مذكرات يوسف ندا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
من داخل الإخوان المسلمين
حقيقة أقوى الجماعات الاسلامية السياسية في العالم

يوسف ندا

مع دوجلاس تومسون

مقدمة يوسف ندا

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا كتاب وثائقي أردت منه أن يعكس بعض أحداث مررت بها وبعض فكر عشت له ولعل من يقرؤه يرى فيه خطأ فيتجنبه أو بناء لم يكتمل فيكمله وقد مارست الزراعة والتجارة والصناعة والعقار والتعليم والصحة والنقل البرى والبحري والبنوك وبلغ حجم أعمالي في بعض المراحل عدة مليارات من الدولارات ولم يكن لي أي مما مارسته أو بلغته هدفا لي ولكنها كانت وسائل استعنت بها لأبلغ الرسالة

كنت أهبط إلى الصفر وأعود وأبدأ من الصفر وكلما تنامت رحلة الصعود يأتي الحصار فإما يفرض علىّ الانحسار أو أضطر للهروب وأعود إلى الصفر أو تحت الصفر ولم أعرف اليأس ولم أقابله ولم أُدم الأمل ولم يشلني الفشل وأّيا كانت المصاعب التي واجهتها فقد كنت اعتبرها موجات تختبر إيماني فألوذ به حتى تنحسر وكلما هدموا على صرحا كنت قد بنيته من تحت أنقاضه أنفض الغبار وأستعين بالله وأبدأ مرة أخرى ببناء غيره

هذا الكتاب كتبه "السيد دوجلاس تومبسون" معتمدا على ما سمعه منى وقراءاته ومتابعاته وكان أمينا فيما ذكر وكنا قد اتفقنا أن يكون الكتاب بالإنجليزية والألمانية والاسبانية وقبل أن ينتهى الكتاب وبناء على أحداث الثورات والانتفاضات في المنطقة العربية قررنا أن ينشر بالعربية بعد الانجليزية ثم نتابع اللغات الأخرى وصدر الكتاب بالإنجليزية في أغسطس 2012 وتفضل الدكتور محمد فريد الشيّال بترجمته من الانجليزية إلى العربية

والدكتور الشيّال يعيش في لندن ومنذ سنين حصل على الدكتوراه من إنجلترا في التاريخ لأنه هوايته المفضلة رغم أنه تخرج في القاهرة مهندسا وكان أمينا في ترجمته وصحح لنا مشكورا بعض تواريخ الأحداث التاريخية

أنا لم احترف الكتابة ولم يكن في حياتي متسع لأكتب وكل ما استطعت أن أكتبه كان في تسعينيات القرن الماضي وهو ثلاثة كتب منها اثنان كُتبا بتوجيه من زعيمي اليمن الصامتين الصامدين الصالحين ابو مصعب محمد اليدومى وياسين عبد العزيز الكتاب الاول عام 1994 وهو بحث تاريخي وجغرافي عن "الحدود الجغرافية الدولية لليمن كُتب بالإنجليزية وأُهدى للدولة ولم ينشر واعتمدوا عليه في مفاوضات ترسيم الحدود مع السعودية "

والكتاب الثاني عن "السادة والوضع القانوني للجُزر في جنوب البحر الأحمر" كتبناه سويا بالإنجليزية أنا و "وجان دومنيكو بيكو" الذى شغل منصب رئيس المكتب السياسي لأمين عام هيئة الامم المتحدة "جافير بيريزدى كولير" وأهديته لرئيس اليمن في ذلك الوقت على عبد الله صالح بتوجيه من نفس الإخوة

وبناء على ما جاء فيه ربحت اليمن قضيتها ضد إريتريا في التحكيم الدولي على جزر حنيش وسقر ونشر عام 1996 والكتاب الثالث عن "تمويل المشاريع" وهو جزءان الاول تمويل المشاريع بالوضع المتداول وكُتب بالإنجليزية ونشر عام 1996 والجزء الثاني حسب النظم الإسلامية وهاجمتني الاحداث فلم أُكمله وكثير من مسوداته موجودة ولعلني أفعل إن كان في العمر بقية

ولعل من يقرأ هذا الكتاب يرى أننى لم أجامل بعض أصدقاء الإخوان عندما أشعر أنهم لا يستحقون هذه الصداقة دولا كانوا أو أباطرة فالجماعة الان في شبابها تسعى لإرضاء الصالح وهداية الطالح وتسعى للصداقة والرضا وتتجنب العداء والهجاء أما أنا فكهل يجهر بما يعتقده خصوصا وأننى الآن ليس لى صفة إدارية أو تنظيمية فى الجماعة وليس من العدل أن تتحمل ملايينها مسئولية أفكار لم تقررها قيادتها

إن أفضل ما أعتزت به بعد دينى وإسلامى أمران:

الاول: هو المتعلق بانتسابى لجماعة الإخوان المسلمين ورحم الله كل من ساعدنى لأنتسب لهم وزاد من حسناتهم وغفر لهم وأحسن مثواهم وألحقنى بهم فقد سبقونى بالإيمان وسبقونى جميعا إلى الله

والثانى: ما وجّهنى إليه قيادات الإخوان المسلمين للتحرك فى إصلاح ذات البين بين المسلمين

وفى هذا السبيل كنت أستلْهم أفكارا تستقطب الأطراف لتؤدى إلى صلح أو إلى مصلحة أو تمنع حربا أو تتفادى مجزرة أو تؤدى إلى نفاهم أو تمنع تفاقما أو توقف مظلمة أو تُعين على مكرمة لم يشغلنى ظلم ظالم ولكن همّنى نصرة المظلوم لم أستدرج لمبارزة المتنطعين ولم انثنى عمّا اقتنعت به يقين

لم أتحدث من قبل عمّا كنت أفعل ولكن عندما بلغت الثانية والثمانين من عمرى وبعد أن تناولت صحف وتلفزيونات العالم شخصى بقصص قليل منها صحيح وكثير منها خيال أو كذب قررت أن أتحدث ليس دفاعا ولا فخرا ولا استعراض ولكن قصدت أمورا منها:

  1. تسجيل تاريخى لا لبعض مافعلته ولكن ما وجهنى لفعله مرشدو جماعة الإخوان المسلمين الواحد تلو الآخر ورغم أنى قررت أن أكتب وأتحدث إلا أنى لا أستطيع البوح بأشياء كثيرة حيث كثير من الامور لا بد أن تذهب معى الى القبر لأسباب كثيرة ليس منها أى شىء شخصى ولكن حتى لايؤدى البوح بها لقلب ما أردته أن يكون إيجابيا إلى سلبى
  2. أن أحرك الجمود على الموجود فى الفكر المتوارث عند الإخوان لا لهدمه ولكن للبناء عليه وحسبى ألا يستطيع متنطع أن يدّعى أننى لست من الإخوان وهو منهم أوأن الإخوان قال عنهم إمامهم إنهم سلفيون أو صوفيون ويبنى على هذا القول نظرية واهمة – ما أرادها قائلها الشهيد الإمام البنا ولا عاش أو فكر بها خلاصتها أنهم يجب عليهم لأن يتوقفوا هناك حيث كانوا ولكن الإمام الشهيد حسن البنا كان فى تنظيره وعمله وجهاده وسيرته اوضح تفسير للمعنى بأن هذا كان تراثنا الذى يجب أن نُقدره ونحترمه ونبنى عليه ونتخطاه و نتجمد عليه – تماما كما فعل الاسلام عندما جاء تخطى وبنى على رسالة إبراهيم وموسى وعيسى ولم يتجمد هناك ولم يستدرج إلى ما تحول إليه تابعوهم من شِبع و أحزاب وأمم وأسباط يلعن بعضهم بعضا وكثرت مزاميرهم وتنوعت أناجيلهم وصوامعهم وبيعهم

لقد كرمنا الله بنعمة العقل وعندما أعطاه لنا يمنعنا من استعماله بل ولم يقل لنا فقط بل كرر وأمر : (أفلا تتفكرون) (أفلا تعقلون) (أفلا يتدبرون) (أفلا ينظرون) (علم الانسان مالم يعلم) ... فهلا نتبع ذلك أو نتوقف عند من كانوا يفعلون ذلك حتى القرن الثالث الهجرى ونستعير عقولهم ونظرهم وفكرهم وتدبيرهم لنستعملها فى غير عصرهم ؟ ! ورحم الله من علمونا أن الإخوان المسلمين يجب ألا يقتصر جهدهم على هدم الباطل ولكن بناء الحق وليس فقط درء المفسدة ولكن أيضا جلب المصلحة

والله يهدى من يشاء الى سواء السبيل

يوسف ندا

ذوالقعدة 1433 - سبتمبر 2012

مقدمة دوجلاس تومبسون

"العالم مسرح كبير وجميع الرجال والنساء مجرد ممثلين يدخلون ويخرجون والرجل منهم يلعب فى حياته أدوارا كثيرة وما أدواره إلا سبع مراحل لهذه الحياة" شكسبير كما تشاء إنه بهلوان فى الفكر واللغات وفى عالم يكتنفه الغموض نحتاج جميعنا إلى مترجمين ورسالة يوسف ندا التنويرية فى أبسط العبارات – وأكثرها – هى "عيشْ ودعْ غيرك يحيا" إنه يبحث عن العدل الشامل والديمقراطية ويخاطر بحياته فى كفاحه من أجلها

يوسف ندا مصرى يعيش فى المنفى ويقول لكل الناس إنه يتشرف بعضويته فى جماعة الإخوان المسلمين لأكثر من ستين عاما وهى أكثر "المنظمات" الاسلامية فى العالم العربى تاثيرا وقوة وإثارة للجدل

ومع سقوط الأنظمة الاستبدادية كقطع الدومينو أصبحت أمم كثيرة تخشى أن تشهد بلدان الشرق الأوسط صورة إسلامية لإيران أدى رحيل شاه إيران فى عام 1979 إلى عودة آية الله خمينى وإلى رد فعل هائل مضاد للغرب وبات من المفترض أن الأحداث تبشر بثورة إسلامية وفوضى عالمية أكبر فى القرن الحادى والعشرين

كان " مايكل هكابى " أحد المرشحين الجمهوريين للمراحل الأولى من الانتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة وفى خطابه الانتخابى للأمة الامريكية فى 30 يناير 2011 قال " إذا صح أن الإخوان المسلمين كانوا وراء كثير من الاضطرابات لوجب على كل شخص حى أن يقلق "

ولم يناقش أحد هذا التصريح علانية فمعظم الناس بطبيعة الحال لا يعرفون حقيقة الإخوان المسلمين وماهى جماعتهم أما " نيوت جينجريتش " المرشح المنافس على الرئاسة فى الانتخابات 2012 والرئيس السابق لمجلس الشيوخ الامريكى فيظهر معرفته بهم ففى فبراير 2011 اخبر شبكة تليفزيون C N N أن الاتصال بالإخوان المسلمين للمساعدة فى حل الأزمة المصرية فكرة سيئة وأضاف قائلا " الإخوان المسلمين عدو لدود لحضارتنا هم يصرحون بذلك علانية فالجهاد سبيلهم والموت منهاجهم "

ومن غير المستغرب أن تكون ليوسف ندا نظرة عقلية متزنة للأشياء على الرغم من أن آراءه تعد عند بعض الاسلاميين ثورية بل هرطقية فرسالته إلى المسلمين سُنة وشيعة والمسيحيين واليهود إلى الغرب والشرق إلى الرجال والنساء أن يعيشوا في سلام جنبا إلى جنب ويرى لدول البحر المتوسط أن تنشئ حلفا يستطيع من خلاله العالم العربي وأوروبا أن يبنيا معا مستقبلها :" إنه حل" على طريقة ماركو بولو " وهو يدرك ما الذى أحال العالم إلى ساحة تثير الهلع لي للاندفاع نحو الهاوية وجعل القلق ينتابه أربعا وعشرين ساعة مترقبا من الذى سيغمض عينيه أولا

بدأت أنا ويوسف ندا الحديث عن هذا الكتاب قبل بداية ما أصبح يعرف باسم " الربيع العربي " بفترة طويلة وبعد ذلك أمضيت عامين في جمع ملف من التحريات لأسرة مشهورة في المنطقة ثم أسرتني قضية الإخوان المسلمين وقصة مفاوضهم الدولي المبتعد عن الأضواء الرجل الغامض يوسف ندا

فحتى الان لم يزل هذا الرجل لغزا في قلب الغاز الشرق الأوسط مثله كمثل القطعة الأخيرة في أحجية تركيب الصورة من أجزائها المقطعة (وتسمى بالإنجليزية THE JIGSAW PUZZE) التي لم يضعها أحد في مكانها بعد صعب المنال كسحابة دخان تلوح في الافق وهو يجب أن يبقى كذلك فهذا أكثر أمنا لقد غيرت الأحداث من حياته كما سترون كان التوقيت مثاليا تعاوننا وبعد لقاءات تعارف خاصة واجتماعات كثيرة محصنا خلالها دوافعنا وملاءمتنا للعمل سويا بدأنا

لم يكن أي منا يدرى كيف ستعرقلنا الاحداث أو بما ستحبطنا خيرا كانت تزعجنا في بعض الأحيان لكنها كانت شيقة على الدوام أذكرأنى جلست مع يوسف ندا وهو يُستشار مرة عن الثورة في مصر وأخرى عن نهاية القذافي ويؤخذ رأيه باستمرار في البحث عن حل للمجازر في سوريا وكانت المشكلات في مناطق أخرى كالسعودية واليمن وإيران والعراق وإذا كان ليوسف ندا من فكرة تقود خطاه فهي أن مشاركة الإسلام السياسي في تسيير الشعوب الإسلامية الوحيد قُدُمَا نحو تأسيس الشرعية والديمقراطية

فقد يوسف ندا حرية إرادته الذاتية ونفى نفسه بعيدا عن مصر بعد ثمانية أعوام من إنشاء الكباش جمال عبد الناصر نظامه القوميفي 1952 ورجوعه إلى الثقافة الفرعونية لقد تصرف ناصر وخليفتاه المستنسخان منه – أنور السادات وحسني مبارك كالفراعنة وتوقعوا أن يعاملوا كالآهة

والواقع أنه على مدى ستين عاما من الفساد المستشري قامت طغمة عسكرية بنهب كل شيء كان على ضفتي النيل بكل ذلك كان الوقت يمر ببطء شديد لكن شعب مصر الذى يحمل لواء السياسات العربية بدأ يقاتل لا ستعادة حريته فشباب مصر وشباب الشرق الاوسط لا يهمهم استقرار الشرق الأوسط من أجل خدمة مصالح أمريكا وحدها وآمال العالم العربي الذى اصبح أكثر تعليما تتطلب تعاملا جديدا وأكثر حساسية

ويوسف ندا له رؤية قوية واضحة وصافية وهو لا يستطيع أن يعد بإجابات قاطعة لكنه يقدم حلولا ممكنة من خلال أفكاره وفلسفته التي عاش لها طول حياته سفيرا للعقل وصانعا للسلام وهو من حيث الامر الواقع كان وزير الخارجية على مدى ربع قرن من الزمان لجماعة الإخوان المسلمين التي تنامت عضويتها ليس في الشرق الاوسط فحسب وإنما في مواضع هامة في أمريكا والمملكة المتحدة وعبر أنحاء القارة الأوربية كذلك

وهو يصر على أن كل ما كتب تقريبا أو أذيع عن الإخوان المسلمين ليس صحيحا وقد اكتشف ذلك بشكل غير متوقع بعد الهجوم على أمريكا في 11 من سبتمبر عندما وجد نفسه في دائرة الضوء محصورا: هذا الرجل الذى كان يملك إمبراطورية من الاعمال التجارية قيمتها بلايين الدولارات الامريكية قد وصم بأنه ممول إرهابي عالمي وبذلك صنفته على قوائمها أمريكا ومجلس الامن التابع لمنظمة الامم المتحدة في نوفمبر 2001 لقد سماه الرئيس " جورج دبليو بوش " رئيس بنك القاعدة "

وهو كما قيل عنه علانية " عراب جميع الشرور " وظل حتى الان (سبتمبر 2012) على القائمة السوداء الامريكية على الرغم من ان مجلس الامن أزال اسمه من قائمة عام 2009 ولم توجه إليه تهمة ما مطلقا وفى أي مكان مهما كان وكل ما مر به أعده لمواجهة هذه الكارثة فقد عاش حياة فريدة خلابة وهو يتحدث عنها وتوحى إليه بحلول من أجل مستقبل العالم

وخلال ثلاث سنوات من تحقيقاتي وشهور طوليه من المحادثة وجها لوجه لم يتجنب يوسف ندا أي سؤال ولم يُجب إلا بكل صراحة ومن ثمة نستطيع ان نروى قصته من كلماته ومن الاحداث التي أجبرته مكرها على الخروج من الظل الى دائرة الضوء وهناك من لن يصدقوا ما يقول أو سيئولون كلماته أما أنا فسلكت في هذا الكتاب نهج مراسل ذي عقل مفتوح

ومنصف ولم اكن معلقا او مؤلفا ذا أجندة مسبقة – وقرأت عشرات الكتب الموجودة وكثيرا من المقالات والتصريحات الإلكترونية – من هذا الجانب أو ذاك المقابل له وتحدثت إلى أشخاص كثيرين بعضهم يعتقد ان الإخوان المسلمين يريدون أن يقتلونا جميعا ونحن في فُرشنا وآخرون يعتقدون أن الإخوان هم الوجه المقبول للإسلام وكلهم تقريبا يقرون بإنكار يوسف ندا لذاته فيما قام به من أعمال في حياته وأنا شديد الحذر فى الحفاظ على حياديتي

يصر يوسف ندا على أننا جميعا بشر وأعترف بأنني أعتقد أنه إنسان طيب وأمين لقد تركت يوسف ندا يشرح حياته وفلسفته بكلماته هو ما أمكنني ذلك فهي تعكس إلى حد كبير عزيمته في الحياة وبعض أفكاره حاسمة ففلسطين وإسرائيل لا يمكن أن توجدا كدولتين وعلماء المسلمين لم يستخدموا عقولهم منذ القرن الثاني عشر وانفراد بعض العائلات بحكم الدول المسلمة كالسعودية والإمارات وغيرها حيث يتوارثه أبناء هذه العائلات دون سواهم هو خيانة للإسلام والمسلمين والنساء المسلمات يستطعن التخلي عن النقاب مع احتفاظهن بحشمتهن وأن يشتعلن بالسياسة

كما يعتقد أن الذين يتمسكون بتفسير سلفي جامد للإسلام لا يستطيعون البقاء في القرن الحادي والعشرين وأن المتطرفين قد اختطفوا الشريعة والأمر المهم أن المسلمين يجب أن يتجنبوا العنف وأنهم يجب أن يعيشوا حياتهم في سبيل الله كما أنهم يموتون في سبيله يوسف ندا رجا لن يستسلم أبدا إنه رجل ينظر إلى الشيطان في عينيه ويظل محدقا حتى يغلق الشيطان جفونه – ولا يهمه في أي صورة يتنكر هذا الشيطان

دوجلاس تومبسون

القاهرة سبتمبر 2012

تمهيد

فئران الصحراء

"خير لك أن توقد شمعة من ان تلعن الظلام"

القاهرة نوفمبر 1954

تعثرت قدماه وهو يغادر القطار في محطة مصر حيث ينتهى الخط الحديدي الذى جلب على مدى نيف وستين عاما الركاب من الإسكندرية الى القاهرة سعيا وراء الفرص وطلبا للراحة من الأسرة والأصدقاء

ولم تكن هذه الراحة متاحة ليوسف ندا ذي الثلاثة والعشرين ربيعا إذ كان بقاؤه قيد الحياة يكفيه آنذاك وكان عند الشاب يوسف بعض الامل إذ كان الحارس الذى ربط القيد الحديدي معصيهما معا طوال رحلة القطار الجافة المتربة المكتظة أربع ساعات طوال يعرف أسرته ربما كانت هناك فرصة للنجاة ولكنه لم يراها في عيون الجنود الذين اقتادوه بغلظة من بيت اسرته في حيي لطيف مشجر من أحياء الإسكندرية

على مسيرة قصيرة بالأقدام من شاطئ البحر المتوسط ولم يراها كذلك في سلوك الحراس الذين يستعدون لأخذه هو ومعتقلين أصلب منه إلى السجن الحربى كانت الضوضاء عارمة وكانت صيحات الجنود الذين ابتلت قمصانهم من العرق ملؤها الغضب وتتردد أصداؤها في جنبات المحطة كزخات الرصاص

ربطوا الرجال إلى عوارض خشبية كالصلبان وجلودهم وجرحوهم بسكاكين صغيرة وتناثرت قطع صغيرة من اللحم هنا وهناك ورأيت حالات فظيعة ما زلت أقشعر لذكرها رأيت سجناء يصلبون ويُخصون والجذوات المشاعلة توضع فى كل جزء من أجسامهم أنقذت العلاقات المتشعبة لعائلة يوسف ندا حياته من موت محقق داخل المعتقل الحربى

لكن القصص التى يرويها عن ذلك المكان تجعلك تتمنى الصمم وتحاول أن تضع أصابك فى أذنيك عندما أخذ إلى عيادة السجن الطبية اكتشفوا وقتها وجود قطعة من الطعام زائدة كانت لأحد السجناء لكنه مات قالوا له : خذها يايوسف إلى الزنزانة رقم 13 ففعل وكانت الزنزانة مظلمة وسمع صوتا فيها يقول له : خذ الطعام إلى الزنزانة المجاورة فجارى يحتاجه أكثر منى ....

وعثر على مصدر الصوت ملقى على الارض لم يتبين يوسف سوى عينى الرجل الحمراوين وفمه الدامى من بين سائر جسده الذى شوهت الحروق جميع أجزائه حتى بات من الصعب التعرف عليه وردد الرجل قوله : إنه يحتاج أكثر منى وأخذ يوسف الطعام إلى الزنزانة المجاورة وكان ثمة بقايا رجل آخر التهمت الكلاب الجائعة كل مابين ساقيه

هذه الوحشية أصبحت جزءا من نظام الحياة فى مصر بعد استيلاء البكباشى جمال عبد الناصر على السلطة فى أعقاب ثورة 1952 كان يخشى أن يفقد السيطرة وأن يخسر قلوب المصريين وعقولهم أمام الإخوان المسلمين الأكثر شعبية فكان رد فعله هو إزاحتهم عن الانظار وهكذا امتلأت السجون بأكثر من 300 ألف عضو من جماعة الإخوان فى السنوات الاولى من عهد عبد الناصر

قال يوسف ندا:

" قبل الانقلاب قال عبد الناصر إنه سوف يعيد الاسلام إلى المجتمع ولن يخالف الشريعة لكنه عندما وصل إلى السلطة بدأ بضرب الإخوان المسلمين وأقام نظاما دكتاتوريا وبدأ الصدام كان الإخوان المسلمون أقوياء ولكى يقضى عليهم كان عليه أن يجد لذلك سببا وهكذا فعل"

حظى يوسف ندا بوالدين بارين حفظاه من أن يذهب ضحية من ضحايا مصر فى عهدها الجديد فعندما كان فى المعتقل عانى آلاما فظيعة من التهابات الزائدة الدودية واستطاعت عائلته عن طريق صلاتها ان تنقله الى المستشفى العسكرى ومع هذا كانت الإجراءات الأمنية مشددة خاصة مع تملك شعور الارتياب على سلطات السجن

" كان حراسنا يشملون فريقا من السجن الحربى ومجموعة من المخابرات الحربية تراقب عملهم ومجموعة اخرى من جهاز المباحث وثالثة من الحرس الجمهورى كنا بمعزل من السجن الرئيسى وكان هناك كثير من الاشخاص من أسر العسكريين يحضرون إلى المستشفى لعيادة مرضاهم وقد تستطيع الحديث معهم أحيانا وقد يوافقون على الاتصال بعائلتك وتوصيل أخبارك إليهم "

" وانضم إلينا ذات يوم أخ فى غاية الاضطراب وحاولت أن أهدى من روعه فقلت له إن الاطباء سوف يعتنون به وإنه سوف يتمكن من الاتصال بأسرته فدهش من ذلك وسألنى : هل يمكن أن أرى أبى وزوجتى وأبيها ؟ فأجبته بنعم ثم سألته هل من الافضل له أن يلقى كل واحد منهم على جدة أو أن يراهم مرة واحدة مجتمعين ؟

فنظر إلى ثم أطرق برأسه وقال : بل أفضل رؤيتهم معا كنت أحسب أنه ربما أحب أن يلتقى بزوجته بمفردها ثم يرى ويتحدث مع أفراد أسرته كل على حدة لكنه نظر فى عينى قائلا : لم أعد رجلا لقد استاصل الجلادون من جسده فحرموه من خصائص الرجولة ورأى من واجبه أن يطلق زوجته لقد ضاع منه كل شىء لانه عارض الدكتاتور لن أنسى أبدا هذا الرجل لو أن ماجرى فى ذلك السجن حدث لأقل الحيوانات وأقربها للهلاك ما استطعت نسيانه البته "

لن تعد حياة يوسف الى حالتها الطبيعية بعد ذلك أبدا وأّنى له ذلك ؟ ! كانت تجربة غير عادية لقد شاهد – وسمع – الرجال وهم يُعذّبون إلى الحد الذى لا يستطيعون عنده سوى " الاعتراف " لم يتبق لهم من كرامتهم شىء العائلية وتجاربه فى تكوينه الوقور

عندما كان يوسف فى السجن اعتقلت الشرطة العالم المعروف محمد القراقصي وكان فى الثمانين من عمره وحالته الصحية سيئة ورغم ذلك وضعوه فى السجن كان القراقصى يرتدى نظارة طبية سميكة يرى بها الشىء القليل وبصورة مهزوزة وكان الحراس القساة يتخذون من عجزه مادة لألعابهم كانوا يضربونه بالسوط من ورائه ويسألونه أن يدُلهم عمن ضربه ومهما كانت إجابته يعتبرونها خاطئة وبناء عليه يعيدون ضربه مرة أخرى ورغم هذا التعذيب اليومى كان الرجل يدعو للرجل الممسك بالسوط قائلا : متعك الله بالصحة يابنى "

كان الشاب يوسف ندا يغضب من هذا القول ويقترح على الشيخ ان يدعو الله أن يشل يد جلاده أو يكسرها وهو بهذا يتخذ موقفا بين التسليم بما يحدث والثورة عليه ولكن محمد القراقصي ضحية هذا التعذيب الهمجى كان يتطلع إلى يوسف من خلال عدساته السميكة ويقول : يابنى يايوسف ماذا أستفيد إذا شُلت يد الرجل ؟

هل نسيت آيات القرآن عن العفو والصفح ورغم مرور السنوات الطوال ما زالت عينا يوسف تدمعان كلما روى هذه القصة : " كان الشيخ يبتسم وهو يقول لى : يا يوسف هل أنت أحمق أم مجنون ؟ ماذا أكسب إذل غُلت يداه وماذا أستفيد إذا كُسرت رقبته ؟ ربما يُحسن الله إليه فيتغير ويلحق بالآخرين فيصنع شيئا فيه خير للناس وللإسلام "

"ونظرت إليه نعم ! أحدنا مجنون إما هو وإما أنا ورغم كل ما أصابه لم يغير موقفه ظل يريد الخير للآخرين كان الشيخ أكثر نقاء منى وكان هذا درسا لا يُنسى " وكان فى المعتقل مع يوسف والسجناء السياسيين الآخرين بعضُ عتاة المجرمين وأكثرهم خطورة .

" فالسجن قسمان قسم لعامة السجناء والقسم الآخر للسجناء الخطرين تحت الحراسة المشددة الذين حكمت المحاكم العسكرية على كل منهم بالسجن لاكثر من مئة عام ولم يكن لديهم ما يحرصون عليه وكان الحراس يأخذونا مرة كل أسبوع إلى الفناء لنغسل ثيابنا فى حوض مشترك طويل يه صنابير كثيرة كان الوقت المسموح به قصيرا للغاية

فكنا نتعرض لكثير من الدفع والإبعاد ولم أكن معتادا على مثل ذلك واصبحت على حذر – وحتى الجنود كانوا خائفين من اولئك الرجال الذين سيبقون فى زنازينهم حتى يدركهم الموت وذات يوم ركلنى أحد السجناء بحذائه وقال لى : أنت لا تصلح لهذا العمل دعك منه وسأكفيك إياه هذا العمل ليس لك قالها وهو يضحك والحق أننى خفت فاستطرد يقول : أنت لا تعرفنى لكننى أعرفك جيدا إنك يوسف  ! "

"كيف عرفت من أكون ؟ هل جاء ليغتالنى ؟ جال هذا الشك فى خاطرى قبل أن يبادرنى بالشرح : لقد عملت عند ابيك أكلت عنده عيش وملح وكانت أمك دائما ترسل إلينا الطعام وإلى أُسرنا"

"حمانى ذلك السجين الخطر وساعدنى لقد تذكر عطف أبوى عليه عندما رآنى – تماما مثلما فعل الجندى الذى أوثق قيد معصمى إلى القطار كانت أمى ترسل له الطعام أيضا فطلب منى رقم هاتف أبى وأخطر أسرتى بمكانى عندمنا مثل شعبى فى مصر يقول : أعمل الخير وارميه فى البحر مصيره يرجع لك يزم

وجهات نظر عالمية

تقارير إخبارية

نيويورك تايمز

القاهرة 3 من يناير 2012

مع اقتراب الإخوان المسلمين نحو تحقيق أغلبية واضحة فى برلمان مصر الجديد بدأت إدارة الرئيس الامريكى أوباما تتخلى عن عقود طويلة من العداء وانعدام الثقة فى سعيها لإنشاء علاقات أكثر اقترابا من الجماعة التى رأت فيها يوما أنها معارضة لمصالح الولايات المتحدة ولا يمكن التصالح معها

إن مقترحات الإدارة – بما فى ذلك اجتماعات على مستوى عال فى الاسابيع الاخيرة – نُعد تحولا تاريخيا فى السياسة الخارجية التى اتبعتها الحكومات الامريكية المتعاقبة التى دعمت بثبات حكم الرئيس حسني مبارك الاستبدادى وذلك يرجع إلى حد ما لتخوفها من الأيديولوجية الاسلامية للاخوان ولعلاقتها التاريخية بالعسكر

والتحول فى أحد مستوياته إقرار بواقع سيأسى جديد هنا وفى المنطقة من حولنا بطبيعة الحال مع وصول الجماعات الاسلامية إلى السلطة ففوز الإخوان بنصف المقاعد تقريبا فى الجولتين الاولى والثانية من الانتخابات التشريعية فى البلاد جعلهم يدخلون الجولة الثالثة والأخيرة يوم الثلاثاء

وعندهم الفرصة للحصول على أغلبية واضحة مع وصول الاقتراع إلى مناطق تعد من مراكزهم القوية منذ فترة طويلة والتحول الامريكى يعكس قبول الحكومة المتزايد للتأكيدات الإخوانية المتكررة بان مسئوليهم يريدون بناء ديمقراطية حديثة تحترم الحريات الفردية والأسواق الحرة والالتزامات الدولية بما فيها اتفاقية مصر مع اسرائيل وغن أعلنت ضرورة تعديلها

ذى إيجيبشن إند بندنت

القاهرة الاربعاء 18 من يناير 2012

وفقا لبيان من الإخوان المسلمين " قامت السفيرة الامريكية فى مصر " آن باترسون " فى اجتماع لها مع الدكتور محمد بديع المرشد العام للاخوان بتهنئة حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين على فوزه بغالبية المقاعد فى مجلس الشعب وأضاف البيان أن السفيرة أكدت للدكتور بديع أن الولايات المتحدة تتطلع الى التعاون مع الحكومة التى سوف يختارها الشعب المصرى

وقال بديع إن الحكومات الامريكية المتعاقبة قد حكمت على الشعوب من واقع تصرفات حكامها الطغاة ودعمت بعض الطغاة مما جعل شعبيتها تنخفض لدى مواطنى هذه الشعوب الرازحة تحت الحكم الدكتاتورى وقد حث المرشد الولايات المتحدة عل استعادة مصداقيتها خاصة فيما يتعلق بالصراع الاسرائيلى الفلسطينى وأقرت " آن باترسون " بأن الولايات المتحدة قد ارتكبت " بعض الاخطاء " وطالبت بالتعلم منها حتى لا يتكرر الوقوع فيها مستقبلا

الكتاب الاول: مالا يصدقه العقل

" ‘ذا كنت على صواب فسيقول الألمان عنى إنه كان المانيا ويقول الفرنسيون إنه كان يهوديا أما إذا كنت على خطأ فسيقول الالمان عنى كان يهوديا ويقول الفرنسيون إنه كان المانيا" البرت أنيشتين 1922

الفصل الاول: ميلاد أخ

" رجعت ورايت تحت الشمس أن الفوز فى السباق ليس للأسرع وليس الفوز فى المعارك دوما للأقوى ليس الخبز للحكماء وحدهم وليست الثروة حكرا على الاذكياء ولا الفضل للماهرين فحسب وإنما يلقى جميعهم الشهرة والفرصة" العهد القديم – سفر الجمعة 9: 11 الإسكندرية 1948

مثلما يحدث عادة بدأت المشكلة بشى تافه شجار بين صبيين ثم انضم إلى كل منهما بعض أصدقائه وأخذت الاصوات تعلو من الفريقين ويزداد الغضب وسرعان ما تبودلت اللكمات وبدأ القتال ووجد يوسف ندا ذى السبعة عشر ربيعا نفسه وسط هذه المعمعة فى ركن الشارع القريب من منزل أسرته

وظهرت بعض السكاكين ولمعت أنصالها فى الشمس وأصبح القتال مميتا كيف يساعد على إيقافها ؟ أراد ذلك لكنه امتلأ خوفا عندما صعدت الاطراف المتقاتلة من عنفها ضاقت دائرة القتال من حوله لكنه لم يستطع مغادرة موقعة كان متسمرا في مكانه بين ذلك الشعور الخطر الفضول والترقب ولحظتها كان اكثر من أربعين شخصا من أبناء الحى مشتركين في القتال ظن الفتى أن الشرطة سوف تصل في أي لحظة

لكن لم يكن ثمة ما ينبئ بذلك لم يستمع أحد صوت أبواق سيارات الشرطة واستمر القتال حتى ظهرت مجموعة جديدة من الشباب أخذت تفصل بين الطرفين المتناحرين وبدأت تُباعد بين المتقاتلين محتضنة بعضهم متلقية بأجسادها اللكمات الطائشة وشيئا فشيئا ببطء وباستخدام كلمات وتحركات مهدئة للخواطر أعادت المجموعة الوافدة الهدوء بين الجمع المقتتل وانبهر يوسف بما رآه كان الامر لديه ضرب من المعجزة في لحظة كان من في الحشد يحاول أن يقتل بعضهم بعضا وألان يتحدثون معا

كان وسطاء الخير هؤلاء من الإخوان المسلمين وعندما يسترجع يوسف أحداث ذلك اليوم يتذكر " أن الإخوان أخذوا يتحدثون قائلين للمتشاجرين إنهم جيران وإنهم كالأسرة الواحدة وذكروهم بالأخلاق والقيم المرتبطة بالدين واستشهدوا بآيات من القرآن وأحاديث الرسول وهدأت النفوس سأل الإخوان الرجال المتقاتلين عما كان سيحل بأطفالهم إذا ذهبوا هم ضحية الاقتتال من الذى سيرعى أسركم من بعدكم ؟ وذكروهم أن معظم النار من مستصغر الشرر تكررت هذه العبارة مرات على مسامع يوسف فالسر يكمن إذن في منع الشرارة – وإلا كان علينا أن نواجه النار

" كنت أعرف عن الإخوان من مركزهم القريب من بيتنا ومن النشاطات التى كانوا يحيون بها المناسبات الدينية ولكننا كنا نحيا حياة مختلفة كان الاتجاه العام لدى جميع المصريين هو وجوب احترام الدين فى ذلك اليوم سمعنا الاذان ينبعث من الامام الذى أم جماعتهم وعقب الصلاة توجه إليهم بحديثه فاختار آيات تتحدث عن الاخوة والرحمة وحسن معاملة الآخرين وتجنب الاقتتال بين المسلمين (وإن طائِفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) الامر جاء بالإنصاف والعدل على الدوام (فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين)

وقد وعى الجمع الذى كان يقتتل منذ برهة ما حدثهم به الامام واستوعبوا الدرس ثم طلب الامام من كل واحد منهم إذا كان محبا لربه ولدينه أن يستغفر الله ويعانق خصمه ففعلوا ذلك ثم شربوا الشاى جميعا وهم سعداء " " أما أنا فكنت كمن يسمع نشيدا مؤثرا لقد شاهدت فلسفة حية "

" وتساءلت من هؤلاء القوم ؟ وكانت هذه البداية ذهبت إلى المركز حيث تحدث معى اثنان أو ثلاثة من الإخوان وقالوا إنهم يرحبون بزيارة الجميع لمركزهم كما يوجهون الدعوة للحضور يوم الثلاثاء لسماع كلمة أحد زعمائهم من القاهرة الاستاذ محمد فريد عبد الخالق الذى سيزورهم حينذاك وقد ذهبت يومها وكان المتحدث ذكيا وجياش العاطفة

وطلب منى أحد الاعضاء القدامى أن أساعده فى فعل خير فقد علم أن والد محمود أحد زملائى فى المدرسة أصيب بالشلل فى حادثة وكانت الام تعمل لتعول الاسرة لكنها مرضت بدورها ولم يعد لدى الاسرة دخل وطلب منى أن أحمل إلى السيدة مالا على شرط ألا أبوح لها بمصدره وكان درسا عمليا تعلمت منه كيف اساعد فى صمت دون ان أمس كبرياء أحد بدأت حياتى مع الإخوان المسلمين بهذا اليسر وتحدثت عن ذلك إلى أسرتى فلم يشجعونى إلا أنهم لم ينهونى عن ذلك قط "

كان مصطفى على ندا والد يوسف ونعمات أبو السعود والدته محل احترام مجتمعهم وقد نجحا فى تربية وتعليم كثيرة الاطفال ولد يوسف وترتيبه الرابع من بين أحد عشر طفلا رزق بهم والداه فى الإسكندرية فى 17 من مايو 1931 وكان مصطفى على ندا يملك مزرعة ومصنعا لمنتجات الألبان وسوف يُعينه ابنه فى تشغيلهما كان الوالد هو عائل الاسرة اما الوالدة وإن توفيت فى شبابها للأسف فكانت تمسك بدفة الاسرة وكانت لها بمثابة العقل المدبر كانت دائما تتوخى كل ماهو صحيح كان عليها ان تعتمد على حُسن تقديرها عندما استخدم رجال الامن عبد الناصر زوجها وابنها صبحى الطالب بكلية الهندسة والأصغر من يوسف كرهينة للإيقاع بيوسف الذى كان شابا عاقلا

بدأ يوسف تعليمه فى مدرسة الرملية الابتدائية واستمر بها حتى دخل مدرسة الرمل الثانوية كانت هوايته حضور جلسات المحاكم فى المدينة كان مبهورا بالمحامين ومرافعاتهم – وكيف كان أحدهم يُقدم أدلته ويأتى محامى الخصم فيعارضها وكيف كان القاضى يواجههما بنقاط القانون الفنية يقول يوسف عن هوايته

" تعلمت من كل ذلك كيف أفاوض وكيف أطرح أفكارى " " كما تعلمت أن أدرك ما يرمى إليه الاخرون قبل أن يختموا حديثهم كنت لا أزال فى الثانية عشر من عمرى عندما بدأت الذهاب إلى المحكمة وواظبت على الذهاب بينما كان أصدقائى مشغولين بلعب كرة القدم أو الذهاب الى اينما كان اهتمامى منصبا على عالم القانون

" كان فى ذلك الوقت نوعان من المحاكم محاكم للمصرين وأخرى للأجانب فى أثناء الاحتلال البريطانى لمصر كان البريطانيون لا يقبلون أن يمثل أحد من مواطنيهم أما محكمة مصرية إذا خالف القانون زُورت المحاكم المصرية – أما المحكمة المختلطة فكانت للأعداء كانوا يطبقون معايير مزدوجة وعندما أحاول اليوم تحليل سلوكى آنذاك أستعيد صور الماضى لأعرف كيف بدأ هل كانت بدايته من المدرسة أو من الأسرة ؟ أعتقد أنها جاءت من رؤيتى للظلم فى المحاكم "

غير أن يوسف وإخوته كان لديهم بعض الحرية في حياتهم " كانت الطريقة التي رُبينا عليها تمنحنا الحرية كنا نُنصح بفعل هذا وعدم فعل ذلك كان يُقال لنا إن شخصا ما طيب لأنه تصرف بطريقة معينة كان أبى مشغولا للغاية وقد علمتنا أمي كيف نُسير حياتنا "

" كان أبى يملك مزرعة للألبان يعمل بها نحو خمسين عاملا لإنتاج ألباننا ولجمع الالبان من مزارع أخرى في العطلات والإجازات المدرسية كنا نذهب ونحن أطفال مع العمال إلى مزارع بعيدة ونشاهد كيف يحلبون الابقار والجواميس كنا نمضى مع هؤلاء الرجال اليوم كله فعلمنا كيف كانوا يفكرون وكيف يتصرفون وجعلني هذا أفهم كيف يعيش الآخرون وكيف يأكلون ويفكرون لم أنشأ في فراغ " لقد ربطت هذه التجارب بين يوسف ندا وأبناء وطنه

بدأت جماعة الإخوان المسلمين في مصر 1928 كحركة اجتماعية وثقافية أسسها مدرس اسمه حسن البنا ومعه ستة عاملين في شركة قناة السويس أقيمت الجمعية على أسس من المبادئ الإسلامية الإنسانية لكن خصومها سرعان ما وصموها بالشر وتعرض الإخوان للسجن والتعذيب والموت وبالضرورة دفعهم هذا الاستفزاز الى العمل السرى بينما كانوا يزدادون في هدوء عددا ونفوذا

وعندما التحق يوسف ندا بالإخوان المسلمين كانوا يعيشون في بيئة معقدة كانت الحرب الباردة تزداد شدة كل يوم كان المحتلون البريطانيون يحصرون اهتمامهم في أحداث بعينها مركزين على الخطر الشيوعي الذى يتهدد الشرق الاوسط وعلى التحكم في قناة السويس كان الملك فاروق يزداد سمنة وأصبح بحجمه المتضخم يخيم بظلاله على حزب الوفد الذى كان القوة السياسية البارزة في البلاد

كانت المصالح الامريكية والروسية ترعاها كل من المخابرات الامريكية المعروفة بوكالة الاستخبارات المركزية (سي آبى إيه) والمخابرات السوفيتية المعروفة بوكالة الامن القومي (كيه جي بي) واللتين استخدما وسائلهما الخداعية إلى حد كبير في بث إشاعة غامضة عن أن الملك كان مسيطرا عليه تماما من الإمبرياليتين البريطانيين المُستغلين كل ذلك كان قصر نظر يبعث على القلق

كان جمال عبد الناصر السياسي الطبع ضباطا في سلاح المشاة عندما أرسل الملك فاروق قواته إلى فلسطين وانتهت هذه الحملة حسبما يرى عبد الناصر غلى اتفاق مهين وفى أكتوبر 1948 اتصل عبد الناصر بالإخوان المسلمين متطلعا إلى تكوين تحالف معهم والتحق بمجموعة عسكريين منهم يرأسها ضابط أعلى منه رتبة اسمه محمود لبيب ولم يتأكد الانسجام بينه وبينهم كما أنه لم يكن مع البريطانيين بطبيعة الحال كان الإخوان على خلاف مع حزب الوفد الحاكم الذى لم يُرِد لشعبية الإخوان أن تزداد واتفق ذلك مع ذلك مع ما يريده البريطانيون وهم القوة الاستعمارية الى كانت تكبح جماح الوفد

وكان ليوسف ندا توجهات شاب واثق من نفسه ذي أفكار قوية يتحدث بصراحة لا يريد من ذلك جزاء ولا شكورا وساعده ذلك أثناء دراسته في الجامعة عندما كان يدرس في كلية الزراعة وكان يذهب إليها بالحافلة في رحلة على امتداد شوارع الإسكندرية الجميلة التي أصبحت اليوم اثرا بعد عين وكانت المسافة من بيته إلى الجامعة تستغرق نحو ثلاثين دقيقة كان يوسف عضوا في اتحاد طلاب الكلية وذات مرة في اجتماع حضره عميد الكلية الاستاذ الدكتور شفيق الخشن أبدى يوسف رأيه في نقطة معارضا بقوة رأى العميد

ورد عليه العميد بجفاء فأجاب الطالب قائلا " لا تغضب منى ياد كتور إني أُكن لك احتراما كبيرا فأنت أستاذي لماذا تغضب منى ؟ سأقدم لك استقالتي الان " ولا ينسى يوسف إلى هذه اللحظة رد العميد عليه " هل ستتركني مع هؤلاء الذين يقولون نعم ياس يدى كل وقت وحين بل ابق فثمة حاجة إليك هنا " كان الطلاب الآخرون لا يسالون العميد ويطيعونه دون أن يقولوا ما يعتقدون أو يفكرون فيه ويقول يوسف " شعرت أنى محل احترام العميد لأنني أبديت رأى حتى ولو لم يوافقن عليه

وعندما كان عمره عشرين عاما انخرط يوسف في أعمال المقاومة المنظمة في عام 1951 كانت مصر تكالب بجلاء القوات البريطانية عن أراضيها وعمّت المظاهرات والاشتباكات العنيفة بين الشرطة وبين الجيش البريطاني كانت المواجهة شرسة واندلعت المظاهرات في جميع الجامعات وفى الجامعات بدأ بعض قواد الجيش المصري يدربون الطلاب وفى جامعة الإسكندرية تلقيت تدريبا عسكريا كاملا على استخدام الاسلحة

وكان معظم من سارعوا لتلقى التدريب من الإخوان المسلمين تماما كما حدث من قبل عندما سمع المتطوعون بأن اليهود يفدون من كل مكان في العالم ليستوطنوا فلسطين التي كانت بلادا للمسلمين والعرب تداعوا من دول المنطقة كلها ليقفوا الى جانب الفلسطينيين انضم الإخوان المسلمون الى صفوف مقاومة " الغزو الصهيوني " قلوب الناس جميعا كانت مع الفلسطينيين حتى اغضاء الحكومة المصرية كانوا ضد الاستيطان لكنهم لم يكونوا مستعدين للدخول في المتاعب كانوا يرغبون في السلام كانوا يريدون العيش في هدوء لم يودوا أن تكون بيتهم وبين البريطانيين مشكلات لكن قلوبهم وعقولهم كانت مع الفلسطينيين "

كانت الحاجة قائمة إلى الدبلوماسية القوية فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية لكن بدلا منها جلبت الترتيبات المتخذة تحت غطاء من الضرورة السياسية حكم المصلحة الذاتية المغرور ومن بعيد نفخت واشنطن وموسكو في نار الأحداث المشتعلة في مصر طوال عام 1951 ثم عاد 1952 من بعده كان عبد الناصر يدبر لانقلابه وأنشأ حركة الضباط الأحرار بهدف استعادة كرامة مصر

وفى 25 من يناير 1952 ارتكبت القوات البريطانية المرابطة في منطقة قناة السويس عملا انتقاميا رهيبا عندما هاجمت مبنى قيادة الشرطة المصرية في الاسماعيلية فقتلت مئة وجرحت 49 من رجال الشرطة المصريين فاشتعلت الاضطرابات وزحفت جموع الغاضبين بتشجيع من الضباط الأحرار وانضم إليهم عدة آلاف من الجمهور في شوارع القاهرة مهددين كل مبنى أو متجر أو شخص له علاقة بالبريطانيين ونتج عن هذه الاضطرابات وفاة ثمانين شخصا من بينهم بعض الرعايا البريطانيين واشتعلت النيران واستشاط الملك غضبا وفشل السياسيون في إنهاء ذلك الشتاء الغاضب المهلك

واستمر اشتعال " حريق القاهرة " وإن كان على سبيل المجاز في عناوين الصحف العالمية إلى أن وقع الانقلاب العسكري في يوليو 1952 بقيادة اللواء محمد نجيب – الذى سرعان ما أطاح به الكباش جمال عبد الناصر مستوليا على السلطة وخلف نجيب في مناصبه وعشية وقوع الانقلاب استُدعى الشاب المتدرب عسكريا يوسف ندا مع غيره من الإخوان " كان عبد الناصر قد وعد الإخوان بأنه شخصيا لن يسمح بأي عمل يخالف الدين يخالف الاسلام " وبهذا حصل على تأييدنا التام "

وصلنا إخطار مسبق بوقوع انقلاب وشيك وأُمرنا بحماية الفارات الاجنبية والبنوك والمباني الحكومية باعتبارها أهدافا محتملة للمخربين " كانت مهمتي صعبة إذ كلفوني بالمساعدة في حراسة القنصلية البريطانية في الإسكندرية أحد الاهداف الرئيسية لم يكن مر سوى شهور قليلة على حريق القاهرة فكانت المخاوف عظيمة كان الإخوان يخشون أن يقع التخريب في أي مكان في مصر فتُمر الممتلكات ويُقتل الناس "

" وعقب نجاح الانقلاب أُطلق سراح من تبقى من الإخوان في السجون منذ عام 1948 ونزلوا غلى الشوارع ليشاركوا في الإعداد لبداية عهد جديد كانت أصواتنا عالية في تلك الفترة وكان تأييد الناس لنا حماسيا كان على جمال عبد الناصر وزملائه الا يفسدوا على الإخوان سعادتهم فقد كان يوما مأمن الإخوان وعاش مع مجموعة منهم بقيادة محمود لبيب وكانوا يطنون فيه شدة الوفاء لكنه انقلب عليهم "

" كان يريد أن يصبح السلطة الوحيدة في البلاد وكان قادة الإخوان متشددين عندما تفاوضوا معه كانوا مخلصين وظنوا أن الاخلاص وحده يكفى في السياسة ليس الإخلاص العامل الوحيد المعتبر كانت المسألة شعورا طاغيا بالوطنية تملك مشاعر الناس  : يجب على البريطانيين أن يرحلوا ! علينا أن نُجليهم عن أراضينا وأن نصبح أحرارا ! لن نظل تحت الاحتلال إلى الابد ! مصر قبل كل شيء ! على الاستعمار أن يحمل عصاه ويرحل ! كان هو المزاج السائد بقوته وعنفوانه "

عقب نجاح الانقلاب بدأت المفاوضات بين عبد الناصر والبريطانيين وطلب أحد المفاوضين البريطانيين واسمه " إيفانز " مقابلة الإخوان لكن الإخوان لم يرغبوا فى القيام بأى تحركات سرية أو أن يعقدوا صفقات من وراء ظهر الحكومة فأخبروا عبد الناصر بما يريده " إيفانز "

ونصح عبد الناصر الإخوان بمقابلة الرجل على أساس " أن البريطانيين سوف يعرفون موقفنا بالكامل وصوف يقوى هذا مركزنا فى المفاوضات وواصل يوسف روايته " اجتمع الإخوان مع " إيفانز " ولكن عندما خانهم عبد الناصر بعد ذلك قال إن الإخوان كانوا يتجسسون وإنهم كانوا على صلة بعملاء بريطانيا السريين واتهم الإخوان بأنهم خونة كانت تهمة العمل مع البريطانيين من الكبائر فقد عاتي المصريون كثيرا من الاحتلال "

وليوسف تجربة شخصية في المعاناة من ظلم المحتلين وقعت له قبل انضمامه إلى الإخوان المسلمين عندما كانت شقيقته الكبرى تستعد للزواج يشرح يوسف كيف أن عادات الزواج المصرية تُلزم العريس بتوفير السكن كما تلزم أسرة العروس بتأثيثه

فيقول

" كانت أمي تتحرك في كل اتجاه في دأب كالنحلة واشترت كل الاشياء لبيت الزوجية وأشرقت على تحميلها في شاحنات الاثاث واصطدمت شاحنتان عسكريتان بريطانيتان بشاحنات الاثاث فتناثرت قطعه في الشارع كان السائقان مخمورين ولكن لم يستطع احد مسّهما لقد حمتهما السلطات ليس من عائلتنا فحسب وإنما من الأهالي في الشارع والذين شاهدوا ما حدث وغضبوا بسببه كل الغضب جاءت الشرطة العسكرية البريطانية واصطحبت في سيارتها السائقين ولم في هذا أي شيء من العدل "

" كان الاحتلال البريطاني قاسيا على شعبنا وكنا نؤمن بحقنا في الحرية وأنه علينا أن نقاتل في سبيل حريتنا نقاتل الاحتلال بالسلاح لا أستطيع ان أنكر اعتقادي بأن كل من يقاتل من يحتل بلده بطل عندما حارب " شارل ديجول " النازيين كان بطلا لكنهم لا يريدون أن يعتبروني بطلا عندما حاربت من احتلوا بلادي ووضعوني في عداد الارهابيين كل مواطن مخلص في العالم يجب عليه أن يدافع عن بلاده إذا احتلها أجنبي وإلا ما استحق أن يكون مواطنا لها سأصبح خائنا إذا لم أدافع عن ببلدي "

إلا أن عضوية يوسف ندا في الإخوان المسلمين جعلت عدوه المباشر الكباش جمال عبد الناصر الذى كان يحيا لطموحه الشخصي في ذلك الوقت كانت أمريكا حريصة على أن تكسب إلى جانبها عبد الناصر في مواجهتها مع السوفييت التي أصبحت تعرف باسم "لعبة الأمم" ومن المفارقات التاريخية الهامة أن الرئيس للأمريكي "تيودور روزفلت " في عام 1910 بعدما قرر عدم الترشح لولاية ثانية في البيت الابيض بقليل تحدث فيما أصبح يعرف بجامعة القاهرة فأغضب الوطنيين المصريين لمساندته الاحتلال البريطاني وفى ادعائه بأن المصريين ليسوا مؤهلين للاستقلال ... ومن ثم للديمقراطية

وبعد مرور أكثر من أربعين عاما كانت أمريكا – و " روزفلت " آخر – لا يزالان يتدخلان في السياسة المصرية وبينما كانت امريكا ورئيسها " أجزنها " يحاولان إقناع عبد الناصر بأن يكون " رجُلهم " رتب " كرمية روزفلت " حفيد الرئيس " روزفلت " والمسئول الكبير في " سي آبى إيه " تسليم مبلغ 3 ملايين دولار نقدا الى عبد الناصر بطريقة سرية بعد وضعها في حقيبتين (ذكرت بعض الروايات أن المال كان أربعة أضعاف هذا المقدار لكن المسئولين في ال " سي آبى إيه " في 2011 بعد اطلاعهم على الملفات الخاصة بتلك الفترة أصروا على أن المبلغ كان " 3 ملايين دولار فقط "

لم يحتفظ عبد الناصر بالمال لنفسه وإنما استخدمه في بناء برج القاهرة في الجزيرة في النيل على مقربة من قلب العاصمة مقابل السفارة الامريكية وبارتفاع أعلى من الاهرام وأصبح البرج أحد معالم العاصمة المصرية

كان عبد الناصر رجلا قوى الشخصية مهاب المظهر مما جعله يريد أن يكون " الريس " دون أن يشاركه أحد في حكمه وكان للإخوان تأثيرهم فأزعجه ذلك لم يكن بمقدوره أن يمضى في سياساته وخططه دون أن يُدخل في الاعتبار ما للإخوان من سياسات وخطط وقد استخدم تاريخ مصر بالأمس القريب المفعم بالعذاب والإذلال والاضطراب ليكون سلاحه المختار لإسكات الإخوان

من قبل انقلابه... في نوفمبر 1948 بدأ رئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي باشا حملي صارمة ضد الإخوان المسلمين الذين اتهمهم بالعنف السياسي وتفجير القنابل وتدبير الاغتيالات وأعلن أنه بناء على تحقيقات الشرطة فقد تم الكشف عن متفجرات تكفى لنسف نصف القاهرة مع خطط لتفجير القنابل في مؤسسات اجنبية ومصرية في المدينة وفى الإسكندرية المدينة الساحلية وذكرت السلطات انها وجدت في سيارة " جيب واحدة "

كميات ضخمة من المواد المتفجرة وعشرات الالغام من مختلف الانواع والقنابل الزمنية ومدفعا رشاشا وعددا كبيرا من المسدسات والطبنجات والخناجر وكميات من الذخيرة وقناعا ومنشورات وتعليمات سرية ووثائق تشير إلى تفجيرات سابقة وأخرى يتم الإعداد لها وذكر رئيس الوزراء أن البيوت التي تمت مداهمتها

