلال كلمة المالكين محلها حتى لا تسحب سلطات الانتداب البريطاني تلك الأراضي وتسلمها لأبناء صهيون وإزدادت تلك المطالبة حدة وشدة حتى عهد السلطان عبد المجيد الثاني آخر خلفاء آل عثمان الذي نفى إلي باريس عام 1924 وظل لاجئا بها حتى وافته المنمية عام 1948.

5- أجمع نواب الشعب الفلسطيني في مؤتمرهم الرابع الخامس سنة 1922 على رفض الهجرة اليهودية والحيلولة دون تملكهم الأرض خلسة أو خفية نهارا أو جهارا.

6- لم يفرط في أرض فلسطين بيعا أو شراء إلا الغائبون عنها وقد حكي لي المرحوم المجاهد يوسف باميه أنه قد عرض عليه عام 1945 مبلغ كبير جدا من المال لبيع دونمين في ارض له بغزة فصفع الوسيط المستعرب ورده خائبا وقال له دون ذلك خرط القتاد ولم يمض كبير وقت على هذا المسمسار المستعرب حتى وجده أهله مصلوبا على جذع نخل .. وأنفت الطيور الجوارح أن تقترب منه.

7- ورغم كل الظروف التي كانت معاكسة للعرب فإن المندوب السامي البريطاني والذي كان يملك حق التصرف بالبيع في مزادات علنية في 48٪ من مساحة فلسطين كلها قد أعلن قبل إلغاء الانتداب أن جملة ما اشتراه الصهاينة لا يزيد عن 6‚5 ٪ من مساحة الأرض بينما احتفظ العرب بنسبة 46٪ منها..

على أن هذه النسب قد طرأ عليها تغيير طفيف خلال فترة الانتداب البريطانية الذي دام نحو (30) ثلاثين عاما استطاع خلالها سماسرة اليهود أن يجعلوا هذا التغير لصالحهم فقد ارتفعت نسبة ما يملكون إلى 8٪ من إجمالي أرض فلسطين التي تبلغ (000‚000‚26) دونما الدوانم= 000م2 ألف متر مربع أو أقل قليلا من 4/1 ربع فدان مصري أي أنهم صار يملكون (000‚075‚2) دونما مستفيدين من كل التشريعات واللوائح التي أصدرها المندوب السامي البريطاني والتي غالبا ما كانت متحيزة لصالح اليهود أملا في تحقيق وعد بلفور المشئوم لهم.

وينبغي أن نعرف حقيقة هذه الزيادة فهي لم تكن كلها أرضا باعها العرب بل أنها آلت لليهود على النحو المبي أدناه:


مساحات أراضي الدونم كيف آلت ملكيتها لليهود
000‚650 اختلست بالرشوة من الولاه الأتراك في أواخر . عهد الخلافة العثمانية
000‚300 منحة من المندوب السامي البريطاني للوكاة.اليهودية بالمجان
000‚200 بيعت للوكالة اليهودية بثمن رمزي . من حكومة الانتداب.
000‚400 مرج بني عامر.
000‚165 أرض امتياز الحولة
000‚32 وادي الحوارث
000‚28 جملة اراضي متطرفة في طول كرم وجنين. وبيسان وعكا وصفد والناصره والبائعو لهذه الأراضي والوادي والحولة ومرج بني عامر ليسوا من أهل فلسطين بل أنهم من عائلات سرسق والجزائري والقباني والتيان وسلام في والجل وسوريا وغير قليل منهم ليسوا مسلمين.
000‚300 باعها فلسطينيون خونة لاقوا جزائهم قتلا وتذبيحا على أيدي المجاهدين والثائرين.
000‚425‚1 أراضي أخرى سلمها المندوب السامي البريطاني للوكالة اليهودية في حيفا ويافا وصفد وعكا وطبرية وذلك قبل رحيل آخر جندي بريطاني عن أرض فلسطين يوم 15/ 5/ 1948.
000‚500‚3 جملة ما كان في حوزة اليهود من أرض حتى جلاء الإنجليز عنها.


وهكذا يتبين لنا أن ما بقى للعرب بعد ذلك هو (000‚500‚22) دونما فالمقولة بأن الفلسطينين باعوا أرضهم وأوطانهم هي فرية بلقاء روجت لها وسائل الإعلام الصهيونية وردتها عن غفلة بعض أجهزة الإعلان العربي التي كثيرا ما تلعب دور الدب الذي يقتل صاحبه لبهش عنه ذبابا.

الحكومات العربية:صفقات تسليم الأرض ومن عليها

هذا ويبدو أن رائحة الخيانة التي ركمت الأنوف هنا وهناك قد فضحت كل الدول العربية وجامعتها التي راحت تعقد الصفات الخاسرة بتسليم أرض العرب للهصاينة بلا ثمن ولا شرف.

والقائمة اللاحقة تظل تحمل أدلة لتلك الحكومات العربية وقيادتها آنذاك المتمثلة في إمارة شرق الأردن وآمر جيشها الجنرال (جلوب) والنظام الملكي المصري البائد وقياداته المترهلة والجمهوريات الورقية في دمشق وبيروت والوصي على عشر العراق الذي كان يفيق يوما ليجد كئوس شرابه متراكمه طوال الست أيام الآخرين


صفقات تسليم الأرض أماكن اقتراب جرائم الخيانة وتسليم الأرض ومن عليها.
000‚950 الله والرملة
000‚000‚2 الجليلين الشرقي والغربي.
000‚675‚1 الشونة ورودس ومناطق الخليل
000‚75‚12 صحراء النقب والممرات الاستراتيجية فيها.
000 ‚500‚17 سبعة عشر مليون وخمسمائة ألف دونم من الأرض العربية سلمتها الدولة العربية للصهيونيين في فلسطين.


تلك هي الحقيقة العارية التي ينبغي أن يعلمها كل ذي عينين لقد صار لليهود (21) مليون دونم بعد صفقات الخيانة ولم يعد للعرب سوى (5) مليون دونم هي ما بقى من سقط المتاع في ما عرف بالضفة الغربية غزة اللذين تم احتلالهما فيا بعد وهكذا لم يترك الصهاينة للعرب شيئ ولا حتى السواقط أو اللواقط من رقائق القطمير قطمير.

إسرائيل

أبو اليهود يعقوب عليه السلام والذي كان شيخا لقبائل الشمال وهو غير يهود الذي يعتبر نفسه خادما لله فالكلمة ذات مقطعين ئيل تعني بالعبرية لفظ الجلالة الله و اسرا معناها الخادم أو الخدم وهما معا يعنيان خدام الله ... هذا وقد نقش على مسلة الفرعون (ميرنيتاح) الذي حكم على بني إسرائيل بالخروج من مصر العبارة التالية (الله بمدده ودوام فضله ولاعبد بصبره ومضاء عزمه) وكان البديل للفظ الجلالة (ئيل= el) باللغة العبرية.

أما إسرائيل اليوم فهو الاسم الذي يطلق على الدولة التي أعلن قيامها في 14 مايو سنة 1948 بعد أكثر من ألفي سنة من التية والتشرد والضياع في بقاع الأرض وبعد انقضاء ما يزيد على نصف قرن من انعقاد أول مؤتمر صهيوني في بال ولقد كان يوم 14 مايو سنة 1948 مثيرا لمشاعر اليهود الذين قدرهم عددهم بأحد عشر مليون نسمة منها 500000) يعشون في أرض الولايات المتحدة الأمريكية وحدها... لقد فرحوا بالميلاد الثاني لدولة إسرائيل.

هذا وقد تشكلت لجنة مشتركة من بريطانيا والولايات المتحدة في 13 نوفمبر سنة 1945 لمزيد من تقصي الحقائق ومحاولة لتحسس المسار المستقبلي لفلسطين في ضوء هجرة اليهود المتزايدة من أوروبا لأرض الميعاد وفي 29 مارس سنة 1946 أصدرت هذه اللجنة المشتركة التوصيات التالية:

1- هجرة (1000000) مائة ألف يهودي على الفور لفلسطين.

2- إعادة النظر في التشريعات التي تحول دون نقل ملكية أرض العرب لليهود.

3- لن تكون فلسطين يهودية أو عربية بل تظل تحت وصاية الأمم المتحدة بعد انتهاء الانتداب البريطاني مع العمل على منح الحكم الذاتي لكلا الشعبين العربيو الإسرائيلي وقد تخلت الولايات المتحدة عنأية التزامات مالية أو حربية نتجم عن إنهاء الانتداب البريطاني بفلسطين ولما رفض اليهود والعرب هذه المقترحات رفعت القضية برمتها لهيئة الأمم المتحدة في نيويورك بحي فلاشينج ميدو flushing meadowحيث عقد اجتماع للجنة خاصة لشئون فلسطين يوم 15 مايو سنة 1947 لرفع توصياتها للدورة العادية الثانية للجمعية العمومية للأمم المتحدة وقد وافقت اللجنة بالإجماع على انهاء الانتداب واستقلال فلسطين دون إبطاء وتعددت آراؤها حول مستقبل السلطة والحكومة المقبلة لفلسطين.

وأيدت أغلبيتها تقسيم فلسطين لدولتين عربية ويهودية واتحاد اقتصادي بينهما مع إبقائ القدس مدينة منزوعة السلاح هي وما حولها بما فيذلك بيت لحم لمكانتها الدينية رفيعة المستوى ووضعهما تحت وصاية الأمم المتحدة ونصت على ما هو آت.

(Jerusalem& Bethlehem should be acorpus soparatumunder a trusteeship of u .n .) ولكن الأقلية رأت قيام اتحاد فيدرالي يضم العرب إسرائيل الممتعين بالحكم الذاتي في كلا المنطقتين العربية والإسرائيلية وأن تكون القدس هي العاصمة.

وفي اجتماع الجمعية العربة للأمم المتحدة للدورة الثانية م 29 نوفمبر سنة 1947 أيدت آراء أغلبية اللجنة الخاصة بشئون فلسطين بتصويت (33) عضوا ضد (13) معارضا (10) ممتنعين عن التصويت وكانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ضمن المؤدين لتقسيم فلسطين وكانت المملكة المتحدة البريطانية ضمن الممتنعين عن التصويت وأختير (5) خمس أعضا لمتابعة تنفيذ التوصية بالتشاور مع أحزاب اليهود والعرب .

وكان على الانتداب أن ينته وترحل القوات البريطانية عن فلسطين في موعد أقصاه نهاية أغسطس سنة 1948 وكان المفروض أن تجرى انتخابات لتختار كل طائفة ممثليها في المجالس النيابة في أول إبريل سنة 1949 ولكن العرب رفضوا ذلك جملة وتفصيلا وبدأت القلاقل تجتاح البلاد مرة أخرى..

وقد ثار بعض القلاقل الطائفية حول حقوق كل من المسلمين واليهود في حائط المبكى من الناحية الغربية في معبد حيروديان herodian)) TEMPLE بالقدس وسرعان ما تطورت تلك القلاقل إلى مصادمات عارمة شملت أرض فلسطين كلها وأرسلت الحكومة البريطانية مسئولا لتحري الأمر وكتابة تقارير بأسباب هذه القلاقل والمصادمات وتبين مما كتبه المبعوث أن مخاوف العرب من أخطار الهجرة اليهود ية أن تصير لهم الأغلبية العددية في المستقبل وأن سياسة المصادمات التي تنتهجها حكومة الانتداب البريطاني من شأنها ضياع أراضي العرب لصالح اليهود.

وأصدرت حكومة الانتداب كتابا أبيض في (20) أكتوبر سنة 1930) متضمنا بعض القيود على الهجرة اليهودية وشرائهم الأرض المملوكة للعرب وقد هوجم هذا الكتاب الأبيض بشدة من جانب الصهيونيين وسرعان ما قام سير رامزي ماكدوالدRAMSAY MACDONLD رئيس الحكومة البريطانية بإرسال تفسير وتأويل آخر يرضي الصهاينة وبعث يوم 13 فبراير سنة 1931 إلى حايم وإيزمان)

الثورة العربية (1936- 1939)

إن الموجات العاتية التي أثارها النازيون الهتلريون ضد السامية جعلت الكثيرين من اليهود يهربون من ألمانيا ومن غيرها من البلدان الأوربية ويفرون برؤس أموالهم إلى فلسطين ويوظفون هذه الثروات في إقامة مستوطات زراعية وصناعية وما يلزمها ويصاحبها من إسكان وتعمير وقد ازداد عدد اليهود حتى بلغ في سنة 1935 (61854) نسمة الأمر الذي أثار حفيظة العرب مرة أخرى.

وفي ربيع عام 1936 أنطلقت غضبة الفلسطينين وتعاطف معهم أكثر الكثير من خوانهم العرب في الأقطار المجاورة ولكن استمرارية الاضطرابات لمدة ستة أشهر أو يزيد جلت الحكومة البريطانية ترسل وفدا برياسة لورد بيل (LORD PELL) لتقصي الحقائق وعما إذا كان لدى العرب أو اليهود أسباب أو مبررات قانونية لكل هذه الثورة أو الغضبة.

وفي 7 يوليو سنة 1937 أذاعت اللجنة تقريرها المتحيز للصهيونيين والمتعاطف مع أمانيهم القومية في أرض الميعاد ولم تغفل الإشارة للقومية العربية ومخاوف أهليها وخلصت اللجنة في تقريرها إلى استحالة التوفيق بين العرب واليهود واقترحت تقسيم فلسطيني بينهما بقيام دولة العرب ودولة أخرى لليهود وتدخل الدولتان في معاهدة مع بريطانيا التي سوف تحتفظ لنفسها بشريحة من الأرض تضم القدس وبيت لحم والنذارية وبممر يربط هذه البلدان المقدسة بالساحة وتجعل الانتداب مستمرا سرمديا عليها.

وقد وافق المؤتمر الصهيوني سنة 1937 على مبدأ التقسيم وطالب بزيادة مساحة الاراضي المخصصة لليهود ولكن العرب رفضوا بشدة مبدأ التقسيم وساندتهم بعض الأقطار العربية المتاخمة لهم ..

وهكذا اندلع لهيب الصراع الطائفي مرة أخرى في صيف 1937 وعمدت الحكومة البريطانية لمواجهة ذلك بمزيد من الإجراءات الصارمة فاعتبرت اللجنة العربية العليا بقيادة الحاج أمين الحسيني خارجة عن القانون واضطر المفتي إزاء الملاحقة المسلحة الالتجاء إلى سوريا واستمرت الثورة حتى سنة 1938 بعد أن سيطر الثائرون على مناطق ومرتفعات جبلية حصينة وأشتد أوار القتال في صيف 1939 ليصل إلى نهاية مع إعلان الحرب العالمية الثانية وكانت حصيلة هذه العركة نحو 6000 قتيل وجريح وكان ضحايا العرب هم الأكثر عددا ..

ولكن موجات الهجرة استمرت دون توقف أبان الحرب...

وكانت حكومة لندن قد اذاعت عام 1938 ما يفيد شكوكها في جدوى تقسيم فلسطين وأرسلت بعثة أخرى عن إمكانية التقسيم من الناحية الفنية وجدوى ذلك وأذاع الرجل محضر تقريره أني التقسيم غير مجد فأغمضت الحكومة البريطانية عينها عنه وأعلنت ذلك في نوفمبر 1938 ودعت ممثلين للعرب من أقطار عربية وممثلين عن اليهود لحضور مؤتمر مائدة مستديرة يعقد في لندن وتم ذلك فعلا في أوائل سنة 1939 ولكن لم يصل المؤتم لنتائج أو اتفاق ورفض العرب مقابلة الوفود اليهودية ورفض الطرفان المقترحات التي قدمتها الحكومة البريطانية في مارس سنة 1939.

الحكومة البريطانية وورقتها البيضاء سنة 1939.

أعلنت الحكومة البريطانية يوم 17 مايو سنة 1939 حلها للقضية الفلسطينية في ورقة بيضاء وذهبت فيها إلى الموافقة على طلبات العرب وتظاهرت بالتقليل من اهتمامها بمطالب اليهود ووعود الحكومة البريطانية لهم ويتضمن الحل النقاط التالية:

أولا: انقضاء فترة انتقال قدرها عشر سنوات.

ثانيا: استقلال فلسطين بأغلبية عربية مع التأكيد على احترام وعد الحكومة لليهود بوطن قومي بفلسطين.

ثالثا: لا تزيد هجرة اليهود عن (75000) نسمة خلال الخمس سنوات التالية وبعدا يتوقف عدد المهاجرين على مدى موافقة العرب على ذلك.

رابعا: لليهود حق امتلاك أراضي في شرائح صغيرة وتعتبر انتقال ملكية العرب لليهود أمرا محرما قانونا.

ولكن هذه الورقة البيضاء رفضها كل من العرب واليهود على السواء وبدأت العناصر اليائسة من اليهود الالتجاء إلى إرهاب حكومة الانتداب وجنودها لاستمرار تدفق المهاجرين ولو بصروة غير قانونية.

فلسطين والحرب العالمية الثانية

تطلع اليهود إبان هذه الحرب إلى دعم أنفسهم عسكريا عن طريق طلبهم تشكيل فيلق منهم ينضم إلى جانب الحلفاء لمقاتلة النازيين والقصاص منهم ولم يقبل طلبهم لتشكيل هذا الفيلق إلا في عام 1944 بفلسطين وذلك بطريق التطوع الاختياري الذي كان قوامه (300000) ثلاثين ألف رجل وامرأة منهم وحدات مشاة ضمت عربا ويهودا ولكن وحدات أخرى من اليهود وحدهم قدمت خدمات للحلفاء في تأمين المواصلات على مسرح العمليات في الشرق الأوسط.

وكانت الهجرة اليهودية مستمرة في حدود ضيقة منذ عام (1939- 1945) تطبيقا لسياسة (الورقة البيضاء) السابقة إعلانها من الحكومة البريطانية وقد بلغت هذه الهجرة (50000) خمس ألف نسمة وعلى الرغم من القيود التي على بيع الأراضي وانتقال ملكيتها من العرب لليهود .

فقد استطاعت الوكالة اليهودية شراء ما يقرب من (250000) دونما أول (62000) أكر acre ازداد عدد المستوطنات الزراعية أما المناطق الصناعية فقد شهدت تطورا كبيرا نظرا لاحتياجات حكومة الانتداب إلى كثير من المنتجات الصناعية اليهودية للحرب وامتداد خط أنابيب البترول العراقي حتى ميناء حيفا جعل هذه المدينة ذات أهمية بالغة في الشرق الأوسط.

الهجرة اليهودية إلى ومن فلسطين.

وفي عام 1942 عقد الصهيونيون مؤتمرا في نيويورك قرروا فيه فتح أبواب فلسطين بلا قيد أو شرط أمام الهجرة اليهودية والتي تتم بإشراف الوكالة اليهودية حتى تغدو فلسطين كومنولت يهوديا

(jewish commonweal th in Palestine

واعتبر ذلك ردا على الورقة البيضاء وعرف هذا الرد باسم إعلان بالتيمور الذي أجازته منظمة الصهيونية العالمية وفي الوقت نفسه لقد كانت الثورة فلسطين وأزكاؤها روحا الوطنية سببا في قيام جامعة الدول العربية بالقاهرة عام 1945 والتي اعتبرت فلسطين قطرا عربيا خالصا.

فلما جاءت حكومة العمال للسلطة في بريطانيا صيف عام 1945 عارضت سياسة عام 1939 وأعلنت دعمها وتأييدها لمطالب اليهود في إقامة وطن قومي بفلسطين وتوقعت الدوائر الصهيونية أن أبواب الهجرة سوف تفتح على مصراعيها ولكن حكومة العمال حددت عدد المهاجرين اليهود بما لا يزيد عن 1500 مهاجر شهريا الأمر الذي أدى إلى اندلاع موجات الإرهاب من جانب اليهود مرة أخرى وهكذا قدر للحركة الصهيونية أن تفرض إبان سنى الحرب إرادتها على جل يهود أمريكا الذين يربوا عدهم على (000‚000‚5) يهودي.

والقول الحق حول موضوع الهجرة يمكن تلخيصه بأنه قد حدثت هجرات غير قانونية كثيرة إلى فلسطين وصاحبتها أزمات اقتصادية اضطرت بعضهم للهجرة المضادة من فلسين والجدول التالي يبين هذه الهجرات في الفترة من سنة (1920- 1938) إبان الانتداب البريطاني وحتى اندلاع شرارة الحرب العالمية الثانية:


السنة عدد المهاجرين اليهود لفلسطين عدد المهاجرين من اليهود لخارج فلسطين.
فلسطين (immigrants) (emigrants)
1920-1924 784‚ 42 476‚5
1925- 1929 022 ‚57 501‚ 18
1930 -1934 258‚91 345‚2
1935 854‚61 396
1936 727 ‚ 29 773

وقد تشجعت جماهير العرب الفلسطينيين على القيام بانتفاضتهم طلبا للحرية أسوة بما يجري حولهم في إمارة شرق الأردن و[[العراق]ي والتي تخلصت من الانتداب البريطاني سنة 1932 وانضمت لعصبة الأمم المتحدة واتفقت فرنسا على انهاء الانتداب مع سوريا ونالت استقلالها يوم 6 سبتمبر سنة 1936 كما استقلت مصر كذلك في نفس العام وانضمت أيضا لعصبة الأمم كل هذا ساعد الفلسطينيين للقيام بثورتهم مطالبين بجميع أحزابهم في نوفمبر سنة 1935 أن تقوم في البلاد حكومة ديمقراطية ويحرم بيع أرض العرب لليهود وتوقف الهجرة اليهودية لفلسطين ولكن الصهيونيين نشطوا داخل مجلس العمومي البريطاني وضغطوا على الحكومة البريطانية لرفض تلك الطلبات وهو ما حدث فعلا.

الحركة الصهيونية العالمية

صهيون

أصلها مشتق تَبٍَّة حصينة غير بعيدة من مدينة أورشليم بيت المقدس وكان قد أحتلها داوود في حربة ضد جالوت وهي في الجهة الشرقية من الجبل ويقال أن معبد سليمان قد بنى فوقها ثم غدت كلمة صهيون مرادفة لأروشليم التي عرف سكانها بأنهم سلالة بنت صهيون)THE DAUGHTER OF ZION

تروي مصادر التاريخ أن المعبد قد أتت عليه النيران إبان القتال الذي دارت رحاه بين مكابيس (MACCABEES ) وأفضى ذلك إلى خروج البابليين بقيادة زيروبابل) (ZERUBBABLE

لإعادة بناء المعبد....

وفي العصور الوسطى كتمت أنفاس اليهود في أزقتهم التي ضربوا على أنفسهم عزلة مريرة فيها والتي أفاض في وصفها شاعرهم (يهوذا بن صمويل هالبفي) وفي القرن السادس عشر قام المشعوذات داوود روبيني (1530) وسليمان مولكو (1332) وقالا أنهما المحرران لشعب اليهود من كافة ضروب القهر والعسف والاضطهاد ولقي هذان الدجالان ترهيبا بالغا من اليهود في أسبانيا وإيطاليا....

ولما قامت حركة العصر الألفي السعيد بين المسيحيين MILLENARIANS CHRISTIAN والتي كانت تروج لمقولة أن المسيح عليه السلام- سيعود للأرض ويملؤها عدلا وخيرا بعد أن كانت تطفح ظلما وجورا هذه الحركة شجعت مناسح بن اسرائيل (1604- 1657) عل التعاون مع زعماءها لتأمين مهجر مؤقت في انجلترا لكافة يهود المعمورة ريثما يعودوا لأرض الوطن المنشود في فلسطين ي.

وفي عام 1966 قام في بلدة سميرنا (SMYRNA) شخصي يهودي زعم أنه المسيح الموعود وكان يدعي ساباتي سيبي (SABBATAISEBI) (1626- 1657) وانتشرت أخبار هذا الدجال كالنار في الهشيم ورغم أن كثيرا من الأحبار قد عارضوه فقد استعد كل يهودي للقيام بالرحلة الموعودة لأرض فلسطين ولم يحل تكفير الأحبار له دون امتداد مزاعمه وانتشار دعواه.

وفي عام 1778 انتشرت آراء موسى ميندلوهن (1729- 1786) الداعية للتسامح الديني مع اليهود الذين ينبغي عليهم حسب مقولته اعتبار كل وطن يقيمون فيه هو وطنهم طالما يمارسون شعائر دينهم دون قهر أو عدوان ولا صير عليهم من المشاركة في الثقافة الوطنية للبلد الذي يقيمون فيه حتى يأذن الله لهم بالانطلاق ..

وانتشرت مدارس الطائفة اليهودي وازدادت أزقتهم وحاراتهم وأخذوا يقيمون مزارعهم الخاصة والتي صارت فيما بعد محورا لقيام المستوطنات التي أسهمت في الارتقاء بالمستوى الاجتماعي والمعيشي لأبناء إسرائيل وقد كان جهود سير مونتيفيور (MONTEFIORE) وأسرة روتشيلد وتحالف الإسرائيليين العالمي بارزة في هذه المجالات ورغما عن ذلك فقد ظل التعصب اليهودي لفكرة الوطن الموعود حلما يداعب الكثيرين.

وقد اسهم اللورد أشلي (ASHLY) واللورد شافتسبري (SHAFTESBURY) و لورنس أوليفانت قنصل انجلترا في القدس.

أسهم كل هؤلاء وغيرهم في إحياء حركة التعصب للعودة للوطن الموعود عبر أسس إصلاحية اجتماعية وصاحب ذلك جدل عالمي حول المسألة الشرقية والاستجابة لآمال وطموحات القوميات المقهورة والمطحونة وظهرت كتب ومؤلفات تتعاطف مع رغبات اليهود في العودة لأرض الميعاد.

HOLLINGSWORTH, JEWS IN PALESTINE 1952)

وقام اللوردات (بالمرستون) بيكون سفيلد) ساليس بوري) بدعم اليهود الإنجليزي لورانس أوليفانت القنصل البريطاني في القدس عند مفاوضاته مع السلطان العثماني للتساهل معه في تمهيد الطريق نحو قيام وطن قومي ليهود العالم في فلسطين فيما عرف ب الصهيونية العالمية التي تدعو كافة الموسويين للهجرة الجماعية لأرض المعاد ولك ذلك لم يحدث وخابت أحلامهم.

الصهيونية العالمية

ومؤسسها (ثيودور هيرزيل) في منتصف القرن التاسع عشر وقد بدأت حملات دعائية كبرى للصهيونية العالمية في غرب أوربا يقودها موسى هيس (MOSE HIESS) (1812- 1875) وفي شرق أوربا حمل لواءها هيرك كاليشار (HIRSCH KALISCHER ) (1795- 1874) وايضا ب- سمولينكسن (P. SMOLENSKIN) (1842- 1885)

وثمة دفعة لها جائتها كرد فعل لموجات عداء السامية (ANTI- SEMITISM) التي استهدفت اضطهاد اليهود وتنغيص معيشتهم في كل أنحاء أوروبا وخاصة في روسيا حيث بلغت موجات العداء للسامية ذروتها عام 1882 عندما امتد السلب والنهب والقتل حتى اجتاح سياج المستوطنات الجماعية للموسويين دون تمييز بين الرجال والنساء والأطفال.

وفي هذا الوقت بالذات ظهر ثيودور هيرزيل THEODOR HERZL (1821- 1891) على مسرح الأحداث ورأى فيه اليهود أنه جاء لعتقهم وتخليصهم بتأسيس وطن قومي لهم بفلسطين يعيشون فيه وفق طقوسهم وعاداتهم بحق مؤسس الحركة الصهيونية التي تنادي بالعودة مرة أخرى والعيش على التبة العالية التي تحمل اسم صهيون.

أحباب صهيون

وتأسست في كثير من أرجاء المعمورة جمعيات تحمل هذا الاسم وهدفها إقامة مستوطنات زراعية في أرض فلسطين وتمت أولى موجات الهجرة لتلك المستوطنات عام 1882 عندما سافر يهود روسيا وأقاموا في أول قية صهيونية قرب حيفا وسميت ريشون لي زيون RICHONLE ZION وطبقوا جميع الأفكار التي كان يطرحها الكاتب الروسي اليهودي أي جينز برج (A. GINZBERG والتي عرفت باسم (آحاد حا آم) AHAD HAAM))

نحو دولة لليهود (1896- 1908)

نشر ثيودور هيرتزل مطبوعات تحت عنوان DER JUDENSTAAT أو دولة لليهود حيث وضع مشروعا لهيكل تلك الدولة التي تتمتع بالحكم الذاتي في مكان ما بالكرة الأرضية وقد وجد تأييدا في أوربا لقيام كومنولث يهودي بفلسطين وعام 1897 عقد هيرتزل أول مؤتمر للصهيونية العاملية في بال (BASLE) بسويسرا حضره (204) مندوبا وقد اتفقوا على قيام منظمة صهيونية تعكف على تنفيذ المخطط التالي.

سوف يكافح الصهيونيون ليقيموا وطنا للشعب اليهودي في فلسطين يتم الاعتراف به في ظل القانون العام.

ولتحقيق تلك الغاية سوف يتخذ المؤتمرون الخطوات التالية:

1- تطوير حركة الاستيطان اليهودي بالمستعمرات الزراعية والصناعية في فلسطين.

2- ربط جميع طوائف اليهود في سائر دول وأقطار المعمورة بما يتفق والقوانين السارية فيها.

3- دعم وتقوية مشاعر اليهود الوجدانية والعقائدية.

4- اتخاذ الخطوات التمهيدية للحصول على موافقات الحكومات ذات الشأن لتحقيق أهداف الحركة الصهيونية.

مقابلات هيرتزل والسطان عبد الحميد .. ومقترحات بإنشاء وطن يهودي بصحراء [بسيناء]]، محميات شرق أفريقيا هضبة جواس نجيشو):

هذا وقد سعى ثيودر هيرتزل لمقابلة الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني عامي 1901، 1902 لاقناعه بالمخططات الصهيونية دون جدوى ولما يأس أو استيأس منه ولي وجهه شطر الحكومة البريطانية لمنحه مساحة بالأراضي المقدسة تكون بمثابة مأوى للمضطهدين من اليهود ومركز إعداد وتدري سياسي لهم وقد عمل فعلا مسحا لمناطق في أرض سيناء ولكن طويت صفحات المشروع لتعذر الحصول على المياه فيها واقترح يوسف تشمبرلين رئيس الحكوم البريطانية إعطاء اليهود أرضا غير مسكونة بالمحميات البريطانية بشرق أفريقيا .

وفي عام 1903 قدمت الحكومة البريطانية لزعماء الحركة الصهيونية عرضا آخر بتخصيص (60000) ستين ألف ميل مربع في هضبة جواس نجيشو (GUAS NGHSHU وقوبل هذا الاقتراح بترحاب من بعض الزعماء الصهيونيين ولكن الكثرة الكاثرة منهم كانوا مع الراي القائل بأن هذا القبول من شأنه أن يحول أنظارهم عن أرض الميعاد بفلسطين.

وفي ام 1904 مات هيرتزل وأصيبت الحركة الصهيونية بوفاته ضربة قاضية فقد خلفه في الزعامة داوود وولفسوهن) أحد تجار مدينة كولون الألمانية وحدثت انقسامات ومعارضات في صفوف الحركة وخاصة بعد رفض العرض الذي قدم لهم من الحكومة البريطانية بهضبة جواس نجيشو .

وقامت حركة أخرى بزعامة إسرائيل زانجويل ) ISRAEL ZINGWILL (JEWISH TERRITORIAL ORGANISATIO. T. O) منظمة الأراضي اليهودية بقصد قبول عرض الحكومة البريطانية وبخصوص محمية شرق أفريقيا وتأسيس وطن قومي فيها يبنما ظلت الحركة الصهيونية ثابتة وخمصممة على أن يكون الوطن القومي لليهود في فلسطين و فلسطين وحدها وبالفعل بدأ زعيمها الجديد داوود وولفسوهن مفاوضات أخرى مع الحكومة العثمانية ولكن الفشل لاحقها بقيام الثورة التركية وتحديد مفهوم آخر لماهية الجنسية التركية والتي رفضت امتدادها خارج حدودها كما كان الحال إبان الخلافات العثمانية مترامية الأطراف.

الصهيونيون (العمليون والنظريون)

وبعد أن تعذر أو استحال على الصهيونيين أخذ موافقة السلطان العثماني على إقامة وطن أو بيت أو ملجأ للمضطهدين اليهود، قام العمليون منهم وجلهم من سكان روسيا بتأسيس وكالة صهيونية بمدينة حيفا سنة 1908 بينما ظل النظريون من الصهيونيين في أوروبا في جدل مستمر حول ضرورة الالتزام بالميثاق الذي أصدره المؤتمر الأول للحركة الصهيونية العالمية.

واستخدمت أموال الصندوق الأهلي اليهودي JEWISH NATIONAL FUND في شراء الأراضي وبلغ ما تم دفعه حتى عام 1914 (44000) جنيه استرليني وتصاعد هذا الرقم إلى مايربو على (000000‚20) جنيه استرليني عند نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين.

ويبدو أن تمويل الحركة الصهيونية لم يتشامخ إلا بعد عام 1910 عندما سخا البارون أدموند دي رتشيلد على دعم حركة الاستيطان بدء من عام 1883 عندما شاهد فعلا مجموعة من المستعمرات الزراعية قد أقيمت بالفعل بأرض الميعاد وفي عام 1914 بلغ عدد المهاجرين الصهاينة في تلك المستعمرات (13000) مهاجرا استوطنوا (43) مستعمرة زراعية وبلغ مجموع المهاجرين في الفترة ما بين (1882- 1914) نحوا من (45000) نسمة.

ولما قامت الحرب العالمية الأولى وأعقبها دخول الأتراك إلى جانب الألمان تجمد نشاط الصهيونية العالمية وتوقفت حركة العمليين بينما انطلقت حركة النظريين في أوربا وخاصة في انجلترا حيث بلغت ذروتها عندما قام حايم وإيزمان (CHAIM WEIZMANN)الأستاذ بجامعة ما نسشتر والذي راح يحث السلطات في المملكة المتحدة لتبني فكرة الوطن القومي اليهودي في فلسطين ضمن سياستها عقب انتهاء الحرب وفور إعلان السلام.

تعهد آرثر جيمس المعروف بوعد بالفور

هذا وقد حدثت تطورات هامة على مسرح أحداث الحرب العالمية الأولى وبدأت السلطة البريطانية استعدادتها لغزو فلسطين.....

وتحركت جموع اليهود المقيمين في الولايات المتحدة وعددهم آنذاك نحو (000‚000‚3) نسمة طالبوا حكومتهم بالتعاطف مع أماني اليهود في وطن قومي لهم بارض الميعاد بينما انكسرت قوى الصهاينة في روسيا رغم أن اليهود فيها أكثر عددا منهم في الولايات المتحدة الأمريكية .

وحاول وإيزمان اقناع السلطات البريطانية أن وجود سكان موالين لبريطانيا في فلسطين من شأنه أن يؤمن ظهرهم ويعطي مزيدا من الحماية للممر المائي الدولة بقناة السويس الشريان الحيوي للسفن التجارية الذاهبة والغادية من شبه القارة الهندية لؤلؤة الأمبراطورية .

هذا وقد قام سير مارك سيكس (MARK SYKES بدور الوسيط ابتداء من فبراير سنة 1917 واشترت تلك الوساطة حتى يوم 2 نوفمبر من العام نفسه عندما كتب مستر آرثر جيمس والذي عرف فيما بعد بقلبه EARL OF BALFOUR إيرل بالفور وزير الخارجية البريطانية آنذاك كتب رسالة إلى لورد ر وتشيلد ينقل إليه نيابة عن الحكومة البريطانية الإعلان التالي بتعاطفها مع الأماني اليهود ية الصهيونية والتي أقرها مجلس الوزراء البريطاني نحو ما هو آت:

أن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف لإقامة وطن قومي للشعب اليهود ي في فلسطين ي وستبذل كل ما في وسعها لتحقيق هذه الغاية وليكن مفهوما أنه لن يتم فعل شيء من شأنه التحامل أو التحيز ضد الحقوق المدنية أو الدينية للطوائف غير اليهود ية الموجودة في فلسطين أو المساس بالمكانة أو الحقوق السياسية التي يتمتع بها اليهود في الأقطار الأخرى.

وقد صدر وعد بالفور هذا عن الحكومة البريطانية ولكن بعلم وبتنسيق مع قوى الحلفاء وقد انضمت فرنسا رسميا ضمن الدول المساندة للوعد في فبراير سنة 1918 أي بعد عام واحد من صدوره وتلتها إيطاليا في مايو الذي يليه أما بالنسبة للولايات المتحدة فإن الرئيس وودرد ويلسون) قد تدخل شخصيا ورحب بالإعلان البريطاني الذي يساند الصهيونية العالمية وأظهر رضاه عنه وفي عام 1922 أصدر مجلس النواب والكونجرس الأمريكي قرار بتني السياسة التي تضمنها الإعلان.

هذا وقد قوبل صدور هذا الإعلان الذي نعته العرب بالمشبوه قوبل بمظاهرات الاحتجاج والاضطرابات في مختلف العواصم والبلدان الإسلامية بدء ب القاهرة والخرطوم ودمشق وبغداد وطهران وكراتشي وجاوا وسو مطره وسولو وميندانا وعذاراء ماليزيا المسماه خطأ بالفلبين.

أذكر أنني شاركت في مسيرة صاخبة يوم ذكرى وعد بالفور اللعين في 2/1/ 1944 وحمل المتظاهرون معهم العشرات من الكرات القماشية المبللة بالكيروسين ولدى مرور المسيرة أمام قشلاق قصر النيل ألقيت الكرات بعد إشعالها الواحدة تلو الأخرى على المقر الرئيسي لجنود الاحتلال البريطاني ب القاهرة لتذكيرهم بالإساءة البالغة التي ألحقها وزير خارجيتهم بالعرب عند إصداره الإعلان المشئوم وقد أحسن من وصفه آنذاك بأنه إعلان ممن لا يملك لمن لا يستحق.

وكان رد الفعل صارما فسرعان ما انهمر رصاص الجنود البريطانيين على المسيرة الصاخبة وتساقط الكثير من الجرحى ولكن الكرات النارية أصابت أهدافها وبلغ الذعر ذروته وسط الجنود الذين ألقوا بأنفسهم في مياه النيل فرارا من لهيب تلك النيران التي أحاطت بهم في جميع الاتجاهات.

الانتداب البريطاني بفلسطين

في ديسمبر سنة 1920 تقدمت الحكومة البريطانية لعصبة الأمم بمقترحتها لفرض الانتداب على فلسطين وفي 24 يوليه سنة 1922 أصدرت الحكومة البريطانية تعديلات بخصوص هذا الانتداب ومن قبل أعلن ونستون تشرشل بصفته وزيرا للمستعمرات تفسيره لوعد بالفور بأنه ليس فرضا للجنسية اليهودية على كل القاطنين أرض فلسطين ولكن التطورات المقبلة لطائفة اليهود هناك وكيما تكون هذه الطائفة هي المركز الذي تتجمع حوله بدافع المصلحة والكرامة سائر الجماعات اليهودية في العالم كله على أسس دينية وعرقية.

الصهيونيين يبدأون العمل

وبعد أن عادت الأحوال بفلسطين لطبيعتها صدر قرار من سان ريمو في أبريل سنة 1920 وتبعه قرار آخر في يوليو من العام نفسه بعودة الإدارة المدنية للبلاد وبدأ الصهيونيون عملهم بشراء الأرض واستقدام المهاجرين اليهود في نطاق رقابة حكومة مرنة..

وهكذا ارتفع عدد يهود فلسطين إلى (000‚300) نسمة عام 1935 وكانوا من قبل لا يزيدون عن (800‚108) نسمة في مارس سنة 1925 وازدادت رقعة الأرض التي يفلحها اليهود من 177 ميلا مربعا سنة 1914 إلى 500 ميل مربع سنة 1935 وبلغ عدد الفلاحين آنذاك (000‚100) يهوديا..

وقد تمركز اليهود المزارعون حول بيت المقدس وحيفا وتل أبيب التي كان عدد سكانه في أغسطس سنة 1914 لا يزيد عن (2000) نسمة أزدادوا خمسين ضعفا عام 1935 بفضل الهجرة المنظمة التي تمت في حماية الانتداب البريطاني والتي غذاها مال وصناديق المنظمات الصهيونية العالمية التي أصرت على أن يكون التطوير الزراعي مصاحبا ومواكبا للتطوير الصناعي في جميع المستوطنات.

ولقد أسهمت مؤسسة كهرباء فلسطين والتي كان جل تويلها من مصادر يهودية في تصنيع المستوطنات اليهودية وامدادها بالطاقة بسخاء بينما كانت تكيل للعرب بمكيال المخسرين لذا فقد أطلق العرب عليها اسم مؤسسة المطففين.

ولقد بسطت مؤسسة المطففين نفوذها حتى شمل معظم الأراضي الفلسطينية باستثناء (القدس) التي كانت تعتمد على المؤسسة البريطانية للكهرباء في الإنارة والطاقة على حد السواء.

ذكر لي أحد الفدائيين الذين قاموا بنسف حارة اليهود بالقاهرة سنة 1947 أن صور تيودور هيرتزل مؤسس الحركة الصهيونية العالمية وصورة محطة فلسطين للكهرباء كانا جنبا إلى جنب في جل غرف اليهود الذين نسفت منازلهم وطارت محتوياتها مئات الأمتار هنا وهناك هذا له مدلول واحد أن الطاقة والرجال صنوان لا نجاح أية مشاريع حتى لو كانت بأيدي آل صهيون.

مظاهرات سنة 1929

هذا وقد عقد في مدينة زيور خ بسويسرا مؤتمر عام 1929 وقد اتفق المؤتمرون فيه على تأسيس وكالة يهودية موسعة تضم الصهيونيين وغير الصهيونيين على حد السواء وبدعم كبير من الولايات المتحدة لمساندة بناء أرض الميعاد وهذا كله من شأنه إيغار صدور العرب ضد اليهود في فلسطين فقاموا بتنظيم مسيرات معادية لهم وللانتداب البريطاني الذي يحميهم ويساند زعماءهم ويبارك مخططاتهم.

قرار تقسيم فلسطين

هو القرار الدولي الصادر يوم 29 نوفمبر (تشرين ثان) سنة 1947 من الجمعية العامة للأمم المتحدة في اجتماعها الثامن والعشرين بعد المائة الذي عقد بقرية ليك سكس بمدينة نيويورك وهو يقضي بتقسيم أرض فلسطين (سياسيا) بين العرب و اليهود واتحادا (اقتصاديا) والاتفاق على وضع دولي خاص لمدينة القدس التي يدبرها مندوب تعينه الأمم المتحدة فور رسم الحدود بين الدولتين وتكليف مجلس وصاية من خمسين دوله ليحل محل حكومة الانتداب ويشرف على تنفيذ قرار التقسيم ليحيط الأمن والسلام الدولتين خلال فترة الانتقال التي تبدأ منذ صدور هذا القرار وحتى أول أكتوبر سنة 1948 وهو التاريخ النهائي لإتمام إجلاء آخر جندي بريطاني من أرض الانتداب بفلسطين.

وقد أحدث صدور هذا القرار دويا كبيرا في دول العالم العربي ولدى اليهود بكل بقاع الأرض باعتباره نقطة تحول جذري في مستقبل فلسطين أرض الإسراء والمعراج أرض المسجد الأقصى الذي يشد إليه الرحال أرض القبلة الأولى التي اتجه إليها الموحدون المكبرون المهللون.

ونظرا لأن هذا القرار له ثقله في تاريخ القضية الفلسطينية فقد حرصنا على تبصير القارئ بمواقف كل الدول والأقطار التي أسهمت في إصداره وهي (75 سبع وخمسون دولة) والتصويت عليه تم بأغلبية (33) صوتا للموافقين (13) صوتا للرافضين، (11) صوتا للممتنعين عن الأدلاء بأصواتهم ودولة واحدة كانت غائبة هي (سيام) والجدول الالي يبين ذلك.