وكذلك السيارة الجيب من ممتلكات أعضاء الإخوان المسلمين كما ألصقت بالإخوان أيضا مسئولية الانفجار الذى وقع خارج بيت مصطفى النحاس باشا (ذي الشعبية الكبيرة ورئيس حزب الوفد) ومحاولة تفجير وكالة السودان وتفجير القنابل في محلات عدس وبنزا يون وجاتينيو وشركة الدلتا لأرضى والوكالة الشرقية للإعلانات وإطلاق النار على السياسيين

وأصدر الإخوان بيانات تنفى كل ذلك وقالوا إنها " مكائد مدبرة ضدهم " وبعد ذلك بأسبوعيين أصدر النقراشي باشا رئيس الوزراء وبصفته الحاكم العسكري (وبتشجيع قوى من مستشارين بريطانيين) قرارا بحل جماعة الإخوان وعدم السماح بوجودهم من بعد

ولأول مرة تُوجُه الحكومة اتهاما رسميا للإخوان بالسعي للاستيلاء على السلطة والإطاحة بالنظام القائم في البلاد " وأعلن رئيس الوزراء حالة الطوارئ في جميع أنحاء المملكة المصرية " واستولت الشرطة على المقر العام للإخوان في القاهرة وذكرت الحكومة أن الجماعة كانت تستهدف بدعوتها الجميع من الطلبة إلى الموظفين الرسميين وحظر قرار الحل على الإخوان الاستمرار في أي نشاط أو الاشتراك في انتخابات أو تكوين منظمات مماثلة

وصرح عبد الرحمن عمار بك وكيل وزارة الداخلية لأمن العام بأن الإخوان قد أنشئوا جمعية دينية اجتماعية ليس لها أغراض سياسية ولكن عندما اكتسبت الجمعية شعبية كبيرة " تجاوز القائمون على أمرها الأغراض سياسية للهيئة الاجتماعية بالقوة والارهاب " وجاء من ورّط الإخوان في برهائن هذا الاتهام الباطل بأن قتل النقراشي باشا بعد عشرين يوما فقط من إصدار قرار الحق

وقع اغتيال النقراشي في صباح يوم 28 من ديسمبر 1948 عندما دخل رئيس الوزراء مبنى وزارة الداخلية بالقاهرة واتجه ومعه حراسه نحو المصاعد وكان قاتله متنكرا في زي ملازم أول بالشرطة وقد جلس ينتظر وصوله في بهو المبنى فلما دلف النقراشي إلى البهو وقف ذلك الشاب مؤديا التحية ثم تبعه نحو المصاعد وهناك أخرج من جيب سرواله مسدسا وأطلق ست طلقات أصابت خمس منها النقراشي باشا فقتلته

ثم صوب القاتل مسدسه باتجاه رأسه هو لكن الحرس تكاثروا حوله وقبضوا عليه وأمكن التعرف على شخصيته عبد المجيد احمد حسن عمره 21 طالب كلية الطب البطر وعضو في جماعة الإخوان وصرح الوزير ابراهيم الدسوقي أباظة باشا بان عبد المجيد قد ادعى أن قتا رئيس الوزراء لأنه تسبب في ضياع السودان من مصر وسلم فلسطين لليهود وحل جماعة الإخوان المسلمين وهى المنظمة الوحيدة التي جاهدت من اجل الاسلام على امتداد العشرين عاما الماضية

وعلى الفور بادر حسن البنا مؤسس الجماعة ومرشدها بإدانة الاغتيال مُعلنا أن الاسلام لا يقبل الارهاب ورغم ذلك تم القبض على الآلاف في أعقاب مقتل النقراشي وافتتح مُعسكران لاعتقال أعضاء جماعة الإخوان وأُرسل كثير منهم إلى سجون " أبو زعبل والفيوم والقلعة والخارجة وهايك ستب " وكلها تعتبر في عداد معسكرات الاعتقال وإن كانت تسمى بغير كذلك وادّعت الحكومة وقتها ان مجموعة من داخل الإخوان " النظام الخاص " قد بايعت حسن البنا خليفة للمسلمين وهذا بمثابة اختياره قائدا سياسيا للعالم الإسلامي كله وأن هذه المجموعة من المتآمرين قد قامت بأعمال إرهابية عشوائية ويتفق يوسف ندا مع قيادات الإخوان في أن كل هذه الاتهامات ملفقة

وانتقاما لمصرع النقراشي وأخذا بثأره تواصلت إراقة الدماء ففى12 من فبراير 1949 اغتيل حسن البنا مرشد الإخوان إذ أُطلقت عليه خمس رصاصات وهو يغادر المقر الرئيسي لجمعية الشبان المسلمين في القاهرة وقد ذهب البنا إلى هناك للقاء مع زكى باشا وزير الدولة لكن الوزير لم يحضر كان حسن البنا ينتظر سيارة أجرة خارج مبنى الشبان المسلمين عندما أطلقت مجموعة من الرجال الرصاص عليه وعلى زوج شقيقته عبد الكريم منصور الذى اصيب بجراح في ذراعيه وساقيه

لم تنته جماعة الإخوان المسلمين بمقتل مؤسسها الذى أنشأها عندما كان مدرسا حديث التخرج يعمل في مدينة الاسماعيلية على ضفاف قناة السويس ذلك الرجل الذى كان يثرى أقواله بآيات القرآن وعلى الرغم من الهزات التي أصابتها بها الاحداث فإن الجماعة بدأت من جديد ودخل الإخوان عقد الخمسينات من القرن العشرين بعد أن أعادوا ترتيب منظمتهم في عالم جديد العالم الدكتاتوري لجمال عبد الناصر

الفصل الثاني:ثقافة السجون

" من ثغرة البهجة يدمر الحياة ذات الأجنحة لكن من يقبل البهجة المحلقة يحيا شروق الشمس السرمدي " وليام بليك 1792

غيرت طلقات النار التاريخ وغيرت معه حياة يوسف ندا ففي 26 من أكتوبر 1954 لم تقض طلقات المسدس الثماني على حياة جمال عبد الناصر أو حكمه لكنها زودته بالسلاح اللازم لإجهاض على منافسيه في الشعبية كان عبد الناصر يلقى خطابا في ميدان المنشية بمدينة الإسكندرية احتفالا بتوقيع اتفاقية جلاء البريطانيين عن مصر عندما انطلقت نحوه الرصاصات لم تُصب الطلقات عبد الناصر وارتفعت الصرخات والصيحات لتصنع صخبا من العويل المفعم بالخوف غطى على كل من حاول أن يقول شيئا

واقتنص عبد الناصر اللحظة وناشد الجمهور الهدوء صارخا في المكروفون : إذا مات جمال عبد الناصر فكلكم جمال عبد الناصر جمال عبد الناصر منكم ولكم وعلى استعداد أن يضحى بحياته من أجل هذا الشعب ورفع يديه فوق رأسه محركا إياهما إلى الخلف وإلى الامام مستثيرا حماس الجمهور بهذه الحركة التي تعارف عليها أبناء البلد "

لقد ربح عبد الناصر أصوات الشعب أن كانت الأصوات تهم: كانت لحظة فارقة في التاريخ المصري لكن الحادثة كلها كانت تمثيلية هذا ما كشفه محمد حسن التهامى نائب رئيس الوزراء فى عهد السادات والذى همزة والوصل مع وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية (سى آى إيه) ورئيسا للمخابرات المصرية فى عهد جمال عبد الناصر من قبل

لقد ثار الجدل حول هذه الحادثة منذ اللحظة التى ارتكب فيها محمود عبد اللطيف "محاولة الاغتيال" التى كانت البداية لأكبر موجة قهر سياسي ولعهد من الارهاب – الإرهاب الرسمى من جانب الدولة وصف عبد اللطيف بانه أحد قتلة الإخوان المسلمين وعندما عاد عبد الناصر إلى القاهرة واثقا من نفسه منتشيا كان معه جواز المرور إلى عهد القهر لم يقتنع يوسف ندا بإنكار الإخوان لأعمال العنف فى أواخر الأربعينيات

لكنه لا يشك فى أن حادثة المنشية كانت مكيدة مدبرة للخلاص من الإخوان يقول ندا " وعد عبد الناصر الإخوان باشياء كثيرة لكنه عندما وصل إلى السلطة أخذ يهاجمهم ويستبعدهم لقد قال عبد الناصر مرة إنه يستطيع أن يضغط على زر فيفعل جميع المصريين مايريده إلا الإخوان – وما كان الإخوان ليرضوا بذلك وقال عبد الناصر كان يجب علىّ أن أزيح الإخوان من طريقى

ويوضح يوسف ندا الأمر بقوله

" لقد استغل أحداث الماضى المتهور وبنى عليها خطته لسحق الإخوان باتهامهم بمحاولة قتله وكلما وقع فى محنة كان يتهم الإخوان بالعنف من أجل أن يتمكن من مواصلة سياسته "

" نعم شهدت أربعينيات القرن الماضى أعمال عنف ولا أتفق تمام الاتفاق مع تفسير الإخوان لمقتل رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي باشا ولا مقتل القاضى الخزندار قال الإخوان إن من ارتكب العمليتين ليسوا إخوانا وإن مافعلوه كان مخالفا للإسلام بل إن حسن البنا نفسه قال إنهم لم يكونوا إخوانا لكنهم كانوا من الإخوان – ولم يكن يعرفهم

كانوا شبابا ملتهب المشاعر انساقوا وراء عواطفهم متعجلين لقد تلقى رئيس الوزراء تعليمات من سلطات الاحتلال البريطانى بحل الإخوان المسلمين فقامت هذه المجموعة المتمردة من الإخوان بقتله اما القاضى فكان قد أصدر أحكاما قاسية على بعض الإخوان فى جرائم لم يرتكبوها فأحكامه لم تكن سليمة وإنما كانت متأثرة بضغوط سياسية ولكن هذا لا يعنى أن تذهب فتقتله "

" كانت هناك أحداث أخرى : منها أن الإخوان شكلوا جماعات فدائية ضد البريطانيين اثناء زمن الاحتلال كما كونا مجموعات اخرى للقتال فى فلسطين فى 1947 – عندما بدأت الحركة الصهيونيو الإعداد لإعلان قيام إسرائيل – تلك المجموعات من دول مسلمة كثيرة ذهبت لتساعد الفلسطينيين هذا كل شىء – ولا توجد قصص أخرى عن العنف وإذا راجعت تاريخ الإخوان المسلمين كما كتبه خصومهم فسوف تجد العنف ومزيدا من العنف كلها زيادات ملفقة "

" لم يقم الإخوان بأى من أعمال العنف منذ ذلك التاريخ فى 1948 يقول الحكام إن دعاة العنف من أمثال أتباع أسامة بن لادن قد خرجوا من عباءة الإخوان وإنهم كانوا من الإخوان ثم تركوهم ليُنشئوا فصائل اخرى والحقيقة أن من فعل ذلك كانوا أفرادا ولم تكن كل الجماعة قد فعلته لم تكن جماعة الإخوان كلها هى التى فعلت ذلك مجرد حفنة قليلة ثم هذه الفئة هاجمت الجماعة وخرجت عليها وانفصلت لتفعل ما لا يوافق الإخوان عليه "

" اكتمل نضج الإخوان وبدأت أعدادهم تتزايد فى الجامعات وبين فئات المتعلمين وتجذرت الجماعة داخل المجتمع كما ينمو الانسان فيمر بمرحلة المراهقة ثم الفتوة فإن الجماعات البشرية تمر بنفس مراحل نضج الانسان لابد أن تتوقع الأخطاء فى هذه المراحل كان الإخوان أقوياء فلكى يزيحهم عبد الناصر من طريقه كان عليه أن يتقدم مبررا لذللك فردد ما قالته عنهم الحكومات السابقة التى ارادت استئصالهم إرضاء للمستعمر البريطانى وقال إنهم دعاة عنف وقتلة يحاولون اغتياله وقام حسن التهامى بترتيب هذه العملية لصالح عبد الناصر وبعد عبد الناصر اعترف حسن التهامى بأنه هو الذى لفق خطة " اغتيال عبد الناصر فى الإسكندرية "

لكن الاستمرار فى قبول حجة عبد الناصر كان من مصلحة أناس كثيرين كانوا يريدون أن يظل الإخوان موصومين بالإرهاب – حتى بعدها جاءت شهادة تبرئتهم على لسان الرجل الذى دبر الحادثة وأكدت الحقائق صحة ما قال "

" كانت الحادثة ضربة اعلامية ساحقة لحساب عبد الناصر – فقد احتشد فى الميدان نحو مئة ألف شخص وذكرت الشرطة أنها أمسكت بأحد الإخوان وسط الحشد وأنه هو الذى اطلق الرصاص وفى السجن علقوه من ساقيه ورأسه يتدلى إلى أسفل وضربوه بالسياط حتى يعترف بأسماء من يُفترض أنهم أمروه بأن يفعل مافعل "

لكن المسدس لا يجعله يصيب عبد الناصر ناهيك عن أن يقتله قالوا إن الرامى كان مدربا تدريبا جيدا ولهذا تم اختياره لتنفيذ المهمة إن اختيار مسدس مداه محدود لا يمكن ان يصل 400 متر مكان وقوف الرامى او حتى عشرهم لا يشى بأنه خبير فى الرماية لكن بإمكانهم تعذيب الناس حتى يقولوا أى شىء "

بدأ عبد الناصر يعتقل الإخوان حيثما وجدهم وكان يوسف ندا واحدا منهم – كان واحدا من ألاف ولم يتبع عبد الناصر أى سلوك إنسانى مع الإخوان أو أعدائه الظاهرين او من شكلوا خطرا سياسيا عليه لقد وصفت أحداث 26 من أكتوبر بأنها " جريمة ضد الثورة " كان ممدوح محمد سالم الذى سيصبح رئيس وزراء مصر فى المستقبل مسئولا عن أمن الإسكندرية آنذاك

وقد نفذ الاوامر بكل حماس تشكلت " محكمة الشعب " وترأسها جمال سالم أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة والحرس الحديدى لجمال عبد الناصر وإلى جانبه عضوان للمحكمة هما أنور السادات وحسين الشافعى كان جمال سالم يملك دموية ثوار القرن الثامن عشر فكان يقول " إن رأسا كرأس الملك فاروق لا يثير اهتمامى إلا أن يطاح به "

واحتفظ الملك فاروق برأسه لكن ثمانية من الإخوان المسلمين حُكم عليهم بالإعدام ثم خفف الحكم على أثنين منهم وهما المرشد العام حين الهضيبى والمفكر الاستاذ سيد قطب وأعدم الستة الباقين واتُهمت أعداد تفوق الحصر بتدبير أعداد كبيرة من المؤامرات كما أُودع الكثيرون من الإخوان فى السجون الحربية والمعتقلات دون أى اتهام لهم أو إدانتهم بأى جريمة ما

استغرق القبض على يوسف ندا بعض الوقت إذ كان فى بيته فى الإسكندرية عندما اتصل به صديق من المقبوض عيهم وطلب منه أن يخبر والديه بما حدث له وعندما وضع يوسف سماعة الهاتف كان " يتعجب من غباء محدثه الذى جعله ينص لبه من قسم الشرطة فها هى الشرطة الان تعرف من يوسف وأين يسكن " ويقول يوسف " بعد ساعة دق جرس الباب وكنت فى البهو القريب من الباب وذهبت إحدى الخادمات لتفتح الباب فاستوقفتها وذهبت أمى لتفتحه بنفسها ووجدت أمامها ضابطا وثلة من الجنود فأخبرتهم أمى أننى غير موجود "

كان الضابط يعرف أمى وكان يخاطبها قائلا " ياخالتى " من باب فقال لها " خالتى " نحن نريد يوسف ليوقع إقرارا بأنه لن يتصل بالإخوان بعد الان أين أجده هل هو مع أبيه ؟ " فأجابت أمى باقتضاب " ربما "

" وذهبوا ... ولكن بعد أن تركوا وراءهم ستة حراس أسفل البيت وكان يجب أن أذهب فصعدت فوق سطح المنزل ونزلت منه إلى بيت جارنا ومن ثم هربت وعندما عاد أبى ومعه صبحى فى العاشرة مساء ألقوا القبض عليهما واقتادوهما معهم وأسقط فى يد أمى لكنها تمكنت من معالجة الموقف فاتصلت بأحد أقاربها وكان ضابطا كبيرا فى الشرطة وسألته عما سيحدث لابى واخى بعد القبض عليهما فأجابها : إذا سلم يوسف نفسه فسوف يُطلق سراحهما "

" وكان الخيار مؤلما لأمى أمامها اختيار مرعب أن تستغنى عن أحد أبنها نظير استرداد ها لزوجها وابن آخر ! فماذا عساها تفعل ؟! وعندما اتصلت بها هاتفيا فى حوالى الساعة الثانية صباحا أخبرتنى بكل ماحدث فقلت لها إننى سوف أسُلّم نفسى– لكن اخشى إن فعلت أن يحتفظوا بثلاثتنا فعادت واتصلت بقريبها الذى أكد لها أن ذلك لن يحدث

ولم يكن أمامى خيار فلم أكن لأترك أبى يُقبض عليه بدلا منى فطلبت من أمى أن ترتب أمر استسلامى كنت أدرك أنهم لو أمسكوا بى الشارع فسوف يعذبونى وقال ابن عمها إنه سوف يقابلنى ويصحبنى شخصيا إلى السجن وعندما أخذنى إلى السلطات أطلقوا سراح أبى وأخى على الفور ولم يعذبونى بعد القبض علىّ لكنهم لم يخبروا أسرتى بالمكان الذى سيرسلونى إليه "

" ثم فدمت لى أمى صاحبة المعجزات جميلا آخر فقد قام الحارس الذى قيد معصمى إلى يده فى أثناء ترحيلى إلى المعتقل بترتيب الاتصال بأبى وعندما توقف بنا القطار المتجه إلى القاهرة فى محطة سيدى جابر وجدت بأبى ينظر فى كل نوافذ القطار حتى عثر على كانت أمى حارسى طعاما ذات يوم وكان فى نوبة حراسة على مقربة من منزلنا وحفظ الرجل صنيعها هذا فرتب من هاتف أبى ليخبره بأنه سيتم ترحيلى الى السجن الحربى فى القطار من محطة مصر بالإسكندرية وسيتوقف القطار فى محطة سيدى جابر "

دخل يوسف ندا السجن وهو يشكو من التهاب الزائدة الدودية ومرة اخرى استخدمت أنه وأقاربها بما لهم من صلات واستطاعوا نقله إلى عيادة السجن – وكانت العيادة مكونة من صفين من الزنازين كل منهما 13 زنزانة ويفصل بينهما ممر كانت حالتها بائسة حسبما يتذكر يوسف وكان ثمة مكتب للطبيب والممرض وحمام ودورة مياه عندما كنت فى السجن حُشر معى آخرون فى الزنزانة أما عندما أُغلق على باب العيادة وجدت نفسى وحيدا فبدأت أصلى وأتلو ما أحفظه من قرآن ولم يكن لدىّ ما أفعله سوى انتظار معجزة أحرى "

" لم يعطونى شيئأ لآكله وفى الصباح فتحوا الزنزانة لأذهب إلى دورة المياه وأخذنى الحارس إليها وفتحت أبواب الزنازين الأخرى واحدا تلو الاخرى ليخرج السجناء فى رفقة حراسهم وسألت أحد السجناء

هل معك مصحف ؟

نعم

هل تستطيع أن تعطينى بضع صفحات منه فليس لدى ما أقرأ منه ؟

لا أستطيع أن أمزق القرآن

لايمكن أن تصدق ما شعرت به عندما قال ذلك رأيت فى ذلك قدرا من الغباء ألا تعير صفحات من القرآن لتمكن غيرك من قراءتها كنت مريضا ووقعت على الارض وأعادونى إلى الزنزانة وعندما فتحوا الباب المرة التالية رموا إلىّ بطعام ثم صفقوا الباب فأغلقوه "

وعندما ذهبن إلى دورة المياه فى المساء اكتشفت سجينا قيل إنه حاول أن يقتل عبد الناصر كان جريحا وكانت ذراعاه تتدليان وإحدى يديه مكسورة والثانية مشلولة قيل إنه أُتهم برئاسة التنظيم الخاص للاخوان (الذى عرف بالتنظيم السرى) وهو الاسم الذى أطلقته عليه أجهزة عبد الناصر وإن اسمه يوسف طلعت وقلت له: أعانك الله يا أخ يوسف

فنظر نحوى قائلا : أنا لست بيوسف أنا صلاح شادي

كنت أعرف أن صلاح شادي ضابط كبير فى الشرطة وصديق مقرب من عبد الناصر كان من الإخوان المسلمين وهو الذى اصدر الاوامر للإخوان فى كل مكان ليلة 23 يوليو يوم انقلاب الجيش بالتوجه لحماية القنصلية البريطانية جاءتنا التعليمات من صلاح شادي وعلى الرغم من صلاته بعبد الناصر فإنه سُجن وعُذّب عندما طارد عبد الناصر الإخوان

منذ البداية وعد عبد الناصر الإخوان بأنه سوف يغير القانون والدستور وأنه سوف يبنى مجتمع الخير والفضيلة لكنه حارب الإخوان وعانى صلاح شادي الاهوال من جراء ذلك لم يرحمه عبد الناصر عذبوه وارتكبوا معه فظائع رهيبة جعلوه ينحنى بشكل زاوية قائمة وقيل إنهم نفخوه بمضخات الهواء دمروا عموده الفقرى حتى لم يعد قادرا على أن يعتدل فى وقفته وأبقوه فى السجن عشرين عاما حتى أطلق السادات سراحه وكان السادات أحد القضاة الثلاثة الذين حكموا عليه بالاعدام ثم خفف الحكم بعدها إلى السجن مدى الحياة

عاد يوسف ندا إلى زنزانته فى حالة من البؤس فعلاوة على الكد الذهنى الذى اعتراه مما رآه من برهة قصيرة فقد كان الألم الدائم من زائدته الملتهبة لا يتوقف ومرة اخرى تعود طيبة أمه نعمات أبو السعود عليه بالخير فقد كانت هى من نجمع شمل العائلة وتربط بين أواصرها خاصة فى وجه الأنواء التى تكتنف المجتمع

كانت تُعزى المكلومين وتعود جميع الاقرباء وخاصة من كان منهم فى حيرة أو يشكو من الوحدة وكان من أقاربها عن بعد أنور أحمد الضابط الفظ الذى اشتهر عن استحقاق داخل نظام عبد الناصر بقسوته وكان قائدا للشرطة العسكرية فى عهده ولم تعبأ نعمات بهذه الطباع عندما كان الامر يهدد حياة ابنها فاتصلت بأنور أحمد قريبها وأخبرته أن ابنها يحتاج إلى جراحة عاجلة فأمر بعلاجه ولم يكتشف يوسف ندا تدخل أمه إلا عندما فُتح باب زنزانته ودخل عليه ممرض وسأله عن مرضه وعن عنوان عائلته

ويتذر يوسف كيف أن هذا الاستجواب ظل مستمرا والاسئلة بين شد وجذب وبدأت ملهاة الفساد ثم زار الطبيب محمد شفيق صفوت مريضه المحتمل لكن لم يفعل له شيئا ومر اسبوع على ذلك وبعد أن اشتكى يوسف من أنه لا يزال فى ألم زاره الطبيب مرة أخرى وكانت الوصفة التى كتبها لشاب الذى اقعده الالم أن يحمل ثقلا وزنه 50 كيلو جراما ويجرى به تحت الشمس ساعتين كل يوم وبعد ساعة جاءه المريض مرة اخرى ومعه رسالة إذا أمكن الاتصال بعائلة ندا وتمت الترتيبات فإن العلاج قادم

اراد الممرض من يوسف شيئا مكتوبا لكنه كان أعقل من ان يفعل ذلك لعلمه أن مايكتب قد يتخذ قرينة ضده فيطول بقاؤه فى السجن سنوات ومع ذلك تم الاتفاق وفى الساعة الثانية صباحا سمع يوسف اسمه يتردد من خلال مكبر الصوت " يوسف مصطفى ندا " ودق يوسف على باب زنزانته كاستجابة للنداء ولما فتح الباب عليه وجد امامه الدكتور محمد شفيق صفوت والممرض والضابط المشرف من إدارة السجن

وخاطبه الطبيب " مالى أرى وجهك شاحبا ؟ هل أنت مريض ؟ "

وبدا الطبيب يكشف عليه بطريقة صورية ثم أعلن أن مريضه الجديد يحتاج إلى علاج عاجل وسرعان ماوجد يوسف نفسه خارج السجن فى المستشفى العسكرى بالقاهرة

عندما فتحت عينى وجدت نفسى مع اربعة آخرين من الإخوان على أسرة متجاورة كانوا تحت العلاج مثلى كان جوا مختلفا وكذلك كان الحراس على مستوى مغاير كانت قد مضت على عمليتى الجراحية اربع وعشرين ساعة وكنت اشعر بالضعف وعدم القدرة على الكلام عندما دخل علينا الضابط انور احمد ومعه حاشية من مساعديه وقال للدكتور صفوت " انظر كم يحتاج للبقاء هنا لأننا بعد ذلك سوف نعيده من حيث أتى ثم غادر المكان "

كان الطبيب معتادا على اخذ الرشاوى لقاء علاجه للسجناء وكان يتمتع بحماية خاصة إذ اخوه على شفيق صفوت مدير مكتب الصاغ عبد الحكيم عامر أحد الشخصيات الهامة فى الانقلاب والذىأصبح بعد ذلك رئيسا للأركان ووزيرا للحربية كانت مجموعة من الفاسدين

جاء انور احمد ليتأكد بنفسه من اجراء العملية لى وليقوم بواجب عائلى تجاه امى بقى يوسف فى المستشفى ثلاثة اشهر وفى كل شهر كان عليه ان يدفع الى الطبيب 50 جنيها مصريا وكان هذا يوازى الراتب الشهرى لوكلاء الوزرات فى مصر وكان على كل مريض أن يدفع هذا المبلغ كرشوة فوق المرتب الرسمى كطبيب السجن كان الطبيب يضع يديه على منجم للذهب

يقول ندا " أما أنا فكانت لى أرباحى الخاصة فقد تعرفت على رجل ساعد على تشكيل شخصيتى فبعد العملية كنت منهكا حتى بعد أن أفقت لم اكن قادرا على الحركة بعد كان ذلك من أثر التخدير وعندما فتحت عينى رأيت سيدة لا أعرفها تجلس بجوار سرير قريب من سريرى وكلمتنى بالعربية قائلة : حمداالله على سلامتك ما اسمك ؟ وأخبرتها به وذكرت اننى من الإسكندرية وطالب فى جامعتها فسالتنى فى أى كلية أدرس فأجبت كلية الزراعة فتساءلت : هل تعرف شفيق الخشن ؟

- إنه عميد كليتى

- وأنا زوجته وهذا أخى فى هذا السرير أعطنى رقم هاتف اسرتك اخى اسمه هارون المجددى

- كانت السيدة طاهرة المجددى وكانت اسما على مسمى فروحها وعقلها لهما النصيب الاكبر من اسمها

فمن معانى الطهر فى اللغة العربية الفضيلة والسمو الاخلاقى وكانت تجمع كل ذلك فى شخصها واسمها ونظرا لنفوذ زوجها فقد تمكنت من إرسال أخيها السجين عضو الإخوان المسلمين إلى المستشفى حيث أجريت له عملية استئصال المرارة وسوف يلمع نجم زوجها فى سماء السياسة المصرية بعد ذلك ويصبح وزيرا للزراعة كما اختاره عبد الناصر لمنصب وكيل مجلس الشعب الذى كان يرأسه أنور السادات ليقيم نوعا من التوازن في المجلس لصالح عبد الناصر

كانت سيدة كبيرة القلب كانت حالة اخيها الاصغر هارون المجدد أسوأ من حالتي ولم يكن قادرا على الحديث ولكن مع مرور الوقت أصبحت انا وهو صديقين كان يكبرني بنحو خمسة عشر عاما ولكنه كان يعاملني كابن له وبدأت اتعلم منه كان هارون وطاهرة ابنى صادق المجددى باشا الذى كان السفير الأفغاني في مصر في عهد الملك فاروق وكانت علاقته بالقصر ودية للغاية وكان يحتل مكانة دينية عالية في العالم الإسلامي

كما كان صديقا للإمام الأكبر الشيخ مصطفى المراغي شيخ الازهر اقدم مؤسسة دينية سُنية وقد أُنشئت منذ أكثر من ألف عام عمل هارون قائما بالأعمال في السفارة الافغانية في القاهرة وكان عضوا في جماعة الإخوان المسلمين وفى ايام الملك فاروق كان هارون على علم بالصلة بين الإخوان وعبد الناصر وغيره من ضباط الجيش وقبل الانقلاب سرق عبد الناصر أسلحة من مستودعات الجيش ثم قال لهارون المجددى إنه يحتاج إلى سيارته ذات الارقام الدبلوماسية

دون أن يخبره عن سبب الاحتياج ولأنهما كانا صديقين فقد أعطى هارون السيارة إلى عبد الناصر وهو يُحسن الظن به وتبين فيما بعد أنه وبعض زملائه استعملوها بعدة رحلات نقلوا فيها الاسلحة والمتفجرات وهناك اخ آخر كانت تربطه صداقة بعبد الناصر وهو المحامي المشهور حسن عشماوي ابن العشماوي باشا وزير العدل السابق

وقد عمل عبد الناصر مع هارون والعشماوي وآخرين ممن كانوا في القلب من جماعة الإخوان المسلمين او شغلوا أعلى مناصبها طلب عبد الناصر من حسن العشماوي السماح له بأن يُخفى في مزرعته اسلحة كي تُستخدم ضد الاحتلال البريطاني ثم قام هو وثلاثة اخرون من ضباط الجيش ببناء مخزن تحت الارض لهذه الاسلحة وقد وثق العشماوي في عبد الناصر ولم يدر بخلده أنه قد يستخدم هذه " الخبيئة " ليضره يوما ما

ثم وقع حريق القاهرة من الفاعل ياترى ؟ وحتى يومنا هذا لا يعرف أحد الإجابة ثم خيم حظر التجول لم يبحث أحد عن مدبر الحريق لكن الحريق أدى إلى إمساك العسكر بزمام المبادرة ثم تحدى ضباط غير معروفين الملك والوزارة – ثم وقع انقلاب عبد الناصر وفتح الحكام الجدد ملفات بعض قضايا الفساد الشديد وقدموها الى القضاء لكن لم يسأل أحد عن حريق القاهرة ظلوا صامتين إزاءه كيف سيفسر التاريخ ذلك ؟ كل شيء كان وسيلة إلى غاية ما وللضرورة أحكامها

عندما امر عبد الناصر بالقضاء على الإخوان اخبر جهازه الأمني بالتوجه الى مزرعة صديقه حسن العشماوي ليجدوا البنادق التي شارك عبد الناصر نفسه في إخفائها هناك ثم اتهم عبد الناصر والإخوان بتخزين الاسلحة بغية الاطاحة به

في الشرق الاوسط لا تتطابق ظواهر الاشياء مع بواطنها أبدا الوعود والتعهدات تتم في الخفاء وكذلك الاتفاق على العقود يتم سرا حتى لا يعرف احد بواعث الرجال او الحوادث التي يخلقونها إما لإنجاز وعودهم وتعهداتهم وإما للرجوع عنها هذا هو غموض الشرق الاوسط ولُغزه الكبير

في المستشفى كان كل سجين منا يدفع للطبيب خمسين جنيها وكان الطبيب يستخدم مريضا مسالما ؟كمحصل لهذه الإتاوات لكن الرجل أعيد إلى السجن وحاول الطبيب أن يغريني بالقيام بهذا الدور من بعده وبهذه الطريقة استطيع البقاء في المستشفى لكنني قلت له : اعذرني ياد كتور أنا مسئول عن نفسى فحسب ولا أستطيع القيام بهذا العمل وفى اليوم التالي أعادني الى السجن الحربى كان يغريني بالرشوة !

إنني على استعداد ان انفق من مالي لا نقذ حياتي لكن المساعدة في الرشوة معصية كبيرة إنها خطأ كانت إعادتي إلى السجن ثمنا باهظا إلا أنى مهما كان الثمن لا أحب أن اشترك في الرشوة ومنذ ذئب عندما اعرف عن شخص انه فاسد اخرجه من حياتي على الفور

وإذا تبين لي الفساد في شيء أو في شخص عندها ينبغي لي أن أجد طريقا آخر لأشغالي وإذا لم يكن هناك طريق غيره فالتخلي عن هذا المشروع افضل لي من التعامل مع الفاسدين فهذا التعامل خطر على حياتي لأنه إنك عندما ترشى أو ترتشى فأنت تسطو على حقوق الآخرين

حاول عبد الناصر أن يرشو سيد قطب الذى كان ضمن المسجونين عقي حادثة المنشية وكان عبد الناصر مؤسس تنظيم الضباط الأحرار السرى يسعى لكسب سيد قطب الى صفه قبل انقلاب 1952 وفى الوقت نفسه كان يتعامل سرا مع الإخوان المسلمين لم تُثير خطة عبد الناصر ريبة سيد قطب في البداية فالتقى به عدة ساعات

في اليوم ليناقشنا معا شكل الحكومة المصرية بعد رحيل الملك فاروق وبعد فترة فهم سيد ماذا يرمى إليه عبد الناصر وانه يخدعه فابتعد عنه ورجاه عبد الناصر ثم حاول ان يرشوه بكل انواع الرشوة عارضا عليه كل منصب في البلاد عدا عرش الملك لكن سيد قطب رفض كل هذا كان رجلا شديد الاعتداد بنفسه وفى مستقبل الايام سنرى حتى بعد وفاته من يحاول استخدام اسم الرجل وأعماله مثلما فعل عبد الناصر من قبل ليضفوا على افعالهم بعض المرجعية فأسامة بن لادن وغيره اتخذوا منه ملهما لآرائهم كما أطلق عليه الامريكان لقب " أبو الرعب "

كان عبد الناصر ذكيا إذ حاول تجنيد سيد قطب لأن سيد كان عالما وقد شهدت بعضا من ذلك عندما التحق سيد بالإخوان عام 1952 عقب الانقلاب وتحادل مع عبد الناصر حول الدكتاتورية وعندما كنت في السجن كان الاستاذ سيد قطب نزيل الزنزانة المجاورة كان معتل الصحة وعانى معاناة شديدة من جراء التعذيب كان فيلسوفا وعالما اسلاميا كما كان شاعرا في الوقت ذاته

وقد عبر عن تفوقه في هذه الجوانب الثلاثة : الفلسفة والاسلام والشعر في 24 كتابا قيما ويتضح من كُتبه أنه أدرك آثار الظلم الذى رآه بعينيه ووقع على شخصه ولأن حياته كانت نظيفة فقد أغضبه ما ستشرى في البلد حوله من فساد اعتقد انه سوف يدمر الجيل الجديد – فبدأ يهاجم هذا الفساد في كتاباته ويعرض الدكتاتورية وانتقد سيد المجتمع الذى تقبل الفساد الأخلاقي والحكومي والسياسي

كان سيد قطب رجلا صادقا مع نفسه وفيما يكتبه لكنه بدأ يبتعد ولم يستطع الإخوان وأنا منهم أن نتقبل لأفكاره الاخيرة مع كل الاحترام له ولعلمه لقد هاجم عبد الناصر واستبداده وحكم العسكر لكنهم في النهاية اعدموه عام 1966 واعدموا معه سنة من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين كان رجلا مخلصا لكنه لم يؤثر في شخصيا

اما هارون المجددى فكان صاحب التأثير الاكبر على شخصيتي كنت أُكن له احتراما كبيرا لأنه كان رجلا يمتاز بالأخلاق والأدب والذوق والشخصية الرفيعة والالتزام بالبروتوكول لقد تعلمت منه الكثير وعلى راس ذلك اخلاقه السامية وعندما خرجت من السجن اقتربت اكثر من هارون واصبحت الصلة بيننا عائلية أُطلق سراح يوسف ندا بعد عامين جون ان يوجه له أي اتهام او يصدر عليه حكم واكتشف عند ذلك ان اجهزة امن عبد الناصر قد أمرت بفصله من الجامعة وأن قيده بها قد شُطب

اخبرت طاهرة المجددى اخت هارون بأنه ينبغي أن أجد عملا تجاريا او ابحث عن كليه اخرى تقبلني لكن الامن على الارجح سيسدون على الطريق إذا حاولت العودة الى الدراسة فطلبت منى ان اترك الامر لها واستطاع عميد كليتي (أي زوجها الدكتور شفيق الخشن) بصلاته السياسية الرفيعة ان يحصل على تصريح بعودتي للدراسة وأصبحت طالبا من جديد لكن بعد ان تغيرت خاصة بتأثير هارون على سلوكي وطريقة تفكيري في كيفية التعامل مع الآخرين

كان هارون يملك سيارة كاديلاك ليموزين فارهة تلفت الانظار وذات يوم قال لي : إذا لم تكن مشغولا غدا فتعال معي نزور إحدى العائلات وقطعنا مسامة 180 ك مترا في شوارع غطاها الطين وطرق صغيرة غير ممهدة ومررنا عبر قرى صغيرة حتى وصلنا الى البيت الذى كنا نبحث عنه وجاءنا أحد الاطفال يتبعه اطفال اخرون وكان مع هارون بعض الهدايا وطلب من الاطفال ان ينادوا على امهم ولما جاءت لم يتطلع الى وجهها وإنما أطرق برأسه يدعو لها ثم قال لها بعض الكلمات المشجعة وأتبعها بأدعية ثم انصرفنا

واتضح لي ان زوجها الاستاذ صالح ابو رقيق احد زعماء الإخوان وكان من الدائرة القريبة من عبد الناصر واحد مؤسسي جامعة الدول العربية عام 1945 وبعد انقلاب الضباط الأحرار حُكم عليه بالإعدام ثم خفف الحكم الى السجن مع الاشغال الشاقة مدى الحياة وظلت اسرته تحت مراقبة الشرطة السرية ليلا ونهار ليعرفوا من قد يتصل بهم كان هارون يعلم ذلك ويُدرك أن تُهم التآمر يمكن تلفيقها وأن الانتقام قد يصل الى التعذيب والقتل

كان هارون ويوسف يسافران لزيارة هذه الاسرة كلما امكن لهم لم يكن لهذا علاقة بالسياسة وإنما مسألة إنسانية محضة يقول يوسف ندا : ان الإخوان المسلمين ليست ناديا وإنما هي منظمة تقوم على الاخلاق الاسلامية وهى تسعى لمساعدة الناس على التمسك بهذه الاخلاق في حياتهم عن طريق تربيتهم حتى تربيتهم حتى يعيشوا بهذه الاخلاق من تلقاء انفسهم اجتماعيا واقتصاديا ومعنويا ويحيونها بأرواحهم وعقولهم

ويوصى الرسول عليه السلام بالجار حتى سابع جار مهما كانت طبقته او عقيدته او لونه يجب ان يكون جيرانك بمثابة العائلة منك إذا احتاجوا شيئا وكنت قادرا على مساعدتهم يجب ان تعطيهم إياها ... في السراء والضراء إذا مرض أحدهم فعليك أن تحاول مساعدته إما طبيا وإما على الاقل بعيادته ورفع معنوياته وأنت في عون جيرانك إذا تزوج احدهم او توفى آخر أو واجه ثالث مشكلة اجتماعية

وإذا كنت طبيبا او مدرسا فعليك ان تساعد مرضاك او طلابك وإذا كنت مهندسا فعليك ان تدرب العمال حتى يُحسنوا اعمالهم كلها أوجه لفعل الخير يؤديها الاخ المسلم ابتغاء مرضاة الله ولا يطلب لقاءها أجرا من احد ولهذا لا يحتاج الإخوان المسلمون الى كثير من المال ومن يعرف القليل من علم الحساب يدرك ان جماعة يزيد اعضاؤها في دول العالم كله على مئة مليون لو أن كل عضو دفع اشتراكا دولارا واحدا في الشهر لا جتمع لديها مئة مليون دولار شهريا

كان مبارك وأعوانه من الراسبين فى مادة الحساب فوضعوا خطة ضد الإخوان المسلمين عام 2005 مكونة من ثلاثة عناصر الاول : محاولة القضاء على الموارد المالية للجماعة والثانى : تقديم القيادات المعروفة منهم الى المحاكمة وتجميد نشاطهم بوضعهم فى السجون والثالث : إرضاء اسرائيل والادارة الامريكية الراعية والحامية لنظام مبارك ورأى نظام مبارك أن يبدأ بتقديم أربعين من أعضاء الإخوان المسلمين الى محكمة الجنايات بالقاهرة وانا من بينهم لأحاكم غيابيا

وقد رفضت المحكمة القضية – قائلة بأنه لا يوجد شىء يستوجب مساءلة المتهمين عنه ولما أُحيلت القضية الى محكمة اخرى اصدرت المحكمة الجديدة ان تتخلى عن أصلك يقول الرسول عليه الصلاة والسلام " ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه "

لم أقتل إنسانا أبدا لم استعمل سلاحا أبدا على الرغم من تدريبى على استعماله وإذا كان الدفاع عن الوطن ضد الغزاة أمرا مشروعا فلا أعرف ماذا يكون شعورك وانت تقتل شخصا لآخر أثناء استخدامك لهذا الحق ؟ ! ذات مرة صدمت قطة بسيارتى أقسم إننى ظللت أرتجف نصف ساعة بعدها – وبعد هذا تتهمنى وكالات الاستخبارات الامريكية بتمويل العنف بدفع اموال لقتل الناس ايدا إننى لن أنسى أبدا مارأيته فى السجن الحربى

بعدما خرج يوسف من السجن بعامين تقريبا زاره احد حراس السجن من الجنود الذين كانوا يعذبون السجناء يقول يوسف " كان الرجل قد انتهى تجنيده في الجيش ويبحث عن عمل رأيته في السجن يقتل – قتل ثلاثة أمامي أحدهم كان صبيا في الثالثة عشرة من عمره من الإخوان المسلمين أمسكوه وهو يوزع منشورات الإخوان وأحضروه الى السجن ليقطعوه إربا إربا كان اسمه عبد الهادى ولم أعرف بقية اسمه لكن وجهه – مازلت اذكر وجهه – وجراحة – كان الدم يغطى جميع صدره

وعندما حاولت مساعدته قال لى : أخى يوسف لا تتعب نفسك لقد قضى الامر كان القاتل اسمه عوض وعندما جاءنى رايت مشهد القتل يمر امام عينى وكأنه حدث لفوزه رأيته بكل وضوح أخافنى ذلك لأنى خشيت ان افقد صوابي وأتصرف بغضب فنظرت اليه ووضعت يدى في جيبي وأخرجت كل ما فيه من النقود ودفعت بها اليه وقلت الله يرضى عليك لكن من فضلك ... من فضلك لا تأت هما مرة أخرى لا أستطيع بالثأر فديني يمنعني من ذلك ولا يعنى هذا أن كل الإخوان المسلمين متماثلون

لكننا تعلمنا ان نحاول ان تلتزم بما أمرنا به الله ورسوله لا يمكننى القول إن المسلمين لا يخطئون أو إن الإخوان كاملون – بل هم كالمجتمع تماما بتمام فيه الصالح والطالح والامل دائم فى ان يحاول كل واحدا ان يكون من الصالحين وهذا شىء عظيم

والاحصاءات الاخيرة التى أُجريت فى كافة أنحاء العالم عام 2009 تُشير الى أن الذين يلتزمون بأفكار الإخوان ومبادئهم تجاوز عددهم مئة مليون شخص لا يوجد ثمة سجلات رسمية – فالاخ هو أى فرد يتبع طريقنا وهم أشخاص يعملون مع الاحزاب السياسية فى كل الدول فى المدارس وفى المساجد وفى المستشفيات والجامعات طلاب واساتذة وفلاحون فى المزارع وعمال فى المصانع آباء يحاولون أن يُورّثوا عائلاتهم أفكارهم ... الجماعة فى كل مكان فى المجتمع وفى كل مستويات المعيشة

وبالطبع فإن العالم لا ينظر كله نظرة سوية الى الإخوان المسلمين وإنما يزعم البعض ان الإخوان يريدون السيطرة على العالم بأسلحة فتاكة وطُرق وحشية ويرد يوسف على ذلك بكل هدوء " إذا هجم أكثر من مئة مليون شخص اليوم هل يمكن إيقافهم ؟ لكننا لسنا كذلك نحن نريد أن نتحاور أن نعلم ونتعلم أن نتفاوض وقد فعلت ذلك طيلة حياتى "

أما إذا ذكر الطغيان فنحن سُعداء بتواضعنا وعندما يستخدم أحدهم عضلاته ضدنا فنحن مسرورون بالرد عليه بالعقل والحكمة نحن تلامذة محمد القراقصي الذى سألنى عما سوف أجنيه من العنف والاجابة لا شىء إن مجرد التفكير فى القضاء على حياة إنسان آخر فكرة تثير فى نفسى الغثيان

ورغم هذا اتهم "جورج دبليو بوش" يوسف ندا فى عام 2001 بتمويل أعمال وحشية وأمر مجلس الامن أن يُدرج اسمه فى القائمة باعتباره صاحب بنك الإرهاب ويعبر يوسف عن هذه المفارقات بتهكم رزين " وما زلت أتعامل مع حالة أخرى من الظلم شديدة القسوة ليس مصدرها الطغمة العسكرية ولا النظام المستبد ولمنها جاءتنى هذه المرة من أكبر دولة ديمقراطية فى العالم ومن دولة صغيرة لكنها جاءتنى هذه المرة من أكبر دولة ديمقراطية فى العالم ومن دولة صغيرة لكنها أكثر دول الغرب تحضرا وهاتان الدولتان هما الولايات المتحدة الامريكية وسويسرا

الفصل الثالث:اربطوا أحزمة المقاعد

" المسروق الذى يبتسم يسلب اللص شيئا " شكسبير "عطيل"

خلال مرحلة دراسته الجامعية باستثناء فترة سجنه التى قطعتها عنوة كان يوسف يشتغل فى تجارة منتجات الألبان مع إدارته مكتبا للتصدير وعندما تخرج فى كلية الزراعة فى جماعة الإسكندرية عام 1959 كان ناجحا جدا فى عمله ولكنه كان قلقا ويقول إنه شعر بأنه يعيش فى دولة بوليسية

ويشرح ذلك بقوله " كان النظام قد وظف الافا من الجواسيس لدى جهاز امن الدولة على غرار جهاز الامن فى المانيا الشرقية كل واحد مذنب حتى تثبُت براءتُه وليس بريئا حتى تثبت إدانته كان الجميع مشكوكا فيهم لقد كان مُناخا مرعبا وخائفا

كان مصنع الالبان الذى يملكه يُزوّد مدينته بثلث استهلاكها اليومى من الحليب كما كان يزود شركة سويسرية للحليب المبستر فى الإسكندرية كما تعاقد مع شركة نمساوية لتزويدها بالجبن الابيض (جبنة الفيتا) الجاهز للتصدير لقد ساعد ذلك العقد يوسف على اتخاذ قرار حاسم إذ كان بمثابة جواز سفره الى حياة جديدة

ولكنها أكثر اضطرابا بعد مغادرته السجن كان يتصرف نحو هادىء إذ كانت الرقابة والسلطة تتحكمان فى الجميع " لم أحتمل طريقتهما فى تسيير شئون حياتنا كنا جميعا كأحجار الشطرنج بين أصابع الدكتاتور " كان يوسف يخضع لمراقبة مستمرة من قبل مباحث عبد الناصر وذات مرة ارادت السلطات ان تظهر تورطه فى مؤامرة فأخذوه للاستجواب وحققوا معه

- مانوع السيارة التى تقودها؟

- سيارة فورد صغيرة

- كلا إنك تقود سيارة شيفروليه زرقاء

- لا

- اكتب قائمة باسماء الضباط الذين تعرفهم قبل التحاق يوسف بالجامعة التحق بعض اصدقائه بالكلية الحربية وبعضهم بالقوات البحرية فكتب اسماء ستة منهم

- كلا هذا غير كاف

- إننى لا أتذكر أى أسماء أخرى

- يجب أن تتذكر إنك تعرف ولكنك لا تريد أن تقول

- كلا

- طيب سنعطيك فرصة اذهب الى المنزل وعد إلينا غدا فكر مليا فإن لم تفعل فإنك تعرف ماذا سيحدث ! تذكر أين كنت من قبل إنك تعرف أين كنت وتعرف إلى أين ستذهب ثانية

ذهب يوسف الى منزله وهو فى غاية الاكتئاب معتقدا ان كارثة ستحدث ويقول : ثم اتصل بالهاتف رجل يطلب اخى صبحى الذى يصغرنى بعد ان اتم صبحى دراسته فى الهندسه التحق بكلية الطيران كانت علاقته جيدة بالنظام وكان يقود طائرات تنقل مسئولين كبارا فى الحكومة من بينهم الرجل الثانى بعد عبد الناصر

قال المتصل ان اسمه علاء بركات لقد سالنى رجال الامن من قبل عن امرأة لقبها بركات كان المتصل أحد زملاء أخى الطيارين وأمه فتحية بركات وكان ابنها وأخى يركبان سيارتها الزرقاء وقد تم تتبعهما حتى وصلا منزلنا حيث يقضى اخى عطلته وفهمت على الفور انهما كانا مراقبين وظن الجواسيس ان صبحى هو أنا ولذلك وقر فى أذهانهم أن لى علاقات مع ضباط فى الجيش والقوات الجوية وأننى أخطط لانقلاب ! فاتصلت بالامن وقلت للمسئول لقد التبس الامر على الرجل الاحمق الذى ارسلتموه ورائى فظن أن أخى هو أنا وأخى ضابط فله علاقات واسعة بأشخاص لا تربطنى بهم أى صلة

ومرة احرى لا حقونى لاننى لم أُدل بصوتى فى الاستفتاء على رئاسة الجمهورية كان عبد الناصر المرشح الوحيد فكان ينبغى عليك الاختيار بين نعم و لا ان تقول لا فهذا مشكلة لم أشأ أن أقول نعم ماذا عسانى أن أفعل ؟ لم أذهب للإدلاء بصوتى بعد اسبوعين استدعونى قالوا : لماذا لم تذهب إلى الاستفتاء ؟

قلت إننى كنت مشغولا جدا فلم يكن لدى وقت كى أذهب قالوا: إما أنك تقبل بالنظام وإما تكون ضده عدم التصويت يعنى انك لا تريد ان تبوح بما تعتقد ما عسى المرء أن يفعل ؟ !لم تكن لى وسيلة للعيش فى ذلك المناخ المفعم بالريبة والكراهية كان بعض الناس مجبرين على ذلك ادركت اننى لو سافرت فسوف احيا حياة افضل اردت ان اكون مواطنا يتمتع بحقوقه قررت الهجرة لم اكن متزوجا وكان بإمكانى المحافظة على صلتى بأمى وبإخوتى و أخواتى وأبى لا يزال حيا وهم يعيشون حياة طيبة يكونوا بحاجة الى وكنت أعرف كيف أدير شئونى الخاصة وكانت لى علاقات فى كل مكان

بموجب عقد انتاج الجبنة البيضاء للتصدير تقد يوسف ندا بطلب تاشيرة خروج فمنحت له انتقلت آلات مصنعه فى الاسكندريه الى الحاج عباس السيسي الذى كان يملك مصنعا لصنع الأجبان فى مدينة رشيد غادر يوسف مصر فى عام 1960 بإذن كامل من الحكومة وتصريح بالعمل وتأشيرة خروج ليبدأ التحول الكبير فى حياته

اصبح يوسف رجلا دوليا من رجال الصناعة يتمتع بقدرات عالية أنشأ لنفسه مكاتب فى كل من فيينا وطرابلس والرياض وجلاسجو وليختينشتين وراح يتنقل بين اوربا والشرق الاوسط حيث ينظم اعماله الحرة فى الشرق الاوسط وافريقيا لقد أنشأ بطاقته المتوهجة اعمالا تجارية كثيرة مثلما اقام علاقات مع شخصيات مشهورة كان يحرك السلع ويدورها بسرعة وانتظام الذرة الزيت الشعير الحديد القمح والاسمنت والدقيق والنحاس والالمنيوم والاسمدة كانت تجارته فى الاسمنت ومواد البناء الاخرى اكثر ارباحا من سائر المشروعات الاخرى

كان نجاح مشرعاته كبيرا الى الحد الذى جعله يتباحث مع زعماء الدول وأكابر رجال الاعمال كان يتمتع دوما بغزيرة الوصول الى صناع القرار الحقيقيين فى مجالى الصناعة والسياسة – وقد أخبرهم جميعا بانتمائه الى جماعة الإخوان المسلمين واعتزازه بذلك وكان منهم الرئيس التونسى الحبيب بورقيبة والملك الحاذق ادريس السنوسى ملك ليبيا المستقلة الذى ظل حليفا لبريطانيا وأمريكا رغم ازمة قناة السويس فى عام 1956 فالدولتان ساهمتا فى تأسيس مملكته بعد الحرب العالمية الثانية لقد أزعجت علاقات الملك الدولية القوميين العرب أمثال عبد الناصر

فى عام 1962 قابل يوسف الملك إدريس ونشأت بينهما علاقة ود وتوسط لهذا اللقاء فتحى الخوجة رئيس المراسم الذى أدرك رجل الاعمال الشاب أنه مسلم متدين نزيه

لقد أخبره الشاب يوسف عن اعتقاله والمعاملة التي تلقاها في مصر كان له أيضا علاقات مع مسئولين آخرين مثل الدكتور محمود أبو السعود الاقتصادي العالمي وعضو جماعة الإخوان المسلمين والذى كان معه في معتقل عبد الناصر الحربى عام 1954 كان الملك إدريس قد عين الدكتور ابو السعود مستشارا اقتصاديا للمصرف المركزي الليبي ولوزارة الاقتصاد كذلك في طرابلس كان سعد الجزائري حفيد الامير عبد القادر الجزائري اقرب اصدقاء يوسف له وكان سعد ينبض بالوفاء والإخلاص والتقى والمروءة والأدب والبراءة ما عرفه احد إلا وقدره واحترمه

وعلاوة على ذلك قدم الرئيس التونسي القوى الحبيب بورقيبة ليوسف حرية السفر والتنقل الثمينة إذ منحه الجنسية التونسية فجاءه معها جواز سفر الذى فتح أمامه العالم لينتقل في أرجائه وفى ليبيا كان لديه دعم رفيع المستوى من جانب الملك وكبير تشرفاته فتحي الخوجة

كان بمقدور ان يتعامل مع تعقيدات التجارة اما الشئون المنزلية فأمرها يختلف عاش يوسف الاعزب بين منزلين أحدهما في فيينا والأخر في طرابلس وكذلك كان يزور مرارا المملكة العربية السعودية دون ان تكون لديه الرغبة في قضاء وقت طويل فيها لق زاره هارون المجددى فى ليبيا وقضى معه فى منزله حوالى عام كامل كما زار أبوه صادق باشا المجددى يوسف فى منزله عدة مرات اثناء زيارته للملك ادريس إذ كانا صديقين حميمين وجاءت مع صادق باشا ابنته طاهرة المجددى

يسترجع يوسف ذكريات هذه الايام عندما حضرت طاهرة كنت مثقلا بأعمال كثيرة ولقد عاملتنى وكأنها أم لى كانت جميع أوعية المطبخ واوانى الطهى الجديدة لا تزال فى صناديقها إذ لم يكن لدى وقت أقضيه فى الشئون المنزلية فأحضرت طاهرة زوجين إيطاليين ليعتنيا بى فبقيا معى فى طرابلس وفيينا وبلدة طامبيونى حتى تقاعدا كنت اقضى وقتى فى العمل وإقامة شعائر الدين ولقد تبين لى ان ذلك كله كان نقطة تحول فى حياتى

كانت مشروعات الانشاءات بمثابة منجم للذهب فى ليبيا والخليج ونيجيريا وكذلك شرق وغرب وشمال افريقيا لقد غدت شركات يوسف المورد الرئيسى لمادة الاسمنت وبالتعاون مبر شركة ايطالية للاسمنت (شمنتير) صنع أول تيرمينال عائم للاسمنت فى العالم فى أكبر حوض إيطالى لبناء السفن فى ذلك الوقت وأصبح يوسف معروفا فى اوروبا والشرق الاوسط باسم ملك الاسمنت البحر الابيض

كان ليوسف مملكة اعماله الخاصة به فى ليبيا كان شابا واثقا من نفسه وناجحا ربما واثقا اكثر مما ينبغى خلال مراقبته لأسواق السلع تنبأ بارتفاع اسعار الحديد وفى اوائل عام 1969 اشترى مئة الف طن من مادة الحديد ودفع فيها عشرين مليون دولار امريكى – مئتى دولار للطن الواحد – على ان يتسلمها فى أكتوبر من ذلك العام بينما كانت اسعار الحديد ترتفع وشحت المادة فى الاسواق

احد منافسيه فى ليبيا كان (فيتورحداد) من رجال الصناعة الاذكياء ويحكى يوسف عن لقائه بحداد فيقول

يوم 20 أغسطس 1969 بينما كنت يوما اسير فى طرابلس ربت شخص على كتفى لقد كان فيتور حداد الذى سمعت عنه ولكن لن اقابله من قبل قلت له إننى سمعت عنه وعن سمعته فقال انه علم من المنتجين ان عندى كمية كبيرة من الحديد وسألنى إذا كنت ارغب ان ابيعه نصفها فى ذلك الوقت كان سعر الطن قد بلغ اربعمئة وخمسين دولار فزاد من قيمة الكمية بمقدار خمسة وعشرين مليون دولار لم اجد سببا يضطرنى لبيع السلعة فالاسعار مازالت فى ازدياد

نظر الى حداد وقال : هل لك ان تأخذ بنصيحة يهودى ؟

- سيكون الامر صعبا ولكن هات ماعندك

- بع نصف الكمية وغامر بالنصف الاخر

لم آخذ بنصيحته فلم أبعه

وبعد عشرة ايام فى اول سبتمبر عام 1969 استولى العقيد القذافى على الحكم فى ليبيا بينما كانت مملكة يوسف تزدهر اذ كان لديه اسطول يتألف من ست وثلاثين باخرة تجلب السلع الى ليبيا النفط والحديد والشعير والقمح وبعض الاسمنت الذى ساهم ببناء قسط كبير من الشرق الاوسط الحديث كما كان يملك فى ذلك الوقت كمية من مادة الحديد تقدرقيمتها بخمسة واربعين مليون دولار

كانت الساعة السابعة صباحا عندما تلقى يوسف نبأ الانقلاب بالهاتف من سعد الجزائرى وعندما ادار المذياع فى منزله فى طرابلس جاءت الاخبار مدعمة باصوات اطلاق النار فى المدينة عرف على الفور ان عبد الناصر سوف يدعم انقلاب القذافى اذن لم تعد ليبيا مكانا آمنا له

مع الانقلاب فرض منع التجول السير فى الطريق يعنى تصبح هدفا لرصاصة مالم تكن شخصا مهما مثل الدكتور سبنغ صديق يوسف كان سينغ هنديا سيخيا ويقول يوسف كان اعزب مثلى فكان دائما ياتى الى منزلى لتناول العشاء والاستماع الى الموسيقى والتحدث وقد يجلس ليقرأ فى مكتبتى عندما اكون مشغولا كانت تربطنا صداقة جيدة وكان مسموحا له بالتجول اذ كان لدى الاطباء اذن خاص بالتنقل اثناء حظر التجول

فأول شىء فعله ان جاء لزيارتى لقد اخبرنى عما يجرى جميع الثوار يهتفون لعبد الناصر وكأنه إلههم كان القذافى والآخرون يعتبرون عبد الناصر بطلهم كان ذلك أمرا سيئا بالنسبة لى كنت معروفا بمعارضتى لعبد الناصر واسمى فى قائمة المطلوب تصفيتهم كما كنت صديقا للملك ادريس لذلك بات من المؤكد انهم سيلاحقونى كانت لدى بواخر فى الميناء ولكن لم يتم افراغها

فى هذه الاثناء طرق بابى جارى فكتوريوبجانى صاحب توكيل شركة فولكس فاجن في طرابلس ولأنه كان يهوديا فقد كان خائفا مما يمكن ان يحدث له فقال : إنني وحدى وقد غادرت عائلتي منذ يومين الى روما ليحتفلوا بيوم الغفران وكنت انوى اللحاق بهم غدا لكنني الان وحيد وخائف حجا هل يمكننى البقاء معك ؟

فقلت له : هذا منزلى امامك هنا الموسيقى والمكتبة وهنا المطبخ وهاهى الثلاجة وموقد الطبخ وهاهى غرف النوم وكلها يمكنك استخدامها لقد اوصانا رسولنا صلى الله عليه وسلم على سابع جار فافعل ماشئت فقط لن استطيع الجلوس معك طويلا لان امامى اشياء كثيرة لا بد من عمله كان على ان افكر مليا كيف احافظ على حياتى استدعى " بجاتى " سكرتيرته الى منزلى فرتبت له امر هروبه الى كندا عبرمالطه فى صندوق جيتار وهربت انا ايضا ولكن فى اللحظات الاخيرة لقد ركبت فى سفينة شحن تحمل الاسمنت منطلقا نحو الحرية

فى الايام الاولى القليلة فرضت حالة حظر التجول اربعا وعشرين ساعة ولكن نتيجة لا حتياج الناس الى الطعام والمواد الاساسية الاخرى سمح برفع حظر التجول لساعتين ثم اربع ساعات فى اليوم كانت احدى بواخرى قد افرغت 700 طن من حمولتها وبقيت على متنها كمية مقدارها 300 كن كان القبطان فى طرابلس ومالك الباخرة فى ايونات وكنت اسدد الفواتير من فيينا

بينما كان القبطان يطلب نقودا انقطعت الاتصالات ولكن اذا ارسلت الى فيينا أي برقية حتى من السفينة لاتهمت بتهريب الاموال وارتكاب جريمة ضد النظام الجديد وقال لى القبطان ياسيد يوسف مالك السفينة سيعلن افلاسه ومن الافضل لو تحدثت اليه عن طريق جهاز الارسال فى السفينة

وضعت خطة وقبلت التحدث اليه من على السفينة فى اليوم التالى لقد كان هناك نقص فى المواد الغذائية فمن لديه منها شيء على متن احدى السفن كان يصرح له بالذهاب اليها بموجب اذن خاص وكانت هذه فرصتى عندما يذهب الشخص الى مكة لأجل الحج فإنك لا تذهب بموجب جواز سفر ولكن بموجب وثيقة الحج التى هى اذن سفر خاص للسفر من ليبيا الى المملكة العربية السعودية

ذهبت الى الميناء ومعى وثيقة الحج وجوزان للسفر ودفتر شيكاتى على بنك كريديت آنشتالت فيينا وبعض المال اخفيته فى حذائى كما اخذت معى مسدسا بلا تيكيا ولا شى غير ذلك ولا حتى موسى للحلاقة وثيقة الحج مكنتنى للوصول الى الميناء وتجاوز حرس الميناء عندما وصلت السفينة اخبرت القبطان انه يجب علينا الانطلاق كان شديد الاضطراب إذ اراد نقودا لاجل مالك السفينة كان الحصول على اذن من سلطات الميناء للابحار

قالوا لى : انتظر ان الحراس سيأتون بغية التفتيش وهذا مافعلوه جاءوا فى زورق حربى سريع كانوا نحو اثنى عشر رجلا فى بزات عسكرية ويحملون البنادق الرشاشة عندما اعتلواالسفينة فقد القبطان اعصابه وقال سيد يوسف يجب ان تخرج سيد يوسف ينبغى ان تغادر السفينة فأجبته هل انت مجنون ؟ لقد طلبت منى البقاء فأجبنى متوسلا : ياسيد يوسف لدى اولاد فقلت : نعم لديك اولاد هل تريدهم ان يعيشوا بدونك ام معك ؟ اذا لم يكن من بد الا أُقتل فإنك ستقتل قبلى ؟

لم يكن امامى سوى اخافته بالمسدس البلاستيكى الذى بدا وكأنه حقيقى انها الحياة او الموت كان هناك ثلاجة كبيرة فى قمرة السفينة فقال لى إن باستطاعتي الاختفاء خلفها كان مكتبه في الجانب المقابل من الغرفة فقلت له : اجلس على ذلك المكتب بحيث استطيع ان اراك واذا تحركت فسأطلق الرصاص عليك كان التوتر شديدا والجو حارا

وقف الحراس امام القبطان مستفسرين هل هناك أي احد مختبئ ؟ كنت اراقبه من وراء الثلاجة فرأيته يتصبب عرقا طلبوا أن يصحبهم لتفتيش فاعتذر وامر مساعده باصطحابهم لا جراء التفتيش لم يجدوا شيئا بالطبع فأعطوه الاذن بمغادرة ليبيا مكثت وراء الثلاجة سبع ساعات حتى غادرنا المساه الاقليمية تاركا ورائي ليبيا ومنزلي وتجارتي التي تقد بعشرات الملايين من الدولارات عندما خرجت ممن مخبئي كان على القبطان ان يحملني اذ شعرت

وكان الدماء تجمدت في جسدي ما استطاع جسدي ان يتحرك وحده ومازالت يدى مطبقة على المسدس كان نظري طوال الوقت متجها الى القبطان كان الرجل خائفا مما يعنى انه اصبح مصدرا للخطر لم اكن لأتنبأ بما قد يفعله ذهبنا من ليبيا الى تونس وقد كان لدى جواز سفر تونسي توسل الى القبطان كي ابقى معه حتى نصل الى اليونان لان طاقم السفينة سيقولون انثنى دفعت له نقودا كي يهربني من ليبيا او انه شيوعي اذ كنت الشاهد الوحيد على ما حدث حقا

لقد تنازعتنى فكرتان كنت قد اصبحت فى مأمن ولكن إذا بقيت فى السفينة كان على المرور بالمياه الإقليمية الليبية ثانية مما يعنى أنهم ربما يلقون القبض على ومن جهة أخرى : إذا نجوت أنا وذهب الرجل ضحية لذلك كيف لى ان اعيش بعدها ؟ انتابنى صراع داخلى فكيف لى العيش بعد ذلك مع إحساسى بأننى قد تخليت عن شخص ساهم فى حصولى على حريتى حتى وإن فعل ذلك مضطرا

قررت المجازفة والبقاء معه عندما جاء رجال الامن الى السفينة فى تونس قالوا بناء على جواز سفرى يمكننى مغادرة السفينة ولكننا تابعنا الابحار وبعد ان عبرنا المياه الاقليمية الليبية صعدت فوق برج السفينة لاستخدم جهاز اللاسلكى واتحدث الى المصرف فى فيينا اعطيت عامل اللاسلكى مبلغا جيدا من النقود فقال : ياسيد يوسف انتبه لنفسك فقد طلب منى القبطان ان ارسل ثلاث رسائل : واحدة لمدير ميناء بيريه والثانية لجهات الامن اما الثالثة فلرئيس الدولة واحسب انك فى خطر

عندما عرف القبطان اننى كنت فى غرفة اللاسلكى بدا عليه الاضطراب الشديداما انا فأخذت الامر بجدية فتوقفت عن أكل وشرب أى شىء غير معلب خشية أن يدس السم لى بقيت فى المقصورة حتى وصلنا اليونان طوقتنا ثلاثة زوارق حربية لتقتاد السفينة نحو المرسى كانت لديهم معلومات ان شخصا هاربا من ليبيا يختبىء فيها ثم وصل مالك السفينة الذى كان صديقا لى وراح يتشاجر بصوت مرتفع مع القبطان باللغة اليونانية وحاول ضربه

ثم وصل رجال الشرطة وطلبوا جواز سفرى وسألونى من أين أتيت أجبت غاضبا من تونس لدى جواز سفر إننى لا أحتاج لتأشيرة دخول أننى أدخل بلادكم من ميناء يسمح للجميع بالدخول منه

لاحظ ضابط اخر الغضب الشديد يعلو وجهى فتقدم قائلا : ياسيد يوسف لا تغضب فإنني أعرف قضيتك أين جواز سفرك ؟ نظر الى جواز السفر ثم قال : عندنا مشكلة ياسيد يوسف إن قضيتك ليست بأيدينا إنها عند رئيس الدولة لقد وصلتنا رسائل وكذلك لرئيس الدولة اليوم هو يوم الجمعة مساء لا أحد يستطيع الاتصال بالرئيس غدا وبعد غد كذلك لا يستطيع احد الاتصال به هل يمكن ان تطلب منك البقاء على متن السفينة حتى صباح يوم الاثنين ؟

لم يكن لي خيار آخر فإما البقاء في السفينة وإما النزول عنها إلى البر حيث أذهب إلى السجن لأقصى عطلة نهاية الاسبوع طلبت من مالك السفينة أن يهىء لي محاميا ويتصل بغالب همت الذى أثق به كي يلحق بي من ميونخ بأقصى سرعة ممكنة في صباح يوم الاثنين وصل رجال الامن وسألهم المحامي عن وجهتنا فأجاب قائدهم : ليس مسموحا لي أخبرك

طلبوا من المحامي البقاء ثم أخذوني الى مقر رئيس الدولة " جورجيوس بابا دبولوس " الذى سيطر على الحكومة بانقلاب قام به منذ سنتين لم أكن قابلته من قبل

" بادرته بالسؤال : ياسيادة الرئيس هل من خطأ ارتكبته ؟

- كلا .. كلا لا توجد مشكلة إذا أردت اللجوء فسنمنحك ذلك لقد أخبره

تهم كي يضعوا على جواز سفرك ختم إقامة لمدة عام واحد وإذا أردت أكثر من ذلك فليس هناك مشكلة إنك الوحيد الذى خرجت من ليبيا إن جميع الاخبار التي نسمعها عن ليبيا تصلنا عبر الاذاعة البريطانية أريد أن أعرف الحقيقة إن ليبيا مهمة جدا بالنسبة لنا ملك ليبيا هنا في اليونان إذا لم نعامله جيدا ثم عاد فإننا سنخسر ليبيا وإذا عاملناه جيدا ولم يعد وبقى القذافي في السلطة فإننا سنخسر ليبيا كذلك اريد أن أعرف

كان الملك في رحلة علاج في تركيا عندما استولى القذافي على الحكم فأبحر من هناك الى قرية ندعى " كمينا فورى " على بحر مرمرة سألني " جورجيوس بابا " إذا كان الملك يحظى بشعبية واسعة فقلت له : إنه كذلك وإن الناس يحبونه فسألني إذا كنت اعتقد أن الملك سيعود إلى ليبيا فأجبته إنه لن يعود فتعجب من ذلك التناقض فقلت : حقا إن شعبه يحبه

ولكن رجال الملك إدريس الذين من حوله إذا استثنينا كبير تشريفاته المعتقل الان فكلهم فاسدون وجبناء أخبرته ان الشعب قد سئم الفاسدين والعصابات في الحكومة وان الشعب سيرحب بالقذافي والضباط الجدد وإن دعاية عبد الناصر موجودة هناك ليبنوا عليها وقد كان القذافي واعوانه يهتفون لعبد الناصر عندما غادرت ليبيا

نظر إلى ثم قال هذا يهنى أن الملك لن يعود وافقته في الرأي ثم أصدر أوامره بالترتيبات اللازمة لمعونتي إذا ما احتجت مساعدة سألته إذا كان باستطاعتي زيارة الملك ياسيد يوسف اننى لم اسمع شيئا اعاد ذلك مرتين فشكرته كثيرا ثم انصرفت التقيت بعد ذلك بالمحميين وطاقم السفينة ثم استأجرت انا وغالب همت سيارة وذهبنا لزيارة الملك ادريس كان الوضع محزنا جدا رأينا الرجل مُسنا وهزيلا جدا

قبلت يده وقلت له : أنا فى خدمتك أخبرنى إذا كان بوسعى ان افعل شيئا فقال اعتقد أننى ساقضى حياتى فى صر لم يرد البقاء فى اليونان لانهم إذا عاملوه كلاجئ فلن يقبل ذلك وإذا ما عومل كملك فالقذافي والمعارضة سيغضبون لقد كان الوضع حساسا كان رجلا صالحا لكنه محاط بأناس سيئين باستثناء كبير تشريفاته الذى اعتقله الانقلابين الجدد في طرابلس

بعد ذلك اللقاء لم يسمع احد بالملك في اليونان إذ بقى حوالى عشرة ايام ثم غادر الى مصر ركبت انا وغالب اول طائرة الى فيينا ومنت آنذاك مريضا لم أقو حتى على الوقوف

الا أن يوسف ندا أصبح على علم بقائمة عبد الناصر المؤلفة من ثمانين من أعدائه " الخطرين " المطلوب ترحيلهم من ليبيا الى القاهرة انها قائمة ارسلها عبد الناصر الى مساعده القذافي الذى راوده الطموح كي يصبح قائد العالم العربي بديلا عن دكتاتور نصر

غادر يوسف طرابلس في التاسع من سبتمبر 1969مختبئا كما ذكرنا من فبل وراء ثلاجة قبطان السفينة في اليوم التالي وصلت قائمة " أخطر المطلوبين "من القاهرة وعلى راس قائمة المطلوب ترحيلهم الدكتور محمود أبو السعود ثم يليه الاسم الثاني القائمة يوسف ندا

كان الدكتور محمود أبو السعود الذى يعمل مستشار رئيسيا في المصرف المركزي ووزارة الاقتصاد اثناء حكم الملك ادريس يقضى اجازة عندما حدث الانقلاب اذ ذهب الى امريكا حيث ساعد في تنظيم الإخوان المسلمين وساهم في نشاط جمعية الطلاب المسلمين في امريكا (MSA) Muslim Student Association

كان يوسف لا يزال مختبئا وراء الثلاجة عندما وصلت قائمة المطلوبين ال طرابلس تم ترحيل الآخرين ومكثوا في السجن دون محاكمة سنين عددا حتى وفاة عبد الناصر ثم اطلق سراحهم أنور السادات وقد اختفى بعضهم خسر يوسف الملايين بما في ذلك شحنة الحديد (وندم على ذلك قائلا : منذ ذلك اليوم أصبحت دائما أقسم قراراتي الى نصفين متبعا نصيحة فيتوريو حداد

بيد أنه بعزيمته الماضية استطاع ان يعيد تكوين نفسه بصورة رئيسية في اوروبا متخذا لنفسه مسكنا في بلدية " كامبيونى "الايطالية التي تستقر هادئة ضم المقاطعة السويسرية " تشينو " والتي تفصلها عن ايطاليا بحيرة لوجانو والجبال البديعة التي تحيط بها من ذلك المكان أنشأ مكاتب بعيدة وصلت الى " إنديانابوليس " في امريكا و " جلاسجو " في إسكتلندا ومكاتب اخرى كثيرة موزعة بين الرياض وليختنشتاين ولا جوس وفيينا

ما كانت الاربع وعشرين ساعة في تكفيه ليتابع اعماله التجارية لقد كان السباق والتاجر الصياد ومحاورا للعلاقات العامة ومفاوضا مرنا وفطنا يدير شبكة علاقات معقدة في التجارة والسياسة والدين والنشاطات الاجتماعية كانت علاقته بموظفيه رسمية وضمن مجال العمل واحتاج يوسف لشخص يثق به ليس في اعماله فقط بل في المجالات الاخرى ايضا

يجب ان يكون ذلك الشخص معروفا لديه مسلما ملتزما وجديرا بالثقة ومهذبا وقادرا على ان يتصرف كماص للصدمات اعتقد يوسف ان على غالب همت يتمتع بجميع هذه الصفات إنه رجل محب للسلم بين الرجل والآخر والرجل والمرأة وليس فقط بين الامم او الفصائل لقد قيل ذات مرة لو أن أحدا جذبه من سترته لخلعها وقدمها له التقى يوسف ندا بغالب همت اول مرة قبل عشر سنوات في مخيم اسلامى في ميونخ اثناء عطلة ميلاد المسيح

طلبت منه المجيء الى فيينا وفاجأته بعرض كي يعمل معي شريكا فقال ليس لدى نقود ولا خبرة ولا معرفة قلت له انك لا تحتاج الى النقود وانا سأدربك اما الخبرة فستأتي مع الوقت اخبرته ستكون نائبا مساعدا لي اثناء حضوري وغيابي وستكون مسئولا عن المكتب الخلفي وسنسافر معي إذا اقتضى الامر أو بمفردك الى الاماكن التي لا أستطيع السفر اليها سأعتبرك اخا اصغر لي وليس شريكا في أعمالي فحسب

عرضت عليه خمسين بالمئة من الارباح فلم يكن امامه فرصة للرفض ولم يكن لدى وقت للتفاوض لم نكتب شيئا ولكن الاتفاق تم واستمر لأربعين عاما حتى ازال مجلس الامن الدولي اسمينا من القائمة فأخذ كل منا خمسين بالمئة من الاصول والممتلكات المتبقية من اعمالنا المشتركة

ورغم انتهاء شراكة العمل مازلنا اسرة واحدة ومازال هو اخى الاصغر واسرته هي اسرتى لقد كان غالب همت الموتور الصامت الذى أزوده بقوة الافكار فما إن ينتهى من عمل حتى أكلفه بعمل أخر لا يقل اهمية عن سابقه كان غالب عملاقا بأدبه وثابتا في إخلاصه ومتشبثا بمثله العليا وملتزما بدينه في تواضع صوفي ولا يعنى هذا انه كان ملاكا لا يخطئ ولكن سمو مقوماته كانت تتعدى الطلاسم التي يخفيها صمته

من فيينا أعاد يوسف ندا تجميع موارده ثم نهض مرة اخرى وازدهرت اعماله من جديد كانت دول النفط الغنية – مثل السعودية والكويت وشمال افريقيا ونيجيريا تنهض عمرانيا في ذلك الوقت وبفضل صوامع الاسمنت العائمة واسطوله البحري استطاع بسهولة ان ينقل مواد البناء من اوروبا الى الشرق الاوسط وافريقيا

فما كان احد ينافس يوسف ندا إذ حافظ على لقبه ملك الاسمنت في حوض البحر الابيض المتوسط كان بمقدوره نقل كميات كبيرة في اكياس او سائبة حسب حاجة السوق لقد سيطر على السوق بفضل اسطول الشحن الذى كان ينقل كميات الاسمنت المعبأة وغير المعبأة من اليونان ويوغسلافيا وبلغاريا ورومانيا وروسيا وايطاليا واسبانيا وتركيا بل والمانيا

خلال ثلاث سنوات اعقبت هروبه من ليبيا اصبح يتاجر في سبع ملايين طن من الاسمنت سنويا ويشحن كمية موازية من الحديد خسر يوسف عشرات الملايين من الدولارات نتيجة انقلاب القذافي ولكنه عاد ليصبح اكثر قوة وأرفع مكانة في مجال التجارة والصناعة الدولية في عام 1974 اسس شركة ندا الدولية في الرياض بالمملكة العربية السعودية حيث اصبحت له بعد بضع سنوات علاقات مع الملك فهد ومستشاريه

حتى اثناء ولاية عهده للملك خالد حيث كان يدير المُلم كملك غير متوج قبل تشغيل صوامعه العائمة كانت الحاجة لمادة الاسمنت ملحة جدا بسبب طفرة البناء فكانت تفرغ بواخر الاسمنت بواسطة الحوامات في ميناء جدة تضاعفت صفقاته التجارية وثروته وتنوعت وكذلك ادواره في جماعة الإخوان المسلمين المحظورة من قبل عبد الناصر رغم ممارسته للسياسة في الخفاء

بموت عبد الناصر عام 1970 نتيجة ازمة قلبية اصبح نائبه أنور السادات الذى كان تابعا خاضعا لعبد الناصر رئيسا على مصر اعتقدت مجموعة العسكرين الاقوياء المحيطين بعد الناصر انهم يستطيعون إخضاع أنور السادات لإرادتهم ويقول يوسف عن السادات انه كان مخلصا لعبد الناصر ولكنه كان ضعيف لا يهتم الا بمصالحه ومُته الشخصية استولى الضباط الاخرون على الامر وثبتوا السادات معتقدين انهم يستطيعون احتواءه لكنه كان اكثر ذكاء منهم فوضعهم في السجن واصبح عليه ان يحمى ظهره

رغم اضطهاد السادات لجماعة الإخوان المسلمين بأوامر من عبد الناصر الا انه امر بإطلاق سراح الإخوان من السجون وقال ان المبعدين يستطيعون العودة ثانية دون ان يمسهم اذى فعاد كثير من الإخوان بعد ان كان اغلبهم يعيشون في دول عربية وإسلامية ورغم ما كان لدى من مكاتب في كثير من هذه الدول بما ذلك القاهرة فلم اكن اعيش في أي بلد عربي وقد رفضت العودة

في عام 1974 مع صعود نجم يوسف ندا انتقل من مسكنه صاعدا الهضاب في طريق متعرج خارج " كمبيونى " الايطالية ليقيم في فيلا ندا الرائعة على سفح جبل والتي تطل على البحيرات بمنظرها الخلاب كان ايضا قد تزوج مؤخرا من آمال الشيشكى من مدينة حماة السورية ورغم اعتراضه على بعض مفاهيم وتصرفات اهل التصوف الا ان ما اغراه بزواجها هو اعتدال صوفيتها

ووضوح رؤيتها للصواب والخطأ والحلال والحرام وإلمامها بالفقه والتزامها به وحفظها لثلث القرآن وهذه الصفات بالذات اكتسبتها من علاقتها بالسيدة الفاضلة منيرة القبيسي التي تعتبر دعامة الحركة النسائية الاسلامية في سوريا والتي كان لها الفضل في انقاذ عشرات الالاف من نساء سوريا من الانحراف الخلقي والديني وله مريدات في بلاد كثيرة اخرى ويكن يوسف لمنيرة القبيسي الكثير من التقدير والاحترام

سرعة نسارع الاحداث في حياة يوسف ندا لم تمنعه من تسطير مشاعره تجاه زوجته ومشاعرها تجاهه بالصعود والهبوط كسنة الحياة رغم الرضا والمحبة ولم يكن قبلها ولا بعدها يقرض الشعر ولكنه أهداها قصيدة ولذلك خرجت ركيكة غير موزونة وكلما غضبت اعادها على مسامعها فتغير الجو وعاد الوئام

قامت في الليل داعية وتركت من يداعبها

فتوجهت إلى ربى احتسابا ورضاء .. بل أشجعها

أجهر بآمال .. أناديها وأصواتي لا تُشنُفها

تسمعها أوامر فظ غليظ والاوامر تُحرك تمرُدها

تراها قيودا وكل قيودى تريد أن تُكسرها

لها لسان ولا عقل لها .. والقلب شىء يُشرفها

لها دين قلب وسماحة وليس من يضارعها

رجوت عطفها فأ عرضت عنى بكل قسوتها

تعود تئوب كطائر وديع وترضينى من سماحتها

إن تلطفتُ استضعفتنى وتجبرت فلا بد أن أزجرها

وإن قسوت ضعفت وبكت فأضطر أن أُهدهدها

وقبعت وحدى مهملا أخشى من تصلبها

وقررت ان ارضى فلا استطيع ان اغيرها

هى آمال .. وآمالى هى وعلى أن ألا طفها

وكان والد آمال صلاح الدين الشيشكلى ضابطا فى الجيش ورجلا سياسيا وقوميا عربيا وفى 1953 اصبح عمها اديب الشيشكلى رئيسا لسوريا إثر تنقلاب عسكرى بعد فترة قصيرة من عام 1955 أطاح به انقلاب اخر مدعوم من العراق اشترك فيه البعثيون والشيوعيون السوريون والحزب الدُرزى (أهل التوحيد)

كان اديب الشيشكلى يتمتع بعدم كبير من الجيش والحكومة لكن تجنبا لسفك الدماء فى الشوارع دمشق عندما تحدى الانقلابيون سلطته تجنب المواجهة ونفى نفسه اربع سنوات الى سويسرا وهناك جاءه من يحذره من خطة مدبرة لا غتياله فغادر سويسرا الى البرازيل وهناك اشترى مزرعة وسوى ارضها الا انه لم يجد مهربا من القل ففى 27 من سبتمبر قتله " نواف غزالة " عضو الحزب الدرزى السورى فى " سرس " فالبرازيل

لم تكن عروس يوسف غريبة إذن عن السياسات المضطربة ولكن كان عليها فى البدء التعامل مع موضوع حساس ألا وهو دبلوماسية الضيافة لم يمر عليهما فى منزلهما فى " طامبيونى " اكثر من اسبوع واحد عندما اعلن زوجها ان بعض الضيوف سيحضرون الى العشاء كم عددهم ؟ ربما حوالى مئة وعشرون لم تعتد آمال الشيشكلى على مثل هذه الاعداد رغم ثقتها وقوة شخصيتها وطباعها الاجتماعية كان لدى زوجها فريق من الخدم والطباخين والمساعدين فى المنزل ومن فتدق " أوليفيلا " المجاور ذى الخمسة نجوم فى قرية " موركوت " والذى زود المنزل بطعام إضافى وبعد خدم الضيافة

اقام يوسف ندا تلك الوليمة ليرحب بجمع من المفكرين المسلمين من جميع انحاء العالم من بينهم يوسف القرضاوي واسماعيل الفاروقى وعبد الحميد ابو سليمان ومحمد المبارك وخورشيج احمد وأحمد العسال وثلاثة من مديرى شركات ندا الدولية فى الرياض هشام الطالب وجمال برزنجى ومحمد شمة وآخرون كثيرون

لقد تردد كثيرا لسنين عديدة ان هدفهم كان تاسيس المعهد الدولى للفكر الاسلامى ولكن يوسف مضيف ذلك المؤتمر يؤكد امرا مختلفا فلم يكن ذلك المؤتمر لاجل تاسيس المعهد الدولى للفكر الاسلامى ولكن كان لقاء يضم مجموعة من الملتزمين بالاسلام كى يتحدوا بتوجهاتهم ويحاولوا توحيد المفاهيم الاسلامية لا يمكن نشر الدين بالسيف فى بداية ظهور الاسلام لم يكن هدف الحروب فرض الاسلام على من لم يقبله ولكنها استهدف من حاولوا ايقاف نشر الدعوة

ينبغى عليك الوصول الى اذهان الناس كى تقنعهم بأفكارك وبما تريد صحيح ان اولئك الذين حضروا فى بيتى ذلك الاجتماع ينتمون لبلدان مختلفة ويتبعون طرق تفكير مختلفة لكن جميعهم كانوا مرتبطين بطريقة او بأخرى بفكر جماعة الإخوان المسلمين لم يريدوا قتالا ورفضوا طريق العنف

لقد بدأت جماعة الإخوان المسلمين فى مصر وحتى وقتنا هذا نجد ان جميع الحكومات التى تولت السلطة فى مصر استهدفت الجماعة فسجنتهم وصادرتهم واعتقلتهم وأوقفت نشاطاتهم لقد اتخذت جميع الإجراءات التى من شأنها أن تشلهم ولكنهم كمنظمة قبلوا ان يحملوا على اكتافهم جميع المتاعب دون ان يقابلوا ذلك بالعنف صحيح ان واحدا او اثنين او عشرة اشخاص على اكثر تقدير قد خرجوا عن الخط واستخدموا العنف لكن لم تكن المنظمة هى التى فعلت ذلك بل كانوا افرادا بذواتهم قد خرجوا عن الخط وتصرفوا على نحو مستقل

ايمن محمد ربيع الظواهرى الرجل الثانى بعد اسامة بن لادن كان عضوا فى جماعة الإخوان المسلمين ولكن عندما حاول إقناع الاخرين بأن العنف هو السبيل وضعوا جدارا بينهم وبينه مما جعل ايمن الظواهرى يهاجم الإخوان المسلمين ويعتبرهم كفارا

لقد انشق وشكل جماعته العنيفة الا انه لم يستطع اقناع الإخوان المسلمين بالالتحاق به إذا اعتبروه شخصا غير ناضج لقد ذهب وحيدا وفعل ما أراد مع المجموعة التى شكلها لم تستطع جماعة الإخوان المسلمين ايقافه ولم تستطع الحكومة منعه فكيف لنا ان نفعل ذلك

حتى قبل مصرع ابن لادن كانت القاعدة تتألف فقط من الظواهرى وقليل من المحيطين به لا اكثر فى راى ان عدد اعضاء القاعدة فى عام 2012 لا يتجاوز مئة شخص انهم لاشىء ولايستطيعون فعل شىء انهم ظلال فحسب ولكن حتى الظلال تخيف احيانا لقد اوجدت امريكا شبحا ثم ضخمته جدا لدرجة ان الخوف ذاته اشتد ايضا الارهاب موجود فى العالم منذ زمن ابنى ادم هل ينبغى للحياة كلها ان تتغير بسبب حفنة من المجانين ؟ !

لقد كان هذا العالم عنيفا في الماضي ومازال ويوسف ندا تعلم اتخاذ الاحتياطات اللازمة كان دائم السفر والتنقل وكلما سافر عرف غالب همت وفريق عمله بتحركاته كما كانوا يتابعونه وغالبا ما كان يأخذ تأشيرة دخول البلد منفصلة عن جواز سفره حتى لا تظهر على الجواز أختام تضر مصالحه يوما ما

كان لدينا نظام تدقيق وإعادة تدقيق فكلما ذهبت الى أي مكان كنت اتصل بهم هاتفيا فيعيدون الاتصال بى كى يتأكدوا ان الاتصال لم يكن تحت التهديد واننى فى المكان الذى اخبرتهم بأننى أهاتفهم منه ثم كانوا يعاودون الاتصال بى للتاكد منسلامتى كنت دائما افعل ذلك لاننى غالبا ما اكون بصحبة اناس مستهدفين بالقنابل او بالرصاص او بكليهما معا فربما كنت متضررا بريئا ولست الضحية المستهدفة

عندما تنقل يوسف ندا فى عواصم الشرق الاوسط فى اوائل السبعينات من القرن العشرين قال انه قد اكتشف مجتمعا نزيها للغاية - بينما كنت ذاهبا الى شركتى فى الرياض طلب منى بعض مكاتبى هناك ان احضر معى نصف مليون دولار لسداد نفقاته كان حمل النقود امرا مألوفا وغير ممنوع وضعت النقود فى حقيبة وذهبت الى المكتب وبع حوالى اربع ساعات سالونى عن النقود فلم اجدها ظننت اننى تركتها عند مكتب استقبال الفندق فاتصلت بهم

فقالوا لى ان سائق سيارة الاجرة قد احضر حقيبة مليئة بالنقود قائلا انها حقيبتى واننى قد تركتها فى سيارته ورغم معرفة سائق السيارة ان المبلغ كان كبيرا جدا الا انه احضر الحقيبة وسلمها لموظفى الاستقبال فى الفندق وهم بدورهم عرفوا ايضا ان المبلغ كبير جدا لكن لم يمسه احد منهم ذهبت الى الاستقبال وفتحت الحقيبة ووجدت ان المبلغ لم يتقص دولار واحدا بعد ذلك وجدت سائق الاجرة وأردت مكافأته ولكنه رفض ان يأخذ أي شىء وقال لى : لا استطيع ان اخذ نقودا كى اثبت اننى امين وانا لا آخذ نقودا ليست لى إن واجبى ان اردها لمالكها وإلا اصبحت لصا حاولت جاهدا ولكن الرجل لم يأخذ شيئا

فى نهاية الثمانينيات من القرن الماضى كان لدى فى الرياض بالمملكة العربية السعودية مصنع لخلط خرسانة الاسمنت وكانت به خزينة لحفظ الاموال مبنية بالخرسانة فى الحائط وذات يوم حضر العاملون ففوجئوا باختفاء الخزينة بأكملها من مكانها الحصين فالتغير قد بدأ يعترى المجتمع

في منتصف السبعينيات قام حسب الله الكفراوى وزير الاسكان والتعمير المصرى ووفد من وزارته بزيارة يوسف ندا فى سويسرا محاولا اقناعه بمساعدة بلده كان الاسمنت يباع فى السوق السوداء بعشرة اضعاف سعره الحقيقى فأرادت الحكومة ان تجد حلا كان رئيس الوزراء انذاك ممدوح سالم الذى اشرف على اعتقال يوسيف الشاب فى الإسكندرية وذلك اثناء عمله كضابط فى الامن اكد له حسب الله الكفراوى انه ليست هناك تعوقه عن العودة الى وطنه لقد عاد الى الوطن جميع الإخوان المسلمين من جميع انحاء العالم

لم يقتنع يوسف ندا ولكنه احتفظ برايه لنفسه كان يعلم انه مالم تسر جميع الترتيبات بسهولة تامة فإنه لن يورط نفسه فى أي مشروع طلب ان يكون له مرسى فى ميناء السويس كى ترسوا فيه إحدى صوامعه العائمة لتوريد الاسمنت كما طلب التصريح له بجلب مئة عربة قطار خاصة لنقل الاسمنت من اسطوله السويسرى لقد اعطت السلطات مرسى الميناء لمواطن اسرائيلى يدعى سليمان بن ناتان ولم يوضح احد اسباب هذا القرار فى الوقت ذاته اتصل بيوسف الامير محمد الفيصل نجل الملك فيصل ملك السعودية الذى قد اغتيل قبل ذلك بقليل لانه يريد ان يؤسس مصرفا فى مصر

وكانت علاقات الامير بالسادات طيبة فحصل على الترخيص لانشاء مصرف فيصل الاسلامى ويضيف يوسف ندا قائلا بالإضافة الى مؤثرات اخرى فكمال ادهم رئيس الاستخبارات الامريكية وزارة الاوقاف المصرية اقترحت ان يصدر الترخيص للمصرف الإسلامي بحيث يكون نصف راس ماله مصريا والنصف الاخر من الدول الاسلامية الاخرى

قال لي الامير محمد الفيصل : لا أريد أن يُملى على الاخرون شيئا يخالف احكام الاسلام انثنى احتاج ان يكون معي من بين ما لكى اسهم النصف المصري شخص استطيع الوثوق فيه ملتزم بمبادئ الاسلام من اهل هذا البلد انثنى احتاجك هناك يجب ان تشارك في المصرف وتشترى بعض الاسهم

قلت له " انثنى لن اذهب الى مصر ففي عام 1966 حكموا على بالسجن عشر سنوات غيابيا كنت بريئا ولكنني مستهدف قال الامير : الان لا توجد مشكلة ولدينا علاقات جيدة مع السادات نستطيع ان نرتب لذلك رفضت ولكنه الح قال اجتماع توزيع الاسهم ينبغي ان يكون في مصر ودون ان اخبر احدا ذهبت الى القاهرة في نهاية عام 1977 كان على غالب همت وموظفي مكتبي ان يراقبوا تحركاتي

اخذت جواز سفري التونسي وليس المصري ووصلت في الساعة الثامنة مساء فأبقوني في المطار حتى الساعة الثانية صباحا ومن وقت الى اخر كان احد الضباط يدخل على ثم يختفى بعدها اخذوا جوازسفرى الى المباحث العامة ثم المخابرات الحربية وفى نهاية المطاف جاءنى ضابط ذو رتبة عالية وقال : ياسيد يوسف عليك ان تحل المسألة مع السلطات العليا إننا خدم ننفذ الاوامر

سمحوا لى بدخول البلاد فذهبت الى الفندق فى الساعات الاولى من الصباح هاتفت حسب الله الكفراوى وقلت له اننى سأرحل اليوم اخبرته بما حدث فطلب منى ان انتظره حضر الى خلال نصف ساعة بارك الله فيه لقد كان لطيفا ومهذبا جدا معى بعد خمس عشرة دقيقة اتصل بى وزير الداخلية النبوى اسماعيل الذى كان ايضا نائب رئيس الوزراء يوسف لقد سمعت بالقصة هذا مستحيل ان البلاد ليست كما كانت من قبل انها منفتحة ونحن نحتاج لابنائنا اننا نحتاج للمصريين كى يأتوا من كل مكان لقد كان ذلك خطأ ربما خطأ من المخابرات الحربية لكن يجب ان نلتقى

قلت له انا اسف يامعالى النائب سواء كانوا ضباطا صغارا فالامر قد حدث وهذا يعنى ان هناك شيئا خطأ ويجب ان اغادر اليوم حضر الوزير بعد نصف ساعة وقلت له : أعلم انك قد فعلت اشياء كثيرة طيبة لهذا البلد وأنك تبذل قصارى جهدك لى وللآخرين وأنا أثمن ذلك ولكن ماعساى ان اقول بعدما حدث لى ؟ إننى أفهمك وأصدقك لكن لابد أن هناك أطرافا وقوى أخرى تتدخل فى هذه اللعبة

قال ربما كان ذلك من الماحى (كان الماحى رئيس المخابرات الحربية) ولو أردت أن اعتقلك الان لما استطعت

فقلت: بالطبع تستطيع فهذا واضح أمامى كل الوضوح

قال: ما كنت لا خبرك بذلك ما لم يكن حقيقيا هناك ايضا خطا من ناحيتك فشخص فى مكانتك ينبغى عليه ان يبلغنا بقدومه كى يتم استقباله فى صالة كبار الزوار

قلت: إننى أصدقك ولكن ما يحدث من جانبك او من أي طرف آخر هو الحقيقة بالنسبة لى وأنا أردت رؤية الحقيقة

في اليوم ذاته دعاني حسب الله الكفراوى الى الغداء مع النبوى إسماعيل وأربعة من أكبر رجالات الاعمال فى مصر حينذاك عثمان احمد عثمان واخوه حسين عثمان والحاج حلمى عبد المجيد وعبد العظيم لقمة وكانوا جميعهم اصدقاء لى كذلك لقد اخبرونى ان كل شىء فى البلاد تغير تغيرا جذريا وانها حقبة جديدة وكلهم أرادوا منى البقاء فكرت مليا وقلت شكرا جزيلا ثم مكثت اسبوعا واحدا

المرة الاخرى التى ذهب فيها يوسف الى مصر صاحبته فيها زوجته وكانت الزيارة لإتمام اختيار اعضاء مجلس ادارة مصرف فيصل الاسلامى كان يبغى ان تحصل وزارة الاوقاف المصرية على العدد الاكبر من الاسهم المصرية وحصل يوسف على ثانى عدد من تلك الاسهم وقد تم انتخابه عضوا لاول مجلس إدارة للمصرف

وعن تلك الزيارة يقول يوسف لقد وضعوا تحت تصرفي سيارة بسائقها ومثل ذلك لزوجتي وبينما كنت في أحد الاجتماعات عادت زوجتي الى الفندق وطلبت مفتاح الغرفة فلم يكن موجودا على اللوحة فاعتقدت اننى فى الغرفة ولكن عندما ذهبت الى هناك صادفت ثلاثة رجال يخرجون من الغرفة وقيل لى بعدها إن بعدها إن أولئك الرجال ربما كانوا من المخابرات الحربية او من جهاز امنى آخر قلت : ليس مهما من أى جهاز أتوا فالنتيجة واحدة انهم إذا فعلوا ذلك مرة فبوسعهم ان يفعلوه ثانية وثالثة

حضر يوسف ندا اول اجتماع لمجلس ادارة مصرف فيصل الاسلامى فى مصر مع الامير محمد الفيصل لكنه استقال من مجلس الادارة مبقيا على اسهمه كان لى اصدقاء يعملون فى المصرف وكذلك رئيس المصرف والمؤسس ولانه كان مصرفا اسلاميا فكان بين العاملين فيه عدد من جماعة الإخوان المسلمين

اما بالنسبة لمصر فقد غادرتها ولم اعد اليها إذ لا استطيع ان انسى ما حدث لى اننى لا استطيع محو ذلك ذلك كما تزيل الممحاة كتابة القلم الرصاص فبعد ما عانيته فى السجن الحربى ما كنت لأغامر كى ينتهى الامر بى المعتقل إلا ان ذلك لم يمنعه من تعريض نفسه للخطر

الفصل الرابع:موكب الشاه الأخير

يفتشون عنه هما يفتشون عنه هناك هل فى الجنة؟ أم هو فى النار؟ ياله من مراوغ لعين زهرة حنك السبع القرمزية البارونة إيمويكا 1903

من أوائل المهمات التى القيت على عاتق يوسف ندا باعتباره موفدا دبلوماسيا ومفاوضا من قبل الإخوان المسلمين كانت مهمته مع واحدة من اهم حوادث الرن العشرين الثورة الايرانية وعودة آية الله السيد روح الله موسوى خمينى وتصاعد الانبهار الواسع من الغرب مصطحبا بالخوف من الاسلام فى جميع جوانبه سياسته وروحانياته

قبل وصول خمينى ربما كان المراقب الغربى العادى لا يرى فى العالم الاسلامى سوى البترول والارهابيين والمشكلات الدائرة فى فلسطين وقليل من كان يعرف الفرق بين السنة والشيعة – فكلتا الجماعتين المسلمتين كانتا تعنيان نفس الشىء عند معظم الاشخاص فى الغرب

لكن يوسف ندا يُصر على أن وجود الجماعتين استخدم قرونا من الزمان كأداة لسياسة " فرق تسد " خدمة للمصلح الاستعمارية كل من الفريقين له تفسيرات لتراث النبى محمد صلى الله عليه وسلم – مثلما ان العلماء والفقهاء يستنبطون تفسيرات مختلفة لتعاليم الاسلام وكما نرى عادة يلوى البعض أعناق الكلمات لتعزيز مبادئ أو سياساتهم وليست رؤية الجمال وحدها التى تختلف باختلاف الرائى ولكن الدين أيضا حمال أوجه

عندما تُوفى محمد صلى الله عليه وسلم عام 632 م أصبحت قيادة الامة موضع تساؤل لم يترك الرسول أبناء يرثونه فقد توفى أبناؤه الثلاثة في طفولتهم كما انه لم يحدد اسم خلفه ولم يترك وصية مكتوبة وهذه مشكلة دائمة فأهل السنة (أي متبع وسنة الرسول أقواله وأفعاله وإقراراته) يقولون إن الصحابة المقربين قد اختاروا ابا بكر رضى الله عنه ليكون الخليفة أي امام المسلمين بعد النبي وفى الوقت ذاته يُصر الشيعة (أو شيعة على " أي أنصاره على أن عليا لم يكن موجودا عندما اختار الصحابة ويقولون إن النبي قال ابن عمه وزوج ابته على بن ابى طالب رضى الله عنه هو الامام من بعده

وكانت الغلبة للسنة واصبح الشيعة يخالفون القسم الاكبر من المسلمين والامامة لدى الشيعة أصل من أصول الدين فعلى الرغم من أن الأمة لا يملكون تغيير نص القرآن لأنه وحى من عند الله إلا أنهم يستطيعون تأويله لما أُتوه من علم خاص بهم لم يقبل على بن ابى طالب نفسه بانقسام المسلمين وتعاون مع الخلفاء الثلاثة الاوائل ابى بكر وعمر وعثمان وبايع كلا منهم وكان رابعا لهم اما اشياعه فيعتقدون بعصمة الائمة من نسله وبأن الثلاثة اغتصبوا الولاية منه

كان آية الله العظمى خميني مرجعا شيعيا كبيرا وأغلبية مواطنيه الايرانيين شيعة كذلك ويرى الايرانيون أن مذهبهم يسمح لهم دينيا وسياسيا بالتميز عن اغلبية الامة من السنة وعندما كان خميني منفيا الى تركيا ثم العراق في السبعينيات القرن الماضي اشتدت إدانته للشاه محمد رضا بهلوي شاه ايران ذي الشعر الكثيف المرتفع في مقدمة راسه وكان يهاجمه هجوما لاذعا واصفا إياه بعبد الدولار كانت الاستخبارات البريطانية وحدها التي واكبت سرعة التغير في الشرق الاوسط آنذاك ورأت المشاكل القريبة من الغليان

أما ال سي آى إيه الامريكية فظنت أنها قد وضعت الشاه " داخل جيبها" فى امان وأن آية الله شخصية بلهاء خفيفة الوزن يمكن تجاهلها أما وزارة الخارجية البريطانية وعيونها فقد اعتبروا آية الله خمينى شخصية قد تغير العالم وليس ذلك المجنون الأهوج حسب التعريف الذى نعته به واشنطن فى عام 1978 طردت العراق اية الله خمينى ولم ترد الكويت استضافته لكن فرنسا سمحت له بالدخول الحر الى اراضيها بعد ان وافق الشاه للرئيس الفرنسى جيسكار ديستان على ذلك

كانت إقامة خمينى فى فرنسا سابقة على بزوغ عصر التواصل الاجتماعى عبر الشبكة العنكبوتية الكونيه (الانترنت) لكن انتشار اشرطة التسجيل "الكاسيت" فى ذلك الحين ساعد على قيام الثورة الايرانية وبدلا من الاسترخاء فى هدوء فرنسا كان اية الله خمينى على اتصال هاتفى مباشر مع طهران كان يملى خطبة مباشرة داخل البلاد حيث تسجيل على شرائط الكاسيت وتوزع فى كل مكان ونشرت الصحف الغربية صور خمينى وكلامه وكذلك فعلت هيئة الاذاعة البريطانية " بى بى سى " كانت علاقاته العامة رائعة

كان خمينى فى نظر الكثيرين رجلا ممتازا بينما رأوا فى الشاه قائدا مغرورا فاسدا قُدر له أن يكون آخر الحكام فى ملكية استمرت 2500 عام زادت علمانية الشاه وبرامجه من اجل العصرنة وسلوكه من غضب ملالى الشيعة إزاءه وامتلأت سجون الشاه بالسجناء السياسيين وفى نهاية المطاف اضطر الشاه فى يناير 1978 الى التوجه الى المنفى نتيجة الاضطرابات والثورة الكبيرة فى بلاده وأشاع مؤيدوه أنه ذهب فى اجازة لكنه لم يعد ابدا

كان الإخوان المسلمون يرصدون كل خطوة فى نشوء الثورة الايرانية كان خمينى يقيم بقرية " نوفشاتيل سيور آسن " الفرنسية فى منزل ريفى يملكه مؤيده العتيد ابو الحسن بتى الصدر الذى كان مرتبطا بمجموعة من المساعدين امثال ابراهيم يزدى الذى كان منفيا الى أمريكا حيث عمل مع تجمع الإخوان المسلمين واحتفظ أضرابه من المفكرين بصلات مع الإخوان ومع يوسف ندا ومن بين هؤلاء العالم مصطفى شمران والمفكر الكبير على شريعتى ومساعد خمينى وموضع ثقته آنذاك صادق قطب زاده

ويبين يوسف ان هذه المجموعة كانت من فى بلدان اسلامية كثيرة وكانوا على صلة بنا وبإخواننا فى الجامعات الامريكية والاوروبية ايام الشاه كنا نعتبر الشاه ضد الاسلام لقد ساعدهم الإخوان عندما قامت المظاهرات ضد الشاه الذى كان يبيع بلده وبترولها الى الغرب اصبح وضع الشاه حرجا للغاية وكان الخمينى يستعد للعودة

وتحدثت وسائل الاعلام فى كل مكان عما عساه يحدث كانت ايران كلها على مايبدوا قد نزلت الى شوارع طهران (بعض التقارير ذكرت أن ستة ملايين ملئوا شوارع العاصمة) وتخلت بعض وحدات الجيش عن الزى الرسمى وانضمت الى الناس كان الجميع يهتفون للاسلام وتوقع الإخوان ظهور دولة مسلمة ترث الشاه وأن الغلبة فيها للاسلام "

ومع اقتراب موعد عودة خمينى رتب يوسف ندا زيارة يقوم بها وفد من الإخوان الى "نوفشاتيل" وهناك رحب بهم خمينى وردوا التحية بالثناء عليه وشاركهم الثاء الإخوان من دول كثيرة اخرى ممكن اتصلوا بخمينى لعد سنوات تلت وعندما عاد الخمينى بالطائرة الى بلاده فى فبراير 1979 شكل الإخوان وفدا اخر لتهنئته

ضم ممثلين عن الحركات الاسلامية فى اندونيسيا الباكستان ومصر واردن والمملكة العربية السعودية والعراق وتركيا وماليزيا وسوريا يقول يوسف اعتقدنا أننا نُرضى الله بتأييدنا للثورة وكنا نعتبر أى حركة فى العالم ترفع الظلم عن كاهل المسلمين هى حركتنا في مارس 1979 اصبحت ايران جمهورية اسلامية وفى نوفمبر اصبح خميني مرشداها الاعلى اما ابو الحسن بنى صدر المنفى الذى اعتبره نظام الشاه خارجا على القانون فاصبح اول رئيس لإيران

احتفظت امريكا بعلاقاتها الدبلوماسية مع النظام الجديد في ايران – لكنها لم تدم طويلا ففي 4 نوفمبر غضب الطلاب الايرانيون الاصوليون من السماح للشاه بدخول امريكا للعلاج من السرطان واعتقدوا ان هذه خطوة اولى من الرئيس جيمي كارتر لإعادة الشاه الى الحكم فاستولوا على مجمع مباني السفارة الامريكية في طهران وأوجدت الازمة التي اعقبت هذا العمل الطلابي حالة تشبه الحرب ودمرت رئاسة كارتر وبدأت حالة العداء المتواصل – ظلت تتفاقم حتى وصلت الى مستوى المواجهة النووية الملتهبة بين امريكا وإيران في عام 2012

والسبب الخفي وراء هذه الاحداث يكمن في تأييد أمريكا لحكومة الشاه على المدى الطويل حكم الشاه ايران من عام 1941 إلى عام 1979 تخللتها فترة قصيرة من المنفى عام 1953 عندما فر الشاه الى ايطاليا نتيجة صراع على السلطة بينه وبين رئيس الوزراء محمد مصدق ولأن سياسات مصدق وتصريحاته أثارت المخاوف حول البترول الإيراني وأسعار الوقود بل وربما النفوذ السوفيتي في ايران فإن الاستخبارات الامريكية والبريطانية عملت مع العسكريين الايرانيين على الاطاحة برئيس الوزراء وعند عودة الشاه الى عرشه اقام حلفا وثيقا مع الولايات المتحدة التي تزوده بالسلاح والتدريب والمعرفة التقنية من اجل "عصرنة" ايران

غير ان الشاه كان دكتاتورا استخدم السافاك جهاز الشرطة السرية كعين له يرهب به اعداءه السياسيين كان يعارضه كل من حزب " توده " الشيوعي واعتماده على الامريكيين إفساد للمجتمع الإيراني

عقب دخول الشاه الى امريكا للعلاج في 1979 تحت اسم مستعار هو " دافيددى نيوسوم " نادى اية الله خمينى بخروج المظاهرات المناهضة لامريكا الى الشوارع وفى 4 نوفمبر من ذلك العام تحولت المظاهرات الى عملية استيلاء على سفارة الولايات المتحدة تسلق الطلاب اسوار مجمع السفارة وأخذوا 63 امريكيا رهائن لهم كما اصبح ثلاثة مواطنين امريكيين غيرهم سجناء فى وزارة الخارجية الايرانية

وخلال ثلاثة اسابيع اطلق سراح مجموعة من النسوة ومن الامريكيين السود وبقيت 52 رهينة ظلوا محتجزين لمدة 444 يوما بينما العالم يرقب المشهد فى رعب متسائلا اين سينهى المطاف بكل هذا وكانت الرهائن يعرضون امام آلات التصوير التلفزيونيو معصوبى الاعين عادة او مرتين اكياسا تغطى رءوسهم وعلى الرغم من ان خاطفى الرهائن لم يكونوا من العاملين فى الحكومة الايرانية او العسكريين

إلا أن ولاءهم المعلن لخمينى وللحكومة الاسلامية خلق ازمة دولية طلبت الحكومة الامريكية مساعدة الإخوان المسلمين كما طلب من يوسف ندا ان يساعد كذلك زار الامريكيون المرشد العام الاستاذ عمر التلمساني فى القاهرة وطلبوا منه رسميا ان يتدخل للمساعدة على إطلاق سراح الرهائن قائلين له انت رئيس منظمة اسلامية وايران تعتبر دولة اسلامية وانت تعرف كيف تخاطبهم وبإمكانك ان تتدخل فهلا ساعدتنا ؟

والاستاذ التلمساني كان يعلم ان الإخوان لا يوافقون على اخذ رهائن فهذا ممنوع فى الاسلام الا فى الحرب ولم يعد ممثل الامريكيين بشىء وإنما أجابه بأنه سيدرس المشكلة وكيفية التعامل معها " أى حوار مع ايران سوف يكون مع الامام خمينى والصلة فى واشنطن سوف تكون مع الرئيس " جيمى كارتر " فطلب من زواره رقما مباشرا للاتصال ب " كارتر " فى البيض الابيض فأعطوه "