المسلسل الدول التي أيدت مشروع التقسيم والغائبة الدول المعارضة للتقسيم الدول الممتنعة عن التصويت
1- أستراليا أفغانستان الأرجنتين
2- بلجيكا كوبا شيلي
3- بوليفيت مصر الصين
4- البرازيل اليونان كولومبيا
5- روسيا البيضاء الهند سلفادور
6- كندا إيران أثيوبيا(الحبشة)
7- كوستاريكا العراق هندوراس
8- تشيكو سلوفاكيا لبنان المكسيك
9- دومنيكا باكستان سيام (غائبة)
10- راغاركو السعودية بريطانيا
11- اكوادور سوريا يوغوسلافيا
12- فرنسا تركيا 0
13- جواتيمال اليمن 0
14- هايتي 0 0
15- أيسلندا 0 0
16- ليبريا 0 0
17- لوكسمبرج 0 0
18- هولندا 0 0
19- زيلندا الجديدة 0 0
20- زيلندا الجديدة 0 0
21- النرويج 0 0
22- بنما 0 0
23- براجواي 0 0
24- بيرو 0 0
25- الفلبين 0 0
26- بولندا 0 0
27- السويد 0 0
28- أوكرانيا 0 0
29- اتحاد جنود أفريقيا. 0 0
30- روسيا 0 0
31- أمريكا 0 0
32- فنزويلا 0 0
33- أرجواي 0 0
المجموع الكلي (57) دولة مؤيدون ومعارضون وممتنعون وغائبون

قيام دولة إسرائيل

هذا وقد تداعت الأحداث سريعا بعد اعتقال رجالات الإخوان في مصر وحل جماعتهم وحاصرة الفدائيين منهم على أرض المعركة ونزع سلاحهم بينما صدر القرار الأممي بقيام دولة إسرائيل اغتبار من منتصف ليلة الرابع عشر من مايو عام 1948 (14/ 1948) وما أن أعلن حايم وإيزمان ذلك في اجتماع نقبائهم حتى اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بها بعد ساعة واحدة من ذلك الأعلان وتلاها الاتحاد السوفيتي وانجلترا وفرنسا ودول أخرى من الغرب وآسيا وأمريكا اللاتينية .

وتراجعت الفيالق العربية وانسحبت من الأراضي التي كانت ترابط فيها وارتفع العلم الذي يتوسطه درع داوود وصدحت الموسيقى بنشيد الأمل الذي تقرر اعتباره نشيدا وطنيا لإسرائيل وقد وضع كلماته (ن. ه. إيمبر) (IMBAR ) عام 1878 ولحنه هاتيكفا (HATIKVA)

ويومذاك خرجت مئات الألوف من النسوة العرب حاملات فوق رؤوسهم ما تسنى حملة من متاع وأحتضنت الأمهات منهم أطفالهن وبارحن بيوتهن وتركن الأرض التي ولدن فيها وزرعتها سواعد آبائهن وأجدادهن ثم ألقين نظرة وداع للوطن الذي لم يعد وطنا وختلجت دموعهن بصيحات الرضع تلعن الرجال الذين خانوا والذين غدروا والذين ساوموا ولقد رفعت الأرامل واليتامى ذيول أثوابهن ورحن يولون إيذانا ببدء المسيرة إلى حيث ألقت رحالها أمُّ قَشْعَمِ !

إن الحتف الذي لقيه أجدادهم الأوائل في أرض الأخاديد قديما وأتون النيران التي بدلت فيها جلودهم تبديلا قد عادت مرة أخرى ليلة النصف من مايو سنة 1948 عندما قذف اليهود عليهم حممهم ورصاص بنادقهم ورموهم في خنادق وأشعلوا النيران لأحراقهم أحياء.

إن الإسرائيليين ومسانديهم هم أصحاب الأخدود الجدد.... وقد حكيت أخبارهم تحذيرا وتذكيرا قال ربنا جلا وعلا قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق ... تبا لكم أيها الإسرائيليون أصحاب الأخاديد.

الفصل الثاني:المذكرات أو الذكريات بداية الطريق

هجرت من الريف إلى القاهرة

ولدت في يناير عام (إحدى وعشرين وتسعمائة وألف) بمدينة طوخ محافظة القليوبية وحينما بلغت لرابعة عشر من عمري توفي والدي وكنت حينئذ في الشهادة الابتدائية وعشنا مع جدي لوالدي وكان يعتبر من أثرياء المدينة كما يتولى رئاسة المجلس المحلي للمدينة بالانتخابات لمدة طويلة ولكنه كان يجعل من حياتنا معه جحيما لا يطاق لا يطاق وذلك انتقاما من والدي المتوفى عام 1935 لإشباع رغبته في التشفي وذلك لما كان بينه وبين والدي المتوفى من خلافات كثيرة بسبب الميراث وتوزيع أملاكه دون أن يخصه بشيء منها رغم علمه أنه هو السبب في زيادة هذه الممتلكات وبعد ضيق من تقتيره علينا وصراع معي وكاد يولد عندي نزعة جديدة نحو الشقاوة والعنف بعد أن نفذ كل مابي من صبر وحياء .

ولم تجد والدتي بدا من أن نتقل بنا إلى القاهرة حيث يعمل أخوالي بالتجارة وجدوا لي عملا بالمعسكرات البريطانية بالقاهرة والتي كانت تمتلئ آنذاك بالمصريين في كافة الأعمال المهنين وتنقلت في عدة أعمال إلى أن توليت أمر ماكينة طباعة استنسل لنسخ الأوامر اليومية لتوزيع الحراسة على مواقع المعسكر وكذلك حركة التنقلات والمحاكمات العسكرية واكتشف أنثا عمل في هذا المكان أن الإنجليز يظنون أنني لست مصريا وربما ولدت لأب غير مصري وعبثا حاولت إقناعهم أنني من أبوين مصريين إلى أن دعوت اثنين من الإنجليز الذين يعملون معي لزيارة بلدتي طوخ في الريف المصري الذي كتبت على هجرته مبكرا وتلك كانت المشيئة.

إلى طريق الهدي

ذهبت أنا وصديقاي الإنجليزي إلى بلدتي طوخ حيث قابلت أصدقائي في فريق كرة القدم بالمدينة والذي كنت حارسا بارعا لمرماه وأصروا على أن ألعب مهم من جديد فوافقت وطلبوا عنوان بالقاهرة ليدعونني للاشتراك معهم في المباريات التي يقيمونها مع الفرق الأخرى ولاحظت أن فريقي أصح قويا أكثر من ذي قبل وأفراده متماسكون يحبون بعضهم بعضا فسالت عن سبب ذلك فعرفت أنهم انضموا لشعبة في جماعة تسمى [[الإخوان المسلمون]ي بمدينة طوخ وظلوا يأخذونني معهم عقب كل مباراة إلى دار الإخوان هناك وقد كان يرأسها آنذاك الحاج عبد اللطيف شاهين وكان قليل الكلام واعتاد أن يستقبلنا بوجه باسم دائما ..

عملا بقوله صلى الله عليه وسلم أن الابتسامة في وجه أخيك صدقة...

وذات يوم طلب مني أن أزور المقر الرئيسي للإخوان المسلمين في الحليمة الجديدة بالقاهرة على أن يكون ذلك في إحدى أمسيات الثلاثاء ولأنني كنت ذا ميول وفدية الأمر الذي جعلني أرفض في بداية الأمر ولكن الرجل بأسلوبه المؤثر أقنعني بالذهاب إلى هناك.

فكرت جديا بعد عودتي بالقاهرة في الذهاب إلى المقر الرئيسي للإخوان المسلمين ب القاهرة لاستطلاع ما يحدث هناك ذهبت في عصر أحد أيام الثلاثاء إلى الحلمية الجديدة .

وأخذت أتجول بشوارعها حى سمعت آذان المغرب يملأ الميدان الذي أمشي فيه فتتبعت صوتي المؤذن حتى دخلت المكان الذي ينبعث منه الأذان وكان [[المركز العام]ي لجماعة الإخوان المسلمين وهناك أديت صلاة المغرب وما أن انتهيت منها حتى بدأ الإخوان يتوافدون في كل صوب وحدب إلى فناء الدار ثم حان وقت صلاة العشاء وانتهينا منها .

وإذا بي أشاهد حشودا ضخمة تملأ ميدان الحلمية وداخل فناء الدار فدهشت لذلك وتعجب في نفسي لأمر كل هذه الحشود التي جاءت ومن الذي جمعها وكنت كلما أتلفت يمينا ويسارا أجد أناسا يملؤهم الإيمان وتعلو وجوههم السماحة والبشر والبراءة تملأ عيونهم والجميع يتصافحون ويتعانقون وكأنهم قد عادوا من سفر طويل.

الرجل الذي ملك كل أحاسيسي ومشاعري

بدأ الإخوان يكبرون ويهللون وكأنهم في صلاة عيد وقد عرفت بعد ذلك أن هذه هي هتافاتهم الله أكبر ولله الحمد، الله غايتنا، والرسول زعيمنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا.... لا إله إلا الله محمد رسول الله، عليها نحيا وعليها نموت في سبيلها نقاتل وعليها نلقى الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

ورأيت أثناء تلك الهتافات رجلا من عمر الشباب ذا لحية كثيفة في شكل مستدير متساوية الأطراف ذا جبهة ناصعة البياض ووجه مبتسم يشع منه نور ليعانقه ويقبله وما أن وصل الرجل إلى المنصة حتى صعد أخ من الإخوان لتلاوة بعض آيات القرآن الكريم وعرفت أنه هو الرجل نعم هو الإمام حسن البنا المرشد العام [[للإخوان المسلمين]ي رضوان الله عليه .

وبعد التلاوة انبرى الرجل ليحدث إلى تلك الجموع المحتشدة وبطريقة سهلة جعلتني أشعر في أثناء حديثه أن روحي تصعد إلى أسماء ثم تهبط كالطير عندما تنزل لتناول الغذاء فكانت روحي تصعد ساعة ثم تهبط لتلقى المزيد.

صراع بين الحق والباطل

والواقع أن روحي ظلت سابحة عقب انتهاء الحديث الشيق وبعد أكثر من ساعتين حتى أني مشيت سيرا على الأقدام ودون أن أعرف إلى أين وما الذي حدث حتى أني وجدت نفسي في ميدان كبير نظرت حولي حتى عرفت أني في ميدان الشعرية وفي نفس الوقت لم أشعر كيف ساقني قدماي كل هذه المسافة الطويلة دون أن أشعر بإرهاق أو ملل والحقيقة أنني لم أقصد المشي ولا حتى فكرت فيه ولكني صراعا ما دار بين عقلي وقلبي يضاف إليهما نسيم تلك الليلة وعذوبة الحديث السهل الممتع وهنا تذكرت أني في أشد الحاجة لأركب الترام حتى أصل إلى منزلي بالعباسية لأستطيع الذهاب لعملي مبكرا وركبت الترام الذي جعلني أصل في دقائق ولكني لم أنم حتى الصباح .

وبالرغم من ذلك لم أشعر بأي إرهاق بل وجدت نفسي أنشط من أي وقت آخر فذهبت إلى عملي داخل المعسكرات الإنجليزية وبدأت عوامل أخرى في داخلي تتصارع مع ذلك الجديد الذي تملكني تلك الليلة فتارة أجد نفسي مبتسما وتارة أخرى أسبح ولكن مع الدخان الذي أعيش فيه فهذا الجديد الذي طرأ علي سوف يفقدني الكثير وربما عملي الذي أعيش منه فكم كنت أتمنى أن يظل الإنجليز في مصر مدى الحياة حتى لا يفارقني اللهو والمرح.

شاب مثلي في العشرين ربيعا عشت سنوات منها في ألم وجفاء من جد لا يعرف الرحمة ولا يشعر كيف تكون الولاية في حالة اليتم مشغول بالتفاخر والتظاهر ثم أخرجني الله من تلك الغمة لأخذ حظي من الدنيا ثم أعود فأحجر على نفسي بنفسي فأحرمها من متعة الحياة وهنا توقف تفكيري برهة لأعود فأقول لنفسي إذا كنت قد عرفت أن الله هو الذي أزال عني الغمة فلم لا أتجه إليه وأتعرف على الطريق ربما تكون له متعة ألذ من متعة اللهو والمرح وقلت في نفسي قل إن الهدى هدى الله.

على الطريق

كنت قد تعودت الجلوس في وقت فراغي على مقهى في العباسية بشارع غرب القشلاق كانت خاصة بلاعبي كرة القدم ولم يكن صاحبها المعلم على سليم لاعبا ولكنه كان يعشق الكرة وهو في الخمسين من عمره وجاءتني فكرة أن أعرض عليهم أن نذهب إلى شعبة الإخوان التي تقع على بعد خمسين مترا من المقهى في نفس الشارع وذهبت إليها وحاولت إقناعهم بالذهاب إلى شعبة [[الإخوان]ي لتكوين فريق للكرة .

وبعد محاولات نجحت في إقناعهم وكان كل همي أن أصل أنا إلى داخل الشعبة فلم أكن أعرف ماذا أفعل وماذا أقول فكل ما رأته عيني بالمركز الرئيسي بالحلمية جعلني أشعر أنني مقبل على عهد جديد ونوعية جديدة من الناس الأمر الذي جعلني أهاب الموقف وذهبنا جميعا وقابلنا الإخوان بحفاوة بالغة واتفقنا عل أن نكون فريق كرة يعلب للشعبة وأخذت أتردد على الإخوان كل يوم ولكن باقي المجموعة انقطعت بعد ثلاثة أيام وعرفت من الإخوان أن هذه ليست أول مرة وحمدت الله أني قد وقفت وبدأت أتعرف على الإخوان حتى أصبحت ملما بأسمائهم جميعا واختصاص كل منهم.

تغير لملامح الحياة في تفكيري

توطدت علاقتي بإخوان شعبة العباسية التي كان يرأسها الأخ أحمد شكري ولكن لم أستطع أن أعرف الطالب من الموظف من العامل إلا بعد مضي شهر لقد كان الكل يعمل ويتحرك وكأنهم خلية نحل كل يؤدي دوره بانتظام فالكل يذهب ليعود وإذا تكلم أحدهم أنصت الباقون والابتسامة الحلوة تملأ وجوههم فأحسست أن هنا مرح يخلو من اللهو والعبث وسعة صدر وبشاشة .

كل هذه العوامل جعلتني أندفع اندفاعا قويا وزادت اقترابي أكثر من الطلاب الموجودين بالشعبة فبعضهم كان يدرس التوجيهية والجامعة والبعض الآخر كان يعمل ويدرس ولا يستطيع أي إنسان أن يفق بينهم، فالفكرة كله ينبع من معين واحد، دون أن يحدث اختلاف يكون سببا في التفرقة أو إضاعة للوقت وقد سمى المشوهون للحقائق وأصحاب النفوس الضعيفة ذلك بالطاعة العمياء وكان المقصود من ذلك تشبيه الإخوان بقطيع من الأغنام التي تساق دون أن تعقل أو تقفه وذلك أمر من الصعب أن ينطبق عليهم لأن قبول ممارسة الحياة التطوعية لا يتفق مع إجبار أو حتى أدنى ضغط ولا وسيلة إلى ذلك سوى الإقناع والاقتناع بعد الاندماج الكبير مع إخوان العباسية وحضور حديث الثلاثاء أصبحت لا أستطيع أ، أغيب عن رؤية الأخوة .

وفي إحدى محاضرات الثلاثاء صحبني بعض الإخوان لمقابلة الأخ الأستاذ سعد الدين الوليلي بالمركز العام وتم التعارف بينا وأرسل المركز العام خطابا لشعبة طوخ لنقل أسمي إلى شعبة العباسية وعرف إخوان طوخ أني أصبحت من الإخوان فعلا وفرحوا لهذا الخبر وأيدوه أما شعبة العباسية فقد التفوا من حولي مهنئين بنقلي وشعرت أنهم يظنون أني قديم فألحقوني بأسرة الأخ إبراهيم محمود وفي نفس الوقت أسند إلي مجلس إدارة الشعبة برئاسة الأخ أحمد شكري لجنة الدعاية وبدأت أشعر أن حملا ثقيلا ألقى على عاتقي لأني في الواقع كنت أدفع اشتراكا فقط لشعبة طوخ وأذهب إليهم من أجل المباريات ولم يحدث أي اندماج في سلك الدعوة إلا منذ اليوم الذي دخلت فيه شعبة العباسية.

وكان الطلاب أكثر قربا مني، وكانت لهم أسئلة كثيرة عن الإنجليز والمعسكرات وكنت أحرص على التجاوب معهم، وأذكر منهم الطالب وائل شاهين و و نعمان شاهين بالتوجيهي و عمر شاهين ثقافة و علي أحمد حمدي توجيهي و عصمت أحمد حمدي ثقافة والأخ كمال ناجي موظف ويدرس بالجامعة الأخ فخري أبو العز طالب جامعي الأخر عبد الرحمن عبد الخالق جامعي الأخر أحمد كمال أبو المجد جامعي الأخ محمد مهدي عاكف جامعي وكان يلازمهم الأخ رفعت عبد الرحمن النجار الذي كان يعمل بالطيران ولكنه كان تابعا لقسم الوحدات بالمركز العام والذي كان يرأسه اليوزباشي صلاح شادي كما عرفت أن للطلبة قيادة عليا ب المركز العام وكانت شخصية هذه القيادة تملأ الأذان كما تسيطر على أغلب طلاب الجامعة والمعاهد التعليمية وذلك لما كان يتمتع به من حنكة سياسية وحكمة في المواقف الصعبة وكان صاحب هذه الشخصية القوية التي كانت أحاديثه تملأ الآفاق هو الطالب مصطفى مؤمن الذي كان يدرس بكلية الهندسة جامعة فؤاد الأول.

خواطر شبابية

كان التفكير الغالب على أذهاننا نحن الشباب في تلك الفترة من حياتنا هو كيفية مقاومة الاستعمار الإنجليزي الجاثم على صدورنا لذا فقد اتفق كل من الإخوة وائل ونعمان و عمر شاهين والأخوين علي وعصمت حمدي والأخ رفعت النجار معي على الاجتماع بمنزل الأخ وائل شاهين والذي كان يطل على ميدان العباسية وذلك بعد صلاة المغرب يوميا وذلك لدراسة طرق مقاومة الإنجليز بما يتفق مع إمكانياتنا البسيطة في ذلك الوقت وقد حرصنا على ألا يعرف أحد غيرنا من الشعبة ما نخطط لعمله، .

واجتمع رأينا جميعا على مهاجمة جنود الطيران الإنجليز أثناء عودتهم من السينما داخل المعسكرات بجوار كلية البوليس إلى مكان مبيتهم الذي كان يقع بين مستشفى الدمرداش وقصر الزعفران جامعة عين شمس حاليا وفعلا قمنا بعمل عدة كمائن خلف سور الأشغال العسكرية حيث كان يوجد مكان مهجور وأثناء مرورهم بحارة ذهني كنا ننقض عليه كالصاعقة حيث كان يخرج الأخ حمدي من مكمنه فيمسك الإنجليزي ويشل حركته من الخلف لأفرغ أنا كيسا من الرمال في فمه لكي لا يستطيع الاستغاثة وبعد ذلك يأتي باقي المجموعة يضربونه بالمطواة والزجاجات الفارغة .

وفي إحدى المرات كشفت أمرنا بعض السيدات اللاتي كن يجلسن في شرفاتهن فأطلقن صرخات عالية فهربنا حتى لا ينكشف أمرنا وحين علم بذلك الأخ شكري نائب الشعبة طلب منا أن ننقل نشاطنا بعيدا عن موقع الشعبة حتى لا تنكشف شخصيتنا وتعرف هوية انتمائنا، فاجتمعنا بمنزل الأخ وائل شاهين وقررنا أن نفعل ما نريد بعيدا عن مقر الشعبة التي كانت في شارع غرب القشلاق وفي مواجهة حارة ذهني على أن يتم ما نريده في الحديقة الكبيرة التي كانت تمتد في أول ميدان العباسية حتى مستشفى الدمرداش حيث كان بعض الإنجليز يتجولون ليلا بحثا عن إحدى الساقطات ونفذنا هذه الخطة وتم سحب بعض الجنود خلف السكة الحديد التي كانت تمر بجانب سور قصر الزعفران وفعلنا بهم ما فعلنا بسابقيهم.

وثمة حادثة طريفة حدثت لي مساء أحد لأيام أثناء عودتي من ميدان العتبة لمنزلي حيث وجدت أحد الإنجليز وكان برتبة جاويش وقد لعبت الخمر برأسه وبداخل سترته العسكرية زجاجتي خمر وبجانبه اثنان ويحاولان سرقتهما فنبهته لذلك ثم سألني عن الأتوبيس المتجه لمصر الجديدة فأخذته معي وكان يوجد كوبري حديدي يعلو بوابة القشلاق الإنجليزي بميدان العباسية ومقاما على أعمدة حديدية فسحبته لأحدهما وربطته بواسطة حزامه إلى العامود وتركته بعد أن أفهمته أنني سأحضر له الأتوبيس وعليه أن يحرص على الزجاجتين ليكيلا لا تسرقا منه واختفيت من أمامه وجلست في الناحية المواجهة له تحت شجرة بالحديقة لانتظر ما يحدث له وظل مربوطا وهو ينادي بالإنجليزية أين الأتوبيس يا جورج وظل كذلك لمدة نصف ساعة تقريبا حتى حضر اثنان من البوليس الحربي وفكو وثاقه وأخذوه معهم إلى داخل القشلاق وفي هذه الأثناء كنت حريصا ألا يراني أحد من رجال البوليس الحربي لأني أغلبهم كان يعرفني شكلا.

وفي أحد الأيام ذهبت إلى عملي مبكرا قبل الموعد بنصف ساعة وجدت أربعة خرائط كبيرة ملفوفة وملقاة على الأرض ولما فتحتها وجدت أنها خاصة بمواقع معسكرات الإنجليز على خط القناة فطويتها وأخفيتها وحضرت في اليوم التالي متنعلا حذاء أكبر من مقاس قدمي ووضعت كل خريطتين داخل الحذاء وأخرجتهم على دفعتين وسلمت الرسالة إلى الأخ وائل شاهين والذي كنت حريصا على إعطائه نسخة مطبوعة من الأوامر اليومية في بعض الأحيان....

أول مظاهرة اشترك فيها مع الإخوان

في مساء أحد الأيام في عهد حكومة صدقي باشا حضر إلينا بالعباسية الأستاذ مصطفى مؤمن بسيارة الجريدة اليومية التي كان يصدرها الإخوان وطلب الأخ أحمد كمال أبو المجد الذي لم يكن موجودا فلطب الأخ وائل شاهين الذي حاول استضافته ولكنه اعتذر لكثرة مشاعله ولم يبرح سيارة الجريدة وأسر بشيء للأخ وائل شاهين الذي غادر المكان فورا لمنزل الأخ أحمد كمال أبو المجد .

في اليوم التالي أثناء عودتي من عملي وجدت الأخ وائل شاهين ومعه باقي المجموعة ينتظرونني بشرفة منزله وأخذوا يادوني فصعدت إليهم فوجدت حقيبة بجوارها كرات من قطع القماش موضوعه داخل جوارب وطلب مني الأخ وائل شاهين أن أحملها إلى ميدان باب الشعرية حيث سيخرج الإخوان عقب صلاة عشاء اليوم بمظاهرة كبيرة لإسقاط وزارة صدقي باشا الذي كان يستوجه إلى انجلترا في اليوم التالي لإبرام معاهدة مع بيفن والتي سميت فيما بعد معاهدة صدقي بيفن، .

وكانت هذه الكرات تفوح منها رائحة الغاز وبسؤالي عنها قيل إننا سنستخدمها في إحراق عربات الترام والذي كان في ذلك الوقت شركة بلجيكية فرنسية بعد نزول ركابه وجلست معهم حتى صلاة المغرب وبعدها ذهب الجميع إلى مسجد الشعرواي بباب الشعرية وظللت بعيدا عن المسجد جالسا على مقهى في مواجهة المسجد قريبا من خط الترام وطلبت فنجانا من القهوة والذي لم أمل احتساءه إذ رأيت الإخوان يخرجون م المسجد مكبرين هاتفين بسقوط معاهدة صدقي بيفن وكانت التعليمات هي التجمع ثم التفرق لنلتقي في ميدان آخر وأثناء المظاهرة وجدت نفسي أمام الأخ عصمت حمدي فأخذ مني كرتين وأشعلهما ووضعهما تحت الترام .

ثم جاءت قوات بلوكات النظم الأمن المركزي حاليا ووقفت سياراتهم بعيدا وأخذوا يقفزون منها ضاربين الأرض بعصيهم لتفريق المتظاهرين فأشعلت كرة وقذفت بها في اتجاه هذه القوات وتابعتها بثلاث آخرين فظن البوليس أنها قنابل يدوية لأنه كان بداخلها بمب الذي يستخدمه الأطفال ومعه ملح رشيدي فعاد رجال البلوكات إلى سياراتهم ولكنهم رابطوا بعيدا عن الميدان داخل الشوارع الضيقة المؤدية إلى الميدان حيث قاموا بتفتيش المارة وأثناء عودتي إلى ميدان الحسينية وجدت نفسي وسط جمع من ضباط الشرطة فتلفظت بعبارات لم أكن أعددتها من قبل وادعيت أنني حلاق أو حسان كما يسمونه إخواننا أهل الجزيرة وأريد الذهاب إلى أحد زبائني فسخر مني أحد الضباط وقال لي عد إلى بيتك فأدرت ظهري وأسرت الخطى خشية أن ينكشف أمري فقد كان ضباط الشرطة يقومون بشم أيدي الناس للبحث عن الذين أشعلوا النيران في عربات الترام وبعد ذلك ذهبت إلى منزلي حيث قد انتهيت مهمتي التي كلفت بها.

المظاهرة الثانية

أعلن الأستاذ: أحمد السكري وكيل عام الإخوان في ذلك الوقت أو هناك ويما سماه بيوم الحريق حيث أمرنا بتجميع الصحف والمجلات الإنجليزية ووضعها في أجولة وأشعهالها في الميادين العامة على أن يتم ذلك في وقت واحد ثم التجمع في ميدان العتبة واتفقت مجموعتنا على أن نلقى بجوالنا داخل المعسكرات الإنجليزية وبعد أن نفذنا ذلك اتجهنا إلى ميدان العتبة حيث يقود الأستاذ فريد عبد الخالق رئيس قسم الطلاب آنذاك المظاهرة من ميدان العتبة مباراة بميدان الأوبرا ثم شارع فؤاد والمحكمة المختلطة دار القضاء العالي حاليا ثم انتهت المسيرة.

المظاهرة الكبرى

في ذلك اليوم امتلأ شارع الأزهر بأكمله برجال الإخوان يتقدمهم الإمام حسن البنا محمولا على الأكتاف وبعده بمسافة الأخ مصطفى مؤمن ثم الأخ سعيد رمضان فالأخ حسن دوح والأخ فتحي عثماني وقد طالب الإخوان بإعلان الجهاد من أجل فلسطين وفي هذه المظاهرة أصيب الإمام حسن البنا في عنقه عندما استخدم البوليس أسلحته النارية في تفريق المتظاهرين وبعد هذه المظاهرة بأسبوعين أعد الإخوان بالمنيرة حفلا في إحد المناسبات حيث تحدث الأخ مصطفى مؤمن فهاجم الاستعمار و الصهيونية ثم أعقبه الأخ سعيد رمضان فالأخ فتحي عثمان وجاءت كلمة الختام للإمام حسن البنا حيث تحدث عن الجهاد في سبيل الله وأن هدف المستعمر هو القضاء على الإسلام.

ظلت تلك المعاني السامية تترى على مسامعي أثناء عودتي إلى منزلي بالعباسية وعرفت ما يدبر للإسلام من مؤامرات للقضاء عليه فقررت ترك عملي بالمعسكرات الإنجليزية ثم أطلقت لحيتي وعملت مع الأخ صديق عسل الذي كان يملك إحدى قمائن الجير بالمقطم ولكن عملي لم يدم طويلا معه حيث بدأ الإخوان يعدون كتائب المجاهدين للذهاب إلى فلسطين.

إلى الجهاد

لم يكن اهتمام الإخوان قاصرا على القضايا الداخلية كمحاربة الاستعمار والتعليم وتربية الأجيال تربية صالحة تتفق وتعاليم الإسلام الحنيف ولكنها أنت تعطي أولويات القضايا للعالم الإسلامي والعربي وكانت قضية فلسطين هي قضية الساعة بالنسبة للإخوان إذ كان المرشد العام الأستاذ حسن البنا يخشى ضياعها كما سبق أن ضاعت بلاد الأندلس وبعض بلاد المسلمين الملاصقة للاتحاد السوفيتي كل هذه الأمور جعلت قضية فلسطين في المقام الأول من اهتمام الإخوان فهي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين كما أن ضياعها يعزل العالم الإسلامي بعضه عن بعض حتى يسهل على المتآمرين على الإسلام بث الشقاق بين أبناء الأمة الواحدة أمة إبراهيم عليه السلام............

وصدق الله ﴿وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون﴾............

بدأ الإخوان في عقد سلسلة من المؤتمرات لحث الحكومات والشعوب الإسلامية والعربية للاهتمام بالقضية الفلسطينية حتى أصبحت قضية كل المسلمين في أرجاء المعمورة... وهي قضية كل الناطقين بالضاد وليست قضية أهل فلسطين وحدهم وقد نجح بعض شبابهم في التسلل إلى داخل فلسطين عن طريق النقب واشتركوا مع المجاهد العربي الكبير الشيخ عز الدين القسام.

وبعد الحرب العالمية الثانية أخذ الإخوان الأعداد العملي والإيجابي للمواجهة الفعلية فأرسلوا وفودا من دعاتهم وشبابهم يستحثون الحكومات ويشحنون الشعوب لإعلان الجهاد، ولقد أدرك اليهود خطورة هذا النشاط فقاموا نبشر المقال في صحف أوربا وأمريكا يستعدونهم على جموع الإخوان المسلمين الذين يهددون مصالح أمريكا وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي على حد السواء.

وبعد أن وضحت الرؤية وجدت الحكومة العربية نفسها أمام الأمر الواقع دون أن تتحرك نحو القضية لاتخاذ موقف جاد وعملي اتصل الإخوان بعزام باشا أمين عام الجامعة العربية وتم تكوين جبهة قومية تسمى هيئة وادي النيل لإنقاذ فلسطين.

هيئة وادي النيل لإنقاذ فلسطين

تأسست هيئة وداي النيل لإنقاذ فلسطين عام 1947 من رجالات مصر المرموقين برئاسة محمد علي علوبه باشا وضمت بين أعضائها زعماء يمثلون سائر التكتلات السياسية في البلاد أمثال الإمام الشهيد حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين و محمد فؤاد سراج الدين باشا سكرتير عام حزب الوفد ومحمد صلاح الدين باشا وزير الخارجية بحكومة الوفد و إبراهيم عبد الهادي باشا قطب الحزب السعدي والأستاذ أ؛مد حسين رئيس حزب مصر الفتاة ومنصور فهمي باشا عن المستقلين والحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين ويمثله الأخ الأستاذ صابري عابدين وعن عبد الرحمن عزام باشا أمين عام جامعة الدول العربية ويمثله الأستاذ أسعد داغر أما الأخ المهندس مصطفى مؤمن فكان أمين الإعلام لهذه الهيئة ومملا لطلبة الإخوان المسلمين والجامعات المصرية فيها...

وهو الذي قام بتنظيم أول أسبوع لجمع التبرعات من أجل فلسطين وسمى أسبوع فلسطين وقد ساهم فيه الشعب بمختلف طبقاته الذي تبرع بالقرش والذي جاد بالقناطير ونقلت الحصيلة في حقائب وزكائب وسلمت لسماحة الحاج أمين الحسيني بمسكنه بمصر الجديدة تنفيذا لتعليمات عبد الرحمن باشا أمين عام جامعة الدول العربية الذي حضر واقعة التسليم والتسلم مع المرحوم الإمام الشهيد [[حسن البنا[[ وقد استغرقت تلك العملية أكثر من ثمان ساعات وعمل فيها نحو تسعة من كرام الإخوان منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وجميعهم كانوا دون ريب من المحتسبين.

وقد أخذت هذه الهيئة على عاقتها جمع السلاح والذخيرة من أي مكان وبأي وسيلة وكما بدأ المركز العام في جمع شعب وفروع الإخوان بالقاهرة والأقاليم للتدريب على القتال .

وبدأ تسلل أول فوج بعد تريبه إلى صحراء النقيب وقد عمل هذه الفوج بقيادة الأخ المجاهد كامل الشريف والشيخ محمد فرغلي ولما وجدت أن الأمر قد أصبح عملا جديا ذهبت إلى المركز العام وتسليم أنفسهم للسفر فورا إلى الأرض المقدسة .

وذهبت في اليوم التالي بعد صلاة العشاء وقف الأخ عبد الغني عابدين ينادي في فناء المركز العام على الأسماء التي وقع عليها الاختيار للخروج في هذا الفوج .

وبعد انتهاء الأسماء لم أجد اسمي بينهم فأفزعني ذلك ولم أكن وحدي بل كان مثلي العديدون الذين أصروا على عدم مغادرة المركز العام حتى يتم سفرهم جميعا لأداء رسالة الجهاد وتبادل كبار الإخوان الكلمات لتهدئة الموقف دون جدوه وقد أذهلهم هذا الموقف الفريد وتلك الروح العالية الوثابة وكنا نبكي كما لو كان قد مات لنا أعز أهلينا ولما وصل الأمر إلى هذه الحال حضر فضيلة المرشد العام وأخذ يهدئ من روعنا قائلا أنه سوف يعد كتيبة من عشرة آلاف سيكون هو على رأسها وسنكون جميعا ضمن هذه الكتيبة ثم قال إنه اتفق وعزام باشا على هذا الأمر ثم طلب منا الانصراف في هدوء.

الفوج الثاني

وبات الإخوة ليلتهم بالمركز العام لعمل جوازات سفرهم وتم ترحيلهم إلى سوريا للتدريب بمعسكر قطنة وكان على رأس هذا الفوج شخصية من الشخصيات التي لم يسبق لي رؤيتها أو التعرف عليها ولكن أثناء وجودي ب المركز العام وكان بصحبتي أخا من بلدة أجا هو الأخ محمد النبوي غبور وإذا برجل ممتلئ الجسم متوسط القامة مبتسم الوجه ذو ملامح من نور تجعل الإنسان يرغب في النظر إليه فقد كان في رشاقة الراضيين وإيمان المؤمنين كما كانت خطواته في مشيته تعبر عن عمق السلوك العسكري في نفسه .

وهمس إلى الأخ غبور قائلا لي أتعرف هذا القادم قلت لا قال: هذا هو الأستاذ محمود عبده، إنه ضابط احتياطي ويعمل بالتدريس الثانوي وله مآثر كثيرة في بلدتنا أجا دقهلية وأقدم علينا الرجل مصافحا متهلل الوجهة ثم دلف مسرعا إلى داخل المركز العام وعرفت من حديثه أنه سيكون على رأس هذا الفوج وأن عزام باشا الأمين العام ل جامعة الدول العربية اتفق مع الحكومات العربية بإعداد معسكرات لتدريب متطوعين من دول الجامعة على الأعمال الفدائية وحرب العصابات وأن تقوم الجامعة بالإنفاق على قوات المتطوعين في كل القطاعات وإمدادهم بالسلاح والذخيرة.

معسكر الهايكستب

في ديسمبر عام 1947 تسلمت الجامعة العربية معسكر الهاكستب الذي يقع على بعد عشرة كيلو مترا تقريبا لأعداد المتطوعين وتدريبهم واتصل عبد الرحمن عزام باشا أمين الجامعة بالإخوان وحزب مصر الفتاة وذلك لإرسال متطوعيهم إلى إدارة التجنيد بالعباسية للكشف الطبي وترحليهم إلى المعسكر وأعلن الإخوان بجريدتهم اليومية عددا كيرا من الأسماء التي سجلت عندهم وطلبوا لتوجه إلى إدارة التجنيد لتوقيع الكشف الطبي.

أمسكت بالجريدة بحثا عن اسمي ولكن لشدة لهفتي لم أره فبكيت ولكن وكان معي أخر قريب للأخ غبور فأمسك الجريدة من يدي وأخذ يقرأ الأسماء حتى عثر على اسمي فبادرني قائلا هذا هو اسمك فتغير الحال بالنسبة لي وسرت في نفس البهجة وأحسست أني مقدم بمشية الله على عمل كبير أرجو من الله أن يكون كله في ميزان حسناتي يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

كيف تمت عملية الكشف والترحيل

الواقع أن عملية الكشف كانت صعبة جدا فبعد أن انتهى الكشف الطبي بمركز التجنيد قادنا بعض صف الضباط إلى أحد المعسكرات بمنشية البكري، وفي فناء كبير وقفنا في ثلاث صفوف وحضر بعض الضباط وأخذوا يمرون أمام كل صف متطلعين إلى وجهنا غير مكتفين بالكشف الطبي وأخرجوا حوالي عشرة أفراد خارج الصفوف ثم حضرت سيارات اللوري التي حملتنا إلى الهاكستب الذي كان أحد معسكرات الجيس الأمريكاني أثناء الحرب العالمية الثانية:

كانت كل سيارة تصل الهاكستب بها وصف ضباط معلم يصدر أمرا بالنزول من السيارة والوقوف طابرو في ثلاث صفوف ثم يتحرك بنا إلى مخزن كبير ليأخذ كل منا سريرا وما يلزمه من فراش ثم العودة إلى أحد اللعنابر ليضع كل منا سريره في نظام وكان بكل عنبر دورة مياه خاصة وبعد أن تم وضع فراش كل فرد في صفوف متراثة ثم أخذ صف الضابط المعلم الذي كان يلازمنا يشرح لنا عملية ترتيب الفراش المطلوب كنظام الجيش صم طلب منا النوم فورا نمت ليلة هادئة واطمأنت نفسي لأن الله قد حقق لي بداية الأمل الذي لم أكن أعرف عنه شيئا قبل أن أنتمي إلى الإخوان .

ودارت في رأسي دورة أخذت أقلب فيها حساباتي القديمة مع عهدي الحديث وأني لأحمد الله الذي جعلني أشعر دائما بالانتصار على الشيطان في كل صراعاتي مع نفسي حتى أنني أصبحت أومن إيمانا عميقا أن الإنسان حينما يشعر بصراع داخلي يجب عليه أن يتنبه إلى أنه صراع بين طرفغين أحدهما حق والآخر باطل والحق دائما يحاط بالمصاعب والمشاق ولكن نهايته لذه ونشوة وبالباطل دائما يحاط بغرور قاتل وزهو خبيث ولكن نهايته بجح فاضح وحق دفين وأحسست أن نفسي الحاضر قد انتصرت على نفسي الماضي فحمدت الله قائلا يا ربي لك الحمد والشكر كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطاتك.

وفي صباح اليوم التالي ذهبنا إلى مخزن الملابس وتم صرف غيارين داخلي وقميصين وبنطلونين من الزي الكاكي وحذاء برقبة أمريكاني أسود وشرابين ولكها مما كان يستعملها الأمريكان وكذلك طاقية كانت تسمى باريه، وبعد استلام المهمات العسكرية من المخازن التي تركها الأمريكان بعد رحيلهم أتجه بنا الجاويشية المعلمين إلى أرض التدريب والتي أعدتها القيادة المكلفة بذلك ودارت في رأسي عدة أشياء لم أكن أشعر ها من قبل فأحيانا أشعر بتنميل خفيف ثم رأسي تدور شاخصتا وكأني في حلم معلق في الهواء ثم أفيق لا تنبه لما نحن فيه وما وصلنا إليه هل هو حقيقة؟

وأعتقد أن ما وصلت إليه إنا حتى هذه المرحلة من الواقع والحقيقة والتغير المعنوي الكبير الذي لم أطمح إليه من قبل وكانت نظرتي إليه مجرد خيال يراودني ولكن الفضل في ذلك يرجع إلى الرجل الذي وهب نفسه وحياته لهذه الدعوة الخالصة لله تبارك وتعالى وزاده من علمه ومنحه القدرة على التأثير حتى يتاسر به الناس وذلك رغم أني لم أحظى بالمثول بين يديه طيلة هذه السنوات الماضية.

وإنما كن أراه وأسمعه وأتقابل معه ككل الناس فقد كنت أراه وأستمع إليه وأتابعه داخل القاهرة أما طوافه بالأقاليم متجولا في مدنها وقراها فلم يكن باستطاعتي متابعته فقد كان ينتقل دائما بشكل يثير الإعجاب حتى أن كتبا كبيرا كتب في أحدى المجلات الأسبوعية يقول: لو أن حسن البنا في أقصى الصعيد وعطس لرد عليه أتباعه في الإسكندرية قائلين يرحمكم الله ويرجع ذلك إلى قوة تأثير الرجل والنظام الدقيق الموضوع لاتباعه ومريديه...

إعداد معسكر الهاكستب لتخريج كتائب المتطوعين

كان معسكر الهاكستب أحد معسكرات القوات الأمريكية التي تواجدت في مصر أثناء الحرب العالمية الثانية وقد وقع اختيار إدارة التدريب الجامعي والتي كلفت من قبل جماعة الدول العربية على هذا المعسكر لترديب المتطوعين وكان به بعض مخازن المهمات المليئة بالملابس العسكرية لتوزيعها على المتطوعين.

لماذا اختير ضباط ومعلموا التدريب الجامعي لهذه المهمة بالذات

بعد أن تم الاختيار لأكفأ ضباط التدريب الجامعي للقيام بهذه المهمة التي تعد الأولى من نوعها منذ زمن طويل لم تذخر فيه الأمة العربية كلها بهذه الروح العالمية الوثابة التي تحمل المبادئ القومية وليست شعارات ينادي بها بل الحقيقة التي كانت ثمرة عمل تربوي طيلة سنين مضت بل منذ بدئ الدعوة من الإسماعيلية حتى الحلمية مستقر لها إن هذه النوعية المتجددة لابد لها من قدرات عالية كي تستطيع التعامل معها ذلك لأن المتطوع دون مقابل أو غرض شخصي أو هدف دنيوي يختلف كثيرا عن المجند إجباريا حتى أني سمعت قائد المعسكر مع أركان حربه يتحدثون غن الكتيبة الأولى قائلين أن هذه الكتيبة ي خلاصة مصر ولم يكن هذا التعبير صادرا عن كون هؤلاء الناس هم أول من تقدم إلى التطوع ولكن الروح والخلق وكل ما ظهر من متطوعي هذه الكتيبة كان يعبر عن الفطرة الخالصة.

التشكيل القيادي لمعسكر التدريب

1 - بكباشي أركان حرب مقدم حسين أحمد مصطفى أفندي قائدا.

2 – يوزباشي أركان حرب (نقيب) علي الحفناوي أفندي أركان حرب العمليات.

3 – يوزباشي أركان حرب نقيب أحمد عطية أفندي أركان حرب التموين.

4 – ملازم أول أحمد رأفت بسيوني أفندي للتدريب.

5 – ملازم أول أبو بكر المنزلاوي أفندي للتدريب.

6 – ملازم أول صلاح المراسيٍٍ أفندي للتدريب.

7 – ملازم أول محمد عطية أفندي للتدريب.

8 – ملازم أول كمال بشاره أفندي للتدريب.

وذلك بخلاف اربعة معلمين وواحد للتموين وكلهم برتبة جاويش يرأسهم بيت جاويش كما أعدت القيادة عيادة طبية لزوم المعسكر.

بدأت المعلمون يتنظيم الكتسبة بعمل سرايا كل سرية تتكون من فصيلتين وكل فصيلة تتكون م ثلاث جماعات وبدأ الأسبوع الأول بتعليم الخطوة العسكرية والضبط والربط وكان ذلك أمر يسيرا بالنسبة للإخوان فالمعروف أنهم كانوا يمارسون هذه المهمة في كل تصرفاتهم في عاداتهم وتقاليدهم وخاصة في رحلاتهم الجماعية فالطاعة عندهم واجبة فعليها تسير الأمور دون توقف حتى لو تعثرت بعض الشيء فالمهم كله من الناحية العسكرية هو عدم النقاش وكثرة الجدل الذي قد يؤدي إلى تردد.

وفي الأسبوع الثاني بدأ حمل السلاح ووزعت البنادق وتم تعيين حكمدار لكل جماعة ثم حكمدا لكل فصيلة.

وبعد الأسبوع الثاني كانت الجدية واضحة في كل شيء وتم التعليم على استعمال الأسلحة الصغيرة كالبنادق والرشاشات بأنواعها كالتوميجن والبرن ومدافع الهاون 62 ملل وبندقيةي البويز،

كما كانت هناك محاضرات عن إعداد واستعمال المواد الناسفة والتعمق دخل الصحراء ليلا ونهارا لتعليم المشي والزحف وعمليات القتال والدوريات الليلة، ولذلك أعيد تنظيم الفصائل من جديد فكان كالآتي:

ثمانية فصائل مشاه فصيلة للمفرقعات والمواد الناسفة.

فصيلة مدفعية الهاون .

فصيلة الويز مجموعتين لأعمال اللاسلكي.

وبعد مضي شهر ونصف من أعمال التدريب الجدي فكرت قيادة المعسكر في تنظيم الرتب القيادية في وضعها الطبيعي فبدلا من حكمدار أصبح قادة الجماعات برتبة أمباشي ومساعد قائد السرية التي كانت تحتوي على فصيلتين فكان لكل سرية أحد الضباط المشرفين على الدريب برتبة الملازم أول وكان ضباط السرية التي كنت أنتمي إليها وهي السرية الثانية الملازم أول أحمد أفندي رأفت بسيوني والجاويش المعلم فراج السيد فراج الذي كان يبيت معنا ليلة كل أسبوع وهي ليلة نوباتجيته وكان يراقب كل تصرفاتنا سواء أثناء التدريب أو بعده كما أنه كان متدينا يحافظ على أوقات صلاته .