ثم جاء الاستاذ التلمساني الى " كمبيونى " وأصدر تعليماته لى ببدء الحوار كنت شابا لكننى قلت له : إن علينا تأكيد هذا الطلب مع سلطات امريكية عليا وأن نعرف ما هم مستعدون لتقديمه للايرانيين علينا ان نحتاط كيلا نصبح جسرا يخدعون الايرانيين عبرة إذا كانت هناك فرصة للسلام وتجنب تدمير دولة مسلمة فعلينا ان نحاول وإلا وجب علينا ألا نتورط

وافقنى المرشد العام على ما قلت وذكرنى بما حدث لنا مع " إيفانز " السكرتير السياسى للسفارة البريطانية عام 1954 عندما قام عبد الناصر بلعبته المزدوجة كان علينا ان نتحاور مع البيت الابيض مباشر كان المرشد بجانبى عندما هاتف البيت الابيض على الرقم الذى أعطوه له قائلا إننى أتحدث باسم الإخوان المسلمين فى مصر والمرشد العام هنا وقد طلبت السفارة منه المساعدة وهو يريد ان يسمع هذا الطلب من الرئيس شخصيا وعندها سنكون مستعدين للتحرك

الشخص المجيب على يوسف ندا اخبره بأنهم لن يستطيعوا توصيله وإنما سيتصل به أحدهم مرة اخرى " أعطيتهم أرقامى الهاتفية وطلبت منهم سرعة الاتصال لاننا يجب ان نتحرك بسرعة أيضا لكنهم لم يتصلوا بى ابدا

وفى الوقت ذاته كانت ردود الفعل الامريكية على الازمة هى ايقاف الواردات البترولية من ايران وإبعاد كثير من الايرانيين المقيمين فى الولايات المتحدة وتجميد ارصدةالحكومة الايرانية واستثماراتها طالب كثير من الامريكيين باتخاذ عمل عسكرى لتحرير الرهائن لكن الوضع اصبح اكثر تعقيدا عندما غزا الاتحاد السوفيتى أفغانستان جارة ايران من اجل القضاء على ثورة اسلامية ضد الحكومة الشيعية

لم يكن ثمة تفسير لعدم استجابة كارتر او من سواه من الادارة الامريكية لمكالمة يوسف ندا التى ربما اوصلت الى حل وبدلا من ذلك واجه كارتر ايران الغنية بالترول والمعادية وحربا لاردة مع موسكو أعيد تأجيجها وأمريكا غاضبة من قيادتها

وكانت النتيجة أن شن الرئيس كارتر عملية مخلب النسر لاستعراض قوته ولتحرير الرهائن وقد فشلت بشكل كارثى ففى 24 من ابريل 1980 هبطت قوة انقاذ امريكية فى الصحراء الايرانية لاعادة تزويد الطائرة التى تحملها بالوقود ولكن خلالا فى الاجهزة وعاصفة رملية صحراوية دفعا الى الغاء المهمة وفى اثناء انسحاب القوة اصطدمت احدى المروحيات بطائرة نقل ونتج عن ذلك وفاة ثمانية من قوة الانقاذ وقد اطلقت طهران على العملية المجهضة اسم الغزو الامريكى لايران وادعت بان النصر من عند الله هو الذى هزم الغزاة وقال الخمينى ان ذلك تم ذكره فى سورة الفيل من القرآن

توفى الشاه فى 27 من يوليو 1980 وبعد وفاته بشهرين قام الرئيس العراقى صدام حسين بغزو ايران وشجع هذان الحدثان الحكومة الايرانية على الدخول فى مفاوضات مع امريكا بواسطة الجزائر

وحانت الذكرى السنوية الاولى لبداية ازمة الرهائن فى 4 من نوفمبر 1980وكان دورها محوريا فى انتخاب الرئيس الجديد وفى السعة الخامسة مساء بتوقيت كاليفورنيا حصل رونالد ريجان على اغلبية كبيرة حتى قبل ان يقترع اغلب الغرب الامريكى وفقد جيمى كارتر الامل وكان اكثر الرؤساء الامريكيين خسارة على مدى خمسين عاما تقريبا واثناء الاحتفالات وقف احد مساعدى ريجان عند سلالم بهو الفندق قائلا ك سوف نعيد كتابة قصة ايران ارجعوا الرهائن الى وطنهم وعندما اصبح رونالد ريجان الرئيس رسميا فى 20 من يناير 1981 سمحت ايران للرهائن بمغادرتها جوا وفى نفس الوقت تم الافراج عن ثمانية بليون دولار امريكى من الاصول الايرانية

اما الإخوان المسلمون ويوسف نجا فلم يكن لديهم وقت للاحتفال لقد رأوا فى انتهاء أزمة الرهائن نصر لكل المسلمين ولكنهم صدموا عندما رأوا الشيعة يدعون شرفا من ورائها للشيعة وليس للإسلام وبدلا من المساعدة على توحيد السنة والشيعة فإن الازمة زادت الانقسام بينهما ويعقب ندا بقوله يجب أن نصب إيماننا جميعا فى بحر واحد اننا دعاة للإسلام ولسنا مصدرين للثورات

كان الشرق الاوسط يغلى والحرب الايرانية العراقية تقسمه الى ولاءات وطوائف وكان الإخوان المسلمون يقفون فى مكان ما فى الوسط كان الامر لغزا كان الإخوان فى نظر ايران عملاء يعملون لحساب العراق او المملكة العربية السعودية او الإمارات العربية المتحدة او لحساب مصالحهم الجشعة وعلى الجانب الاخر وبدرجة اشد كانت السعودية ودول الخليج والعراق والولايات المتحدة الامريكية وفوق ذلك كله الحكومة المصرية جميعها تعتبر الإخوان يرفعون نفس راية ايران

ضبط يوسف ندا الصلات بين الإخوان والثورة الايرانية لكنه كان مضطر لإبقاء اجتماعاته ومفاوضاته فى نطاق السرية بسبب المخاوف المتعلقة بنوايا ايران فى عهدها الجديد ففى السعودية والعراق ودول الخليج كان يمكن القبض على واعتقال أي شخص او منظمة لديه صلات بإيران

ومع ذلك استطاع ان يرتب فى هدوء اجتماعات كثيرة داخل ايران وخارجها مع زعماء مهمين وكبار الوزراء والسفراء ورجال الدين ورؤساء الباسدران الحرس الثورى الذى أنشىء لدعم مبادىء الثورة والسلطة الجديدة وقد دعى الى طهران عدة مرات والتقى بالحكام من رجال الدين

وقد تسببت المقاطعة البحرية التى حرضت عليها امريكا فى إحداث نقص مؤلم فى الغذاء والمواد الضرورية الاخرى فى ايران فطلب رضا صدر وزير التجارة الايرانى العون من يوسف فهو على كل حال "ملك البحار" إذ أصبح مثل "بوسيدون" إله البحار الاسطورى عند الإغريق باستطاعة نقل جميع السلع وعلى الرغم من كل العقبات والحصار البحرى نقل اليهم المواد وخسر فى عملية 5 ملايين دولار نقل الى ايران 100 الف طن من الصلب 450 ألف طن من القمح نقلت البضائع

بالقطارات احتاجت كمية الصلب إلى 3300 عربة من عربات السكك الحديدية – قامت من همبورج الى كوتكا فى فنلندا ثم اتجهت شرقا بالقطار عبر روسيا الى بحر القرم ومن ثم وصلت الى جولفا فى ايران ويصف يوسف هذه العملية بأنها كسرت الحصار " استخدمت كل مهاراتى واتصالاتى وكافة الوسائل لاقوم بها فى إطار القانون ومامن احد يستطيع ان يجد منفذا فى العملية يقول لإننى خالفت القانون كانت قواعد الحظر تستثنى العقود التى وُقعت قبل تاريخ صدور قرار الحظر

لقد فعلت ذلك فى سبيل الله ومن اجل بلد مسلم فأنا أُفرق بين التجارة والارباح وبين العلاقات والمساعدة إنهما شيئان مختلفان لقد خسرت مبلغا كبيرا من المال لأن الايرانيين جادلوا فى كمية السلع المشحونة إليهم مقارنة بما تسلموه وذكروا لى أنهم على الرغم من تأكدهم من اننى على صواب فإن هناك ثورة فى البلاد وأنهم إذا أعطونى من مال الحكومة فقد يتهمون بالفساد

وقد أُتهم به انا ايضا والمفروض فى التجارة الدولية ان استلام البضائع يكون فى موانى وصول البواخر ولكنهم نقلوها بالسيارات من الموانىء الى مخازن متفرقة فى داخل البلاد ثم أحصوا الواصل منها داخل المخازن ولا يخفى ان هذا الاسلوب يخالف الاتفاق ويخالف المعقول حيث يعرض السيارات للسرقة فى طريقها داخل البلاد والنقل الداخلى هو مسئولية المستلم وليس الشاحن وقبلت بالخسارة

عند بداية تفكك الاتحاد السوفيتى بأ الحديث فى الجمهوريات وبخاصة الجنوبية منها لاختيار اللغة التى سوف تتبناها كل جمهورية حيث بدأ الاعتراض على اللغة الروسية باعتبار ان بعض حروفها مختلفة عن حروف اللغات الاوروبية وبمشاعر عامة بان تخلف هذه الدول بالنسبة للغرب فإن خروجهم من هذا التخلف يستعدى تقليد الغرب والتعامل بلغته ومن زاوية اخرى فغن كثيرا من شعوب هذه المنطقة بدأ يعود الى جذور قومياته ومقدساته التى حاربها النظام الشيوعى واهمها الاسلام

وهنا ظهرت لنا فكرة للدفع والإغراء بإعادة استعمال اللغة العربية التى كانت متداولة فى لغاتهم الاصلية وهذه خطوة مهمة تجاه سهولة تداول وفهم الدين الذى واجه صحوة ورغبة فى العودة اليه وفهمه وسواء كانت عودة الى الدين الاسلامى سُيّة أو شيعيه جذور هذه المناطق وغالبية إحدى هذه الطوائف فى بعضها والاخرى فى البعض الاخر ولكنها جميعا كانت من قبل تكتب بالحروف العربية ولو كانت فارسية ان هذا الامر من لُب اهتماماتنا العالمية

ولذلك اتجه تفكيرنا لمحاولة إيجاد شبكة من المصالح نربط بها ما نريده فى منظومة معقدة اقتصادية وسياسية تجمع الاطراف المتنافرة ومعها الناشئة الحائرة فى مفترق الطرق تبحث عن طريق ووقع الاختيار فى البداية على جمهورية تركمانستان وكان اهم هدف لنا هو التوسع الاسلامى فى هذه الجمهوريات بصرف النظر عن كونه شيعيا ام سنيا فنحن نتعامل مع العالمين المسيحى والبوذى

اللذين يكفران بكل ما نؤمن به فهل نرفض ان نتعامل مع العالم الشيعى الذى يؤمن باكثر ماعندنا ؟ الامر ليس تسطيحا لأمور معقدة ولكن طريق الاهداف الكبيرة لا توقفه العقبات الغبية القاصرة المفتعلة ولا يعنى اتجاهنا هذا ألا نتعامل مع اللغات الغربية كأداة للتقدم واللحاق بركب التقنية العربية ولكن ذلك يجب ألا يطغى على الاصول والاعمدة المرتبطة بعقيدتنا والقرآن المُنزل بالعربية والمكتوب بحروفها

اتجهنا في طريق لبحث عن نقطة البداية واتجه تفكيرنا الى ضرورة البحث عن وسائل لربط شبكات من المصالح الاقتصادية والسياسية تجمع الاطراف المتنافرة ومعها الناشئة التباحث عن طريق ووقع اختيارنا على تركمانستان هذه الجمهورية الناشئة الى تقع على الحدود الشمالية الشرقية من ايران ورغم انها منتجة للبترول إلا ان تصديره صعب فلا يوجد لها موانئ وأوجدنا دراسة لعمل طريق سريع يصل عاصمتها " أشقباد " ب " يزد " فى ايران

وبذلك تتشابك المصالح وتنمو التجارة والاختلاط والثقافة والمعرفة الدينية وبدأنا فى تسويق فكرتنا فى إقناع السعودية بتمويل الطريق وبذلك يبدأ التشابك فى المصالح بين الاطراف الثلاثة السعودية وايران وتركمانستان مع امكانية ان يستهلك بترول تركمانستان فى شمال شرقى ايران وتسلم ايران بدله من بترولها فى موانى الخليج لحساب تركمانستان

وتبنى السعودية الطريق فى اطار الاستثمار الاجنبى وتسترد اموالها المستثمرة فى انشاء الطريق عن طريق تحصيل رسوم المرور فيه واستعماله وتساعد السعودية ايضا تركمانستان فى تعليم ونشر اللغة العربية وتشجيع البعثات لتعليم الدين فى مكة ووجود الطريق الممول باستثمار سعودى ايضا سوف يشابك المصالح والاتصلات بين الطرفين الاخرين وتحركنا فى خطوط متوازية فى دراسة الجدوى الاقتصادية والتكلفة والمخططات الهندسية والفنية

في البداية لم نجد معرضة من الملك فهد ولا نقول إننا وجدنا موافقة منه ولكن ظهر على وجهه مفاجأة الفكرة وقال : استمروا في الدراسة ثم نرى ماذا نقرر أما الطرف الإيراني فكان في مرحلة تشجيع الاستثمار الاجنبى وكان يحلم باستقطاب السعودية لتمويل المشاريع التنموية وفى مرحلة اخرى متقدمة أقنعوا رجل الاعمال السعودى المشهور صالح كامل بتمويل صفقة سيارات وأتمها وفجأة بدأ التوتر فى علاقة السعودية بإيران ولم ترد السعودية على أى سؤال بخصوص هذا الموضوع بتاتا أما ايران فقد وضعت المشروع فى الخطة ونفذته ولكن باهداف غير أهدافنا

التقيت باشخاص لن أستطيع أبدا الحديث عنهم أو ذكر أسمائهم لاننى بذلك أخون ثقتهم بى هذه الاسماء والحالات سوف تصحبنى إلى قبرى وإذا مزقنى بعض الاشرار كل ممزق فلن أبوح بالاسماء فهذه الثقة هى سر سمعتى النظيفة وهى ما أعطت للاخوان مكانتها كوسيط امين فى حل المنازعات

قمنا بأدوار كثيرة ونجحنا فيها على الاغلب مع الاكراد وفى العراق وفى ايران والمملكة المغربية السعودية واليمن وماليزيا وتركيا وسوريا ولبنان والجزائر وأفغانستان وباكستان وروسيا والصين (تركستان الشرقية) وغيرها وفى الحالات التى لم يحالفنا النجاح فيها بنسبة 100 % فإننا خففنا حدة بعض الاوضاع الصعبة ووافقنا العنف وفقدان الارواح ولا يوجد شيء أهم من محاولة الوصول الى حل فى مثل هذه الظروف

فى الايام الصعبة التى اعقبت الثورة الايرانية وفى محاولة للحاق بتطورات الحرب الايرانية العراقية التقى يوسف ندا بمعظم القادة الايرانيين بمن فيهم الشخصية المحافظة اية الله سيد على حسينى خامنئى الذى سيخلف فيما بعد اية الله خمينى فى منصب المرشد الاعلى لجمهورية ايران الاسلامية فى منزله ومع محمد سورى (اسمه سورى وهو ايرانى وليس سوريا لا هو ولا جدوده)

وهو رجل امين وصالح ومن أكفأ رجال العالم فى مجال البواخر والشحن البحرى واستطاع بعلمه وخبرته ان يبنى لايران اكبر مؤسسة فى العالم لنقل البترول كما كان يوسف قريبا من اية الله العظمى حسين على منتظرى النجف آبادى الذى اعتبر لفترة من القادم لاية الله خمينى لكنه اختلف معه حول الاتجاه الذى تسير فيه ايران ما بعد الثورة كان حسين على منتظرى عالما يتمتع با حترام هائل

وكان يؤيد حقوق المرأة والحريات المدنية التى يعتقد ان قادة ايران الجدد قد اهدروها وكان ليوسف مع هذا العالم احاديث ممتعة واهدى منتظرى الذى كان مشغولا فى وضع دستور ايران الجديد الى صديقه كتابا عن نظريته وأرائه ومشروعاته والنسخة مزينة بالتقويم الفارسى وتحتل مكانها باعتزاز فى مكتبة يوسف ندا الكبيرة (بين صفحاتها وضعت بعناية نسخة من نعى حسين على منتظرى

وظل يوسف ندا على اتصال برئيس ايران الجديد ابو الحسن بنى صدر واجتمعا قى طهران بعد الثورة ويقول يوسف كانت هناك ثورة فى كردستان التي انقسمت بين الفصائل المتحاربة واراد الرئيس منا ان نتدخل لحل النزاع – لم يكن ينبغى للحرس الثورى ان يقاتل الذين ساعدوا الثورة كانت جماعة شيوعية من الشمال مرتبطة بالاتحاد السوفيتى تقاتل جماعة اخرى من الاكراد الإخوان كانوا سنيين وليسوا من الشيعة لكن خمينى لم يمنحهم الحرية لتعليم الاسلام السُنى ولم يسمح للسنة ان يكون لهم مسجدا فى طهران او استخدام عوائد البترول الكردستانى فى مناطقهم

وقُتل بعضهم واختفى احد قادتهم المحرضين وهو كردى ايرانى من " كرمانشاه " اسمه احمد مفتى زاده كان لدى ابو الحسن بنى صدر مستشار كردى هو " مظفر برتوما " وكان عضوا فى الإخوان ويعيش فى امريكا ولكنه رجع الى ايران بعد الثورة – فاتصل بنا وطلب منا ان تصلح بين الحكومة والشعب الكردى السنى

وذهبي انا وغالب همت الى منطقة الحرب وعلى الرغم من ان احمد مفتى زاده كان هاربا فإن مهمتنا فى الوصول إليه كانت بموافقة من " أبو الحسن بنى صدر " الذى كان يدرك أن أى اتصال بين المسلمين أمر طيب ربما تملك الحكومات إمكانات تفوق للاخوان المسلمين لكننا ننجح احيانا فى تحقيق ما لا يمكنهم تحقيقه نحن نعرف حدودنا ونتوقف عندها بيد ان صلاتنا الشخصية تساعدنا على الدوام اخذنا حذرنا

لانه كان فى داخل الحكومة الثورية الاسلامية بعض الشيوعيين الذين كانوا يتحركون باسم الاسلام ويوجدون الانقسامات من الداخل وقد يتابعوننا – كما قد تفعل ذلك الحكومة – حتى يعرفوا مكان احمد مفتى زاده كانت مشكلة الرجل انه ساعد الثورة ولم يعجب ذلك القوميين الاكراد وكذلك الشيوعيين فكانوا يطاردونه جميعا ومعهم الثوريون الايرانيون واصبح اول المطلوبين واختفى الرجل

سافرت انا وغالب همت بالطائرة الى " كرمانشاه " وذهبنا كلانا فى هذه المهمة حتى يغطى احدنا الاخر وكان كل منا على استعداد للموت كان اهالى احمد مفتى زاده ينتظروننا والتقينا بابن عمه ثم رافقتنا سيارتان الى المنزل الذى كان يحتمى به

كان احمد مفتى زاده غاضبا اشد الغضب من اية الله خمينى وكرر عدة مرات قوله ان جماعته ايدت خمينى والثورة الايرانية وفى المقابل وعدوا بمكانة داخل الحكم الجديد وعلى العكس من ذلك شكا مفتى زاده من ان طهران قد تخلت عن الفصيل الكردى لصالح السوفيت الذين كانوا يقتلونهم كل ساعة من ساعات اليوم وأخبرنا احمد مفتى زاده أن القتل يجب أن يتوقف وأن كل من يفرق المسلمين فهو مخطىء وكل من يفرق الايرانيين فهو مخطىء وأننا نريد الاتحاد والتسامح عن كل ما وقع من أخطاء

وتحدثنا عن أن خيرات البلاد يجب أن تكون لجميع المسلمين وليس لمجموعات عرقية فحسب ولأنه كان كرديا كان يريد دخل كردستان العائدات الكبيرة لبترول المنطقة ان يوجه مباشرة الى شعبها وليس للحكومة المركزية

واشتكى مفتى زاده من ان طهران قد خلت من مسجد وحيد للسنة وكل المساجد فيها للشيعة وحدهم فالناس فى الغرب ينظرون الى المساجد على انها لا فرق بينها لكنه بين ان السنى على سبيل المثال لا يستطيع تدخين سيجارة فى المسجد بينما يفعل الشيعة ذلك والصلوات ايضا يختلف عددها فبينما يصلى الشيعة ثلاث مرات يوميا فالصلاة عند السنة خمس صلوات كل يوم ويشكون السنيون من ان المساجد لا تفتح للصلاة إلا ثلاث مرات فى اليوم ولذلك وجب ان تكون لهم مساجدهم الخاصة ليتمكنوا من القيام بالخمس المكتوبات

قلت لأحمد مفتى زاده اننا من وجعة نظر الاسلام لا نستطيع ان نميز بين الاجناس ولا نستطيع المناقشة عل اساس عنصرى وقد شكا لى من ان المدرسين الشيعيين قد ارسلوا لتعليم اطفالهم السنيين كان الرجل محقا فى بعض طلباته وكان علينا ان ننقل رسالته

وعندما انتهوا من حديثهم كانوا فى ساعة متأخرة من الليل واصطحبهم بعض من حرس مفتى زاده الى فندقهم القريب من المطار واتفقوا على ان يحضر الحرس اليهم لينقلوهم الى المطار قبل موعد الطائرة بتسعين دقيقة وما إن دخل يوسف ندا وغالب همت حجرتهما حتى سمعا طرقا على الباب وعندما فتح يوسف الباب رأى نحو عشرة رجال يمسكون بمدافعهم الرشاشة وقال له أحدهم  : أخى يجب أن تذهب معنا الان لا يمكنك النوم هنا ولو فعلت ذلك فسيقتلونك هنا

يقول يوسف لقد تعرفنا على شخص احد رؤساء هذه المجموعة ووجدناه اهلا للثقة فذهبنا معهم واخبرنا ان هناك مؤامرة لاغتيالنا ولهذا ارسلهم احمد مفتى زاده لحمايتنا وان الاوامر لديهم بالبقاء معنا حتى نركب طائرتنا كان هناك من يريد قتلى انا وهمت وكانت احتمالات مفتوحة – الشيوعيون ام الثوريون ام سائر الفصائل الواقعة بينهما واستمر الحراس معنا حتى ركبنا الطائرة التى اقلتنا سالمين الى طهران

كانت الثورة الايرانية تدور رحاها فى قوة واندفاع فترفع قدر بعض السياسيين وتطرد البعض الآخر من دائرة المقربين اليها وكان الرئيس ابو الحسن بنى الصدر ممن لم يعد لهم مكان فى طهران ففر الى فرنسا إثر خلاف مع آية الله خمينى الذى وقع أوراق الاتهامات الموجهة ضده فى يونيو 1981 واقتحم الحرس الثورى القصر الرئاسى وأعدم بعض أصدقاء بنى صدر والعديد من معارف يوسف ندا داخل الحكومة

اما اصدقاء احمد مفتى زاده فى الحكومة الثورية فقد اختفوا جميعهم وفى عام 1982 أسروه فى عرينه الجبلى واتهموه بأنه خطر على الامن القومى ولم يبين أحد حقيقة جرائمه لكنه سجن عشرة أعوام وبعد إطلاق سراحه باسبوعين فى 1993 اتفق ان الرجلين اللذين حاولا مساعدته منذ سنوات طويلة وهما يوسف ندا وغالب همت كانا فى طهران لاجتماع فى وزارة الخارجية ولما عرف يوسف المشغول بأمر مفتى زاده بأنه أصبح حرا تساءل إذا كان بإمكانه زيارته

فقالوا له إنهم لا يعرفون مكانه وبعد الاتصال مع احد الإخوان أخذ همت الى البيت الذى يعيش فيه الرجل وأصيبت بصدمة كبيرة عندما دخل عليهاحمد مفتى زاده حطام إنسان أشبه بالهيكل العظمى وقال لهمت : كنت سأرحل أمس لكننى كنت فى غاية الضعف فلم استطع الذهاب لم أدر لماذا ولكننى أعلم الان كأنى كنت أنتظر حتى أراك ويروى ندا ما حدث " لقد وضعوه فى زنزانة ارتفاعها متر ونصف بحيث لا يستطيع الوقوف معتدلا وتكسرت عظامه مرة تلو الاخرى وتحطم جسده "

بعد ذلك اللقاء بأسبوعين توفى احمد مفتى زاده وبعد وفاته لا حقت السلطات الايرانية بعض مشاركيه وقتلتهم لم يريدوا لهم ان يجتمعوا حول الذكرى حول استشهاد احمد مفتى زاده لقد وفيت بوعدى ووصلت الى الرجل لكن لم يكن من وراء ذلك فائدة ما لانه قد صار حطاما من قبل

كان ضحية اخرى للحرب المصطنعة بين الشيعة والسنة إن اختلافات بين السنة والشيعة تستغل عقودا من الزمان لإنجاح سياسة فرق تسد : أولا من قبل البريطانيين ثم من بعدهم ويُستدعى السعوديون لهذا النزاع نيابة عن الامريكيين طوال الوقت وأعظم مخاوف الغرب دائما كانت من ان تتحد جميع الشعوب الاسلامية ولذا كانت لعبة الغرب على الدوام ان يضرب احدهما بالاخر وفى مؤتمر عقد بلندن عام 1907 صرح كمبل بانرمان رئيس الوزراء البريطانى بأن شعوب الشرق الاوسط لها نفس الدين ونفس اللغة ونفس الشعور وعلينا ان نفرقهم ونحرمهم من ثمرات العلم والتكنولوجيا

واثناء الخمسينات من القرن الماضى نشأت حركة مناهضة للامريكيين كان رائدها عبد الناصر زعيم حركة القومية العربية وعلى الرغم من دعم الامريكيين لعبد الناصر فقد ألهب المشاعر المناهضة للامريكيين كجزء من القومية العربية وفى راى ان السبب الرئيسى لذلك هو قضية اسرائيل وفى رأيى ان وجود اسرائيل فى المنطقة لم يكن من اجل اليهود فإسرائيل خُلقت لتقوم بدور الشرطى عندما يرفع أي مثير للمشكلات من جيرانها رأسه ولتُسقط المشاغبين وتخدم مصالح الاخرين

فى فبراير البارونة " تونج " العضو المخضرمة فى حزب الاحرار الديمقراطيين من حزبها السياسى البريطانى وذلك لامها قالت فى يوم ما سوف يرهق الولايات المتحدة ان تدفع 70 بليون دولار كل عام لإسرائيل لتدعم ما أسميه حاملة الطائرات الامريكية فى الشرق الاوسط

ويواصل ندا حديثه " عندما امتلك عبد الناصر عواطف العرب قرر الامريكيون ان يستخدموا شاه ايران كحائط ضده وكان الشاه سعيدا برهان الامريكيين عليه فكان يتباهى بأن الفُرس سبقوا العرب وأنهم كانوا أكاسرة يوم كان فيه العرب سكانا للخيام فى الصحراء كانت قومية فى مواجهة قومية اخرى – الفارسية ضد العربية – وكلاهما وُجدت لمصلحة الامريكيين لم تكن حربا بالسلاح فكل جانب كان يحاول ان يثير عواطف شعبه قال الشاه " الخليج الفارسى " فسماه العرب الخليج العربى

عندما حرك الامريكيون الشاه فى مواجة عبد الناصر كان عليهم ان يُفتتوا الكتلة العربية حتى يمنعوها من أن تزداد قوة فأقنعوا المملكة العربية السعودية بالتعاون مع الشاه ضد قومية عبد الناصر مما أحدث انقساما فى الجانب العربى كذلك وبهذه الطريقة تمكن الامريكيون من حماية مصالحهم التجارية والسياسية الضخمة فى المنطقة لقد دفعوا الملك فيصل ثم الملك فهد والمملكة العربية السعودية ليكونوا ضد القومية العربية وضد عبد الناصر اوجدوا جبهتين وأصبحت العروبة اكبر بكثير ليست قوية فحسب وانما تسيطر على منطقة المصالح الامريكية كانت ايران جزءا من هذه المصالح – فهناك البترول والغاز والاتحاد السوفيتى المتاخم لإيران

وعندما انتهت حرب يونيو 1967 بفشل القومية العربية سعى الامريكيون لايجاد راية اخرى وقضية ليواصلوا تفريق شعوب المنطقة وحكمها بينما يستنزفون ثروتها وبترولها ومصادر الطاقة فيها

بعد ان اصبح عبد الناصر ضعيفا واحتاج ان يُعيد بناء جيشه تقرب زلفى الى الملك فيصل لم يُرد فيصل ان يتعامل مع اسرائيل بمفرده حرصا منه على مصالحه ولكى يعيد القوة الى عبد الناصر قام بتويل الجيش المصرى الجديد وبعد فترة قصيرة جدا مات عبد الناصر وتوافق الملك فيصل مع خلفه أنور السادات وواصل ضخ المال الى مصر كان الشاه بدون امريكا ضعيفا وهى ارادته ان يكون فى القوة لانه على الحدود مع الاتحاد السوفيتى " كان الشاه بالتأكيد أقوى من اسرائيل

اولئك كانوا اللاعبين وكان الامريكيون يحركونهم كقطع الشطرنج هجوما ودفاعا لحماية الذات توافق الملك فيصل والشاه لكن لعبة القوة تغيرت كان الشاه قويا ومغرورا اخذ فى التمييز ضد السعوديين وهم بدءوا يخشونه

عندما توفى عبد الناصر كان السادات خيار النظام أي الجيش والمخابرات الحربية وبيدهما السلطة فى تلك الايام والى الان – ليتولى الرئاسة ارتأت المجموعة المحيطة بعبد الاصر ان السادات شخص ضعيف ويمكن التحكم فيهلا تحكما كاملا وتغير رأيهم وسرعان مابدءوا يخشونه لم يكن دمية يحركونها بأصابعهم على الاطلاق ادعى السادات انهم كانوا على وشك الانقلاب عليه

والقى القبض على من كان يفترض انهم حكام مصر الحقيقيون المجموعة التى من خلالها سيطر عبد الناصر على الجيش والمخابرات والشرطة والوزارات المختلفة وبعدما سيطر السادات على البلاد سيطرة كاملة أبرم صفقة سرية مع اسرائيل مقدمة لاتفاق علنى وقع فى كامب دفيد كان السادات مدعوما من الامريكيين وكانى عراب هذه الصفقة حسن التهامى وتمت بين طنجة بالمغرب وبوخارست فى رومانيا

وعلى الرغم من ان السعوديين قد أوصلوا السادات مع امريكا عندما انفرد بالسلطة الا ان البيض الابيض آثر ان يتعامل معه على انفراد وعندما تفاوض حول اتفاقية سلام اتهمته جامعة الدول العربية بخيانتها (وقد وقعها فى واشنطن السادات ورئيس الوزراء الاسرائيلى مناحم بيجين فى 29 مارس 1979 عقب توقيع اتفاقات كامب دافيد قبل ذلك بعام بإشراف الرئيس جيمى كارتر نقل العرب مقر الجامعة العربية من القاهرة الى تونس ولم يعد السادات ولا مصر أبطال العرب وجاء وقت أصبح صدام حسين بطلا للعالم العربى فالتاريخ أعاد نفسه بطريقة فجة

ساعد العرب صدام ضد ايران بل حتى الامريكيون فعلوا ذلك هل وثقوا فى امثال صدام حسين ؟ ! صدام كان ضدهم جميعا هاجم كل القادة العرب فىجرائده وخطبه وإذاعاته اعتبر انهم جميعا خانوا قضايا العرب ومع ذلك فعندما ارادت امريكا إيقاف خمينى ودفع بصدام الى الحرب مع ايران إذا به يطلب من كل العرب مساندته وقد استجابوا له

منذ الازمة الاقتصادية العالمية فى ثلاثينات القرن العشرين تقبلت امريكا الاسلام تكتيكيا وورثت سلوكها الاستعمارى من الامبرياليين البريطانيين والفرنسيين والايطاليين والاسبان والهولنديين والبرتغاليين كانت مصالحها الاقتصادية فى البترول الى جانب الاعتبارات السياسية والعسكرية قد استقرت اساسا فى الشرق الاوسط اثناء الصراع ضد الشيوعية بالاعتماد على ان الاسلام هو العدو اللدود للالحاد الذى يشكل الركن الاساسى فى النظام الشيوعى

وانا استطيع ان أؤكد أنه إذاوجدت امريكا ان مصالحها تتطلب التوافق مع الإخوان المسلمين فسوف تتوافق معهم (أعتقد اول اجتماع رسمى بينهما فى القاهرة فى 10 من يناير 2012 بعد مرور نحو 14 شهرا من إدلاء يوسف ندا بهذه الملاحظة ولم تكن المرة الاولى فقد قالها فى فيلم وثائقى امريكى مع اثنين من مراسلى النيوزويك وهما " مارك هوزنبال " و " نيكائيل إيزيكوف " عام 2007 فى منزله بسويسرا

من جانب الشريعة فإن القصص فى القرآن تُعلمنا أن الحوار أسلوب حضارى للحياة يقبله الله والرسل والمؤمنون والحكماء ان افعال الولايات المتحدة نتاج لسياساتها التى قد تكون تكتيكية وتتغير طبقا للمواقع لخدمة المصالح الاستراتيجية الثابتة على المدى الطويل اما الديمقراطية وحقوق الانسان والحلفاء والأصدقاء والمعتدلين والاتفاقيات – فكلها مساحيق تجميل تختلف طبقا لمن وما يكون فى الادارة الامريكية

وامريكا لا تختلف عن امبراطوريات الماضى لم يستطيعوا تجميل اهدافهم القبيحة والشائهة فى عالمنا المعاصر كان " نورييجا " وحش بنما واحدا من افضل حلفاء الولايات المتحدة فى امريكا الوسطى وعندما ادارت ظهرها له انهت حياته السياسية والمعنوية والانسانية القته فى السجن عشرات السنين ثم ارسلته الى سجون فرنسا ثن اعادته الى سجن بنما مرة اخرى هذا هو صديقهم نفس الشىء حدث ل " موبوتو " فى الكونغو – كان حليفهم الافريقى الكبير لكنه مات بالسرطان فى المنفى فى مستشفى قذر وموبوء فى المغرب

فرديناند ماركوس الذى تفوق فى خدمة امريكا فى جنوب شرق اسيا لقى نفس مصير موبوتو حتى الشاه الذى قام بدور الشرطى الامريكى فى الخليج وحافظ على الاستراتيجيات الامريكية ضد الاتحاد السوفيتى وكان الداعم الوحيد لإسرائيل فى الشرق الاوسط لم ينجُ بدوره وكانت نهايته مثل موبوتو وماركوس استخدمت امريكا صدام حسين لتشل حركة الثورة الايرانية فى حرب دموية جالبة الفقر للمنطقة ومانحة البترول لأمريكا بأسعار اقل من سعر الماء فى الدول المنتجة للبترول

الدرس هو ان امريكا تخدم مصالحها فحسب والمال الذى تأخذه امريكا من الدول المنتجة للبترول فى الشرق الاوسط يكفى لتحويل الشرق الاوسط الى جنة وعندما كان جالون البترول وهو حوالى 3,7 لترات يباع فى الولايات المتحدة بدولار واحد كان ثمن اللتر فى دول الشرق الاوسط المنتج له فى مصر وشمال افريقيا نصف دولار هذا امر غير منطقى بالمرة لكن الامريكيين قد وضعوا فى جيوبهم حكام الدول الخليجية التى تملك البترول وهؤلاء الحكام يرون فى انفسهم اصحاب هذا البترول لا لشيء سوى أن أجداد أجدادهم قد اخضعوا بعض قبائل الصحراء ذات بأسلحة زودهم بها الانجليز

الملك عبد العزيز آل سعود على سبيل المثال أطلق لسمه على البلد وشعبها فأصبحت – المملكة العربية السعودية ماذا لو حكم امريكا الملك جورج واشنطون او حكم بريطانيا ونستون تشرشل ؟ وتولت اسرتهما الامور الى الابد وأصبح الاخرون كلهم عبيدا لهم ؟ انا احاول توضيح الاحداث لست ضد هذه الجنسية او تلك

الإخوان المسلمون وأنا منهم نعتقد انه على الرغم من جلاء البريطانيين عن المنطقة منذ وقت طويل فإن نفوذهم ونفوذ مخابراتهم حتى الان أقوى من ال " سىآى إيه " وبهدوء وصمت مازال البريطانيون يملكون جميع المفاتيح حتى فى ايران يعرفون افضل مما يعرف الامريكيون حتى اثناء حكم صدام حسين كانوا يعرفون اكثر هذا شيء مستقر فى التاريخ البريطانى فى امبراطوريتهم وهو متماسك فى صمت لقد انغمس البريطانيون فى الشعوب التى سيطروا عليها وكثير من الامور تدور ولا يعرف عنها احد شيئا هناك كثير من الاسرار فى الماضى وسوف تكون للمستقبل اساره

كنت فى زيارة احد اعضاء مجلس الدفاع الاعلى فى طهران ووجدت على مكتبه ملفا كتب عليه بالفارسية "أسارى مصرى " وسألته يعنى ذلك اسرى مصريين ؟ فأجاب نعم هناك سبعة عشر صيادا مسكينا من المصريين قبض عليهم فى جانب احدى المعارك وظنوا انهم جواسيس ثم ثبت ان لا علاقة لهم بالحرب فقلت له فلماذا لاتفرجون عنهم ؟

قال هناك إشكالات قانونية وأيضا بسبب الحرب فعرضت عليه ان يدرس مع المجلس تسليمهم للإخوان ليعيدوهم الى عائلاتهم وفى المرة التالية اخبروني بالموافقة على ان اذلل العقبات القانونية فليس معهم جوازات سفر وليس بين الدولتين تمثيل دبلوماسى او مواصلات وليس هناك وسيلة إلا ان يكون التسليم عن طريق دولة ثالثة

ووعدته بالتحرك وأخذت منه قائمة بأسمائهم وقراهم وأرسلتها للصحفى المشهور مصطفى امين وقلت له ان هؤلاء لا علاقة لهم بسياسة خاطئة او مصيبة ولا علاقة لهم بحرب او سلم وان اسرى الحرب امامهم قوانين دولية تتولاهم وهلال وصليب احمر يتعهدهم اما هؤلاء الصيادون فليس لهم إلا الله وارى ان تساعد فى هذا الموقف وقد عهدناك تتلهف لنجدة المظلوم فما بالك أسير أو سجين مصرى فى غير بلاده

كتب مصطفى امين رحمه الله في عموده فكرة وذكر الاسماء التي اعطيتها له واسماء قراهم وبعد اسبوع اتصل بي وكنت في المدينة المنورة وقال ان أهالي الصيادين الذين قرءوا اسماءهم فى مقالته جاءوا فى شبه مظاهرة امام مكتبه يسألون عن ذويهم وان وزارة الخارجية تطلب رقم تليفونى فهل يعطيه لهم ووافقت فاتصلت بى السفيرة المفوضة مرفت التلاوى

وقالت ان السيد عصمت عبد المجيد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية كلفها بالاتصال بى لمعرفة السبيل للافراج عنهم خاصةان العلاقات بين الجولتين مقطوعة بسبب حرب العراق فقلت لها اطلبوا من الاستاذ عمر التلمساني مرشد الإخوان المسلمين ان يرسل برقية للخمينى ثم يذهبون لطهران وسأقوم بعمل التسهيلات والمقابلات لهم فقالت : من تقترح من المراكز الاسلامية ؟

فقلت اكبرهم في ميونخ ويديره الاستاذ محمد مهدي عاكف وهو مصري مخلص مخضرم في اعمال الاغاثة ويتبعه حوالى 15 مركزا اسلاميا في المانيا وعلاقاته متشبعة في كل اوربا ومؤكد سيؤثر على الايرانيين ويمكنه تكوين الوفد فى وقت قصير بعد اسبوع ارسلت السفيرة مرفت القنصل المصرى فى فرانكفورت واسمه فخرى للاستاذ عاكف وكان للاستاذ عاكف تجربة مريرة

عندما كان جمال عبد الناصر يتفاوض مع الانجليز للجلاء وطلب المستشار المفوض واسمه (إيفانز) مقابلة الإخوان لسماع رأيهم واخطر الإخوان عبد الناصر بذلك فاقترح عليهم مقابلته ليعرفوه ان مصر كلها بما فيها اكبر قوة شعبية فى هذا الوقت تؤيد الحكومة ولا يقبلون سوى الجلاء التام ودارت الايام وانقلب جمال على الإخوان وتهمهم بأنهم التقوا بالانجليز ضد مصلحة الدولة

قص الاستاذ عاكف هذه القصة للقنصل وقال له اريد شيئا مكتوبا وأنا خادم مصر وأهل مصر من اسرى وغير اسرى ولكن اريد تكليفا مكتوب حتى لاتهم بعد ذلك باننى عميل لإيران فى وقت تقف فيه مصر وكل الدول العربية فى معسكر العراق ضد ايران ووعد القنصل بإبلاغ الخارجية لإرسال تكليف مكتوب للاستاذ عاكف ولكنه ذهب ولم يعد ثم اتصل بى الشيخ محمد الغزالي رحمه الله وقال إن المخابرات المصرية طلبت منه التدخل ويمكن ان ينتظروه فى دمشق وهل ممكن ان يرسلوا الاسرى الى دمشق حتى تحل مشكلة جوازات السفر ؟

أي يركبون الطائرة من طهران الى دمشق بدون جوازات فقلت له توكل على الله وقابلته فى طهران واشتكى بأنهم يسوفونه منذ اكثر من اسبوعين بحجة ان الطائراتالى دمشق توجد صعوبة للحجز عليها بعدد مقاعد كبير لان الايرانيين يسافرون باستمرار لزيارة مقام السيدة زينب فى دمشق والأسرى وهو ومرافقه ابنة الدكتور يحتاجون 19 مقعدا بالإضافة لمقاعد المرافقين كم الامن الايرانيين وشعر الشيخ الغزالى رحمة الله انه مجمد ولا يدرى الى متى سيصبر فقلت له : قل لهم ان يوسف سيُحضر لى طائرة خاصة خلال 24 ساعة تُقلنا الى دمشق فقال لى : هل تفعلها إن وافقوا ؟ ولم يكن هناك حل سريع فقلت له : تأكد أننى لن أخذلك وهم يعرفون اننى قادر على ذلك

وعندما قال لهم ذلك اعطوه الاماكن فى اليوم التالى وسافر بهم والحمد لله و مكشوفات اسماء الاسرى التى عندى ارى ان غالبية الاسماء من كفر الشيخ والمنزلة

فى عام 1966 توفيت والدة الدكتور ولايتى رحمهما الله وذهبت الى طهران للعزاء وفى طهران التقيت بأحد الاصدقاء القدامى وهو الدكتور عبد الكريم الخطيب رحمه الله احد اهم الشخصيات المغربية التى لها تاريخ مجيد فى حرب الاستقلال ضد فرنسا ويعتبر من الشخصيات الاسلامية المعتدلة وله باع فى الاعمال الخيرية والاجتماعية والسياسية وهو منفتح على كل الفعاليات فى العالم الاسلامى والعربى رحمه الله

وبعد العناق والقبل قال لى : أنا أبحث عن شىء هنا ولا أعرف أحدا يساعدنى فيه ولعل الله كتب لنا هذا اللقاء هنا للخير وانتحى بى جانبا بمفرده حيث كان معه مرافق وقال لى : انت تعلم ان العلاقة بين المغرب وإيران سيئة مثلها مع باقى الدول العربية ماعدا سوريا وهذه القطيعة ليست فى صالح الاسلام والمسلمين وان استطعت ان اوجد قناة هنا قد اتمكن ان ابنى عليها لإصلاح ذات البين بين دولتين اسلاميتين قد تؤدى الى ما هو اكثر لصالح الاسلام والمسلمين وأنا اعلم ان لك صلات هنا بالمسئولين فهل يمكن ان تعرفى بأحدهم لأبدأ فى دراسة خطواتى وما يمكن ان افعله ؟ الواقع ان هذه مبادرة شخصية منى ولكن آمل ان اولد قناعات عندنا مع المسئولين ان كان الطريق ممهدا

اخرجت من جيبى إحدى بطاقاتى الشخصية وكتبت خلفها اسم الدكتور عبد الخطيب واسم الفندق الذى ينزل فيه ورقم غرفته وتليفونه وأخذته معى إلى عزاء الدكتور ولايتى فى أحد المساجد وتقدمته فى طابور مصافحة أهل المتوفاة رحمها الله والدكتور الخطيب خلفى حتى وصلنا الى الدكتور ولايتى ولم يكن يعلم انى فى طهران ولم يصافحنى فقط مثل الغير ولكن عانقنى وتوقف الطابور وعرفته بالدكتور الخطيب وأكدت على ضرورة مقابلته فسأل أين ينزل فأعطيته بطاقتى التى كنت جهزتها

عرفت الدكتور الخطيب بآخرين لخدمته فقد كان غريبا عن كل شىء وسافرت وتركته ليكمل مهمته واحمد الله أنه فعل وبدأت الرسائل والوفود بين الدولتين حتى اعيد التمثيل الدبلوماسى بينهما رحم الخير والرحمة وكان مع الله وكان الله معه وكما قالت لى زوجتى : أهم عامل يجعل المرء على صواب ان هناك شرطيا بداخله فالله يراه اينما ذهب والله يرى ما يفعله وعندما لا يراك أحد يبدأ عمل الشيطان

فى عام 1994 استعرت الامور الشخصية فى الجزائر بين قيادات جبهة الانقاذ وغيرها من التيارات الاسلامية عندما نجح الانقاذ فى استقطاب الشارع السياسى ورفضوا التعاون مع غيرهم من التيارات الاسلامية الاخرى وأعلنوا أن الجميع يجب ان ينضموا تحت لوائهم ويقبلوا قيادتهم

وقد رأى بعض قيادات التيار الاسلامى الاخرين ان قيادة جبهة الانقاذ ركبها الغرور وتتصرف بحسابات خاطئة وسوف يؤدى ذلك الى صدام حتمى مع التروكيا العسكرية المتحكمة فى كل شىء (جيش – بوليس – سلاح – بترول – غاز – اقتصاد بنوك زراعة صناعة استيراد تصدير وايضا مساندة من القوى الخارجية الاوربية والامريكيه)

وحاولت القيادات الاسلامية الاخرى تقديم النصح او ايجاد البديل فأعلنت جبهة الانقاذ الحرب عليهم وكانت الشخصية الاسلامية التى ركز الامر ان ضربه أعضاء الانقاذ بالأحذية فى احد المساجد ولحساسية علاقتنا مع محفوظ هو وجماعته تحركنا بهدوء بدون الظهور على الشاشة ولكن بالتنسيق معه وأوجدنا القناعات عند بعض الشخصيات المحايدة المحبوبة من كل الاطراف للتوسط وظللنا نتابع ونحرض على الصلح بطرق تظهر انها غير مباشرة وتجعل هذه الشخصيات تشعر انها تتحرك يوازع شخصى وليس بتحريض منا

ونشهد بان محفوظ تحمل الكثير مما لايمكن قبوله إلا إذا استدعينا معنى (أذلة على المؤمنين) وفضل إلا تصيب جماعته شظايا انفجار مقبل ليس لُمفرِجريه القدرة على حسابات نتائجه وابتعد هو وجماعته وانتظر حتى يهدأ الغبار اما بالتأتى وتفادى الكوارث ليس فقط لهم او للحركة الاسلامية برمتها وللشعب كله وكان ما كان وقبض عليهم واستعرت حملة الجيش ضدهم وضد كل مناصريهم سواء من رفع السلاح ام على صوته

وجاء محفوظ الى كومو الايطالية قرب الحدودولم تكن معه تاشيرة دخول سويسرا فذهبت اليه وقابلته وكان يرافقه ابو بكر قدودة شرح لى الوضع وخطورة القادم على البلاد وسال هل هناك وسيلة لاقناع عباس مدنى وعلى بلحاح بمحاولة التفاهم مع الرئيس زروال لانقاذ البلاد ؟ فقلت له إن أمكنك اخذ إذن لى لزيارتهم فى السجن فأنا مستعد فقال لى رتب انت أمورك معهم وأنابارتب مع الرئيس ورجال أمنه

اتصلت برابح كبير فى المانيا وكان اهم شخصية لجبهة الانقاذ فى اوربا وعلى صلة سرية معهم فى السجن وطلبت منه أن يسألهم عن استعدادهم للقائى إن وافقت السلطات واتصل هو بهم وأبلغنى بترحيبهم باللقاء

فى اليوم التالى كان محفوظ فى انتظارى فى المطار وبعد العناق قال لى سنلتقى فيما بعد فهذه حدودى واختفى وحضر شخص اخر بملابس مدنية وانهى الجوازات وحمل النشطة وأخذنى الى فندق " أوراسى " وقال لى خلال نصف ساعة سيتصل بك المسئولون وفعلا حضر من اصطحبنى الى فيلا وجدت محفوظ ومعه " الجنرال بتشين " وقدمه لى أنه مكلف من الرئيس زروال بعد استعراض الوضع الامنى وخطورة الاوضاع سالنى " بتشين " هل الاخوة يعلمون ويوافقون على زيارتك لهم

انا اتحدث الى المسئول عن المخابرات قد يكون السؤال الثانى : كيف عرفت ؟ وبالتالى أبى قلت له هذا مفهمته ولنتأكد هل يمكن أن أكلمهم بالتليفون فى سجنهم ؟ فقال سأطلب لك وفعل وأعطانى السماعة فكان عباس مدنى على الخط فذكرت له اسمى فرحب بى وسألنى أين أنا فقلت سأزورك بعد قليل فرحب مرة أخرى وشكر

أخذنى المرافق وعند وصولنا الى فيلا بعد الحديقة مررنا على جهاز اشعة اكس ثم التقيت بهم والفيلا مؤثثة اثاثا فاخرا ومرتبا ولايمكن ان يكون بيت احدهم مجهزا بهذه الفخامة وفورا حضرت فى ذاكرتى زنزانتى فى السجن الحربى فى مصر عام 1954 وقلت فى نفسى هذا سجن ستة نجوم ولما امتد الحديث قلت لهم لعلى اقضى الليلة معكم

حيث إنى أغادر غدا وخرجت من الغرفة لأخبر المرافق ان يستأذن لى من الجنرال فكلمه بالتليفون ووافق مشكورا واستمر النقاش بعد العشاء حتى الثانية صباحا وذهب كل منا الى غرفته لقليل من النوم ثم التقينا مرة ثانية فى الرابعة والنصف لصلاة الفجر ثم استمر النقاش مرة اخرى حتى العاشرة صباحا بعد الافطار

وكانت اهم الاهداف عندى

1 – المحافظة على هيبة الدولة وتفادى تفككها 2 – افضل وسيلة لكسب الحرب هو تفاديها 3 – يجب ان يكون هناك حل يتفادى ان يكون هناك غالب او مغلوب 4 – واذا شعر كل من الاطراف انه رابح فسيمكن التعاون بينهم فى المستقبل 5 - يجب تغير اسلوب الخطاب الذى يستعمله قادة الانقاذ مع الدولة لأنه اسلوب بدائى وقح (فقولا له قولا لينا) (وقولوا للناس حسنا) 6 – الافراج عن المعتقلين وعودة المغتربين وعدم الاعتداء عليهم بعد الافراج عنهم 7 – الاتفاق على البدء فى آليات انتخابات تعيد الحياة النيابية الى مجرى دائم 8 – معالجة الكراهية والحقد الاجتماعى 9 – انقاذ اقتصاد البلاد ومنشأتها 10 – الحذر من تعدد جيوب أدعياء الافتاء وانتشار خلايا متفرقة ممن سيسمون انفسهم مجموعات اسلامية باسم الفتاوى والشرع وتصاعد تجاوزاتهم باسم الشرع مما يضر بالشرع نفسه

وعرضت الامر كما تصورته على الحكومة ثم عندما ذهبت للطرف الاخر وبعد صلاة الفجر بدات تسجيل طلباتهم وملاحظاتهم

1 – الافراج الفورى عن شيوخ الحركة لتمكينهم من استشارة باقى فعالياتهم وتمكين مراسليهم من السفر 2 – رفع حالة الطوارىء وايقاف حملات التمشيط والمتابعات 3 – اعادة الاعتبار الى الانتخابات السابقة البلدية والولائية والتشريعية 4 – منع الجيش من التدخل فى الساسة 5 – الاتفاق على حكومة انتقالية او مجلس سيادى مؤقت يضم كل الفاعليات السياسية 6 – اجراء انتخابات رئاسية

وقرأ لى على بلحاح رسالة كان قد ارسلها الى الرئيس زروال والحقيقة أننى اصابنى الهلع والتشائم من الاسلوب الذى كتبت به فليس فى الاسلام ما يبرر استعمال مثل هذه الالفاظ مع المسيطرين على مقاليد الدولة مهما كانت الاسباب ورغم شعورى بأنهم اناس متدينون وفيهم تقوى وممكن ان يقال انهم يصلحون فى المظاهرات ولكن لايمكن ان يطلق عليهم ساسة

وجاء المرافق وعدت مرة اخرى الى السلطة فوجدتهم يسمعون ولا يجيبون وتغيرت الاتجاهات خلال الاربعة والعشرين ساعة وتوقف الديالوج وعلمت فيما بعد ان بعض القوى المتحكمة فى الجزائر بلغها نبأ وجودى وأسبابه فتحركت بسرعة خلف الكواليس وجندت كل امكانياتها واستمر الاقتتال فى الجزائر بصورة اكثر وحشية والعياذ بالله

الفصل الخامس:عاصفة فى الرمال

(وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا) سورة الاسراء 34" كل الاتفاقيات بين الدول الكبرى تصبح غير ملزمة عندما تتعارض مع كفاحها من أجل البقاء" أوتوفون بسمارك 1872

المعاهدات مع غير المسيحيين لا قيمة لها البابا نيكولاس الرابع لملك هنجاريا

ليس الشر غريبا على يوسف ندا فلق تحداه وجها لوجه وحاربه طول حياته ولان رسالته فى الحياة ان يجلب بعض التعقل الى عالم تسوده الصراعات والموت كان عليه ان يواجه كل مظاهر ما نستطيع فعله يبعضنا البعض وهو يكره بصفة خاصة المنارات الدائمة لإبقاء التناقضات بين السنة والشيعة او ما يسميه هو بالحرب الزائفة

هذه التكتيكات القائمة على المصالح الذاتية ابقت على التوازن بين الممالك وغيرت التاريخ ومما يثير الجدل ان يوسف لديه مشوق " لدى السنة اربعة فقهية : المالكى والشافعى والحنفى والحنبلى من الافضل ان نقول إن المسلمين وليس السنة وحدهم لهم خمسة مذاهب وذلك بإضافة المذهب الشيعى الجعفرى الذى يمثل اغلبيه الشيعة ومعظم اتباع الشيعة المعتدلين وقد ألف احد علماء الشيعة اللبنانيين (وأسمه جواد مغنية) كتابا سماه الفقه على المذاهب الخمسه ورغم وجود ثغرات فيه ويؤدى الى ردود افعال غير حسنة ولكنه بداية يجب البناء عليها وبقبول الاختلافات والتسامح سوف يتصالح الجميع

إن الشيعة منذ أن تعاون على بن ابى طالب ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم وعمل مع الخلفاء السنيين بل وبايعهم كان يجب عليهم ألا يستخدموا اسمه لإثبات ما لم يفعله البته بأن يرفضوا الخلفاء الثلاثة من قبله وكلهم قد انتقلوا الى الرفيق الاعلى ورحلوا عنا وليس هناك جدوى ان يتقاتل أنسالهم بالنيابة عنهم 1400 عام ويمنعوا وحدة اتباع الدين الواحد والمذاهب الخمسه جميعها تؤمن بنفس الصيام واللذين خانوا اجيال المسلمين

وفرقوهم على مدى خمسة عشر قرنا ينبغى ألا يحملوا بدخول الجنة إن جامعة الازهر التى نشأت فى المسجد الذى يحمل الاسم والقائم فى القاهرة منذ ألف عام هى مركز الفكر والدراسة الاسلامى الاول فى العالم (فهى لكافة المذاهب الاربعة فى مقام أكسفورد وكمبردج فى الغرب) ولأزهر مبعوثوه فى كل مكان وقد خسر الازهر جانبا كبيرا من مكانته عندما وضع عبد الناصر مساجده وكلياته تحت السيطرة الشديدة للدولة