وكان يلاحظ أني صامت دائما لا أكثر من الكلام ولا أحاول الاستخفاف عن طريق الثرثرة أو المزاج وفي ليلة نوباتجيته همس إلي قائلا أريد الانفراد بك وكان أمرا طبيعيا أن أستجيب له فهو المعلم الذي يلقننا تعليمات حضرة الضابط رأفت أفندي بسيوني وكان أول ما وجهه إلى قال لماذا أنت حزين دائما وما الذي يمنعك من أن تكون مرحا تتجاوب مع كل زملائك وكان ردي عليه أنني متجاوب ولست حزينا ولكن الذي يؤرقني أننا نبيتي داخل عنابر وننام على أسرة مفروشة ونأكل كما لو كنا في بيوتنا وقد سمعنا من حضرة الضابط أبو بكر المنزلاوي أفندي أثناء محاراته لنا عن المواد الناسفة أننا سوف نفترش الأرض ونسكن الجبال ونأكل مرة ونجوع مرات فلم لا نعود أنفسنا على ذلك من الآن .

وحتى لا نفاجأ بالمصاعب تقهرنا فقال الآن نحن في الشتاء والأمطار هنا في الصحراء تكون غزيرة قلت يقا أن الأمطار هناك ثلوج وليست مياها سائلة فقا أنا أريد أن أبلغك أمرا نقلا عن حضرة الضابط رأفت أفندي بسيوني ويجب أن تعرف أن ما سأقوله لك هو في مصلحتك قلت أعتقد أن لا مصلحة هنا لأحد ما هو الأمر قال عليك بأن تعد نفسك لمناورة ليلية وذلك بعمل دوريات مقاتلة بالاشتراك مع بعض الفصائل الأخرى مع استعمال البوصلة كما أمر أن أبلغك أنه تم اختيارك ضباط رتبة الملازم ثان، وكنت أظن أن الضباط لا يدخلون المعارك فانفجرت غاضبا .

ومعترضا على هذه الرتبة وقلت أنت تريدونني أن أجلس على مكت لإعطاء أوامر وآخذ تمام من الصف فقال لا أنت غير فاهم أن القائد دائما هو الذي يتقدم ليحرك من معه من صف وجنود بالإشارة أن عملية المكاتب ليست من اختصاصكم ولكنه اختصاص أناس آخرين وقد رأيت بنفسك مناورة الاقتحام النهارية التي قام بها لبيب الترجمان وفطين عبد الحميد، كمال عامر، وقد كانوا جميعا في مقدمة فصائلهم ثم نقل الثورة إلى رأفت أفندي بسيوني الذي أصر على تمسكه بي والواقع أنني كنت أخشى فشلي في القيام بتلك المهمة لأن فصيليتي كان بها بعض الأفراد غير الإخوان وكنت أخشى من تباين أخلاقهم أو انحراف سلوكهم...

وأذكر أنه كان بيننا ذمي من أقباط مصر وكان يتميز بدماثة الخلق ..

وبعد معاشرة استمرت أياما أخذ يحضر معنا صلاة الجمعة في المعسكر وقد كتبت له الشهادة في أول مواجهة لليهود وكان فيها شجاعا مستبسلا وقد سمعه كثير من الإخوان المقاتلين معه وهو ينطق بالشهادة في زفراته الأخيرة وقبل رجوع نفسه المطمئنة إلى باريها...

وفى اليوم التالى قابلني رأفت أفندي بسيوني ومعي الجاويش فراج فسألني عن سبب عدم موافقتي على الرتب فنظرت إلى الجاويش فراج دون أن أنطق بكلمة فرد هو بسرعة قائلا الجاويش فراد قال لي وأنت فاهم خطأ ولم يكن اختيارك بدافع من عندي وحدي ولكن قيادة المعسكر قررت هذا الرأي ولم يحدث أي تغيير في الفصائل الأخرى ولكن سيتم سحب بعض الأفراد لأعداد ثلاث فصائل أخرى متخصصة ومجموعتين للتليفونات...

وقد تمت عملية المناورة القتالية ليلا وتفوقت المجموعة التي كنت أشرف على قيادتها ورجحت كفتها تماما على كفة المجموعة القتالية الأخرى التي كان يقودها الملازم متطوع عبد العزيز حماد.

التوزيع الجديد للقيادات والتخصصات للمتطوعين

السرية الأولى:

1- ملازم ثان متطوع مصطفى جاد قائد فصيلة أولى مشاة.

2- ملازم ثاني متطوع محمد مسعد قائد فصيلة ثانية مشاه.

السرية الثانية:

الثلث من مصر الفتاة والثلثين من الإخوان

3- ملازم ثان متطوع محمد عبد الحميد قائد فصيلة ثالثة مشاه.

4- ملازم ثان متطوع حسين أحمد حجازي قائد فصيلة رابعة مشاه.

السرية الثالثة:

كلها من الإخوان:

5- ملازم ثان متطوع أحمد لبيب الترجمان قائد فصيلة خامسة مشاة.

6- ملازم ثان متطوع عبد العزيز حماد قائد فصيلة سادسة مشاة.

السرية الرابعة:

كلها من الإخوان

7- ملازم ثان متطوع فطين عبد الحميد قائد فصيلة سابعة مشاه.

8- ملازم ثان متطوع كمال محمد عامر قائد فصيلة ثامنة مشاه.

9- ملازم ثان متطوع اسماعيل الفرماوي قائد فصيلة تاسعة مفرقعات.

10- ملازم ثان متطوع محمد نور الدين قائد فصيلة عاشرة بويز.

11- ملازم ثان متطوع عبد الرحمن نور الدين قائد فصيلة إحدى عشر مدفعية هاون.

وذلك بخلاف مجموعتين للتليفونات وأعمال اللاسلكي.

وكل فصيلة تتكون من ثلاث جماعات وكل جماعة مكونة من سبعة أفراد يرأسهم أمباشي عريف فيكون مجموع أفراد الفصيلة 21 فرد+ 3برتبة أمباشي ومساعد قائد الفصيلة برتبة جاويش ثم قائد الفصيلة ملازم ثان، وبذلك يكون مجموع كالبيان الآتي:

231 أفراد مشاه.

14 أفراد تليفونات لاسلكي.

33 أمباشي.ط.

11 جاويش .

11 ضابط برتبة ملازم ثان.

مجموع قوة الكتية الأولى 300

وحتى هذه المدة المنقضية طال شهرين يبذل فيها العمل الجاد والجهد المضني من رجال مؤمنين صدقت نيتهم شكر الله لهم حسن صنعهم وجزاهم الله عنا خير الجزاء انتهى التدريب على جميع الأسلحة الخفيفة بعملية ضرب النار عند تبة ضرب النار، .

ثم جئ ببعض المعلمين خريجي معهد التربية الرياضية للتدريب على المصارعة اليابانية وبعض الحركات الخاصة بالمقاومة والمواجهة وجها لوجه ونصبت عدة معابر وموانع بالحبال والخشب وحديد الزوى والأسلاك الشائكة وكسر الزجاج وعض الأجهزة الخاصة بالألعاب الرياضية العنيفة وسمي ذلك كله بالتكتيل العنيف .

ومضى على هذا التدريب الجديد شهرا كنا نمضي اليوم كله فيه فبعد انتهاء المصارعة اليابانية نذهب لتناول الغذاء بالملبس وبعدها راحة لمدة نصف ساعة ثم نذهب إلى التكتيك العنيف الذي نظل به حتى المساء وبعد انتهاء كل التدريبات حضر إلى المعسكر سمو الأمير عبد الكريم الخطابي أمير المغرب العربي وتفقد المعسكر ثم استعرض الكتيبة ثم غادر الهاكستب.

كان ذلك في منصف شهر مارس سنة 1948 والقيادة مشغولة بإعداد السلاح والذخيرة والتموين الخاص بالكتيبة .

وفي 20 مارس جمعنا قائد المعسكر أمام المكاتب ثم خرج علينا من مكتبه ومن خلفه أركان حربه، وبعد أن أدينا له التحية العسكرية دخلوا ثلاثتهم في المربع الذي يتوسط الطابور وقال البكباشي حسين أحمد مصطفى أريد أن أتكلم معكم كثيرا وسوف نسمع عنك الكثير ثم قال: لقد مكثتم معنا هنا أربعة شهور كنا نرقب فيكم كل شيء فعرفنا عنكم ومن خلالكم أنكم صفوة هذا البلد معنويات عالية روح جديدة استعداد غير محدودكل هذا جعلنا ننظر إليكم نظرة بعيدة المدى وغير محدودة وقد بذلنا كل جهدنا لتسهيل مأموريتكم وأوجدنا لكم كل ما استطعنا إيجاده من تسليح وتموين ومهمات وذلك بالرغم من كل الصعاب التي واجهتنا وأنا طلبت لكم مرتبات، وفي نفس واحد رفض كل الإخوان مبدأ المرتبات وحاول القائد اقناعنا دون جدوى.

وتم الاتصال بفضيلة المرشد العام الذي حضر في اليوم الالي وتم جمع كل ضباط الفصائل وأخذ فضيلته يستمع إلينا متهلل الوجه منشرح اصدر لما سمعه منا، وبعد أن انتهينا من اعتراضاتنا بدأ فضيلته يتحدث قائلا سمعت كل ما هو جميل وعرفت الآن أننا بدأنا قطف ثمار ما زرعناه في السنوات الماضية أما وقد اطمأن قلبي إليكم فإني لا أخشى عليكم الدين بأسرها.

وأحب أن أقول لكم أقبلوا هذه المرتبات فسوف تحتاجون إليها ولابد من لزوم بعض المال معكم فسوف تسكنون الصحرا وتفترشون الأض وتلتحفون العراء ولا تستطيعون أن تحملوا معكم مؤنكم فيكون معكم المال عوضا وما أبديتموه ليس اعتراضا ولكنه ثمرة ربايتكم وأصالتكم وأنه لدليل قاطع على أنكم أنتم جند الله في عصركم هذا وجيلكم هذا واعلموا أنكم ستواجهون مشاكل كثيرة فستجدون أطفالا ونساء وشيوخا أخرجوا من ديارهم عنوة فإن استطعتم أن توفروا لهم شيئا من أرزاقكم فخيرا ما تفعلون أدع الله لكم التوفيق وأسأله أن يجعل لقاءكم نصرا ومن موتكم شهداء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

انتهت عقدة المرتبات وبتنا ننتظر الرحيل وفي 23 مارس 1948 وضرب البروجي لجميع الكتبية أمام المكاتب وخرج علينا البكباشي حسين أحمد مصفطى يرافقه ثلاثة من الضباط أحدهم برتبة البكباشي واثنين برتبة اليوزباشي ثم قدم لنا البكباشي قائلا بكباشي أركان حرب أحمد عبد العزيز هو الذي سيتولى قيادة كتيبتكم الأولى في فلسطين طلب هو وبعض الضباط الوطنيين الخروج للاستيداع من الجيش ليذهبوا معكم متطوعين.

ثم تقدم البكباشي أحمد عبد العزيز يخاطبنا وتقدم أحد مرافقية هو اليوزباشي عبد المنعم عد الرؤف الذي أخذ يمر أمامنا متفحصا وجوهنا وكنا نخشى أن تكون عملية غربلة أو تصفية أخرى كالتي حدثت بإدارة التدري بمنشية البكري بعد الكشف الطبي ولكنه أنهى طوافه دون أن يخرج أحد لكن القائد الجديد الذي كان يخاطبنا أنهى كلامه بكلمات أثارت الدهشة في نفوسنا وكادت تحدث بلبلة ويرجع ذلك إلى عدم درايته بنوعيتنا التي كانت حدثا تاريخيا لهذا العصر، .

وذلك حينما قال لا تخافوا كلكم ستعودون لا هليكم وذويكم ضباط كلكم ستكونوا ضباط الأمر الذي جعلنا نفكر أننا مقبلون على عمل تهريجي أما اليوزباشي عبد المنعم فقد طلب أن يجمع مع الضباط المتطوعين ولما اجتمعنا به قال لنا أنتم خلاصة البلد وجوهكم عليها علامات كثيرة واحنا اتفقنا داخل مكتب القيادة الآن أن نوفر لكم ما أمكن من العتاد والسلاح الذي يضمن لكم تسهيل عملياتكم ولن نرضى أبدا أن نضحي بكم فلابد من وجود مدفعية معكم ويوجد ضباط كثيرون بالمدفعية يريدون الذهاب معكم وهم خلاصة ضباط الجيش وقد اتفقنا أن نذهب إلى عزام باشا غدا ونصر على أن يذهب معنا إلى حيدر باشا القائد العام للضغط عليه حتى يستجيب لطلبنا وكان لكلامه أثرا حسنا في نفوسنا أزال البلبلة التي علقت بأذهاننا وانصرفت القيادة الجديدة بعد أن صافحوا واحدا واحدا وبعد ذلك ذهب كل منا إلى رجاله ليطمئنهم ويحكي لهم ماتم.

وفي يوم 28 مارس كانت الكتية كلها في حالة جمع أمام المكاتب وخرج علينا ضباط برتبة صاغ طويل القامة عريض الكتفين تقسيمه يدل على أنه يمارس الرياضة ذو صوت أجش وكان يمسك بيده إحدى الجرائد اليومية التي كتبت على صفحتها الأولى خبير استشهاد الاثنى عشر أخا من الفوج الأول والثاني في معركة مع مستعمرة كفار ديروم بدير البلح وما قاله الطبيب الإنجليزي مدير مستشفى غزة في ذلك الوقت لو أن معي اثنى عشر ألفا من هؤلاء لحاربت بهم العالم وفرد لنا الجريدة لنرى ما كتب بالبنط الأحمر العريض ثم قال أنتم مطالبون بأن تعيدوا تاريخ أمجادكم وأعلموا أن فلسطين ليست هي النهاية ولكنها بداية المعركة والرحلة طويلة وشاقة عليكم تحملها بالصبر فأنتم الأمل المعقود.

وبعد أن انتهى من حديثة عرفنا أنه الصاغ محمد رشاد مهنا الذي كان مكلفا بترحيل القوات وما يلزمها من امدادات.

وفي 30 مارس وزع علينا كشوف المرتبات وقد تقرر أن تصرف لنا على أساس أننا مازلنا داخل الحدود المصرية فصرف نصف المرتب والواقع أننا لم نكن بحاجة إليه فلباسنا عسكري وقد تسلمنا كل ما يلزمنا من ملابس وفراش وهذه عهده عسكرة وغذاؤنا نحصل عليه في مواعيده كالنظام المتبع في كل جيوش العالم وذلك بخلاف كميات كبيرة م الأطعمة الجافة من أنواع المعلبات كل هذا كان يغنينا عن صرف نصف المرتب الذي صرف في شهر أبريل لأننا سنعيش هذا الشهر داخل معسكرات متنقلة حتى نعبر الحدود وأن يضاف المبلغ لحساب الهيئة المكلفة بجمع السلاح والذخيرة ولكنهم صرفوا هذه القيمة على اعتبار أننا سنغادر معسكر الهاكستب في الأسبوع الأول من أبريل وربما لا تساعدنا الظروف على تجهيز غذائنا حيث نكون في حالة رحيل مستمر أما المرتبات التي قررت الجامعة صرفها لنا داخل الأرض المقدسة فكان كالآتي:

12 جم للملازم- 6جم للجاويش- 5جم للأمباشي- 4جم للجندي تم صرف نصف مرتب أبريل على هذا النحو في يوم 2 أبريل سنة 1948 وفي المساء أعدت قيادة المعسكر حفلة الوداع في الميس وكانت سهرة ممتعة بدأها الأخ أحمد عبد الهادي الذي كان يعمل ترزيا وترك محله من أجل الجهاد تطوعا في سبيل الله وكان نائبا لشعبة الموسكي، فشكر لقيادة المعسكر وضباطه معلميه حسن استقبالهم ومعاملتهم صم تودعهم لنا ووعدهم أننا سنكون عند حسن ظنهم وسوف يعلمون أن ما قدموه لنا كان تعبيرا صادقا عن إخلاصهم لدينهم وسمة من سمات أخلاقهم ودليلا على وظنيتهم وكان ذلك تعبيرا صادقا من الأخ أحمد عبد الهادي إذ ظهر ذلك كله أثناء الرحيل.

وحدث شيء طريف صباح هذا اليوم قبل صرف المرتبات، إذ كان في فصيلتي قائد جماعة من غير الإخوان اسمه عطيه برتبة أمباشي فكان هزليا كثير المزاح وكثيرا ما طلبت منه أن يكف عن ذلك وبقلت جدارته بالتربة التي يحملها بجديته ولكنه كان يسخر من كلامي له وكان ذلك بعد صلاة فجر ذلك اليوم وفي حضور الجاويش المعلم فراج الذي أخذ يراقب التصر فات بدقة فما كان من إلا أن ذهبت إلى مركز الحراسة وأحضرت أحد جنود الحراسة ثم قمت بتجيده من رتبته وعينت مكانه الأخ عبد الوهاب البتتوني قائدا للجماعة ثخم وضعته في السجن ولم يعترض الجاويش فراج على شيء مما حدث ولكنه طلب مني عدم أي تعديل في الأسماء في كشف المرتبات وكان يضحك مقهقها وهو يقول لا خوف عليك ولكن ما كان يجب أن تجري أي تعديل في الكشف حتى يحضر حضرة الضابط رأفت أفندي بسيوني ولكن في الواقع أني قد تصرفت على اعتبار أن هذا من حقي وزادني إقناعا عدم تدخل الجاويش فراج حتى النهاية .

ولم يحدث أن أعترض على شيء سوة عملية العزل على اعتبار أننا لم نبرح الهاكستب وكان يجب أن أنتظر رأفت أفندي الذي كان سيحقق لي رغبتي في العزل ولكن عن طريقه وطلب الجاويش فراج أن أحضر عطية من كرقول المعسكر ويكفي ما حدث ولكني رفض على أعتبار أن ذلك فيه إهانة لي فضح وقال اسمح لي أن أذهب أنا لإحضاره فقلت تستطيع أن تتصرف دون إذن، ثم ذهب فأحضره ولامه على تصرفاته ولم يأه عطيه بما قاله له وحضر الضباط بالمكاتب وأخذني الجاوش فراج جانبا وقال سأذهب لإبلاغ رأفت أفندي بسيوني بما حدث وكان ذلك في حضور أركان حرب تدخل في تعقل وقال هؤلاء سيتصرفون مع بعضهم في المستقبل وكان يجب أن نعطي لهم الفرصة في مثل هذه الأمور الخطيرة حتى نرى كيف يتصرفون .

في مثل هذه المواقف ونطمئن عليهم ثم حضر رأفت أفندي بسيوني بما حدث وكان ذلك في حضور اركان حرب اليوزباشي علي أفندي الفناوي وفزع رافت أفندي لتخطية ولكن أركان حرب تدخل في تعقل وقال هؤلاء سيتصرفون مع بعضهم في المستقبل وكان يجب أن نعطي لهم الفرصة في مثل هذه الأمور الخطيرة حتى نرى كيف يتصرفون في مثل هذه المواقف ونطمئن عليهم.

ثم حضر رأفت أفندي بسيوني ولا منى على تخطية وتأسفت له على هذا ولكني أفهمته أنه كان يثيرني باستفزازاته المستمرة وقلت إذا كنت يا أفنيد تحب إعادته فقاطعني قائلا ليس ذلك هو الموضوع وان عودته لرتبته أخطر لأن ذلك معناه أنك سوف لا تستطيع أن تسير الأمور ثم قال اعتبر الموضوع منتهي وفراج قال كل ما حدث ولك الذي ضايقني أنك تخطيتني فقلت لم أقصد يا أفندم ولكنه كان يزيد في إثارتي فقال أنهي الموضوع واستعدوا للرحيل.

وفي صباح 3 أبريل صدرت الأوامر بالاستعداد فوضع كل واحد مهماته في الكتباج المخلة والجريندية وتطبيق البطاطين + لحاف كيس وفي المساء حضرت سيارات النقل محملة بالذخيرة والبنادق الإنجليزي لي أنفلد وعدد قليل من مدافع الهاون ورشاشات البرن وبنادق البويز وكميات من المواد الناسفة كالجلجينايت وقوالب قطب البارود وت . أن. ت وعدد من الخيام وصحب هذه السيارات اليوزباشي محمد عبد السلام والملازم ثان محمد حسن وطلبوا بعض الأفراد لحراسة السيارات في طريقها ليلا إلى العريش وفي الصباح الباكر 4 أبريل حضر الصاغ محمد رشاد مهنا وبصحبته عدد من أتوبيسات السفر من النوع الفخم المزود بدورات مياه وكانت تابعة لشركة الحاج محمد يوسف بامبه وسائقيها [بفلسطين]]يون.

تجمعت السيارات بأرض العرض واتجهنا كل فصيلة أخذت مكانها أمام سيارة ونظرنا إلى الضباط المرافقين فلم نجد فيهم البكباشي أحمد عبد العزيز أو اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤف ووجدنا ثلاثة ضباط آخرين هم البكباشي محمد زكريا الورداني من سلاح المهندسين والملازم أول حمدي واصف والملازم ثان خالد فوزي وظننا أنه ربما يكون قد حدث تغيير نتيجة احتكاك بينهما وبين حيدر باشا القائد العام للقوات المسلحة خصوصا اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤف المعروف بانتمائه للفريق عزيز باشا المصري والذي ضبط معه أثناء هروبهم بالطائرة في أوائل الحرب العالمية الثانية سنة 1940 ولكن بسؤالنا عرفنا أنهم سيحلقون بنا في العريش.

لمسة وفاء

مر علينا جميع ضباط المعسكر قبل أن نركب السيارات مصافحين معانقين تنهمر دموعهم وكان أغلبهم يضع على عينيه النظارات الغامقة وبعد أن دخلنا كل فصيلة داخل سيارتها وضرب البروجي معلنا نوبة الوداع كانوا يقفون صفا واحدا ودون أن يتملكوا أعصابهم سمع بكاؤهم وشنئتهم وكأنهم فقدوا أعز ما عندهم.

غادرت سيارتنا الهاكستب وسط هذا المشهد المهيب الذي خيمت عليه روح الأقدام والفداء ممن غادروا وروح الوفاء والامتنان لمن دربوا وصنعوا .. صنعوا الرجال.. إنها أصعب وأدق صناعة ..

وصدق الله في الذكر الحكيم (واصطنعتك لنفسي)!!

بعد مغادرة الهاكستب في التاسعة والنصف من صباح 4 أبريل سنة 1948 اتجه ركب السيارات إلى صحراء مصر الجديدة ثم اتخذ طريقه إلى الإسماعيلية التي وصلنا إليها في الساعة الثانية عشر وقد وقفت السيارات غرب القناة وذهب البكباشي زكريا والورداني الذي كان يركب معي إلى المسئولين عن عبور اقوات عن طريق الكوبري إلى القنطرة شرقا ومعه الملازم أول حمدي واصف وبقى معنا الملازم ثان خالد فوزي وكان وقوفنا بجوار سور أحد المعسكرات الإنجليزية الخاصة بالأسرى الألماني وكان بعض الأسرى يتجولون خارج السور ووقفوا يتطلعون إلينا كما لو كانوا يحاولون التحدث معنا دون جدوى .

وذلك لعدم معرفة اللغة الألمانية ولكن عندما سألناهم عما إذا كان أحدهم يعرف الإنجليزية تقدم اثنان منهم وقالوا أنهم يستطيعون معرفة بعض الكلمات فأخبرناهم أننا متطوعون من أجل فلسطين ولما عرفوا أننا سوف نقاتل اليهود عرضوا علينا أن نخفيهم حتى نعبر القناة وسيذهبون معنا لقتال اليهود وكان البكباشي الورداني قد عاد ولم يوافق على هذا الموضوع مدعيا أنه ليس من حقه التصرف في مثل هذه الأمور وعجبنا لموقفه ولكن الملازم خالد فوزي عرفنا أن الورداني لا حيلة له وأنه يخشى الصدام مع أحمد عبد العزيز وأسفنا لهذا الموقف ثم تابعنا عبور الكوبري إلى شرق القناة ثم إلى سيناء .

وكان يتبعنا في خط السير كتيبة أخرى من أربعة سرايا كل سرية بها خمسون متطوعا على رأس هذه الكتية اليوزباشي محمد سرور السوداني ومعه الجاويش بشير الليبيي وقد تم تدريب هذه الكتية بمعسكر السلوم وحضرت إلى الهاكستب قبل الرحيل بثلاث أيام ولكن لم يحدث أي اختلاط بيننا إلا في العريش التي وصلناها قبل الغروب وقد اتخذنا الحجر الصحي معسكرا لنا ونصبت الخيام أمام مبانيه.

وفي الصباح حدث احتكاك بين الليبيين والملازم ثان البكباشي الورداني حضر وأنهى الموضوع مع الجاويش بشير الذي كان معتقلا هو وأحد مساعديه اسمه محمد إدريس وكانت الكتيبة الليبية مشكلة من الليبيين وجزائريين وتونيسيين ومراكشيين بلاد المغرب العربي وكان التونسيون والجزائريون والمراكشيون يشكلون سرية واحدة أما باقي الكتبية فكان من الليبيين وبعض اليمنيين.

رفض هؤلاء أن تعطي لهم أوامر من أي قيادة حتى يحضر قائدهم الذي عايشهم فترة التدريب اليوزباشي محمد سرور السوداني الأصل والذي كلف من قبل الجامعة العربية بهذه المهمة والذي كان قد تخلف في [[القاهرة] للحضور مع البكباشي أحمد عبد العزيز مكثنا حوالي أسبوعين ففي الثلاث أيام الأولى كان البكباشي الورداني يأخذنا إلى البحر الذي لم يكن بيعد عن مكان المعسكر بأكثر من خطوات معدودة وذلك بقصد الاستحمام ولكننا مللنا هذه العملية التي تصورناها على أنها مجرد لهو .

وكان يبج أن نباشر بعض التدريبات والمحاضرات خاصة أنه كان يعمل بسلاح المهندسين.

وذات يوم صباحا كنت أجلس مع الملازم ثان خالد فوزي وسألني لماذا أقطب جبهتي دائما ولا أضحك أو حتى أتكلم كما يفرفش الآخرين فنظرت إليه قائلا لقد بدأت أشعر بالكثير من عدم الاكتراث فقال أرجو أن توضح فقلت بصراحة هذه الرجل صاحب الرتبة الكبيرة غير مؤهل للقيادة إننا نريد أن نستغل طبيعة الأرض هنا ونطبق ما دربنا عليه فوق الطبيعة فقال ليست هذه مهمته ولن غدا سنبدأ عمل دوريات قتالية وسأنبه عن ذلك في المساء أثناء طابور التمام.

وفي الصباح الباكر ذهبنا إلى بعض التباب والوديان القريبة من معسكرنا وكان يبج أن يتم ذلك ليلا ولكن لكي يتمكن من الشرح وتصحيح ما يظهر من أخطاء.

اتصال قادة الأفواج السابقة

علم قادة الأفواج التي سبقتنا بالدخول إلى الأراضي المقدسة وكانوا يرابطون في معسكرين فبعضهم كان في معسكر البريج بغزة والبعض الآخر في معسكر النسرات بوجودنا في العريش فحضر اثنين من عظام المجاهدين هما الشيخ فرغلي رئيس الإخوان بمنطقة الإسماعيلية وعضو مكتب الإرشاد ويشارك الأخ المجاهد الكبير كامل الشريف قيدة إخوان معسكر البريخ والثاني الأخ المجاهد المعلم الأستاذ محمد عبده وطلبنا من الأخوان مقابلتهما في منزل الأخ كامل الشريف كل ليلة بعد صلاة العشاء .

وتمت هذه المقابلات التي بدأت بالتعارف علينا كضباط مسئولين عن باق الإخوة كأمانة في رقابنا ثم اتجها بالسؤال عن تأدية العبادات وهل توجد عوائق تعطل واجبات العبادة وقد أجبناهم على كل أسئلتهم في صراحة كما أخبرناهم أن فضيلة المرشد العام في أيام الجمع لتأدية الخطبة والصلاة وكان على رأسهم الأخ الأستاذ مصطفى مؤمن والأخ الأستاذ سعيد رمضان والأخ الأستاذ جمال السنهوري وبعد ذلك سألا عن الضباط المرافقين لنا فقلنا أننا لا نسيتطيع تقييم أحد الآن فلم نتعامل معهم لأنهم تخلفوا في القاهرة حتى يمكنهم الحصول على مدفعية من الجيش وقد ذهبوا إلى حيدر باشا القائد العام لهذا الغرض وقد علمنا أنه تمت الموافقة على ذلك ولكن تأخيرهم يرجع إلى اختيار ضباط المدفعية معنا الآن الملازم خالد فوزي من المدفعية وهو الذي أخبرنا بذلك.

عودة القيادة إلى العريش

وفي 16 أبريل وصلت إشارة للملازم خالد فوزي بالذهاب إلى وحدة النقل بالعريش واستلام أربع سيارات لوري بسائقيا لكي تكون مجهزة للرحيل وكانت الإشارة والتي سلمت للملازم خالد من قيادة القوات بالعريش في صورة أمر ميداني فأخذ الإشارة وطلب مني أن أذهب معه وذهبنا إلى وحدة النقل فوجدنا ضابط برتبة اليوزباشي فأطله الملازم خالد على الإشارة ولكن الضابط رفض التصرف بحجة أنه ليس لديهأيه تعليمات بهذا الخصوص وكان يجب أن تتصل به قيادة القوات وإرسال صورة الإشارة إليه حتى يستطيع التصرف فأفهمه الملازم خالد أن باستطاعته هو الاتصال للتأكد وطلب صورة الإشار ولكن الضابط أصر على موقفه الأمر الذي أضطر خالد لإخراج طبنجته واستعمال التهديد وكان بعض السائقين ويتوعدهم دون جدوى وبد وصولنا إلى المعسكر بعشر دقائق عاد الملازم خالد بالسيارة البيك أب التي ذهبنا بها .

وبعد الظهر حضر ضباط وحدة النقل الذي أبدى أسفه على ما حدث وقال أن صورة الإشارة وصلته ويرجو الملازم خالد التوقيع باستلام سيارات النقل الأربع فوقع له دون تردد أو مضايقة وبعد أربعة أيام حضر البكاباشي أحمد عبد العزيز وأخذ يتصل بقيادات الجيش في العريش لتسهيل عملية المستلزمات المطلوبة من مواد تموينية جافة وتعينات للطوارئ وقذائف للمدفعية بناء على الأوامر المعطاه من القيادة العامة للقوات المسلحة وكذلك تسهيل عملية عبور الحدود إلى الأراضي الفلسطينية .

وكان يقضي نهاره بين قيادات الوحدة بالعريش ثم يتقابل ليلا مع الشيخ فرغلي والأستاذ محمود عبده وعلى فلنكات الخط الحديدي الممدود من القاهرة إلى غزة ذلك أن الإنجليز أعلنوا أنهم لم يسمحوا لأي قوات بالدخول إلى فلسطين إلا بعد انتهاء الانتداب البريطاني في 15مايو حيث يبدأ إجلاؤهم عن فلسطين وفي 26 أبريل وصلت أربعة مدافع هاوتزر7‚3 محملة على أربع سيارات كل سيارة عليها مدفع وطاقم جنوده وعلى راس هذه القوة قائدا اذ شهرة فى سلاح المدفعية هو اليوزباشي كمال الدين حسين والملازم أنور الصبحي وقد أخبرني اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤف أنهما من ضباط الإخوان المسلمين في الجيش وانضم إليهما الملازم خالد فوزي لأنه ضابط مدفعجي أيضا وحضر أيضا أربعة مدفع أخرى مضادة للدبابات زنة 2 رطل محملة أيضا على عربات مكشوفة كل عربة عليها طاقم من الجنود بقيادة ضابط برتبة يوزباشي وكان طويل القامة عريض الكتفين أشقر الوجه ذو شارب أصفر ملامحه تدل على الجدية هو اليوزباشي حسن فهمي عبد المجيد.

كيف تم عبور الحدود ليلا

في صباح 28 أبريل كانت كل سيارات النقل محملة مجهزة منذ مساء اليوم السابق وسيارات الركوب جاهزة وكل شيء كان على أتم الاستعداد للرحيل.

وبعد تناول الغذاء بدأت سيارات النقل المحملة بالذخيرة والمواد التموينية كل سيارة عليها أربعة مسلحين بقيادة اليوزباشي محمد عبد السلام الذي تلقى التعليمات بأن ينتظرنا عند أبو عجيلة .

وبعد مغادرته العريش بساعتين تقدم الحملة الكبيرة أحمد عبد العزيز بسيارته البيك أب الخضراء يصحبه اليوزباشي عبد المنعم عبد الروف وعلى ظهورها حارس برشاش برن ثم سيارات مدفعية الهاوتزر الأربع وفي مقدمتها اليوزباشي حسن فهمي عبد المجيد ثم سيارات الأتوبيس الراكبة خلف بعضها حسب ترتيب السرايا.

ثم بدا الركب سيرة في اتجاه أبو عجيلة وسارت القافلة على مدقات حتى لحقنا بقافلة الإمدداد والتموين وكانت ساعة الغروب فانتظرنا قليلا حتى يخيم الظلام في المقدمة يسبق ليتحسس الطريق ثم يعود لتتبعه وعندما اقتربنا من الحدود بطريق رفح اتجه إلى السكة الحديد حيث وقف بسيارته فوق الفلنكات ثم أخذ حسن فهمي عبد المجيد وبعد دقائق معدودة اتجه كمال الدين حسين إلى مدفعيته و حسن فهمي كذلك وحضر إلينا عبد المنعم.

وصدرت الأوامر بالهبوط من السيارة وهبط الجميع وكنا نشاهد المعسكرات الإنجليزية على بعد مائتي متر تقريبا ثم صدرت تعليمات بطلوع العربات فوق الفلنكات ودفعها بالأيدي دون إدارة الموتورات واستمرار إطفاء الأنوار، وظللنا على هذا الحال حتى نجحنا في هذه البداية الصعبة ثم ركبنا سيارتنا دون إضاءة إلى أن وصلنا مشارف خان يونس وكان عدد كبر من أهالي هذه المدينة يتزعمهم رجل يدعى إبراهيم أبو مدين قد خرجوا لاستقبالنا في الطريق .

وما أن وصلنا مدخل المدينة حتى أخذوا يطلقون النار من أسلحتهم ابتهاجا بقدومنا لنجدتهم من بطش الأعداء الصهيوني المتدفق من الغرب والشرق لخلق دولة لهم في هذه البقعة الطاهرة ولكي تظل هذه الدولة شوكة تهدد معاقل المسلمين دائما وحتى لا تقوم لهم قائمة .

فقد أعدت أميكا العدة لمساعدتهم فشحنت لهم الدبابات والطائرات مفككة في صناديقها كي يتم تجميعها في الداخل وتحت حراسة الانتداب البريطاني وبتأييد كامل من فرنسا والاتحاد السوفيتي، تلك هي دول العالم الكبرى التي تدعي العدالة والحضارة والمدنية فقضت عدالتهم بالقضاء على شعب لأنه مسلم ولا شيء غير ذلك لتحل محله عصابات جمعت من شتات العالم ودون مبالاه بحق الشعب صاحب الأرض كما أن تلك الدول التي تسمى بالدول الكبرى أو العظمى تهدف من وراء ذلك إلى هدفين:

فأما الهدف الأول: هو كسر شموخ المسلمين في قلب الرقعة الإسلامية كلما أرادوا الشموخ ولم يتيسر لهم ذلك بعد دراسة مستفيضة لتصرفاتهم وانطباعاتهم.

وأما الهدف الثاني فهو: لا يخشون المسلمون أنفسهم بقدر ما يخشون الإسلام الذي عرفوه ودرسوه من خلال فتوحات المسلمين يوم أن دخل طارق بن زياد قلب أوربا واجتمع كل قادتهم ليروا ما حل بهم وقال لهم ملك فرنسا لا طاقة لكن اليوم بهؤلاء الحفاة العراة فلا تقاوموهم ولكن أدخلوهم القصور وأطعموهم حتى يتخموا واجعلوهم ينامون على اللين وألبسوهم الحرير والملمس فإن بهرهم ذلك فقد وضعتم يدكم على بداية الطريق وأن أبو فلن تقوم لكم قائمة ومن المؤسف أن حكام المسلمين بهرتهم تلك المظاهر الخبيثة إذ كان ذلك في عهد الأمويين الذين جعلوا من الخلافة ملكا ذو آبهة وكلما قامت حركة تجديد لطبيعة دين الله حوربت وشوهت معالمها وندد بها لإجهاضها وإرهاب الناس حتى يمقتوها الأمر الذي جعل الكثير من التافين يتخذ من الدين والمتدينين سخرية يتشدقون بها في أحاديثهم ومجالسهم الجاهلية.

أعود إلى خان بيونس التي لا تبرح ذاكرتي حتى كتابة هذه السطور

دخلنا خان يونس وكانت الساعة حوالي التاسعة مساءا تقريبا وهي تشبه إلى حد كبير للقرى المصرية والناس لا ينامون لعلمهم أن إخوانا لهم في الله قادمون وما أن هل ركبنا أول القرية حتى كان إبراهيم أبو مدين وآخرين يعتلون رفارف سيارة القائد الخضراء يطلقون نيرانهم من أسلحتهم ابتهاجا بقدوم الأخوة المتطوعين من أبناء مصر كما كانت زغاريد النساء من داخل البيوت وخارجها ونحن نواصل السير داخل القرية في شبه مظاهرة عسكرية شعبية إلى أن وصلنا مدرسة خان يونس الابتدائية التي اتخذناها مقرا لمعسكرنا.

وما أن دخلت آخر سيارة فناء المدرسة الواسعة حتى وقف أحمد عبد العزيز على باب المدرسة طالبا من أهالي خان يونس أن يعودوا إلى بيوتهم حتى يركن رجاله إلى الراحة من عناء الرحلة ودفع العربات فوق القضبان وعاد أهالي خان يونس إلى بيوتهم إلا المسلحين منهم فقد جمعهم أبو مدين لتوزيعهم على مدخل المدينة لتقصي تحركات الدوريات اليهودية .

وطلب البكباشي أحمد عبد العزيز من اليوزباشي عبد المنعم تزيع الحراسات الليلية من الداخل والخارج فجمع الضباط المتطوعين وأخذ يطوف بفناء المدرسة من الداخل والخارج حتى وصلت الحراسة إلى مواقع رجال أبو مدين من الخارج ومن الداخل كان بالمدرسةي جرس مثبت في جرة وطلب توزيع الحراسات على النحو الذي أطلعنا عليه اثنين منا كل نوباتجية على أن يتم تغيير نوباتجية الحراسة كل ثلاث ساعات وتم ذلك بدقة كما وضع حارس بالتناوب عند الجرس وكانت التعليمات إذ دق الجرس معناه أن هناك كبسة ويعني ذلك إيقاظ القوات الموجودة والتي تنام بلبس الميدان.

مضت ليلة هادئة وفي الصباح بعد وجبة الإفطار عقد اجتماع ضم ضباط الاستيداع والضباط المتطوعين .

وقال البكباشي أركان حرب أحمد عبد العزيز:

إنا جمعتكم الآن من أجل توزيع الاختصاصات فكل منكم سوف يعرف التزاماته.... وهكذا وزعت المهام على النحو التالي.

توزيع الاختصاصات

الاسم الاختصاص
بكباشي أركان حرب أحمد عبد العزيز قائدا
بكباشي أركان حرب محمد زكريا الورداني قائد ثاني ويتولى شئون التموين
يوزباشي عبد المنعم عبد الرؤف أركان حرب عمليات.
يوزباشي كمال الدين حسين قائد المدفعية الهاوتزر
يوزباشي حسن فهمي عبد المجيد قائد المدفعية المضادة
يوزباشي محمد عبد السلام للإمداد والذخيرة.
م. أول معروف أحمد الحضري مساعدا للعمليات مع عبد المنعم
م. أول حمدي واصف للشئون الإدارية.
م. ثان أنور الصيحي مساعدا لقائد المدفعية.
م. ثان خالد فوزي مساعدا لقائد المدفعية المضادة.

وهذا التوزيع بالنسبة للضباط الذين خرجوا للاستيداع من الجيش لكي يدخلوا فلسطين متطوعين أما بالنسبة للضباط المتطوعين فكان كالآتي:

الاسم الاختصاص
م. ثان مصطفى جاد للفصيلة الأولى مشاه.
م. ثان محمد سعد للفصيلة الثانية مشاه.
م. ثان محمد عبد المجيد للفصيلة الثالثة مشاه.
م. ثان حسين أحمد حجازي للفصيلة الرابعة مشاه.
م. ثان. أحمد لبيب الترجمان للفصيلة الخامسة مشاه.
م. ثان عبد العزيز حماد للفصيلة السادسة مشاه.
م. ثان فطين عبد الحميد للفصيلة السابعة مشاه.
م.ثان كمال محمد عامر للفصيلة الثامنة مشاه.
م. ثان اسماعيل الفرماوي فصيلة إعداد وتجهيز المفرقعات وزرع اللغم.
م. ثان عبد الرحمن نور الدين قائد مدفعية الهاون.
م. ثان. محمد نور الدين قائد بنادق البويز.

ها بالنسبة للكتية المصرية أما بالنسبة للكتيبة الليبية المشتركة وبلاد المغرب العرب وبعض اليمنيين فقد ظلت كما هي ضابط واحد وهو الملازم بشير وبقيادة اليوزباش السوداني محمد سرور.

وبعد أن أنهى أحمد عبد العزيز الاجتماعي أمر بأن تذهب كل فصيلة بدءا من التاسعة صباحا إلى مركز البوليس للاستحمام وعلى أن يكون ذلك يوميا.

كما كنا نتلقى كل يوم محاضرة من اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤف إما على تختة رمل أو على كيفية المشي ليلا والتقاط الشراك الخداعية أما الملازم معروف الحضري فكان يأخذنا في الوديان بين التباب العالية ليلا لنجوبها في دوريات قتالية واستمرت هذه الحالة لمدة أسبوع ثم وصلت أخبار بأن دورية يهوديه مصفحة تحوم حول قرية خان يونس وتطلق لنا على الأهالي فأمر جماعة بقيادة جويش الغملية التي تعتبر أول عملية لنا مع العصابات الصهيونية وعادت المجموعة بجثة الأخ فتحى الخولى الذي دفن في خان يونس وقبل الغروب بساعة حضر البكباشي أحمد عبد العزيز وعلي تختة رمل أخذ يشرح الأخطاء التي حدثت وكان ضحيتها الشهيد فتحي الخولي.

بعد ذلك انصرفت القيادة لجميع المعلومات ومراقبة تحركات اليهود من وإلى مستعمرة كفار ديروم بدير البلح التي تقع على طريق غزة خان يونس فوق تبة مسطحة من داخل الطريق بحوالي مئتان وخمسون مترا وواد وشريط سكة حديد بطول الطريق إلى غزة ولكنه متوقف وبجانب التبة التي في مستوى الطريق واد صغير لا يزيد عمقه على مترين يشبه الترع ويمر من تحت شريط السكة الحديد أما المستعمرة فهي مربعة بها برجين عبارة عن ثكنتين من ثلاث طوابق بطول كل ثكنة حوالي خمسون مترا ومحاطة بالأسلاك الشائكة من اتجاهاتها الأربع.

تعليق

حتى هذه الفترة لم يكن في تفكيرنا ما يعكس الغاية أو يبدد الهدف الذي خرجنا من أجله وكل شيء يسير في طريقة اطبيعي ولا غرو في ذلك فالأساس متين والبناء صلب فالقلوب طارهة والتقوى صافية بريئة (دين- تربية- أخلاق- فداء) أي شيء هذا....؟

أنها الصفوة صفوة كم قرن مضت من العمر هم خلاصة القرن العشرين ولولا الخوف من خريف المغرضين بقصد التشويه لقلت من الصعب أن يتكرر ذلك الحدث التاريخي لقد تخرج من الهاكستب كتيبتين بعد ذلك لكن الفارق صعب وكبير فربما يتواجد الهدف أو يكون موجودا وحتى الطريق إليه فربما يكون موجودا أيضاي ولكن كيف الحال إذا وضعت السدود وتوالت العقبات وتعقدت الأمور وكل ذلك باسم المصلحة العامة فتذيل زهرة الهدف ثم يموت الهدف نفسه.

الأعمال التمهيدية لخوض أول معركة مع عدو نجهل امكانياته

بعد أن حصلت القيادة على ا تحتاجه من معلومات وتحريات تمهيدا لمعركة فاصلة ضد مستعمرة كفارديروم التي تسيطر على الطريق بين غزة وخان يونس في منطقة دير البلح وهي منطقة لا تختلف عن الريف المصري في شيء وحتى مدينة غزة فهي تشبه المدن الساحلية في مصر إلى حد كبير الأمر الذي جعلنا لا نشعر بأي تغيير سوى اللكنة البدوية وذلك منذ وصولنا إلى العريش وأثناء تلك المدة التي نقيمها في مدرسة خان يونس كان محظورا علينا التجول في أي مكان خارج المدرسة عدا الأماكن التي أختيرت لتكون مركزا للمراقبة ولم يكن أحد يلم شيئا عن هذه الأماكن سوى الذين يقومون بتغيير نوبات المراقبة.

وبعد الجهد الذي بذلته القيادة في جمع المعلومات والتخطيط للمعركة الأولى كان ذلك عصر يوم 12 مايو سن 1948 قدمت من الخارج سيارة القيادة الخضراء التي دخلت إلى فناء المدسة وما أ أوقفت حتى نزل منها البكباشي أحمد عبد العزيز واليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤف والملازم أول معروف الحضري واليوزباشي كمال الدين حسين واليوزباشي حسن فهمي عبد المجيد وكلهم يضعون على رؤوسهم شيلان حمراء مزركشة الحطة مثبتة بعقال أسود مفتول.

وكان معهم عدد آخر من هذا الزي وأشار إلى اليوزاشي عبد المنعم فأسرعت إليه فقال هات الجاويش بتاعك معاك وتعالى بسرعة ثم أرسل إلى الملازم لبيب الترجمان ليحضر ومعه جاويشه وجئت بالأخ عبد المنعم أبو النصر وحضر لبيب ومعه عبد العزيز البقلي، وأعطى كل واحد منا حطه حمراء وعقال أسود وكذلك فعل الملازم أو معروف الحضري فأخذ أربعة من الليبيين وأعطى كل منهم الحطة والعقال وحتى هذه اللحظة لم نكن نعلم ما سيتم حتى الليبيون والأخ الملازم أول معروف لم نرهم فقد ركبو سيارة وركبنا سيارتنا اللوري التي أنطلقت بنا إلى دير البلح ووقفت بعيدا في دري بضعة أشجار على الطريق ولم نكن مسلحين بأكثر من قنبلتين من نوع الميلز الإنجليزي لكل احد منا.

ووقفنا بجانب السيارة لمدة نصف ساعة والأخ اليوزباشي عبد المنعم يشرح لنا عملية استكشاف المستعمرة كفار ديروم التي جئنا من أجلها إلى هذا المكان وعندما أخذت الشمس في الغروب أسرع إلى الوادي مستترا في باطن التبة وكنا نقطع الوادي مهرولين في سرعة مستترين في أنحاء لأن عمقه لا يزيد على المتران ووظل الحال على هذا النحو خشية أن يكشفنا المراقبون من فوق الأبراج وبعد أن قطعنا مسافة ثماني مائة متر تقريبا وصلنا إلى بداية المستعمرة ثم أخذنا نمشي بطيئا وفي حذر حتى نهايتها وكان بالوادي شجرتي توت وشجرة جزورينة ووقف بنا إلى جوار الأشجار الثلاثة وقال هذه الأشجار هي علامة خط السير، ثم بدا بي ومعي الجاويش عبد المنعم أبو النصر وصعد ثلاثتنا التبة زاحفين بين شجيرات الطماطم المزروعة على خطوط رفيعة حتى وصلنا بالقرب من الأسلاك الشائكة من الضلع الخلفي للمستعمرة وهي الناحية الشرقية.

وكان اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف يتوسطنا أنا والجاويش المساعد لي عبد المنعم أبو النصر وأخذ يشرح لنا كل ما كانت تقع عليه أعيننا في الداخل وكنا منبطحين على الأرض ملتصقين بها كما لو كنا قطعة منها دون أحداث أي حركة حتى لا يكتشف أمرنا لنقط المراقبة ثم طلب منا التقهقر في سرعة ودون أي حركة أو رفع أي عضو من الجسم وتم ذلك بإتقان إلى أن عدنا إلى الوادي ثم قال أنا أ×ترت ساعة الغروب لأن العدو لا يقوى على تحديد الرؤية أثناء الغروب أو الشروق ثم طلب من الملازم [[أحمد لبيببب الترجمان والجاويش المساعد له أن يصعدا معه وقال لنا انتظرا هنا وراقبا كل الاتجاهات ثم اعتلوا ثلاثتهم التبة زاحفين كما كنا نفعل حتى وصلوا نفس المكان الذي ثبتنا عنده وأخذ اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف يشرح لهم.

وفي هذه الأثناء صعدت فوق الشجرة فنظرت إلى الأشجار الثلاثة واخترت إحدى شجرتي التوت لكثرة أوراقها وفروعها لأنها تستطيع أن تداري جسمي كله بكثرة ورقها على أن أكون حريصا أشد الحرص بأن لا أجعل أي فرع من فروع الشجرة أو حتى ورقة واحدة تهتز وحاول عبد المنعم أبو النصر أن يقنعني بالعدول دون جدوى لقد ركبت رأسي ودون تفكير في أي خطر أو خوف فأنا أريد الحصول على شيء أكثر رغم أني لا أعرف هذا الشيء وأكتفيت بالوصول إلى قلب الشجرة فرأيت كشافين دون إضاءة فوق كل ثكنة واحدة منها كما رأيت دشم ذات مزاغل عيون صغيرة على سطح الثكنات ثم عدت في سرعة مكتفيا بذلك فقد لمحت المجموعة الثانية تعود فيراني قائد المشاة وأركان حرب الكتيبة الأخ عبد المنعم عبد الرؤوف فيمنعني من الاشتراك في المعركة وهبطت إلى ألارض .

وبعدها بدقائق وصلت المجموعة الثانية وأمرنا عبد المنعم عبد الروؤف بالإسراع في العودة قبل أن تستعمل كشافات الإنارة أو تخرج دورية من المستعمرة لتحوم حولها فتكشف أمرنا ولكني تسرعت وقلت أنا شفت الكشافات فقال أين وضعهم أنا باعتبره احتمال وهنا شعرت بالحرج وقلت في وسط أسطح الصكنات ولكن رد قائلا لقد كنا على الأرض فكيف ترى وسط السطح وهنا رد الجاويش عبد النعم أبو النصر قائلا أصل الأخ حسين طلع الشجرة لما حضرتك أخذت الأخ لبيب والأخ عبد العزيز ونزل قبل ما تعودوا وهنا وقف اليوزباشي عبد المنعم عبد الروؤف مشدوها وقال لماذا لم تقل لي ذلك قبل أن نترك المكان حتى كنت طلعت أنا كمان وفي هذه اللحظة عرفت أنني لم أفعل خطأ وأن الرجل من النوع المغامر الجسور وزاده إيمانه في فكانت حياته كلها مغامرة وجسارة وفداء في حب الله وكل شبر من الأرض يعيش عليه مسلمون لقد بدأت صلتي به تتوطد منذ هذه اللحظة فعرفت عنه الكثير وتعلمت منه الأكثر وأني لأعذر البعض من الأخوة الذين اتهموه في وقت ما وفي ظروف لم يجهلها أحد بالتهور والاندافاع ..

سامحهم الله لقد عرفت فيه الكثير فكان عبد المنعم المهذب الخجول الذي يجنيه حياؤه الرزيلة عبد المنعم المقدام – عبد المنعم الشجاع وتعلمت منه الكثير فتعلمت الصبر وتعلمت الجدية وتعلمت الإصرار مع الحسم وتعلمت الحيلة ولكل واحد من هذه الجوانب تابعة لها لقد نشأ عبد المعم عبد الروؤف من أسرتين كريمتين لقد كان أبوه ضابطا كبيرا في جيش مصر الذي حارب في السودان وكان له أخوين يكبرانه أحدهما ضابط في الجيش أيضا والأخر مهندسا وأمه م عائلتين من كبار علماء الأزهر وهما عائلة أبو الفضل وشلتوت وانتسب إلى الإخوان المسلمين سنة 1942 بعد خروجه من السجن في قضية عزيز المصري في بداية الحرب العالمية الثانية.

الدرس الأول في القتال على الطبيعة بين التدريب والقيادة الميدانية

تمت أول عملية استكشافة لمستعمرة كفار ديروم بنجاح تام فما حدث في الشمال الشرقي بقيادة الأخ اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف قد حدث في الشمال الغربي بقيادة الأخ الملازم معروف الحضري وبنجاح تام أيضا.

وبعد عودتنا إلى المدرسة ذهبنا إلى رجالنا لتناول وجبة العشاء وكان كل منهم يسال أين كنا وماذا كنا نفعل وقلت لمن معي كل ما حدث وما سيحدث ستعرفونه الآن وبعد انتهينا وقف الجميع لتأدية صلاة العشاء وبانتهاء الصلاة صدر أمر قيادي بانصراف الجميع كل فصيلة إلى الحجرة المخصصة لها وجمع الضباط الذين قاموا بعمل الاستكشاف بحرجة القيادة وقلت للجاويش عبد المنعم أبو النصر كل واحد يملأ زمزميته بالمياة ويقض حاجته ثم أدخلهم الحجرة ولا تخرج أحدا ثم انتظرني حتى ينقض الاجتماع وأعود.

حضرت الاجتماع الذي لم يزد على عشر دقائق كانت كلها تعليمات بالآتي :

سيبدأ الهجوم الليلة والساعة الثالثة من صباح غد 13 مايو على أن تطلق المدفعية قذائفها لمدة عشرة دقائق آي الساعة الثالثة إلا عشر دقائق ثم يبدأ الهجوم على أن تتقدم مجموعة المفرقعات لتفجير الأسلاك الشائكة بالبنجلور لعمل فتحات يعقبها اقتحام شامل بالسنكى تحت ستار نيران البنادق ورشاشات البرن ويكون الاقتحام في الداخل .

وفي أول ضوء للنهار ستصرف لكم الذخيرة الآن، لكل عسكري مائة طلقة ثم قيل لي أنني سأكون الدليل ومن خلفي فصيلتي حتى أصل إلى الشجرة ثم أقف مع عملية انتشار لكل الرجال والانبطاح على بطن التبة وحتى آخر رجل من رجالي يبدأ الأخ أحمد لبيب الترجمان ثم يتبعه رجاله ثم طلب منا الانصراف لاستلام الذخيرة وشرح العملية للرجال.

وخرجت من الاجتماع وأرسلت الأخ عبد المنعم أبو النصر ومعه اثنين من جند الله لاستبلام الذخيرة حسب قوة الفصيلة وذهبت أنا إلى الفصل الذي به أفراد الفصيلة وبادرني الجميع بالسؤال عن عملية الاستكشاف فأخذت أشرح لهم على سبورة الفصل وحددت لهم موقع المستمرة فوق التبة والمسافة بينها وبين الطريق والسكة الحديد وتبلغ حوالي ثماني مائة مترا مزروعه شعير والمسافة بينها وبين الوادي وتبلغ خمسة وثلاثون مترا منزرعة طماطم وكذلك من خلف المستعمرة لمساحة طويلة وسندخل من الخلف والأخ لبيب وإخوانه من اتجاه الوادي مباشرة كخط أفقي وباقي الأخوة بجانب لبيب على امتداد الضلع من ناحية الوادي والليبيون من ناحية لاضلع المواجه للسكة الحديد .

ولكن الهجوم عموما سنبدأ من الوادي لأن الدرع الواقي الوحيد من قذائف المدفعية حينما تطلق وسيكون إطلاق المدفعية في الساعة الثالثة إلا عشر دقائق صباحا ولمدة عشر دقائق فقط ثم يبدأ الهجوم في خط منتشر من الخلف ويجب المحافظة على المسافات ثم تتقدم مجموعة المفرقعات بالبنجلور لفتح الثغرات في الأسلاك لكي تسرعوا بالدخول والاقتحام بالسنكي تحت غطاء نيران رشاشات البرن التي ستوجه إلى النوافذ العليا والأسطح وعلى أن يكون الاقتحام إلى الداخل مع أول خيط للنهار حتى تستطيعوا أن تعرفوا بعضكم وكان هذا الشرح يتم بالرسم على سبورة الفصل وبعد ذلك انتهى الشرح .

وبدأت العمليات ترد أولا بأول وحتى الثانية عشر صدرت التعليمات بالاستعداد ولبس الجميع أحذيتهم التي كنت قد أمرتهم بخلعها عقب دخلوهم حجرة الفصل كي تستريح أقدامهم وفي الواحدة بعد منتصف الليل خرج الجيمع إلى الفناء ووقفت كل فصيلة بجوار اللوري الخاص بها وتم صرف كوب شربة عدس ساخن لكل فرد ثم طلب ترك أربعة أفراد من كل فصيلة بالحجرة وكانت حجرتي فيها أربعة اختار والكل متشوق فكلما أخترت أربعة بكوا جميعا وهم رافضين واضطررت لترك الحجرة مغلقة دون حراسة وركب الجميع السيارات .

وبدأ موكب جند الله في الخروج من المدرسة وفي اتجاه مستعمرة كفار ديروم، ووصلنا قبل النفق بحوالي مائة متر وبدون أنوار أو إحداث أي صوت وبدأنا الوقوف في خط مفرد وكنت أول الطابور حسب التعليمات ووقف الأخي اليوزباشي عبد المنعم عبد الرءوف ينظم المسافات وأثنا حدث ذلك كان البكباشي أحمد عبد العزيز واليوزباشي كمال الدين حسية والملازم أنور الصيحي يحددون ويضبطون أجهزة مدفعية الهاوتزر واليوزباشي حسن فهمي عبد المجيد والملازم خالد فوزي بالمدفعية المضادة وبنادق البويز ومدفعية الهاون لحماية الطرق المؤدية إلى المستعمرة حتى لا نفجأ بدوريات لنجدة المتعمرة من الخلف وأعطى الأخ اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف الأمر بالسير من تحت كوبري السكة الحديد وفي داخل الوادي وعلى خط واحد دون الإخلال بالمسافات تحركت كدليل وتحرك الجميع من خلفي وقال لي قف عند الثلاث شجرات وانبطح على بطن التبة.

ثم قال افعلوا كما يفعل هو ودون أي حركة أو كلام حتى آتى إليكم بآخر تعليمات وذهب هو إلى موقع المدفعية للاتفاق مع البكباشي أحمد عبد العزيز واليوزباشي كمال الدين حسين للاتفاق على متابعة التعليمات أثنا المعركة وكانت التعليمات أن تطلق المدفعية قذائفها في الثالثة إلا عشر دقائق فقط ثم يبدأ الهجوم كما ذكرت سابقا فإذا وجد أي إعاقة تعوق الزحف إلى المستعمرة فعلينا أن ننسحب إلى الخلف ثم يطلق اليوزباشي عبد المنعم طلقة إشارة خضراء لمعادوة إطلاق الدفعية ثم عاد إلينا مسرعا ليخبرنا بما تم الاتفقاي عليه وظل معنا ننتظر إطلاق المدفعية وكان الوقت دون القمر الذي كان يظهر في أول الليل ولو كان ظهوره في النصف الأخير من الليل لكان الهجوم قبل ذلك حتى تكون عملية الاقتحام والتطهير مع طلوع القمر، ويظل الجميع منبطحا على بطن التبة في انتظار إطلاق المدفعية والوقت يذهب ويضيع دون أن يحدث شيء فالساعة الآن الثالثة ثم الثالثة والربع فالثالثة والنصف وقلق اليوزباشي عبد المنعم وحين قربت على الربع إزداد قلقه فقال لقد كشف ضوء النهار ولا يجوز أقول لهم يجب أن ننسحب الليلة ونؤجل العملية في الليلة القادمة وما أن بدأ القذافي في صب حممها على المستعمرة فعاد مسرعا دون أن يكمل مشواره خشية أن يحدث شيءا لنا.

وقال التصقو ببطن التبة لكي لا تصيبكم قنابل المدفعية وظل يغدوا ويروح حول طابور الانتشار ليثبت الجأش ويقوي العزيمة ولكن كان منزعجا من تأخير المدفعية ولعدم معرفته السبب فقد انكشف النهار...

الاختيار الصعب والدرس المفيد

أن ما حدث في هذه المعركة كانت نتيجة خطأ غير مقصود والأخطاء لابد ن تكون كثيرة ويا حبذا لو توالت في أول الأمر وفي أي موقع عمل، فإن الأخطاء التي تظهر في أول يمكن تلاشيها بسهولة إذا عملت دراسات سريعة ومتقنة ودون حدوث خلاف عن قيمة الخسائر أو حتى في الرأي وتوجيه الاتهامات التي تتبادل أحيانا وفي مثل هذه الظروف كل يحاول أن يخطئ الآخر وذلك يكون من وجهة نظره ووجهات النظر كثيرا ما تختلف ولكن يستسن أن يكون فيما يجب أن يكون لا قيما انقضى وانتهى وعلى أن يراعى في ذلك الأخطاء المنقضية.

انطلقت المدفعية بعد الساعة الرابعة من صباح 13 مايو سنة 1948 وكان النهار قد انبثق أول ضوء له وبعد عشر دقائق وقفت المدفعية فيهم يريدون منا الهجوم خصوصا أنهم توقفوا بعد عشر دقائق فعلى بركة الله فأعطيت أمرا ميدانيا للجاويش الأخ عبد المنعم أبو النصر بأن يلتزم الزاوية الحادة للمستعمرة من ناحية الوادي حتى لا تختلط رجالنا برجال الأخ لبيب وتضيعي المسافات وعلى أن أقود أنا الفصيلة من الخلف وفي سرعة مدهشة بدأ الزحف في اتجاه المستعمرة وبدأ الصهاينة فتح نيرانهم من سطح الثكنتين ومن النوافذ على مسطح التبة وبالرغم من قوة النيران كان الزحف مسرعا حتى وصلنا الأسلاك الشائكة في ربع ساعة زحفا وبدأ تفجير البنجلور وتهلهلت الأسلاك ونحن نستعد للنهوض والاقتحام وإذا بمدفعيتنا تعيد القصف مرة ثانية وجن جنون اليوزباشي عبد المنعم لأنه لم يعط أي إشارة بإعادة القصف مرة ثانية حسب الخطة الموضوعة والمتفق عليها وطلب منا الانسحاب بسرعة لأن القذف أصبح فوق جثتنا العارية إذ كانت المقدمة قد بدأت في عبور الأسلاك الشائكة ثم أسرع هو متجها إلى المدفعية لمعرفة أسباب التأخير وأسباب معاودة القصف.

لم نتمكن من سحب جثث قتلانا التي كانت أشلاء متناثرة هنا وهناك نتيجة قصف مدفعيتنا ولكن استطعنا سحب الجرحى الذين كانوا يزيدون على الثلاثيني جريحا أم القتلى فكانوا ستة وأربعون قتيلا منهم الفونس جيد فانوس الذي نطق الشهادتين في أول صعوده التبة، وكان أكثر عدد من القتلى والجرحى من فصيلة الأخ لبيب ومن الليبين وأما فصيلتي فكان عدد القتلى اثنين فقط هما محمد إبراهيم روخيه واثنين من الجرحى هما كمال عزمي ومحمد فؤاد الذي استطاع أن يذهب على قدمية حتى الدكتور محمود يوسف غراب الذي كان يضمد الجرحى على شريط السكة الحديد بجانب الطريق العام والذي كانت تقف عربة الإسعاف عليه لترحيل المصابيين إلى مستشفى غزة، .

أما كمال عزمي فقد أصابته شاظية دانة مدفع بين فخذية فأحدثت فجوتين كبيرتين فيهما مما أعجزه عن الحركة وكان قريبا مني إذ كان بيني وبينه حوالي ثلاث أمتار ونصف ولما أبلغني أنه أصيب إصابة شديده قلت له ضع منديلك في فمك لكي لا يعلو صوتك من شدة الألم وحينما حرك يده ليخرج منديله أصابته دفعة برن (5طلقات) في يده فأبلغني أيضا وبالرغم من كل ذلك فقد كان رابط الجأش صبور وفي هذه الحالة طلبت من القرييبن مني أن يخلعوا قوايش بنادقهم ويقذفون إلى بخمسة ولما فعلوا قمت بربط القوايش ببعضها وقذف بطرف منها إلى كمال وقلت له أربط هذا الطرف ف قايش وسطك بيدك السليمة وتم ذلك وسحبته أنا وعبد المنعم أبو النصر إلى الوادي ثم وضعناه على نقاله وحملناه إلى الدكتور محمود غراب الذي كان يقدم الشاي لكل جريحي أثناء تضميده ثم يوضع في سيارة الإسعاف.

لم أجد سوى الدكتور محمود غراب ورجال الإسعاف ولما سألته عن القادة قال ذهبوا إلى غزة لأن اليوزبشي كمال الدين حسين أصيب قلت ألم تعرف سبب تأخر المدفعية فقال لم يستطيعوا ضبط أجهزة المسافات في الظلام فانتظروا ضوء النهار فقلت وما سبب إطلاق المدفعية للمرة الثانية قال الظاهر حصل لبس في الأمر كما وجدوا نيران المستعمرة تخرج بشدة فارادوا إسكاتها فأطلقوا مدفعية الهاون وجاء اليوزباشي عبد المنعم واختلفوا مع بعضهم لأن عبد المنعم قال أنتم موتم الإخوان وكان في حالة عصبية .

ثم قال شوف باقي الإخوان يا حسين أنتم أتأخرتم ليه.. فقلت أننا آخر ناس كان موقعنا من الخلف والمسافة طويلة فقال اذهبوا إلى المدرسة لتستريحوا ثم ركب السيارة وذهب إلى المستشفى غزة للإشراف على الجرحى الدكتور محمود غراب أحد ضباط الإخوان في الجيش وكان دسم الأخلاق يسهر الليل والنهار دون ملل أو كلل فكان يضمد الجرحى في المعركة ثم ينتقل إلى المستشفى بغزة ليشرف عليهم ويتخذ إجراءات نقل الحالات الصعبة إلى المستشفى العسكري بكبري القبة في القاهرة.

وبعد أن اطمأنت نفسي لحالة كمال عزمي أخذت عبد المنعم أبو النصر وذهبنا إلى المدرسة بخان يونس كلي نستطيع الخبر ونعرف حقيقة الأمر وما سيحدث بعد ذلك ولكني لم أجد غير الحراسة الخاصة بالمدرسة لمعسكرنا وفي الحادية عشر سمعنا المدفعية تعمل مرة أخرى فعدنا إلى كفار ديروم مرة ثانية وهناك وجدنا الملازم أنور الصيحي والملازم خالد فوزي وهما اللذان كان يطلقان المدفعية ولكن القصف قد سكت لأن الأخ الكبير محمود عبده قد جاء ببعض الأخوة من قواته التي تعسكر في معسكر النسيرات على شاطئ البحر والأخي البطل الملازم أول معروف الحضري جاء هو الآخر ببعض من تبقى في معسكر المدرسة .

وبدأو الزحف على المستعمرة في الوحدة بعد الظهر من ناحية الطريق والسكة الحديد مستغلين الشعير المزروع في هذه الجهة والواقع أن الشعير لا يصلح كساتر على أرض مسطحة وفي وضح النهار وشعرت أن المسألة أصبحت رغبة في الاستشهاد دون النظر إلى شيء غير ذلك ووجدت بعض الأخوة من كتية الأستاذ محمود عبده فسالتهم عن أخوة ن العباسية فقيل لي أن عبد الرحمن عبد الخالق استشهد مع الاثنى عشر شهيدا ويوجد الآن أحمد السيد مع المهاجنين داخل الشعير فانبطحت من فوري داخل الشعير دون وعي .

وفي سرعة قطعت نصف المسافة وقابلني بعض الأخوة نقاله في الوادي وكدت أنتصب واقفا في هذا المكان لولا أن رآني الأخ الملازم أول معروف الحضري عائدا في سرعة وهو يضع يده بمنديل خلف رقبته فأشار إلى أن انبطح وسألته هل أصابك شيء فقال لا شيء مفيش حاجة أنا تعبان شوية فسألت من كانوا خلفه قالوا أصابته دفعة طلقات برن في رقبة ثم وجدت باقي الأخوة والليبين كلهم يعودون فعدت معهم وعند الطريق وجدنا رجلا وامرأة من دير البلح يقفون وبين أيديهم جوال ملئ بالخبز الساخن وهو شبيه إلى حد كبير بالخبز المرحرح الفلاحي عندنا ولكنه مصنوع من دقيق قمح وليس الذرة .

وكان يمط كالمستيكه فكانوا يعطون كل من رأته أعينهم رغيفيني وأخذت بأثنين فقد قرصني الجوع وكان لذيذ الطعم إذ لم أشعر أني في حاجة إلى شيء آخر معه.

وفي اليوم التالي تم نقل قواتنا معسكر النسيرات الذي به قوات الإخوان بقيادة الأخ المجاهد اليوزباشي محمود عبده وكما سبق أن قلت يعمل مدرسا بالتعليم الثانوي وضابطا احتياطيا وكان رياضيا أيضا وانضمت القوات لبعضها تحت قيادة واحدة مشكلة المستعمرة فقد عدلت القيادة عن مهاجمتها واكتفى بحصارها عن بعد .

وتم ذلك فعلا ووزعت المدفعية المضادة في أماكن مموهه وبعد يومين علم أن نجده في الطريق إلى امستعمرة وذهب اليوزباشي حسن فهمي عبد المجيد ووقف يعاين المكان وأوقف السيارة عليها مدفع مضاد (2رطل) من النوع القديم ذات الدرع الحديدي وبين الأشجار اتخذ مكانا لمدفعه وعلى الأرض المقابلة لكفار ديروم من ناحية الوادي أرسلت مجموعات من الإخوان لكشف الطريق المؤدي إلى المستعمرة وذهب الإخوان مكونين مجموعتين وأجرى عملية جس للأرض فوجدوا أن بها مساحات رخوة كبيرة ومن الصعب مرور سيارات عليها لأن الأرض تغوص ولكن وجد مدق يتجه من ناحية صحراء النقب فتم حفر خندقين أحدهما شرق المدق .

والثاني غربه وكانت المسافة بين الخندقين مائتي متر أي مائة متر بين كل خندق والمدق وكان تسليح المجموعتين رشاشات البرن وفي نفس الوقت كنا نقف على الطريق العام لمراقبة الاتجاه ناحية غزة لأن القوات البريطانية كانت تنسحب في طريقها إلى شرق قناة السويس عبر الحدود المصرية الفلسطينية ووقفت بعض المدرعات والدبابات على الطريق في محاولة لتهديدنا ولكننا أفهمناهم أن هذا الطريق مرزوع كله ألغام في باطن الأرض ومن جانب ومن جانبيه ومدودة بأسلاك كهربائية وأشرنا إلى أسلاك التليفون الملقاه على الأرض ووسط المزارع وقلنا أن هذه الألغام على طول الطريق حتى خان يونس استمرت المدرعات البريطانية في طريقها إلى شرق القناة وكان ذلك يوم 15 مايو وهو اليوم المحدد لإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وانسحاب قواتها منها.

أول مكسب لجند الله في كمين للمصفحات الصهيونية

وفي ليلة 15 ايضا وهو اليوم التالي لنصب كمين في مواجهة المستعمرة وكان بعض الإخوان قد أتوا ببدوي كانوا قدرأوه بالقرب من المستعمرة وكنت نوباتجيا في تلك الليلة بمعسكر النسيرات وعند الغروب توجهت للمرور أطراف المعسكر والاطمئنان على الحراسات الليلية وبجانب أحد العنابر وجدت أعرابيا موثوقا بالأسلاك وحوله أربعة يعاملونه بقسوة فنهيتهم عن ذلك وأمرتهم بفك وثاقه .

وتم ذلك ثم سألتهم من هذا فقالوا كان قادما من ناحية المستعمرة فأمسكنا به ووجدناه مختوما، ولما سألتهم وماذا تعني الأختام؟ وكنت أظن أن الأختام مكتوبة ولكني وجدت كيا في بعض المواضع من جسمه فقلت هذا كي والكثيرين من البدو يستعملون الكي في أجسامهم للاستشفاء .

وسالت الرجل إذا كان يريد طعاما فطلب أن آتية به فأتيت له بالطعام ولما أكل قلت له ستبيت معنا عليه ثلاث حراس حتى الصباح.

وفي الثامنة صباحا عرض على البكباشي أحمد عبد العزيز واليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف واليوزباشي محمود عبده فأحضروا له إفطارا وكانوا يتكلمون معه وهو يأكل فأنكر صلته بمستعمرة كفار ديروم ولكنه قال أنه كان يعمل مزارعا عند اليهود في عهد الانتداب ويعرف الكلام بالعبرية فجئ له بجهاز لاسلكي وبعد ضبطه أعطى له وطلب منه التقاط الكلمات العبرية ووضعت السماعات على أذنيه.

وبعد عشرة دقائق أوقف الجهاز وقال أن عبارة تردد باستمرار وهي النجدة تصلكم في الحادية عشر.. ستصلكم نجدة مصفحة في الحادية عشر وعرف القادة أن نجدة قادمة فسالوه من أي طريق ستأتي وبخبرة البدوي لا يمكن أن تأتي من الطريق العام لأنها ستتعرض لكثير من المشاكل خصوصا بعد دخول الجيش المصري ولا يوجد طريق سوى المدق فقيل له إذا كنت صادقا فنتركك أما إذا كنت تخدعنا فسوف نقتلك وذهب اليوزباشي حسن فهمي عبد المجيد وأخذ يضع فروعا من الشجر فوق سيارة المدفع وأخذ الإخوان الوضع داخل الخندق المحفورين حول المدق وفي العاشرة والنصف ظهرت بوادر قافلة من بعيد فاعتلى حسن فهمي وجلس خلف المدفع .

وأخذ يحركه في اتجاه قافلة النجدة حتى إذا ما اقتربت القافلة التي كانت مكونة من إحدى عشر مصفحة يتقدمها ونش كبير لإنقاذ المصفحات في حالة الغرس وقبل دخول القافلة وسط الخندقين أطلق قذيفتين واحدة تلو الأخرى في عجلة الونش الأمامية الأمر الذي جعله يميل ويغرس وفي هذه الحالة وقفت القافلة كلها ونزل من فيها من الصهاينة مهروين في اتجاه المستعمرة ولكن الأخوة داخل الكمين لم يمهلوهم فقد عاجلوهم برشاشتهم حتى قضوا عليهم وخرج أولئك النفر من جند الله من كمينهم ليمسكوا بالأحياء أسرى ولكنهم وجدوا الصهاينة قد فارقوا الحياة جميعا.

وجن جنون من بالمستعمرة فأطلقوا نيرانهم الرشاشة في هيستريا ولكن الرجال كانوا يحتمون في المصفحات وحينما أخذوا يقلبون الجثث لمعرفة هويتهم وجدوا وشما على ظهر أيديهم مرسوما باللون الأخضر وهو المعروف عندنا بالدق عبارة عن منجل ومطرقه فعرفوا أنهم من يهود روسيا وتم دفع المصفحات حتى أبعدوهم عن منطقة الغرس حتى وصلوا إلى الطريق العام وبقى الونش إلى أن تم رفعه من الغرس واعتداله فوق المدق وبعد ذلك تم سحبه من الخلف كان داخل العربات المصفحة خيام صغيرة هايك وقطع شيكولاته وأوز حي ومكرونة وأكياس دقيق كانوا قد اغتصبوها من القرى التي مروا بها وهم قادمين.

الانتقال لمعسكر البريج بغزة

وبعد أن عبرت قوات الجيش المصري الحدود المصرية داخل فلسطين في 15 مايو بقيادة اللواء أحمد علي المواوي صدر أمر من قيادة القوات إلى قيادتنا بالانتقال إلى معسكر البريج بغزة حيث توجد قوات من الإخوان بقيادة الأخ كامل الشريف والشيخ محمد فرغلي وحتى أوامر أخرى.

وفي 16 مايو صباحا أخلت قوانا معسكر النسيرات متجهة إلى معسكر البريج الذي أحتله الإخوان بعد إجلاء القوات البريطانية منه وقامت معركة بينهم وبين اليهود للتسابق على احتلاله وكسب الإخوان الجولة بقيادة كامل الشريف والشيخ فرغلي وكانت فترة قصيرة بالنسبة لنا للراحة ومراجعة حساباتنا بالنسبة للخسائر والمكاسب.

ودخلت أحد العنابر فوجدت الأخ لبيب الترجمان والأخ نجيب جويفل يتناقشون فيما حدث في معركة كفار ديروم وحولهم بعض الإخوان ولكني لم أدخل معهم في ذلك النقاشي وفضلت أن أكون مستمعا ذلك أني كنت أرى أن النقاش في هذه الأمور ربما يكون له أثر سيئ في النفوسي فيذهب الحماس الذي جئنا به وتتمرد النفوس وتثبط عزائمنا وقد سمعت لبيب يلقي اللوم على الأخ اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف وكنت أرى غير ذلك الأخ عبد المنعم لم يبرح المكان بدأنا منه الهجوم على المستعمرة وكانت في نفسه ثورة لتأخر المدفعية أولا ثم إطلاقها مرة ثانية دون أن يعطي الإشارة المتفق عليها ثانيا.

ولما وجدت أن موقفي لم يعجب الأخ نجيب دون أن أبدى رأيا فضلت أن أذهب وأنسحب خير من الدخول في شيء قد يكون خطرا أكبر من حبكة المناقشات في وقت لم يكن مجاله وإذا كان لابد منه فإن يجب علينا أن نخطر القيادة برغبتنا في اجلوس معهم لتدارس الأحداث وما سيستقر عليه الأمر لتلاشي ما حدث من أخطاء وأن ذلك من حقنا بصفتنا قادة التنفيذ.

طائرة مصرية تطلق علينا النار

في اليوم الأول من وصولنا البريج ومع الغروب وقفت الكتيبة في مربع طابور التمام وإذا بطائرة مصرية تحوم حول المعسكر ثم انقضت علينا برشاش الفكرز مرتين ولولا لطف الله بارتداء الإخوان إلى الخلف في سرعة وفض الطابرو خوفا من عودتها وأسرع البكباشي عبد العزيز إلى مقر قيادة القوات بغزة وأخبرهم بما حدث ثم عاد ليقول أنه حدث خطأ ولن يتكرر.

القوات الخفيفة

بعد أن وصلت قوات الجيش المصرى أصدرت قيادة القوات المحاربة في فلسطين بقيادة اللواء أحمد على المواوي أمر قياديا إلى البكباشي أحمد عبد العزيز باعتبار قوات المتطوعين قوات منقلة خفيفة تنتقل بسرعة أمام الجيش وتقوم بالأعمال الفدائية وذلك في اتجاه بئر سبع عبر صحراء النقب وكان وقت الغروب وعلى مسار الطريق توقفت قواتنا وأنزلت المدفعية التي ظلت تقصفها حتى اشتعلت النيران فيها ثم حملت المدفعية وعاودنا السر حتى بئر السبع، .

وكان استقبالنا لا يقل عن استقبال خان يونس لنا وعسكرنا في مدرسة بئر السبع وأخضر لنا رئيس مجلس المدينة أرز بالكاري وفي السابعة صباحا طلب البكباشي أحمد عبد العزيز من اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف أن يتجه إلى العوجة ويستقر بها حتى أوامر أخرى وأعطاه فصيلتين من الليبيين ومجموعتين من المصريين واتجه الأخ اليوزباشي عبد المنعم إلى العوجة ولكنه وجد أن قرية العسلوج يحوطها عدد من المستعمرات وأن استيلاء اليهود عليها يهدد بقطع الطريق بين الخليل وبئر سبع.

ثم اتجهت أطقم المدفيعة في اتجاه مستعمرة بيت إيشل المواجة لمدرسة بئر السبع والقريبة جدا من المدينة ورست على الطريق وطلب مني أن أحضر مجموعتين بالبنادق وأحضر مجموعتين وربض بنا الملازم حمدي واصف خلف كومة صغيرة من التراب .

وأخذ الأخ الملازم أنور الصيحي في توجيه المدفعية وقصف بيت إيشل التي خرج منها بقر الفريزيان جريا وهربا من قوة النيران ثم أوقفت المدفعية في التاسعة على إثر إصابة الأخ أنور الصيحي طلثقة طائشة في جبهه واستشهد على أثرها ودفن في بئر سبع وجاءت إشارة بترك قوة في بئر السبع لحمايتها حتى تصل إليها قوات الجيش والتقدم في اتجاه الخليل بيت لحم وطلب البكباشي أحمد عبد العزيز من الأستاذ محمود عبده البقاء بقوته في بئر سبع ولم يبق من كتبيتنا سوى خمس فصائل ومن الكتيبة الليبية المشتركة من دول المغرب العربي أربعة فصائل كان اليوزباشي كمال الدين حسين قد عاد بعد أن عوفي من إصابته في معركة كفار ديروم وأصبح بدون قائد ثان لمدفعية الهاوتزر .

ولكن كان معه صول اسمه عبد العظيم كان يثق فيه ويعتمد عليه والمازم ثاني خالد فوزي مع اليوزباشي حسن فهمي ولم نكن نعرف سببا لانتشار قواتنا الصغيرة وتوزيعها على مناطق متعددة خصوصا بعد تزايد عدد الضحايا ولم تستقر غير ليلة من هذا الوضع وكان رئيس مجلس المدينة يلح على قائد القوة البكباشي أحمد عبد العزيز بالبقاء ولكنه قال له لا أستطيع ذلك أنا أنتحرك بأوامر أنا قوة متحركة ولدي أمر بالتقدم وتحركت قوتنا إلى الخليل ثم بيت لحم التي غيرت الظروف وحدها الوضع بالكامل.

تعقيب

مرت كل هذه الأحداث في سرعة دون أن نعرف وجهتنا إلى أين وما هو الحد الأدنى والأقصى للمهام التي ستلقى علينا ولم نتقدم نحن كضباط متطوعين بكشف حساب للأحداث التي مرت بنا ثم نطلب تعقيب القيادة عليه لكي نعلم أي شيء يجب علينا أن نعمله وعلى أن يكون ذلك بعيدا عن حساب الخسائر والمكاسب لأن الكلام في مبدأ الخسائر قد يحدث إحباطا في النفوس وتثبيط للعزائم والكلام في الكاسب قد يحدث غرورا ورعونه والقائد المحنك يعرف كل هذه الأمور وعليه أن يستبدل مواقع الأشخاص القيادية دون مواجهة أي منهم بما يثبط عزائمة كما في طريقة توزيع فصائل هذه القوة الصغيرة وتشتيتها بهذا الشكل الذي يجعلها متناثرة هنا وهناك دون هدف معلوم أو خطة مدروسة لم تعيه القيادة خصوصا بعد دخول الجيش إلى أرض فلسطين] وأصبحنا جزءا لا يتجرأ من هذا الجيش وعلى قيادتنا أن تتلقى أوامرها من قيادة ا لقوات المحاربة في فلسطين ولم يكن اي خطأ يحدث يمكن البت فيه باسناده إلى القيادة أو إلى الأفراد ولكن الخبرة وحدها هي التي تستطيع أن تحسم الأمور، ولا يستطيع أي إنسان ما أن يثبت أنه كان في مصر خبرات عسكرية تكتيكية في ذلك الوقت ف مصر لم تدخل حربا منذ مئات السنين خصوصا بعد أن تطورت الحروب مع تطور وتنويع الأسلحة .

ولكن كان هناك ثلاث دوافع (دافع سياسي_ دافع انتمائي- دافع عقائدي) فبعض العسكريين كان حافزهم للمعركة دافعين فقط، وهما السياسي والانتمائي والبعض الآخر كان حافزهم الدوافعي الثلاث سياسي وانتمائي وعقائدي وكانت قلة قليلة وهؤلاء كانوا م النواة الأولى للإخوان في مختلف وحدات الجيش أما المتطوعون وكان تسعة أعشارهم من الإخوان والباقي من حزب مصر الفتاة وزادت نسبة الإخوان في ذه الكتيبة بعد انضمام قوة أستاذنا الكبير محمود عبده وأصبحت هذه القوة في مجموعها قوة الكتيبة الأولى وكان حافزهم دافعين دافع العقيدة ثم دافع الانتماء وكان ذلك يقرأه الناظر إليهم في سيماهم.

كل هذه الدوافع هي التي كانت تتجلى بها الكتيبة الأولى فكانت زادنا وسلاحنا وذخيرتنا.

تكل هذه العوامل التي كانت حوافز دافعة وعزيمة قوية كانت كلها رد فعل صادر من منهج تربوي شامل أخذ من بين صفحات كتاب منزلك وسنن نبي مرسل فكانت تكنولوجيا العسكرية المؤمنة في كل زمان ومكان وعلى مر العصور جعلت من جند الله في الأرض رجالا يعملون ولا يتنابزون خرجوا من ديارهم غير عابئين بالحياة الدنيا لا يتخللهم يأس ولا فتور وكان اختبار الله لهم في كفار ديروم فصبروا وصابروا وأصروا على الرباط فدانت لهم الأرض بعد ذلك ولو لم يحدث ما حدث بعد ذلك من حكومة النقراشي و إبراهيم عبد الهادي لاستطاعت هذه الحفنة من الشباب المؤمن الصامت تحرير فلسطين من الغاصبين ولا عدب في ذلك فكل ما جاء في كتاب الله حق لا يستطيع إنسان أن ينكره.

ولو لم تجر الحكومات العربية وراء القرارات الدولية التي لم تكن تحترمها الصهيونية نفسها وكان يجب أن تترك قواتنا حرة تعمل وقوات الجهاد المقدس التباعة للحاج أمين الحسيني دون التقيد بقرارات دولية ولكن للأسف الشديد أن تلك القرارات طبقت حتى على رجال الجهاد المقدس كما كان لحل جماعة الإخوان واعتقال أعضاء الجماعة واغتيال مرشدها أسوأ الأثر على القضية نفسها بل القضايا العربية برمتها ذلك أن صلة الإخوان بعضهم ببعض في العلم الإسلامي وكل الأقطار العربية صلة خاصة تختلف عن صلة تلك الأمم كلها فهم لا يختلفون إذا أختلفت أي حكومة في أي بلد ولا يتغيرون إذا تغير أي وضع في أي بلد وذلك أ،هم يرتبطون بميثاق واحد ألا وهو كتاب الله فهل يوجد تكنيلوجيا علمية تربوية أعظم من ذلك؟ أقولل لا.

واصلنا السير في اتجاه الخليل التي وصلناها بعد العشاء وكان أول ما اتجه بنا الركب إلى مسجد الخليل وبعد صلاة العشاء اتجهنا إلى مدرسة الخليل ولما لم يكن بالخليل مستعمرات يهودية ولا حتى بالقرب منها وسبب ذلك شدة بأس عائلات الخليل التي كانت متماسكة في ذلك الوقت ونفس الحال كان في نابلس أمام القدس فكان اليهود يحيطونها بالعديد من المستعمرات خصوصا القدس الجديد، أما القدس القديم فقد كان به حيا بأكمله تجمع فيه اليهود العرب تحت حماية الانتداب البريطانية كما كان في الطرف الجنوبي لبيت لحم مستعمرة تسمى كفار عصيون طهرها رجال الجهاد المقدس بقيادة الشهيد حسن سلامة الذي استشهد في نفس المعركة وكان قد تسلم القيادة بعد ايتشهاد البطل عبد القادر الحسيني ووضع سكانها في المستشفى الفرنساوي ببيت لحم وتحت حراسة القوات الأردنية الموجودة في بيت لحم حتى تم نقل هؤلاء الأسرى إلى عمان أما الحي اليهودي وهو عبارة عن حارة طويلة تشبه إلى حد كبير حارة اليهود في مصر ولكنها كانت مسدودة عند نهايتها.

بيت لحم بلد الميح هي التي كتبت التاريخ الحقيقي بدمائنا

تركني أحمد عبد العزيز بالخيليل مع فصيلة غير فصيلتي قائلا انتظر أنت هنا حتى أبعث لك آخر تعليمات ثم تقدم نحو بيت لحم ولم يكن معه من الضباط المتطوعين سوى الأخ لبيب الترجمان وفي صباح اليوم التالي أي في 19 مايو كان يتخذ مقرا للقيادته في مكان يبعد عن بيت لحم بحوالي اثنين منالكيلومتر وهذا المكان مكون من طابقين وكان يشغل كازينو فترة الأنتداب البريطاني ويملكه رجل يدعى أنطون وله محلا ببيت لحم يعمل في تصليح الأسلحة ووضعت المدفعية بجانب المكان .