(ولكن مؤخرا بسقوط مبارك فى 2011 بدأ الازهر يحاول إعادة بناء نفسه كقوة فى السياسة المصرية والمجتمع المصرى وفى الفكر الاسلامى السنى مثلما أدى سقوط صدام حسين منذ ثمانية أعوام مضت إلى فتح عالم جديد أمام فقهاء الشيعة ومن المؤسف أن شيخه الذى عينه مبارك وكان من اعضاء حزبه تورط فى مساندة مبارك فى محاربة الطلبة الاسلاميين

عندما كان رئيس جامعة الازهر وحرم بعضهم من الدراسة وتسبب فى سجن البعض الآخر إرضاء للدكتور ورجال أمنة الفاسدين وبذلك اقترف الفساد والإفساد وتواطأ مع الطاغى هو ورجاله فى محاربة الاسلام وأبنائه فهل مثل هذا يستحق أن يتحدث باسم الاسلام او يمثله ؟ حاشا لهذا الدين العادل إن وجوده فى هذا المكان وصمة للمكان وصمة لا يجوز ان يوصم بها شيخ للأزهر

ومع ذلك فقد لدى الازهر صلاحية اصدار الفتاوى الدينية لكن لم يتبع الجميع طرق الازهر إن التفكير والتفسير المتناقضين للإسلام قد أديا إلى مشكلات كثيرة العدد ويعتقد يوسف ندا ان بعض الأيديولوجيات وبعض طرق النظر الى الدين الاسلامى وفهمه قد وضعت للحط من شأن هذا الجانب أو ذاك فنشأ ذلك الاتحاد عير المقدس بين السياسة والدين

" عندما اعتلى فهد بن عبد العزيز عرش المملكة العربية السعودية عام 1982 توسع في إفتتاح جامعات فى المملكة لتدريس الاسلام حتى لا يعتمد على ما يدرس فى مصر وكانت بداية ذلك فى عهد الملك فيصل ودعمت الجامعات السعودية بالمال والمنح الدراسية وأوجدت لنفسها طريقتها المتشددة فى تفسير الاسلام واستخدمت كسلاح ضد (أفكار) عبد الناصر عندما بدأت دعوة عبد الناصر للقومية العربية تتردد أصداؤها من المغرب الى العراق ومن سوريا الى اليمن أصبح حكام السعودية فى مأزق قال عبد النصر فى احد خطبه سوف نسقطهم حتى ولو تعلقوا بأستار الكعبة (والكعبة محرم فيها القتال لا يسمح لأحد وبالتأكيد اذا كان مسلما بالقتال "

ان السعوديين هم القوامون على مكة وقد بدءوا ينشرون صيغة فهمهم للاسلام وقالوا ان تأييد المسلمين للقومية حرام لان الناس كلهم سواسية امام الله والاسلام لا يسمح بالقومية وهذه الفكرة ليست من تعاليم المسلمين هذه سياسة وقد استعمل السعوديون الدين فى كل شىء لدعمهم اعمالهم واقوالهم

حدثت التفرقة ضد الشيعة لان الصيغة السعودية من الاسلام انتشرت خلال منطقة الخليج فعقيدة الشيعة بالنسبة لهم انحراف عن الاسلام الحقيقى وكثير من الشيعة عندهم نفس النظرة بالنسبة للسنة لقد مضى عبد الناصر بقوميته منذ زمن طويل وكذلك الشاه لكن فى عام 2012 مازالت التفرقة مستمرة ومازالت تستخدم ليس الخطأ السعودية او السنة او الشيعة فلهم ان يدافعوا عن انفسهم لكن الجماعات والشعوب ذات المصالح الذاتية سوف تسكب الزيت على النار دائما والمجانين سوف يستدعون الجنون باسم الدين ويستخدمونه لتبرير أخطائهم فكأنه مثل صندوق إشعال فحم المدفأة والتحدى المستمر يكمن فى منعه من التحول بذاته الى كتلة من اللهب

عندما عاد خمينى الى ايران شجع الإخوان النظام على إجراء الحوارات بين علماء الشيعة والسُنة ووافق الجميع لكنها ما كادت تبدأ حتى انفضت اتُهمت ايران بتصدير الثورة وبرغبتها فى زعزعة استقرار البلاد العربية ولم يكن هذا كذبا او افتراء عليهم وتقرر أى مباحثات بين الشيعة والسُنة خطر على الامن وجُمدت المباحثات

كوّن آية الله خمينى لجنة للتقريب بين المذاهب وطلب من الإخوان المسلمين المشاركة وقد أعطانى المرشد العام الصلاحية لذلك لكننى لم استطع التقدم بمسألة دينية فلست من رجال الدين كان على ان اقدم المسألة السياسية كان الامر واضحا : إن رئيس الحكومة لا يستطيع ان يقول للمرجع الدينى ماذا يفعل او ماذا يقول فالمرجع يجب ان يقول مايريده الاسلام ويجب ان يختاره الناس ولا يُعين من قبل الحكومة

فا الدولة ورجال الدين يجب ان يكونا كيانين منفصلين عن بعضهما تماما استقلال الدينى عن السلطوى ولو افترضنا أن رئيس الدولة قال البابا الفاتيكان مهددا إياه بالقتل أُعلن تحريم التعامل مع العرب فإن فعل البابا ذلك فهذا ما تريده الدولة وليس الدين بهذه الكيفية تسير الامور فى المملكة العربية السعودية ففى كل وقت تتداخل اعتبارات كثيرة السياسات والدين تارة والمصالح الشخصية تارة اخرى

والمدهش ان الناس تهاجم غالبا اولئك الذين يريدون مساعدة الغير فقد رأى يوسف ندا بعينيه انشغال الإخوان المسلمين انشغالا كبير بأفغانستان عندما كان السوفيت يحتلونها كان ثمة مجاهدون فى سبيل الله ولكن كان هناك ايضا لصوصا وقتلة وجماعات غير منضبطة ومتهورة يقاتل بعضها بعضا بينما الحرب دائرة ضد السوفييت كان منهم قطاع طرق كانوا شيعة ام سنة سرقوا ونهبوا وكانت بعض اخبارهم كالكوابيس التى نقرأ عنها فى الحكايات

من ذلك أم الدكتور احمد الملط (رئيس الجمعية الطبية الاسلامية ونائب المرشد العام للاخوان المسلمين) كان يرسل افواجا متعاقبة من اطباء الإخوان المسلمين الى أفغانستان للمساهمة فى انقاذ ارواح المصابين كان الفوج يقضى مدة ثم يعود عندما يتسلم العمل منه الفوج الجديد لكن مجموعة من المقاتلين الشيعة اختطفت احد الافواج واتصل الدكتور الملط بى يتساءل إمكانية مساعدتهم

اعتقدت ان افضل حل هو ان تتخل ايران وفى طهران التقيت بالسلطات واخبرونى انهم سوف يتحدثون مع زعيم الطائفة التى منها الخاطفون واسمه المنصورى وجاء الرد ان الإخوان اغنياء ويجب ان يدفعوا فدية وانفجرفلقد اغضبنى ذلك القول للغاية أى اسلام يقول بذلك ؟ ! ايران تقول انها دولة مسلمة ومع ذلك تنقل رسالة بأننا إذا كنا نريد فك أسرانا الاطباء فيجب علينا أن ندفع فدية

كان ذلك عارا كان عليهم ان يلاحقوا الخاطفين ويعاقبونهم كان هذا ادنى مستوى وصلت اليه العلاقة بينى وبين الايرانيين بعد ان تعاونا معا فى امور كثيرة فيما سلف لكنها السياسة ثم جاء الحل من عند الله : إذ هبت عاصفة رملية وفر الخاطفون هربا بأرواحهم تاركين الاطباء المخطوفين لمصيرهم وتمكن الإخوان الاطباء من الهرب من قبضة خاطفيهم كانت نجاتهم سالمين احدى المعجزات

اثناء اشتراك الإخوان فى أفغانستان كان يوسف ندا على صلة ببعض القادة الافغان من امثال برهان الدين ربانى الذى زار ندا فى منزله بسويسرا وقد سبب هذا الاجتماع مشكلات للمضيف عُين ربانى فيما بعد رئيس دولة أفغانستان الاسلامية من عام 1992 ولمدة اربع سنوات وقد اغتيل بتفجير انتحارى فى بيته بكابول فى سبتمبر 2011 ولقد اجتمع ربانى وأحد مساعديه مع يوسف ندا لمناقشة التعاون بين الفصائل الرئيسية التى كانت تقاتل السوفييت : برهان الدين ربانى وقلب الدين حكمتيار وعبد الرسول ساف ومحمد نبى وكان اجتماعا وديا كما وصفه ندا

وفى اليوم التالى ارسل إلى مساعده خطابا يشكرنى فيه ويخبرنى بأنهم يعتبرون انفسهم جزءا من الإخوان المسلمين وطلبوا منى ايضا المساعدة فى الحصول على مستشارين عسكريين ومدافع وصواريخ وملابس عسكريه وأجهزة راديو وحتى الاحذية وقد حمل الخطاب توقيع كل من ربانى ومساعده

وعلى الرغم من جميع اتصالاتى بهم وبآخرين مثلهم فلم أقحم نفسى أبدا فى مناطق غير واضحة المعالم وأتورط فى مسائل تتعلق بالأسلحة فأنا سياسي ولست متمردا او مقاتلا لم انس على الاطلاق سجن العباسية الحربى فى القاهرة وكيف عُذب الناس فيه وقناعتى هى أننى لا ينبغى أبدا أن أتورط فى العنف حتى وإن كان هناك ما يبرره فأنا أنتمى إلى الإخوان المسلمين والجماعة حازمة فى عدم تورط فرد منها فى أى شيء يتلق بالسلاح أو العنف ولم أرد على رسالة ربانى وقد وجدها المدعى العام السويسرى فى أوراقنا وسألنى عنها فأجبت أننى مسئول عما أكتب لا عما يكتبه غيرى

ومن وجهة نظر يوسف ندا يعتبر قلب لبدين حكمتيار أهم شخص فى القضية الافغانية أقوى اللاعبين وزعيم الحزب الاسلامى الافغانى وهى جماعة سياسية شبه عسكرية كانت تحارب السوفييت عند الحدود الباكستانية ومن المعروف انهم تلقوا كمية كبيرة من الاموال والمواد الحربية من باكستان والسعودية وأمريكا

إذا أراد أى شخص تحقيق السلام فى أفغانستان أو الوصل إلى أى وضع باستثناء الحرب فعليه أن يتفق مع البشتون أو طالبان أو الحزب الاسلامى الذين كانوا جزءا من قبائل البشتون كانت طالبان فى المراحل المبكرة لتكوينها وكانت المحادثات معها صعبة للغاية لم يكن الحزب الاسلامى متسامحا لكن كان التعامل معه ايسر كان قلب الدين حكمتيار بالمقارنة متفتح العقل كان وضعا قبليا معقدا فى وجود الفصائل وولاءاتها لطالبان وللحزب الاسلامى والاوزبك وبالطبع لأنفسهم

وفى هذه المرة قال لى الإخوان افعل كل ما تستطيع فهذه حرب يجب ان تنتهى كل يوم يُقتل مسلمون بأيدى مسلمين كنت اعمل بمفردى أعطونى الاشارة ثم بدأت اعمل لم يخبرنى أحد ماذا أفعل اتصلت بقلب الدين حكمتيار وذهبت الى باكستان فى بيشاور استقبلنى عضو من الحزب الاسلامى ثم أخذنى من مكان الى مكان يسلمنى أحدهم للآخر دون حول لى أو قوة حتى وصلت فى النهاية الى مجموعة مبانى مازالت فيها حياة وتغمرها أضواء كاشفة للتعرف على كل من يقترب منها واصطحبونى الى حجرة تشبه المكتب كان بابها مفتوحا ومنه دخل على قلب الدين حكمتيار المحارب الكبير ذو الابتسامة الكبيرة كان يعرفنى فقد اجتمعت معه عدة مرات فى جنيف

وبدأنا نتحدث على الفور لم يكن لدىّ وقت لاضيعه كان يعلم أن الإخوان لايمكن ان يدينوه عندما يقاتل غزاة بلده لكننى كنت قادرا على بيان قوة موقفه التفاوضى شرحت له ان ان افضل الطرق امامهم ان يأخذوا حقوقهم لكونهم أقوياء ويتفاوضوا وواصلت القول : دعنا نفترض أن السوفييت سوف يرحلون الاسبوع القادم عندما تصبح مسئولا عن البلد سوف تجد أناسا يموتون وليس لديك مستشفيات ولا مدارس ولا طعام ولا طرق ولا مساكن حتى الحقول التى سيذهب الناس لزراعتها قد امتلأت بالألغام إنك فى مأزق أما إذا تحادثت الان فى الوقت الذى يريد فيه السوفييت الرحيل فستطلب منهم إزالة الالغام وتعويضكم عما فعلوه

بينت له انه عندما تكون ضعيفا فإن الطرف الآخر يُملى عليك لكن عندما تكون قويا فاذهب وفاوض خذ ما تريد لكن دون تضحيات دون خسائر السوفييت يريدون المغادرة – ولا يريدون لرجالهم ان يقتلوا اثناء انسحابهم كما يرغبون ان تكون لهم علاقات طيبة مع النظام الجديد وان لا يصبح لهم عدو جاثم على حدودهم وسألته ماهو الافضل أن يتولى أمر دولة لم تُدمر بالكامل بعد او أن يمثل دور البطل بإطلاق الصواريخ فى الهواء ؟!

وقلت له : إنك ستستولى على أرض قاحلة وإذا كان الامريكيون والباكستانيون يساعدونكم اليوم (بلغت المساعدات للأفغانيين نحو 600 مليون دولا امريكى من امريكا ومن السعودية بطريق غير مباشر عبر اجهزة الاستخبارات الباكستانية فستصبح مشكلتهم بعد ذلك أنكم لن تملكوا شيئا فالمساعدات سوف تتوقف قلت : إن كل واحد يعتبر السوفييت الشيطان الاكبر فلقد دمروا كل ما كان امامهم لكنهم ضعفاء وعُدت الى نفس القاعدة عندما تكون قويا فاوض وأقل الاساليب تكلفة وأسهلها لكسب أى حرب هو اجتنابها

اوضح يوسف ندا لحكميتار انه اذا تحادث مع الروس فباستطاعته ان يطالب بتعويضات لا صدقات وقال له : اطلب إزالة جميع الالغام وتعويضكم عن الطرق والمدارس والمستشفيات وكافة المرافق التى دمروها فاليوسف ندا إنه حاول إفهام قلب الدين حكمتيار بأن التعامل مع السوفييت ليس خيانة وإنما ليحمى به مصالح الشعب والبلد " كل حالة ولها متطلباتها والاحاسيس شىء أما الواقع فشىء لآخر وعليك أن تتعامل مع الواقع "

تحادث الرجلان ست ساعات تقريبا ثم قال حكمتيار ليوسف : أعتقد أننا نستطيع أن نسلك هذا الطريق لكن ليست لدىّ وسيلة الى ذلك ليس لى اتصال بهم بل على العكس أنا أقاتلهم كيف استطيع التحادث معهم؟ كانت خطة ندا أن يقوم الإيرانيون بدور الوسطاء ويتحدثون مع السوفييت عن حل معقول فى محاولة لإنقاذ أفغانستان من دمار محقق وطلب من حكميتار أن يعطيه الفرصة لتنفيذ خطته

كانت خطة ندا ان يقوم الايرانيون بدور الوسطاء ويتحدثون مع السوفييت عن حل معقول فى محاولة لانقاذ أفغانستان من دمار محقق وطلب من حكميتار ان يعطيه الفرصة لتنفيذ خطته دعنى احاول ان ارى كان الايرانيون مستعدين للوساطة لا يريد الايرانيون ان يكون الامريكيون والسوفييت ضدهم وإذا ساعدوا السوفييت فسوف يكسبون تأييدهم لهم ضد الامريكيين فأجاب حكمتيار : وانا أفوضك أن تفعل ذلك لكن دعنى أتابعك خطوة بخطوة

كان من المعروف فى انحاء الشرق الاوسط أن ليوسف ندا اتصالات مع الايرانيين " لى صلات بالكل إنى أستمع لكل واحد ولا أغلق بابي أبدا " قال الايرانيون إنه لا مانع لديهم ووافقوا على اللقاء مع حكمتيار ومنذ تلك اللحظة طلبت من غالب همت أن يسافر مع قلب الدين حكمتيار حتى يعامل المعاملة اللائقة في المفاوضات " ويفصل ندا كلامه قائلا " كانت العلاقة بين الايرانيين وحكمتيار غير طيبة بل سيئة للغاية

تمكن غالب همت من قبل من ترتيب حمايته من الاستعلاء من ان يعامل كواحد من تجار الحروب القانطين الجبال كانت الترتيبات ان يذهب بالطائرة للاجتماع بالإيرانيين وبصحبته غالب همت وقبل موعد الرحلة بثلاث ساعات تدخل الامريكيون إذ ذهب الامير تركى بن فيصل الآب سعود ليقابل قلب الدين حكمتيار وكان الامير تركى رئيس الاستخبارات السعودية وقد عمل مع ال سي آبى إيه والباكستان ضد السوفييت في أفغانستان وقبيل مغادرة حكمتيار الى طهران اخذه الامريكيون الى الرياض وانهار كل ما عملنا على بنائه

لم يتوقف القتل في أفغانستان اراد الامريكيون للحرب ان تستمر : كانوا يريدون أن يزداد نزيف السوفييت إلى أقصى ما يمكن لم يرضوا لهم انسحابا امنا وقد خصلوا على ما ارادوا واصل قلب الدين حكمتيار هجومه قصف كابول فمات عشرات الآلاف "

تقاتل زعماء القبائل فيما بينهم حول من سيكون المُخلص لكابول فهو الذى سيتوج بطلا ثم بدئوا يقتلون بعضهم بعضا ومات المزيد من عشرات الآلاف هذه الاحداث تثير الغضب ولكن يجب الا تصيب المرء بالإحباط أو تُغير من ناويته الحسنة فعندما تفعل كل مصافى وسعك لمنع الرعب فيجب الا تتحول عن اهدافك إذا لم تتمكن من منعه عليك ان تكرر المحاولة وترجو النجاح في المرة القادمة كما كان يفعل " روبرت ذا بروس " بطل تحرير اسكتلندا المشهور كل ما أردته كان إيقاف العنف كان هو غرض الإخوان ولهذا الغرض عملنا مع كل الفصائل

مير حسين موسوي خامنه الذى عمل رئيسا لوزراء إيران 1981 إلى 1989) ثم اصبح الان زعيما للمعارضة عندما أراد أن يجتمع مع قلب الدين حكمتيار وغيره وجد صعوبة في الاتصال بهم فقمنا له بالترتيبات اللازمة وزودته بأرقام الهواتف والاماكن المطلوبة في بيشاور وعندما تمكن من بدء التواصل انسحبنا نحن لنفسح له المجال للقيام بمهمته

إن معتقدات يوسف ندا الراسخة كانت ومازالت تسانده عندما تتبدد الآمال لكنه إنسان والحزن يطل من عينيه عندما يكون الحديث عن تعثر جهود كان نجاحها سيؤدى الى انجاز الكثير انقاذا للأرواح وحماية للبلاد

ان تعقد الاهمية المتوازية للدين والسياسة في كثير من المفاوضات التي قام بها كرجل دولة باسم الإخوان المسلمين قد جعلته يحتاج الى سرعة التفكير ومحاولة ايجاد حل للمشاكل بدلا من استبعادها لاستعصائها على الحل وهو غالبا ما ينظر الى الماضي يستلهم منه الهداية ان لم يكن الاجابات الكاملة لكن نقطة البداية دائما عنده هي ان جميع الناس وجميع الاشخاص لا يختلف بعضهم عن البعض

يقول يوسف ندا كثر الحديث عن أن الإخوان المسلمين يريدون ان يكون الخليفة على راس الدولة وحتى الاستاذ البنا مؤسس الجماعة نادى بذلك وظل الإخوان يرددونها بدون بحث وتمحيص هذه مرحلة تاريخية لكنها لن توجد مرة اخرى ابدا بسبب ما حدث من تغيرات في العالم والتاريخ الإسلامي والواقع وكذلك بسبب الطريقة التي حكم بها المسلمون بعد الخلفاء اربعة الراشدين الذين طلب الرسول من المسلمين اتباعهم وبعد الراشدين قامت امبراطوريات مسلمة عديدة وليست امة مسلمة كان ذلك اشبه بشعب تحكمه اسرة حاكمة كانت امبراطوريات مسلمة عربية ثم تركية يرأسها رجال أقوياء وأسرهم أو قبائلهم وكان رئيسهم يمنح نفسه لقب الخليفة

كان الخليفة في عصر الراشدين حكما وصاحب القرار النهائي وهناك قصة مشهورة في مصر: عين الخليفة الثاني عمر بن الخطاب واليا على مصر وهو عمرو بن العاص وذات مرة جاء رجل من اهل مصر يشكو ابن عمرو بن العاص واليه على مصر قائلا : ي أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم قال : عذت معاذا قال : سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته فجعل يضربني بالسوط

ويقول : أنا ابن الاكرمين فكتب عمر الى عمرو رضى الله عنهما يأمره بالقدوم ويقدم بأبنه معه فقدم عمرو فقال : عمر : اين المصري ؟ خذ السوط فاضرب فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر : أضرب بن الاكرمين ثم قال عمر للمصري اصنع على صلعة عمرو فقال : يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذى ضربني وقد اشتفيت منه فقال عمر لعمرو :متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟ فقال ي أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني ابن الحاكم !! اين المحكوم !! الجميع متساوون بصرف النظر عن الطبقة الاجتماعية او الدين هذه هي العادلة

لكن بعد الخلافة الراشدة حكم الطغاة من بنى أمية (أول أسرة حاكمة لبلاد المسلمين) كل المجتمعات والبلاد الاسلامية وتلتها الاسرة العباسية على نفس المنوال والماضي ملئ بالطغاة الذين صنعوا امبراطوريات الرومان واليونان والعرب والاتراك وقد حفروا اسماءهم في التاريخ واستطاعوا ان يحكموا اجزاء ضخمة من هذا الكوكب درست معظم هؤلاء ولم اجد احدا منهم يقارن بالخلفاء الراشدين فى عدلهم واخلاصهم واحترامهم لكرامة الانسان

وبعد قرون من الاستغلال طور الناس نظما تمنع البشرية من الطغيان واعتقد ان افضلها هى الديمقراطية ولا ارى أي تعارض بين الاسلام والديمقراطية الاسلام دين لكن الديمقراطية اداة الاسلام يطلب من كل مسلم ان يطبق احكاما توفر الحرية والعدالة ومع كل العيوب الديمقراطية واوجه قصورها فإنها بٌنيت على تقسيم السلطات والفصل بينها من أجل الوصول الى العدل حتى لا يستطيع شخص واحد ان يجمع فى يديه كل السلطات ويصبح طاغية

وبعد الخلفاء الراشدين الاربعة انحرف نظام الخلافة واصبح لا يمكن مقارنته بما كان عليه من قبل واليوم لا يعمل نظام الخلافة ولا يمكنه تحقيق القيمة العليا فى الاسلام وهى العدل لا اجد فى القرآن أو السنة ما يفرض على المسلمين حكم الخليفة وإنما أجد اسمى قيم الاسلام : العدل والمساواة وأى نظام يضمن هاتين القيمتين يقبله الاسلام

المسلمون اليوم موجودون في كل مكان في العالم في الباكستان وأفغانستان واندونيسيا والولايات المتحدة وبريطانيا والشرق الاوسط والصين في كل مكان وحيثما كان الفرد فهو يحب ان يحافظ ليس على دينه فحسب وإنما على تقاليده وعلى حياته الاسرية والعلاقات التي تربطه مع الآخرين أيضا

ووجه الاختلاف أن لديهم أسلوبا فرديا نابعا من مجتمعهم ينبغي على كل واحد ان يحترمه لا يصح ان تشكو من ان المسلمين لن يكونوا صورة مستنسخة من الغربيين لا يمكن ان تتوقع منهم التخلي عن تاريخهم او عواطفهم الشخصية او الخاصة إن الاختلافات موجودة حتى بين المسلمين انفسهم مثلما هو الحال في كل مجتمع غربي فالعقلية الايطالية على سبيل المثال منفتحة بينما العقلية السويسرية محافظة

ان نزعات الغرور والأنانية والكبر هي التى تجعلنا نظن بأن على الجميع أن يكونوا مثلنا وهذا ليس من العدل فى شىء ولن يحقق لنا شيئا هناك جدال فى الغرب حول المساجد وعن اناس يصلون فى الشوارع لكن ماذا يفعلون إذا لم يجدوا مكانا آخر يصلون فيه ؟! طالما كانوا جزءا من المجتمع فيجب عليك ان تساعدهم على ان تكون لهم خصوصياتهم واماكنهم وغرفهم الخاصة للصلاة فإذا منعتهم من ذلك فأنت توجد شعورا بالتمييز فى التاريخ الاوربى كان البروتستانت فى فرنسا يضطرون الى الذهاب الى الشوارع الخلفية حتى يتمكنوا من الصلاة نفس الشىء هو ما يحدث الان عدم احترام الغير

فالمسلمون متهمون بأنهم بأنهم يريدون تغيير الغرب لكنهم يريدون أن يحكم عليهم كأناس يريدون احترام الاخرين يريدون تغيير الغرب لكنهم يريدون أن يتساووا مع الاخرين عندما تستقر شخصا ما فإنه يتصرف بخلاف طبيعته قد يتطاول عليك بعضهم فى القول او يضربك احدهم لكنك عندما تستفز الاخرين فعليك ان تتوقع منهم الرد

كل من ينكرون على الاخرين حقهم فى الاجتماع على ما يعتقدون او حريتهم فى التفكير لماذا يفعلون ذلك ؟ قد يرضى البعض بالعيش دون حرية لكن ينبغى أن تتوقع أن لا يقبل غيرهم ذلك هذا سوف يخلق الكراهية والكراهية ستولد التمرد والتمرد سوف يخلق الجرائم

يجب الا تعمى ابصاركم عن الاختلاف بين محاربة الايديولوجيا ومحاربة الدين إذا نظرت الى التاريخ فتأمل كيف حاول الرومان محاربة المسيحية فزالت الامبراطورية الرومانية واستمرت المسيحية إذا حاولت محاربة الدين بالسلطة والقوة فلن يكون النجاح حليفك إنك تحتاج الى تغيير من الطرفين ان تحاول ايجاد طريقة يقبلُك بها هذا الدين وأن تقبله أنت دون انتباه أنت لا تستطيع أن تجبر من يؤمنون به على تبنى طريقك

إن أكبر حربين فى التاريخ هما الحربان العالميتان الاولى والثانية ولم تكن ايهما من حروب المسلمين كلتاهما كانتا حروبا مسيحية وقُتل فيهما عشرات الملايين ارجع الى التاريخ وادرس الفظائع التالية :

• الصليبيون الذين ذهبوا الى فلسطين وملئوا شوارع القدس بأنهار من دماء المسلمين

• حروب الصليبيين فى الاندلس وكافة انواع الجرائم ضد الانسانية التى ارتكبت ضد المسلمين

• ما حدث لليهود فى اوروبا بين عاميين 1932 و1944

• مقتل نحو مليون افغانى ونحو مليون ونصف عراقى من المدنيين فى مطلع القرن الحادى والعشرين وماصاحب من تحول مليونى زوجة الى ارامل وخمسة ملايين طفل الى يتامى

• ما جرى فى حرب الافيون فى الصين وحروب كمبوديا ولاوس وفيتنام

• شحن السفن بالبشر من افريقيا ليتم استعبادهم على الساحل المقابل من الاطلنطى

• ما حدث فى هيروشيما ونجازاكى

التاريخ لا ينسى ولا يغفر سوف يخبرك التاريخ ان من ارتكب تلك الفظائع لم يكن من المسلمين لم يكن من الارهابيين المسلمين !! ولم يأتوا من الشرق الاوسط او اسيا او افريقيا ولا يمكن تبرير هذه الاعمال دينيا مال م تحرف رسالة الله او تتعند تاويلها تاويلا غير صحيح أو تنحرف بها فالذين ارتكبوا تلك الفظائع كانوا مخلوقات وحشية ومتوحشة لم يكن ذلك من عمل الله كان هذا من فعل البشر والبشر يخطئون والسياسة والدين يتصادمان

اصبح يوسف ندا منشغلا فى هذا النوع من النزاعات الذى وصفه آنفاعقب الاضطرابات العنيفة بين الشيعة من ايران والسنة من المملكة العربية السعودية فى موسم من أعظم الاوقات عندهم جميعا ففى السنة السابعة من الحرب الايرانية العراقية اشتبكت مجموعة من الحجاج الايرانيين فى اضطراب مع قوات الامن السعودية فى مكة فى موسم الحج عام 1987 وما زالت الارقام موضع نزاع

لكن بعض التقارير ذكرت ان عدد الوفيات وصل الى 402 من بينهم 275 حاجا ايرانيا و 85 شرطيا سعوديا 42 من الاخرين ولكن المتفق عليه ان جميعهم من المسلمين وأدت اخبار وفاة الشيعة الايرانيين وتورط الامن السعودى السنى الى اضطرابات فى طهران وهجوم على السفارتين السعودية والكويتية هناك وفى مكة جرت معارك فى الشوارع بجوار المسجد الحرام قتال محرم تحريما تاما فى الاسلام

كان ذلك عشية الحج : أحد أركان الاسلام وأكبر مناسبة فى التقويم الاسلامى كان الحجاج الايرانيون فى الاعوام الستة السابقة يسيرون فى مظاهرة سنوية ضد إسرائيل والولايات المتحدة الامريكية لكن فى عام 1987 قام افراد الشرطة والحرس الوطنى السعودى بالاصطفاف مغلقين بذلك جانبا من الطريق الذى ازمع المتظاهرون على سلوكه

فأدى ذلك الى المواجة كانت لحظة صعبة أمام العالم كان الغرب متوجسا مما يراه من نمو الاصولية الاسلامية وكان هناك توتر يحيط بالجهود الامريكية لحراسة ناقلات البترول الكويتية عبر الخليج الفارسى وتحت هذه الطبقة من الخليط غير المستقر من المصالح المتعارضة كان احتمال اندلاع حرب شاملة بين الشيعة والسنة ما يعتبره يوسف ندا سياسة " فرق تسد "

بدأت المظاهرات العنيفة عندما تجمهر الحجاج الايرانيون عقي صلاة الجمعة فى تظاهرة سياسة وكانت السلطات السعودية قد قررت منع ذلك ردد المتظاهرون هتافات الموت لامريكا الموت للاتحاد السوفيتى الموت لإسرائيل ورفعوا صور قائدهم آية الله خمينى وادعت ايران ان الشرطة مكافحة الشغب السعودية اطلقت النار على المتظاهرون الابرياء

وقبل بداية موسم الحج التالى لتلك الاحداث اراد قادة الشرق الاوسط تلافى المشكلات فى المدينة المقدسة فى المستقبل وتم الاتصال بيوسف ندا ليتوسط وهذه المرة استطاع ان يغير احداث العالم دون ان يغادر بيته فى " كمبيوتى " تم حل النزاع فى حجرة الجلوس التى تطل على بحيرة لوجانو كان يحضر الاجتماع ممثل عن الملك فهد (على بم مسلم ومعه اثنان من مساعديه) وممثل عن الرئيس الايرانى على أكبر هاشمى رفسنجانى (مصطفى فومانى) مع اثنين من الدبلوماسيين الايرانيين (حسين ملائك سفير إيران فى سويسرا وجواد ترك أبادى سفيرها فى البحرين)

ويتذكر ندا ما حدث بقوله " كانت العداوة مخيمة بظلالها على الاجتماع وكان النزاع ما زال قائما واحتمال الحرب كبيرا واتخذت بعض الاستعدادات لموسم الحج التالى كان الملك فهد قد ادخل توسيعات كبيرة فى الحرم الكى لكن لم يكن المكان ليتسع لكافة حجاج العالم ولذلك اعطى السعوديون لكل دولة حصة تتناسب مع عدد السكان وادى ذلك الى نقص العدد المسموح به من ايران

كان الحجاج من كبار السن يتوقون الى الحج قبل ان يدركهم الموت وكان لدى الايرانيين قوائم انتظار تراكمت عبر السنين وصلت المفاوضات الى حالة من الجمود عندما تمسك كل طرف بموقفه وعند ذلك قلت للسعوديين " هم يريدون السماح لمئة وعشرين الف حاج وانتم تقولون ان الحد الاقصى لما تستطيعون إعطائهم هو ثمانون الف تأشيرة الفارق إذن اربعون الف لماذا لا تعطونهم هذه الآلاف الاربعين خلال الاشهر الاربعة الحُرُم والتى يعتبرها الشيعة حجا اصغر الى مكة

وقلت للايرانيين انتم تعتبرون الذهاب الى مكة فى الاشهر الحرم حجا أصغر الافضلية هذه الفترة عن بقية شهور السنة الاخرى فإذا وافقوا فإن السعودية لن يكون لها عذر لعدم إصدار تأشيرات لهذه الاشهر الاربعة فى البداية عندما تقدمت باقتراحى توقف الطرفان عن الحديث وكأن ألسنتهم انعقدت : لم يجدوا جوابا ثم طلبوا استخدام الهاتف ذهب السعوديون الى غرفة نومى بينما ذهب الايرانيون الى غرفة اخرى طلب الاولون الملك فهد وهاتف الاخرون الرئيس رفسنجانى (لم يكن الموبايل قد ظهر) وتم الاتفاق

لكن قبل ذلك كان كل طرف يستعد لمعركة تدور فى موسم الحج التالى كانت المملكة العربية السعودية تريد ان تُظهر للعالم اجمع انها تسيطر على اراضيها وان خمينى لا يستطيع ان يفعل شيئا واذا لم يكن هذا الاتفاق قد تم لتعرضت ارواح الآلآف والآلاف للخطر

ويشرح يوسف ندا كيف كيف كان التعامل مع آية الله خمينى حساسا على الدوام وبسبب رقة شعوره كان من الممكن التأثير عليه ومثال على ذلك قضية الكاتب سلمان رشدى الذى مر كتابه " أطفال منصف الليل " الحائز على جائزة بوكر عام 1981 مرور الكرام فلم يشعر به احد فى ايران غير ان صدور كتابه آيات شيطانية فى 1988 أحدث ضجة كبرى هناك

فعندما أُتهم رشدى وروايته بالتجديف والسخرية من الاسلام أصدر المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية فتوى تطالب بإعدام رشدى وأقول لك صراحة لقد أخطأ خمينى فقضية رشدى كانت تافهة ولا ينبغى للحركة الاسلامية ان تشغل نفسها بها لقد دُفع آية الله لهذا بخطأ عاطفى فلم يكن فى صالح العالم الاسلامى ان يعلن ان شخصا ما سوف يقتل فى الشارع

ويصر يوسف ندا على ان قضية رشدى قد ساعدت الاخرين على التهويل فى إظهار آية الله بمظهر الجنون فى اعين الغرب ما إن أصدر آية الله فتواه حتى اصبحت موضوع العناوين الرئيسية من وجهة النظر الاسلامية فإن هذا الرحل المضلل – سلمان رشدى - لم يقل اكثر مما تجده فى سائر الكتب فى اوربا ولذا فإثارة فضية حول كلمات كتبها كان خطأ وأن تطلب من الناس ان يذهبوا فيقتلوه أمر يثير الاشمئزاز إنه أمر غير مقبول بيد أنه اتخذ وجهة سياسية من كلا الطرفين

ويظل البريطانيون يتمتعون بتأثير ضخم فى الشرق الاوسط بما فيه ايران ولهم استخباراتهم " إم آى سيكس " وليست " سى آى إيه " وهناك الكثير من التناقضات فى حياتنا وما نراه ليس دائما ماهو هناك بإمكانك فقط ان تحاول صنع الخير وسط كل العلاقات المعقدة

الفصل السادس:تجار الحروب

" إذا لم تبرهن على العلاقة بين حرب وما سبقها من سياسات فلن تفهم من هذه الحرب شيئا" فلا ديمير لينين

لم يكن الصلاح يوما مقترنا بصدام حسين ولم يقترفه الرجل ابدا وكما يجرى نهرا دجلة والفرات منسابين فى ارض العراق فإن أرضه محاطة من كل جانب بسوريا والاردن والكويت وتركيا والمملكة العربية السعودية كما تحيط بها المتاعب من كل جانب وفى كنف صدام حسيين كان الشر مدعاة للاسف

واتضح ذلك بفظاظة فى تسلق صدام حسين العنيف الى السلطة كانت وراءه العصيبات القبلية او تلك الشبكة البيزنطية من الروابط والمنافسات التى تسبب المشكلات للعالم العربى ثم إنه انضم الى حزب البعث الشيوعى العربى الاشتراكى ليستخدمه كأداة توصله الى السلطة هو وابن عشيرته احمد حسن البكر واشترك الرجلان فى انقلابات وعمليات تعذيب واغتيالات تم الكثير منها بالتعاون مع مدير الاستخبارات العسكرية العراقية عبد الرازق النايف

وبعد اسبوعين من استيلاء احمد حسن البكر على الحكم وتعيين صدام حسين نائبا له طردا رئيس وزرائهما نايف خارج العراق ثم ارسل صدام من اغتاله فى لندن بعد ذلك وبنفس الطريقة تم التخلص من وزير الدفاع السابق اللواء حردان التكريتى فى الكويت وبعد عشر سنوات شجع صدام قريبه البكر على الاستقالة من رئاسة الجمهورية ليتولى بنفسه المنصب فى 1979 أي حين بدأ آية الله خمينى تغيير سياسات ايران وتسكن الدولتين أغلبية شيعية

وكان صدام سنيا لكنه لم يكن مسلما ملتزما كما لم يعبأ بضحايا طموحاته أو حروبه قط كانت الحرب الايرانية العراقية التى اشتغل بها بُعيد أن أصبح رئيسا للعراق (كمدافع عن العالم العربى حل فيه محل عبد الناصر) مذبحة طويلة الامد كانت الخسائر فى الارواح تفوق الحصر فقد زاد عدد القتلى عن نصف مليون شخص أم التكاليف المادية فكانت باهظة بمقياسين آخرين أولهما بلايين الدولارات التى بددتها الحرب والاخر مقدار الغش والخداع الوليين المرتبطين بها

عملت ال " سى آى إيه " مع العراق وأحيت أمريكا من جديد علاقاتها الدبلوماسية مع بغداد كانت فرنسا والسوفييت مع صدام أما إسرائيل فشعرت بأن صدام عدو اكبر فوقفت الى جانب ايران وفى العالم المظلم لاحداث الدبلوماسية الدولية باعت بريطانيا لايران قطع غيار لاسلحتها وباعت امريكا اسلحة لايران فى صفقة " ايران – كونترا " السيئة السمعة عن طريق وسطاء اسرائيليين بموافقة من الرئيس ريجان ونائبه جورج بوس الاب

وفى عام 1990 انتهى القتال ومحدثات التسوية ولم تسفر المغامرة الكارثية عن نتائج ايجابية واصبحت قائمة نفقات صدام الاجمالية ببلايين الدولارات دينا عليه مستحقا لجيرانه بما فيهم السعودية والكويت تلك الامارة الصغيرة التى اوجدتها الامبريالية البريطانية كما اوجدت العراق نفسه ورفض مجلس التعاون دول الخليج ان يسقط ديون صدام حسين او ان يحتضن خطته لرفع اسعار البترول كان صدام يرى انه حارب دفاعا عن هذه الدول

كما كان يدافع عن العراق ايضا وان العراق دفع الثمن من دمائه وكذلكالاموال التى يتعين عليهم اسقاطها عرف يوسف ندا بخبايا القصة من شخص حضر بنفسه الاحداث الهامة " يقع حقل بترول الرميلة على خط الحدود بين العراق والكويت وفى اثناء الحرب كان الكويتيون يضخون البترول من آباره وكأنه ملك لهم وحدهم وبعد الحرب طالب الكويتيون صدام بسداد ديون الحرب طلب ان يستبدل بها نصيبه من البترول الذى ضخوه من بئرالبترول المشتركة بينهما

كان لدى صدام جيش ضخم فاستخدمها محاولا اجبار الكويت على مساعدته واتهم الدولة الغنية بالبترول بكل اشكال الايذاء وحشد صدام عشرات الآلآف من قواته على حدود الكويت ظنوا انه يناور لكن القوى الدولية صاحبة المصالح والتى كانت تراقب ما يحدث لم تكن متأكدة من ذلك

وفى نهاية يوليو 1990 رتب السعوديون لعقد محادثات بين الدولتين ولدى يوسف ندا تفاصيل ما جرى ارسل صدام نائبه عزة ابراهيم الى الطائف فى المملكة العربية السعودية ليتفاوض مع الشيخ سعد الصباح ولى عهد الكويت انذاك وهدد ولى العهد المغرور بأنه لو رفع سماعة الهاتف فبإمكانه ان يطلب مئة الف من مشاة البحرية الامريكية المارينز لحماية الكويت وقال إننا سوف نجوع العراق حتى تباع المرأة العراقية بعشرة دنانير

وعندما اعيدت هذه المقولة على مسامع صدام حسين غضب وتصرف بشكل غير عقلانى كعادته عندما تتملكه سورة الغضب وامر عزة ابراهيم بالعودة الى بغداد وفى 2 من أغسطس 1990 دخلت قواته الكويت ومعها الفان من الدبابات وفى خلال ساعات اصبح صدام مسيطرا على الامارة سيطرة كاملة وبعد ستة ايام اعلن ضم الكويت لتصبح محافظة عراقية وتحول كل العاملين والزوار الاجانب الى رهائن وعومل الكويتيون بقسوة او قتلوا

لم يسمع كثير من الامريكيين من قبل بالكويت لكن حكامهم سمعوا كان البترول يتفق انهارا من الكويت كما انها اصبحت ممرا لصدام ورأس جسر الى المملكة العربية السعودية التى تسبح فوق بحيرة اخرى كبيرة من البترول كانت رئيسة وزراء بريطانيا مارجريت تاتشر فى المرحلة الاخيرة من حياتها السياسية ولكنها كانت ذكر ان بريطانيا قد اعطت ضمانات للكويت منذ ثلاثة عقود خلت وانها تعتزم تنفيذ هذه الضمانات

واشتركت تاتشر مع الرئيس جورج بوش الاب فى تحدى صدام حسين لكن العمل الدولى يستغرق عادة وقتا طويلا فى سبتمبر 1990 زار وفد اسلامى صدام حسين وعبثا حاول اقناعه بالانسحاب من الكويت وفى اعقاب هذا الفشل اتصلت قيادة الإخوان المسلمين بيوسف ندا واعطته تعليمات بأن يجد طريقا لا خراج صدام من الدولة البترولية وبأسرع ما يمكن

لم يستطرد الإخوان كثيرا فى تعليماتهم فهم يعرفون ان موفدهم الدولى الخاص عنده القدرة والصلات وفى خلال ساعات كان يوسف يتحدث الى معارفه فى بغداد وبعد 24 ساعة دعاه برزان التكريتى اخو صدام الى الاجتماع معه فى جنيف برزان (الذى أُعدم مع اخيه بعد ذلك بسنوات)

لم يترك بشخصه او ثقافته او معرفته السياسية انطباعا حسنا عند يوسف ندا فلم يحدثه يوسف عن مهمته واعتمد عوضا عن ذلك على علاقاته المباشرة فى بغداد وسرعان ما استجابوا فتلقى دعوة ليذهب الى بغداد فى الرحلة الجوية الاسبوعية الوحيدة التى تصلها من عمان وهكذا اتخذ يوسف طريقه لرؤية صدام حسين ولكن بعد ان أكد لهم على ان الوقت المتاح له هو 48 ساعة

وعندما وصل الى عمان اتضح له على الفور من ممثلى صدام ان موعد الاجتماع لن يكون فى مدى الساعات الثمانى والاربعين المتاحة فأخبرهم يوسف ندا أنه سيعود عندما يحددون له موعدا نهائيا ولا يستطيع ان يذهب الى بغداد وينتظر الى اجل غير مسمى وعاد من عمان الى سويسرا وعبثا حاول مبعوث صدام لمرافقته من عمان اقناع يوسف لتكملة الرحلة الى بغداد وبعد ذلك بخمسة ايام دُعى للعودة الى بغداد حسب شروطه

اصطحبه فى الطائرة رئيس مخابرات امن صدام الشخصى ولم يبح له الرجل باسمه وفى مطار صدام الدولى فى بغداد عبر به منطقة الجوازات وسائر الاجراءات الرسمية دون ان يوقفهما احد فكان دخوله الى العراق بصورة غير رسمية وصاحبه مسئول الامن فى القصر الجمهورى الى فندق المنصور واخبره انت الان فى ايدى حرس الرئيس

وفى العاشرة من صباح اليوم التالى استدعوه الى بهو الفندق وعندما غادر غرفته شاهد حراسا مسلحين عند نهاية الممر كان البهو خاليا الا من رجال الرئيس لم اشاهد أي اشارة لكنهم تحركوا وكأنهم مجموعات تؤدى دورها المتقن على المسرح وسرعان ما تحركنا للقاء مع صدام فى قافلة من السيارات قطعت بنا الطريق واستدارت فى اتجاهها عدة مرات كانت الستائر مسدلة داخل السيارة ولكنى كنت اسمع صوت ماكينة او جهاز لا سلكى او هاتف فى الجزء الخلفى من السيارة وتركنا المدينة وتوقفنا مرة الاخرى عند حواجز الطريق وبعد ان اجتزنا اخرها اسرعنا السير حتى وصلنا الى احدى الفيلات

لم تكن الفيلا ضخمة دخلناها واتجهنا الى غرفة جلوس لم تكن فاخرة بل متواضعة وجىء بالشاى ثم جاءت الشرطة وبعدهم دخل علينا صدام فى زيه العسكرى وبعد التقديم التمهيدى التقطت الصور الرسمية وطيلة الوقت كان الحرس المسلح يراقب كنت أشعر بعيونهم تتفحصنى دون توقف وتراقب الغرفة كما لو كنت احاول الهروب

انتقلنا الى غرفة اخرى حيث جلست مع صدام كان احد الحراس يقف خلفه وشخصان اخران واحد الوزراء والمسئول عن الاعلام وكان على ان انتبه الى القيود على ما يمكن قوله فصدام قد لا يقبل ان تقال له اشياء معينة فى حضور احد من شعبه وهناك اساليب لكيفية التعامل مع رؤساء الدول وكيفية التعامل مع الطغاة لكننى كنت قد اعددت العدة لذلك اشتملت خطتى على اشراك ايران فى الحل وكنت فاوضت بالفعل هذا الامر مع مجلس الامن القومى الايرانى

لم يكن لصدام سابق معرفة بتلك الترتيبات التى اجريتها فى سويسرا كنت اعرف ما افعله كنت اعلم اننى سأقابل دكتاتورا سأجتمع مع شخص سوف يقتل شعبه وشعوب دول أخرى وقد يقتلنى أنا دون أن تطرف له عين نعم كنت اعرف انه طاغية مستبد

عندما اذهب فى مهمة كهذه ينبغى ان اتوقع أي شىء وكل شىء قد أُعتقل وربما أُعدم وقد يقتلنى خصوم صدام وقد يغتالونه إذا أوذى أو قتل أحد الاشخاص الذين اجتمعت معهم لمحادثات سياسية فماذا سيحدث ؟ هل سأكون مسئولا ؟ كنت اخاف من ذلك لكننى قبل شىء اتوكل على الله ولان نواياى حسنة فقد كنت واثقا من عون الله

عندما بدأ يوسف ندا الحديث مع صدام أدرك بسرعة ان الطاغية لم يكن معتادا على ان يتحدث الناس اليه بشكل مباشر وكما يقول يوسف لم يكن امام الناس سوى الامتثال لطاعته وإلا اختفوا عن الاعين

كان صدام قد حارب اخوان العراق فكان من الضرورى ان يعرف من انا ومن امثل وكنت ممتنا إذ أتيحت الفرصة امامى لاقول ما اردت كان يعرف اننى من الإخوان المسلمين كما كان يعلم جيدا ان بعض الإخوان المسلمين اجتمعوا فى عمان وأدانوا غزوه للكويت كما أدانوا فى الوقت نفسه الغزو الامريكى كان غاضبا من آراء الإخوان المسلمين حول غزوه للكويت ولكن ذلك لم يكن سياسيا ولكنه كان نقطة اساسية حول الخطأ أو الصواب

ليس فى السياسة خطأ او صواب هناك ماهو ممكن وكما يقول التعبير الشائع فى تعريف السياسة بأنها فن الممكن إنها فن ماهو ممكن وليس ما هو صواب فمن حقك ان تخطىء فى نصف ما تفعل ولكنك بهذا تكون قد فعلت نصف الصواب كان اهم موضوع فى ابتعائى الى صدام هو ان اقدم له خطة قد تمنع إزهاق الارواح ودمار البلد

كان ثمة هدف واحد ان تجعله ينسحب من الكويت وكانت رسالتى اليه تبين كيف ان بقاءه فى الكويت خطر على المنطقة برمتها وعلى العراقيين وكان على ان اتبادل الحوار معه فى شىء مشترك معه لا اكون كمن يعارضه كانت مفاوضات سياسية لم تكن القضية انا عدوك وانك ارتكبت خطأ أنت شيطان بل كانت انت الرئيس وموقفك له مايبرره والمشكلة عندكم فى امير الكويت وآل الصباح

كما كان يقول هو علنا اما بالنسبة للعراقيين فقد كانت النقطة الحساسة تكمن فى مقولة ولى عهد الكويت حول بيعهم نساءهم فى مقابل حفنة دنانير هذه الكلمات اهانت شرفهم خاصة ابناء القبائل فكان عليهم ان يدافعوا عن هذا الشرف قلت له نحن ندرك ان المشكلة تكمن فى العائلة الحاكمة فى الكويت انتم تقولون إن الكويتيين يجب ان يحكم الكويتيون انفسهم با نفسهم وبسبب وجود الجيش العراقى هناك ربما سوف يأتى الامريكان ويدمرون المنطقة كلها بما فى ذلك العراق

ومن الضرورى للخطة ان تكون جذابة فى عينه فقد صرح بأن آل الصباح فى الكويت هم العدو وليس الشعب الكويتى وقال لى صدام اريد إنقاذ الكويتيين من هذه الاسرة قبل ان يمتصوا دمائهم كان قاتلا وطاغية لكنه كان يرى حكام الكويت هم الطغاة ولا نفسه كذلك كان يعتبر الكويت جزءا من العراق وهذا صحيح تاريخيا لكن الإخوان المسلمين لم يريدوا تشجيع صدام على يسط نفوذه على البلاد اخرى كان على ان اقسم عملى :

اولا: كيف ادخل الى الموضوع عندما اتحدث اليه انا اتحدث الى دكتاتور الى رئيس دولة واثق من نفسه مغرور يجب ان احذر إغضابه حتى لا تنتهى المحادثات قبل ان تبدأ

ثانيا: يجب ان اشد انتباهه بالحديث فيما يحب ان يسمعه وان اسايره فى خط تفكيره الى حد ما ثم اقدم له افكارا جديدة ولكن فى كلمات قليلة يظن معها انه محطىء م تلك الكلمات مثلا بإمكانكم ان تفعلوا شيئا اخر

ثالثا: ان اتحدق فى الموضوع الذى اريده أي ما أهدف إليه من وراء اللقاء وهو الانسحاب من الكويت ولا أُدفع بعيدا عنه

وحتى امزج العناصر الثلاثة سالفة الذكر كان على ان اجد طريقة لاعمل بموجبها بدأت بما يفتخر الرجل به وهو أنه انتصر فى حربه على ايران ثم قدمت رؤيتى قخامة الرئيس الحمد الله الذى نصركم فى الحرب ضد ايران وعلى انكم خرجتم منها ظافرين منتصرين بيد انكم لم تستثمروا هذا الانتصار حتى الان لقد فزتم فى الحرب

واخترتم ان تنهوها عند ذلك وهذا يعنى انكم مقتنعون انه لا يجب تكرار الحرب ولتجنب تكرار الحروب ينبغى ان يكوم هناك تبادل مصالح تستفيد منه الدولتان لا بد ان يتم نوع من تشابك المصالح يجنبنا اندلاع حروب جديدو كل خمسة او عشرة اعوام او عشرين عاما الامريكيون يملئون المنطقة بالدمار الذى سيعم جميع الاماكن وحتى ان فزتم فى الحرب ضدهم فسيدمرون البلد لا بد لنا من مخرج

الحل ان نترك للكويتيين اختيار حكومتهم اذا ارادوا هذه العائلة فلا أظن انه من حقكم ان ترفضوا اختيارهم اما اذا كانوا لا يريدون ال صباح فعلى العائلة اذن ان تترك الحكم ولكى يتحقق ذلك ينبغى ان تخرجوا من الكويت لكنكم تخشون اذا خرجتم من الكويت ان ياتى اليها الامريكان والحل ان يتم تشكيل جيش من مختلف الدول المسلمة تحل مكان الجيش العراقى وتُشرف على انتخابات ومن يربحها يربح الحكم الامريكيون يريدون اعادة الحكومة الكويتية الى السلطة لا نهم ينتفعون منها فلا تتركوا الامريكيين يُجرون الانتخابات يجب ان يشرف على الانتخابات طرف ثالث يحل محل الجيش العراقى فى الكويت

وعلى عجل قدمت له البديل: من المعروف انكم لا تقبلون بالمملكة العربية السعودية ولا بمصر دعنا نستبعدهما ونعود الى النقطة التى حدثتكم عنها وهى انكم لم تستثمروا انتصاراتكم فى الحرب ضد ايران بعد إذا اشركنا ايران فى المشكلة فمن مصلحتهم ان يعملوا على تهدئة جيرانهم والتحدث اليهم لو ان وحدات من الجيوش الايرانية والسودانية والماليزية والاندونيسية وثلائتهم لم يكونوا اعداء لكم ابدا حلت محل الجيش العراقى فى الكويت فسوف تجلب السلام وإذا قبلتم بذلك وعقدت انتخابات فحينئذ ستتجنبون الدمار المقبل نحو جميع بلدان المنطقة وليس العراق وحده

اذا كان هناك ما تستطيعون الحصول عليه بالمفاوضات فلماذا تبددون الطاقات لتحصلوا عليه بالقوة ؟ اذا اصبح الايرانيون جزءا من القوات المسلمة التى سترتب عقد الانتخابات فى الكويت وانسحبتم من الكويت فإن هذا سيؤدى الى تفاعل بينكم وبينهم فإذا هاجمكما الامريكيون فسوف تستطيعان الوقوف امامهم سويا وتحلان معا مشكلة الامريكيين ان المشكلة هى غزو الكويت وسوف تختفى المشكلة وكانت اجابة صدام ومن يمكنه الثقة فى الايرانيين وكيف سيتصرف الايرانيون ؟ هل سيقبلون بهذا ؟ فقلت له فخامة الرئيس قبل المجىء اليكم ناقشت هذه المشكلة مع الايرانيين وهى كما حدثتكم

كنت قد تحدثت ساعتين ونصفا قبل ان يسألنى هذا السؤال كان قد خلع الحزام الذى يحمل مسدسه ونحاهما جانبا لكن عينيه لم تفارقا عينى لحظة وفى خاتمة المطاف قال لى : حديثك منطقى لكنك بطريقة تفكريك هذه اهملت عاملا مهما الا وهو الشرف نحن على استعداد للموت بشرفنا ولا تقبل الحياة مع العار دكتاتور يتحدث عن الشرف ماذا تقول له ؟ إنه بكل تأكيد ليس رجلا ديمقراطيا لكنه يتحدث عن الشرف وكأنه قبل بكل شىء قلته ثم تحدث بعدها عن الشرف

ومضى يقول حقا إن الامريكيين هم الاقوى لكن كن متأكدا من أننا مستعدون للتضحية بمائتى أو ثلاثمئة ألف فى أول معركة ولو قتلنا خمسة آلاف امريكى لا نسحب الامريكيون وسوف نقاتل دفاعا عن كرامتنا ووجودنا عن ثروتنا ومستقبلنا نحن مستعدون للتضحية إذا مات اكثر العراقيين دفاعا عن شرفهم فإن من تبقوا سيحيون بشرف

صمم الإخوان المسلمون على اننا لن نوافق ابدا على دخول قوات اجنبية او استمرار الاحتلال العراقى للكويت وقلنا ان الغزو كان خطأ أدرك الإخوان ان كارثة على وشك الوقوع وكان صدام يعرف راينا لم اتوقع قط ان اتمكن من الحديث الى صدام حسين بهذه الاستفاضة او بهده الحرية وانت لا تحصل على فرصة مماثلة مع كثير من القادة لكنه كان مستمعا واى حاكم يستمع لا بد انه مهتم لقد تركنى صدام اعبر عما يدور فى رأسى

وفى النهاية اردت ان استخرج مفكرة من جيب سترتى ولاول مرة فارقت عينياى عينيه وعندما اجلت النظر حولى رايت على وجوه من حوله نظرات مفعمة بالقلق كانوا مندهشين وكأنهم فوجئوا بى أفكر وأتكلم بهذه الصراحة أصبحت قلقا من ان تكون نبرات صوتى قد افسدت قضيتى فأدرت وجهى نحو صدام وطلبت منه ان يسامحنى على اجترائى فاستمع الى ما قلته وقال لى على الرغم من اعجابه بتحمسى الا انه شعر بأن اقتراحى سوف يؤدى الى مشكلات لا يمكنه قبولها

ادت مبادرة يوسف ندا للاجتماع بصدام حسين الى بعض الضيق فى صفوف الإخوان الكويتيين لكنه كان يعمل على الدوام دون ان يبوح بما يفعل الا فى اضيق دائرة من الاشخاص الذى من واجب اطلاعهم فى قلب الدائرة الداخلية للإخوان المسلمين لم يكن لاخوان الكويت شان بهذا الامر ولم يكن هناك ما يدعوهم لمعرفته كنت ات بع مصلحة الشعبين الكويتى والعراقى ولم اكن مهتما بصدام الحاكم او بالاسرة الحاكمة فى الكويت

اذا تدخلت فى ازمة دولية يعجز العالم برمته عن حلها فيجب عليك ان تملك مشروعا نتحدث به وتقدمه اعتبر الإخوان المسلمون هجوم الجيش العراقى على الكويت عملا غير شرعى تحت أي ظروف وعملا لن يقبله شخص عاقل فى المنطقة كان الغزو غير مقبول ومرفوضا من وجهة نظر كل من القومية العربية والاسلام

كنا لا نتحدث عن الماضى ولكن عما هو امامنا اذا لم ينسحب صدام فسوف تصل الجيوش الامريكية كانت هناك فرصة لا خراج الجيش العراقى من الكويت لكن اذا دخلتها القوات الاجنبية فلن يكون امامنا طريق لاخراجهم منها والتاريخ اكد ما تخوفنا منه

الفصل السابع:الثورة والمصالحة

" شيئان يملآن العقل دوما بالشك والخوف المتجددين والمضطردين كلما اكثرت واجتهدت فى تركيز تفكيرى فيهما الا وهما : السماء المزينة بالكواكب من فوقى والقانون الاخلاقى النابع من داخلى" عما نويل كانط 1788 نقد العقل العملى

يوسف ندا رجل مرتب غاية فى الترتيب واعتناؤه ودقته وانتباهه الشديد للقواعد والتفاصيل كل ذلك أبقى على حياته وأنقذه يقينا من السجن فى عمر متقدم ومن التحقيقات المرعبة وهو يداعب الموت لانه يعلم علم اليقين ان حياتنا مهما طالت محدودة

وغالبا ما يقول مبتسما فى دهاء ان هناك بعض الاشياء يجب ان تقال قبل ان يوافيه الاجل ولكن ثمة اشياء اخرى يجب ان يحتفظ بها لنفسه وتذهب معه الى القبر وقد اوتى النعمة التى تمكنه من ترتيب معلوماته وتفاصيل حياته فى غرف مستقلة داخل عقله مما ساعده على التركيز على اهم قضايا لحظته الراهنة دون التأثر او الانتهاء بأى شىء ماهو مطلوب لا يجاد حلول لهذه القضايا

وملكة التنظيم عند يوسف جزء من براعة شخصيته فحقيبة سفره معدة بعناية توقعا لكافة الاحوال الجوية او فضول موظفى الجمارك المقتحمين لها والعابثين فى اوراقه المفهرسة ومكتبة يوسف ندا ببيته فى كمبيونى كنز سمين من المعرفة والمتعة وغرفة جلوسه معرض رقيق للسجاد الحريرى الفارسى الازرق تتداخل فيه الوان حالمة زرقاء ووردية ورمادية

ويعلو ذلك سقف مزين بنقوش ذهبية من الآيات القرآنية والأدعية والمكان كله غنى بالهدايا والمقتنيات التى تُحيى فى النفس ذكرياته عن مصر بلده التى هاجر منها على مضض وللضرورة

لقد رُسمت ليوسف خاصة فى امريكا صورة كائن شرير يضع الخطط للعالم الاسلامى من مسكنه فى جانب الجبل يشبه قليلا شخصية دكتور نو للكاتب الانجليزى إيان فلمنج مبتدع شخصية الجاسوس جيمس بوند لكن يوسف في الواقع يتمتع بحس من الفكاهة ارقى مما لدى أي زعيم مصاب بجنون العظمة سواء كان من اشخاص الحياة ام من ابطال الروايات الخالية ولذلك فإن هذه التشبيهات العبثية تجلب المتعة ليوسف

لقد عمل كل حياته من اجل انسجام العالم الواحد ليس عالما مسلما او مسيحيا او ملحدا وإنما العالم الإنساني كما يجب ان يسميه فالدين (كما يعتقد بكل حماس) للناس ملك لهم وليس ليستخدمه او تسئ استخدامه الحكومات او الطغاة والعالم الإنساني هو ببساطة عالم فيه يساعد كل واحد الاخرين ولا يقتل فيه بعضهم بعضا قد تبدو كأنها فكرة مبتذلة اشبه بشريط تلفزيوني مصاحب لا حدى فقرات نشرة الاخبار المسائية لكنها في الاساس جوهر رسالته غير ان هناك عقبات سياسية كثيرة يجب اجتيازها والنفوس الكبيرة على المستويين الفردي والوطني يجب التحاور معها ويوسف من اصحاب النفوس الكبيرة وكذلك ينبغي له

وعلى امتداد حياته تعامل مع زعماء العالم وكبار رجال الاعمال ودخل في اغلب الاحيان في مفاوضات ساخنة وحساسة كانت تتطلب من كل طرف الثقة في صدق وذكاء الطرف المقابل وقدرته على التنفيذ واعتمد ذلك في الغالب على مدى صلات كل منهما وقيمة هذه الصلات

وعلى مكتب يوسف ندا توجد ارقام هواتف كل اصحاب الشأن في عالمنا هذا بل وهواتف كثيرين غيرهم كذلك فهناك دفتر واحد احتوى 15 ألف اسم ورقم وبينما كنا نتحدث في شرفة منزلة المُطلة على بحيرة لوجانو قال لي من باب تأكيد الحقيقة وليس على سبيل التفاخر انثنى استطيع الاتصال باي مكان الان اذا اردت الاتصال بأكبر أعدائي

وانا جالس معك هنا فبمقدوري ان افعل فالصلات موجودة وقد يكون وسيط الاتصال خاملا لكنني استخدمه عند الحاجة غير ان هناك اشياء لا ابوح بها ما حييت من ذلك كيفية عمل شبكة اتصالاتي لا يمكن ان ابوح بشيء عن الإخوان المسلمين مهما كانت الظروف فنحن لا نتحرك بالطريقة التقليدية لحل المنازعات بالقيام باتصالات والوصول الى الهدف

والشرط لما كنت اقوم به في مجال السياسة كان الا يعلم به احد فلو ظن احد انثنى لا اقدر على كتمان الاسرار لا نتفت الثقة فى ولما استطعت القيام بعملى ان السياسة فى الشرق الاوسط كلها اسرار بيد ان الإخوان المسلمين موجودون فى جميع انحاء العالم ليست المسألة عضوية فى الجماعة وإنما اصبح الإخوان منهجا فكريا

نحن جمعية تود كثير من القوى فى العالم لو انها لم توجد ورغم انى معروف اننى من الإخوان ليس فقط اننى لا اخفى ذلك لا اخفى ذلك بل افخر به ولكن وسائلنا فى محاولة التوسط بين الدول او المجتمعات الاسلامية ليست تقليدية ولا يمكن ان تكون كذلك وللوصول الى هذه الغاية يجب ان يكون وسطاؤك محل ثقة فى الاماكن التى سوف تتحرك فيها ولكن ينبغى الا يُعرفوا بأنهم إخوان مسلمون وإلا سيُرفضون فى كثير من البلاد العربية على مدى عقود طويلة فى مصر فإن مبارك او النخبة المحيطة به كانوا يرون ان أي شخص له صلة بالإخوان لا بد من عزله فكانوا يُشنقون

احتفظنا بصلاتنا با شخاص فى الظل كانوا بمثابة البقع البقع السوداء فى ارتفاعات لا يكشفها الرادار ولكن عند الحاجة اليهم يتم ايقاظ هؤلاء الاشخاص وهذا ما اتبعناه فى كل الاماكن التى حظرت نشاط الإخوان كنا نعلم ان هؤلاء الرجال قلبوا بنا ولهم نفس افكارنا اذا طلبنا منهم شيئا ان يفعلوه

وفشلنا فى ذلك احيانا لا ننا بالغنا فى تقدير إمكانات الاشخاص ليس درجة اخلاصهم بل مقدار شجاعتهم فلا يقوى كل واحد على تعريض حياته للخطر ولا يمكننى لومه اذا رفض اذا لم نصب فى اختيار وسطائنا فلدينا قنوات اخرى بديلة وليس من المعلوم ايها يخص الإخوان المسلمين

ومن الامثلة على قوة شبكة الاتصالات لدى الإخوان المسلمين ما حدث اثناء الشهور الاخيرة من حكم حسني مبارك فى مصر فيوسف ندا له صديق سويسرى رجل اعمال سويسرى من اصول مصرية على صلة طيبة بنجل مبارك وسأل الصديق ندا عن سبب استمراره فى معارضة مبارك وقال له متسائلا : لماذا لا تجد سبيلا لا قناعه بإدخال سياسات لمنفعة البلد وبإمكانه تطبيقها ببطء ؟ إنه سيفعل ذلك إذا أيدتموه علنا

ويقول يوسف ندا موضحا : المشكلة الكبرى فى تعامل مبارك معنا كانت علاقته بالقوى الاجنبية بما فيها جارته اسرائيل قلت لصديقى انت مستعد لذلك لكنه لا يريد ان يسمعنا وهو لا يريد ان يعلم احد من الامريكيين او الاوربيين ان له أي اتصال مع الإخوان المسلمين انه يقتات من الشعار الذى يصفه بأنه العدو الاول للإخوان والدول الاخرى تؤيده لهذا السبب

فهاد الصديق يسأل : لماذا لا تقابل جمال مبارك اذا لم يكن ذلك يفسد علاقاتك بالإخوان ؟ فأجابه يوسف بسرور انا واثق من نفسى والإخوان يثقون فى اذا وافق على الحضور فسيلقى الترحيب عندها قال الصديق ليوسف امهلنى اسبوعين إذن ويكمل يوسف ولم اسمع منه بعدها أبدا فلقد ذهب الى مصر ولم يعد إلّىّ مرة اخرى لم يزرنى ابدا او يتصل بى كان بمقدوره الكلام معهم عن السياسة والاقتصاد

لكن عندما حدثهم عن الإخوان اصبح الامر مدعاة للجدل وتوقف الحديث كانوا لا يريدون حوارا كانوا لا يرغبون ان يذكر الاخرون كلمة تفيد اننا نتصل بهم لم يعترض يوسف ندا على ما اقترح من ترشيح جمال مبارك لينتخب رئيسا لمصر بشرط ان يدخل جمال الانتخابات كأى مواطن مصرى وليس باعتباره ابنا للرئيس إنه مصرى وله الحق فى التقدم للترشيح مثله مثل اسى مواطن اخر لا استطيع القول بأنه لا يحق له ولكن ليس له الحق ان يستخدم نفوذ الحكومة وأجهزتها ليجلس على مقعد ابيه

للإخوان المسلمين شبكة اتصالات حول العالم تضم اشخاصا من امثال رجل الاعمال السويسري صديق يوسف ندا ويمضى يوسففي بيان ذلك كنا ايضا قريبين من ملوك السعودية منذ عهد الملك فيصل في السبعينيات كان احد الإخوان طبيبا ماهرا وأصبح الطبيب الخاص للملك فيصل فهمزة وصلنا كانت هناك عند أذن الملك مباشرة إذا احتجنا للاتصال ولأن أجهزة الامن تتحرى دائما عن انتماءات جميع المقربين من زعمائهم

فلم يكن الاتصال مفتوحا من عندنا الى الطبيب او من عنده إلينا لكن الصلة كانت هناك لم نكن لنتعامل مع احد في مثل هذا المكان اذا كان متورطا في فساد او مخالفا لطريتنا في التفكير لأنه يُستبعد من جماعة الإخوان يجب ان يكون طاهر النفس والعقل هذا كل مأقى الامر نحن لا نغش احدا لا نستطيع ان نطلب من اخ ان يصلى في كنيسة متظاهرا بأنه مسيحي ليس من المقبول في الاسلام أن ينكر المرء أنه مسلم مهما كانت الدوافع اذا كنت مسلما فعليك أن تُصّرح بذلك

وهذا ما جعل الضجة في امريكا حول الرئيس اوباما وهل هو مسلم امرا خاليا من المنطق فأوباما صرح بأنه مسيحي لا يمكن مسلما ويصلى تبعا لدين اخر غير الاسلام الاسم شيء والشهادة شيء اخر ارى كثيرا من اتباع الديانات الاخرى عندنا يعتنقون الاسلام يغيرون اسماءهم وهذا ليس فرضا فمن الممكن ان يكون اسمك " هكتو تومبسون " وتكون مسلما لا يلزم ان تكون محمدا او يوسف لتصبح

احيانا يفعل البعض ذلك مجاراة لما هو سائد فإن لم يفعلوا فلن يعنى ذلك أنهم ليسوا مسلمين بأي حال هذا جانب من نظرة الإخوان المسلمين الى الدين

ان غالبية المسلمين الذين يجتهدون لفهم دينهم فيقرؤون عنه ويستفتون فيه ويتحدثون مع الناس حوله سوف يجدون في النهاية ان مفاهيم الاسلام لدى الإخوان المسلمين صحيحة والذين يفعلون ذلك يقتنعون بأن يكونوا مع الإخوان علينا ان نعمل جميعا على توضيح مفاهيم الاسلام الصحيحة لان احدا منا لا ينكر قوة الاعلام التي تستطيع ان تُحيل الابيض الى اسود والعكس بالعكس

وهذا يفسر لماذا قام يوسف ندا – بمفرده على الاغلب او مع غالب همت موضع ثقته – بالمهمات التي أُوكلت اليه كما يفسر بعد ذلك لماذا صار يعرف كرجل دولة الظل للإخوان المسلمين وهو بكل تأكيد رجل دولة وخبرته ودبلوماسيته تسبقانه وكذلك فكرة المستقبلي على الرغم من ان ما يقوله احيانا قد لا يتقبله السامع بسهولة

الثورات: نحن نقول دائما أن العالم شهد ثلاث ثورات فقط : الثورة الفرنسية والثورة البلشفية والثورة الايرانية وان ما عداها كانت انقلابات وليست ثورات

الانقلابات: هو استيلاء عسكري على السلطة أما الثورة فيقوم بها الشعب ففي الثورات الفرنسية والبلشفية والايرانية تحركت الشعوب وخرج الناس الى الشوارع لم تكن انقلابات عسكريه مثل ما قام به عبد الناصر في مصر او القذافيفي ليبيا ما اقوله الان لا يوافقنفيه كثير من قادة الإخوان وانا اعذر حكمتهم ولكنى لا اسامح السياسة التي تخفى او تتعارض مع الحقيقة لماذا يتحدث غيرنا بصراحة ونسير نحن في ركب الصامتين (إن الساكت عن الحق شيطان أخرس) وقد خُلقت انسانا ورغم كل ما واجهته فيحياتي من اضطهاد وقسوة وظلم ولكن لا شيء من ذلك استطاع ان يحولني الى شيطان اخرس والفضل والمنة لمن خلقني انسانا وكرمني وقال جل وعلا (ولقد كرمنا بنى ءادم)

هناك اماكن اخرى تتهيأ للانقلاب القادم لكن الثورة القادمة من المحتمل أن تقوم في المملكة السعودية والخليج هذه اكثر الدول عرضة لذلك وعندما تحدث ثورة هناك فسوف يدبر الامريكيون انقلابا يٌعدون له من الان إما من خلال احد افراد الاسر الحاكمة وإما الاجهزة الامنية فهم يريدون ان يكون الجالس على العرش احد رجالهم ومُسيطرا على الامور

اصبحت الاسر الحاكمة كثيرة الاعضاء بشكل كبير وليست جميعها منظمة ولا يتمتع جميعها بنفس الميزات ونفوذ بعضها يفوق ما للبعض الاخر من نفوذ الامر معقد للغاية سوف يستخدم الامريكيون هذه الاوضاع للتفريق بينها وللعودة الى السيطرة من جديد اثناء حكم الملك فهد نجحت صلاتي به في ايقاف الحرب بين المملكة العربية واليمن وأصلحت الوضع بين السعودية وإيران كما عملت مع اليمنيين اثناء حربهم ولإنهاء نزاعهم مع ارتأيا حول جزر حنيش وسقر كما تحركت في مهام في اندونيسيا وماليزيا وتركيا

تحتاج الى وسائل تأخذك الى صانع القرار لم اذهب لأى مهمة دون اذن من المرشد العام للإخوان المسلمين لم اتحدث الى اسى ملك او رئيس دون ان يعرفوا بأنى عضو في جماعة الإخوان المسلمين وفى بلادهم هم ضد الإخوان المسلمين ومع ذلك فأغلب رؤساء الدول الذين تناقشت معهم في أمور سياسية كانوا يعلمون أنى قضيت حياتي كلها داخل جماعة الإخوان في العراق إذا عُرف انتماء أحد الاشخاص للإخوان المسلمين فسوف يقضى في السجن مدى الحياة أو يعدم

وفى المملكة العربية السعودية يُحظر على أي شخص الانتماء الى الإخوان المسلمين أما في اليمن فالإخوان يشاركون في النشاط السياسي وفى ماليزيا الجماعة ممنوعة لكنها موجودة وراء واجهات أخرى وفى اندونيسيا الإخوان لهم وجود في السلطة داخل الحكومة ولهم حزب سياسي لكن لايحمل اسم الإخوان المسلمين وفى المملكة المغربية هم حزب رسمي لكن لا يحملون اسم الإخوان غير انه يجب عليهم أن يُعَلّم بعضهم بعضا التسامح بين الإخوان والنظام الحاكم فهم يتعاونون في امور محددة لكن كل واحد يغرف ان الاخر ليس صديقه المقرب

ويتذكر يوسف ندا مجزرة حماة في سوريا في فبراير 1982 ويذكر ان سوريا دولة عانى فيها الإخوان احداثا طويلة دامية ففي ذلك الوقت امر الرئيس حافظ الاسد والد الرئيس الحالي بشار بالانقضاض على مدينة حماة التي كانت معقلا اسلاميا للسنيين المحافظين وموطنا لكثير من اعضاء الإخوان المسلمين فقامت الدبابات والمدفعية بقيادة اخوه الطاغية رقم 2 واسمه رفعت بحصار المدينة القديمة الموقع القوى للمتمردين لمدة ثلاثة اسابع وراح ضحية اعمال القتل التي اعقبت ذلك ما يقدر بخمسة وثلاثين شخص معظمهم من المدنيين وتعتبر هذه المجزرة افظع اعمال القتل التي مارستها حكومة عربية ضد شعبها في الشرق الاوسط الحديث

واستمر حافظ الاسد يحكم سوريا دون منازع عشرين عاما بعد هذه المجزرة وغالبا ما تتخذ مأساة حماة المرعبة مثلا على السجل المخزي لانتهاكات حقوق الانسان في سوريا وتظهر وحشية عائلة الاسد التي قتلت الاسلاميين في سوريا وكأنها تتخفف من بعض أعبائها اليومية

وفى أول فبراير 2012 كانت ذكرى الثلاثين للمجزرة فاء حياها المحتجون برشهم طلاء أحمر في الشوارع يرمز للدماء التي سالت كما وضعوا الطلاء في الماء الذى تحمله نواعير حماة الشهيرة وعلى الجدران كتبت عبارات مثل : مات حافظ وبقيت حماة وسيموت بشار وستبقى حماة

وبينما كان المحتجون يسكبون الطلاء كانت الصور المرعبة لجريمة الماضي تُبعث من جديد فسالت الدماء على اجدى رجال النظام الذين اعملوا القتل بين ابناء الجيل الجديد وتسيطر الطائفة العلوية على نظام بشار الاسد العلماني وهى جزء من الشيعة ومعظم ضباط الجيش السوري من العلويين وهم مقتنعون بأنهم الهدف الاكبر لانتفاضة المتمردين فيقاتلون حياة او موت

وخلال الاسابيع الاولى من عام 2012 تحولت مدينة حمص الى انقاض كأنها دكان لحاد وكأن مبانيها المدمرة أكفان الموتى مرصوصة فيه وبينما اتسم رد فعل العالم بالغضب يواصل النظام قتل شعبه ومن بين الضحايا " ماريكولفنا " المراسلة الحربية الامريكية المقيمة في بريطانيا التي يعتقد كثيرون بأنها قتلت عمدا بسبب التقارير المصورة التي ارسلتها من داخل حي بابا عمرو في حمص حيث لقيت حتفها وبجانبها الصحافية الفرنسية ريمأوليكفي 22 من فبراير لقد أثار الارتفاع الكبير في عدد الضحايا مزيدا من الادانات للنظام السوري لكن العناوين الكبيرة في الصحف لا تؤدى الى الاقلال من القتل

بالنسبة الى يوسف ندا أحداث الماضي والحاضر سبب آخر لينذر نفسه للمصالحة وليس للثورة رفعت الاسد عم الرئيس بشار الاسد كان مسئولا عن الجيش في 1982 وأصدر اوامره اليه بقصف حماة وبعد القصف الذى خلف 35 الف قتيلا اقتادوا الافا ممن بقوا على قيد الحياة الى السجون حيث عذبوهم حتى الموت ويقول ندا واليوم في سوريا اسى فرد ينتمى الى الإخوان المسلمين محكوم عليه بالإعدام ليس بالسجن وإنما الاعدام هذا قانون رسمي منذ 1982 ليست تعليمات ولكنه القانون

وفى الوقت نفسه في ليبيا وتحت حكم القذافي ساد قانون الغابة اثناء الفترة التي قضاها يوسف في طرابلس تعرف على الدائرة الداخلية للإخوان المسلمين قبى ليبيا كما عرف قادة فصيل اخر انشق عن الإخوان وعمل مع السلطات البريطانية والامريكية ضد النظام الليبي وقد أفرخ ذلك التعاون ما وصفه يوسف بأنه صفقة كريهة

ويقول يوسف وهو يسترجع في ذهنه الاحداث كان ذلك أيام الاضطرابات الكبرى مع حركة IRA الجيش الجمهوري الايرلندي – في شمال ايرلندا فقامت الحكومة البريطانية بتسريب بعض المعلومات الى القذافي كي يستطيع القبض على معارضيه الليبيين كان ذلك جزءا من اتفاق مقايضة وفى نظير ذلك اعطى القذافى البريطانيين معلومات عن الجيش الجمهورى الايرلندى لانه كان يزودهم بالسلاح ومازلت اشعر بالغثيان من ذكر هذه الاعمال ولا ادرى كيف استطاع البريطانيون العمل مع القذافى

ويقول ندا الذى اشتغل عن قرب بالمحدثات الليبية الانتقالية فى الفترة التى اعقبت نهاية نظام القذافى فى أغسطس 2011 – انه يتعجب بنفس الدرجة من العلاقات البريطانية الليبية التى استمرت بعد مصرع الشرطية إيفون فلتشر ذات الخمسة والعشرين ربيعا التى قتلتها طلقات من رشاش اثناء احتجاج حدث خارج السفارة الليبية بميدان سان جيمس فى لندن فى 17 ابريل 1984 وبعد حصار أحد عشر يوما سُمح لجميع المسئولين فى السفارة بالعودة الى ليبيا واصبح من المعتقد على الدوام ان موظفا ليبيا قد قتل الشرطية ايغون فلتشر وانه اصبح بعد ذلك عضوا بارزا فى حكومة القذافى

مرت عقود من الزمان على تلك الحادثة لكن موت الشرطية " فلتشر " لم يُنس ابدا وفى عام 2011 بعد طول لاى وعقب انهيار حكم القذافى الذى طال 42 عاما كان من اول تحركات الحكومة البريطانية القانونية ان ارسلت مخبرين من اسكتلاند يارد الى ليبيا فى محاولة لجلب المشتبه به فى اطلاق النار الى ساحة العدالة واسمه عبد المجيدصلاح الاميرى وكذلك من ساعدوه او قاموا بحمايته

ويستنكر يوسف ندا شخصيا الطريقة التى عوملت بها جريمة قتل الشرطية البريطانية بقوله كام معلوما من قتل من نافذة السفارة الليبية ايفون فلتشر لقد قُتلت اثناء أدائها واجبها وحكومتها تفاوضت من اجل مصالحها التجارية من اجل المال تجاعلوا حياتها نسوا انها كانت تحمى بلدها وجلس وزراء من الحكومة البريطانية مع قاتل واحد من مواطنيهم

وبسبب البترول عانقوا القذافى وقبّلوه وقالوا عنه إنه صديقهم لم يراعوا أي قيم او اخلاق او مبادىء لقد اعماهم القذافى بالمال وتلاعب بهم وهم سامحوه القاتل يعطيك مالا وانت تسامحه بعد قتل ابيم وامك واختك وابنك إعطاء المال لمنع العدالة من ان تأخذ مجراها عمل غير نظيف

كان القذافى كالحرباء يغير شخصيته بين لحظة واخرى بعض الحكومات أنمته واعتنت به لما لديه من سلطة ومال لكنه كان قاتلا مثل أي زعيم للمافيا لقد عمل مع المخابرات الاسرائيلية الموساد أعطاهم تفاصيل سفر أحد قادة جماعة الجهاد الفلسطينية واسمه الشقاقى وقد قَتل عندما غادر ليبيا متجها الى مالطة

عمل القذافى مع الفلسطينيين ثم مع لبنان ثم قفز الى الجيش الجمهورى الايرلندى ثم مع المافيا فى ايطاليا ثم عاد الى الدول العربية وعندما لم يُفلح فى أي من ذلك اتجه الى افريقيا وكان الزعماء الافارقة يريدون المال فشجعوه ثم عاد مرة اخرى الى الغرب الى ايطاليا والى الامركيين فى أي وقت شاء كان يغير اتجهاهه بمقدار 180 درجة ولأن عنده البترول فإن عنده المال يستطيع عقد أي صفقة ودفع أي فدية

عمل القذافى مع الكل لم يكن هناك قواعد اخلاقية فمن الذين من القذافى اوامرهم عبد الباسط محمد على المقراحى الذى ادين بالاشتراك فى تفجير طائرة الرحلة 103 لخطوط بان إم فى 21 من ديسمبر 1988 فوق لو كيربى التى فيها وممن سقطت فوقهم 270 ضحية

كان المقراحى احد رجال القذافى واستمر على ولائه له وفى أغسطس 2009 افرجت اسكتلندا عن المقراحى لاسباب انسانية لاصابته بسرطان البروستاته القاتل لتعديه مرحلة العلاج (كان لا يزال حيا فى اوائل عام 2012 وتوفى فى 20 من مايو 2012 وعند عودته الى طرابلس استقبل استقبال الابطال وبالطبع انتصر لقائده الذى اعطاه الاوامر

ليبيا غنية بمواردها الطبيعية – عندها وفرة من الغاز وبترول من افضل الانواع وسواحلها ليست عميقة الاغوار مما يسهل الوصول اليها فى الحرب العالمية الثانية خسر القائد الالمانى رومل المعركة لحاجة دباباته الى البترول ومن المفارقات ان افضل بترول كان تحت الارض الممتدة تحت قدميه

شاهد يوسف المظاهرات التى خرجت عندما وصل روميل الى العلمين كان جميع المصريين يهتفون الى الامام ياروميل نعم كل المصريين كانوا الى جانبه لانهم كانوايرزخون تحت نير الاحتلال البريطانى كان الناس فى مصر والعالم العربى ينظرون الى هتلر كأنه بطل وليس دكتاتورا مجرما كما يعتبره بقية العالم وأنا معهم

لقد حكم الطغاة مصر منذ ايام الفراعنة منذ آلاف السنين عندما بنوا الاهرام كان الفرعون معبودا وكان المصريون القدماء يطيعونه حتى الموت اعتاد الناس على حكم الطغاة ولكن عندما دخل الاسلام مصر وعاش الناس فى ظل العدل والمساواة بدءوا يكتشفون انفسهم الى ان فرض طغاة مسلمون انفسهم عليهم – وبغتة تحول الفراعنة الى سلاطين

كل بلد عربى يحكمه دكتاتور مع اختلاف الاسماء ربما تختلف طريقة العمل من دولة الى اخرى ولكن مازالت جميعها دكتاتوريات فى المملكة العربية السعودية اعضاء الاسرة الملكية يجب ان يتمتعوا بميزات اكثر مما يناله المواطنون كما لو كانو من السماء ولم يولدوا على الارض كسائر البشر

فى قطر امير البلاد الشيخ حمد بن خليفة ال ثان رئيس الدولة ويدير شئونها انها ادارة يد واحدة ولكن ينبغى ان اقر بأن حقوق المواطنين واحتياجاتهم لها الاولوية عنده الاسف هذا لا يتكرر فى كل مكان ففى شوارع جدة يوجد متسولون – ونفس الشىء فى تونس هؤلاء الطغاة لديهم المال لشراء الاسلحة والسلطة ولكن الناس يتسولون والله امر بمساعدة الفقراء والمرضى واليتامى والارامل لماذا يختلف التفسير المسلم والمسيحى لهذه الاوامر

والمشكلة هنا هى نفس المشكلة مع الارهاب كيف تفسر القتل بأن تقتطع جزءا من عبارة وتقول : هذا مايريده الله لا يمكن ان تقول ذلك لست انت إلها إن تبرير الحرب منطقه هائلة للغش وهى عادة خليط غير مقدس من أشياء كثيرة : طغاة ودين وسياسة ومعتقدات ثم اضف الى ذلك القبلية والعادات القبلية المختلطة بالدين إن العصبية القبلية عند بعض الناس اقوى من الدين فيصبح الولاء للقبلية وعشائرها اقوى من الولاء لأى حكومة وطنية

عندما يتقاتل رجال القبائل يتبعون أحكام القبلية لا الدين اكبر قبيلة فى أفغانستان وفى شمال شرقى باكستان هى الباشتون (وهى اكبر مجموعة إثنية فى لأفغانستان) وهى تنقسم الى العديد من المجموعات لكنها جميعا تنحدر من الباشتون والسلطة للباشتون والجناح المتفرع منها طالبان ؟!

وهى شىء حديث لكنها مرتبطة بالباشتون اكثر من ارتباط أي قبيلة اخرى وجهتهم الاستخبارات الباكستانية والامريكيون الى المدارس التى ظهرت منها وكثرت ايام الاحتلال السوفيتى لأفغانستان ان طريقة التفكير قبلية واى شخص ليس من القبيلة فهو اجنبى الباشتون مجتمع مغلق والبقاء معهم صعب جدا قد يتعاملون معك لكن تبقى دائما خارج الدائرة اجنبى

احد الإخوان استاذ جامعى سعودى آلمته الاحداث فى أفغانستان فذهب ليساعد المصابين ومن تشوهت اجسادهم ذهب للعون وليس للاشتراك فى قتال وكان لديه مال وتلقى تبرعات فأنشأ بعض آبار المياه وفتح ورشة لاصلاح السيارات والاجهزة كما ساعد أحد المستشفيات الصغيرة والمدارس واستخدم احد الافغان ليساعده بمعرفته بالمنطقة وفى عمله مع الناس وفى بيته وكان للاستاذ صلات واسعة فاستقدم مهندسين واطباء ولم يفعل سوى الخير ثم اكتشف ان خادمه الافغانى يحاول ان يسممه لقد راى الرجل ان الاستاذ اجنبى ويتعامل مع اشخاص ليسوا من القبيلة فرأى فيهم الخطر

ان القبيلة هى كل شىء بالنسبة له ولمن مثله لا الدين ولا السلطة السياسية ولا الامريكيون او السوفييت لا شىء من ذلك بهم لا تستطيع ان تعظهم الدين شىء مهم لكنه ليس كل شىء العامل الدينى موجود لكنه مختلط بالقبلية : لا تستطيع أن تتحدث معهم أو تحاول إقناعهم بوجهة نظر الدين وحده إن طالبان لن تزحف على امريكا أو تغزو أى دولة أخرى كل ما يريدونه هو أن يحيوا بطريقتهم فى اوطانهم وألا يأمرهم احد بالعيش او التفكير بطريقة مختلفة

والهدف الاساسى للاخوان حسبما يرى يوسف ندا هو السلام والعمل المشترك فى المجتمع ليس من اجل الاسلام او الإخوان فحسب او من اجل الدولة التى يعيشون فيها وحدها ولكن من اجل العالم اجمع ليس ذلك فقط ولكن لتحقيق قيمة اضافية كالتى تشير اليها فى الاقتصاديات ولدى كثير من القيم الاضافية التى اكتسابها ليس من الإخوان وحدهم ولكن من انخراطى فى المجتمعات والشعوب والثقافات الاخرى

وثمة اولئك الذين يحاربون التغيير فى المجتمع ولا مناص من تغييره على ان تدخل التغييرات بمعدل مقبول يتيح لها ان تعمل لا يمكن فرض التغيير فى مجتمع ما على طرائق للحياة موجودة منذ مئات او الاف السنين لا بد ان تتأتى وتتيح لها الوقت اللازم

كما يحاول الاسلاميون المعتدلون ان يعطوا النساء حقوقهن ويتيحون لهن الملابس الغربية والموسيقى فى المدارس يحالون ادخال كثير من الاشياء المستخدمة فى الغرب مما لا يمنعه الشرع بيد ان الاسراع فى التغيير فى المناطق القبلية يجعلك تثير فى نفوسهم المزيد من الاسباب لمحاربتك وبقدر إسراعك فى محاولة عصرنة المناطق القبلية بقدر ما تشتد المعارضة لمحاولاتك فهناك اجيال من العادات والشعائر والامور الدينية داخله فى المواجهة والسعى للتعجيل بالتغيير ستجعل الناس يزدادون رغبة فى الابقاء على عالمهم القبلى قد يحدث التغيير فى مئة عام لكنه لا يتم فى خمس سنوات

يشعر الغربيون بأنهم متحضرون ويريدون ان ينقلوا هذه الحضارة الى الاخرين قارن هذا باحتلال البلاد الاسلامية فى القرون الاخيرة التى اعقبت الحروب الصليبية : انتهت الحروب الصليبية فى الشام 1291 م باسترداد المسلمين لثغر عكا اخر معاقل الصليبيين فى المنطقة واستمرت المحاولات المتكررة للعودة الى الشرق الاسلامى على مدى قرنين اخرين ولكنها كلها باءت بالفشل

ولم تستطيع ان تنشىء إمارات صليبية كالتى تكونت فى الشام إبان الحروب الصليبية الاولى وأول محاولة لغزو البلاد الاسلامية فى العصر الحديث كانت حملة بونابرت على مصر 1798- 1891 م أي ان هناك فترة لا تقل عن خمسة قرون بينهما اتجه الغرب نحو جنوب شرق اسيا والشرق الاوسط والهند : قرون من المحاولات لتغيير الاسلام او الطريقة الاسلامية

ماذا حدث ؟ فى تلك الايام المبكرة كان عدد مسلمى العالم 300 مليون نسمة واليوم هناك مليار ونصف من المسلمين الذى حدث هو ان الجهود المبذولة لتغيير طرق الشعوب فى الحياة رسخت جذور هذه الطرق لقد فشل الغربيون فى استئصال الاسلام وبدلا من ذلك قد يجدون طريقا للعيش معا فى سلام بأن يتبادل كل طرف ما عنده من خير مع الطرف الاخر بهذه الكيفية يتحقق التعايش إن تفوق الاخرين لن يغيره و يستطيع ان يغير أي مجتمع او دين

لا يمكننا إنكار أن الغرب يفضلنا فى امور كثيرة وقطعا فى بعض الامور وليست كلها أرى ذلك واضحا فى الاسر اذا كنت مسلما فى السادسة عشرة من عمرى ورايت احد اترابى فى الغرب يتعاطى المخدرات او يسكر ثم يحطم سيارة فلن ارغب ان اكون مكانه فدينى يمنعنى من ان افعل مثله لا استطيع القبول بثقافة تسمح للمراهقين السكارى بهذه الافعال عندما ترى احد الاباء يهجر ام طفله ويتخلى عن مسئوليته فهذا فعل خاطئ فى ثقافتى الرجل مسئول عن كل شيء : ليس بالقانون فحسب وإنما هو أمر من الدين

ذهب البريطانيون الى أفغانستان منذ 300 سنة وحاولوا غزو البلاد على مدى خمسين عاما وفشلوا وفعل السوفييت نفس الشيء وفى 2012 يفعل الامريكيون الشيء ذلته ويجرون الغرب بأجمعه الى هذا المستنقع هناك سبيل وحيد للفوز ان تحترم التراث القبلى المختلط بالتراث الدينى وخطوة خطوة تخرج بهم الى حضارة أفضل

القتال والتغيير المفاجئ لن ينجزا شيئا ولا التعامل بالمنطق وحده من إهمال الجذور القبلية وإذا انسحبت القوات فسوف القوات تبقى المتاعب مئة عام اخرى لكن اذا أردت الانسحاب وتسوية القضية فعليك ان تشترى الوقت بأن تتصرف كدولة صديقة بين دول الامم المتحدة وتعمل معها سويا من أجل الانسانية هذا هو الطريق البديل الذى يحتاج لقدر كبير من الدعم حتى يعمل ولكنه سيعمل

ان الغرب يرى نظام الحياة لدى القبائل غير متحضر ورجعيا ولا يلائم العصر الذى نعيشه لا يمكنك احداث التغيير بواسطة السلاح او بإقصاء الفصائل الاقل تحضرا من غيرها يجب جميع القبائل تتوافق مع عالم اليوم يجب ان تحترم الدين وايضا العادات القبلية حتى يغيرها اصحابها بأنفسهم

وسوف يلزمهم ذلك نحن نسافر بالطائرات كما تسافر على الجمال ايضا مؤخرا عرض التلفاز السعودى برنامجا اخباريا مسائيا اذاع فيه شريط فيديو مدته 15 دقيقة يصور بعض الافغان وهم يلقون الحجارة على الشركة ثم يهاجمونهم وذكر الشريط ان القتال كان مع طالبان وليس الافغان والتعقيب على هذه العبارة يجوز بنعم او لا نعم لان الشخص الذى ظهر فى مقدمة الصورة كان من طالبان اما لا فلأن كل افغانى يفكر بنفس الطريقة سواء كان طالبان ام لم يكن حتى الذين يتقاضون رواتب من الامريكيين والبريطانيين والتحقوا بالشرطة الجديدة او الجيش الجديد

فى أي وقت يمكنك ان تتوقع حدوث ما وقع بين صديقى الاستاذ الجامعى ومساعده الافغانى انهم افغان وهم قبليون وان كانوا مسلمين قد تخرج بهم الى العالم الخارجى وتعطيهم عادات جديدة مخالفة لدينهم او لافكارهم القبلية ويوما ما ستكتشف انك كنت مخطئا سوف يكون فى الشاى السيانيد وليس النعناع الطريق السليم ان تكون مهذبا لتكسب اخلاصهم لا أن تُكرههم على شىء يخلق فى قلوبهم العداء واذا كنت صادقا فى مساعدتهم فإنهم سوف يتبعونك وإذا قاتلتهم فسوف يجتمعون معا ضدك يجب ان تتبع فكرة : تغيير أتباعك لبد أن يأتى من عند انفسهم

لن يكون اوباما بل ربما الرئيس الامريكى الذى سيخلفه هو الذى يقرر اذا كانت الولايات المتحدة ستترك أفغانستان ارضا محروقة دمر الامريكيون كمبوديا وفيتنام قبل ان يغادروهما وسوف يتكرر هذا ان فيتنام حتى الان لم تتعاف من الحرب سوف تسترد عافيتها ولكن ببطء شديد التاريخ مملوء بالبقع السوداء

تحاور اثنان من الاصدقاء الساسة الاوروبيين حول اسباب تورط اوربا فى مثل هذه المناطق وتساءل احدهما عن المنفعة التى تجنيها اوربا من قتالها فى أفغانستان فأجاب الاخر : إن جنودنا يجب أن يتدربوا فى قتال حقيقى وهذه فرصتهم للتدريب

تخيل ؟ هل هذه سياسة ؟ هل هؤلاء ساسة ؟ لم أصدق أذنى عندما سمعت ذلك هل يجب ان يتعلموا القتل ؟ هذا تحريض على القتل وان كنا نغطيه بلا فتات مموهة نصيحتى لصانعى السلام ان يتوقفوا عن لوم القاعدة على كل ما يحدث اذا اردتم تنفيذ اجندة خاصة فى أي مكان فلا تزجوا باسم القاعدة لتقوموا بما تريدون فهذا سوف يرتد عليكم بالضرر

ينبغى علينا ان نترك بقايا القاعدة يموتون من تلقاء انفسهم ونحارب بأنفسنا الارهاب حاربوا العنف لانه عنف لا استخدموا اسم الارهاب انه جريمة مثل أي جريمة منظمة حاربوها كجريمة منظمة دون شعارات قد تجعل الناس الذين ليست لهم بها علاقة يتحولون الى تأييدها إنكم تعطون الناس انطباعا بأن القاعدة تحارب الظلم : اجعلوا كلامكم عن الجريمة المنظمة وليس عن الارهاب أو القاعدة

آلة الدعاية الامريكية ضخمت من شأن القاعدة وخلقوا عدوا حتى يجدوا من يقاتلونه وجمعوا بين القاعدة وطالبان لسبب وحيد فقد طلب الامريكيون من امير طالبان تسليمهم اسامة بن لادن وعندما رفض الرجل الاستجابة لطلبهم بادروا بغزو أفغانستان

من البداية أخطأ الامريكيون فى طلبهم تسليم بن لادن لان القرآن الكريم فيه آية تقررأن المسلم يجب الا يسلم أي شخص يطلب حمايته على الرغم من ان الحكم موضع جدال اذا كان قد قتل احدا كان باستطاعتهم ان يسلكوا مدخلا فكريا مغايرا ويحققوا النتيجة المرغوبة

لا تستطيع ان تجعل شخصا لا يعرف شيئا عن الاسلام يتحدث مع طالبان انت تحتاج الى خبيرة فعندما تُصر طالبان على انهم يتبعون الاسلام فإنك تستطيع تصحيحهم سيكون دائما ثمة تفسير للتعامل مع الحالة يجب على الحكومات والزعماء ان يتطلعوا الى المستقبل ولا تجعلهم الاسباب السياسية ينظرون الى المكاسب قريبة المدى التاريخ تاريخ عليهم ان يفكروا فى التلف الذى سيحدث بعد خمسين او مئة عام وليس عشرة اعوام من هذه الحرب

استمر احتلال العالم الاسلامى خمسمئة سنة واستعمل المحتلون كافة الوسائل لا ستئصال الاسلام من هذه المنطقة كل وسائل : المُنصّرون الجنود اتذكر عندما كنت صغير السن فى مصر اذا ارتكب أي اوروبى جريمة فإنه يذهب الى محكمة خاصة وليست نفس المحكمة التى يمثل امامها المصريون وكانت النتيجة دائما فى صالح الاوروبى وشهدت ذلك بنفسى واوجد ذلك عندى مشاعر سيئة ليس التمييز فى المعاملة طريقة لكسب القلوب او لتجعل الناس تتبعك كقدوة او لإحداث توافق بينهم وبينك

اعتقد ان ما يشير اليه يوسف ندا هنا هو الادخال المتدرج للديمقراطية الليبرالية وهذا اقل من ان يصنع العناوين الرئيسية فى الجرائد او اعلاما ترتفع فى ايدى الثوار فى ثورة حاسمة ومن المُحير انه فى الشعوب الفقيرة حيث لا يتمتع الناس بحقوق متساوية هم الاصلح

لكن يوسف ندا كرر لى مرات عديدة وكرات هناك اخطار دائما فى الاعمال التجارية وكذلك فى الحياة

الفصل الثامن:المال والايمان

رأس المال ليس شرا فى ذاته لكن توظيفه الخاطىء هو الشر وتظل الحاجة دائمة الى رأس المال بشكل أو بآخر مهاتما غاندى

ان يوسف ندا رجل من رجال المال المتمردين بالاضافة الى تمتعه بأفكاره الثورية وهو سعيد بمنحاء النقى ومركز البحوث الدولى " بيوم مانزو " فى ريمينى فى ايطاليا فرع استشارى للامم المتحدة وهيئة الامم المتحدة للتنمية الصناعية قد أثنى على يوسف ندا ضمن تراجم من تلقوا ميداليات الحكومة الايطالية فى عام 1992

وجاء فى هذا الثناء

ان يوسف مصطفى ندا من ابرز رجال الاعمال والممولين العرب فقد بنى شبكة تجارة عالمية تربط بين الغرب والدول الاسلامية فى افريقيا والشرق الاوسط وامتلك خبرة استثنائية فى مجار المصارف والتجارة الخارجية حتى اضحى شخصية معروفة جدا فى ميادين الاقتصاد والمال والسياسة ليس فى اوروبا وحدها ولكن فى البلاد الاسلامية كذلك رغم قضائه اكثر من نصف حياته فى اوربا ظل يوسف شخصا محترما ومبجلا إذ يستشيره قادة الدول الاسلامية بين الفيئةوالأخرى اما ما يتعلق بنشاطاته التجارية

أسس يوسف ندا في سويسرا شركة منفصلة للخدمات لتوجد إجراءات تدقيق حسابات شفافة على الصعيدين الداخلى والخارجى وحصل على ترخيص لها من مكتب الضرائب فى " بيلينزونا " عاصمة مقاطعة " تيسينو " فى سويسرا كانت الشركة تقدم خدمات لمجموعة التقوى تتضمن التدقيق الداخلى للحسابات ودراسات فى الجدوى الاقتصادية لمشاريع المجموعة التى تضم مؤسسة تُدعى مصرف التقوى فى البهاما قال يوسف عن الشركة بفخر واعتزاز لقد انشأتها بطريقة لا تسمح لأحد ان يقول إنها غير قانونية كل شيء كان موضحا فى السجلات

لقد كان هذا النمط من الصناعة المصرفية الاسلامية جديدا يودع المستثمرون نقودهم ضمن اتفاق يحصلون بموجبه على مابين خمسة وسبعين وتسعين بالمئة من الارباح ان وجدت اما اذا حدثت خسائر فى احد الاستثمارات فإن المصرف يكون قد اضاع وقته وجهده بينما يتحمل المستثمرون الخسائر تخضع الاعمال لتدقيق داخلى ثم لتدقيق خارجى نهائى ثم يعاد تدقيق تقارير المدققين من قبل لجنة شرعية اسلامية

لقد جعل ندا جميع شروطه فى غاية من الوضوح لقد أصررت فى الاتفاق المكتوب على انه إذا ما أراد احد سحب نقوده يجب عليه ان يقدم إشعارا مسبقا قبل عام كامل إذ كنت احتاج وقتا لاحقق ارباحا وكذلك لان معظم راس المال كان يستخدم ليُدر دخلا وليس ليُحتفظ به فى الاحتياطى ولا بد من تسييله قبل اعادته كان لدى عقد موحد ينبغى على جميع المستثمرين التوقيع عليه وان لم يفعلوا كنت اعيد اليهم نقودهم لم يكن لجماعة الإخوان المسلمين اية اموال فى البنك اما كأفراد فلم يزد عدد الإخوان من المساهمين او اصحاب المضاربات على اكثر من 5 % من مجموع المساهمين او المضاربين

فى اول اعلان عن اسماء اول المساهمين حدث خطأ بإضافة ثلاثة اسماء هم الاستاذفريد عبد الخالق وكمال الهلباوى وابراهيم صلاح كنا سنبدأ بالاتصال بهم لتشجيعهم على المساهمة ولكن لم نتصل بهم ولم يساهموا وعندما اكتشفنا الخطأ أعلنا التصحيح فى الاعلانات والصحف خلال أعوامه الثمانية الاولى كانت أقل أرباح حققها مصرف ندا تتراوح بين سبعة وثلاثة عشر فى المئة

وعن هذا يقول يوسف : كنت أدير مصرفا إسلاميا يقوم على الاخلاق أى تحقيق الارباح للمستثمرين فيه بموجب قوانين شريعتنا يجب ان لا تستخدم الربا مع الناس ويجب ان لا نتعارض وما ورد فى القرآن الكريم او السنة الشريفة إقتصاد العالم يقوم على الربا وكذلك على نشاطات وعقول وجهود الناس فى جميع انحاء العالم ان الربا هو ذاك الذى يسلب الناس جزءا من عملهم وطاقاتهم وإخلاصهم ليقدمه لنخبة من الناس وبعض الآخرين

ربما يحصل مالكو أسهم الشركات على خمسين بالمئة على اكتاف العاملين الذين يستخدمون نقودهم لسداد تكاليف حياتهم من سكن وطعام لا يحصل المستثمرون على نقود مقابل عمل يقدمونه بل مقابل نقود إن الاسلام يحرم ذلك والمسيحية كذلك تحرمه رغم ان الكنيسة فى روما أباحته عام 1830 وتم نسيانه لا يستطيع يهودى أن يأخذ ربا من أخيه اليهودى ولكنه يستطيع أن يأخذ من الاخرين بناء على قولهم إنها تعليمات سيدنا موسى

من المنطقى انك لا تستطيع ان تربح على حساب عَرَق الاخرين لا لشىء سوى أنك تملك المال بينما لا يملكه الاخرون لا علاقة لهذا الشأن بالشيوعية أو الاشتراكية بل إنها قضية عدالة بموجب الاسلام يستطيع أي احد ان يملك أي ثروة شريطة أن لا يمتص دماء الاخرين أو عرقهم ومادام يدفع الزكاة للفقراء الزكاة ضريبة مئوية ثابتة على الثروة والدخل وباختصار على ما لدى الشخص هناك شكل اخر للزكاة تلك التى تدفع فى اخر شهر رمضان إن هذين النوعين من الزكاة لا علاقة لهما بضرائب الدولة ولكنهما يدفعان مباشرة لشريعة محددة من الفقراء تشمل الاسرى ثم الجيران ان ثم الاخرين

إن عمر الصناعة المصرفية الاسلامية خمسون عاما فقط وهى تعمل الى جانب النظام الربوى الموجود منذ الآف السنين قبل الاسلام والذى جاء الاسلام فحرمه إن نظام المصرف الاسمى يحتاج الى وقت كى يتطور ويقنع الناس ليس المسلمين فقط أنه فى مصلحتهم وكى يعطوه فرصة عندما تدرس الازمة الاقتصادية التى

تعاقب العالم الان وكساد 1930 الاقتصادى تجد ان السبب المحورى هو النظام الربوى لان المال يجلب ارباحا فى كل اقتصاد نقى المال والجهد هما ما يجلبان المال هناك النقود والجهد والارض الارض وسيلة الانتاج لقد كانت لاجل الزراعة فقط ولكنها الان لاجل إنشاء المصانع ولاجل وسائل اخرى الدخل وليست النقود وحدها التى يمكن ان تجلب النقود على حساب الاخرين إن الانتاج هو الشىء الاخير

إذا كانت النقود هى التى تنتج لك بمفردها فسيكون ذلك على حساب عرق الاخرين وعلى حساب كلفة وسيلة الانتاج يجب على جهد الانسان أن يقدم الوسيلة المهنية ويجب ان لاتقدم له بالمقابل مايكفى لسداد رمقه فقط وإلا تكون قد امتصصت الباقى كله ولم تعطه فرصة النمو كما أنك تنمو اما هو عندئذ تطعمه لمجرد ان يبقى على قيد الحياة فحسب وحتى اذا اراد ان يملك المنزل الذى يعيش فيه تحتمت عليه الاستدانة ودفع الفائدة الربوية على ما اقترض والتى تكلفه اكثر من قيمة المنزل وذلك حسب عدد السنين التى يستطيع ان يعمل وشقى خلالها كى يسدد الدين الشىء ذاته ينطبق على تعليم ابنائه والضمان الصحى وجميع مرافق الحياة الاخرى

إنها مسألة مشاركة لا ينبغى للنقود وحدها ان تجلب الارباح بل المال والجهد ينبغى ان يجلبا الربح معا هذا يعنى انه اذا ملكت نقودا لا تستطيع توظيفها وأنا استطيع ان اوظفها لك فإننى مستعد للعمل أى أننى مستعد للزراعه او بناء مصنع او انتاج سلع فأنت تقدم المال وأنا أقدم الجهد عندما نشترك فى الربح كما نشترك فى الاعباء فهذا أمر تبادلى بالنسبة للمصرف كنا نأخذ خمسة وعشرين فى المئة من الارباح ومالك النقود يأخذ خمسة وسبعين فى المئة وعندما يكون المبلغ كبيرا كنا نأخذ أقل من ذلك

ولا يعترض الاسلام على امتلاك أي شخص او مجموعة او عائلة للثروة مهما كبر حجمها ما دامت قد اتت من مصادر نظيفة وقانونية ويدفع ما يترتب عليها من زكاة واجبة وضريبة ومن وجهة نظر جماعة الإخوان المسلمين يجب ان يكون النفع الاقتصادى لطبقة الفقراء ومتوسطى الدخل مقدما على المنافع السياسية ضمن النظام العالمى وهذا ما تريده الشعوب لقد تصرف حسني مبارك وأمثاله عكس ذلك جاعلين مكاسبهم السياسية والمالية اكثر اهمية بالنسبة لهم من النظام الاقتصادى الذى يهم الشعب

هناك تهيؤات سادت العالم بأسره بان جماعة الإخوان الملمين تريد أن تحكم بموجب الشريعة بيد أن يوسف ندا من وجهة نظره أن جماعة الإخوان المسلمين تريد ان تحكم على اساس الديمقراطية دون ان يتعارض ذلك مع الشريعة الاسلامية هذا هو الفارق الفارق الكبير عندما تقول : حكم ديمقراطى طبيعى دون التعارض مع الشريعة تكون منفتحا على تفسير مختلف للديمقراطية وكذلك على تفسير مختلف للشريعة اذا رفضنا الديمقراطية المشوهة يجب ان نرفض ايضا ما يشوهون به الشريعة ويريدون منا ان نقبله

فى القرن الحادى والعشرين يجب علينا ان نقبل بالقانون ولكن نحكم عليه ضمن ظروف العالم الذى نعيش فيه لا نستطيع ان نكون منغلقين ونقول هذا وذاك هو التفسير الوحيد لا نستطيع ان نكون متقيدين بما كان صالحا فى قرن اخر او ما فسره العلماء المخلصون الامناء فى زمن كانوا يركبون فيه الخيل والجمال لقد غير العلم والتكنولوجيا والزمن العقل البشرى فقد تغيرت طريقة تفكيرنا عند تفسيرنا للشريعة الاسلامية ان الشريعة هى ماورد فى القرآن

وما قاله او فعله الرسول صلى الله عليه وسلم وتفسيرهم هو الفقه والفقه صناعة بشرية ليس فيها عصمة وهى علم مثل كل العلوم يستطيع كل من يمتلك الكفاءة ان يدرسها وليس فقط من يسمون بالفقهاء الذين يجب ان يقبلوا النقد لتفسيراتهم إن وجد ما يبرره والفقه هو ما يتوافق عليه الناس فى فهم وتفسير الشريعة لا احد يستطيع ان ينكر ان رجال اليوم اكثر معرفة من رجال العام الماضى الفقه لا حدود له

وان كان القرآن نزل فى مكة والمدينة الموجودين الان فى دولة معينة فهذا لا يعنى ان فقهاء هذه الدولة اكثر علما من غيرهم او ان الاخرين يجب ان يلتزموا بتفسيرهم ومنذ نشأة الاسلام لم يكن افضل واعلم الفقهاء من هذه الدولة يجب ان تتماشى اقوالنا مع عقولنا ولا نزيل فقط الحواجز الجغرافية ولكن ايضا مع عقولنا وأفكارنا ؟!