وعلى بعد ستة كيلو مترات منه يوجد دير مار الياس وبعدها بكيلو واحد يوجد عدة مستعمرات يهوديه وعلى الجبيل المواجه لمار الياس توجد أولى المستعمرات وهي مستعمرة رامات رحيل وهي مستعمرة كبيرة جدا بها ثلاث ثكنات كل واحدة منها عبارة عن ثلاث طوابق وكان بها حظيرتين كبيرتين للبقر الفيزين وأخرى للدواجدن وتطل على الطريق في مدخل القدس وكانت بعض القوات الأردنية ترابط بجانب مارالياس بمدرعة وسيارة جيب عند بوابة الدير وذهب أحمد عبد العزيز واليوزباش كمال الدين حسين إلى دير مالرالياس وصعد أعلى مكان بالدير ودخل كمال الدين حسين برج أجراس الدير لتحديد المسافات للمدفعية ثم عادا إلى مقر الونستون وذلك كان اسم مقر القيادة حينما كان يعمل كازينوا وأخذ اليوزباش كمال الدين حسين والذي أطلق عليه أحمد عبد العزيز أبو كمال منذ هذه اللحظة في إطلاق قذائفه وكلف الأخ لبيب الترجمان بأن يرابط بكل القوة الموجودة على سفح جبل رامات رحيل وكذلك طلب أيضا من القوة الليبية بقيادة الضابط بشر .

وفي عصر نفس اليوم جائتني إشارة من بيت لحم تقول استعد لمقابلة جثمان الشهيد الملازم بشير اللبييبلدفنه في مقابر مدينة الخليل وحضر الجثمان قبل المغرب وحضرت قوة من مركز الخليل وقفت في صفين منكسين السلاح ولكني أعترضت على ذلك وقلت لضابط البوليس الفلسطيني ارفع السلاح على الكتف ولا تنكسه لأنه شهيد وليس بميت ودهش الضابط قائلا إنها جنازه، ولكن النقاش دار أمالم الشيخ الشنقيطي الذي كان على رأس المشيعين من بدلة الخليل فتدخل قائلا للضباط اسمع ما يمليه عليك فهو على حق ثم تلى قول الله تعالى (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون...) إلى آخر الآية .

وفي صباح اليوم التالي وهو يوم 20 مايو ذهبت إلى بيت لحم وعرفت أن هجوم صباح اليوم التالي لم يأت ثماره ولكن صدر أمرا آخر إلى لبيب الترجمان بالعودة لمهاجمة المستعمرة مرة أخرى وأخذ كمال الدين حسين يقذف بالمدفعية مرة أخرى من منتصف الليل وقبل الفجر كان لبيب قد اقتحم المستعمرة كانت الساعة العاشرة والنصف عندما وصلت بيت لحم وكان أحمد عبد العزيز و كمال الدين حسن يقفون خلف المدفعية التي تستمر في قذف المستعمرة وأرسل أحمد عبد العزيز إلى لبيب أمرا بتسليم رامات رحيل للفلسطينيين وسحب قوته إلى مركز القيادة بالونستن وانسحبت القوة المهاجمة بعد أن تركوا الأهالي الفلسطينيين واكتفى بالقذف المدفعي خلف المستعمرة من الناحية المواجهة للقدس وقابلت لبيب الترجمان وأخبذ يشرح لي الطريق الذي وصلوا منه بعد فشل الهجوم الأول ولمحني أحمد عبد العزيز مع لبيب فقال روح جيب الناس اللي معاك وتعالى.

كيف تم اقتحام رامات رحيل

دخل لبيب الوادي الملتف حول جبل مارالياس ولف حول الجبل تحت أشجار الزيتون واتجه شمالا إلى الناحية الشرقية لرامات رحيل ومن الفاصل بين تبة المستعمرة والتبة التي تقع عليها قية صور باهر ووجد أن هذا الفاصل يشبه المدرجة الهرمي فاتخذوا هذه المدرجات سواتر لهم فساعدتهم على سرعة الصعود والوصول إلى الأسلاك دفع لبيب بقواته داخل المستعمرة تحت غطاء ناري لرشاشات البرن وصعد يوسف عبد الجليل إلى سطح الثكنة الأولى وكبر وكان اليهود قد انسحبوا عن طريق خنادق المواصلات التي عملت داخل المستعمرة حتى لا يمشي أحد على سطح الأرض وهذه الخنادق ممدودة حتى المستعمرات الواقعة في مدخل القدس وهي مستعمرات تل بيوت وأرنونه ومزرعة الدجاج وتم السيطرة على رامات رحيل تماما ثم تركت لبيب من فوري وذهبت إلى الخليل نتيجة تفتيت كتيبة صغيرة في أماكن متعدددة ذات تعاريج كثيرة ومساحات كبيرة قد أدى إلى استعادة اليهود لرامات رحيل.

الخطأ الكبير وما نتج عنه

كان توزيع الكتيبة على طول الطريق وبطريقة مبعثرة بدءا من العوجه والعسلوج وبير سبع والظاهرية والخليل أثره الكبير حتى لو حصلنا على مكاسب فقد تكون مؤقته لأنه سيكون هناك رد فعل يضيع هذه المكاسب وكان ذلك فعلا فكان لسحب قوة لبيب واللبيبين الموجودين وإحلال الأهالي من عرب الخليل وبيت لحم والقرى المجاورة لهما خطأه الكبير إذ دخل هؤلاء ليحلو محل قواتنا التي لم تر النوم ولم تذق طعاما طيلة ثمانية وأربعين ساعة منذ وصولها بيت لحم فقد كان الجميع قد اشد الحاجة إلى فترة من الراحة ولكن ما حدث كان قد بدد كل شيء فقد أخذ العرب يحملون أجولة الدقيق ويسحبون الأبقار ويضعون الدجاج داخل أقفاص خشبية ثم يذهبون ذلك لأنهم لا يستطيعون البقاء فرامات رحيل هذه يتبعها عدة مستعمرا ملتصقةي بها من ناحية الشمال كما بنيت من قبل.

فهي منطقة مستعمرات تقع على جبل واحد يحدها جنوبا دير مارالياس وشرقا صور باهر وجبل المكبر الذي كانت تلاصقه مستعمرة الدجاج على منحدر طويل ينزل من جبل المستعمرات ويحدها غربا طريق بيت لحم القدس ثم كامب العلمين ومستعمرة ميكور حايم التي تقطع في مواجهة قرية بيت صفافا وقرية الشرفات وفي غمرة الفرح وتزاحم العرب على الغنائم شعر اليهود بعدم وجود قوات فأخذوا يطلقون النار ولما لاحظوا أن المدنيين العرب يهربون خارج المستعمرة ولم تطلق نيران من داخلها في مواجدهة نيرانهم الأمر الذي جعلهم يتأكدون من عدم وجود مسلحين فاسرعوا بالعودة إلى رامات رحيل.

ما الذي كان يمكن علمه لتلاشي ما حدث:

وكان يمكن أتباع أحد عاملين:

1- أن تكن تحدث خسائر تذكر في هذه الأحداث كالتي حدثت في أول معركة مع كفار ديروم في خان يونس ولكن كان شهيد واحد وستة جرحى وكل ما كان يدث منذ دخولنا فلسطين كان ارتجالا فيه ستر الله فلا خطط ولا تخطيط ولو كان هناك تخطيط لتمركزت قواتنا في الخليل الخالي من المستعمرات لمدة أسبوع ثم تستدعي القوات التي تركت في بئر السبع وكذلك العوجة والعسلوج والضاهرية وحتى يتم تجميع هذه القوات تجري عدة عمليات استكشافية ودراسة لطبيعة الأراضي المقام عليها المستعمرات وحولها وكذلك عدد وتحديد المسافات بين كل مستعمرة والأخرى مع مراقبة طرق الاتصال ثم تتجه القوة كلها إلى بيت لحم وتوضع خطة ثم يعقد اجتماع على مستوى القيادات كلها لشرح الخطة والاستماع إلى كل تعليق على أي بند من بنودها.

2- وحتى بعد ما تم الاستيلاء على المستعمرة كان من الممكن أن يصدر لي أمرا بعد أن وصلت قوتي المكونة من فصيلة واحدة بالتقدم نحو المستعمرة على أن نأخذه مواقعنا على شمالها من داخل الخظائر التي صنعت بدقة فكات ذي سقف جملوني متين حمل أعلى أعمدة حديدية أما جدرانها فكانت من الداخل مصنوعة من خشب الموسكي الغليظ ومن الخارج بالصاج المسطح، وترك فراغ بين الخشب والصاج حوالي ثلاثون سنتيمتر تقريبا مملوء بالتراب الناتج عن فحت الخنادق وذلك حتى لا ينفذ الرصاص إلى البقر بالداخل وقد عملت مزاغل بالجدران أي فتحات صغيرة لا ستعمالها كخط دفاع أخيرا إذا ما اقتحمت المستعمرة .

وف حالة توزيع الفصيلة داخل هذه الحظائر وعلى عدد المزاغل يصبح اتجاه أفراد الفصيلة في مواجهة اليهود كما يجب مد سلك تليفوني على الأرض حتى مقر المدفعية لإمكان الاتصال لطلب القصف إذا احتاج الأمر وأصدر التعليمات إلى قيادة قوات الجهاد المقدس الرابضة في بيت لحم بقيادة منير فاضل للتحرك بسد كل الطرق الجانبية حول المستعمرة حتى لا تحدث أي حركة التفاف، ثم يتم سحب القوة التي هاجمت المستعمرة واحتلتها للراحة ثم تعود إلى المستعمرة بعد أربع وعشرون ساعة لعمل خطين داخل رامات رحيل خط أمامي لمشاركة ومشاغبة اليهود حتى يظلوا في حالة دفاع مستعمر وخط خلفي للدفاع وتعطية أي عملية انسحاب إذا حدث أي ضغط بقوات كبيرة ومعدات ثقيلة فيمكن ترتيب الانسحاب إذا حدث أي ضغط بقوات كبيرة معدات ثقيلة فيمكن ترتيب الانسحاب بعد تلغيم الأرض والأماكن الداخلية وذلك لإحداث تدمير شامل للقوات الضاغطة ومعداتها وأني أعتقد أنه لم يكن من الممكن عمل شيء غير هذين الرأيين.

أما العمليات ذات العدد القليل فيجب أن تكون خاطفة مدمرة ثم الهرب في سرعة مزهلة.

أما ما حدثت فكان أعجب إذ صدر أمر إلى لبيب بالعودة إلى المستعمرة واستعادتها وذهب لبيب وكنت أنتظر أن يوجه الأمر إلى ثم عرفتي أنه أعطى الأمر إلى لبيب على أساس أنه و الذي اقتحم رامات رحيل بعد أن هاجمها مرتين ويعرف نقاط الضعف فيها ولكن ذلك لم يكن في صالح قوة مرهقة منهكة لم تذق طعاما ولا شرابا لمدة ثلاث أيام كما أنهم في حاجة إلى النوم ولو ساعات قليلة وبعد أن ذهب لبيب والقوة المتعبة أخذت أفكر في الأمر وطلب مني أن أنشر قوتي حول القيادة .

وبعد أن تم توزيعها كنت أعشر بدقات في القلب فقطعت الطريق من مقر القيادة حتى مارالياس وكانت الساعة الحادية عشر مساء فوجدت رجلا من رجالنا يقف عند باب الدير وبسؤالي إلى الاتجاه الموجود به الأخوة فأشار إلي من بين أشجار الزيتون إلى الوادي وأخترقت الأشجار حتى الوادي فوجدت آخر وقد أوقفني طالبا مني سر الليل ولما أجبته وأنا أقترب منه سألته أيضا عن سبب وقوفه في الوادي أجاب أنه أمر بذلك لمراقبة الوادي من الغرب والشمال الغربي ثم سألته عن لبيب فأشار لي على سفح الجبل الذي تقام عليه المستعمرة فأخذت في تسلق الجبل حتى وصلت إلى لبيب .

وظن هو أني مشترك معه منذ البادية فأفمته أني جئت وحدي دون علم أحد وسألته عم ما إذا كان قد اقتحمها من هذا المكان في المرة السابقة فقال لا لأن الفاصل قريب من قرية صغيرة اسمها صور باهر وأردت أن أفلت نظره إلى أن المكان الذي يقف فيه خطير والاقتحام منه مستحيل لأنه عبارة عن دائرة حجرية بعمق متر واحد وباتساع سبعة أمتار وإذا ما وقعت فيها دانة مدفع واحد فإنها كافية للقضاء على من فيها ولكنه رفض أن يستمع إلى قائلا إذا كنت عاوز تعمل معنا فلا تتكلم وآلمني ذلك ولكني ملت إلى الناحية الشرقية لاستطلاع الجانب الذي به الفاصل فوجدته هادئا ولان الساعة قد قاربت على الثالثة صباحا ولاحظ لبيب أن الإجهاد بدأ يظهر على الرجال فانسحب وعاد إلى مكان قريب من الونستون ليناموا فيه بضع ساعات تحتت أشجار الزيتون.

وكان أحمد عبد العزيز جالسا بالونستون في انتظار أخبار عن الهجوم فلما علم بالانسحاب جاء مهرولا في سرعة وأخذ يدفع الأفراد قائلا (جيتوا ليه ورحوا اهجموا ) فقال له لبيب أنا وجدتهم مرهقين ولم يستطيعوا عمل شيء حتى يأخذوا قسطا من الراحة ثم نعود ولمنه أخذ يسب ويلعن وهو يردد روحوا اهجموا مفيش راحة وكان مبعث ذلك أن ضابط جديدا من الجيش برتبة الملازم ثان قد انتقل إلى قواتنا وقد أتضح أن هذا الضابط من ضباط الستار الحديدي الخاص بالملك فاروق ذلك الضابط هو مصفطى كمال صدقي الذي أفهم الرجل أن القوة المهاجمة عادت من الطريق ولم تذهب لتنفيذ الأوامر، .

ومما ساعده على ذلك أن الرجل كان من النوع المندفع ولا يقبل التفاهم فقد كان يعتبرنا وحتى هذه اللحظة لم نكن قد تأهلنا بعد ولكن الواقع كان يقول غير ذلك فبعد أن أنسلخ اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف إلى العوجة وأصيب الملازم أول معروف الحضري في كفار ديروم ونحن نهاجم وتقتحم دون توجيه من أحد وبمجرد صدور أمر فقط لقد اكتسبنا الكثير من المعارك السابقة.

ووقف الجميع في انتظار سيارة وأرسل الأخ سعد زهران لجمع الفصيلة من حول القيادة ويأتي بهم وتم ذلك كله في خمس دقائق فقط وحضرت سيارة لوري وركبنا جميعا ووقفت السيارة عند الدير ولفت القوة في صمت وحذر كان نهار 22/5 قد بدأ يتكشف مع بداية صعود الجبل وهذ الوقت خطير جدا بعد ثلاثة أيام مستمرة لا نوم فيها ثم هدوء لمدة ساعة ونصف حتى ينكشف النهار فيظن العدو أن الأمر قد انتهى ثم يفاجأ بغتة، .

لقد طلب لبيب أن نصعد من السفح الجنوبي واتجه هو إلى الفاصل الشرقي وكان هذه المرة يعتبر عملا انتحاريا فدخلوا مسرعين وأرسل لي بوقف إطلاق النيران والتحول شرقا ومتابعتهم فأسرعنا بالنزول إلى الوادي وصعدنا من الفاصل فوجدناهم داخل المستعمرة ونسفوا الثكنة الشمالية واحتلوا الثكنة الشرقية وحوصرت الثكنة الجنوبية التي تجمع فيها اليهود وهي في مواجهة مارالياس وطار الخبر إلى أحمد عبد العزيز الذي استعان بقوات من الأردن الموجودة في بيت لحم وفي عصر ذلك اليوم جاء إلى المستعمرة ضابطان أردنيان برتبة اليوزباشي أحدهما يدعى نظاره والأخر يدعى حكمت مهيار ومعهما الملازم أول حمدي واصف الذي قدم لنا الضابطان الأردنيان وقال معهم جنود سيظلوا معنا .

وغادر المستعمرة بعد أن عرف الوضع الذي كنا عليه وانظرنا إلى القوة الأردنية التي جاءت لتعزرنا فوجدناهم سبعة أفراد معهم أمباشي ومع غروب الشمس أخذنا نوزع نقاط المراقبة وعمل دوريات داخلية ولكننا لم نستطع السيطرة على الليبيين الذين كانوا يوقدون النار لعمل الشي وطلبنا منهم أن يوزعوا أنفسهم فنزلوا في الخنادق وحطائر البقر وتركوا لنا المواجدهة مع الثكنة التي تجمع بها اليهود فصعدنا الثكنة الشرقية التي احتلناها ووزعنا الأفراد على عدد النوافذ الموجودة بالدورين الثاني والثالث وذلك ليكونوا في مواجهة الثكنة الجنوبية التي بها اليهود ثم هبطنا إلى الأرض لنراقب الموقف وجلسنا بجانب السبعة الأردنيين ومرت ليلة هادئة تخللتها بعض الطلقات من النوافذ وفي الصباح أرسلت القيادة تعيينات جافة وعند توزيعها استرخى الإخوان بعض الوقت.

كان يجب أن تستدع القيادة القوات التي تركت في بئر السبع ما دام الجيش قد دخلها وبحضور هذه القوات يصدر إليها أمر تكليف بالتقدم شمالا في اتجاه القدس على أن نظل محاصرين للثكنة التي بها اليهود حتى يستسلموا من شدة الجوع وعدم النوم وأن يستمر هذا التبادل تى يتم تطهير هذا الجبل من المستعمرا المقامة عليها كما يتم لنا السيطرة على ميكور حايم وما يجاورها من مستعمرات.

بعد تناول وجبة الغذاء من علب العدس المصنعة في قها استلقى بعض الإخوان في أماكنهم وذلك مع المراقبة والانتباه ومع غروب شمس يوم 23/ 5/ 1948 قال لبيب لم أعد أستطيع أن أقاوم النوم يمكننا أن نتقاسم الليل وكل ينام ساعتين ثم قال تنام أنت الآن ومعك نصف القوة الموجودة وبعد ساعتين نوقظكم للبدأ ولمدة ساعتين أيضا ونظرت إليه فوجدت شحوب وجهة المرهق .

وقلت له نم أنت وكل الذين كانوا معك من قبل فلكم اثنين وسبعون ساعة بلا نوم أما نحن فلنا أربع وعشرون ساعة فقط فقال لبيب بارك الله فيك الواقع أنني لم أعد أستطيع مقاومة النوم واستلقى لبيب على الأرض في مكانه وكذلك نام كل أخ ممن كانوا معه في مكانه وقمت من فوري مارا على كل المراكز قائلا لا توقظوا أحدا حتى أخبركم وجاءني ثلاثة من الليبيين يشكون قنابل هاون تنزل عليهم وأنهم يعتقدو أن الملازم أول حمدي واصف هو الذي يقذف هذه القنابل .

وحاولت إقناعهم بأن هذه القنابل من عند اليهود وأنها قنابل يدوية توضع في كأس تثبت في فم ماسورة البندقية ثم يضغط على التتك فتخرج الطلقة وتحمل معها القنبلة وكل ذلك دون جدوى وأصروا على أنه حمدي واصف وقالوا هو قال أنه حجيب لكم هاون وذلك أنه حينما أنه حمدي واصف وقالوا هو أنا حجيب لكم هاون وذلك أنه حينما حضر مع المجموعة الأردنية قال أنتم في حاجة إلى مدفع هاون ولكنه لم يعد ثم قلت لهم من أي مكان يقذف بقنابل الهاون قالوا من خلف الادي خلف مارالياس وأخذتهم ونزلت بهم الوادي وثبت هلم عدم وجود أحد وكلما مشينا قالوا سنجده بعد واستمر السير حتى وجدنا أنفسنا تاركين مارالياس خلفنا بكليو متر ومتجهين إلى بيت لحم وإذا بسيارة جيب قادمة من مقر القيادة ووقفت أمامنا وكان بها مصطفى كمال صدق و عبد العزيز حماد.

وسأل مصطفى أيني نحن ذاهبون ورويت لهم ما حدث وطلب مني مصطفى أن أركب معهم فصرفت الليبيين وركبت معهم السيارة ودار للعودة إلى القيادة وسألتهم لماذا لم توصلوا سيركم إلى المستعمرة ولكن أحدا لم يرد وكنا قد وصلنا القيادة فوجدت البكباشي أحمد عبد العزيز واليوزباشي كمال الدين حسن والضابط الأردني حكمت مهيار وضابط آخر إنجليزي برتبة ملازم واثنين من الجنود الأردنيين وأثناء دخولي قال مصطفى صدقي أنا وجدته تارك موقعه بالمستعمرة وماشي على الطريق ولم يرد عليه ولم يهتم به وطلب لي كوب شربة عدس ساخن وقال أحمد عبد العزيز أنا كنت عاوزك أنت .

وأردت أن أقول شيئا مما حدث ولكنه قاطعني قائلا خلاص مشي مهم أنا عارف ثم قال أنت مسئول عن هذه العملية وأشار إلى صندوق معبأ بالجلجنايت لنسف الثكنة التي بها اليهود ثم أشار أيضا إلى الضابط الإنجليزي قائلا هو الذي سيقوم بالعمليه وأنت معه ولكن أنت المسئول ولم أستطع أن أناقش الأمر أو حتى أحاول السؤال عن شيء فقد أكتفيت بأنه لم يهتم بإسفين مصطفى صدقي وأني لا أملك سوى أقول حاضر يا فندم أننا ما زلنا على الفطرة نأمر فنطيع ونسمع ولا نناقش أمرا وإذا حدث أمرا ما فالخطأ محسوب علينا لا على التخطيط المفقود وقد رأيت بعيني ما حدث مع لبيب.

ماذا حدث مع الضابط الإنجليزي وصندوق اللغم

ركبنا السيارة الجيب وبوصولنا مارالياس حمل الجنديين الأردنيين الصندوق وتركنا السيارة ودخلنا من خلف جبل مارالياس تقدمت والجميع من خلفي حتى وثلنا الفاصل الجبلي وصعدنا إلى أن دخلنا المستعمرة وكانت الساعة قد بلغت الحادية عشر واستيقظ لبيب الذي شكرني على أن تركته ينام حتى هذه اللحظة فقد استراح حوالي أربع ساعات ثم طلبي مني أن أنام ولكن في الواقع أنني لم اشعر بحاجة إلى النوم فأخبرته بما حدث فرفع راسه ونظر إلى الضابط الإنجليزي قائلا هذا هو قلت نعم فقال يعني بدأو يشعروا بالإرهاق الذى اصابنا وأخذ القمر ينضوي مع الساعة التي تمر في جو ربيعي لطيف وربما يكون ذلك الجوهر السبب في أنني لم أشعر بحاجة إلى النوم وبجانب الإحساس بأنني سأشترك مع الرجل الإنجليزي في وضع اللغم ونسف الثكنة بعد فشل عدة محاولات كانت قد أجريت لنسفها في الليلة السابقة .

وفي الساعة الواحدة و النصف من صباح 24/ 5 قلت للإنجليزي لقد ذهب القمر ألم يحن الوقت فقال لا وكررت السؤال في الثالثة صباحا فقال بعد ساعة حتى يكون اليهود متعبين قلت لا شك أنهم متعبين الآن بل هم في شدة الإرهاق فقال انتظر وفي الثالثة والربع بدأت الثكنة تطلق نيرانها الرشاشة في جنون وبدأنا نرد عليهم بشدة وسقطت حولنا بعض القنابل اليدوية التي تطلق من الكاسة المثبتة بالنبدقية وقال لي ذلك دليل الإجهاد الزائد فلننتظر الفرصة ونتقدم تحت ستار نيران شديدة من طرفنا.

وانشغلت بمراقبة المواقف حتى الفرصة التي شرحها لي الإجليزي وبينما أنا متجه بنظري في اتجاه الثكنة لأحدد مصدر النيران حتى يمكن تلاشيها أثناء تقدمنا وإذا بانفجار شديد في اتجاه مارالياس وطلقات كثيرة تطلق من اتجاه الطريق الأسفلت الواقع بين القدس بيت لحم.

ومعنى ذلك أن مجموعة كبيرة من اليهود قادمين من المستعمرات الخلفية وقضوا على الأردنيين الموجودين بالدير ونسفوه، وإذا بالأردنيين الموجودين معنا يشيعون الذعر داخل المستعمرة ويأمرون الجميع بالانسحاب وخرج الليبيون جريا خارجين في اتجاه صورباهر والضابطين الأردنيين يلوحون بأيديهم إلى الخارج وينادون انسحاب انسحاب وخرج الجيمع ونسفت الثكنة التي كنا بها بعد أن أصبح الكل خارج المستعمرة وأخذ أجول بنظري بحثا عن الضباط الإنجليزي فلم أجد له أثرا وظننت أنه انتهى مع اللغم ووجدت الأخ أحمد عبد الهادي وقد تعثرت قدمه فانكفأ على وجهه خارج الأسلاك ونادي على فأخذت بيده وأخذ هو يعتمد على كتفي حتى وصلنا الوادي وفي الوادي وجدت يوسف عبد الجليلٍٍ وبعض الإخوان فتركت لهم الأخ أحمد عبد الهادي وعدت أنا والأخ سيد منصور من فصيلة الهاون وصعدنا إلى المستعمرة فوجدناها خالية تماما ولو كان بها أحد لأطلق علينا النار وتتبع آثارنا وعرفت أن ما حدث كان عملية تغطية لانسحاب اليهود من الثكنة ثم ذهبت إلى مارالياس فوجدت الدير موجود ولم ينسف وكل ما حدث أنهم فجروا لغما بالبوابة التي لم تنسف لأنها غير مكتومة فهي دون سقف ولا جدران وبمجرد وصول اليهود إلى البوابة فر الأردنيين الموجودين في سيارة الجيب وكانت هذه أيضا ضمن عملية التغطية لانسحاب المجموعة الموجودة بالثكنة.

ماذا دار بتفكيري بعد هذه الأحداث وما الذي قررته بيني وبين نفسي

مرت الأحداث بيني وبين نفسي في سرعة وبدأت تدور في خواطري أمور لم أكن أفكر فيها من قبل، فعرفت أن الحرب خدعة قبل أن تكون عدة وإعداد، فأحيانا ما تكون العدة موجودة وتذهب فاعليتها مع الرياح وأحيانا أخرى قد يعد من الخطط ما يمكن إعداده ولكن يذهب ذلك كله ايضا مع الرياح وذلك ما يحدث كثيرا في الحروب الحديثة فكل هذه الانتصارات التي حدثت لم تؤدي إلى شيء أكثر من أن العدو الصهيوني قد دخل في قلبه الرعب فظن أن هؤلاء الذين يلقون بأنفسهم إلى الموت والاستشهاد إنما هم قوة رهيبة لا يخشون شيئا ولا يبقون على حياة، .

ولو علم اليهود قلة عددنا ما تأخروا لحظة في اكتساح بيت لحم والتخلص من شغبنا القاتل ثم فكرت في العدة التي نملكها فلم أجد شيئا سوى بنادق لي أنفلد الإنجليزي وعشرت رشاشات يرن وسته مدافع هاون واثنى عشر بنادق بويز لا قيمة لهما إذا يجب أن نعود إلى الفكرة التي خرجنا على أساسها وهي عملية تدمير وتخريب في خطوط العدو ومنشئاته وهي أعمال فدائية (كوماندوز) فكل ما قمنا به حت الآن لا تخرج عن ذلك النطاق وأن نترك عمليات الإحتلال والدفاع للجيوش العربية وخصوصا أن المواد الناسفة متيسرة، ولكن من الذي يوافق على ذلك؟ أنها خواطر..!!

ما الذي حدث بعد ذلك

طلبني البكباشيي أحمد عبد العزيز الساعة الرابعة مساء 24/ 5 فوجدته يقف على باب الونستون ومعه اليوزباشي كمال الدين حسن والسيارة الجيب عليها حارسه الخاص الأخ على الشيمي وعندما ذهبت إليه سألني قائلا أنت اسمك إيه قلت حسين حجازي يا فندم قال أسمع يا حسين هات معاك ناس، وجئت بعدد كبير وقف ينظر إليهم ثم فصل ستة عشر منهم وقال للباقين وانصراف ثم طلب إعطاء كل واحد منهم خمسون طلقة وقال اركبوا ودخلت بجانب السائق وقال له اتبعني وقاد هو الجيب وبجانبه كمال الدين حسين ومن خلفهم حارسه الخاص واتجه بنا إلى قرية صور باهر والمواجهة لرامات رحيل من الناحية الشرقية والتي تقع على السهل النحدر من نفس الجبل إذ لا تزيد المسافة بينها وبين المستعمرة عن مائة وخمسون مترا وفي الفناء مدرسة صور باهر وقفت السيارتان وهبط الجميع من السيارتين ثم وضع يده على كتفى قائلا اسمع يا حسين أنا مش عاوز استهلاك في الذخيرة كل طلقة لازم يموت واحد وذهب إلى نهاية المدرسة حيث اليوزباشي كمال الدين يرصد المسافات للمدفعية ثم عادوا وعاد خلفهم اللوري أخذت أطوف حول المدرسة التي لم يكن لها صور بحثا عن الأماكن التي يمكن استعمالها للمراقبة والقنص لم أجد شيئا يصلح .

ولم يستطع أحد الصعود فوق سطح المدرسة المكون من طابق واحد لأن السطح مكشوف ورامات رحيل الواقعة على بعد مائة وخمسون متر غربا في مستوى أعلى خاصة من في الثكنة الباقية وأخيرا وأجدت قطعا من الحجارة ذات الحجم الكبير إذا يبلغ الضلع متر× متر تقريبا وحفر عميقة متر ونصف المتر ولا شيء غير ذلك ولا يمكن حفر أي نوع من الخنادق لأن الذي يحول الحفر في أي مكان يقف مكشوفا على سطح الأرض ولا شيء يستره الأمر الذي جعلني أضع المراقبة خلف قطع الحجارة الكبيرة ووضعت البرن وبعض البنادق في الحفر وذلك في النهار أما في الليل فقد فكرت في عمل دوريات سيارة غير مستقرة في مكان وبعد الغروب جاءني رجل يلبس الزي العسكري ويضع فوق رأسه حطة حمراء (شال أحمر) وعقال أسود مفتول يدعى جاد الله وينادونه بأبو محمود ورفقته شقيقه ويدعى عبد وبعد أن ألقى السلام بادرني قائلا كيف حالكم يا أخونا إن شاء الله تكونوا مبسوطين ثم قال لا تحملوا هم شيء نحن عندنا رجال بنوزعهم هون في الوادي قلت معهم سلاح قال نعم عندكم ذخيرة كافية؟

قال نعم ثم قال أخونا الجنود تبعك شوية كنت بتحتاج قوة أكبر لكن بسيطة عندنا الرجال إذا بتحتاج أي شيء نحنا عندنا إيش ما بتريد أنا المسؤول هون إذا سمحت حضرتك اتفضل معنا تشرف وفي أحد حجرات المدرسة وضع تليفون بذر يعمل بالبطارية وضع عليه جندي من المدفعية وقلت لأبو محمود أنا منظر تلفون من القيادة وسآتي إليك بعد نصف ساعة وذهبت إلى نقط المراقبة ففوجئت بطاقم من المدفعية المضادة (2رطل) موضوعو على يمين المراقبة في السفح الشمالي فطلبت منهم مراقبة الوادي حينا وكذلك الاتجاه نحو المستعمرة حتى لا يحدث لهم مفاجأة وعلى غتة وكانوا مسلحين بأربعة رشاشات برن، ثم طلبني البكباشي أحمد عبد العزيز وذهبت إلى إلى التليفون سألني عن الوضع قائلا أنت عامل أيه قلت الحمد لله فقال أنا عاوز أجي الصبح أشوف كله تمام وفتح عينك فيه عندكم مدفع (2رطل) إذا فيه حاجة اتصل بي فورا مع السلام تمام يا فندم.

أرسل جاد الله أبو محمود رجلا من رجاله ليصحبني إلى منزله وذهبت معه ودخل بي في حجرة واسعة مفروشة بسجاد الكليمي وجيء لي بكرسي وحاولت الجلوس معهم كما يجلسون ولكنهم رفضوا مصرين على أن أجلس على الكرسي وبعد نصف ساعة أحضر عشاء وحاولت التخلص منه دون جدوى وقيل لي أنهم أرسلوا للإخوان مثلة ثم جاءت القهوة العربية وأخذنا نتحدث في بعض الأمور التي تخص القطعا وطلبت منهم أن أمر صباحا في قريتهم لأعرف مدى نقط الضعف بالمنطقة ثم استأذنت وذهبت إلى المواقع لأمر وظللت ساهرا حتى السادسة صباحا وذهبت لأستريح كما طلبت من المجموعة أن يخلد غلى النوم حتى الساعة التاسعة وطلبت من جاد الله أن يجعل من رجاله عيونا لبعض من الوقت وكان ذلك أول مرة ننام فيها بعد ثلاثة أيام طاحنة .

وفي التاسعة والنصف استيقظ الجميع ووزع العدس لوجبة الفطور وفي العاشرة حضر أحمد عبد العزيز ووضع أحمد بك يده على كتفي وسألني أنت عامل غيه قلت الحمد لله قال يعني موتم كان قلت يا فندم إحنا جيبنا هنا آخر النهار والليل لا يمكن القنص فيه حيث الظلام واليوم يعتبر الأول بالنسبة لنا فقال خلاص أنا عاوز أشوف ثم غادرنا عائدا برفقته أبو كما وما أن وصلا إلى القيادة في الونستون حتى أخذ أبو كمال يطلق مدفعيته الهاوتزر بطريقة التفتيش فأحيانا على تل بيوت ثم ارنونه وأحيانا أخرى على رامات رحيل وأثناء القصف رأينا أربعة داخل رامات رحيل فعرفنا أن هناك إصابه وطلبت من يسري عبد الرافعي أن يطلق الهاون في هذا الاتجاه وبإطلاق طلقتين مباشرتين أصيب الأربعة ولم يظهر أحد لحملهم ولكن تم سحبهم بالحبال

فقد رأينا الجثث تجر ولم نرى أشخاصا ومضينا باقي النهار نراقب رامات رحيل أما باقي المستعمرات فقد كانت المسافة بيننا وبينهما يزيد عن الكيلو متر المسطح ولكن إذا أردنا الذهاب إليها فإن المسافة لا تقل عن اثنين ونصف الكيلو والسبب في ذلك هو الهبوط من جبل يزاد ارتفاعه على الخمسمائة متر ثم السير في وادي يربو مسطحه على الكيلو مترا وأكثر ثم الصعود على جبل آخر لمسافة تزيد على الخمسائة متر أيضا وكان لدي جاد الله مدفع طلياني قديم موضوع في نهاية فناء المدرلسة ومصوب في اتجاه تل بيوت وهو مضاد للدبابات وطلبت منه طلقاته .

فأحضر لي خمس طلقات ووجهت المدفع في اتجاه الثكنات الأربع التي تل بيوت وأخذت في إطلاق القذائف الخمس على نوافذ الثكنات السفلي وفي اليوم الثالث حضر أحمد بك وبرفقته أبو كمال وكان سؤاله الوحيد كم قتلتم فقلت أربعة قال كيف؟ قلت أصيب أحدهم وأرادو، حمله فأطلقنا عليهم الهاون وفتح رشاش البرن وكانت النتيجة، وكان الأخ كمال الدين حسين ينظر إلى مبتسما لها مغزى أعرفه ثم أنصرفوا عائدين وطلبت من جاد الله أن يوفيني بخمس طلقات كليلة أمس ولم يعترض وأرسل بمن جاء بها وأخذت في إطلاقها في اتجاه تل بيوت حيث نوافذ الثكنات بالطابق الأرض كالأمس وكان البعض يظن أنني أعبث ولكن في الواقع أن فكرة كانت تراودني ولم أفصح بها ولم يكنس جاد الله يحاول مضايقتي أو يرفض أي طلب لي لأن له رغبة تراوده أيضا .

ولم يفصح عنها فقد كان ينتظر أن يستقر بنا الأمر وفي المساء وجهنا نيرانا شديدة إلى أحراش أرنونة الواقعة بين تل بيوت ورامات رحيل على أمل أن تصيب هذه النيران المتنقلين بين المستعمرات وسط الأحراش وحتى يعرف العدو أن لدينا قوات منتشرة فلا يجرؤ على الهبوط إلى الوادي واستمر ذلك على فترات متقطعة ومن عدة اتجاهات حتى السادسة صباح 29/ 5/ 48.

وفي العاشرة صباحا حضر الأخ لبيب الترجمان ومعه قوة تعادل القوة الموجودة معي وقال جئنا لنريحكم لمدة ثلاث أيام حسب التعليمات أركبوا السيارة وعودوا وأخذته لأطلعه على المنطقة ثم صعدنا السيارة وعدنا إلى بيت لحم وهناك عرفت أن الليبيين الموجودين وضعوا في قطاع جديد في مواجهة ميكورجايم في حي الشرفات كما وجد عدد أربعة فصائل سودانية كانت تعمل مع الجهاد المقدس وموجودة في قطاع آخر اسمه بيت صفافا وقد ضمت هذه القوة أيضا وأصبح لنا ثلاث قطاعات هي صور باهر وبيت صفافا والشرفات وبعد قضاء ثلاثة أيام في الراحة عدت يوم 2/6 إلى صور باهر وعاد لبيب إلى مقر القيادة وقابلني جاد الله متهللا مرحبا بعودتنا وكذلك أهالي صور باهر ولم أدهش لهذه الحفاوة فأنا صاحب القطاع وقد نزلت للراحة ثم عدت.

عدت إلى صور باهر في 2/ 6/ 1948 وكانت حالتي المعنوية والصحية قد بلغت أقصاها فقد استرددت قوتي التي ازدادت برؤية أهل القرية للمرة الثانية ولم يفارقني جاد الله فكان يذهب معي أينما أذهب، وقبل الغروب طلب مني أن أذهب معه إلى مضيقته وذهبت معه وكانت جلسة عشاء أمتعنا فيها بعض الرجال بلكناتهم المتخلفة فبعضهم ذكرني بلهجة الصعيد والبعض الآخر ذكرني بلهجة بحري في الريف، وبعد ذلك أستاذنت بالإنصراف ورافقني جاد الله وقمت بتوزيع القوة الستة عشر واستعنت ببعض رجال جاد الله لإمكان فتح النيران من وجهات متعددة.

وفي العاشرة مساء بدأنا فتح النيران بشدة لمدة نصف ساعة وكنا نكرر هذه العملية حتى السادسة صباحا فنعود لنستريح واستيقظت في العاشرة على أثر قدوم أحمد بك والأخ كمال الدين حسين وسألني(أنت كنت نايم) قلت أننا لا ننام الليل كله ومعي ستة عشر مجاهدا فقط وأمامنا عدة مستعمرات ونضطر لتوزيع نيراننا ونطلقها من جهات متعددة هنا لا يوجد مواقع، ثم قال أنتم بتستهلكوا ذخيرة بكمية فقلت أننا مضطرون وقال أنا عاوز تموتوا يهودي بكل طلقة تطلقونها فقلت اليوم إن شاء الله نحقق ما يرضيك ودارت هذه المناقشة مع ابتسامة الأخ كمال الدين حسين الصامتة والتي لم تفارقه، .

وعاد الإثنان وقلت لحسن الجمل ضع مدفع الهاون أمام المدرسة وسط الفناء وإذا لمحت أي تحركات لا تزيد على ثلاث طلقات ووضعت رشاش البرن خلف الحجارة الكبيرة وبعدها ذهبت مع جاد الله حيث مضيفته وقال جاد الله يا أخوانا إذا بتحتاجوا طلقات إحنا عندنا لأن أحنا ما بنريد أحمد بك بيزعل معك وشكرته قائلا أنتم تستهلكون مثلنا ويكفي طلقات المدفع الطلياني وهممت بالانصراف ولكن جاد الله أمسك بي قائلا كيف تذهب الآن وقد حضر الغذاء إن ذلك عندنا عيب كبير وقلت لست في حاجة إلى الأكل فسوف يكون في المساء وقال ذلك وهو يبتسم فنظرت إليه قائلا أنت عامل عزومة أم يكون عندكم فرح الليلة فقال إن شاء الله بيكون فرح وكان العرب الموجودين ينظرون إلى ووجوهمم متهللة وكأنهم يريدون أن ينطقوا بشيء ولكنهم كانوا يخشون أبو محمود أما أنا فكنت في دهشة مما أسمع وأرى عادرة المضيفة وتابعني جاد الله (أبو محمود) وجلست في فناء المدرسة تحت ظل شجرة الجزورينة وجلس معي هو وأخيه عبد وثلاثة آخرين من رجاله.

وكان أحد أهالي صور باهر قد أعد بوفيها في حجرة لبيع الشاي وبعض الفاكهة وطلبت منه شاي للجالسين معي وحضر الشاي ونظر إلى جاد الله قائلا في صوت خفيض بدى أحكي معك شوية وقلت أظن ذلك من أجل فرح الليلة وقال هو إن شاء الله بيكون فرح والتفت إليه مصغيا ما سيقوله فأشار بيده إلى تل بيوت قائلا ما رأيك لو أعددنا لنسف هذه الملعونة الليلة قلت أنا أتعمق النظر في وجهه هدية لأصحاب الفرح، فقال كلنا أصحاب الفرح ليس لنا فرح سوى هذه العملية وأحنيت راسي برهة فقد كنت ألإكر في أمر ولكني لم أحدده ثم رفعت رأسي دون أن أدري ماذا أقول له وأي عملية هذه التي سنقدم عليها ولكني وجدت نفسي أقول له سنفعل الليلة إن شاء الله.

تل بيوت في 3/ 6/ 1948

كان شيء ما يختزن في نفسي منذ خروجي كأحد أفراد الحملة ضد العدو الصهيوني وكنت أرى في نفسي زهدا للحياة وكانت نفسي طواقة للشهادة أبحث عنها في كل مكان وحضر كفار ديروم وبيت أشل ورامات رحيل وظننت أن فرصتي الأخيرة يوم أعطيت اللغم مع الرجل الإنجليزي الذي كان ضابط بالجيش الأردني ورغم ذلك فقد عاندني الحظ ثم وافق جاد الله بعد ذلك ودون أن أفكر في شيء حتى أني رفضت فكرة جاد الله بأن أخبر القيادة لكي تعينني بالمدفعية وفضلت أن أتحمل المسئولية وحدي.

جلست وجاد الله وأخيه ورجاله الثلاثة نشرب الشاي وبمجرد أن تأكدت أنه يتكلم بجدية كانت موافقتي دون تراجع وفي إصرار والتفت إلى أبو محمود متسائلا عندك عبوات؟ فقال نعم ثم أشار إلى أخيه عبد فأخذ الرجال الثلاثة وعادوا يحملون أربعة صناديق معبأة بمادة ت. أن ت. زنة كل صندوق 30 كيلو جرام وكل واحد منهم مخيش ثم سألته عن نوع الفتيل فقال سريع ففتحت الثناديق وانتزعت الفتيل الأربع وقلت أنا عاوز أبطأ فتيل وجيء لي بقطعة طولها متر وقسمتها أربع وثبتت كل قطة في المفجر الخاص بها في كل عبوة وكان الليل قد بدأ يسدل ستاره فقلت له آتي لي باثنين من رجالك لا يجدون كثر الكلام فأحضر لي اثنين أحدهما يدعى ابراهيم والآخر لم أتذكر اسمه.

وطلبت الأخ يوسف عبد الجليل وآخر يدعى كمال وهم من خيرة الإخوان وأمرتهم بخلع أحذيتهم فخلعوها واستبدال البنطلون بالشورت وذلك لتسهيل الحركة أما خلع الأحذية ليكون القدم حساسا أكثر إذا ما كانا الوادي الطويلالمسافة به شراك خداعية وحتى يكون لينا فلا يحدث صوتا لأن العبور من الوادي لمسافة اثنين من الكيلومتر تقريبا هو أخطر من اقتحام فعلي السهل المنحدر شرقا من نهاية جبل المستعمرات تقع مستعمرة الدجاج ثم مستعمرة تل بيوت فوق نهاية قمة الجبل ثم أرنونة جنوب التل بيوت ثم رامات رحيل في بداية الجبل من ناحية طريق القدس وفي مواجهة مارالياس ثم ينحخدر الجبل شرقا حيث تقع صور باهر على السهل المنحدر ونظر إلى جاد الله منفعلا وقال ماذا تفعل؟

قلت سنذهب الآن فقال ألم تطلب المدفعية لكي تسهل لك الطريق هذه مجازفة خطيرة (بدكم تروحو ما بترجعوا؟) قلت له ليس كذلك فإذا ما اتصلت بالقيادة لطلب المدفعية فسيقال من أمرك بهذا وكيف تتصرف من نفس كما أني تعلم شيئا آخر من التجارب التي مرت بي فإذا ما أطلقت مدفعية أو أغار الطيران عرفت أن ذلك غطاء لعملية تعقبها كما أني أصبحت أعرف المدى الذي تسقط فيه قذائف المدفعية فقال كيف قلت لصوتها المتغير كلما أقتربت من الهدف فقال لاتذهب معهم قلت لا بل أنا ذاهب لأمن الطريق فقال لو حدث لك سوء ينهار رجالك قلت ليس ذلك شأننا ولم نأخذ معنا أي سلاح سوى قنبلتين لكل فرد من نوع الميلز ثم قلت له لا أريد أن يعرف أحد ما سيحدث وإذا سأل عني أحد فقل أنني في دورية لزرع ألغام في الوادي وسألني سعد زهران فقلت له أفنح عينيك ولا تتكلم وأذهب إلى طاقم المدفع المضاد وأجعل مواجهتهم إلى رامات رحيل للمراقبة .