قال ابن رشد: صحيح أن المسلم لا يحق له أن ينكر ما هو معروف من الدين بالضرورة كما قرر علم أصول الدين ولكنه مُجبر بموجب القرآن الكريم أن يستخدم عقله كى يتعمق فى تفسير القرآن الكريم وحججه وأهدافه والتوقيت والظروف لا نريد ان نكرر ما فعله اربعة او خمسة أئمة قدماء قبل أحد عشر قرنا لقد قال الله عز وجل إنه يجب عليك ان تفكر وان تكون يقظا (أفلا تتفكرون) ... (أفلا تعقلون)

لقد احضروا احد اللصوص بعد اعترافه الى الخليفة الثانى عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) وبموجب النص القرآنى يجب أن تقطع يده فسأله عمر لماذا سرقت ؟ فأجاب : كنت جائعا ولم استطع الحصول على عمل ولا طعام فقدم له الخليفة طعاما وسامحه متبعا روح الشريعة وليس النص الحرفى الذى جاءت به الشريعة لقد تعلم الخليفة الثانى الاسلام من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وكان من اكثر المقربين اليه

وعندما قلت لاحد الفقهاء : لماذا لم تجتهدوا فى موضوع العقوبات الجنائية وتخرجوا بدائل لها ؟ كانت اجابته لا يمكن ذلك مع وجود النص ويمكن فقط فيما لا نص هى فيه قلت : إن فيما لا نص فيه لا يحتاج لفقيه او رجل دين ومدرسة الالتزام بالنص هى التى تحتاج الى البحث فالعقول البشرية تغيرت تغيرا جذريا عما كانت عليه قبل الف عام واذا تحدثنا بنظرية التقيد بالنص وليس المقصود بالنص فعلى المسلمين ان يعدوا للحروب رباط الخيل وليس الصواريخ والطائرات (وأعدوا لهم ما أستطعتم من قوة ومن رباط الخيل)

مثل هذه الاجابات تعيدنا الى عصر الاشاعرة والمعتزلة وما يريد السلفيون من تحويل الدين الى كتل صماء تُلزم المسلم بالايمان بها حتى لو رفضتها قدرة عقله الذى اعطاه له الله وأمرة أن يستعمله للوصول الى الايمان وتظل هذه ساحة تحتاج الى علم شرعى تحيطه جرأة من أجل مواءمة الايمان للعقل ولذلك اكرر انه منذ 1100 عام وكل المسلمين السنة يتبعون احدا من اوكل الائمة الاربعة وتلاميذهم ولا من جديد نحن وقفنا هناك

ولكن الزمن والعالم لم يتوقفا وتبعا سنة الله فى الكون الذى خلقهما ومثال اخر على موضوع "الا فيما فيه نص " هو انه لما اتسعت الفتوح فى زمن الخليفة عمر بن الخطاب جاءه الغزاة يطالبون بتوزيع الاراضى التى فتحوها كغنائم حسب النص فرفض وقال لهم : إن وزعت عليكم وتملكتموها فستأتى اجيال لا تجد ما تملكه

ويجب ان نحافظ للاجيال القادمة على حقوقهم وأملاكهم وأصر على رايه ونفذه ولذلك اقول : هل من الفقهاء من يدعى أنه أشد التزاما با لشرع من عمر ؟ الامر ليس فقط النص ولكن مقاصد الشرع واهداف النص الواضحة وليس المستترة التى تفتح الباب للخلاف على المجهول وترك المعلوم ومصالح البلاد والعباد وحتى العباد الذين لم يولدوا وسيولدون فى اجيال قادمة

وقد قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله فى كتابه الموقع الفكرى والمعارك الفكريه بقد تجمد الفقه الاسلامى عدة قرون فلم يتحرك لا دوليا ولا دستوريا ولا عماليا كى يسد الفراغ الموجود الان فى العالم الاسلامى ويُخيل الى ان فقه العبادات قد اصيب بسرطان فوضوى فى بعض الخلاليا على حساب الخلاليا الصحيحة

وهذا الامتداد الفوضوى حدث فى فقه العبادات عندما تضخم الى حد بعيد بحيث اصبح فى باب الوضوء وباب الغسل مجلدات فى امر كان من الممكن ان يكتب على ظهر كراسة وهذا التضخم جاء على حساب القانون الدستورى والقانون الدولى وقانون المعاملات والعمل والعمال والقانون الادارى الامر الذى جعل الامة الاسلامية افشل الناس فى الادارة واذا انتقلنا من الشرع الى السياسة فأخطر ما فيها هو خُلق الساسة لو انعدم فيهم الضمير

دعنى استعين بما قاله

" شيشرون رجل الدولة الرومانية واحد مُشريعها: تستطيع الامة ان تحتمل حمقاءها وحتى طموحيها ولكن لا تستطيع ان تحتمل الخيانة عندما تأتى من داخلها فالعدو المتربص عند البوابة اهون عليها لانه معروف ويحمل رايته علانية ولكن الخائن يتحرك بحرية بين اولئك القاطنين داخل الاسوار فحفيف همساته الماكرة والخبيثة يتردد صداه عبر جميع الازقة حتى يصل الى داخل قاعات الحكومة لان الخائن لا تبدو عليه الخيانة

فهو يتحدث بلهجة مألوفة لدى ضحاياه مرتديا اقنعتهم ومستعينا بجدالهم ومحركا فى قاع قلوبهم الخسة القابعة فى اعماق قلوب جميع الرجال فهو يُفسد روح الامة ويعمل سرا دون ان يُعرف فى جنح الظلام ليقوض اركان المدينة انه يلوث الجسد السياسى حى لا يعود يقوى على المقاومة إن القاتل أقل تخويفا وإن الخائن لهو الطاعون

وهذا جزء من المشكلة والحل كليهما فى الوضع السياسى الراهن ويجب ان نتجنب انتقاد مجموعة كأوغاد بينما نمتدح شخصا اخر او مجموعة اخرى كمنقذين اننا لا نستطيع ان نُغمض عينا عن أخطاء اولئك الذين نؤيدهم بينما ندين ذات الاخطاء التى يرتكبها خصومنا ليست إساءة استخدام السلطة ولا الطائفية حكرا على مجموعة محددة أو مجتمع بعينه يجب على نشطاء المجتمع المدنى والاعلام على وجه الخصوص ان يكونوا امناء وصادقين فى تحليلاتهم

فنزاهتهم واستقامتهم بمثابة البوصلة التى تحدد مسار رحلتنا نحو المستقبل فى هذه الاوقات العصيبة يجب على الطبقة المؤثرة فى المجتمع – والتى تضم كبار التجار وقادة المهنيين والمتدينين والمثقفين والاكاديميين والمنظمات غير الحكومية باستثناء السياسيين ان تدين الخداع والظلم بلغة فى غاية الصراحة والوضوح دون ليس يعتريها يجب على السياسيين خاصة ان يجاهروا بصوت مرتفع وقوى مستنكرين الاكاذيب المنمقة والمظالم والخداع المُرْتكب فى حق المجتمعات الامنة

هناك انماط مختلفة للديمقراطية فى العالم وإذا سلكنا طريق الديمقراطية لا يعنى بالضرورة أنه ينبغى علينا استنساخ احد الانماط الموجودة بل يمكننا ان نتبنى ما يلائم مبادئنا والديمقراطية يمكن ان تختلف فى بعض جزئياتها ولكن ليس فى الاركان بذاتها إننا لا نريد أن نتخذ لا نفسنا برجوازية

اذا جاء ملك وانشأ ديمقراطية على أن يظل هو الملك والحاكم وصانع القرار الوحيد وصاحب الكلمة الاخيرة وهو سليل النبل بينما الاخرون ابناء البسطاء وهو وذريته من بعده دمهم ازرق ودماء شعوبهم حمراء فهذه ليست ديمقراطية بأى حال

وفى دولة صغيرة كقطر الامير رغم انه يقدم قصارى جهده لاجل شعبه لكنه حاكم مطلق له امتيازات عليهم لكن الى متى ؟ لا احد يعلم ورغم ان الشعب يحبه وقبل منه ذلك ولكن هذه هى الديمقراطية البرجوازية انها قد تلائم قطر ولمنها غير مريحة اذا ما طُبقت فى اماكن اخرى يمكن ان تنجح فى دولة ذات تعداد سكانى محدود كما لو كانوا عائلة كبيرة ولكن نجاحها غير ممكنى فى اماكن اخرى فى الاحوال العادية

فى المملكة العربية السعودية يصل عدد افراد السلالة الحاكمة الى خمسة عشر ألف شخص من بين تعداد سكانى يبلغ خمسة وعشرين مليون نسمة نحن وهم المالكون فى مقابل المعدمين السيد والعبيد الذين يمكن ان يرقيهم ليصبحوا موظفين او ينزل بهم الى مستوى الخدم او الى ادنى طبقات الناس ولكن بالتأكيد لن يبلغوا درجة الامراء اما فى الإمارات فدعك من الخرفان الذى يخرف بعد ان غض الطرف عن قتل المذبوح رحمه الله وأوهم البسطاء بأنه يتابع القتلة وعندما اخر ويسر وبدأ ينطح صخرا وظن ان تخريف الخرفان يحرك جبال الإخوان ولم يردوا عليه ولن يردوا وهل ترد الجبال ان نطحها الخرفان

فى دول اخرى مثل مصر وتونس والجزائر ى تصلح الديمقراطيه البرجوازية الزائفة والواجب ان تقوم بها ديمقراطيات شعبية ولا يجب ان نسمح للفصل العنصرى ان ينشأ يبلغ عدد سكان مصر ثمانين مليون نسمه الا ان اربعين بالمئة منهم اميون ولا يمكن إلقاء اللوم كله على الدكتاتورية التى جاء بها عبد الناصر وحكم بها الاخرون حتى اطيح بحسني مبارك

قال يوسف ندا : انها قد بدأت فى مصر فى زمن الاستعمار عندما كانت اداة حكم البريطانيين منذ احتلوا البلاد فى 1882 مرورا بحكم الملك فاروق حيث ظل مفتاح الحكومة فى يد البريطانيين

ثم اضاف قائلا لقد فرضوا مارادوا على الشعب ولكن باييد ناعمة اما عبد الناصر والسادات وحسني مبارك فقد فرضوا إرادتهم بقبضة من حديد كلا النظامين شريران لقد عانى تعليم الشعب ونتيجة ذلك حدث فراغ ثقافى اما المثقفون الذين عارضوا الاستبداد فُلقى بهم فى السجون بينما لجأ بعض الاذكياء الى الصمت فالذين رفعوا اصواتهم اسكتوهم بطرق مختلفة بالتعذيب والسجون ومصادرة الممتلكات ومنع توظيفهم او تخفيض درجاتهم الوظيفية وكان الإخوان المسلمون من اكثر اولئك المضطهدين اضطهادا

لقد اغلق البعض أفواههم وركب البعض الاخر الموجة فخدموا الدكتاتوريين لقد كانت البلاد منقسمة بين الاميين والمثقفين بعد خلع مبارك سيُلقى على عاتق الاميين وانصاف المثقفين الاعمال الشاقة اما من نالوا فرصة التعليم والثقافة فسوف يقع عليهم عبء تطوير مصر ومنهم من سعوا وراء النظام ففازوا بالتدريب الجيد إنهم لم يستعملوا ضمائرهم اثناء الحكم الدكتاتورى لذلك كيف لنا ان نثق بهم ؟! هناك فصل عنصرى ايضا فالذين لم يتلقوا التدريب سلبيون كى ننشىء نظاما جديدا ونطبقه وكى نحصل على ثمار التخلص من مبارك يجب ان يكون هناك ديمقراطية شعبية ولكن يجب على الجميع ايضا وهذا هو التحدى الاكبر

بين صفوف جماعة الإخوان المسلمين فى مصر الاف من هناك التدريس الجامعى وهناك بين اعضائها حوالى عشرين الفا يحملون شهادة الدكتوراه وهم يعملون خارج الجامعات وكذلك لدى الجماعة اكثر من مئة وخمسين الف مدرس فى المدارس ان التعليم حقيقة هامة جدا بالنسبة لنا وقد تعجب من رأيى الشخصى إن ارتفاع مستوى تعليمنا الى هذا الحد يُعد نقطة ضعف شديدة وهذا رأيى وليس برأى جماعة الإخوان المسلمين على أى حال

عندما بدأنا كان معظم الإخوان المسلمين فلاحين وعمالا وطلاب علم أما الان فقسم كبير من النخبة إما بالعلم أو ببعض المال (الطبقة المتوسطة) وهذا امر سيىء يجب ان تكون فى توازن نسبى مع المجتمع فكى تكون الحركة محبوبة شعبيا لا يجب ان تكتفى بإرشاد الناس فحسب ولكن يجب عليها ان تكون جزءا منه يجب ان تكون جزءا من الشعب كى تشعر بما يشعر به

لا أرى أى سبب يبرر خوف العالم من جماعة الإخوان المسلمين الا ان المشكلة سببها امران مثيران للجدل اولهما يتعلق بالقضية الفلسطينية فكل مسلم على وجه الارض متعاطف جدا مع الفلسطينيين وليست جماعة الإخوان المسلمين وحدها المتعاطفة معهم والإخوان مقتنعون مئة بالمئة ان الفلسطينيين ضحايا اما لو كنت انا قادرا على دعمهم ام لا فهذا شأن آخر ولكن فى الحالتين يظل يقينى انهم ضحايا

حتى اولئك الذين ساهموا فى خلق اسرائيل اتخذوا الرأى ذاته فى لحظة الحقيقة انظر الى ما قاله الرئيس ايزنهاور فى خطابه الذى بث عبر المذياع والتلفيزيون فى العشرين من فبراير 1955 وكأنه يخاطب كل من جاء بعده من رؤساء الولايات المتحدة انا اشعر اننى سأكون غير صادق حسب معايير الادارة التى انتخبتونى لأرأسها إذا استعملت نفوذ الولايات المتحدة فى الاقتراح بأن الدولة التى تغزو اخرى تضع شروطا للانسحاب منها

وفى فقرة اخرى قال : و لا اعتقد ان خطأ اسرائيل يمكن ان يتغاضى عنه لان هيئة الامم لم تستطيع تطبيق قرارها بالتنديد بغزو الاتحاد السوفيتى العسكرى " هنجاريا " وهنا ينطبق المثل الذى يقول : إن خطأين لا يؤديان الى الصح يجب ان لا تفشل الامم المتحدة فأنا أعتقد – لأجل السلام – أن لا خيار للامم المتحدة الا أن تضغط على اسرائيل كى تلتزم بقرارات الانسحاب

كذلك لاحظ خطاب وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية " جون فوستردلاس " الموجه الى مجلس الشئون الخارجية فى السادس والعشرين من أغسطس 1955: مازلنا نامل ان ترى حكومة اسرائيل ان مصالحها القريبة والبعيدة المدى تكمن فى امتثالها للامم المتحدة لم نسمع سوى الخطابات ولكن الضحايا ظلوا ينزفون

يصر يوسف ندا على ان الإخوان المسلمين لا يدعمون حركة المقاومة الاسلامية حماس ماليا فيذكر ان بعض اعضاء الجماعة يتبرعون لتمويل بعض جوانب حياة حركة حماس فتذهب تبرعاتهم للمشافى والتعليم واطعام الناس انها مساعدات انسانية ويقول يوسف : لقد قُلت مرارا اننى اذا كنت صادقا فى دينى فلا يمكن لي ابدا ان ارتكب العنف ... إلاما يسمح به القانون

اذا اقتحم احد منزلى فعلى الاستسلام او القتال كي ادافع عن اسرتى ومنزلي بمقدوري ان اقاتل فى منزلي ولكن ليس بمقدوري ان اذهب الى منازلهم كي اقاتلهم هكذا التحقت بالإخوان ولهذا ايضا ذهبت كي احارب بشكل رسمي من خلال الجامعة وليس من خلال جماعة الإخوان المسلمين فقط بشكل رسمي

كان علينا ان نحارب لا جل حريتنا سئلت مرة على احدى قنوات التليفزيون الامريكية اذا منت اوافق على ان يقتل العراقيون الجنود الامريكيون فى العراق فقلت لهم : ان كل من يقاتل من احتل ارضه فهو بطل فكرر المذيع السؤال مرات عديدة ليحصل على الجواب الذى يريده : هل توافق على ان الفلسطينيين سواء على صواب ام على خطأ يقتلون السكان المدنيين النساء والمُسنين والاطفال بالعمليات الفدائية ؟! لقد شرحت له ان ما يقوله الله عز وجل واضح

وما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم أنك عندما تكون فى الحرب – ولم يستثن من الحكم فلسطين او اسرائيل او مصر – يحرم عليك قتل الاطفال والنساء والمسنين والاطفال عليك ان تقاتل من يقاتلك ولا يجب ان تقاتل الضعفاء حتى لو حاربوك اذا يجب ان لا تقاتل الاطفال والمسنين والنساء اما بالنصة للتزويد بالسلاح فلا يمكن للاخوان ان يتورطوا فى ذلك

واننا لا نفعل ذلك فقط بل ان حماس لا تتوقع ذلك من الإخوان المسلمين فهم لا يريدون ان يجلبوا أي مشكلة لجماعة الإخوان المسلمين عليهم ان يجدوا مصادر مختلفة لا جل ذلك لو تورطت جماعة الإخوان المسلمين فى امدادات السلاح لا شتعلت حرب لا نهاية لها ضد جماعة الإخوان المسلمين بسبب التأثير السياسى الذى يتمتع به الإخوان

فهناك كثيرون يريدون الانتفاض منا إنهم يودون ان يمسكوا احد اعضاء الجماعة متورطا بذلك ليتهمونى بجريمة تزويد حماس بالسلاح لكنهم لم يستطيعوا ولم يجدوا شيئا لان ذلك لم يحدث ولا يمكن له ان يحدث ابدا كان عقلى وأذناى مسدودتين عن كل ما يتصل باصطلاح سلاح يعتبر الامريكيون جماعة الإخوان المسلمين عدوهم الاكثر رعبا

لان جماعة الإخوان المسلمين لا يقبلون الوضع فى فلسطين هذا لا يعنى ان جماعة الإخوان المسلمين ضد اليهود لانه من غير المسموح لنا ان نكون ضد اليهود او ضد المسيحيين او أي احد اخر اننا ندرك ذلك جيدا جدا ولكننا نؤمن وانا كذلك أومن ان الفلسطينيين كانوا ضحايا ومازالوا

إنها لعبة بين الامريكيون واليهود فاليهود يستخدمون قوة الامريكيين والامريكيون يستخدمون اليهود ليبقوا الشرق الاوسط تحت سيطرتهم وفى النهاية يظل الفلسطينيون ضحايا ان الدعم الدولى لقضية اسرائيل واهمال وغض الطرف عن القضية الفلسطينية لهى القضية الاساسية بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين فكما قلت آنفا إن كل مسلم فى العالم يتعاطف قلبه مع الضحايا الفلسطينيين سواء قال هذا أم لم يقل

امامى لغز : لماذا يريد الاسرائيليون ان يكونوا جميعا فى مكان واحد ؟ فى زمننا هذا يمكن لأُمة بأسرها أن تُسحق بضغط على زر وفى ثانية واحدة وربما كان مرتكب الجريمة على بعد آلاف الاميال يشاهد على شاشة ما ترتكبه التكنولوجيا ان عداء السامية ضد تعاليم ديننا الاسلامى وضد شريعتنا اننى سامى فكيف لى ان اكون ضد نفسى ؟!

والإخوان المسلمون ايضا ضد الفظاعات والوحشية ان اسرائيل تجعل من نفسها هدفا مفتوحا فى العالم الحاضر لو لم يُعط القذافى الغرب معلومات عن عبد القادر حان العالم النووى الباكستانى لظل يصنع اسلحة نووية فى السر حتى الان وهو ليس العالم الوحيد حيث لا نعلم ما يجرى فى شمال كوريا

فى نوفمبر عام 2011 قال مفتشوالامم المتحدة انهم قد اكتشفوا مجمعا فى الحسكة الواقعة فى أقصى شمال شرق سوريا شبيها بمصنع تخضيب اليورانيوم الذى خطط عبد القادر خان لا قامته فى ليبيا وهذا دليل قاطع على علاقة تربط بيم مهندس القنبلة الذرية فى الباكستان وبين سوريا لقد انكر بشار الاسد باستمرار العلاقة مع خان قد باع العالم المنشق الذى ألصقوا به لقب تاجر الوعيد

لما أوجده من سوق سوداء للمخططات والتكنولوجيا النووية باع فيها خبراته لايران وكوريا الشمالية وليبيا لم يتم بناء مصنع خان فى ليبيا مطلقا ورغم ذلك عندما اراد القذافى ان يعيد علاقاته مع الغرب من خلال تخليه عن البرنامج النووى الليبى رسميا قد القذافى تفاصيل الخطط والمعدات النووية والوثائق التى زوده بها العالم الباكستانى للمفتشين الدوليين

لقد ساد الاعتقاد بأن سوريا قد تخلت عن برنامجها النووى فى عام 2007 على أي حال عندما قصفت الطائرات الاسرائيلية ما قالت عنه المخابرات الامريكية إنه كان مفاعلا نوويا فى منخفض صحراوى شرق نهر الفرات فقد اكتشف انه انشىء بمساعدة كوريا الشمالية فهو نسخة من منشأة البلوتونيوم فى " يونجبيون " التى تنتج المادة الانشطارية المستخدمة فى القنبلة التى اختبرتها كوريا الشمالية فى عام 2006 ان خان خبير اليورانيوم وليس البلوتونيوم مما يبرهن على ان سوريا كانت مثل الباكستان تسلك طريقين مختلفين نحو امتلاك القنبلة النووية

فى عام 2012 استمر التفتيش كى يكتشف ما قدمه التاجر الوعيد لسوريا فقد حصل عملاؤه فيما سبق على اجهزة الطرد المركزى المطلوبة لتخصيب لبيورانيوم الى الدرجة المستخدمة فى صنع السلاح النووى وكذلك كانوا قد حصلوا على المخططات وقد قيل إنه قد تعامل مع دول اخرى من ضمنها الجزائر والمملكة العربية السعودية

يرى يوسف ندا ان مستقبل عالمنا هذا هش وضعيف لما يشهده من تعاقب احداث متسارعة انا الامر الثانى المثير للجدل فهو استمرار سوء فهم الاسلام الذى سيطر على البحوث والكتب منذ الحروب الصليبية حتى يومنا هذا لقد جلست مع قسيس وتحدثت اليه فاتحا له قلبى كرجل ملتزم بالدين محاولا ان اتقبل ما اعتبر انه قد جاء من عند الله إنه مسيحى وجلست معه وتحدثت اليه إياه رجلا نقيا إذ عنده قلب نقى ثم اكتشفت انه يعتبرنى كافرا

لم اجد هذه النزعة لدى القس فقط بل إننى وجدتها كذلك عند المتعصبين من المسلمين إننا ورثة تاريخ بدأته الحروب الصليبية واليوم لدينا ايضا مشكلة الثروات الاقتصادية فى المنطقة حيث توجد المصادر الهامة والرئيسية بالنسبة للعالم الشرق الاوسط والغاز والنفط جميعا تشكل لغز حاضرنا وكوابيسه ما لم تكن الثروة بأيدى المستهلكين فلن يصبح مستوى عيشهم كما يرغبون

إلا أن المستهلكين دائما كانوا يأتون من الخارج باسطين ايديهم كى يأخذوه وليس ليشاركوا تذكر ايضا ما قاله رئيس وزراء بريطانيا " كامبل بانرمان " فى تقريره حول المنطقة فى عام 1907 الشعوب فى الشرق الاوسط لديهم دين واحد ولغة واحدة فعلينا ان نفرقهم ولا نسمح لهم بالحصول على العلم والتكنولوجيا

إن وثائق الارشيف المعاصر تشير إلى مؤتمر " كامبل بانرمان " بهذه العبارات :

خبراء من بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا واسبانيا وايطاليا تمعنوا بالمخاطر التى تهدد الحضارة الغربية وانتهوا الى اكثر الخطر تهديدا يأتى من جنوب شرق حوض البحر الابيض المتوسط وفى تقريرهم النهائى خلصوا الى ان حوض البحر الابيض المتوسط يشكل شريانا حيويا للاستعمار إذ يربط الغرب بمستعمراته فى اسيا وافريقيا الا ان الشعب فى شواطىء جنوب شرق البحر المتوسط يتحد بالتاريخ والدين واللغة وذلك يشكل تهديدا للاستعمار الغربى الا انه يجب علينا ان نبقيه ضعيفا ومجزأ وجاهلا

لقد اعتبرت لجنة مؤتمر " بانرمان " العالم مُقسما الى ثلاث كتل : الاولى لها الحق فى التفوق المادى وهى تتكون من الدول المسيحية فى اوربا وامريكا الشمالية واستراليا اما الثانية التى تحيط بالحضارة الغربية وتتكون من أمريكا اللاتينية واليابان وكوريا ويجب تهدئتها وكبحها اما الكتلة الثالثة فهى الدول العربية والاسلامية التى يجب ان تظل محرومة من ثمار التكنولوجيا والعلم الحديث

مؤخرا وفى افتتاحية نشرتها جريدة الاهرام فى مايو 2009 مقارنة بين ذاك الوقت والان ورد مايلى :

يقترح تقرير كامبل بانرمان انشاء دولة فى فلسطين تتوافق مع اراء مؤتمر بازل الصهيونى الذى انعقد فى عام 1897 وتكرس الفكرة التى كان " تيودور هيرتزل " اول من اقترحها والتى تنص على خلق دولة غربية قوية فى الشرق الاوسط بعد قرن وفى اختتام منتدى تخالف الحضارات قال ممثل الامم المتحدة " يورج سامبايو " ان المنتدى قد قدم بصيص امل لعالم مختلف هذا جيد الى الان ولكن بعد ذلك فى المؤتمر الثانى لمناهضة الفصل العنصرى فى جنيف

حاربت الدول الغربية بقوة وشراسة توجيه أي انتقاد يمس اسرائيل حتى بلغ الامر بالبعض ان اعتبروا مثل هذا الانتقاد يندرج تحت معاداة السامية وعندما اخفقوا فى ازالة انتقاد اسرائيل من المؤتمر هددت كل من الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية بمقاطعة المؤتمر بدأت اسرائيل توبخ رئيسة سويسرا لاجتماعها بنظيرها الايرانى وغادر سفراء ثلاث وعشرين دولة اوروبية قاعة المؤتمر محتجين على كلمة الرئيس الايرانى محمود احمدى نجاد اذا كم تقدمنا على مؤتمر 1907 ؟ إذا الامر لم يبدأ بوعد بلفور عام 1917 حيث هذا المؤتمر كان عام 1907

معلقا على تقرير " كامبل بانرمان " قال يوسف ندا النوايا هنا تكمن فى تقييد الاسلام ولكن لم يكن العدو هو الاسلام بل كان العدو من الداخل فالأسوأ جاء من الحربين العالمتين الاولى والثانية وفى ذلك الوقت كان كل المشاركين فى تلك الحروب يحاولن امتلاك العالم الاسلامى فالبريطانيون اخذوا مستعمراتهم وكذلك فعل الفرنسيون بينما حاول هتلر اخذها وهكذا كانت الحرب بينهم وقد كانت النية وما زالت حتى الان مكتملة المعالم

ولكنك لا تعرف متى تحدث الحرب تظل الحرب حربا والرابح فيها يكون خاسرا اما بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين فإن الحرب حربا والرابح فيها يكون خاسرا اما بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين فإن واجبنا ان تتجنب الخرب مهما كانت تكلفتها وان نحاول دائما من خلال التعاون تجنبها وهذا يعنى اننا مستعدون لكى نأخذ ونعطى وليس ان نملى ونأخذ فقط وهناك نقطة ضعف تتمثل فى : لو كان لدى أى شخص أو جماعة اتصالات مع الغرب او الامريكان بغية مناقشة أي حلول دون مشاركة حكومته المعنية لنُظر اليهم كخونة ولا عتُبروا وقُيموا على أنهم يعملون مع أعداء بلادهم

تصبح الحالة اكثر تعقيدا وإحباطا عندما تتهم حكومة عربية تعمل مع الغرب مجموعة كالإخوان المسلمين بالعداء اذا ما حاولوا ايجاد حلول هل تستطيع ان تعتبر ما حدث فى القدس عندما احتلها الصليبيون عملا بشريا عندما يقولون ان المسلمين يريدون اجتياح الغرب هذا غير طيب علاوة على انه خطأ

انثنى اختار هذه الكلمات بدقة ك الاسلاميون ليسوا كما يصورون فالإسلاميون ليسوا من يؤمن بالعنف او الارهاب بل هم من التزم بالإسلام والنقاء انهم ضد العنف تماما حتى إننا لا نتحدث عن غير المسلمين باستثناء اهل الكتاب اهل التوراة والإنجيلي اليهود والمسيحيين فإننا لا نعتبر دينهم غير الهى !

لقد اخرجت كلمة إسلامي عن سياقها لتعنى الارهاب والتعصب الا أنها عندنا تصف الناس المتسامحين الذين يعملون لا جل الاسلام بطريقة إيجابية متأثرين بقناعاتهم التى تعتبر كلمة السلامى تعنى الانفتاح على الجميع وهذا ما نحن ندعوه بالإسلامي لقد ذكرت مرة لشخصية سياسية مهمة صحيح أنى السلامى فصُدم وقال : يا سيد ندا لم يخطر ببالي انك يمكن ان تكون اسلاميا فقد اعتقد فى تلك اللحظة انثنى انتحاري مجنون إنه الجهل فمن الصعب ان نتقبل جميع الذين يصنفون كل من يتبعون ديننا بالإرهابيين كما ان الجغرافية تُعقد المسألة كما يحدث فى امريكا

ان الإخوان المسلمين يبذلون قصارى جهدهم كي يكونوا مسلمين نموذجين ولكنهم مراقبون ويتم استجوابهم من قبل المخابرات الفيدرالية الامريكية يعامل المسلمون فى الولايات المتحدة الامريكية بطريقة سيئة جدا ولا يوجد مبرر لذلك كما ان ذلك يتعارض مع الدستور الامريكى وغدا يمكن ان تكون ضد أي احد آخر

لابد ان يتمثل الجميع للقانون وان يعاقب كل من يخرج عنه وعندما يرتكب احد ما خطأ لا ينبغى ان يتم انتقاد عرقه او دينه لقد برهن التاريخ ان الحرب الدينية لا تحقق اهدافها ابد ولكنها نقود الى انهاك جميع الاطراف المشاركون فيها والفارق الرئيسي هو ان الضعيف سيظل ضعيفا فلن يتأثر واما القوى فسيصبح ضعيفا

ليس النازيون وحدهم بل الرومان ايضا حاولوا ابادة اليهود الا ان اليهود مازالوا موجودين ثم اراد الرومان ان يفعلوا الشىء ذاته مع المسيحيين الا ان الرومان قد تفككوا والمسيحية هى التى بقيت فى كل مكان ثم ارادت المسيحية ان تقضى على الاسلام عبر استعمار البلاد الاسلامية لخمسمئة عام الا ان ثلث البشرية تعتنق الاسلام الان يستشهد يوسف ندا بالآية الثامنة من سورة المائدة فى القرآن الكريم

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)

يقال إن في الاسلام قانونا إسلاميا هو الذى يحكم المسلمين في رأيي أنه لا يوجد قانون إسلامي ولكن هناك قواعد شرعية تشمل بعض جوانب الحياة وتبقى الجوانب الاخرى مفتوحة ومتروكة لضمير الانسان وحاجاته المتغيرة تُقدم الشريعة بعض المبادئ الاجتماعية التوجيهية وتعرف بعض الاخلاق والقواعد دون ان تتدخل ببعض جوانب الحياة التى يمكن ان تتغير لقد تغير العالم ولا يتوقع لقواعد ثابتة قد تم تعريفها من قبل ان تطبق على ظروف ومعرفة وتكنولوجيا وابتكارات لم تكن موجودة عندما وضعت مثل هذه القواعد

تبقى افعال وردود افعال الفرد متروكة لتقديراته دون ان يخرج على تلك القواعد المبادئ وفقا لما يمليه الضمير لهذا لا يستطيع علماء الدين ان يدعوا معرفة او فهم العلوم الاخرى والتكنولوجيا كي يعرفوا أي القواعد الدينية يمكن ان تطبق في القرن الثاني عشر استطاع الفيلسوف ابن رشد ان يتعامل مع الطب وعلم الفلك والرياضيات وفق الدين كانت تلك العلوم محددة ولكن لا حدود لها الان

اليوم قراءة أي موضوع او الاستماع اليه لا يكفى كي يمكنك ان تفهمه او تقدم رأيا حوله يجب ان تترافق المعرفة والاختصاص والممارسة وهى كلها اساسيات في عالمنا المعقد لا نستطيع ان نمارس السياسة في الدين ولكن يجب علينا ان نطبق الدين في ممارستنا للسياسة يمكن للحياة السياسية ان تكون مليئة بالخداع والنفاق والفساد لا يستطيع أي دين احتمالها ولكن اذا ما اخدم الدين في السياسة فيمكن له ان ينقيها ويقودها نحو النزاهة والنقاء والمنفعة وخدمة المجتمعات

تنص الشريعة على ان كل شيء حلال باستثناء ما هو محرم وليس كل شيء محرما باستثناء ما هو حلال ان الشريعة ميسرة جدا بينما حياتنا الان بجميع مكوناتها المتغيرة هى المعقدة لهذا السبب تتألف الشريعة من قواعد ومبادئ ينبغى على الجميع معرفتها واستخدامها كنقاط تحديد يُعرف بموجبها ماهر حلال وحرام وهذا في مصلحة الفرد والمجتمع إلا الأولوية للمجتمع

يحتاج الانسان ان يكون منسجما مع عواطفه وليس فقط مع عقله وتفكيره بموجب الاسلام يحق للأسر غير المسلمة ان تنشأ وتُطبق القوانين الاسرية بموجب ديانتها وليس بموجب الاسلام وهذا ما ينادى به المسلمون في البلاد الاخرى على ان يمتثلوا لقوانين البلاد باستثناء القوانين الاسرية اذ يجب ان تُترك لا اختيارها

إن الإخوان منفتحون على هذا كله يوجد في مصر آلاف من أساتذة الجامعات ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين وهناك اكثر منهم خارج مصر إذا اضطروا الهروب من مصر في امريكا الاكثرية من الإخوان متعلمون جيدا وأحوالهم الاقتصادية جيدة يوجد كثيرون في اوربا وقد قدموا من شمال افريقيا كالجزائر وتونس هناك مليون اخ من اندونيسيا الى استراليا حتى فنلندا ومن الصين حتى امريكا لا يوجد مكان في العالم ليس لنا فيه من يلزم نفسه بأفكارنا وهم يريدون العيش والعمل مع الاخرين بطريقة سلمية

في حياتي كلها ومنزكن طفلا وحتى قبل ان التحقت بجماعة الإخوان المسلمين كنت منفتحا على أصدقائي فعندما كنت في المدرسة الابتدائية زاملن فيها اقباط ارثوذكس ويهود كنت منفتحا عليهم وكنت ومازلت اشاركهم إنسانيتنا يختلف الصيني او الياباني عنى ولكن لا يزال انسانا مثلى فأنا اشاركه اشياء كثيرة جدا اختلف عنه في بعض النقاط احدهما الدين ولكن لا يعنى هذا أنه عدوى

الكراهية مزروعة عند الطرفين ولن ينتج عنها سوى الافعال السيئة وانتشار الافكار الخاطئة وستعطى الكراهية لكل واحد الحق كي يرسم لنفسه القوانين التى تناسبه فيتحول القانون الى شريعة غاب لا يوجد ضغط غير محدود دون رد فعل ونخن جميعا ندفع الثمن وليس يدفعه طرف واحد

يعتقد يوسف ندا ان خلطا كثيرا جدا قد وُظف فيما يدعى تيار المعلومات وأن الحكومات الغربية قد تم تغذيتها بتقارير دعائية كاذبة لقد كُتبت مواد كثيرة كي يتم تضليل صانعي القرار وكررت عليهم مرات ومرات بالتأكيد إن الشبكة المعلوماتية – الانترنت – بمثابة المرض المعدي في مجال الاستهانة بالأفكار ولا يوجد ترياق له حتى الان اصحاب السلطة وصناع الملوك يقرءون ملخصات فقط فليس لديهم الوقت وفى بعض الاوقات ليس لديهم حتى الرغبة للدخول في التفاصيل تشبه هذه الحالة ما ورد في مآسي شكسبير فهي تحاكى قصة " ياغو وعطيل " فهدف المؤامرة القضاء على عطيل

اولئك المقربون من آذانهم يتلاعبون بهم على حد قول يوسف ندا انهم يستمعون الى طرف واحد ولا يستمعون الى طرف آخر إن تسعين بالمئة مما كتب عن الإخوان المسلمين ليس صحيحا ولا يقود هذا إلا الى اثارة الاستياء والاضطرابات

عندما اراد الشيوعيون دعم العرب دافعوا عنا واصبحنا نتبع اليسار وعندما اراد الاخرون دعمنا اصبحنا نتبع اليمين ثم بدأ اليمين يهاجم الاسلام فقفز علينا اليسار إن من يكرهوننا يتقلبون يمينا تارة ويسارا تارة اخرى من اجل السياسة طبعا وليس الدين وبالتأكيد ليس من اجل السلام لدىَ كتب تنص على ان المسلمين لديهم أُمتان : إما أن تكون دار سلام وإما دار حرب هذا غير صحيح ولكنه موجود في بعض كتب الدين

انهم يقولون ان المسلمين يريدون ان يجتاحوا غير المسلمين باسم الاسلام ويغيروا دينهم أو يخرجوهم من بلادهم الاسلام عكس ذلك ولكن بعض الكتب تصر على هذه التهمة بشكل نمطى ومبتذل فيأخذ نه بعض الناس كحقيقة هذه احدى مشاكل الإخوان المسلمين أي انهم يحاولون إزالة كل النفايات التى تلوث الاسلام يعتقد يعض الجاهلين بالدين أن تلك النفايات هى الدين وليست آراء أولئك المنحرفين وقد رد راشد الغنوشي على هذا القول بأن الاسلام يقسم العالم الى دار إسلام ودار دعوة وليس دار حرب

لدى هنا كُتب طبعت بمصر في عام 1905 حول الاسلام وحول المرأة في الاسلام إنه غير قابل للتصديق فهم يأخذون سيفا ويقتلون نه باسم الاسلام تعليمنا منذ البداية يتركز حول ما قال الله عز وجل وحول ما فسره الرسول صلى الله عليه وسلم نعتقد اننا لا نستطيع تغيير هذا فهى تُملى علينا ما قاله الله عز وجل ونحن كرجال دين او سياسيين ليس بوسعنا التدخل لتغير النص الإلهى فنقول قال الله عز وجل هذا او ذاك او قصد هذا او ذاك

إننا لا نستطيع ان نبدل كلمات الله عز وجل ولا ان نفسر كلام الله عز وجل لنبرر افعالنا إن مشكلة بن لادن ورجال العنف قد نشأت من ذلك حتى وإن كانت نياتهم خالصة ولكن اعمالهم وعقولهم التى انحرفت قادتهم الى القتل العشوائى الذى ذهب ضحيته كثير من الابرياء منهم كثير من المسلمين لقد كتبت مقالة في صحيفة مصرية وكنت واضحا تماما في هذا الشأن ليس بوسعك تصور ردة الفعل

بشكل طبيعى يفهم اخواننا ما قلت وجميعهم يؤيدون رأيى ام الاخرون فكم هاجمونى لقد قالوا إننى لست مسلما حقيقيا وإننى خرجت عن الدين تؤمن بعض الطوائف بضرب وجلد انفسهم لاجل دينهم لا دين يقبل ذلك باسم الله عز وجل ان واجبنا ان نخفف مناخ الكراهية ونطفىء نار الكراهية والخوف لان منهما انبعثت مشاكل كثيرة يعاملنى الجميع معاملة حسنة ان كان مسيحيا او يهوديا او السيخى او البوذى او من لم يكن له أي علاقة بأى دين وانا اعامل الناس معاملة حسنة فهم يبادلونى الشىء ذاته حيثما ذهبت ان ردود الفعل التى تصلنى على ما يجرى في هذه الايام توضح ان هناك من يحاولون تضخيم التطرف

انهم يهاجمون الاسلام لانه الاسلام كى يمنعوا الناس من مجرد ممارسة دينهم تبدأ ردود الفعل بأشياء صغيرة هنا ثم ما تلبث أن تُصدر إلى هناك هناك نار تستعر في كل مكان فهى ساخنة وليست حربا باردة ان لهيب الكراهية مستشر وما يرد على شاشة التلفاز وفى الصحف قصص حول التطرف ورجم النساء وشنق الناس لا رتكابهم المعاصى والمسلمون يريدون اجتياح اوربا وهم يحذرون من ان اوربا ستصبح بعد خمسين عامة قارة اسلامية

سالنى بعض الزائرين : لماذا تفعلون هذه الاشياء : أستطيع أن أفهم لماذا يسألون فعلى الانترنت يمكن لمثال واحد أن يشهده مليون شخص في دقيقة او دقيقتين إلا ان اولئك المليون يقرءون تلك الرواية دون الروايات الاخرى مما يجعل الصبر مهما يمكن تغيير وجهات النظر ولكن فقط عبر الوقت المسلمون موجودون في الغرب وسيظلون في الغرب سواء أرادهم الاخرون أم لم يريدوهم إنهم هناك وسيظلون هناك لقد خلق العالم لا جل البشرية وليس لا جل خاصة من الناس ليقيموا في اماكن خاصة بهم نعم

سيكون هناك اناس يتابعون محاولاتهم كى يوجدوا الخوف والكراهية بين الناس غير ان الناس قد تداخلوا فيما بينهم كثيرا فما عاد منع مجموعة من الناس من التواصل مع مجموعة اخرى ممكنا وستظل الشعوب تنتقل من مكان الى آخره سينتقل الغرب الى البلاد الاسلامية والسود سينتقلون الى بلاد البيض وسينتقل البيض من مناطقهم الى اماكن أخرى فمن السهل التنقل في عالمنا هذه الايام ولا يستطيع المسلمون أن يقولوا للقادمين من الخارج يجب عليكم العيش في بلادنا وفق طريقة تفكيرنا ومن خلال وجهة نظر ديننا لا يستطيعون قول ذلك

الشىء ذاته ينطبق على الغرب اذ لا يستطيع اهل الغرب ان يقولوا للمسلمين : يجب عليكم العيش بطريقتنا هذا خطأ ولا يمكن تطبيقه فاللغات ويجب عليك ان تستخدم لغتهم زار احد اعضاء الكونجرس الامريكى مصر حيث قابل القنصل الامريكى بالقاهرة فاصطحبه الى المقهى وطلب القنصل ما يريدانه باللغة الانجليزي وعندما عاد عضو الكونجرس الى واشنطن كتب عن القنصل متسائلا : كيف لهذا الرجل أن يزودنا بالمعلومات الصحيحة التى تستند اليها سياستنا حين لا يعرف لغة الناس ؟! كيف يستطيع أم يفهمهم

يجب عليك ان تعرف قوانين المكان الذى تعيش فيه وان تلتزم بها وهذا اهم من اللغة اذا كان المرء لا يعرف اللغة التى تُينه على العيش بين الاخرين فسيدفع هو الثمن وليس الاخرون اما اذا لم يعرف قوانين المكان الذى يعيش فيه فالآخرون سيدفعون الثمن معه ولن يدفعه وحده كل شخص مختلف عن الاخر لماذا يريد البعض ان يكون الناس نسخا من الاخرين

اذا ما تحدثنا عن الواننا البشرية وليس عن ديننا وإذا ما نظرنا الى التاريخ والجغرافية لوجدنا السود الذين ولدوا في افريقيا لون بشرتهم شديد السواد في الامريكتين يوجد لون اخر وفى الشرق الاوسط لون ثالث مهما كان السبب ومهما اختلفت درجات اللون او تماثلت فإن لونهم قد انتشر في العالم بأسره إنهم هناك اختلفت درجات اللون او تماثلت فإن لونهم قد انتشر في العالم بأسره إنهم هناك من زمن العبودية او قد وصلوا عن طريق التجارة او قد تم غزوهم او ان الاستعمار غزا بلادهم فقد انتشرت جميع الالوان في كل مكان حتى اصبحت تجد خليطا في مكان واحد

تنقل ابناء الشعوب المختلفة وتستمر حركتهم ولا يستطيع احد ايقافها ولكن عندما يخرج احد عن الخط لا يجب ان ندين كل المجموعة التى خرج منها اذ لا ينبغى لنا الاعتقاد انهم مثل بعض او مستنسخون او ان كل مسلم هو بن لادن او ايمن الظواهرى او قاتل اننا جميعا سواسية وكلنا بشر لا تستطيع ادانة مجتمع بأسره لمجرد ان احد افراده احمق او ارهابى ناتى الان الى النقطة الرئيسية

ألا وهى صمام امان البشرية انها العدالة عندما يرتكب احد جريمة إنه يرتكبها بمفرده ولا يشاركه الذين يعيشون معه ولا المجتمع الذى ينتمى اليه انها من طبيعة السياسة ان يهاجم الدين ولا سباب دينية يتم الهجوم على الاقتصاد ولا سباب اقتصادية يتم الهجوم على السياسة بهذه الطريقة تجرى الامور ويجب علينا جميعا ان ندرك تلك الحقيقة

كان لى صديق مدير مصرف من النمسا وعاصر الحقبة التى اضطهد فيها اليهود في النمسا وألمانيا لقد قص على كثيرا من الاحداث كيف يمكن تبرير معاملة الحكومة لبعض مواطنيها على نحو يختلف عن تعاملها مع سائر المواطنين بسبب الدين ؟ بأى حق يفرض على الرجل ان يضع على صدره نجمة صفراء اللون او علامة على منزلة او متجره ليعلم الناس انه يهودى ؟ كيف استطاعت الحكومة ان تحشد الناس كى يمارسوا مثل هذا السلوك ؟ أي مجتمع هذا وهو يدعى العدالة ؟ في التاريخ القريب فقط نشبت حرب بين المسيحيين فالخوف والكراهية يمكن لهما ان يخلقا كل شيء

لم تكن الحرب العالمية الثانية سهلة فلقد قتل اربعون مليون نسمة هل تعلمنا منها أي درس ؟ اصغ الى هناك درس واحد فقط يجب ان نتجنب دائما الحرب ولكن هل سنتعلم ؟ ان التمييز العنصرى والكراهية والخوف سيعمون في يوم ما وستندلع عنده الحرب نعم إنه المبدأ ذاته انتهوا من اليهود ثم تحولوا الى المسلمين المرة القادمة ستكون امريكا واوربا ثم الشرق والغرب ثم المسلمون والمسيحيون

لا يوجد عقلاء يفكرون بهذه الطريقة بل يوجد فقط اولئك الذين يخلقون الكراهية والخوف والناس يتبعونهم لقد تبع الناس في المانيا هتلر ان التعليم مهم جدا لكل قائد في كل مكان وليس التعليم الاعتيادى بل السلام والتسامح في القرآن الكريم يتحدث الله عز وجل عن الجنس البشرى كأبناء آدم مما يعنى أننا جميعا أسرة واحدة تنحدر من اب واحد والجميع فيها إخوة وأخوات

لا استطيع ان اضع حياتى واسرتى ومستقبلى بين يدى احد لا يفهم كل هذه الاشياء وأنا مُغمض العينين فالسياسة تأتى بأى شخص من أى مكان هم يتحدثون عن الغزو وأن الاسلام قد جاء يحد السيف وان الاسلام يريد فرض ذاته على الغرب إلا أنك لو درست القرآن الكريم الذى ينبغى على المسلمين اتباعه لو جدته يُرّم فرض الاسلام على أى أحد بالقوة

لا يعرف الناس هذا إلا انه وارد في القرآن ليس مرة فحسب بل مرات عديدة ومع ذلك فإنك تسمع التحذير في كل مكان حتى من البابا وهل على المسيحيين ان يصغوا الى البابا او المسلمين ؟! فعندما يقولها البابا سيتبعونه بطبيعة الحال ولكن عندما يقول المسلمون ان هذا محرم في ديننا هل سيصدق البابا ذلك

ان الاعلام اقوى من أي سلطة اخرى على وجه الارض اين المثقفون ؟ وأين الاكاديميون ؟ من هم الإخوان المسلمون ؟ يجب ان يشرح هذا حتى يتلاشى الخوف لم يعد ثمة مبرر لهذا الخوف اين الخداع ؟ هل هو من جماعة الإخوان المسلمين ؟ ام من اولئك الذين يستخدمون السياسة في الدين كى يصنعوا الخوف ؟ من هو المخادع ؟ مرة اخرى يجب ان يتم التركيز على العدالة وحدها

قال يوسف ندا انه ذُهل عندما سمع ما قاله براك اوباما قبل انتخابه رئيسا للولايات المتحدة الامريكية باسبوع واحد فقد قال انه كان ضد الانتخابات في فلسطين واضاف يوسف مندهشا بينما كان يشارك في انتخابات الولايات المتحدة الامريكية كى يكون رئيسا عليها يقف ضد الانتخابات في فلسطين وفى الوقت ذاته يقول ان الانتخابات امر اساسى بالنسبة للديمقراطية

يجب على الناس اختيار الشخص او المجموعة التى يريدونها حتى لو انتخبوا الشيطان يجب قبول ذلك ليس الخطأ خطأ الديمقراطية ولكنه خطأ المنتخبين اذا كنت تنتشر الديمقراطية وتدافع عنها فعليك ان تقبل النتيجة التى تحصل عليها هل تريد عبد الناصر السادات حسني مبارك ام تريد مصر ؟ وإذا خرج عبد الناصر السادات حسني مبارك عن الخط فعمن عساك تدافع ؟ اما ان تدافع عن انحرافتهم وإما أن تترك الناس يختارون شخصا اخر وماذا اذا اختاروا احدا لا تحبه ؟

ان إقصاء جماعة الإخوان المسلمين او أي جماعة تسعى ليصل صوتها الى الناس لن ينتج شيئا يبقى في الارض او يستمر ومنذ زمن العبودية والبعض يرتكبون باسم الدين والديمقراطية ما لا يتصوره العقل ما عساك تتوقع من عبد بائس ؟ ان يحبك ؟ ان يحب بلده ؟ ان يحب الحكومة ؟ ان يتبع القانون ؟ اذا كان قويا فسيحارب من اجل العدالة وان لم يكن قويا فهذا يعنى ان يبقى عبدا هل تنتظر شيئا من عبد ؟ انك لا تستطيع الاستحواذ على فلبه

هذا مايجرى الان تماما ضد المسلمين تماما ما يجرى لمجرد ان اسم احد الاشخاص محمد او محمود فهم ينظرون الى الاسم الوارد في جواز السفر فيعاملونه وفقا له هذا لن ينقص عدد المسلمين ولن يمنع المسلمين من ان يكونوا مسلمين فمثل هذا لم يمنع اليهود من ان يكونوا يهودا

في 28 من فبراير من عام 2012 اخبر النائب العام الامريكى "إيريك هولدر" الكونجرس الامريكى ان وزارة العدل تفكر في اعادة تقييم انتهاكات الحقوق المدنية المرتكبة من قبل هيئة شرطة نيويورك فيما يتعلق بمراقبة جميع احياء المسلمين الامريكيين رغم ورود تقارير كثيرة تدل على ان هيئة شرطة نيويورك كانت تقوم ببرامج سرية تم إنشاؤها بمساعدة وكالة الاستخبارات الامريكية لمراقبة المسلمين الا ان النائب العام لم يجد أي ضرورة مُلحة لا عادة التقييم

لقد انشات السلطات الامريكية قاعدة بيانات توضح اين يعيش المسلمون ومن اين يشترون موادهم الغذائية واى مقاهى الانترنت يستخدمون واين يشاهدون الالعاب الرياضية لقد تم التغلغل داخل عشرات المساجد والمجموعات الطلابية فأنشأت الشرطة ملفات شخصية مفصلة لمغاربة ومصريين والبان وجماعات عرفية محلية اخرى لقد امتدت عمليات فسم شرطة نيويورك الى خارج مدينة نيويورك لتشمل نيوجيرسى ولونغ ايلاند والى كليات في شمال شرق امريكا لقد أُبلغ طلاب مسلمون من جميع انحاء البلاد عن انهم يلاحقون خلسة في الحرم الجامعى

ويرى يوسف ندا في هذا اثباتا لحجته وان امثال هذه التصرفات تقود الى المشاكل الطبيب العسكرى المسلم في فورت هود في تكساس في يوليو 2009 الذى قتل زملاءه العسكريين لم يكن ارهابيا فهو لم يتبع للقاعدة ولا لحماس لقد كان فردا وراى شيئا يتعلق بالتعاون بالتعامل مع عرقه او دينه او اصله فلم يقبل ذلك ثم اصبح مجنونا وبدأ يتحول الى مجرم ثم قاتل اكرر القول ولكن لسبب محدد : إذا ما ارتكب الفعل فردا او مجموعة او طائفة فعليك ان تذهب الى اصل المشكلة انه افتقاد العدالة

برأيى أن سبب وجود الاديان هو تقويم السلوك البشرى وهناك اشياء كثيرة تشترك فيها الاديان ولكنك تعود الى العدالة عندما تمس الانسانية لدى انسان فإنها ستستيقظ حتى لو كانت ميتة او حتى لو كانت في سبات عندما يتحدث العالم حول الربيع العربى ويسألأ ماذا بعد ؟ الجواب هو : أمل الانسانية

نحتاج لكرة الكريستال كى نرى خلالها مستقبل كل من مصر وليبيا وتونس وسوريا والعالم كله إلا أن الامل يبقى في الانسانية ما يجب أن يكون مهما هو الناس وليس السياسيين كما قلت مرات كثيرة ربما لا تكون الديمقراطية كاملة ولكن تبقى اكثر الاشياء كمالا لدينا الان الا انك لا تستطيع ان تزرع السلام في وقت بينما تجلب الكراهية من وقت الى اخر يجب علينا ان يفهم بعضنا بعضا

الفصل التاسع:حوار خطير

"نحن نعيش على ما نكسبه لكننا نصنع الحياة بما نعطيه" ونستون تشرشل 1937

في اليمن الفهم ليس اولوية فحسب بل انه ضرورة قد اوجبها عليه جيرانه ورعوها اكثر مما اوجبها اليمن على نفسه او رعاها واذا كنت في المملكة العربية السعودية واتجهت الى الجنوب الغربى نحو الركن الاقصى من شبه الجزيرة العربية الذى يحده البحر الاحمر من الغرب وسلطنة عُمان من الشرق فسوف تجد نفسك في هذه الدولة الصغيرة التى ابتُلى شعبها بالفقر والارهاب والحركات الانفصالية

اليمن السعيد هكذا سماه الرومان لكنه اسم فقد مدلوله منذ زمن طويل وحتى مضغ الفات لم يعد يجلب لسطانه السرور الوقتى الذى كانوا يشعرون نه في ساعات التخزين اليومية عند ممارستهم لهذه العادة القومية ورغم ذلك ما زال الاخرون يهتمون باليمن لكونه مدخلا جغرافيا الى اسيا ذا امكانات بترولية واعدة فى بدايات عام 2011 شهد اليمن احتجاجات تشبه ما حدث في مصر وتونس وتناهض حكومة الرئيس على عبد الله صالح الذى تغلب على موجات من المعرضة والسخط طوال حكمه الممتد منذ عام 1978 كان صالح رئيسا للجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالى) حتى عام 1990 عندما توحد اليمن شماله وجنوبه فأصبح رئيسا لليمن الموحد