ولا تفتحوا أي نيران غلا بأمر ثم أخت الرجال الأربعة كل منهم يحمل صندوق وكان معي ست قنابل أحلمها والتففت بهم حول صور باهر حتى لا يرانا أحد ودخلنا الوادي من أوله وقطعنا أكثر من الكيلو مشيا مسرعا في الالتفاف حول صور باهر حتى أصبحنا في مستوى موقع المدرسة ثم عرجب بهم في بطن جبل المستعمرات حتى لا يرانا أحد من طاقم المدفع فهم لا يعلمون شيئافيفتحوا علينا نيرانهم وكذلك رامات رحيل وأرنونه فلو فتحت علينا النيران لتمزقت أجسادنا وواصلنا السير في هدوء وحذر حتى قطعنا الوادي كله وأصبحنا في مأمن وبدأ صعود الجبل ثم أخرجت من جيبي ولاعة للسجارة وهو نوع ألماني يفتيل كان يباع في بيت لحم وأشرت لكل منهم على برجه أي الثكنة التي يضع فيها صندوقه ووصل الأربعة السلك وقصوه وساروا في الداخل عاديين وجلست خلف حجر كبير أرقب اليمين ولايسار حتى لا يفاجأ الجميع بدورية تقطع عليهم الطريق وكنت أضع القنابل الأربع بجواري واثنين متزعتا التيل في يدي ووضع كل واحد صندوقه بعد أن أشعل فتيله وعادوا مسرعين .

وما أن رأيتهم يعدون خارج السلك حتى وضعت التيلتين في القنبلتين وأسرعت إلى بطن الجبل عند مفترق ولمحوني فتبعوني حتى ألتقينا جميعا وهنا بدأ الانفجار الأول فتوقفنا عن السير وجلسنا في دري الحجارة خوفا من أن تفتح علينا نيران ثم أعقبه الانفجار الثاني والثالث والرابع ودون أن أدري شيءا وجدت نفسي أجري وأقفذ وبلا شعور في اتجاه صور باهر وقد علت زغاريد أهل القرية بإعلان الفرج وذبح عجل كبير وتذكرت نفسي قبل أن أدخل القرية وتوقفت أتلفت حولي عن الرجال الأربعة فوجدتهم خلفي يضحكون على ما حدث مني فأخذت أقبلهم وأحتضنهم مرة أخرى ثم دخلنا القرية وسط الزغاريد والفرح والبهجة ثم اتجهنا إلى المدرسة وأخذ كل من يقابلنا يسال أين كنا القيادة منقلبة بسبب الانفجارات الشديدة التي وصل صوتها القدس شمالا وبيت لحم جنوبا 120 ك ج ت. أن. ت.في أربع عبوات .

وسمع جاويش الإشارة التي كان يعمل على التليفون صوتي وجاء مسرعا يا فندي أنت فين أعمل معروف كل مالقيادة طلبوك مرتين علشان الانفجارات وأنا معرفش حاجة أنت ما قلتش وهما سألوا كل القطاعات في الشرفات وبيت صفافا كلهم قالوا مش عندنا وما حدش عارف حاجة وبيقولوا لي أنت رحت فين، وقلت له أهدأ واطلب لي القيادة فقال هم بجانب التليلفون وأمسك السماعة وقال جه يا فندم جه وأخذت السماعة وكان صوتي قد بدأ منخفضا من الجري ونفسي مسرعا وقلت أيوه الو وكان المنحدث الأخ كمال الدين فقال أنت فين يا حسين وكانت بانفعال وقاطعته بشرى بشرى فقال إيه الأنفجار دا فقلت أحنا اللي عملناه فقال إزاي قلت نسفنا مستعمرة وكان أحمد بك يقف بجانبه يستمع للمكاملمة وقال أبو كمالصوتك غير مسموع ارفع صوتك ورفعت صوتي المختنق نتيجة أنفاسي اللاهثة وقلت المستعمرة بيعدة عن رامات رحيل بها أربع أبراج نسفت كلها فقال من مات في هذه العملية كلها وقال له أحمد بك أعطني السماعة أكلمه فقال الأخ كمال الدين كلم أحمد بك ومرة ثانية بلغنا قبل أن تعمل شيئا وسألني أحمد عبد العزيز (أيوه يا حسين المستعمرة فين، قلت فيه أحراش وأشجار بعد رامات رحيل ثم أربعة أبراج كبيرة من ثلاث طوابق هي هذه الأبراج) فقال أنا جاي لك الصبح وخلي بالك الليلة وفتح عينك.

سهرنا ليلة ممتعة فبعد عودتنا مباشرة أحضر أبو محمود جردلين من الشاي الساخن وجردل من الحليب وشرب الجيمع الشاي بالحليب وبعد نصف ساعة جاءت أكوام نم اللحم ودهشت متى ذبحت الذبيحه ومتى استوى اللحم وأكل الجميع اللحم وظللنا جالسين حتى الصباح وفي غمرة الفرح أقول للحق أنني ولا أحد منا قد فكر في أن يون هناك رد فعل الليلة كما نصحني أحمد بك محذرا فقد كنا نجلس كما لو كنا نجلس بين السماء والأرض ولا شيء في تفكيرنا وكانت الدنيا أمام عيني في لون السماء الصافية وهيء إلى أن الأشجار تعلو حتى السماء ومضى الليل في هذا الهدوء الساكن وأشرق الصباح ولم يظهر أي اجهاد أو حتى مجرد ما يدعوا إلى النوم بل كان الجميع كالزهور اليانعة نفوس مطمئنة لا يتخللها أدنى غرور وقلوب مؤمنه وثابنة لا تحطمها زوابع وهمة عالية لا يؤثر فيها اثباط وصدق الله العظيم (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) .

وفي 4/ 6 التاسعة صباحا حضر البكباشي [[أحمد عبد العزيز]ي والأخ اليوزباشي كمال الدين حسين ومعهم آخرين لم يسق لي معرفتهم تركوا سياراتهم واتجهت للقائهم وبعد آداء التحية العسكرية وضع أحمد بك يده على كتفي قائلا أرني أين المستعمرة ومددت يدي مشيرا إلى ناحية الشمال في اتجاه القدس ونظر الجميع فوجدوا أن جميع المباني المقامة قد أصبحت مستوية تماما مع الأرض وطلب الأخ كمال الدين مكانا عاليا ليتمكن من رصد مسافات جديدة للمدفعية وقال أحمد ب فين يا حسين أعلى مكان .

وكان خلفنا تبة على قيمتها بيت صغير من طابقين فأشرت إليه وذهبنا جميعا إلى ذلك البيت وكان له شرفة صغيرة تحطم سورها من قنابل مدفعية اليهود ووقفنا في الشرفة وأخرج أحد المرافقين كمرته وعرفت أن اسمه محمد ووقف أحمد عبد العزيز في مواجهتي من الناحية اليسرى وقال أبو كمال خليه يضحك يا فندم ولكني خلجت عندما سمعت هذه العبارة وجعلت نظري إلى أسفل وكأن الأستاذ محمد قد ألتقط المنظر وبعد أن رصد أبو كمال أهدافه عدنا إلى فناء المدرسة حيث ركبوا سيارتهم مودعيننا بقولهم فتحوا عيونكم وبعد ساعة من مغادرة صور باهر حلقت طائرة إسرائيلية فوق المنطقة وظننت أنا تريد الانتقام ووقفت أراقبها .

ولم يكن لدينا مدفع واحد مضاد للطائرات ولكني فكرت في استعمال رشاش البرن وذلك في حالة انخفاضها للقذف ولكن اتضح أنها تحمل ذخيرة وأسلحة تريد أن تلقيها على سكان المستعمرات وذلك حينما وجدنا سان المستعمرات يطلقون طلقات حمرا وسألت أبو محمود عن سبب هذه الطلقات التي طلقها اليهود إلى أعلى وفي الهواء دون أن توجه إلينا فقال إنها طلقات إشارة للطائرة لكي تسقط ما بها من ذخيرة ومؤمن وعلى الفور فكرت وبسرعة ولكني لا أستطيع أن أقول أن التفكير كان من نتيجة بحث عميق أو خبرة الأعمال السابقة فكل ما يحدث جديد وطارئ وكل ما أستطيع قوله هنا أنه كان إيحاءا لا ندرية فكل خاطر يأتي على أفكارنا كنا نحاول تنفيذه أما التفكير فيعقبه دائما دراسة العواقب المترتبة على أي عمل وهنا سألت جاد الله عما إذا كان لديهم هذا النوع من الطلقات فنظر إلي مبتسما وقال أحد رجال أحضر له مائة طلقة وفي دقائق معدودة جاءت الطلقات ووعت منها ثلاثون طلقة فأخذ الأخ حسن عشرة ومحمد صلاح عشرة وسعد زهران عشرة وأخذنا نطلق مع اليهود الطلقات الحمراء حتى أسقطت الطائرة مظلتين هبطت في قرية صغيرة خلف صور باهر فارسلت محمد صلاح إلى مختار القرية بورقة صغيرة قلت له إذا كان شيئا يؤكل فارتكه لهم أما إذا كان عتادا فأحضره وذهب محمد صلاح الذي لم يعد إلا مع الغروب وعاد قائلا إنه دقيق بنادق استن وأخذوا الدقيق وحملوا جوال البنادق وذهبوا معي إلى القيادة لأن بعضها يحتاج إلى إصلاح ثم قال أنا قابلت أحمد بك .

وكان يخطب في الإخوان قائلا حسين حجازي ابني وأنتم كلكم أولادي وكل واحد فيكم لازم يكون حسين حجازي قلت أترك الموضوع هل عرف موضع الطائرة؟ فقال نعم وسيأتي غدا صباحا وفي يوم 6/ 6/ 1948 جاءت طائرة أخرى وأعطيت حسن الجمل ثلاثون طلقة حمراء ليوزعهها ويفعلون ما فعلناه في اليوم السابق وأخذت رشاش البرن إلى الموقع الأمامي والقريب من رامات رحيل ليطارد الطائرة من ناحية اليهود وعدت إلى المدرسة لأباشر سير الطائرة وسلوكها حتى أسقطت مظلتين آخرين ولم يحضر أحمد عبد العزيز واكتفى بالاتصال التليفوني قائلا شد حيلك ولم أغامر بأحد لسحب ما أسقطه الطائرة في الوادي خلف صور باهر والبذي عبرناه إلى تل بيوت مساء 3/ 6 ولكني أكتفيت بمراقبة الوادي وعمل اشتبكات وهمية مع رامات رحيل واستعملت أنا المدفع الطليان على الأحراش الموجودة على الجبل.

وبعد الظهر جاءت مدرعة أردنية ووقفت فى فناء المدرسة بقيادة جاويش أردني من قبائل البدو الذين هم أصل الأردن .

وكان مثاليا وعلى خلق إذ تجاوب معنا هو ومجموعة المدرعة وفي ساعة الغروب أرسلت ستة أفراد لسحب ماقذفت به الطائرة في الوادي ثلاثة من الإخوان هم حسن الجمل ومحمد صلاح وكمال وثلاثة من الفلسطينيين من صور باهر وجعلت مجموعة الاشتباك مع رامات رحيل تزيد في نيرانها خصوصا في التجاه الشمالي لسمتعمرة حيث السفح الداخلي للجبل حتى أمنع نزولهم إلى الوادي من هذه الناحية ثم نظرت إلى المدرعة فوجت مدفعا رشاشا مثبتي فوق برجها وهو من نوع الهوتشكس (كالفكرز) يجعل طلقاته تبد كالملح وله شريط به مائة وخمسون طلقة وعندما رآني الجاويش الأردني الدسم الخلق أتلطع إلى رشاش الهوتشكس هم واقفا وأخذ يشرح كيفية استعماله فنظرت إليه مبتسما وأشتأذنته فيما إذا كان يمكنني استعماله فأشار لي قائلا (تحت أمرك) وصعدت اخل البرج المستدير وأخبذت في إطلاقه على الأحراش الغربية وبذلك تم سحب خمسة صناديق ثلاثة طلقات هاون 81 مم واثنين قنابل ميلز الإنجليزية وعاد الأفراد الستة يحملون الصناديق الخمسة وقماش البراشوت ووضعناهم في حجرة بالمدرسة وفي المساء اتصل بي أحمد بك وسألني عاملين إيه فأخبرته بما حدث فقال سأحضر صباحا احفظوهم .

وفي التاسعة من صباح 6/ 6/ 1948 حضر ومعه الأخ كمال الدين حسين ونفس المجموعة التي كانت معه صباح عملية تل بيوت ونظر إلي أحدهم وأعطاني جريدة أخبار اليوم الصادرة بتاريخ 5/6/ 1948 وأشار إلى منتصف الصفحة الأولى فوجدت صورتي مع أحمد عبد العزيز وكتب علهيا عبارة هو الأن اسمه بطل تل بيوت) ثم كتب تحتها أصدر أحمد عبد العزيز أمره إلى حسين حجازي بنسف مستعرمة تل بيوت فزحف أربعة كيلو ومعه أربعة أفراد قاموا بنسف المستعمرة بأكملها وأخت الجريدة منه وطلبتمن حسن الجمل أن يحضر الصناديق فأحضرت وأخذت عدة صور التقطها الأستاذ محمد يوسف كل محموعة تقف حول نوع من الصناديق تفتح صندوقا وتفرز ما به وبعد ذلك أخذوا لاصناديق وعادا إلى القيادة وفي صباح اليوم التالي أخذت أتساءل مع عرب صور باهر عن مستعمر الدجاج التي تقع على سهل ممتد من جبل المستعمرات شرقا وتدور حول قرية صور باهر شمالا .

ولم أحصل على شيء يفيدني ولكن بعضهم حذرني من مجرد التفكير في أي عمل في هذه المستعمرة وقالوا أنها مزرعة وأي عمل سيجل عليهم المتاعب ولم أقتنع بأي كلام وفي الساعة الحادية عشر صباحا أخذت مسعود رزق برشاش البرن وثلاثة آخرين بالنبادق وحملت معي أربعة قنابل يدوية وورقة كراسة وقلم رصاص وذهبنا إلى المستعمروحينما اقتربنا من السلكالشائك انبطحنا على الأض وأمرتهم بفتح النيران علي في حالة قبض اليهود علي وعلى اليهود ثم ينسحبوا في سرعة وأخذنا نتطلع إلى اليهود الذين كانوا يغرسون شتلة في الأضو تقدمت وحدي وتحققت من خلو الأسلاك الشائكة من الشراك الخادعة .

ودخلت زاحفا من بين الاسلاك وسط القمح المزروع في الداخل حتى بقى خمسة أمتار وتوقفت عن الزحف حتى لا أنكشف وأخذت أرسم كروكيا للمستعمرة من الداخل والأبعاد التي بين الأبنية ثم أنسحبت في هدوء وأخذت المجموعة وعدت إلى صور باهر وكلفت جاد الله بأن يتولى مكاني حتى أعود من القيادة .

ومع غروب الشمس ذهبت إلى القيادة مشيا مسافة تزيد على ثمانية كيلو مترات، فوجدت لبيب يجمع القوة الموجودة حول القيادة وسألته عن سبب الجمع ليلا قال لا أعرف بعد دقائق كل شيء يمكن معرفته وأمام القيادة وداخل حقل الزيتون في مربع خالي من الأشجار مساحته حوالي مائتي متر جلس المتطوعون المجودون تحت الأشجار شرقا وأوقفت سيارة الجيب في الزاوية الجنوبية الغربية ووقف أحمد بك فوق مقدمة السيارة يخطب في الحاضرين.

مضمون الخطبة

قال أحمد عبد العزيز: أنتم خيرة شباب مصر ورجالها أنتم الصفوة وأنتم الخلاصة لن تعودوا إلى مصر إلا فاتحين فامامنا الآني فلسطين التي سنخلصها من اليهود ثم نتجه إل الدول العربية لنحررها من الاستعمار وأذنابه أمامنا الأردن- العراق- سوريا- و لبنان ثم نتجه إلى ليبيا و تونس و الجزائر ومراكش ثم ندخل مصر فاتحين وهذه هي مهمتنا وأثنا الخطبة التقط الأستاذ محمد يوسف المنظر وقد أخذتني الدهشة من التقاط المنظر خوفا من نشر ما قيل في الخطاب فسوف تكون له عواقب وخيمة .

ونحن في بداية الطريق وعد أن هبط من فوق مقدمة السيارة تقدمت إليه وبعد آداء التحية العسكرية أخرجت الورقة من جيبي وأ‘طيتها له وأخذت أسرد عليه ما فعلناه ولكنه جذبني من يدي في الجموع لجالسة تحت شجرة الزيتون وأجلسني عن يساره وكان يجلس عن يمينه الأخ كمال الدين حسين وألقى بالورقة على الأرض دون مبالات الأمر الذي أحزنني في داخلي وجعلني أجلس كلابوم وأخذت أتلفت جولي فوجدت جهاز راديو موضوع على شجرة زيتون وسألت بعض الأخوة فقالوا فيه بياني من القاهرة فظننت أنه بيان مهم وبعد عشر دقائق التقت خلالها منظر آخر ثم فتح الراديو حيث كانت تغني أم كلثوم خلفها الشهري .

وأخذت أتسأل ي نفسي هل الاستمع إلى أم كلثوم أهم مما جئت من أجله وبدأ يظهر علي الملل حتى كدت أنام وأنفض الجمع على اثر سمع طلقات تقطعة من بعيد وذهب أحمد بك لى التليفون ليستطلع الخبر فقا قطاع بين صفافا هذه الطلقات من داخل المستعمرة ميكورحايم وأخذ لبيب يتحدث معي عن الأحداث التي مرت به والمتاعب التي لقيها وقال لي أن عملية تل بيوت عرضت عليه قبل أن تعرض علي ولكنه أرجأها لإعداد خطة ثم فوجئ بتنفيذها فقلت له نفذناه بالبركة لقد كان جاد الله يريد المدفعية لمساعدتنا ولكني خشيت أن تمنعنا القيادة من عمل نقوم به من تفكيرنا ثم ودعته لأعود إلى صور باهر وعدت عن طريق مارالياس ثم عرجت خلف تبة مارالياس مخترقا الوادي إلى صور باهر وفي صباح 8/ 6 جائني الأخ الملازم خالد فوزي الذي أبلغني أن الحكومات العربية قبلت للأسف هدنة لمدة شهر وأنه سيبقى معي حتى إعلان بدأ الهدنة لأنه سيوجه المدفعية من هنا.

الهدنة وما ترتب عليها

حضر الأخ الملازم خالد فوزي إلى صور باخر وكانت بيني وبينه روح طيبة لما كان يتحلى من شهامة ورجولة وأخليت له حجرة بالمدرسة وسألني عن سبب وجودي المدرعة الأردنية وقلت له أن ذلك بعلم القيادة وليس في وجودها ضرر فهم لا يتدخلون في تصرفاتنا بل أنا الذي أسيطر عليهم كما أنهم مستعدون دائما للتعاون معنا في حدود الإمكانيات المتاحة لهم لأنهم ناقمون على سياسة جلوب باشا، ثم سألني عما إذا كان يمكن استعمال رشاش الهوتشكس فقلت لقد استعملناه كثيرا فقال أريد أن أرى فنظرت إلى الجاويش مشيرا إلى المدرعة فقال تفضل تحت أمرك وصعتد داخل البرج .

وأخذ خالد يشير إلى المواقع التي أبدر فيها رصاص الهوتشكس وأنا أطلق الرشاش في كل مكان فوق سطح الأرض حتى آخر طلقة من شريط الرشاش وذلك دون أن يتبرم الجاويش الأردني دمث الخلق وتركت المدرعة ليقذف خالد فوزي بقنابل المدفعية في عملية تفتيش في كل المستعمرات ولمدة ساعة ثم جلسنا للراحة وتناول طعام الغداء وكان الوقت عصرا وأخذ خالد يتحدث معي حديثا وديا وسألني قائلا لماذا لم نفكر في عمل شيء قبل الهدنة؟ فقلت له كل منا حريص الآن على مراقبة الآخر وأنا لا أريد كشف القوة الصغيرة الموجودة معي وعددها ستة عشر جنديا لا استطيع أن أحتل موقعا من العدو وأحتفظ به ولكن يمكنني أن أقوم بعمل خاطف مثل تل بيوت فقال أنا أقصد لك فقلت له لو أحرقنا هذه الأشجار الموجودة على اتداد 2 كيلوا متر وحول المستعمرات فستنكشف المواقع اليهودية ويصعب تنقلهم بين المستعمرات ولكن هل ستوافق القيادة؟ فقال سيوافقون وفي صباح 9/6 اتصل خالد بالقيادة .

وأخبرهم بما نعتزم القيام به ثم نادى علي وقال ماذا تريد لإتمام العملية فقلت كمية كيرة من المولوتوف وكل القوة الموجودة في القيادة وبعد الظهر حض اللوري وعليه ستة عشر جنديا واثنين وثلاثون زججة مولوتوف ودهشت لكمية المولوتوف وقلت لخالد هل تكفي هذه الكمية لإحراق أشجار خضراء بطول 2 كيلو متر طولي وكيف يمكن التقدم خلف النيران المشتعلة لإلقاء زجاجات أخرى للأمام بهذه القوة الصغيرة فقال لا تجهد نفسك فيما لا يجدي ولا داعي لعمل شيء حتى لا تتورط.

عدلت عن الفكرة لأنها تحتاج إلى قوة كبيرة وعدد كبير من المولوتوف لأن العملية يجب أن لا تقتصر على المولوتوف الذي سيبدأ الحريق فالزجاجة لا تستمر أكثر من دقيقتين أو ثلاث والأشجار خضراء غير قابلة للالتهاب بسرعة لذلك يجب أن تكون كمية المولوتوف كبيرة حتى تتمكن من الأشجار وسوف تساعد كمية الزيت الموجةدة في الأشجار على امتداد النار إلى الجوانب وإلى الأمام وعلينا أن نفتح نيراننا أمام النيران الزاحفة وكذلك يوجه خالد المدفعية للحيلولة دون إخماد الحرائق المشتعلة ولكن عدولنا عن هذه العملية سيتيح لنا الفرصة لمراقبة المواجهة التي لم يكن لنا فيها مواقع نحتمي بها من غدر الصهاينة واتفقت مع خالد على أن نجعل الليلتين الباقيتين عملا ونستريح في النهار مكتفين برشاش المدرعة وسهرنا الليلتين في عمل دوريات سيارة وإطلاق قذائف المدفعية.

وفي الثامنة صباح يوم 11/6 طلبت القيادة من خالد أن يعود إلى القيادة وطلب أحمد عبد العزيز أن يكلمني فأعطاني خالد السماعة وكانت المكالمة (اسمع يا حسين بعد ساة ممنوع ضرب نار، فقلت حتى لو ظهر اليهود قال حتى لو ظهر اليهود) ودهشت لهذا الوضع وما أن علم أفراد القوة الموجودة حتى انهارت أعصابهم وأخذا البعض يبكي في حالة تشنج وجلست مع جاد الله تحت الأشجار بفناء المدسة وهو نفس المكان الذي عرض علي جاد الله عملية تل بيوت فيه وقلت له فكر في مخرج من هذا المأذق الذي وضعنا فيه فنظر إلي في مرارة ولم يرد وأثناء جلوسنا ظهر بعض اليهود داخل المستعمرة وقفوا خلف الأسلاك الشائكة ونادوا على بضع جنودنا القريبون منهم فذهب إليهم حسن كامل وبعض طاقم المدفع المضاد وهم من المجندين بالجيش وأخذوا يتحدثون مع بعضهم البعض وكان يعزم بعضهم الآخر ولكن اليهود قد خرجوا خارج المستعمرة .

وجاء أحد الإخوان ليخبرني بما حدث وزهلت لخروج اليهود من مستعمرتهم وقلت لجاد الله وأنا أهم واقفا إذا كانواقد خرجوا فعلا فسأضطر إلى أخذهم أسرى وعتبار الهدنة غير قائمة بالنسبة لنا وحتى يمكننا من الحيلولة دون تمويل مواقعهم الأمامية أو تحسينها أما نحن فليس لنا مواقع ولم يرد على أبو محمود بكلمة واحدة لم أفكر في شيء سوى أنني أستطيع أن أقطع الهدنة الآن بهذا السبب وكان ذلك هو كل ما علق بتفكيري وبذهابي إلى مكان الحادث وجدت اليهود فعلا خارج المستعمرة وحولهم جنود طاقم المدفع و حسن كامل وهو من غير الإخوان وكان عمره حوالي الخامسة عشر فاضطررت إلى سحبهم حتى الحجرة الجانية التي ان يستعملها أحد مواطني صور باهر لعمل الشاي وأغلقت شباك الحجرة وخرجت لأضع حراسة حول الحجرة ووضع رشاش البرن خلف الشباك من الخارج وأدخلت بعض الجنود معهم لسحب رشاشات الاستن الموجودة معهم وكانوا ثلاثة من الضباط الإسرائليين أحدهم برتبة صاغ والآخران برتبة الملازم أول، .

وفي هذه الأثناء اتصل جاد الله ب أحمد عبد العزيز وأبلغه أني جئت ببعض اليهود إلى مواقعنا وقد عرفوا المواقع وحدثت هذه المكالمة في الوقت الذي دخلت فيه الحجرة وجردت اليهود الثالثة من أسلحتهم وذخيرتهم وسألني كبيرهم هل هم أسرى فقلت أن القائد الكبير سوف يحضر ومن الخطأ أن يكون معكم سلاح وطلب أحدهم أن يبلغ المستعمرة فرفضت أيضا وفي هذه الحالة ظهر عليهم الندم ولكن أحمد بك كان قد حضر وخرجت لملاقاته وإذا به يقابلني صارخا وأخذ يلكمني في رأسي قائلا أزاي يكشفوا موقعنا والأخ كمال الدين حسين يقول إيه اللي عملته دا ياشيخ حسين ولم أشعر باللكمات حخيث تدوربي الدنيا ولم يخرج مني سو عبارة فين هي المواقع الموجودة عندنا وكنا ذلك ساعة الغروب ثم أعصبوا عيون اليهود ووضعوهم في اللوري وأنا معهم وذهب الجيمع إلى بيت لحم حيث مركز البوليس وتم الاتصال بلجنة الهدنة التي تسلمت اليهود الثلاثة لإعادتهم كما تم إيقافي وتكليف الملازم أول متطوع عبد العزيز حماد مسئولا عن حراستي .

ماذا بعد قرار الهدنة

كان لقرار وقف القتال أثره السيء خاصة بالنسبة للقوات المصرية عموما إذ كان اليهود يظنون أنهم قد أصبحوا محاصرين في كل مكان وأنهم لم يستطيعوا تمويل مسوطناتهم وقد ظهر ذلك واضحا فمنذ اليوم الأول بدأت قوافل تمويل وإمداد المستوطنات أمام أعيننا دون أن يتحرك أحد حيث لا يملك أحدا أي شيء سوى الحسرة والندم الأمر الذي حطم النفوس وثبط العزائم وكان من نتائج هذه الهدنة المشؤمة أن استولى اليهود على قرية العصلوج في أول يوم للهدنة مستغلين صغر القوة الموجودة حيث كانت قوة موزعة في العوجة والعصلوج وعلى مفارق الطريق وهاجمت قوة كبيرة من اليهود بمدرعاتهم ومدفعيتهم قرية عصلوج مستغلين صغر حجم الحراسة الموجودة والتي كان أغلبها من المتمردين الليبين لأنهم يريدون أن يعيشوا في المدن وليس في القرى وتركوا الأخوة الثلاثة الذين لم يتخلوا عن واجبهم حتى استشهدوا ثلاثتهم بعد أن قاموا بنسف الذخيرة والأسلحة بالمخزن الكبير حتى لا يستولى عليه اليهود وهؤلاء الأخوة هم الأخ الشهيد عبد الوهاب البتانوني، الأخ الشهيد رشاد محمد زكي الأخ الشهيد محمود حامد ماهر، ولم يستطع الأخ عبد المنعم عبد الرءوف سحب أي عدد من قوته بالعوجة التي كانت مركز تموين قواتنا الأمامية في بيت لحكم خوفا من استيلاء اليهود علهيا وبذلك يتم فصل قواتنا عن الأراضي المصرية.

بعد أن علمنا بخبر غدر اليهود أول يوم للهدنة والاستيلا على العصولج ملأت الحسرة قلبي على إعادة الضباطيس الثلاثة اليهود ووقف تفكيري عند هذا الحد فأنا موقوف ولا حول ولا قوة لي، ثم استدعى أحمد عبد العزيز قوات الإخوان الموجودة في بير سبع بقيادة الأخ الكبير الأستاذ محمود عبده لتحل مكاني في صور باهر وهي قوة كبيرة تبلغ المائة والخمسون وانضم إليهم عدد آخر من الإخوان الموجودين في بيت لحم كما ضم إليهم جاد الله ورجاله وأصبحت قوة صور باهر قوة كبيرة تستطيع مواجهة كل المستعمرات المواجهة لها وأخذ الأخ الأستاذ محمود عبده في حفر الخنادق وبناء وبناء الدشم مستغلا الهدنة، .

وأصبحت صور باهر قلعة حصينة وسافر أحمد عبد العزيز إلى القاهرة ثم عاد بعد أسبوع وكان قد حضر إلى بيت لحم قبل عودة أحمد عبد العزيز بثلاثة أيام الأخ اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف ومعه مجلس تحقيق في حادث ضياع العصلوج مكون من ثلاثة ضباط من القوات المسلحة اثنين برتبة اليوزباشي ورئيسس برتبة الصاغ وهو الصاغ محمد فؤاد الدجوي وهو ضابط مهرج وسكير .

وقد رأيته في اليوم التالي لوجوده وهو يمشي في الطريق الموصل بين بيت لحم ومقر القيادة بالونستون برفقة بعض ضباط الجيش وكانوا يحملون أشياء اشتروها من محلات بيت لحم وكان الدجوي يلبس بنطلون شورت وأخذ يتبول وسط الطريق وهو يمشي مترنحا وكنت قد تعودت السير في هذا الطريق بعد صلاة المغرب في رفقة الصاغ محمود لبيب وكيل الإخوان وأشرت للصاغ محمود لبيب على الدجوي وقلت أترى رئيس مجلس التحقيق فرد قائلا لسنا مسئولون عنه في الجيش كثير من أمثال هذا كما فيه الكثيرين تقاه أننا لا نريد الكثيرين تقاه أننا لا نريد الاعتماد على هؤلاء ولكننا نعتمد على الضباط المؤمنين لأنهم كفئ.

عاد أحمد عبد العزيز في 20/ 6/ 1948 مساءا وبات ليلة وفي العاشرة صباحا كنت أقف داخل مكان يستعمله أحد الفلسطينين لكي الملابس لاستلام ملابس وكان يقع أمام مبنى القيادة ولمحني بداخل محل المكواه فنادى يا حسن يا حسن ولكني تجاهلت الأمر واعتبرته لآخر فعبر الشارع وجذبني من كتفي ثم قال (أنا كنت عارف من الأول أن مش أن أنت المسئول واعتبر أن محصلش حاجة) فقلت ارجوك يا فندم أنا عاوز مجلس تحقيق فقال (مافيش مجلس تحقيق حسن البنا يسلم عليك وأنا حنزلك أجازة عشان هو عاوز يشوفكي ولبيب حييجي تاني) وكان لبيب الترجمان قد نزل في أول أيام الهدنة وفي نية أن لا يعود ثم طلب مني أختيار أحد الإخوان لترقيته إلى رتبة الملازم ثان.

ولم يكن أمامي سوى اثنين هم عبد العزيز علي وسامي جبر ولكني أخترت عبد العزيز لأني كنت أرى فيه جدية وصرامة وتمت الموافقة عليه ولكنه بعد نزله الأجازة لم يعد هو الآخر فقد خلقت الهدنة روح القرف والخمول ولكني فكرت بسرعة في إزالة هذه الرواسب فكنت أرى الأخ اليوزباشي كمال الدين حسين يجمع جنود المدفعية في طابور رياضي كل صباح فجمعت الإخوان في طابرو رياضي أيضا ثم طابور جرى لمسافة طويلة.

عودة اليوزباشي معروف الحضري

عاد الأخ معروف الحضري بعد أن تم شفاؤه من الرصاص الذي تملأ عنقه في معركة كفارد يروم وقد رقي إلى رتبة اليوزباشي وفي 23/6 كنت أقود طابور الرياضة وإذا به يقف أمام مبنى القيادة ينتظر عودة الطابور وعانقوه بسلامة عودته ثم أخذني داخل القيادة وأبلغني أن أحمد عبد العزيز طلب منه التقدم لاحتلال مواقع أمامية في مواجهة اليهود ثم قال وقد رأينا أن تقوم باحتلال تبة المارالياس ويكون ذلك في الصباح الباكر لأن القوة الأردنية تركتها بعد مهاجمة اليهود لهم وأخذت القوة الموجودة وتم احتلال تبة مارالياس وحضر اليوزباشي معروف وتقدم بثلاث فصائل لاحتلال ثلاث مواقع أمامية أخرى على يسار مارالياس وفي مواجهة كامب العلمين وبذلك أصبحت خطوطنا كلها متصلة بعضها ببعض كالآتي:

قطاع صور باهر من ناحية الشرق ويمتد من الوادي الفاصل بين جبل المكبر وقرية صور باهر حتى أول الوادي الفاصل بينها وبين تبة مارالياس.

قطاع مارالياس وهو أطول القطاعات وتمتد من الوادي الفاصل لصور باهر ثم أعلى البتة جنوبا ثم يتجه شمالا إلى الأمام في أرض منخفضة منزرعة بأشجار الزيتون إلى مسافة ألف وخمسمائة متر في مواجهة كامب العلمين ثم بيت صفافا الذي به السودانيون ثم الشرفات غرباوية الليبيون ثم تبة اليمن ثم قطاع كرمزان وبدأ حفر الخناق دوعمل الدشم من أكياس الرمل وكان من حسن الحظ أني وجدت آثارا لخنادق حول تبة مارالياس فعملت على تعمقها وأحيان كانت تواجهنا حجارة لا نستطيع تكسيرها بالأزمة الحديدية وفضت أن أضعها بالطريقة التقليدية لأن إزالتها سهلة ولكنني فكرت في تقطيع الحديد ونسج حصيرة من الأسلاك والخوازيق وذلك على السفح الشمالي والمواجه لرامات رحيل مباشرة.

ثم أعددت دشمة للمراقبة فوق قمة التبة وحضر البكباشي أحمد عبد العزيز واليوزباشي كمال الدين حسين واليوزباشي كمال الدين حسين واليوزباشي معروف الخضري لمعاينة المواقع التي أعددناها وزاد إعجابهم بها واتخذ الأخ كمال الدين حسين من دشمة المراقبة بعد أن أجرى لها بعض التعديلات مركزا لمراقبة قصف المدفعية .

كما اتخذ الأخ معروف الحضري مقرا له بدير مارالياس لستطيع أن يباشر مسئوليته على كل هذه القطاعات وبدأ في بث الألغام أمام كل المواقع وعلى امتداد الخط الفاصل بيننا وبن كل المستعمرات اليهودية كنا نعمل ليل نهار بالرغم من أننا في هدنة حتى رآني الأخ محمد عبد الغفار وسامي جبر وأنا ماشي على على السفح القبلي من التبةي وباقترابهم مني وجدوني نائما فلقيني محمد عبد الغفار على صدره وسحبني حتى مغارة كانوا قد صنعوها لأنفسهم واثناء فترة الهدنة جاءت فصيلتين من الكتيبة الثانية وفصيليتان من الكتيبة الثالثة وكان عدد الإخوان بهما قليل الأمر الذي سبب لنا متاعب كثيرة بالرغمي من تغلبنا عليها وكان الإخوان في هذه الفصائل قد انضموا إلى معسكر الشيخ فرغلي والأخ كامل الشريف بغزة.

انتهت الهدنة التي كانت مدتها شهر أعد اليهود أنفسهم إعداد كاملا وجهزوا أنفسهم للغدر والخيانة وعدم احترام أي قرار، أما نحن فيكفينا فخرا بتمسكنا بالشرف وهو على حد علمي وهم دافعه ضعف فلا خير في شرق ولا غرب وصدق الله العظيم (مايود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم...)

لقد قتل اليهود برنادوت الوسيط الدولي من قبل الأمم المتحدة والذي قرر مبدا الهدنة التي كانت في مصلحة اليهود و اليهود فقط ولم تتحرك دولة من دول الغرب أو الشرق ولا حتى دول السويد التي ينتمي إليها برنادوت، وحكوماتنا العربية الشرفة هي وحدها التي تعرف طريق الشرف الذي هم أحوج إليه في معاملتهم فيما بينهم وبين شعوبهم.

اتهجهت قوات من الجيش لاسترداد عصلوج بتمهيد من المدفعية وسلاح الطيران دون جدوى وأخيرا اتصلت قيادةو القوات بالبكباشي أحمد عبد العزيز في 17/ 7/ 1948 والذي أتصل بدوره بالأخ الكبر الأستاذ محمود عبده الذي كلف الأخ يحي عبد الحليم باختيار فصيلة من عشرين مقاتلا والذي وصل العصلوج في 18/ 7/ وتم تحريرها وإخراج اليهود منها واترك التفاصيل لكاتب سلسلة الله أكبر- بطولات إسلامية معاصرة) فذلك من حقه.

كان من الممكن صنع كثير من الأسلحة والطلقات الخاصة بها مثل رشاش الأستن ومورتر 2 بوصة والقنابل اليدوية ورجوم الألغام التي تحشى بقطع من الشظايا المخرفشة وهذه كلها تصلح للهجوم والعمليات السريعة، ولك الحكومات العربية كانت تجري لهثا وراء الدول الأوربية بحثا عن السلاح دون جدوى وذلك لأنهم يمولون اليهود فهم يريدون إقامة الدول اليهودية لتون مسمار جحا في قلب الرقعة العربية وشوكة في حلق المسلمين في العالم الإسلامي.

ولقد كان في إمكان العرب الإطاحة ب اليهود والخلاص منهم أو لو أنهم اعتمدوا على أنفسهم ونبذوا خلافاتهم وجعلوا سلاحهم إيمانهم ووقفت جيوشهم على الحدود متأهبة ثم يقومون بمنع أي طيران من العبور إلى الداخل كما يمنعون السفن من دخول الشواطئ ثم يقذفون بالمجاهدين المؤمنين إلى الداخل لقد كان دخول الجيوش العربية نكبة كبرى فكل دولة كانت تفكر في ضم أكبر جزء تسيطر عليه إلى أراضيها ولما شعروا بقوة اليهود تخاذلوا فتقوقعوا.

أعود إلى قطاع مارالياس فبعد أن انتهيت الهدنة المسئومة وقتلوا برنادوت الوسيط الدولي حتى لا يفرض هدنة أخرى ليسوا هم في حاجة إليها بعد أن أصبحت العصمة في يدهم ولولا تحصين مواقعنا بالتخطيط الذي رسمه الأخ اليوزباشي معروف الحضري لما استطعنا التواجد على أرض مكشوفة خصوصا موعق 3جـ ، 3ب المواجهين لكامب العلمين ثم موقع صعفورة و 3 أو موقع جواد إذ أن هذه المواقع كلها تقع على أرض مسطحة مليئة بأشجار الزيتون كما أنها منخفضة عن المستعمرات الشرقية بنسبة كبيرة وذلك بخلاف تبة مارالياس التي يوازي اترافعها ارتفاع كل المستعمرات وصلت بعض الأسلحة كالمورتور 81مم وواحد مورتر 2 بوصة وطبنجة إشارة ثم أعطاني النوعان الآخران وكمية من الذخيرة وجعل النوع الأول وهو 81 مم في موقعا خاصا خلف الدير وأخذت المورتر 2 بوصة وصعدت فوق التبة لأجربه وكان معي جاويش مدفعية الهاون الأخ سيد منصور، كان بالمدفع قايش بوضع في الكتف فهو نوع خاص بالعمليات الهجومين .

وبعد أن أجريت تجربة ذهب إلى اليوزباشي معروف لأخبره بالنتيجة إذ كان يجلي بالدير وكان معه الحاج عبد اللطيف أبو قورة ومعه شاب إنجليزي اسمه جعفر وقال أنه اسلم ولكن الأخ معروف لم يقتنع بفكرة إسلامه إذ كان شابا في الرابعة والعشرين من عمره ولم يعرف شيئا عن الإسلام الأمر الذي جعله يرتاب في أمره فهو ضمن القوات البريطانية الموجودة بالأردن وفي نفس الوقت يلبس الملابس المدنية ويتكلم العربية ويجلس مع الناس بالمقاهي فنصح الحاج عبداللطيف بإبعاده وإعادته إلى عمان وحضر طعام الغداء وبعد الأكل كلمة الأخ معروف وطلب منه أن يرحل إلى عمان ولا يتواجد في بيت لحم ثم ألقى إلي تعليماته بالقبض عليه إذا ما وجد في أي مكان في بيت لحم اعتبارا من اليوم التالي وذهب جعفر إلى عمان .

ولكن بعد أبوع كنت في بيت لحم لشراء بعض الحاجيات الخاصة بالميس ووجدت جعفر يجلس بمحل حلاق أمام مركز البوليس فقبضت عليه وسملته للصول عبد الحميد من رجال الحدود المقيمين بالمركز وأخذ جعفر يسب ويصيح ولكن عبد الحميد لطمة بكفه الثقيل خلف كفيه فأخسره وأبلغت عبد الحميد بأن هذا محجوز على زمة اليوزباشي معروف وبعد ساعتين كان الخبر قد وصل القيادة واستاء أحمد بك واليوزباشي كمال الدين حسين لهذا الفعل من جانبي وتصدى الأخ معروف للأمر وقال أنا الذي أعطيته أمرا بذلك وعاد إلى مارالياس وأخبرني بما حدث وقال معقبا كيف نترك هؤلاء يتجسسون علينا ونحن نحترم وجودهم لإثبات أننا أصحاب أخلاق ومثل وأردت أن أصرف عنه همه فقلت أعتقد أنني أستطيع أن أنزل أجازتي الآن فقد استقر كل شيء فنظر إلي مبتسما وقال هذه الدفعة إن شاء الله غدا سآتي بالفصيلتين الإحتياط الموجودتين في البيت الكبير الواقع على الطريق بين مارالياس وبيت لحم ليملأ مكانك وفي اليوم التالي حضر ضابطين من الاحتياط هما الأخ محمود العجيزي والأخ محمد عبد المجيد مشالي ومعهم فصيلين من احتياطي الجيش وقمت بتسليمهم التبة .

وأشهد أن الضابطين كانا على خلق وبعد ذلك استمرت متابعتي لهم لمدة يومين ثم أخبرني الأخ اليوزباشي معروف أنه يوجد فصيلتين الآن من الكتيبة الثالثة بجوار القيادة وطلب مني أن أذهب إليهم لاستلامهم وأحلالهم في البيت الذي كانت به قوات الاحتياط وعندما ذهبت إليهم وجدتهم نوعية أخرى غير الكتيبتين الأولى والثانية والفرق شاسع ولما أخبرت المسئولين منهم بالتعليمات التي لدي رفضوا الاستجابة فقلت لهم أ،كم لم تدخلوا الخطوط لأنكم قادمون من سفر وسوف تقيمون في بيت كبير للراحة ولكن ضابط متطوعا يدعى عزت محمد فايد أمرهم بعدم التحرك فاضطررت للعودة إلى مارالياس وإبلاغ الأخ اليوزباشي معروف بما حدث فأخذ السيارة الخاصة بمارالياس وذهب إليهم وأركبهم السيارة وبالأمر ثم وضعهم بالبيتس وطلب مني أن أعد كشفا بمن لهم أولوية بالإجازة وأعددت له كشفا به أربعة وعشرون فردا وفي اليوم التالي وكنا في أوائل أغسطس حضرت سيارة لوري وركبت المجموعة وذهبنا إلى القيادة وهناك التقينا بعشرة من إخوان قطاع صور باهر على رأسهم الأخ الملازم مالك نار ولحق بنا اليوزباشي معروف ليتأكد من أنني سوف لا أحضر معي أثناء عودتي مادة السيناؤر.

ما هو موضوع السيناءور

السيناءور كما يسميه العاملون في عملية تبخير الجناين مادة سامة وسريعة وكنت قد فكرت في استعمالها في قنابل الدخان وذلك ببشر القطعة ووضعها في عبوات قنبال الهاون الدخان لتسيح المادة مع الدخان الذي يصير قاتلا ولكنه عارضني بشدة قائلا أن ذلك ممنوع دوليا ومحرم استعمال مثل ذلك وقلت ألم يكن رصاص الدمدم محرما فقيل هم يفعلون ما يفعلون ولن نحن لا نفعل ذلك لأننا دولة لها تاريخ ولها كيان ولكنهم شتات جئ بهم من بلاد أوروبا وقلت لنفسي ما هذا الذي نتوهمه لماذا لم نترك على الأساس الذي تم إعدادنا له أننا متطوعون لنعمل كعصابات في مواجهة عصابات شرسة.

وأعود إلى الأجازة فقد كانت أول أجازة لي وركبنا السيارة التي شقت طريقها عن طريق الخليل ثم الفالوجا ثم غزة وفي غزة اتجهنا إلى إدارة التسهيلات حيث يوجد الصاغ عبد الجواد طباله قائد الكتيبة الثانية الذي سهل لنا الأوراق الخاصة بالسكة الحديد ثم اتجهنا إلى محطة السكة الحديد القريبة من مكان التسهيلات وركبنا القطار حتى القنطرة شرق واستبدل القطار بآخر حيث يعبر القنطرة إلى الإسماعيلية ثم القاهرة وتحرك القطار الثاني في الثانية بعد الظهر وبعد مغادرة الإسماعلية حضرت لجنة من مفتش واثنين من الكمسارية وطالبوا بالاستمارة فأعطيتها لهم وبعد أن أطلعوا عليها سأل أحدهم معكم ضابط أهو في الدرجة الأولى؟ ورد الأخ محمد عبد الغفار مشيرا إلى الأخ حسين ودهشوا متسائلين لماذا لم تجلس بالدرجة الأولى وهذا حقك فقلت إننا نفترش الأرض فنجد في ذلك راحتنا فنحن متطوعون فقالوا إذن أنتم رجال أحمد عد العزيز بتوع الإخوان فقلنا نعم فقالوا كلكم تستحقوا الجلوس في الدرجة الأولى وذهب ثلاثتهم ثم عادوا لينقلونا إلى عربة الدرجة الأولى في ثلاث ديواوين وجلسوا معنا يمطروننا بالأسئلة وهم في بهجة من لقائنا وكنا قد وصلنا محطة مصر وكان الساعة حوالي الرابعة والنصف وأخذنا ترام رقم 3 المتجة إلى العباسية وكان معي سمامي جبر ونزلنا في ميدان عبده باشا ثم دخلنا شارع عشرة وما أن رآني ابن خالي عبد الحليم عاشور حتى خرج من محله الخاص ولقيني فعانقني وقلت له سأذهب مع سامي لأسلم على الشيخ جبر فأخذ مهماتي وقال أنا منتظرك .

وبعد قضاء ساعة بمنزل الشيخ جبر التميمي عدت إلى حلمي فوجدت جمهرة من الناس وكان قد أرسل مهماتي إلى منزله الذي كان يجاور الدكان وبعد سلامي لكل الموجودين لاحظ أني متعب من طول السفر صعد بي إلى المنزل وقدم لي طعام العشاء والقهوة وطلبت منه أن أذهب إلى شعبة العباسية وقال أنني في حاجة إلى الراحة فقلت ليس بالأمر الضروري لابد أن أرى الإخوان فقال أخشى أن لا تعود الليلة خالك قد يعود بعد ساعتين ويجب أن يراك الليلة فإذا لم تحضر سأتي لإحضارك ثم تركته وذهبت إلى شعبة العباسية عن طريق سوق الوايلية وكانت مشكلتي لحيتي التي كانت دليل تعرف الناس على وذلك بسبب الصور التي كانت قد ظهرت لي في الصحف والمجلات بمناسبة العمليات الخاص بي والمجموعة التي كانت معي والتي كان الأستاذ محمد يوسف يحرص دائما على التقاطها في شكل معبر عن ظروف كل عملية كما كان حريصا على أن تكون في أقرب مكان للعملية أن لم تكن في المكان نفسه.

اجتزت الشارع وسوق الوايلية بصعوبة إذ حجزني الأخ ياسين خلاف البقال والحاج حسين إبراهيم لمدة ربع الساعة وأستأذنت منهم وقال الأخ ياسين إذا كنت رايح الشعبة ستدد إخوان العباسية و إخوان شعبة الكومي في حوش كبير أجر لعمل المحاضرات وممارسة الرياضة في أولشارع القبة الفداوية على اليسار وذهبت إلى هناك لأجد كل الإخوان يلعبون البينج بونج وأوقف اللعب حتى سلم علي كل الإخوان ومكثت معهم حوالي الساعة ثم حضر عبد الحميد ابن خالي واستأذن من الإخوان أن أذهب معه وقلت بدري يا حلمي أنا مش شاعر بتعب فقال خالك عاوز يشوفك ورد الأخ أحمد شري لازم تستريح وغدا نتقابل ثم طلب مني الأخ محمود أبو رية أن أذهب إليه في العاشرة صباحا حيث يعمل بالأشغال العسكرية وذهبت مع حلمي إلى المنزل ووجدت خالي الحاج عاشور في انتظاري .

وكان استقباله لي رائعا وجلسنا نتحدث عن الحرب والأوضاع السياسية عامة وحتى الثانية عشر إذ قال لي ألم تكن متعبا قلت لا فقال رحمه الله عن إذنك أنا سأنام وقمنا جميعا إلى النوم، واستيقظت مبكرا وبعد الصلاة وتناول الإفطار ذهبت إلى خالي الحاج أمين بمحله عند ضريح أحمد ماهر ومكثت معه حتى العاشرة ثم عرجت إلى شارع العباسية عن طريق القبة الفداوية إلى الأخ محمود أبو رية الموظف بالأشغال العسكرية وعند دخولي من البوابة حياني جندي الحراسة التحية العسكرية وصعدت الدور الثاني حيث المكاتب وقابلني الموظفون بالترحاب والتفوا حولي كل يسأل وأنا أجيب.

وفي الحادية عشر أستأذن الأخ محمود وأخذني إلى المركز العام بالحلمية الجديدة وذهبنا إلى دار الجريدة حيث يوجد المرشد العام وما أن دخلنا حتى هب الأستاذ سعد الدين الويلي واقفنا وأخذ يحتضنني ويقبلني وهو يردد عبارة تل بيوت ثم تركنا ودخل مسرعا حجرة على يسار الداخل من الباب وخرج مسرعا ونادى علي ودخلت الحجرة فوجدت فضيلة المرشد العام يستقبلني فاتحا زراعيه ووجدت نفسي بين يديه كالطفل الوديع حينما يشعر بحنان الأبوة ثم نظرت حولي واعتدلت في وقفتي لشدة هيبته فوجدته يقف أمام مكتب يقف خلفه الحاج صالح عشماوي وكيل الإخوان ويقف عن يمينه الأخ المهندس مصطفى مؤمن وعن يساره الأخ الأستاذ عبد الحكيم عابدين سكرتير الإخوان وكانوا في جلسة خاصة وقال للأخ سعد أجلس تل بيوت في مكتبي حتى أعود وأخذني الأخ سعد إلى مكتب فضيلته وجلست ومع الأخ محمود أبو رية وبعد ثلاثة دقائق عاد فضيلته وجلس إلى مكتبه وأخذ يسألني وأنا أجيب والواقع أنني لا أستطيع أن أعتبر شيئا مما حدث أسئلة كالمتبع ولكن كان حديثا مشتركا له دلالات تدل على الأعداد والتكوين فقد كان يجاريني .

وكأنه يعرف داخلي ثم يكمل لي بعض الأشياء وكأنه كان معنا حتى أن الأخ محمود كان يضحك طربا من العبارات ثم انتهى الحديث بعد ذلك وطلب مني أن أعود بعد يومين ثم أذن لي بالإنصراف .

وفي اليوم التالي ذهبت لأقضي وقتا مع إخوان العباسية وأثناء مروري من شارع غرب القشلاق حجزني منعارفي القدامي من لاعبي كرة القدم وكانوا يجليسون كعادتهم بمقهى على سليم ولم أستطع الخلاص منهم إلا على أثر إطلاق صفارة الإنذار لحدوث غارة إسرائلية فقد جرى الجميع ووجدت نفسي وحدي وانتهزت الفرصة لأذهب إلى الشعبة ووجدت الإخوان يقفون أمام الباب في الشارع وبادرني الأخ أحمد شكري قائلا أظن أنتم وخدين على الحكاية دي على طول وقلت بس ماعندناش صفافير ودخلنا جميعا داخل الشعبة ومال على أذني أحد الإخوان قائلا الأخ نجي جويفل يشيع أنك زنب ل أحمد عبد العزيز وأنك تضرب الإخوان بكرباج فقلت والله أنا مش عارف الأخ نجيب عاوز إيه هو لم يتحدث معي في شيء هناك و [[لبيب الترجمان[[ و أحمد الجندي الذي دهش لهذه الإشاعات بعد احتكاكه بي عن قرب واعترف أني أعاني من الجهد والإرهاق و أحمد عبد العزز لم يعرف اسمي حتى عملية تل بيوت وكان ينطقه بحسن وليس حسين كما أني أنام وآكل مع الإخوان على الأرض وفي العراء وكان الأخ المتحدث هو الأخ عصمت حمدي الذي قاطعني بقوله لا يهمك هذا لقد صدر قرار بفصله مع مجموعة أخرى لبعض تصرفاته .

ولم أعلق على شيء ولكني اكتفيت بأن قلت لو أن شيئا من ذلك حدث وتأكد لفاتحني به فضيلة المرشد العام وناقشني حتى يخرج بواقع ملموس وكنت أنتظر شئا من ذلك ولكنه لم يشر حتى بالتلميح وكل ما حدث أنه ناقشني في مجموع خلافي مع أحمد عبد العزيز بالنسبة للضابط الثالثة اليهود واعتقالي لهم لخروجهم من السلاك الشائكة في أول يوم للهدنة وأخبرني أن عزام باشا أمين الجامعة اشترك في النقاش كما أخبرته أن بعض الضباط سبق أن تناقشوا معه وكان أكثرهم اهتماما بالموضوع إذ كان يحول إقناعه بأن الموضوع ليس فيه خطأ وأن الحرب خدعة هو البكباشي محمد الصواف وانتهى الحديث بيني وبين الأخ عصمت.

وفي الصباح اليوم التالي ذهبت والأخ محمود أبو رية إلى المركز العام وتقابلنا مع فضيلة المرشد العام وانت المقابلة تأخذ طابع الحفاوة في كل مرة الأمر الذي جعل الأخ محمود يدهش من الأقاويل ودهش أكثر حينما عرض فضيلة المرشد لقائه ب عزام باشا وقال اتفقنا على إعداد كتيبة من عشر آلاف وقد وافقت الحكومة على ذلك وسأخرج مع هذه الكتية فهل لك أن تبقى هنا حتى تذهب معنا وعلى الفور قلت بل يجب أن أعود مسرعا لإبلاغ هذا النبأ العظيم وحتى يتم إعداد الترتيبات لذلكورفع الروح المعنوية للإخوان هنا وما كان منه إلا أن وافق على الفور وانصرفنا وقال الأخ محمود لا تشغل بالك فهذه سنة الحياة وكنت قد طلبت من فضيلة المرشد العام أن يصدر تعليماته بعودة الإخوان الموجودين في أجازة لشدة الحاجة إليهم وأصدر فضيلته تعليمات إلى الأخ سعد الدين الوليلي لنشرها بالجريدة .

وكان قد قال لي أن الأخ لبيب قد عاد بعد أن قابله ب أحمد عبد العزيز وفي اليوم التالي ذهبت إلى دار أخبار اليوم لأطلب صورة من صوري التي نشرت وقابلني الأستاذ محمد البيلي وبعد تقديم الواجبات طلب مني أن أحر بعد يومين وذهبت إليه لأجد الأستاذ حسنين هيكل الذي أخذني إلى حجرة صغيرة وطلب مني أن أحكي ماذا تم بالضبط في عملية بيوت وأخذت أروي وهو يكتب ثم التقطوا لي صورة فردية وطلبوا مني أن أحضر غدا لآخذ كل الصور وعدت فعلا وأخذت الصور التذكارية وودعني الأستاذ البيلي حتى باب دار أخبار اليوم وعدت إلى العباسية وفي المساء ذهبت والأخ محمود إلى مقهى الحاج حسن إبراهيم حيث يجلس الأستاذ أنور الغزب والاخ صديق عسل واتفقوا جميعا على المبيت في منزل الأخ صديق وذهبنا بعد العاشرة وكانت ليلة ممتعة وبعد صلاة الفجر انصرف كل منا إلى منزله وفي المساء قابلني الأخ الحاج محمد عبد الجليل وطلب مني أن أذهب إلى مستشفى الأمراض العقلية لزيارة الأخ رفعت النجار لأنه علم بوجودك وعده مصحف هدية لك ودهشت لوجوده بهذا المستشفى ولكن الحاج محمد قال أنه ليس مريض ولكنه أودع أثر نسفه قنبلة في فندق الكنج جورج ب الإسماعلية.

وفي صباح اليوم التالي ذهبت إلى مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية وقابلني الحاج محمد معاون المستشفى الذي أوصلني للأخ رفعت الذي ما أن رأني حتى أخذ يقهقه كعادته وأخذني بالحضن قائلا أهل تل بيوت ونظرت حولي متطلعا المكان الذي يعيش فيهي حياته الجديدة فوجدت شخصين من الأجانب يقيمان معه أحدهما طويل ونحيف يقطع الحجرة المستطيلة ذهابا وإيابا وهم يتمتم بكلمات أعتقد أنها يونانية وأما الآخر فهو قصير ممتلئ يمشي في مهل وكأنه في نزهة ولكنه يمط في رقبته بسمترار وفي صمت وسألت رفعت كيف يعيش مع هؤلاء فرد قائلا مش أحسن من السجن ثم ألتفت إلي واقفا في نشاط حتى خيل إلي أنه هو الآخر تحضره حالة مماثلة وكلنه قطع على التفكير بقولة لقد أخذنا الحديث لقد اشتريتي مصحفا وكتبت عليه اسمك عندما علمت بحضورك إلى مصر وذلك لاعتقادي أن أعظم هدية تقدم للتعبير الصادق هو كتاب الله وودعني وطلب مني زيارته مرة ثانية وغادرت المستشفى حيث سافرت إلى بلدتنا طوخ قليوبية وقبل أن أذهب إلى الأقارب والأهل ذهبت إلى شعبة الإخوان فما أن رآني بعضهم حتى أسرع في تبليغ الجميع وقد جضروا كلهم .

وكان استقبالا مروعا ومكثت معهم حتى الثامنة مساء ثم ذهبت إلى جدي دون غضاضة في نفسي مما فعله معي بعد وفاة والدي فقد وجدت داخلي خاليا من الماضي فتحرك دمي وإحساسي وعندما دخلت عليه وجدته قد فقد بصره فركعت على ركبتي وأخذت يده كلامعتاد وقبلتها ودعا لي وقد أغرورقت عيناي ثم جلست أمامه وأخذ يحدثني وأنا أرد عليه بما يليق وما يرضيه وعندما هممت واقفا لمغادرة المكان وعرف أنني سأذهب إلى شقيقتي الكبرى ببلدة بلتان ألح علي بالمبيت ولكني أفهمته أني سأعود إلى القاهرة صباحا وبلتان هذه تقع بين طوخ وبنها طريق القناطر والمسافة بينهما وبين طوخ ستة كيلو متر تقريبا وذهبت إلى بلتان التي وصلتها بعد منتصف الليل وكانت مفاجأة أن أجد شقيقتي وزوجها في انتظاري ومكصت عندهم يومين ثم عدت إلى القاهرة وذهبت إلى العباسية .

وفي صباح اليوم التالي قرأت في الصحف نبأ اغتيال أحمد عبد العزيز وكان وقع هذا الخبر علي في نفوس الناس عامة من أسوأ الأخبار وقرائتي للخبر لم أستطيع ما قيل في الصحف ودارت في نفسي أشياء كثيرة وفي صباح اليوم التالي ذهبت إلى المركز العام وقابلت فضيلة المرشد العام بعد انتهاء اجتماعه مع الأميرالاي أحمد بك منصور ضابط الاتصال ب الجامعة العربية وكان ذلك في حضور الأستاذ [[عبد الحكيم عابدين[[ والأستاذ مصطى مؤمن وانصرف المجتمعون وصحبني فضيلته إلى مكتبه .

وكان أول ما قاله (طبعا أنت زعلان لهذا الخبر) وقلت لم يكن الأمر مجرد زعل ولكن هذا موضوع يترتب عليه أشياء كثيرة وسألني مثل ماذا؟ فقلت قد عرفت أنه كانت توجد بينه وبين قيادة القوات خلافات كثيرة وأكثر منها مع الحكومة وقال فضيلته هذا صحيح أنهم كانوا يعتقدون أنه من الإخوان فهو كان يعتبر نفسه قوة مستقلة وهم كانوا يقيدونه بتعليماتهم ومخططاتهم ثم قال أتخشى شيئا آخر قلت ومن الذي سيخلفه قال يقال ربما القائم مقام أحمد سيف اليزل خليفة قلت لا نعرف عنه شيئا فقال إن شاء الله يكون خيرا.

ثم قال عليك بأن تعد نفسك للعودة بسرعة فستعرف الكثير هناك وفي صباح اليومي التالي أخذت تاكسيا وذهبت إلى معسكر الهاكستب وقابلني جميع ضباط التدريب بحفاوة بالغة وسألت عن رأفت أفندي بسيوني فقيل لي أنه نقل وأعطوني عنوانه بمعسكرات منشية البكري .

وبعد أن أعطيت استمارة السفر بها عدد العائدين معي عدت بالتاكسي إلى منشية البكري وقابلت رأفت أفندي الذي احتفى بي وعرفني على الصاغ الحديدي ثم ذهبت إلى حلمي وكان الوقت ليلا ووجدت خالي الحاج يقف أمام المحل وسألني حلمي عن سبب تأخري كل هذه المدة ثم طلب مني أن لا أذهب إلى مكان آخر ولكني قلت له سأذهب إلى الإخوان لأني مسافر بعد غد وخشى الحاج أن يكون ذلك وقد أحدث لي ضيق فنظر إلى حلمي الذي بادرني بقوله لابد أن أذهب معك وقال الحاج دون أن تضايقه وأغلق المحل .

وذهبنا إلى الأخ محمود أبو رية في شعبة الكومي ثم ذهبنا إلى محل الأخ ياسين خلاف بجوار محمود أبو رية في شعبة الكومي ثم ذهبنا غلى محل الأخ ياسين خلاف بجوار مقهى الحاج حسن حيث يجلس الأخ أنور العزب والأخ أحمد شكري والحاج محمد عبد الجليل الذي مال على أذني قائلا المرة القادمة تجيب معاك رأس يهودي ودهشت لهذا الطلب وقلت كيف أحتفظ بها فقال ضعها في ملح وسمع الأخ محمود الذي ضحك وقال سمعتم الحاج محمد بيقول إيه للأخ حسين واندفع الحاج محمد قائلا أنا قلت له المرة المقبلة هات معاك رأس يهودي فضحكوا وقال الأخ محمود لازم الحاج عاوز يعلقها على باب المستشفى وقال الأخ أنور أحسن الشيخ حسين يعملها أوع تعملها يا شيخ حسين كانت أخر جلسة مع من عاشرتهم وتعايشت معهم على الخير وإلى كل خير .

وكان اليوم التالي يوم جمعة وقيل أن الإخوان سوف يصلون الجمعة في مسجد الكخيا لأن الأستاذ سعيد رمضان سيخطب الجمعة وذهبت إلى أي مكان لأني عائد غدا إلى بيت لحم وكانت خمسة عشر يوما في سعادة لم أشعر فيها بملل أو إرهاق فقد كان هناك دوافع الأخوة والرباط تجدد الحيوية والنشاط.

العودة إلى بيت لحم والقدس

ذهبت إلى المركز العام بالحلمية التاسعة صباح السبت حيث ينتظر الإخوان وهناك وجدت الأخ صلاح محروس الذي كان يعلج من إصابته فطلبت منه أن يصف الإخوان في صفين ودخلت لأبلغ الأستاذ سعد الويلي أننا جاهزون ثم عدت إلى الطابور وبعد أن أعطاني تماما كان فضيلة المرشد العام قد خرج لتوديعنا ومعه كبار الإخوان وناديت بعمل انتباه ثم أديت التحية العسكرية وتقدمت نحوه معانقا ثم نزل إلى الأخوة مصافحا وبعد ذلك اتجهنا إلى الخارج حتى الترام الذي أقلنا إلى باب الحديد

واخترقنا الميدان سيرا ثم دخلنا محطة مصر ووقف الإخوان في الفناء الداخلي وسط هتافات الجماهير وتكبيرهم وما أن فرغت من تجهيز الأوراق الخاصة بالقطار حتى دلفنا إلى الرصيف الذي يقف عليه القطار الخاص بالعسكريين وماإن دخلنا القطار حتى اندفع عدد كبير من الجمهور إلى داخل الرصيف وأخذ بعضهم يقذف إلينا بباقات الورد وكانت كل باقة تحمل عددا من الكروت باسماء اصحابها وإني لأعجب من الحياة فنحن مازلنا نحن المصريون فمهما طال الزمن أو تغير الحال إننا المصريون ولكن أين ذهبت تلك الروح ولماذا اختفت الحمية وما الذي كان وراء ذلك؟

غادر القطار محطة مصر متجها إلى القنطرة شرق ثم إلى غزة وأخذ الإخوان والجماهير المحتشدة تلوح لنا حتى اختفى القطار عن الأنظار ومع غروب الشمس داخل القطار غزة وبعد مغادرت اتصلت بقيادة الإخوان بمعسكر البريج

وطلب مني الأخ الأستاذ كمال الشريف أن أنتظر حتى يحضر إلينا وبعد نصف ساعة جاء راجلا موتوسيكل وقال لم نكن نظن أن معك أخوة ثم قال ستركب معي وسأرسل للأخوة سيارة وركبت معه إلى معسكر البريج الذي مكثنا به فيومين جاءت بعد سيارتان تحملان ذخيرة إلى بيت لحم وركبنا معهما حتى وصلنا مقر القيادة بيت لحم ومع وصولنا وجدت أن كل شيء قد تغير فمجموعة ضباط الجيش الذين كانوا معنا منذ الوهلة الأولى وهم الصفوة لأنهم خرجوا من الجيش إلى الاستيداع برغبتهم كي يدخلوا متطوعين مثلنا ولذلك كانوا أصحاب مبادئ منهم كمال الدين حسين وحسن فهمي عبد المجيد ولم يبق غير معروف الحضر وخالد فوزي وحمدي واصف واستلم القيادة ضابطا مكتبيا لم يكن بالرجل الذي يستطيع أن يسد الفراغ كما كان الشهيد رحمه الله .

ولذلك لم يستطع حتى الوقوف على قدميه معنا والقى بالحمل كله على عاتق الأخ اليوزباشي معروف وكان باستطاعته أن يكون هو الرجل المطلوب ولكنه تعود على الرسميات التي كانت في دمه ونسي أنه يعايش متطوعون لا يعرفون سوى العمل الذي وجدوا من أجله ثم بعد ذلك يذوب كل شيء بينهم فلا رئيس ولا مرؤوس إلا داخل الخطوط وأثناء العمليات وحتى الرجل صاحب النكتة الظريفة الأستاذ: محمد يوسف والذي كان يغمر لالتقاط بعض المناظر على الطبيعة لإرسالها للصحف والمجلات قد رحل هو الآخر فقد كان ضاحكا في السراء والضراء مبهرا بما كانت تراه عينه كل يوم من أعمال.

ولو أنها كانت دون تخطيط أو خبرة وكانت مفاجآت فيجد نفسه أمام أمر يحتاج إلى تعبير صادق يجعل الصورة تطابق ما حدث وحتى البقية الباقية لم نعد نرها كما كان عهدنا ببعض حتى في الخلافات التي كانت تحدث ولم يستمر جناب البكباشي محمد فريد القائد البديل للشهيد أحمد عبد العزيز أكثر من شهر ونصف في هذه الفترة كنت أقبع في دير مارالياس أحاول التحري عن استشهاد أحمد عبد العزيز ولم أجد مارالياس من يعطي معلومة واحدة وكل الذي عرفته عن ذلك الحادث أنه تم بالقرب من قطاع الفالوجة عقب إنهاء معركة كبيرة أراد اليهود فيها تطويق قواتنا بعملية التفاف حول صور باهر ولكن قواتنا ردتهم على أعقابهم بعد حصارهم في الوادي وذبح عدد كبير منهم .

وأخيرا جلست مع الأخ لبيب الذ حضر المعركة وذلك لأن اليوزباشي محممود عبده كان قد أصيب في المعركة ويرقد بالمستشفى للعلاج وقال ليب لقد اتجهت حشود اليهود شرقا عن طريق بيت المندوب السامي البريطاني المقيم به لجنة الهدنة الدولية في محاولة لتطويق صور باهر وقلت لما لا يكون الغرض تطويق كل القوات لقطع أي امدادات تصل إلىيهم ويتم عزلنا تماما وقال لبيب لقد عزلت المدفعية بقيادة كمال الدين حسين اليهودي عن أي إمدادات تصلهم من المستعمرات ونزل الإخوان لقتالهم في الوادي وقطعوا رؤوسهم وأخرج أحد الإخوان صوره ويمسك في كل يد رأس وضحك لبيب قائلا كنا نريد أن ندخل المستعمرة لولا المراقبين الدوليين وعن استشهاد أحمد عبد العزيز قال بعد اجتماع لجنة الهدنة حضر اثنين من الضباط من قبل قيادة القوات بالمجدل لأخذ تقرير لجنة الهدنة وعرفنا أن أحدهما يدعى اليوزباشي الورادني والأخير يدعى اليوزباشي صلاح سالم، قلت وهل كان لابد من ذهابه معهم، .

قال لقد أححنا عليه بالبقاء فقال سأعود بسرعة ولن أتأخر عليكم وفي إصرار ذهب معهم وقال عندكم معروف وأبو كمال وقال لم يقتنع أحد بأن الحادث خطأ بسبب سر الليل فقال كلنا غير مقتنعين .

وقابلني عبد الحميد غالي الذي كان يعالج من رصاصة ثبتت في عظام الساق اليت لحمت عليها وكان أول ما قاله لي قتلوه وبعد مقابلة العديد وجدت أنني لست وحدي المتشكك ذلك وأننا نعرف أنه في حالة عدم ذكر سر الليل أو نسيانها طالما أن العابر داخل المنطقة يجب أن يؤمر بالوقوف مع رفع اليدين ثم يتقدم الجندي للتحقيق من شخصيته وإني أكتفى بهذا التعريف .

ولكن لي تعليق وهو أن الرجل كان يعلن دائما عن هوية المستقبل لقواته التي اختار لنفسه أن يكون قائدا لها الأمر الذي جعل الأنظار تتجه إليه وشكوك الملوك والرؤساء العرب تحاصره وتدبر له ولا أستطيع أن أضع تحليلا ألزم به الرأي وأطبعه على المفاهيم فلابد من تفاوت في الرأي واختلاف المفاهيم أما عن معركة المكبر بصور باهر فأترك توصيفها التفصيلي لأصحاب المعركة فهم أصحاب الحق والأولوية بها حتى كنت في أجازة بالقاهرة وهم الأستاذ محمود عبده واليوزباشي كمال الدين حسين الأخي لبيب الترجمان وأحب أن أثير أمرا هنا وكانت بدية احتكاكه بالإخوان في أبريل سنة 1948 أيضا.

لقد كانت عودتي من الأجازة تواجه مشكلات كثيرة فالناس تغيرت والقيادات تغيرت ايضا فأكثر الأخوان الموجودين في مارالياس انضموا إلى قطاع صور باهر وأردت أن أذهب لأنضم إليهم ولكن الأخ معروف الحضري أصر على بقائي بمارالياس وبدأت أن أذهب لأنضم إليهم ولكن الأخر معروف الحضري أصر على بقائي بمارالياس وبدأت بعض الخلافات بيني وبين قيادات الكتيبة الثالثة فقد كانوا في نظري أشباحا تتواجج في مواقع ليس لدى أحدهم دافع الجهاد تختلف أخلاقهم وطباعهم، يحتاجون إلى المعاملة بالصرامة والشدة، .

وذلك بعكس الإخوان الذين يعايش بعضهم بعض ودون هوى، ونقل البكباشي محمد فريد وجاء البكباشي محمد عبد الجواد طالبه وهو رجل متعقل وفي نفس الوقت حازم ومتدين .

ومن اليوم الثاني لوجوده أخذ يمر في جميع الخطوط الأمامية حتى أقرب موقع من اليهود وحضر إلى مارالياس وكان ذلك في أواخر سبتمبر سنة 1948 ولما سئل من أحد الخبثاء في رأيه عن أحمد عبد العزيز ردفي تعقل أسأل الله أن يجعلنا نستطيع سد الفراغ الذي تركه .

وفي أكتوبر حضر لواء قائد قوات الدفاع السودانية في زيارة رسمية لمنطقة بيت لحم وعزمه اليوزباشي محمد سرور السوداني بقطاع ماراليس وطلب مني الإشراف على العزومة وحضر اللواء بعد التفتيش على السرية السودانية التي كانت موجودة بقيادة اليوزباشي حسن مساعد وبعد ذلك طلب مني اليوزباشي معروف أن أنتقل إلى موقع 3 (أ) وذهبت إلى الموقع ونقل اليوزباشي سرور إلى قطاعه في الشرفات وجئ بضابط آخر متطوع يدعى حسن معيط قيل أنه فصل من الجيش لسوء أخلاقه ولم أستطع العمل معه ولكنه استطاع أن يجعل بيني وبين الأخ معروف شقة كبيرة في وقت قصير ولكنها انتهت بفشله بالقيام بعملية .

وانضم هو وعزت فايد لمضايقتي إذ كان يوجد ثلاث بيوت تقع على الطريق في أسفل تبة المستعمرات وقمت بنسف اثنين منهم دون علم أحد ولم يكن أحد البيوت الثلاث يقع أمام موقعي ولكني كنت أخشى أن يتسلل اليهود إليها ليلا لمحاولة القيام باي عملية وفي كل مرة كان عزت فايد يحاول أن يخلق لي مشاكل باعتبار أن هذه البيوت تقع في حوزته وكان يجب أن أبلغه ليكون معي ولكني لم آمن له ولا حتى أحد الجنود الموجودين معي فكلهم من الكتيبة الثالثة ولا يوجد منهم واحد من الإخوان ورتب حسن معيط عملية لنسف البيت الثالث وأشركوا معهم عزمي الجاعوني من قوة الجهاد المقدس ومن المجموعة التي قامت بنسف حارة اليهود بالقدس وأعدو كل شيء وخططوا للعملية كما لو كانوا سينسفون مستعمرة بأكملها ومروا على وقال حسن معيط تيجي معنا، وقد عرفت أنه يرد إحراجي فقلت ليس عندي مانع وكنت حريص كل الحرص من أن يغدر بي وذهبت معهم ومضوا في الطريق ومروا على موقع عصورة الذي به الملازم ثان متطوع شعبان .

وقالوا له كما قالوا لي واستجاب شعبان وعندما وصلنا إلى 3 جـ موقع عزت فايد قاموا بضرب البيت بالهاون ورشاشات البرن لمدة نصف ساعة وعجبت لهذا الأمر إذا الموضوع لا يستحق كل هذا ثم قال حسن معيط وقد كان يمسك بالصندوق هو وعزت فايد في 3 جـ قبل أن نذهب تحت الطريق الأسفلت الذي اصبحت المسافة الباقية بيننا وبين الهدف والذي لا يزيد عرضه على ستة أمتار وأخذوا يلقون برجوم من الألغام حول البيت وان في ظني أنهم سينسفون البيت بهذه الرجوم لأني أعتقد أن خمسة رجوم لو وضعت في رجم واحد بفيل واحد لأنهت العملية لأنه بيت صغير من طابقين وقديم وقال حسن معيط حسين وشعبان يأخذوا الصندوق ويضعوه في البيت ورددت أين الصندوق فقال ألم تحضروه معكم قلت أي صندوق وقال شعبان السبب في فشلها، .

وبعد عودتنا وجد الصندوق في بيت 3جـ وهو مقر الملازم عزت فايد ونظرت إليه فوجدته يكفي لنسف ثكنة كبيرة كواحدة من التي نسفناها في تل بيوت ولما أبلغوا الأخ معروف أخذ مني موقفا ولم يقبل مناقشتي في الموضوع .

وفكرت في أمرين أما أن أنقل إلى قطاع صور باهر للعمل مع الإخوان تحت قيادته أو أنزل في أجازة وانضم للإخوان في غزة وكان يجب أن يكون قطاع مارالياس كله مسند لي أشرافه لأني أنا الذي بدأت وخصوصا بعد ترقيتي لملازم أول منذ شهر أغسطس ولكن هذه سنة الحياة وفي هذه الأثناء كان المتطوعون اليمنيون يحمون تبة متقدمة من قطاع كرمزان وطلب اليوزباشي معروف من الأستاذ محمود عبده إرسال قوة لاستردادها فأرسل الأخ الصول محمد عبد الغفار على رأس قوة قوامها عشرون واستردوا التبة بعد أن كان اليهود قد غيروا هيكل مواقعها في أربع وعشرون ساعة لتكن في مواجة كرمزان وسميت بعد ذلك بتبة الإخوان.

لم تطل الشقة التي أحدثها حسن معيط وعزت فايد بيني وبين الأخ اليوزباشي معروف قد حدث بعد ذلك بأسبوعين أن أشتد الضغط علينا ومواقعنا منخفضة بالنسبة للمواقع اليهويدة من ناحية الشرق وكنت أشعر دائما أن اليهود يحاولون تكرار معركة صور باهر من هذه البقة بعد فشلهم وخسارته الكبيرة في صور باهر لأن مرتفعاتها تتساوى مع مرتفعات اليهود والأمر الثاني أو الوادي خلف القرية أجرد ليس به أشجار أما مارالياس ابتداء من موقع جواد و 3 (أ) وعصفورة و 3ب و 3جـ أرض منخفضة مليئة بأشجار الزيتون ولذا كنت أرى أن البيت الذي كان يريد نسفه لا قيمة له وأن الذي يستحق النسف والتدمير نهائيا هو كامب المعلمين حتى تكون الأرض الفاصلة بين موقع 3جـ وميكور حايم مكشوفة ييصعب عبورها.

وفي ليلة العاشر من أكتوبر أخذ أفراد موقع 3جـ يصرخون بالتليفون ويسألون عن عزت فايد قائلين أن اليهود يتجمعون في كامب العلمين وسألتهم ألم يقل أين هو ذاهب قالوا لا لقد حضر حسين معيط وذهبوا معا ولا نعرف أين هم وذهب إلى الدير ووجدت الملازم محمود العجيزي ضابط الاحتياط وسألته عن حسن معيط فقال لا علم لي بشيء عنه واتصل بدوره بالأخ معروف وأخبره بما حدث فطلب منه أن يذهب معي إلى موقع (3ج) ويستطلع الأمر على الطبيعة وذهبت والأخ محمود العجيزي حتى الموقع وسمعنا تحركات وثوت سيارات خلف كامب العلمين وعدنا لنبلغ الأخ معروف في القيادة بالتفاصيل وبوصولنا غلى الدير وجدنا الأخ الملازم أول خالد فوزي قد جضر لتوجيه المدفعيةي وذهب معي إلى موقع (3أ) .

وعندما بدأ الهجوم اليهودي أمسك خالد سماعة التليفون وأخبر في إلقاء قذائفه على كامب العلمين في عملية تفتيش واستمرت المعركة حتى السادسة صباحا ونسف البيتين 3 (ب)، 3 (جـ) وعادت والقوتان إلى موقع عصفورة و 3 (أ) وحضر الأخ معروف الذي أخذني معه وطلب مني أن أتقدم وجعل أمامي أحد الأفراد حاملا رشاش برن ومن خلفنا أفراد الموقعي ثم حامل رشاش برن وواصلنا السر حتى الموقعين ثم قام بتوزيع الأفراد في الخنادق وذهب هو إلى مستشفى بيت صفافا حيث وجد حسين معيط وعزت فايد وادعي عزت فايد أنه كان ينام بالبيت وعندما أقدم اليهود ونسفوا البيت قام مذعورا وأو حسن معيط علم فأخذه إلى المستشفى وتضاربت الأقوال ولكن أقوال الأخ العجيزي وأقوالي والاتصالات التليفونية قطعت عليهما الطريق وعرف الأخ اليوزباشي معروف أركان حرب العمليات أنني كنت على حق وبعد اشبوع أختفيا تماما ولم نعرف عنهما شيء.

واستمرت المعارك بعد ذلك كل ليلة من السادسة صباحا وفي كل ليلة كان يحضر خالد فوزي لتوجيه المدفعية من عندي وفي ليلة هادئة جاءني جاويش الموقع بهجت .

وقال موقع البرن يقول أن شبحا ينط متنقلا بين الأشجار وذهبت إلى الموقع ووجدت شيئا يكسوا نفسه بأوراق الشجر ومشي ببطء وحذر شيدي وهو ينتقل من شجرة إلى أخرى وعندما قارب الموقع بحوالي ثلاثين مترا قلت له استعد ثم أمرته أن يضربه في رأسه دفعة (5 طلقات) فجاءت في رقبته فذبحته ثم أخذت أمر على المواقع وبعدها دخلت أستريح وحتى بدأ النهار ينشف نمت لمدة ساعتين .

وفي الثامنة صباحا خرجت لأجد الجثة أمام الفيلا التي كانت أتخذها مقرا لي وبسؤالي عنها قيل أنها جثة الأمس فقلت ولماذا جئتم به قالوا حتى نتفشه وجدنا معه لغما وبطارية إشارة تعطي لونيني وقلت لهم يجلب لنا الذباب والأمراض وبدون أن أقصد شيئا أو أفكر في شيء طلبت إحضار عربة من عربات البلدية وهي عبارة عن صندوق من الصاج القار وكالتي تسعمل عندنا في جمع القمامة من الشوارع وجئ بها ووضع بها زيت الطعام الذي لا يأكله المتطوعون وأمرت بإشعال النار تحتها حتى أخذ الزيت يغلي ثم وضعت الجثة وذلك ظنا مني أنها تجف فلا تجلب علينا الذباب ولا المر ض وأخفى بعض الأفراد الراس ونزلوا بها إلى بيت لحم وعلمت القيادة هذا الخبر واستاءت لحرق الجثة وسألوا عما إذا كان يوجد هناك جثث أخرى فقلت لابد من وجود جثث كثيرة داخل الزيتون وكان رئيس لجنة الهدنة في القطاع أمريكي برتبة ميجور صاغ وكثيرا ما كان يحضر للدير ويتناول معا الغذاء وكانت القيادة قد طلبت منه أن يتصل ب اليهود لوقف إطلاق النار لسحب جثث قتلاهم .

وكان طباله بك يقصد إحضار الصحفيين ومندوبوا وكالات الأنباء ليروا كيف نحترم جثث القتلى ونضعهاف مقابر وهم يحرقون الجصص ويمثلون بها وكان يقصد بذلك جثث الأخوة الستة التي وجدت في مسجد العصلوج بعد استردادها وحضر الميجر الأمريكي وأخبرنا بالموضوع وعندما سمعت الخبر أنزعجت وقتل ثائرا لن يحدث ذلك ونظر إلي الميجر منزعجا وقال للأخ العجيزي أنا أخاف من لحيته ففأرجو أن تلطب منه أن لا ينفعل أما ما أزعجني فقد كان عائدا من عند اليهود يحمل راد بأنهم هم اللذين يحملوا جثثهم قال الأخ العجيز الغريب أنك تنفعل بسرعة والراجل لما بيشوفك مكشر بيخاف منك مش تسمع هو ردة إيه وسكت .

وقال الميجر إذا كان عنده بوبي ترابس وهو نوع متعدد الأشكال والاستعمال ولكنه يقصد النوع المضغوط لوضعه ليلا تحت الجثث ثم قال وعندما يحضر اليهود لرفع الجثث فسينام جثتين أخريين بجانب كل جثويكو قعد عمل عملا كبيرا ولا داعي للانفعال وقلت له أنتم تساعدون اليهود وتدعموهم ضدنا فقال هذه سياسة الحكومة الأرميكية وليست رغبتنا فنحن نعرف طبيعة اليهود كما تعرفونها وربما أكثر فهم يسيطرون على المصارف المالية والشركات في أمريكا ودول أوروبا كلها ويستطيعون الحصول على مالم نستطع الحصول عليه كما أن لعبة السياسة الدولية في أيديهم كما أنهم محاورون وأنتم مغلقون فهم يقبلون القرار كما تقبلوه ولكنهم يعملون على خرقه وأنتم تعملون على احترامه وهو يعملون فيكم ذلك والنتيجة إدانة مصحوبة بكسب واحترام ليس له مقابل سوى الخذلان فما الذي تريدون أن نفعله لكم وما الذي سيحدث لو فعلتم مثلهم إن موقفكم لا يدل على أنكم راغبيت في تحقيق الهدف وفي نظر العالم كله ليس له تفسير سوى الضعف والتخاذل .

ولم أجد ردا على كلام الرجل ولكنه ترك في نفسي ثورة وحسرة، وقلت لعن الله السياسة وبعد عرض الموضوع على طباله بك رفض رفضا باتا وظلت الجثث بين أشجار الزيتون وفي ليلة 14، 15، 16 /10 سنة 1948 أشتد الضغط اليهود ي وكنت الضابط الوحيد الموجود بالقطاع وتعاون معي الأخ محمود العجيزي والأخ محمد عبد المجيد مشضالي ضابطا قوة الاحتياط والأخ خالد فوزي مدفعية وكنا نظن أنهم يحاولون سحب الجثث ولكن اتضح بعد ذلك أنها عملية ضغط على القوات المصرية في كل القطاعات .

وقد حدث ان انسحبت قوات الجيش كلها من أسدود حتى غزة وحوصرت قوات الفالوجا التي يبلغ عدد ثلاثة آلاف جندي وعرفنا أن الكفالة انقلبت نتيجة خضوع العرب لقرارات الهدنة ولكن الخطأ الأكبر يقع على الحكومة المصرية وهي الحكومة الوحيدة التي زجت بجيش مصر الذي كان أغلبه من الاخيتاط إلى داخل الأراضي الفلسطينية دون الجيوش العربية الأخرى التي وقفت الفيلق العربي الأردني الذي دخل لحماية حدوده الجديدة في ظل الانتداب البريطاني وبمعاونة بعض القوات العراقية وإعلان ضم الضفة الغربية أما سوريا فلم ترسل حتى متطوعين إلى الداخل ووقف فوزي القاوكجي لحماية الحدود اللبنانية بقوات متطوعين وأعطت العربية السعودية بعض قواتها للعمل تحت القيادة المصرية وفي 27/ 10/ 1948 احتل اليهود بير سبع وفر قائدها القائم مقام أحمد سيف اليزل خليفة إلى بيت جالا وهو مبنى كبير وبه عدد كبير من الغرف .

وأصبح الطريق مقطوعا بالنسبة لنا أيضا، أما طريق التمويني والذخيرة فكان يجلب عن طريق الطيران إلى مطار المفرق الأردني الواقع على الحدود الأردنية السورية وعلنيا أن نوصل منه جزءا إلى القوات المحاصرة بالفالوجا وفي هذه الفترة عاد الأستاذ محمود عبده قائد قطاع صور باهر بعد أن عولج من إصابته وذهب لبيب في أجازة إلى القاهرة أما عن الطريقة التي كان يتم بها تمويل وقوات الفالوجا فإن ذلك ليس من حقي ولكن ذلك حق الأخ معروف والأخ محمد عبد الغفار والأخ حسن الجمل وكل ما أستطيع أن أقوله أنني عرفت من الأخ اليوزباشي معروف الذي أصبح لا ينام أنه كان يفكر جاهدا في سحب قوة الفالوجا على دفعات حتى نتنفع بهذا العدد في المنطقة التي أصبحت في مواجهة اليهود بعد احتلال بير سبع وهي الخليل والضاهرية وذهب مع حملة تموين لإقناع قيادة الفالوجا ولكنه أسرع وعادت الحملة في هذه المرة.

قرار حل الإخوان

بدأت الحكومة المصرية برئاسة النقراشي باشا تتخذ إجراءات عشوائية خالية من التعقل والحكمة ضد الإخوان تمهيدا لحل جماعتهم والقضاء على رباطهم الإسلامي فأصدرت التعليمات إلى قيادة القوات بغزة باعتقالهم وتجريدهم من أسلحتهم وإخلاء المواقع التي يحتلونها ولست أعرف إن كانت هذه التعليمات قد وصلت إلى قيادتنا وقد أخفتها القيادة عنا تعقلا من القائد الرزين البكباشي عبد الجواد طباله أو أكتفت الحكومة بقطاع غزة الملاصق لحدود مصر وعلى أن طريقنا المغلق من بيت لحم مغلق من بعد الخليل حتى غزة وليست هناك طريق آخر سوى الطيران وأخلت قيادة القوات بغزة المرتفعات التي كانت يحتلها الإخوان بغزة وتفاهمت في تعقل مع الشيخ محمد فرغلي والأستاذ كامل الشريف على أن يبقى الإخوان داخل معسكراتهم بأسلحتهم ليتعاونوا مع القيادة إذا ما دعت الحاجة إليهم كما سبق ذلك أن أخطرت الحكومة عزام باشا أمين عام الجامعة بإلغاء فكرة كتيبة الإخون التي كانت تجهز من عشرة آلاف على رأسها فضيلة المرشد العام حسن البنا، .

وتم إخلاء كل المرتفعات وفي ليلة 8/ 12/ 1948 صدر قرار بحل جماعة الإخوان وحذر نشاطها وكان ذلك القرار أثر سيء على نفوسنا وقال الكثيرين من العسكريين أنه قرار خائن أصدرته جهات خائنة كما صدرت تعليمات أخرى للصحف بعدم الكتابة عن الإخوان بالجبهة أو مجرد التلميح وذلك لأن الحكومة تنوي الغدر بهم وإلصاق أرجالهم فيهم والغريب أن هذا البلد يجوز فيه كل شيء فلقد تعودنا أن نرى وعلى مدى الزمن الطويل أن ننام بقرار ونستيقظ بقرار كما سجن فيه يوسف البنى وعاد لبيب من الأجازة ليحكي لنا ما حدث.

وقال أنهم اعتقلوا الإخوان وذهبوا بهم إلى جبل الطور وانضم الأخ لبيب إلينا بمارالياس وأصبحنا ثلاثة لبيب والأخ كمال عامر وأنا وجلسنا ثلاثتنا لنوزع المهام بيننا واشتكى لبيب من الآم قرحة بالمعدة وقال أنا أستأذنكم إذا كان أحدهم يريد النزول في أجازة لأني مضطر أن أنزل الشهر القادم حيث خذ معي ما سنجمعه من الإخوان لاسر المعتقلين واتفقنا على أن يكون ليب قائدا لمارالياس وكمال عامر أركان حرب الإمدادات والتموين وأنا أركان حرب العمليات .

وفي اليوم التالي لقرار الحل شعر اليهود بأن المرتفعات التي كان الإخوان يحتلونها في قطاع غزة والنقب أصبحت خالية تماما .

ولم يعد يصدر منها ما يضايق وأصبحت لهم السيطرة على القوات المصرية لدرجة أنهم بدأوا يتجهون إلى سيناء لاحتلالها حتى وصلوا أبو عجيلة ومنافذ العريش ولكن القوات المصرية المتمركزة هناك تصدت لهم بكل قوة وردتهم على أعقابهم حمل الأخ لبي المبالغ التي جمعت من الإخوان وكان أغلبها من قطاع صور باهر حيث كل الإخوان هناك وسافر إلى القاهرة لتوصيلها للقائمين بتوزيع ما يجمع من مبالغ على أسر المتعقلين في مصر، وكان الاعتقال بهذه الصورة أمرا غريبا بالنسبة فلم نسمع من قبل أن حدث اعتقالا جماعيا على هذا النحو الذي أمتلأ به معتقلا الطور وهاكستب بكل هذه الأعداد، .

والذي كنا نعرفه هو اعتقال الزعماء السياسيين وعدد قليل ممن يعتبرون قيادات فرعية لهم وذلك بإيداعهم بسجن الأجانب الذي كان موجودا بميدان محطة مصر ب القاهرة وأثناء غياب لبيب كنت أقوم بعمله كقائد للقطاع بجانب عملي وتأخر لبيب.

وفي مساء 12/ 2/ 1949 نقلت إلينا إذاعات العالم كلة نبأ أغتيال المرشد العام حسن البنا وأخذت إذاعة مصر وجرائدها تموه عملية الاغتيال بتفسرات تخلق البلبلة في نفس الشعب وتوقع الخلافات بين صفوف الإخوان بالجبهة فيقتتل بعضهم مع بعض وفي المعتقلات لإيقاع الخلاف بين الصفوف ولكن الإخوان كانوا على وعي أكبر من ذلك كله وعرفوا المراد فقوتوا على الحكومة فرصتها وكانت النتيجة عكسية إذا انقلب تفكير الكثيرين من الإخوان كل على طريقته وذهبت إلى قطاع صور باهر لمقابلة الأستاذب محمود عبده ولكني لم أجده ووجدت الأخ يحيي عبد الحليم والأخ صديق ونجيب جويفل وتحدثت مع يحيي وقلت لابد من عمل جنازة صامتة في بيت لحم تليق بمقام الإمام الشهيد تسمع عنها الحكومة بالرغم من محاولاتهم الدنيئة وبأننا متماسكون كما أبلغتهم أنني سأذهب إلى القدس بعد غد لأطلب من إخوان القدس إقامة صلاة الغائب عقب صلاة الجمعة .

وفي اليوم التالي في التاسعة صباحا نزح كل إخوان صور باهر ورجال الجهاد المقدس إلى ميدان المهد بت لحم وفي طابور كبير يزيد على الألفين أيضا من أهالي بيت لحم مسلمين ومسيحيين والتقط بعض مندوبي الصحف العربة لتصوير الجنازة ولم يكن لدينا مراسلين مصريين في ذلك الوقت فقد تم سحبهم عقب استشهاد [[أحمد عبد العزيز[[ وذلك حتى تتكتم أخبارنا على الشعب تمهيدا لأكتمال المؤامرة التي بدأت باغتياله كقائد عمليات حرب وانتهت بحل الجماعة واغتيال رأسها معتقدين أن هذه هي النهاية.

وذهبت يوم الخميس إلى القدس مع مجموعة من الإخوان وقابلنا إخوان الصلاة طلب إمام المسجد من المصلين عدم مغادرة المسجد لتأدية صلاة الغائب على فقد الإسلام والعروبة الشيخ حسن البنا الذي اغتيال راسها معتقدين أن هذه هي النهاية.

وذهبت يوم الخميس إلى القدس مع مجموعة من الإخوان وقابلنا إخوان القدس ثم ذهبنا إلى المسجد من المصلين عدم مغادرة المسجد لتأدية صلاة الغائب على فقد الإسلام والعروبة الشيخ حسن البنا الذي اغتالته الحكومة المصرية وظل الناس جميعا حتى قضيت الصلاة.

وعدت إلى مارالياس، لقد حدث كل هذا ولم يعترض البكباشي عبد الجواد طباله على أيس شيء يحدث للتعبير عن مشاعرنا وكان يقول دائما مواسيا محتتنا هذا حقكم وأن ما أتخذ من جانب الحكومة يعتبر تعسفا بعد أن ثبت أنكم أنتم الذين رفعتم راس بلدكم وعروبتكم ببطولاتكم وعاد الأخ لبيب الذي قال أنه قابل فضيلة الإمام الشهيد قبل استشهاده بيومين..

الأجازة الثانية

وصلنا إلى عمان عصرا وكان معي ضابطا برتبة ملازم ثان مسيحي يدعى يوسف وكان قريبا لحمدي واصف وأخرج من شنطته كشف الأجازة ودهشت لعدم إعطائي الكشف لأني ملازم أول ولكني عرفت السبب بعد أن أطلعني على الكشف الذي وجدت به علامات حمراء أمام أسمى وبعض الأسماء الأخرى وقال أنه معه خطابا مغلق يشير إلى أن العلامات الحمراء تدل على الانتماء للإخوان المسلمين .

وفي الصباح ذهبنا حيث يوجد سيارتنا التي تحملتنا إلى المطار وهناك حملتنا طائرة مصرية طراز داكوتا إلى مطار ألماظة ومن هناك أخذت تاكسي حتى ميدان عبده باشا واستمر يوسف بالتاكسي ليذهب إلى منزله وبدخولي شارع عبده باشا لمحني حلمي ابن خالي فخرج من المحل وحجزني من مواصلة طريقي وقلت سأعود ولكني أريد أن أعرف بعض الأخبار واصر على حجزي قائلا أنت لا تعرف الوضع وسأخبرك بكل شيء ولم يتركني حلمي طيلة خمسة عشر يوما وهو يحاول أن يمرر القوت دون أن أشعر يملل ثم ذهبت إلى مطار ألماظة وصحبني حلمي حتى ركبنا الطائرة وكانت هذه المرة طائرة نقل كوماندور وصعد الطائرة في الجو وما أن غادرت الطائرة الأراضي المصرية حتى شعر الجميع ببرد شديد وكان معنا ضابط جيش أغمى عليه وخرج كل ما بمعدته وكانت الطائرة قد ارتفعت اخترقت السحب المنخفضة وعندما وصلنا إلى مطار المفرق حاول الطيار الهبوط ولكن مراقبة المطار نصحته بعدم الهبوط والعودة حيث تتعذر الرؤيا لأن الشبورة تغطي الأرض وعادت بنا الطائرة إلى مطار ألماظة وكان معي مجموعة من قطاع مارالياس وذهبنا جميعا إلى لوكاندة مصر بالعتبة الخضراء.

وبعد عشرة أيام قضيناها كلها في لوكاندة مصر حاولت فيها مقابلته بعض الإخوان دون جدوى فالكل في المعتقلات ذهبنا إلى مطار العريش لأن المندوب المال كان معه بعض المرتبات للقوات الموجودة ب العريش وذهب لتسليمها ثم عاد وأثناء وجودنا بمطار العريش عرفت أن الحكومة أعدت معتقلين أحدهما في العريش والآخر في رفح وأن الإخوان الموجودين في منطقة غزة داخل أحد الدولية وكنا في أواخر مارس سنة 1949 ورأيت أسلحة في أرض المطار قيل أنها أسلحة الفالوجا وكان فيها نوعيات ليست موجودة عندنا وكان أحد ضباط الفالوجا برتبة يوزباشي واقفا بجوارها ولما سألناه بعض الأسئلة قال هذه يا بهوات الأسلحة التي كانت معنا وكنا في أشد الحاجة إلى دبابات.

وقلت كلنا كنا في أشد الحاجة إلى دبابات هنا أسلحة لا يوجد مثلها عندنا، فنظر إلي محتدا وقال أنتم فين... قلت في بيت لحم، فقال أنتم دبابات مانعة أنتم عقائديون ومتطوعون.

وعاد المندوب المالي بعد أن سلم ما معه من مرتبات شهر إبريل وركبنا الطائرة ووصلنا مطار المفرق وفي المطار كانت نتظرنا سيارات النقل التي كانت تحمل التموين من المطار إلى بيت لحم وركبناها حتى وصلنا وذهبت إلى مارالياس.

لقد تمت اتفاقية رودس على حساب الإخوان والشعب الفلسطيني وأرادت حكومة [[النقراشي]ي بهذه الاتفاقية تأمين الحدود من هجمات اليهود لأنه ليس لدي النقراش قوات تسد الفراغ الذي حدث نتيجة اعتقال الإخوان ولم يكن الإخوان في اعتبارهم فتح جبهة داخلية فهم مشغولين في صد الهجمات اليهودية وتأمين طريق المواصلات والامداد والتموين للقوات المسلحة ولكن النقراشى لم يكن بالسياسي الذي يستطيع قياس الأمور ودراسة طبيعة العدو وتاريخ ليرى أن يكون التفاهم وتكون التسوية لتكن المواجهة في تصرفه هذا كان قد فتح على نفسه جبهتين ف اليهود بطبيعتهم لم يوفوا بعهودهم ولا اعتبار عندهم لأية اتفاقية أما الإخوان فقد اضطر البعض حيث تغيب القيادات داخل المعتقلات وباغتيالهم أمام الجامعة أن يعملوا من وحي أفكارهم وترك بعض الأخوة مواقعهم ونزحوا إلى مصر عن طريق سوريا و الأردن حتى لا يوضعون تحت المراقبة وتقابلوا مع بعض الأخوة ممن لم يعتقلوا وقاموا بعدة محاولات ضد رئيس الوزراء إبراهيم باشا عبد الهادي وريث النقراشي بعد اغتياله وهو الذي دبر اغتيال الإمام الشهيد.

وفي اليوم الثاني لعودتي من الأجازة أخذت أقول رأيي للأخ لبيب في صراحة بعد أن أخبرته بأن معتقلا في العريش ينتظرنا وآخر في رفح فقلت أنا لست على استعداد أن أدخل معتقلا بعد كل هذا، ولكن لبيب أصر على أن دخولنا المعتقل أمر عادي ولن نتمرد أبدا فقلت إذا كان ولابد فلن نسلم أسلحتنا حتى إذ ما وصلنا رفح أو العريش حاولنا الاتجاه ناحية الطور للإفراج عن إخواننا وضمهم إلينا ورفض ليبيب كل الأفكار واخترت أن لا أذهب إلى أي معتقل بعد أن أديت واجبي، .

وبدأت أفكر في بقائي بعد نزوح الإخوان إلى حيث يستقبلهم معتقلا رفح و العريش اللذين سبقهم إليها كتيبة الشيخ فرغلي والأستاذ كامل الشريف وسافر لبيب إلى مصر في أجازة طويلة لمدة شهرين ونصف وسافر في نفس افترة البكباشي عبد الجواد طبالة وحل محلة القائمقام أحمد سيف اليزل خليفة كما كان على أن أخل محل لبيب وفي هذه الأثناء بدأت أتحدث عن كيفية التخلف بعد رحيل القوات حتى أستطيع أن أضمن عدم تهيئة الجو المناسب وكان الأخ الحاج عبد اللطيف أبو قورة رئيس الإخوان في الأردن يمر علينا بين الحين والحين وكنت قد وضعت في اعتباري ثلاث أتجاهات:

الأول: أن أتفق مع جاد الله أن نظل في صور باهر على أن نعمل مكان القوات المنسحبة لتكملة الرسالة التي جئنا من أجلها.

والثاني: أن نعيش في الأردن على أن توجد لنا أعمال وأن نقوم بتقوية النشاط الإخواني هناك.

وأما الاتجاه الثالث: أن نذهب إلى سوريا التي تعتبر بعد مصر في النشاط وتكلمت مع جاد الله ورحب بنا كما أيد الفكرة وكان معي خمسة أفراد من مارالياس واربعة من قطاع كرمزان ثم حضر الحاج عبد اللطيف أبو قورة وعرضت عليه الأمر فرحب بنا كثيرا وكان الأخ محمود طويلة من إخوان العباسية بمصر يعمل على جهاز اللاسلكي بالسفارة المصرية في دمشق وحضر إلينا في بيت لحم في أجازة وعرضت الأمر لكي يعرضه على إخوان سوريا، وعاد بعد أسبوع ليقول أن دمشق في انتظاركم وبعد عرض الموضوع على إخوان الأردن عن طريق الحاج عبد اللطيف أبو قورة و إخوان سوريا عن طريق الأخ محمود طويلة أطمأنت نفسي وأبلغت الأخوة بما وصلت إليه وأعود إلى المواقع التي نتواجد فيها قبل الانسحاب.

مظاهرة في بيت لحم ضد جلوب باشا

وفي الصباح يوم من أيامنا الأخيرة وكان في ربيع سنة 1949 تلقيت إشارة كقائد لقطاع مارالياس بالنيابة كما تلقتها كل القطاعات أيضا ومضمونها كالآتي:

على كل قطاع أن يعطي تصاريحا لإثنى عشر جنديا على أن يكونوا في مظهر حسن وذلك بمناسبة زيارة جلوب باشا لبيت لحم وبلغ هذه الإشارة اليوزباشي حمدي واصف قائد الشئون الإدارية ودهشت لهذا الاهتما خصوصا بالنسبة لهذا الجلوب الذي كثيرا ما كان يخلق المشاكل بيننا وبين الأخوة بالقوات الأردنية عن طريق الضباط الموالين له لدرجة كادت تصل إلى الاحتكاك عدة مرات وفي سرعة قمت بعمل اثنى عشر تصريحا وجمعت خمسة وعشرون فردا وأدخلتهم في حجرة كبيرة بالدير وانتقيت منهم اثنى عشر وأعطيتهم التصاريح وأمرتهم بأن لا يتدخلوا في شيء ويستحسن أن يكونوا بعيدين وأن لا يدلوا أحد باي أسماء، أما الثلاثة عشر الآخرين فأمرتهم بحث الأهالي بعمل مظاهرة ضد جلوب وعلى أن لا يظهر أحد منم في هذه المظاهرة وركبوا جميعهم السيارة اللوري إلى بيت لحم وعلم بذلك صول من مجموعة الكتبية الثالثة .

وهم من غير الإخوان فذهب إلى بيت لحم دون أن يحصل على تصريح وفي الوقت الذي وصل فيه الجنرال جلوب باشا والمعروف بأبو حنيك قائد الفليق العربي الأردني مشارف بيت لحم وكانت الساعة حوالي العاشرة صباحا في ذلك اليوم قامت مظاهرة كبيرة تهتف بسقوط جلوب الخائن والعميل الصهيوني وعاد جلوب باشا دون أن يدخل بيت لحم واحتجت القيادة الأردنية على هذا التصرف وهاج القائمقام سيف اليزل وأمر بالقبض على الفاعليني من المتطوعين كما أمر اليوزباشي حمدي واصف واليوزباشي طه نصير قائد البوليس الحربي بالتوجه إلى بيت لحم لفض هذه المظاهرة وتنفيذ أمر بالقبض على المتطوعين ومن محاسن الصدف أن عددا من جنود البوليس الحربي كانوا موجودون في ميدان المهد عندما قامت المظاهرة فاشتركوا فيها الأمر الذي جعل الضابطين في حيرة ولكنهما والحق يقال أنهما تصرفا بحكمة وصرفوا الجميع ولكن الصول الذي سبق الإشارة إليه اسمه سيد عبد القادر قابلهم وأبلغهم أنه يعرف أسماءهم وأملأهم عشرة أسماء .

وقال أنهم من قطاع حسين أفندي حجازي بمارالياس وفي الساعة الحادية عشرة اتصل بي اليوزباشي حمدي واصف وأبلغني بالحضور على وجه السرعة وذهبت على الفور إلى مقر القيادة فوجدته ينتظرني في الشراع أمام الباب وم أن رآني حتى وضع يده على كتفي قائلا فيه عندك صول لازم تتصرف معاه لأنه هو الذي أبلغنا الأسماء المكتوبة في هذه الورقة وكان موجود ضباط أردنيين وقد أبلغنا سيف بك بأنك وضعتهم في الكركول تى يتم التحقيق معهم، وقلت له لا أستيطع أن أضع أحدا في السجن لمجرد أن صول غير مسئول وله أغراض دنيئة أملاكم ببعض الأسماء ولكني لا أستطيع أن أضع كل من قبض عليه، فقال إننا قلنا لسيف بك أنك وضعتهم السجن وأنا أقول لك حتى إذا سألك تقول ذلك وتصرف أنت على مسئوليتك والحق يقال أنه وقف جانبهم وكان يبلغني عن كل جديد أولا بأول.

وأعود إلى موضوع الاتصالات في حالة التخلف بعد انسحاب القوات

حضر الحاج عبد اللطيف أبو قورة وأبلغني أنه قابل الملك عبد الله وحكى له موضوع الاعتقال ورغبة بعض الإخوان في البقاء في عمان وأن الملك رحب بذلك وهو يريد بقاء أكبر عدد ممكن بأسلحتهم وكان وقع هذا الكلام كصاعقة حلت بي وقلت له أنا أملك السيطرة على كل الإخوان ولا يمكن للإخوان أن يفعلوا ذلك وأنا أكلمك أنت لا الملك وسكت برهة ثم قال أنا أقصد حمايتكم وقلت له أنا لا أطلب تسير وسائل الحياة وانصرف الحاج عبد اللطيف ولكنه عاد بعد أسبوع ليقول أنه أبلغ الملك ولكنه عرض أمرا آخر وهو الملك على استعداد لوجودنا في عمان على أن نعمل بالجيش الأردني ونفس الرتب التي نحملها وسنكون موضع رعايته أو نعمل مدنيين وتسهل لنا كل الإمكانيات وذلك مقابل أن أذيع بيانات يكتبها الملك بنفسه وتذاع بالإذاعة الأردنية على لساني وكان ذلك يحدث في هذه الفترة إذ كان هناك خلافا بين الحكومة المصرية والحكومة الأردنية .

وكان لسان حال الحكومة المصرية الأستاذ العقاد الذي كان يوجه للملك عبد الله إسماعيل باشا البلبيسي وهو أكبر رجل أعمال ب الأردن ولكنه مصري هاجر إلى الأردن وهو صبي وعمل بالميكانيكا حتى أصبح أكبر تاجر قطع غيار وكان صديق شخص للملك عبد الله الذي كان يكتب له ليرد على العقاد ورفضت ذلك أيضا وقلت للحاج أنت عاوز الحكومة تأخذ علينا فرصة وتجعلنا خونة وتقول للشعب الإخوان يتعاملون مع الملك عبد الله الذي خان القضية وتكون النتيجة أن تلطخ سمعتنا ويضيع كفاح الإخوان من أجل هذه القضية منذ سنة 1936 ويقولوا أننا نهاجم مصر ونسب مصر، إن جميع الحكام يستغلون وسائل الإعلام التي يسيطرون عليها دون الشعوب العربية.

التحقق في المظاهرة

كان قد مضى شهرا على المظاهرة ضد جلوب وطلب القئمقام سيف ايزل خليفة تشكل مجلس تحقق واراد اليوزباشي حمدي واصف أن يهيء لي الظروف التي أستطيع أن أخلص الأفراد العشرة من هذا المأزق فوضعني عضو يمين بالمجلس وفي يوم انعقاد المجلس أحضرتهم جيمعا ولقنتهم مايقولوه وتم تشكيل المجلس كالآتي:

الملازم أول احتياط: محمد عبد المجيد مشالي رئيس

الملازم أول متطوع: حسين أحمد حجازي عضو يمين.

الملازم أول متطوع: محمد كمال عامر عضو يسار.

شكل المجلس على هذا النحو وأثناء انعقاد المجلس اعترضتي على وجودي بالمجلس على أساس أن المتهمين ضمن القوة التي تعمل معي وأن الاتهام باطل في نظري لأن أحدهم لم يحصل على تصريح كما لم يقبض على أحد منهم الأمر الذي يدل على أن الذي أعطى الأسماء بغرض الكيد وطلبت من المجلس إيقاف التحقيق والاكتفاء بأخذ أقوالي تصحيحا للأوضاع ولكنه رفض واصر فجلست دون أن أتدخل .

وبسؤالي الأول والثاني كان جوابهم النفي وعدم العلم بشيء حتى هذه اللحظة ثم طلب مني أن أخرج خارج الحجرة حتى يحقق معي بعد انتهاء التحقيق .

وبعد سؤال اثنين آخرين وكان جوبهما كسابقيهما طلبت وقيل لي أن رجالك حافظين وتم أخذ أقوالي وبصورة من التحدي ولكن الله أعانني وقبلت التحدي الذي نصرني الله عليه وبعد أسبوعين أقامت كنيسة المهد بيت لحم حفل غداء واتصلت بي القيادة وطلبت مني الحضور ومعي أحد ضباط القطاع وأخذت الضباط متطوع والطالب بكلية الزراعة صلاح نصر وذهبنا إلى القيادة التي أركبتنا سيارات الجيب وكان من كل قطاع ضابطين ومما يؤسف له أنهم وضعو الخمور بجانب الأكل وكان المدعوون خليط م الضباط المصريين والأردنيين ومما أثار دهشتي أن الجميع شرب ما عدا الضابط المتطوعين بعد انتهاء الغداء أخذت صلاح وغادرنا المكان مسرعين تاركين اللهو لذويه .

ثم مضى أسبوعين آخرين وعاد كل من البكباشي طباله بك والآخ لبيب الترجمان ومع عودتهما كان معهما ضابطين هاربنا وهم اليوزباشي حسن معيط والملازم عزت فايد اللذان قبض عليهما وأعيد للتحقيق معهما وطلب مني أن يوضعا تحت حراستي وكان يقصد من ذلك التشديد عليهما ولكني أعتبرت ذلك إحراجا لي لأنني لم أتعود التشفي وبعد عودة طبالة بك بأسبوع طلبت أنا ولبيب بالقيادة لاستلام الأحكام وذهبنا ومعنا الباشكاتب الفلسطيني محمد سعيد الذي ذهب إلى أركان حرب لاستلام الأوراق ثم عاد متهللا لأن طبالة بك كتب على التحقيق الخاص بالمظاهرة ضد جلوب عبارة حفظ لعدم ثبوت أي دليل على إدانة المتهمين وأن هذه الأسماء كتب جزافا ويقصد النيل منهم .

ثم عدنا إلى مارالياس لنطمئنهم وفي هذه الأثناء رحلت قوات الإخوان بقيادة الأستاذ محمود عبده إلى معتقلات رفح وأخلى قطاع صور باهر تماما من حماته واتصل بي البكباشي عدب الجواد طباله وأبلغني أن قوة أردنية سوف تحضر لاستلام المواقع وسترابط بجوار الدير حتى يتم انسحابنا من موقعنا لتحل مكاننا .

ولم يكن لي أن أعترض ولكن في المساء حدث مالم يكن أتوقعه إذ حضرت مجموعة من الفيلق العربي الأردني يقودها عريف أردني أمباشي وعلى راسهم ضابط برتبة يوزباشي وشدوا خيمة بجوار الدير وصعد إلي الضابط وابلغني أنه حضر مع القوة التي ستتمركز مكاننا وسوف ينتظرون بجوار الدير حتى نترك الموقع وكانت المفاجأة المرة حين ذهب معهم إلى القوة القادمة وإذ بي أجدهم سبعة أفراد فيهم أمباشي ووجدت نفس أصرخ في وجه الضابط قائلا: أيحل محلنا سبعة أفراد؟ إننا ثلاثمائة معهم سبعة ضباط.

إن القطاع يمتد من صور باهر حتى بيت صفافا مارا بكامب العلمين يعني بطول اثنين كيلو متر طولي.

وأخذت أطوح في الخيمة بقدمي وعاد الضابط إلى القيادة ليشكوني وفي صباح اليوم التالي اتصل بي طباله بك وقال اسمع يا حسين إحنا ملناش دعوه إحنا عملنا الي علينا وهم أحرار أنت لا تتعرض لهم وقلت يا أفندمي هو ما جيش عندي تاني هو يشوف مكان على مقربة من الدير ويرابط به دون الرجوع إلي وانتهت المكاملة وبعد خمسة عشر يوما كنا على استعداد للرحيل .

وكان محمد الأمجد وعبد العزيز حماد وأحمد طاحون وأخ يدعى رجب قد سبقونا إلى عمان أما أنا ومجموعتي المكونة م عوض زعرع ومحمد عبد الغفار زين وحسين التلباني وسيد خليل فقد ذهبنا إلى صور باهر واختفينا عند جاد الله حتى تم انسحاب آخ جندي مصري من منطقة بي لحم ثم بدأنا التخطيط مع قوات الجهاد المقدس بصور باهر والتي تعمل بقيادة جاد الله لحماية القرية التي لم نجد بها جندي أردني واحد ولكن للأسف الشديد أننا صدمنا من أول يوم إذ وجدنا لجنة الهدنة ومعها ضابط أردني برتبة صاغ ذا شوارب كبيرة ويدعي عبد القادر بك والجنرال موسى ديان وكانوا يسلمونه المواقع التي كانت قد أعدتها وحفرتها قوات الإخوان بقيادة الأخ المجاهد الأستاذ محمود عبده الأمر الذي شق على أنفسنا وجعلنا نبكي لدرجة التشنج وأخذ عبد القادر بك يسبنا ويلعنا على أننا فلسطينيون خونة وذلك هو حال الدنيا حينما تتقلب ويصبح عقب على راس. واضطررنا إلى عمل هويات فلسطينية عن طريق الأخ الصديق الحاكم العسكري الأردني ب فلسطينٍٍ البكباشي كولونيل عبد الله بك التل والذي تعرفت عليه عن طريق شقيقه زكي التل الذي كان يعمل بالجيش أيضا .

كما أنه كان صديقا لأحمد عبد العزيز وكان أيضا يسهل مأموريات رجال الجهاد المقدس وهو الذي رتب معهم عملية نسف حارة اليهود بالقدس القديمة والتي كانت تحت حراسة إنجليزية وقد أحرجت هذه العملية (أبو حنيك) جلوب باشا الذي لم يثق في عبد الله التل ورأيت أن نرحل إلى عمان حتى لا ينكشف أمرنا ورحلنا فعلا غلى عمان وكانت المفاجأة أن الأخوة حينما وصلنا وجدناهم يعيشون مختفين ودهشنا لذلك .

ولكن عبد العزيز حماد أراد أن يوهم الأخوة بأن القيادة المصرية قد تركت بعض رجال المخابرات للبحث عنهم وفي المساء اجتمع بي الأخ الحاج عبد اللطف أبو قورة بمزله وكان معي عوض زعزع وبعد تناول العشاء أخذ يتحدث معي في أمور قد أثارها بعض الإخوان في حذر وكان منها أننا نحن المخابرات وسألت الحاج من الذي خطط معك مجئ الإخوان إلى هنا، فقال أنت والأخ عوض قلت ومن تصدق فينا قلت أنت الذي زكيت هؤلاء فقلت هذه صحيح ولكن كل كلامي كان خاصا بالأخ أمجد، قال هو الذي يثير لنا أكثر المتاعب فقلت والله لقد ضحك عليه عبد العزيز لقد حذرت الأمجد منه، فقال أنه سيتسقيم ومن هنا بدأت أفكر في الأمر، .

وبعد أن عدت وعوض إلى الأخوة وتحدثت معهم فيما حدث شعروا جميعا بالضيق وقال الجيمع نطرف الباب الثالث وهو التوجه إلى سوريا وتوجهنا فعلا إلى دمشق وقابلنا الإخوان ب سوريا ولكن الأخ عوض زعزع هو الذي كان يعرفهم ويعرفونه لأنه كان من الكتيبة التي تدربت في قطنة ورحل جميعهم إلى مصر عن طريق السفارة المصرية في دمشق وقابلت الأخ محمود طويلة بالسفارة وشرحت له الموقف وتعجب لما حدث وقال إنني حينما عرضت عليهم الأمر رحبوا به فكيف يكون موقفهم هذا وطلبت منه مساعدة الإخوان بالسفارة لي يذهبوا إلى مصر.

وظللت أنا وعوض بدمشق وكنا نتردد على مكتب الهيئة العربية العليا مع بعض الفلسطينين وكثيرا ما كنا نتناقش حول القضية الفلسطينية التي ضاعت أو تاهت في زحام الزعامات العربية وفي يوم حمي النقاش مع أميل الغوي رئيس المكتب بدمشق وقلت له لماذا لا يجمع هذا الشباب داخل معسكرات للتديب بدلا من تركهم يدورون في الشوارع دون عمل منتظرين المعونات الشهرية التي تصرف لهم فقال لي محتدا ولماذا يتدربون وعرفت أن الرجل لم يعجبه هذا الأسلوب فاراد أن يوقعني في إشكال .

وفعلا تركنا وخل حجرة ثانية واتصل بمكتب الأمن العام السوري وأبلغه أن إرهابيين من مصر موجودين بمكتبه الآن وأنهم يحملون هويات فلسطينية وفعلا حضر اثنين من رجال البوليس السري وتتبعانا بعد خروجنا من مكتبة الهيئة وفي الطريق اعترضا طريقنا وسالانا عن هوياتنا فلما تقدمنا إليهم بالهويات طلبا منا أن نذهب معهم إلى مكتب الأمن العام وذهبنا وهناك قوبلنا مقابلة طيبة ولما سئلت عن جنسيتي لم أنكر أني مصري ولكن عوض أنكر وأصر على أنه فلسطيني كان يتعلم في مصر وبعد مناقشة طويلة مع عوض بسبب إصراره أفراج عنا وفكرت من فوري أن أعود إلى عمان.

عدت إلى عمان فوجدت الأمجد قد ذهب إلى بيت لحم واستقر هناك للعمل في التجارة وعبد العزيز حماد ذهب إلى إربد واستقر طرف أحد رجال الأعمال الفلسطينيين من عائلة الدجاني وبقي في عمان أحمد طاحون ورجب في الحجرة التي كنا نقيم بها فوق سطحخ دار الإخوان وبقيت معهم في الحجرة ولما أرد أن أعرف سبب التفرقة أرسلت إلى الأمجد الذي يقيم في بيت لحم وطلبت منه الحضور إلى عمان ولما حضر قص علي ما حدث بينه وبين عبد العزيز حماد وكيف أن عبد العزيز تصرف بعض التصرفات التي كان من شأنها أنه اضطر إلى الذاب إلى بيت لحم حيث يرى أن مجاله هناك وطلب مني أن أذهب معه إلى بيت لحم وذهبت معه أنا وطاحون.

وفي اليوم التالي لوصولنا بيت لحم ذهبنا إلى بلدة الخليل ودخلنا مسجد الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام وصلينا به ركعتين وبعد مغادرته كان في أثرنا اثنين من رجال المخابرات التابعين للأردن وهما فلسطينيين وطلبنا منا التوجه إلى مركز البوليس وهناك وضعنا بالسجن وكان معنا الأخ عيسى من بيت لحم وعوملنا بقسوة على أننا جواسيس مصريين تركتنا القوات المصرية للتجسس على القوات الأردنية ولكن جنديا كان بالسجن محبوسا وهو من البدو إلينا يحمل صيية عليها غذاء خاص من كانتين السجن الخاص بالجنود .

وأخرى بها براد شاي وبعض الأكواب ودهشنا لهذا الذي حدث ولكن سرعان ما انفك بها براد الشاي وبعض الأكواب ودهشنا لهذا الذي حدث ولكن سرعان ما انفك اللغز وقال صاحب هذه الضيافة داخل السجن هذا أقل ما يمكن عمله ولولا أننا في سجن لجئت لكم بكل ما تحتاجون ثم أشار إلي قائلا إنما جئت لتحيتك لموقفك مع الضابط الذي كان معنا يوم أن طردتنا من مارالياس هذا الضباط ثم أخذ يسب فيه . وقال أنا العريف قائد الجماعة.

إنك لم تعرف كم كان سرورنا منك لأنك كنت على حق حين قلت له سبعة أفراد جئتم بهم لتسلموهم لإسرائيل والله أنك هبك على حق، ولما سألته عن سبب سجنه قال تشاجرت معه وضربته ثم حوكمت ودخلت السجن ميشان من أجل الضابط الملعون وعن طريق هذا الجندي الفطري بدا اتصالنا بحراسة السجن وفتحت الحجرات وبدأنا نعلم المساجين الصلاة ونعطيهم بعض الدروس وفي تلك الأثناء اتصل الحاج عبد اللطيف أبو قورة بالملك عبد الله وأوكل أمرنا محمد بك الفرا الذي كان يعمل رئيسا لبلدية الخليل في ذاك الوقت وقام باستجوابنا ثم أفرج عنا فورا وذهبنا غلى بيت لحم وأراد الإخوان أن ظل في بيت لحم ولكني خشيت كثرة الصدام لأن أحداثي كانت كثيرة في هذه المنطقة الأمر الذي جعلني معروف لكل الناس.

رحلت بعد ذلك إلى عمان ومعي أحمد طاحون وفي عمان تقابلت مع أخ من تلاميذ مرشدنا الشهيد حسن البنا وكان ضمن أسرة الأستاذ المهندس مصطفى مؤمن وكان يعمل مدرسا للثانوي في أربد وهي ثاني مدن الأردن هذا هو الشيخ عبد العزيز الخياط الذي كان له مدرسة إخوانية أغلبها من طلبته كما كان عدد كبير منهم من عائلة التل وطلب مني الشيخ عبد العزيز أن أصحبه إلي أربد فذهبت معه وفي أربد تعرفت على إخوان أربد وخاصة مدرسة الشيخ والواقع أنهم كانوا أنشط من إخوان عمان وأخذ الشيخ يوفدني إلى بعض الجهات التي يمكن عمل نشاط إخواني والواقع أن الفكرة كانت جيدة وأن سمعة الشيخ واسمه كانا يمكن أن يكونا لي سندا كبيرا في تلك الجهات النائبة كالغور مثلا فهي منطقة صحراوية .

وكان صاخب السلطان في هذه المنطقة أمير من أمراء البدو ويدعي الأمير محمد الصالح وكنت أنزل في ضيافة ابن أخيه الذي كان ينتمي إلى الإخوان ويدعي الأمير الظاهر حسن وترددت عليه مرات كما ذهبت أيضا إلى طول كرم ونابلس مسقط رأس الشيخ عبد العزيز وقابلت رجلا من رجال المفتي في طول كرم يدعي الحاج عبد الرحمن وأخذنا نناقش في المبادئ وبعد أن شرحت له مبادئ الإسلام التي ينادي بها الإخوان علانية ووجهة نظر الإخوان لإحياء هذه المبادئ والأخذ بها قال الرجل إنني أأيد هذا وسأعمل من أجله وكانت وسيلة التنقل بين هذه المدن سيارة لوري كان يعمل عليها أخ فلسطيني يدعى توفيق من طول كرم وكانت ملكا لابن عمه وكانت هذه التحركات بتوجيهات من الشيخ عبد العزيز.

كما ذهبت إلى السلط عدة مرات وقابلت الأخ محمد عبدالرحمن خليفة وكان يلقب بالأخ الثائر فقد كان شعلة من النشاط وحركة لا تمل كما أنه كان ساخطا على الأوضاع العربية المتردية ولم يكن يخفي ما يخالجه من شعور وإحساس بالرغم من مركزه الحساس الذي كان يشغله في الحكومة الأردنية.

ولكن كل هذه الأمور وكل هذه النشاطات تحتاج إلى إمكانيات كبيرة لم تكن في مقدور هؤلاء المتحمسين ولكن القيادات الموجودة في عمان والتي كانت تستطيع أن تقف ورائهم بإمكاناتهم كانت تحجم عن ذلك مكتفين بشرف الانتساب واحتفاظهم بالمراكز الكبيرة لأنفسهم ولا يهمهم أكثر من دفع الاشتراكات وأداء الشعائر والاحتفال بالمناسبات ولم يكن انتشار الدعوة في المدن والقرى يهم في شيء بالنسبة لهم، وجلست أفكر في الأمر فلم أجد بدا من الرحيل ولكن أين؟

قابلت الشيخ عبد العزيز وأخذنا نتدارس الوضع وعرف الشيخ أنني مللت الوضع وكان دائما يتحدث وهو مشحون بالآلام من تلك الأوضاع التي لا تصلح إلا في المضيفة.

قال الشيتخ عبد العزيز ليس في الأردن من يستطيع أن يتحرك في مجاراة الإخوان في مصر وأنت ترى الأخ محمد عبد الرحمن خليفة يجهد نفسه دون جدوى لأن الكبار الذين يحتلون المراكز لا يريدون التحرك ولا التخلي ولذلك أصبح صعبا، قلت ولكن الأخ الأستاذ عبد الرحمن خليفة يرى أنه مجهد ولا يستطيع وحده مواجهة هؤلاء فقال أعرف ذلك ولكن الأمر يحتاج إلى صبر ثم قال أرى أنك تريد أن تقول شيئا خاصا بك قلت نعم لقد مللت الوضع هنا ويصعب على أن أرى المتفهمين للدعوة مغلوبين على أمرهم.

وبادرني قائلا أرى أنك تريد العودة إلى مصر وقلت نعم فقال أعتقد أنك أحسنت التفكير وأرى أن تأخذ طاحون معك وأقنعت أحمد طاحون بالعودة وذهبنا إلى السفارة وأخذنا الفيزات لأنه لم يكن معنا جوازات سفر.

وتمت بذلك عودتنا لأرض الوطن عن طريق ميناء بيروت بلبنان حتى الإسكندرية ثم إلى القاهرة ... وعادت القافلة.

الخاتمة

القضية الفلسطينية... جذورها إسلامية.

إن القضية الفلسطينية ذات جذور موغلة في القدم فعلى ترابها قامت حروب عقائدية استمرت قرونا طوالا وحسب اللورد اللبني أنه كان مصيبا عندما وقف أمام قبر صلاح الدين مزهوا بانتصاره على جنود العثمانيين في الحرب العالمية الأولى وقال.. الأن فقد انتهت الحروب الصليبية .. والحقيقة دو ذلك فقد تتابعت الأحداث وسجلنا منها اللقطات التالية التي تشير إلى أن هذه القضية الفلسطينية إسلامية وستظل كذلك جذورها وساقها وفروعها وأوراقها بله ثمارها...

(1)- استبسل التاريخ عز الدين القسام في مقاومة للاحتلال البريطاني فشكل في أوائل الثلاثينيات الجماعة المسماة سرايا الجهاد التي رفعت شعار الجهاد والاستشهاد..

(2)- قاد مفتي فلسطين الحاج، أمين الحسيني الجماهير الفلسطينية في انتفاضته الشهيرة عام 1937 وكانت هتافاتها اليوم المصاحف وغدا المدافع...

(3) شد الأستاذ عبد الرحمن البنا الراح إلى المسجد الأقصى والتقى بمفتي فلسطيني سماحة الحاج أمين الحسيني وكنت تلك بداية لتأسيس فروع للإخوان المسلمين في أرض فلسطين.

(4) قام كاتب هذه الأسطر بإلقاء خطب سياسية في كل من حيفا ويافا وغزة والقدس عامي 1947، 1948 وقد حضر أخرها الإخوان الراحلان الصاغ/ محمود لبيب والحاج الفلسطيني يوسف بامية) وذلك لمساندة مرشحي الإخوان ومناصرتهم في انتخابات رئاسة البلديات هناك...

هذا وقد استجاب المرحوم علي علوبة باشا لاقتراح طلبة الجامعات المصرية آنذاك بضرورة قيام هيئة عليا لإنقاذ فلسطين وأن يتولى الشباب أمانتها وقد كانت تلك المهمة إلى كاتب تلك الأسطر واشترك فيها رجالات الأحزاب جميعا وكذلك الإمام الشهيد حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين سنة 1947..

(5)- الزيارات الميدانية لشعب بالضم أي فروع الإخوان والتي قام بها الأخ الدكتور سعيد رمضان في أعوام 47، 48، 1949 .. هذه الزيارات كانت لها آثارها الناجحة عقائديا وتنظيميا...

(6) – ولا مرية في أن حزب التحرير الإسلامي) الذي أسسه أخونا الشيخ تفي الدين النبهاني في حيفا عام 1952 وانخراط الإخوين خالد وعلي الحسن ضمن رجاله كان له أثره العميق على الساحة السياسية في أرض فلسطين.

(7) أن قيام جماعات التوحيد الديني برئاسة ظافر الشوا و (شباب الثأر، كان صلاح خلف أحد عمدها الرئيسية و (كتيبة الحق) التي أسهم خليل الوزير بدور بارز في قيادتها ثم قام تنظيم الشباب المسلم هي كل هذه الجماعات استمرارية للمد الإسلامي البدليل الذي ظهر عقب تعرض جماعة الإخوان المسلمين في مصر سنة 1954 وما بعدها لحملات البطش والقهر والإبادة الجماعية التي شنها عليهم الجبابرة الطواغيت لابسوا الأردية الصفراء على جلود الرقطاء.

(8)- والانتفاضة الإسلامية التي قادها الشيخ عبد الله نمر درويش من قرية كفر قاسم عام (1979) وما بعدها والأصداء العلية لها التي رددها ونظمها الشيخ أحمد ياسين في غزة عام 1984 عرضته وآخرين للصدمات الكهربائية داخل السجون الإسرائيلية التي ضاقت بنزلائها رجالا ونساءا وأطفالا.

(9)- عمليات مجموعة طارق وناصر حليس في القدس في أكتوبر الماضي وتزامنه مع أبعاد الشيخ عبد العزيز عودة من حي الشجاعية بغزة وانتسابهم جميعا إلى جماعة الجهاد الإسلامية أو سرايا الجهاد يعطي دلالة ذات مغزى....

(10)- أن نتائج الاستفتاء وتقصي الحقائق التي قامت بعثة التليفزيون الكندي والمقابلات التي أذاعها التليفزيون الأسترالي بالتعاون مع جماعة النجاح وهو في نابلس وطوالكرم وجنين كلها تؤكد على أن التيار الإسلامي في تصاعد وسموق وأن نحو ثلثي الشباب ينتمون إليه.

(11)- تقدم الإسلاميين في الانتخابات الطلابية بالضفة الغربية والقطاع أكدت تسامي وتعاظم قوتهم في الكليات الجامعية بغزة والخليل والقدس...

(12)- أن انتخاب رموز الإخوان المسلمين أمثال الدكتور عبد الله أبو عزة وعبد الرحمن الحوارني وفرض بصماتهما على أمانة سر المجلس المركزي له دلالته التي لا تخفي على ذي عينين .. ومن ثم فلا غرابة أن تكون الانتفاضة الحالية في مستهل عام 1988 إسلامية الهوية والمظهر والمضمون...

د. مصطفى مؤمن