يوسف ندا لديه تاريخه الخاص مع اليمن ومع رئيس على عبد الله صالح الذى اطيح نه في نهاية 2011 فقد ساعد في حل النزاعات اليمنية كما قام بدور في تعزيز العلاقات اليمنية السعودية بما كانت لديه من صلات بالملك فهد

والاحتكاك بين اليمن والسعودية كان يدور دائما حول الحدود حول الارض وبالطبع حول ما يقع او يسيل تحتها في عام 1934 وقع حاكما الدولتين اتفاقية الطائف التي نادت بسلام دائم بينهما بيد ان إغراء البترول واهوال الحرب الاهلية وتدخل المملكة العربية السعودية الحديثة النشأة في الشئون اليمنية اسفرت جميعها عن صراع داخلي دائم

انشأت اتفاقية الطائف الحدود المشتركة بين الدولتين غير ان الحروب الداخلية في اليمن صعدت من نزاعها مع الجارة الشمالية كانت الحرب الاهلية اليمنية شديدة القسوة ومدمرة بالنسبة لليمن الجنوبي وفى خاتمة المطاف اصبحت الوحدة مع الشمال هي الحل الصعب لكنه الوحيد للخروج من الازمة وفى اثناء حرب الخليج ايدت جمهورية اليمن صدام حسين ووقفت بذلك في الجانب المعاكس للملكة العربية السعودية

اما السعوديون بدورهم فقد قاموا بمساعدة المتمردين في جنوب اليمن مما نتج عنه مزيد من الصعاب والحرب الاهلية في عام 1994 وفى العام التالي اعيد احياء اتفاقية الطائف بشكل رسمي مع اعادة ترسيم الجزء الغربي من الحدود اليمنية السعودية ووضع اطار لتسوية الجزء الشرقي المتنازع عليه من تلك الحدود وساد السلام لكنه لم يدم طويلا وبينما كان اليمن يحقق تقدما في التوافق السعودية كان يوسف ندا يتعامل مع مشكلة اخرى

واجهت اليمن آنذاك اريتريا احدى دول القرن الأفريقي تحيط بها كل من السودان والحبشة وجيبوتى وتقع قبالة اليمن والسعودية تحديدا ويفصلها عنهما البحر الاحمر في اضيق اجزائه وفى هذا الشريط المائى الفاصل تقع جزر حنيش وجبل سقر التى تتنازع الدول المحيطة حول ملكيتها وقد ساهم في تفجير النزاع حولها عدد من الامور من بينها اتهامات بنشاط لعملاء الاستخبارات السعودية ولسوريين متهمين بالارهاب واعمال للاستخبارات الاسرائيلية

وفى عام 1995 وبموافقة من اليمن بدات شركة المانية العمل في انشاء مجمع فندقى ومركز للغطس تحت الماء في جزيرة حنيش الكبرى وانتقل جيش صغير من العمال قوامه مائتا رجل من اليمن الى الجزيرة واصاب الحكام الاريتريين الذعر فأمروا اليمنيين بالمغادرة خلال شهر واحد – وإلا ... عندما انقضت مهلة الانذار الاريترى ولم تنسحب القوات اليمنية او المدنيون استخدمت اريتريا الطائرات وكل مالديها من قوارب صالحة للابحار بما فيها قوارب الصيد واتخذوا من احدى العبارات سفينة قيادة تحمل قوات لا نزالها على الجزر

هاجمت القوات الاريترية القوة اليمنية واستولت على الجزيرة بأكملها بعد قتال دام ثلاثة ايام وزُعم ان ضباطا اسرائيليين قد ساعدوا في عملية الغزو وفى اثناء القتال دمرت نيران المدفعية الاريترية سفينة تجارية سوفيتية بعد ان ظن الارتريون انها سفينة حربية يمنية جرت هذه الاحداث بينما كان خطر اندلاع الحرب الاهلية من جديد مازال قائما كانت ورطة

وقام يوسف ندا بعمل تاريخى في هذه الازمة وساعده في ذلك ممثل الامم المتحدة المتميز " جياندومينيكوبيكو " الذى اصبح صديقا ليوسف بعدها واشترك الصديقان معا في تأليف كتاب خول هذا النزاع بعنوان " الوضع السياسى للبحر الاحمر " كان بيكو سكرتيرا سياسيا لمساعد الامين العام للامم المتحدة

وقد قام بدور فعال في مهمة اطلاق سراح الرهائن الغربيين في لبنان كما قام بدور لا يقل اهمية في المفاوضات التى انهت الحرب العراقية الايرانية وقام بيكو كذلك بتمثيل الامين العام للامم المتحدة في مفاوضات اتفاق جنيف 1998 حول أفغانستان وفى التحكيم بين فرنسا ونيوزيلاند في قضية اغراق الفرنسيين السفينة " رنبو وارير "

كان الإخوان المسلمون مشتغلين دائما – اما بشكل مباشر واما من وراء ستار – في مشكلات اليمن الطويله والمستمرة والتى ما زالت متواصلة في العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين اتصل اخوان اليمن بيوسف ندا وبذل يوسف كل ما في مساعدتهم لان أي بلد مسلم حسبما يقول " هى بلد مسلم وهذا احد مبادىء الإخوان المسلمين "

اجرى ندا وفريقه دراسة مكثفة حول القضية مستخدمين الخرائط والوثائق التاريخية والمراسلات القديمة مع المفوضية السامية البريطانية ووزارة الحربية الايطالية في روما ووثائق قيمة ذات صلة من متحف استانبول

وقال يوسف " وعن طريق اتصالاتنا حصلنا على صور جوية ووثائق من البنتاجون كما ساعدنى كثير من الاشخاص من منظمة الامم المتحدة للوصول الى مواد لم تعرف حكومة اليمن كيف تصل اليها وقد كلفنى ذلك عشرات الالوف من الدولارات لكننى كنت سعيدا ان انفق هذا المال للوصول الى الحقيقة اطلعت على كافة التفاصيل وتتبعت كل المعلومات التى تمكنا من جمعها ثم قدمنا ملفا ضخما للريس صالح وكانت هذه المعلومات هى ما يحتاجونه للحصول على حقوقهم

احتوى ذلك الملف على وثائق حساسة وفاصلة تم التثبت منها جميعا على مستوى حكومى عال مما احرز لليمن الملكية التامة للجزر بحكم اصدرته المحكمة الدولية الدائمة للتحكيم في لاهاى استطاع يوسف ندا بما له من ارتباطات سابقة مع الحكام السعوديين ان يتعامل مع ممثل الملك فهد ويتعامل مباشرة مع الرئيس اليمنى على عبد الله صالح كما التقى بزعيم الإخوان اليمنيين ياسين عبد العزيز لمدة ساعتين في مطار " هيثرو " بلندن ثم ركب الطائرة من هناك عائدا ليجرى محادثات مع ممثلى الملك فهد

وعن هذا يقول يوسف ندا أوضحت المخاوف من ان نشوب حرب اخرى سوف يدمر اليمن وتحدثت الى السعوديين كما لو كنت اصارح نفسى مقدما لهم اقتراحات لم يرغبوا في الحديث مع الرئيس اليمنى مباشرة لكنهم وافقوا ان ذلك واجب على فرتب الرجل الصالح والسياسى الصامت محمد اليدومى اجتماعا مع الرئيس صالح في بيته وكنت لم التق به من قبل

ذكرت الراى القاتل بأن الوضع بين السعوديين واليمنيين حرج للغاية وقد يتفجر في أي وقت متسببا في عواقب وخيمة وقلت للرئيس اليمنى : لقد ابتليتم بلاء حسنا في الحرب في اليمن الجنوبى وان الوقت مناسب الان لا جراء مناقشات بينما انت في وضع قوى وللاهمية القصوى اوضحت ان لدى فرصة للجمع بينه وبين السعوديين لا يجاد حل

فأخبرنى انه طول حياته كان مستعدا على الدوام للاستماع للاخرين وانه لم يرغب في معاداة احد على الرغم من طرد اليمنيين عقب حرب الخليجوانه سوف يجتمع بأى إنسان لحل أي نزاع قد ينشأ في المستقبل ورتبنا لاجراء المفاوضات وكانت المشكلة الاساسية هى الحدود التى قررتها اتفاقية الطائف كانت خطوطها غير واضحة وطالب السعوديون بإنشاء ممر يصل بين اراضيهم والبحر الواقع جنوب شبه الجزيرة (بحر العرب)

وهذا الممر يمتد من المملكة السعودية الى بحر العرب مارا بين كل من اليمن وعمان وكانت عُمان قد وقعت اتفاقا سريعا مع اليمن لترسيم الحدود بينهما مما ازعج السعوديين – الذين كانوا غاضبين جدا – لمنعم من الوصول الى بحر العرب ويضيف يوسف ندا موضحا لن تجد في العالم العربى كثيرا من المشتغليين بالسياسة او رجال الاعمال ممن يفهمون كل هذه المشكلات المعقدة ربما يعلم العاملون في وزارات الخارجية اجزاء منها تتعلق ببلد كلمنهم لكنهم لا يعملون التفاصيل التى تشمل البلاد الاخرى

كان السعوديون يضغطون وجاءت رسالة من الملك فهد تقول: نحن يجب ان تحصل على ممر الى بحر العرب حتى ولو أجروه لنا لفترة زمنية طويلة ليست المسألة بعيدة بين اراضى المملكة وبين بحر العرب ففى الجنوب والجنوب الغربى نجد اليمن بأكمله ومن الناحية الجنوبية الغربية صحراء الربع الخالى التى تطفو فوق بحر من البترول الذى لم يمس حتى الان ومرة اخرى اجرى يوسف ندا دراسة عميقة جيوسياسية وتاريخية معززة بالوثائق والخرائط والمراسلات والاتفاقات واعطاها محمد اليدومى لعبد الله الاحمر ليقدمها لعلى عبد صالح الذى استعملها في المفاوضات الطويلة لكنها نجحت في تلاقى الصراع المسلح وحافظت على مصالح اليمن

وقد اجتمع الرئيس على عبد الله صالح مع يوسف ندا وشكره وبعد ذلك التقى الرئيس مع مسئول الإخوان في اليمن محمد اليدومى وفى حديث خاص دار بينهما سأله الرئيس : ما هى مطالب السيد يوسف ندا ؟ وعندما نقل ذلك الى يوسف اجاب قائلا : هذه هدية من الإخوان المسلمين

ان مصالح البلاد والعباد كانت على الدوام الشاغل الاساسى للاخوان ولكن هذا ينفصل عن نشاطى في العالم الاعمال اراد الإخوان في اليمن انشاء مصرف اسلامى وان يعطوا لبنك التقوى خمسة في المئة من الاسهم ندفع قيمتها في نظير مشورتنا المبنية على خبرتنا ورفضت أن أفعل ذلك لم أشأ أن أوجد علاقة مالية لنفسى تلقاء الوساطة التى قُمت بها بتكليف من الإخوان المسلمين فإنها كانت في سبيل الله

وبالنسبة لمن في عالم يبدو جميع من فيه يسعون الى الربح بأى ثمن ويعتبرون مقايضة المرء بضميره صفقة ان الحكومات تتعامل مع الشيطان وتراث ذلك اعظم ما يكون في الشرق الاوسط ان معظم القذافى وبعض الطغاة امثاله لم يستمروا في السلطة لسنوات طويلة بفضل دهائهم او عملهم ولكن بسياساتهم المحبة للعنف واستعمال مال الدولة في اغراض ملتوية واجرامية

كانت المسألة سهلة أي شخص او مجموعة تعارضه هم من الارهابيين وأى مجموعة تريد ان تأخذ منه سلطنه كانوا ينوون خلق قلاع جهادية على السواحل الجنوبية والشرقية للبحر المتوسط وتقبلت واشنطن ولندن وباريس وبرلين هذا الخطاب – وكانت الرسالة من ورائه انه من الافضل ان تتعامل مع الطاغية او الشيطان الذى تعرفه

كانت اللعبة وحشية كما كشفها رحيل نظام القذافى عن ليبيا: لقد عُذب الشعب وأقيمت له المجازر واستُنزفت ثرواته وتسربت ثروات لا تحصى من قصور محصنة الى حسابات مصرفية ذات ارقام سرية وتمكنت اسرة الدكتاتور من الفرار الى الجزائر المجاورة ليكون ذلك عاملا مساعدا على مزيد من عدم الاستقرار الدولى والجدل اكثر من كونه عملا انسانيا والضوضاء التى يُحدثها المتنبئون بثورة اسلامية – ويُعتبرون عنها بالاكتساح الاسلامى – يشيرون دوما الى ما حدث في ايران عام 1997 اما وجهة النظر الاخرى فتستشهد بتركيا الحديثة الحديثة في العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين لكن هناك ضغوطا مستمرة على حكم رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان

ويدعو يوسف ندا دائما الى التسامح والتوازن والوساطة لحل النزاعات (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا) هذا ما نص عليه القرآن ولذا (ومن أحيها فكأنما أحيا الناس جميعا)

الا ان طيبة القلب وصفاء العقل لا تمنعانك من ان تصبح مُستهدفا فبعد الحادى عشر من سبتمبر عندما بدأ الرئيس " جورج دبليو بوش " | حملته الصليبية " اراد ان يحدد هدفا يجعله نصب عينيه فكان يوسف ندا في المركز من لوحة التصويب لقد قالها بنفسه وسمعها وشاهدها بلايين من المسلمين وغير المسلمين قال بالنص : إنها حرب صليبية وقال أيضا : إن بنك التقوى هو بنك الارهاب وإنه سيُجوّع القائمين عليه وكان ذلك يوم 7 من نوفمبر 2001

واعطى اوامره بتجميد اصولنا وممتلكاتنا وحساباتنا البنكية ومنعنا من السفر ومنع دول العالم من السماح لنا بدخول اراضيها او المرور منها وأطاعه العالم واستعنا بالله وكان جل وعلا حسبنا وهو الاعلى (أليس الله بكاف عبده)

الكتاب الثانى:مالا يُعقَل

"يستشهد الشيطان بالكتب المقدسة ليُحققَ أغراضه" وليام شكسبير تاجر البندقية

الفصل العاشر:الدائرة تتحول الى مربع

(وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ•إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ) الشورى 41, 42

في عصر يوم السابع عشر من ديسمبر 2010 كانت جذوة الثورة العربية جاهزة للاشتعال وكما حدث في التاريخ عادة كانت محنة رجل واحد سببا في تداعى ما أعقبها من احداث تتابعت فى الشرق الاوسط وشمال افريقيا فيما يشبه سقوط مئات من قطع الدومينو المصطفة معا لمجرد سقوط اولها

ازادادت وطأة القهر على محمد بو عزيزى الشاب ذى الستة والعشرين ربيعا الذى كان يعمل بائعا متجولا للفواكه والخضر ويجر عربته المُحملة بها فى شوارع بلدته سيدى بو زيد التى يكتنفها الفقر وتقع على مسافة مئتى ميل جنوب العاصمة التونسية كانت الشرطة تتحرش به بانتظام فى معظم الايام على الاغلب لتحصُل منه على رسوم او أتوات او رشاوى ونتيجة لأسلوب الوشايات الناجم عن الفساد الاخلاقى المتوطن فى تلك الجمعة من ديسمبر

صادرت إحدى الشرطيات من محمد بوعزيزى بضاعته الميزان التى يزن بها لزبائنه مقوضة بذلك تجارته تفويضا تاما وعندما اعترض على ذلك صفعته على وجهه فاتجه الى مبنى المجلس البلدى ليشكو ما أصابه لكنه لم يتلق هناك مساعدة او مجرد الاهتمام به كإنسان فما كان من البوعزيزي الا ان وقف عند البوابات الحديدية الواقعة امام مكاتب العاصمة الجهوية (المحلية) ورش جسده بمذيب كيميائي للأصباغ وأشعل فى نفسه النار فكانت الثورة

لقد ولد الموت المأساوي لفرد واحد حراكا لم يصنعه موت الكثيرين من قبل وفى الذكرى السنوية لانتحار البوعزيزى اليائس قالت امه واخته ان الكرامة اهم من لقمة العيش ورغم ذلك فإن العجز حتى عن شراء الخبز وغياب القانون عن عالم الاعمال جعل ملايين وملايين من العرب يعيشون حياة البوعزيزى فالأمر إذن مرده الى الاقتصاد : لم يستطع البوعزيزى ان يكسب عيشه بسبب الفساد الصغير فى البيروقراطية وضد هذا قد يتحد الفقراء كما يتحدون ايضا فى مواجهة المجموعة المرتشية من الحكام المستبدين المتلبسين بالفساد الاكبر وسرقة بلايين الدولارات

ولهذا فإن البوعزيزى لم يكن اول الشهداء الذين واجهوا الفساد فى الكفاح ضد الحكام المستبدين ولن يكون آخرهم فألوف وألوف كثيرة وهبوا حياتهم وفى مطلع عام 2012 نشرت الامم المتحدة قائمة بالمتوفين فى الاضطرابات الوقعة فى اثنى عشر شهرا مضت هذه الارقام متحفظة بالمقارنة بالتقديرات غير الرسمية ومع ذلك فهى ترسم صورة مؤلمة فالأرقام تتراوح بين 15 ألف ضحية فى ليبيا الى عشرات الالوف فى المأساة المتفاقمة فى سوريا وبضعة ألاف فى اليمن والبحرين ومصر

وأعداد المصابين فى القاهرة مذهلة عظام كُسرت ورءوس سُحقت وأمخاخ وأجساد شُوهت وفير ذلك كثير وبعد ان تخلص محمد البوعزيزى من حياته البائسة بعام كامل كانت الشرطة العسكرية تستعمل الهراوى عليهم المكهربة والعصى فى تفريق المعتصمين فى ميدان التحرير بالقاهرة تنهال عليهم بالضرب وتُشعل النيران فى خيامهم رأينا بالركلات

ويدوسون عليها بالاحذية قبل ان يسحلوها على طول الطريق وهى شبه عارية كانت هذه الصور صادمة ومفزعة وأشدها ما افزع الكثيرين وأشعرهم بالخجل كان العدوان المتعمد على كرامتها وبينهما هم يسحبونها على الارض تعرى نصفها الاعلى ولم يبق يسترها سوى شاد للصدر ازرق ويبدو ان هذا للانتهاك اصبح رمزا لا تجاه العسكر إزاء الشعب المصرى باعنبارهم سلعا فى اطار خطتهم الكبرى للحكم

ومن جديد كسف بؤس شخص ما المساوىء يُجرى ارتكابها على نطاق اوسع فقد اعقب انتهاك الجنود لحرمة الفتاة غير مسبوقة قامت بها الاف النساء – وشهدت كثيرات منهن بأنهن تعرض للإساءات وإجراء " فخوص الذرية " عليهن وأعلن أحد اللواءات المصريين لمشاهدى التلفزيون الامريكى أن : هؤلاء الفتايات لسن مثل ابنتى أو بناتكم بل إنهن فتيات يقضين الليل فى الشارع فى خيام مع الشباب المحتجين والجيش مضطر للتأكد من عدم عذريتهن لئلا تدعى إحداهن أنه انتهك عرضها

وفى 16 من ديسمبر 2011 أعقبت موجة من العنف والغضب المرحلة الثانية من الانتخابات التشريعية وهى أول انتخابات حرة منذ عقود وذلك عندما اقتحمت الشرطة العسكرية الميدان فى الفجر فقتل ما لايقل عن 14 شخصا وجرح اكثر من 300 فى قتال الشوارع وهو ثمن باهظ لتمرد يرفض الاذعان وبعد 24 ساعة لجأ المحتجون الى الشوارع الجانبية فرارا من القوات المرتدية ملابس مكافحة الشغب التى تدخل الخوف والرهبة فى القلوب والتى كانت تمسك بالمحتجين وانهالت عليهم بالضرب المتكرر حتى بعد سقوطهم على الارض

وقيل لنا ان المرتبطين بالرئيس مبارك المخلوع من داخل الجيش نسقوا عن طريق عملائهم هذا الرد والبشع على المحتجين لم تكن الدوافع وراء الاحداث اليومية واضحة مئة فى المئة فعيناك وآلات التصوير الاخبارية التلفزيونيو تسجل ما نراه من تناقضات لكنها تعجز عن كشف ما يدور فى الخفاء من التحالفات فما تراه ليس دائما ما هو كائن وعدم اليقين هو الشىء الوحيد المُتيقن منه فالشباب الليبراليون والثائرون الذين صفق لهم الخبراء المنظرون فى كافة انحاء العالم قد تعلموا بطريقة قاسية ان المرء باستطاعته اشعال اللهب

ولكنه لا يملك النيران ويكفيك ان تنظر عبر ميدان التحرير والفوضى التى تسوده وتتعجب : ماذا جلبت شهور شهور الربيع العربى المنصرمة الى مصر ؟ تبخرت النشوة التى عمت الميدان لقد اصبحنا نرى حكما عسكريا زمام امروه فى ايدى رجال حريصين على استيفاء استحقاقهم كحرصهم على الظهور بزيهم العسكرى هذا الاستحقاق شجعته امريكا وبإذنها ورضائها ترسخ حتى إنه

وبعد عدة أشهر على رضوخ حسني مبارك أخيرا لإرادة الشعب وتخليه عن منصبه كرئيس للجمهورية قد اصبح الجيش هو المسيطر ما الذى سيطر عليه لم يكن الاقتصاد الذى ازداد ضعفا فأموال مصر ومنافعها وسلعها الغذائية كل ذلك كان يتلاشى بسرعة ومعه تَذوى مصداقيتها والشىء الذى لم يختفيه كان الاعتقالات التعسفيى لمن يعتقد انهم اصحاب الضوضاء الاحتجاجية وظلت المحاكم العسكرية اكثر مؤسسات الدولة إنتاجا فقد مثل امام المحاكم اكثر من عشرة آلاف معتقل

اما هذه الانتفاضة او الثورة الشعبية لملايين الناس الذين احتشدوا للاحتجاج فى ميدان التحرير فى يناير 2011 فقد حل محلها اعتقاد بأن مبارك قد رحل اكن نظامه وتراثه الدكتاتورى قد بقيا وبالقطع ظل فى الحكومة كل من خدم تحت إمرته أو كان من معاونيه لثلاثة عقود وما زالوا يتمسكون بقوة بمزاياهم الهائلة بإمبراطورياتهم الاقتصادية وشبكة النوادى الفاخرة والمساكن والمستشفيات الراقية كلها كانت جزءا من بيئة متميزة مصونة بحماية فائقة كقفص ذهبى غير خاضع لأى رقابة أتقن مبارك سنوات طويلة فى بائه من اجل الابقاء على ضباطه المطيعين سعداء وراضين ليذل بهم شعبه لا ليحمى حدود بلده

اصبحت قناعة العسكريين انهم إذا تخلوا عن السلطة بالكامل فسوف يخسرون الحياة الباذخة التى يعيشونها بل ربما يخسرون حياتهم وكان ذلك على الدوام حافزا قويا يدفعهم الى التشبث بأماكنهم والقتال للاحتفاظ بها وقد احتموا بالانتفاضة الفوضوية الراهنة بعض الشىء واثناء الفوضى الصوتية التى عمت أزقة القاهرة وشوارعها دخل كثير من الغش والتحايل على الاوضاع المرتكبة

وفى السنوات المنصرمة من القرن الحادى والعشرين عاش المصريون فى دولة بوليسية يسيطر عليها قرد واحد يدعمه العسكريون لم يستطع احد منهم التعبير عن رأيه دون خوف من الانتقام ومع هذا القهر ساد انعدام الشفقة والكفاءة بدعم من الدولارات الاجنبية وخلق كل ذاك سنوات طوالا من الاهمال والفساد

وفى 11 من فبراير وبعد ثلاثين عاما أُجبر مبارك على التخلى عن رئاسة مصر وسط ترحيب شعبى وبعض الامتعاض الدولى بدأ احتفال صاخب بالتحرر فى ميدان التحرير وعلى امتداد ضفتى النيل وبدأ كأن النصر تحقق لمستخدمى التواصل الاجتماعى والاسلاميين كما بدا الدكتاتورية هى الخاسر الوحيد

وتبادلت العائلات الاحضان فى الشوارع وانتزع الاطفال من أسرتهم ليشاهدوا مناظر واحداثا لم يسبق لها مثيل ومصر أكبر الدول العربية وأهمها سياسيا وأعمار نصف سكانها الخمسة والثمانين مليونا دون الخامسة والعشرين قد أطاحت إرادة شعبها بالطاغية واخذ ام كلثوم الذى يعشقه المصريون يتردد من تسجيل قديم كمؤثر صوتى يليق بهذه اللحظة التاريخية " أنا الشعب أنا الشعب لا أعرف المستحيل " واصبحت القوات المسلحة من قادتها الى جنودها المشاه جميعهم أبطالا لقد كان ولاؤهم لمصر لا لمبارك – وادعوا أنهم لم يُطلقوا النار على المحتجين

هذه النتيجة وهذه القوة الشعبية كان من الصعب استيعابها حتى من قبل أولئك الذين شاهدوا شروق الشمس على الميدان وأيديهم قابضة على مقشات الكنس لا الأسلحة وجاء اليوم الجديد بواقع فى المعادلة الوطنية غير المتوقعة وكان الوقت مبكرا أمام معظمهم ليدركوا مدى قسوة المعادلة ودرجة تعقيدها الحقيقة بل وهل هى قابلة للحل أساسا

إن التغيير يحتاج الى عناية لأنه قد يمسك بتلابيبك كما تفعل المتاهة بمن يضيع فى دروبها – أشبه بأروقة ودهاليز مجمع التحرير وحركة الاوراق الخاصة بمعاملات المصريون بين مكاتبه فهذا المبنى العتيد فى جنوب الميدان يرتفع عشرين طابقا وتصطف مكاتب الحكومة فى ممراته الموحشة بأبوابها التى يصعب التمييز بينها ويصر الكثيرون فى القاهرة أن اشباح الموتى التى تسكن المجمع اكثر عددا من اشباحهم فى المدافن الكبرى بالعاصمة

لقد ادى اول التحديات بين مبارك وبين من ارادوا التغيير الى وضع العسكر فى الوسط بينهما ومع خُسن ظن الشعب تسلم المجلس الاعلى للقوات المسلحة (ويعرف اختصارا بالمجلس العسكرى) إدارة البلاد وأصبح المشير محمد حسين طنطاوى وزير دفاع مبارك لسنوات طويلة هو الحاكم الفعلى للبلاد وأحدث الفراعنة وإن لم يحمل اللقب ولكن هذه الطغمة العسكرية التى أعادت تشكيل نفسها وعدت بالبقاء فى السلطة لحين انتخاب رئيس جديد للدولة

البيروقراطية ايضا استماتة الجيش فى حماية استقلاله والمحافظة على امتيازاته الهائلة ومضت المحادثات السرية فى سبيلها بينما تكونت احزاب سياسية جديدة او اصلحت احزاب موجودة وانحنت او تلاحمت مع مجموعة جديدة من الاحكام عرفت مصر صناديق الاقتراع والحياة البرلمانية من بعد ثورة 1919 وحتى انقلاب عبد الناصر فى 1952 لكن قليلا هم من يتذكرون عملية التصويت الانتخابية المدهشة لاختيار ممثليهم من بين المرشحين وهكذا ادلى الناخبون بأصواتهم فى اقتراع حر لأول مرة تعيها ذاكرتُهم الحية ودون النتيجة مسبقا والتى كانت صدمة لهم وللنظام

وكانت الحاجة الى دستور جديد تتبعه انتخابات رئاسية وأصر المجلس العسكرى بأعضائه العشرين على أن لا يكون للبرلمان الجديد سلطة على مجلس الوزراء وأن الحكومة المدنية سوف يتم تشكيلها بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية المتوقع إجراؤها فى عام 2013 وتجاهلوا ماتغنَى به الناس فى الميدان " حرية , حرية " ولم يتم الإصلاح وأصبحت قوانين الطوارىء المُستَدفة لكافة صور الاحتجاج من الشوارع الى الانترنت اشد قسوة وأضيفت لها مواد جديدة وسجن النشطاء والمدونون وأصبح استعمال التويتر نوعا من التحدى وتعرضت منظمات المجتمع المدنى لتحقيقات رسمية

وكان رد الفعل مزيجا من الاحباط والقلاقل التى استهدفت فى البداية ما ظهر من فشل المجلس فى ادخال الانتقال السياسى ومع مرور الوقت اصبح ينظر اليه على انه اعتراض من المجلس العسكرى على التغيير وأن أعضاءه قد ظلوا كما كانوا رجال مبارك وتفاقمت الدعوة للتظاهر امام عناد الجيش ونُشرت على الانترنت نصائح بكيفية التغلب على اثر الغازات المسيلة للدموع باستعمال الكوكاكولا لمسح العينين عوضا عن الماء ورش الخل على الكوفيات والكمامات الورقية – وانتهز الباعة المتجولون الفرصة فباعوا أقنعة الحماية من الغاز بجنيهين مصريين للقناع وعلم الخبراء أن أمرا سيئا على وشك الحدوث

احتشد جمع من الاقباط خارج مبنى ماسبيروا مقر التلفيزيون الحكومى فى القاهرة حيث وقع الهجوم عليهم فى 9 من أكتوبر 2011 وقُتل نحو 30 شخصا داست عربات الجيش بعضهم تحت عجلاتها وناشد التلفزيون التابع للدولة " بالمواطنين الشرفاء " ليدعموا القوات المسلحة وظهر البلطجية المعتادون مسلحين بالعصى وزجاجات المولوتوف

بعد صلاة يوم الجمعة 18 من فبراير 2011 اصبح ميدان التحرير بؤرة الاهتمام مرة اخرى وعلى مدى اسبوع تقريبا اشتبك المحتجون مع قوات الامن وسط فرقعات عبوات الغاز المسيل للدموع وما ينبعث من غازاتها كأنه ذيول دخانية تملأ الجو وتنشر معها المذاق المر للاضطرابات وأخاط الضباب معظم العمل مثلما اكتف النضال من اجل الحرية ذاته عدد المحتجين عبر التويتر ورسائل النت وزادت المشكلات والغريب وهذا دليل اخرعلى جنون الاضطرابات ان الحياة اليومية فى الشوارع المحيطة بميدان التحرير استمرت فى المحلات ومقاهى الشيشة وسط مهرجان مرورى فوضوى

ارادت الاغلبية السلام والاستقرار وحكومة نزيهة وعادلة ورغم ذلك ففى اربعة ايام فقط قتل 33 شخصا وجُرح 1732 وفى قلب القاهرة خيمت سُحب من دخان الغاز المسيل للدموع على الجو مضفية عليه مسحة زائفة من الاحتفال والغموض لكنها مسببة للإعياء التام لمن يستنشقها بعد انتشارها فى وسط العاصمة مختلطة بالرائحة الساندة عادة رائحة الثراء واليأس وعبر احد المتظاهرين بوضوح لا يتزعزع عن الارتياب المتزايد نحو الطبقات الحاكمة فى العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين

قائلا : يقول المجلس العسكرى إن لنا الحق فى الاحتجاج السلمى لكنه مازال يستعمل العنف معنا انهم يبحاولون قتل الناس وعندما يمسكون احدا يظلون يضربونه والشرطة تستأجر البلطجية ليقوموا بهذا العمل القبيح وتظل مثل هذه الشكوى قائمة بينما يتضح بشكل كبير – حتى للمتحمسين للربيع العربى فى انحاء العالم – ان تنحى مبارك كان رجلا رمزيا

بدأت إدارة عملية انتقال مصر من حكم عسكرى الى حكم مدنى تظهر وكأنها قضية أزلية وعلى مدى أسابيع كثيرة زاد الإحباط وضوحا أصبح ميدان التحرير نقطة التجمع للمحتجين الغاضبين الشباب الفصائل الاسلامية بمن فيهم الإخوان المسلمون والاقباط وردت قوات الامن عليهم بالعنف غالبا واعقب ذلك الموت والضحايا والتنازلات وعلى الرغم من ذلك ففى يوم 28 من نوفمبر 2011 (بداية الانتخابات التشريعية) ذهب الناخبون فى اعداد كبيرة واصطفوا صابرين فى طوابير طويلة فى كافة المناطق للإدلاء بأصواتهم فى انتخابات مرحلية معقدة

كانت لحظة قضى يوسف ندا معظم حياته ينتظر قدومها لكنه لم يكن مرتاحا قلقا من ان إبعاد الإخوان المسلمين الى منطقة الظل فى الحياة السياسية عقودا لم يمكنهم من إعداد حزبهم (الحرية والعدالة) للحكم وبخاصة حكم شعب دمره سوء الادارة واستنزفت اقتصاده الاحداث الجسام فى الداخل والخارج

وبهذا يفسر لماذا لم يرغب الإخوان قط فى الاستئثار بالسلطة وانما سعوا الى الائتلاف وهو يرفض الادعاءات بأن الإخوان يريدون السلطة وليست المسئولية فاحتكار السلطة ليس حلا مطروحا بل الاحرى أن تشارك جميع الايدى فى الوصول الى الطريق المؤدى الى تحسين معيشة الناس الذين يعانى الكثيرون منهم معاناة يومية من البطالة وشظف العيش

كان اعتناء الإخوان بالناس فى دوائرهم الانتخابية على الدوام دعامة قوية فى بنيان الجماعة التى تبنى رسالتها على الاسلام وتنشرها من خلال المساجد والعمل الخيرى والإخوان المسلمون بكل من يتبعها فى جميع البلاد المسلمة واوروبا والولايات المتحدة الامريكية يقودها مهنيون واطباء ومحامون واساتذة جامعيون

وبعد عقود من الفساد الحكومى ينظر الناس الى الإخوان فى اوطانهم باعتبارهم قادة شرفاء ذوى مصداقية ومع ذلك فإن الاضطهاد المستمر للاخوان قد دفعهم الى العمل فى الظل – وهذا لا يعد أرضية صلبة أو حقيقية للتدريب على الانفراد بإدارة الحكومة

ومما زاد الامور اختلاطا كان ظهور السلفيين المحافظين وحزبهم المتشدد حزب النور والخط المتشدد الذى يتبعه السلفيون وآراؤهم التقليدية عن المرأة وحقوق المسيحيين اصبحت عناوين الصفحات الاولى للصحف وكذلك نواياهم فى منع ملابس السباحة الضئيلة المعروفة بالبكينى والخمور حتى فى الشعوب والمناطق التى تعتمد اقتصاديا على السياحة وكان العديدون من السلفيين قد أُطلق سراحهم عقب سقوط مبارك وظهر حزب النور قويا مع تشجيع من المملكة العربية السعودية

وعلى الرغم من ان الإخوان يفصلون بينهم وبين حزب النور فإن أى مشاركة فى السلطة بين الفريقين سوف تضغط على الإخوان ليدعموا لآراء اكثر تشددا ويقول يوسف ندا " سوف يجب عليهم التعامل مع هذا الامر هذا جزء من السياسة جزء من الحياة بحلول يناير 2012 واكتمال المرحلة الثالثة من الانتخابات أصبح واضحا أن حزب الحرية والعدالة المنبثق عن الإخوان سوف يكون حزب الاكثرية البرلمانية

واصر يوسف ندا على ان مصالح جميع الاحزاب والناس سوف تتمثل فى تكوين برلمان جديد وحكومة ائتلاف أو وحدة وطنية سوف يحكم الإخوان من الوسط وينصتون لمصالح الليبراليين المصريين والسلفيون وغيرهم من المحافظين الاسلاميين وبهذا يقدمون سياسات وسطية ويهدئون من مخاوف الغرب إزاء فورة الاسلاميين المتشددين تلك المخاوف التى كانت لفترة طويلة ذريعة اساسية للابتزاز من قبل الطغاة

كان مبارك وطغاة العالم العربي لسنوات طويلة لا يسمعون لأسئلة الغرب حول الاستبداد وحقوق الانسان ويزعمون انه اذا لم يُسمح لهم بالاستمرار فى السلطة فسوف يستولى عليها الاسلاميون وقد تورطت امريكا والاخرون فى اللعبة اما اسرائيل القضية الكبرى فلم يتحدث عنها احد والان اصبح الاسلاميون القوة الصاعدة وعلى الغرب ان يبدأ حوارات جديدة بالمرة

بحلول يناير 2012 كان البيت الابيض يبحث علنا عن علاقات اقرب واوثق مع الإخوان المسلمين وآنذاك كانت هناك محادثات على مستوى عال تدور بشكل غير علني لعدة اسابيع بينما تخلى الرئيس اوباما عن عداء دائم تجاه الإخوان الذين كان يعتقد انهم يعارضون مصالح الولايات المتحدة معارضة غير قابلة للتغيير

وستثبت صعوبة هذه الدبلوماسية في سنة الانتخابات الرئاسية الامريكية بل كان ذلك بالنسبة للولايات المتحدة " تحولا تاريخيا في السياسة الخارجية " لقد حازت حكومات مصر الاستبدادية على تأييد الادارة الامريكية الكامل فترة طويلة بما في ذلك المعونة العسكرية الامريكية في 2011 ومقدارها 1,3 بليون دولار وهذه المعونة السنوية ستكون من أشد الموضوعات حساسية عندما تتغير السلطة في مصر

في العاشر من ديسمبر 2011 اجتمع السناتور جون كيري رئيس لجة العلاقات الامريكية الخارجية بالكونجرس والمرشح الرئاسى السابق مع اعضاء الإخوان المسلمين فى القاهرة وفى 18 من يناير 2012 اجتمعت " آن باترسون " السفيرة الامريكية فى مصر بالمرشد العام الدكتور محمد بديعوكبار قيادى الجماعة فى مركزها العام بالقاهرة وفى الوقت ذاته كان الرئيس الاسبق جيمى كارتر فى مصر لمراقبة الانتخابات

ويرى يوسف ندا فى حضور جيمى كارتر وفى تعامل امريكا السياسى مع الإخوان موقفا ساخرا للغاية فالرئيس بوش الابن أطلق على ندا اسم " رئيس بنك الارهاب " والان يحيى الرئيس اوباما الجماعة التى عمل تحت لوائها ندا كل حياته تقريبا وبحذره المعهود نصح بأنه ينبغى على العالم " أن ينتظر ويرى ما سيحدث "

عكس تغيير السياسة حقيقة ما أظهره الاسلاميون من وجود فى صناديق الاقتراع وإقرار بأن الإخوان المسلمين يريدون ديمقراطية عصرية وحرية الناس والأسواق وهم الذين طالما احتقرهم السياسيون الامريكيون المتنفذون وسلقهم المعلقون التلفزيونيون بألسنة حداد ومثلت ظاهرة حزب النور غير المعروفة تحديا اخر للإخوان المسلمين وليوسف ندا الذى عمل دون كلل وغالبا ما خاطر بحياته من اجل إنهاء عقود من الموت عاشها بنفسه

وهو يعى بدقة العقبات الدولية فى الطريق بما فى ذلك فى الطريف بما فى ذلك اسرائيل وحماس والقضية الفلسطينية وإيران وفى جدالهم غير ناضج صور السياسيون الامريكيون الإخوان المسلمين بأنهم من افرخوا الوحوش الارهابية امثال تنظيم القاعدة والحقيقة ان القاعدة والإخوان حركتان متضادتان تماما فالقاعدة تحتقر الإخوان لنبذهم العنف والإخوان بدورهم يفصلون أيعضو فى جماعتهم يشترك فى اعمال الارهاب او القتل او يشجع عليهما ولكى يربط البعض بسهولة بين الجماعتين ذكروا ان بعض مثل اسامة بن لادن زعيم القاعدة الراحل وايمن الظواهرى اقرب اعضائها إليه كان يوما من الإخوان

إن اتجاه الإخوان المسلمين الغاضب نحو اسرائيل يعكس غالبية الرأى العام فى مصر ويُعد عقبة فى طريق التفاوض خاصة مع كفلائها الامريكيين يقول البعض إن اسرائيل ليس لها الحق فى الوجود والبعض الاخر يرى الحل فى قيام دولتين لكن يوسف ندا يعتقد ان هناك طريقا ثالثا على اساس الاقتناع ب " أننا جميعا بشر " ومن ثن فلا بد من التسامح

ومن المؤكد ان الانتخابات الحرة التى تمت فى 2011 بعد خمس سنوات من نجاح حماس فى الانتخابات الفلسطينية أظهرت ان الناخبين يريدون حكومات يقودها الاسلاميون وقد فاز حزب العدالة والتنمية بالاغلبية فى الانتخابات العامة المغربية كما فاز فى تونس حزب النهضة بزعامة راشد الغنوشي الصديق المقرب ليوسف ندا وقد قدم يوسف نصائحه للقادة الجدد عندما زاروه فى بيته فى يناير 2012 عقب اشتراكهم فى الاجتماع السنوى للمنتدى الاقتصادى العالمى فى دافوس بسويسرا

ثم تمت اطول انتخابات وأعقدها وأكثرها أهمية فى مصر وفيها حصل حزب الحرية والعدالة على 47 فى المئة من مقاعد البرلمان الذى سادته الاحزاب الاسلامية فحزب النور الذى لم يمض على تأسيسه سوى أشهر قليلة فاز بخمسة وعشرين فى المئة من المقاعد تقريبا وجاء ائتلاف الاحزاب الليبرالية متأخرا فى المركز الثالث ويرى بعض المراقبين ان الاسلامين كانوا مدعومين بأموال السعودية (لحزب النور) وقطر (للإخوان المسلمين)

وانهم نجحوا عن طريق " شراء " الاصوات ويقول البعض إنهم ابتزوا المواطنين الاميين (40 %) من المصريين لم يتلقوا تعليما بحملة شعارها " كن مسلما صالحا وأعطنا صوتك " والواقع لم يثبت اكثر تلك الاتهامات ويؤكد يوسف ندا ان الإخوان لا يمكن ان يقبلوا تمويلا من غير أعضائهم والعلاقى المالية بين الجماعة واى دولة او منظمة غير افرادها تعتبر عندهم ليس فقط من الممنوعات بل من المحرمات ومن يستعمل اسمهم فى الحصول على مال من غير الإخوان لا يمكن امينا

وبوضوح نادى عبد المنعم الشحات وهو من اكثر مرشحى حزب النور السلفى صراحة الى تقنين السلفية مما أثار غضب المعتدلين المصرين باعتبار السلفية تفسيرا متزمتا للاسلام من وحى الفكر الوهابى المتبع فى المملكة العربية السعودية وذكرت اقوال الشحات الناس بطالبان أفغانستان عندما نادى بتغطية تماثيل مصر الفرعونية أوتكسيرها باعتبارها شركا والاسلام يحرم الشرك تحريما قاطعا كما

أغضب الشحات كثيرا من المثقفين بمهاجمته روايات نجيب محفوظ لانها كتب تدعوا الى التهتك والدعارة والالحاد وقد افقدته هذه التصريحات مقعد الانتخابية فى دورة الاعادة عندما تكتل الليبراليون والشباب والاقباط وراء منافسه حسني دويدار المرشح المستقل المدعوم من الإخوان

شكل الإخوان المسلمون الذين حظر النظام نشاطهم اجلا طويلا جزءا من المسار السياسى الرئيسى فى مصر ولما كانت مصر حاملة لواء العالم العربى فقد قام اخوان مصر بنفس الدور بين الاسلاميين العرب المعتدلين وقد اخنق هذا الكثيرين ممن اعتقدوا ان الاصوات الغاضبة والعالية لليبراليين العلمانيين المحتجين فى ميدان التحرير سوف تؤثر على صناديق الاقتراع لكن الماضى وخاصة فى مجتمع عريق كهذا سيكون له بصمات على مستقبله

لم يتقدم الإخوان المسلمون اطلاقا بمرشح رئاسى ولم يسعوا الى السيطرة على الحكومة كان هذا اختيارا سياسيا حذرا واعتبره يوسف ندا كارثيا لان الواجب الصعب كان اصلاح الاقتصاد البائس وحل مشكلات الفقر العام والبطالة التى كانت بداية لحركة الاحتجاج وكان المسيحيون والاقلية الليبرالية وكثيرون فى الغرب يتحدثون غاضبين عن فكرة فرض قوانين الشريعة والقيود الاجتماعية وجادل الإخوان المسلمون فى انهم على الرغم من ثقافتهم الا انهم حزب شامل

ومع محاصرة الليبراليين للسلفيين شك القليلون من ان كلا الطرفين قد ينمو على حساب الإخوان الواقفين فى الوسط اضف الى ذلك مارأوه على شاشات التلفيزيون فى الاوقات التى تكثر فيها المشاهدة من تخلى اتباع الانظمة القمعية التى بدأت بعهد عبد الناصر عن اقنعتهم التى ارتدوها لعشرات السنين وفى كل ما حدث عبر الشهور الماضية الطويلة اتضحت تماما قوة التلفزيون والحواسيب ومواقع الاتصال الاجتماعى فقد بث التلفزيون احداث الصحوة العربية

وعلى مدار اربع وعشرين ساعة يوميا دخلت مشاهد الاحتجاجات والانتقام منها الى جميع البيوت فى العالم عن طريق اجهزة التلفزيون او شاشات الحاسوب الشخصى واستخدم يوسف ندا التلفيزيون ليقدم وجهة نظرة وسبقه فى ذلك صديقه المقرب الشيخ يوسف القرضاوي الذى قضى معه بعض الوقت فى السجن أُدخل القرضاوى السجن بسبب انتمائه للإخوان المسلمين وهو حمو ابنة يوسف ندا الصغرى حسناء المتزوجة محمد يوسف القرضاوي

والشيخ القرضاوى شخصية عظيمة التأثير فى العالم السنى وغالبا ما يتم الاستشهاد به كمرشد روحى لتغيير الاتجاهات والانظمة فى العالم العربى وهو مصرى وحصل على الجنسية القطرية ويقيم فى الدوحة عاصمة قطر حيث يدير مؤسساته الخيرية والشرعية وهو الضيف الشبه دائم لبرنامج الشريعة والحياة الحوارى الذى أنشأه فى قناة الجزيرة مما يجعله على تواصل مباشر مع جمهور كبير تصل أعداده الى الملايين كل اسبوع ورسالته هى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)

ويوجه الحركة الاسلامية بوجوب ان تتخذ مسارا وسطيا وتتجنب اوزار التطرف ويرفض الافكار التى تطلب من الدول التى تعتمد على السياحة ان تفرض على زوارها الالتزام بالقواعد الاسلامية فى اللباس واقترح على حزب النور السلفى ان يتبنى فكرا جديدا " قلت للاخوة السلفيين إنهم يخوضون أول تجاربهم السياسية وعليهم أن يتعاملوا باعتدال مع السلفيين إنهم يخوضون اول تجاربهم السياسية وعليهم ان يتعاملوا باعتدال مع الناس وارجوا ان يفعلوا ان يفعلوا ذلك

ومع ذلك فقصة حياة يوسف ندا تُظهر بوضوح تام أنه لا يوجد على الاطلاق شىء مضمون مئة فى المئة فى مقابلة اعلامية اجريت فى نهاية 2011 قال الشيخ القرضاوى انه على الغرب أن يفكر كيف يتعامل مع الاسلام بينما لا تستطيع اسرائيل ان واصل سياساتها المبنية على القوة الدول ماضية فى صحوتها وحيثما يصل الاسلاميون الى الحكم فسوف يتعاملون بحكمة مع الغرب واسرائيل لكنهم لن يقبلوا بالظلم ان إخواتنا الاتراك تمكنوا من خدمة بلادهم وصُنع نهضة اقتصادية واجتماعية لقد تغلبوا على العلمانية فى هدوء واصبحت تركيا مثالا للوسطية ونموذجا تستطيع البلاد العربية الاستفادة وهذا عين العقل

وعندما سئل يوسف ندا عن سبب مشكلة صديقه فالشيخ القرضاوى ممنوع من الدخول الى الولايات المتحدة اجاب ندا بكلمة واحدة " حماس " ان الولايات المتحدة اعتبرت الشيخ القرضاوى شخصا غير مرغوب فيه وذلك لتأييده العمليات الاستشهادية الفلسطينية ضد اسرائيل على حين استنكر الشيخ وأدان الهجوم على امريكا فى الحادى عشر من سبتمبر وأيد إحدى الفتاوى التى تسمح للمسلمين الامريكيين بالقتال من اجل وطنهم حتى ولو ضد دولة مسلمة لكنه أصر على ان الهجمات الفلسطينية لها مبرر شرعى واعترض على طالبان بهدم تمثال بوذا وقد انقسمت اراء حول هذه الفتوى

إنها معضلات مثل تلك التى أنفق يوسف ندا حياته فى مواجهتها وفى الحوار والتفاوض حولها إنها جمع المتضادين وحل عقدهم وفلسفة مصائرهم انه الجمع بين ان تكون سياسيا لكن ايضا رجل دولة معا حيث لا يوجد فى الشرق الاوسط شىء سهل انها ثقافة تحتفظ سجلاتها بقرون من الولاءات والمكائد والصفقات حول الحدود والاراضى والملوك والرؤساء وتفسير كل ذلك عند من يمسك بزمام السلطة

غادر الشيخ القرضاوى مصر بعد ان رحل عنها يوسف ندا بثلاث سنوات لكنه عاد الى القاهرة ويزورها اكثر من مرة كل عام وفى فبراير 2011 بعد رحيله بخمسين عاما تحديدا ذهب الى ميدان التحرير ليصلى بالناس وسط هتافات الجماهير المتحمسة يقول الشيخ القرضاوى كل ممنوع مرغوب ونحن الاسلاميين كنا على الدوام ممنوعين لقد حُوربت الدعوة والحركات الاسلامية واضطهدت لم تنال حظها ولم يُفسح لها مجال والان وقد أُزيح الطغاة فى شىء يمنع الاسلاميين من أخذ مكانهم الحق فى قلب المجتمع

ما عليك سوى ان تشاهد اخبار المساء حتى تعلم انه ينبغى ان يفعل شىء من اجل ايقاف المجزرة ومن حلال جهود افراد من امثال يوسف ندا بظل الحديث قائما وفى طياته الامل رغم استمرار القتل ولتتذكر دائما انه لا يوجد شىء صاف تماما لا تشويه شائبة إن الدخان والمرايا تعترض طريق الشمس المشرقة فى أغلب الاحيان مما يُخفى الفهم السليم كما كانت تفعل به التمائم فى قديم الزمان

ادرك الاسلاميون العقلانيون بسرعة انهم يستطيعون تحقيق افضل التأثير عن طريق صناديق الاقتراع فالسلفيون الذين ظلوا طويلا يعتبرون التصويت رجسا من عمل الشيطان اصبحوا الان على مضض يعتقدون بتردد بأنه املهم الوحيد لتعزيز وجهات نظرهم وهناك بعض الاتباع المخلصين ومن بينهم علماء دين ممن يريدون اعادة انشاء اشكال سياسية من القرون الوسطى : هذا الفكر العقيم فى القرن الحادى والعشرين يثير البلبلة ولا يفضى الى شىء

وبطبيعة الحال فإن هناك المتطرفين المتطرفين الذين يقعون على جانبى الخط الفاصل ومازالوا يعتقدون ان الصراع وحدة سوف يأتى بالحل واهل التعقل فى الشرق والغرب قلقون ويزداد قلقهم مع وقوع الهجمات فى نيجيريا فى نهاية عام 2011 وفى 2012 وما صاحبها من اعمال العنف حتى بين المسلمين

تغيرت اشياء كثيرة منذ الحادى عشر من سبتمبر ولعل ابرز ما ظهر فى الساحة هو نظرة المتزمتين السابقة للسياسات الديمقراطية : لن تصبح مسلما غير صالح اذا ادليت بصوتك لتنال حقوقك وتعيش فى بلد تسمح لك بذلك واذا كان ثمة شىء ما فهمه الشباب المتظاهر اثناء الصحوة العربية فهما تاما فهو ان العالم الرحب قد ضاقت وانكمشت ابعاده ولن يستطيع الطغاة بعد الان ان يخفوا او يُغطوا فظائعهم بمزيد من الفظائع فرسالة هانفية قصيرة او تويتر كفيلة بإعلام العالم كله بما يحدث فى أي مكان وما يحدث فيه يهمنا جميعا وكذلك مالم يحدث لانه بدون التغيير والفهم لن يأتى الغد الذى يشغلنا أمره

ان نجاح الاسلاميين فى صناديق الانتخابات اذهل الراى العام الدولى وصدمه وفى الرابع من يناير 2012 ذكرت صحيفة نيويورك تايمز فى اندهاش " الإخوان المسلمون اكبر قوة سياسية فى مصر " وكان بإمكانها القول " وفى أماكن أخرى كذلك " وطيلة عقود من الزمان عُوقب الإخوان على انتمائهم ومعتقداتهم ولو احتد صوت يوسف ندا هنا فالسبب هو ما عاناه الإخوان " إن الإخوان المسلمين ليسوا جماعة صغيرة غير مهمة إنها حركة دولية وتمثل اكبر جماعة اسلامية فى العالم ولا يمكن تحجيمها حسبما يرتأى نظام ما أوجب "

الإخوان المسلمون منظمة اسلامية تستنهض الجميع بأعمالها وفكرها وسوف تُظهر الطريق وتبين كيف سيسير عالمنا وهذا الفهم العميق للإخوان المسلمين هو اهم مافى الامر وسوف تكون النزاعات بين الطموحات الدينية والنواحى والنواحى العملية لبناء وإعادة بناء الامم واقتصاداتها مسارا محفوفا بالاخطار كحياة يوسف ندا

وكيفما مان شعورك إزاء الربيع العربى فإن الشرق الاوسط يتغير سريعا فى الصيف والخريف والشتاء متحركا نحو السنوات المقبلة والإخوان المسلمون خرجوا عن القيود المفروضة عليهم خرجوا من الازقة الضيقة للسياسة التى أكرههم القهر على السير فيها والنظام العالمى بتغير مع تغير العالم ذاته ولا يملك غير ذلك

الفصل الحادى عشر:صيف هندى

كل عضو من الإخوان المسلمين فى العالم اجمع يؤمن بأن عليه واجبا من اجل تطبيق المعنى العام للاية الكريمة "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" يوسف ندا 2011 القاهرة يوليو 2011

قتل أحد أبناء أمل زين العابدين برصاص شرطى ولها ابن آخر حبيس سجن حربى كهذا الذى كان يضم آلاف الاعضاء من الإخوان المسلمين فى عقود سابقة ومنهم يوسف ندا ولم يعد هذا السجن قابعا فى الصحراء كما كان فى الماضى بل اصبح داخل مدينة القاهرة التى زحف العمران على الصحارى المحيطة بها

حتى اصبحت دولة اكثر منها مدينة إذ فاق عدد سكانها 18 مليون نسمة يحاولون أن يجدوا لأنفسهم مكانا يعيشون فيه كانت السيارات تسير ببطء شديد فى الشارع وتتقارب من بعضها البعض بشكل يكاد يصل الى حد التلامس تقف تارة وتتحرك أخرى قبل أن تقوم بحركات مباغتة للإفلات من الزحام ليستفيد المسير وتيرته البطيئة مرة أخرى

وعند ميدان التحرير كان الطريق مغلقا عند أحد جوانب الميدان حيث تنتشر فرق الامن والذين بدوا وكأنهم أعضاء فى فرقة موسيقية غربية ناشئة كانوا يتفحصون هويات السائقين ويفتشون عن المتفجرات داخل السيارات وكان معى من اعتبره حارسى الشخصى حسام من الإسكندرية وعمره 23 وهو نفس عمر يوسف ندا حينما قادوه الى القاهرة

كان حسام متوترا ويعض على شفتيه وهو يجيب عن أسئلة هؤلاء الناس لم يكن هناك أثر لأى قوات أمنية أخرى فلا جنود ولا شرطة وقال لى : إذا جاءت الشرطة الى هنا فلن تسألنا أى أسئلة ثم أشار بيديه فى تشبيه للمسدس مصوبا إياه تجاه رأسه قائلا : طاخ طاخ طاخ وأضاف : كثير من اصدقائى قُتلوا أو جُرحوا من دون تمييز ولا تزال ننتظر أن يحقق المجلس العسكرى مطالبنا وربما يصيبنا الرصاص قبل أن يتحقق ما نصبوا إليه

تعرض نجل أمل زين العابدين للضرب والاعتقال أثناء مظاهرة خرجت فى ذروة الغليان للمطالبة بالتغيير لأن ما يُسمى بالربيع العربى لم يحقق احلام الديمقراطية والسعادة بين عشية وضحاها وتستطيع أنت تتابع هذه الظروف أن تتفهم حالة الغضب والاحباط التى أصابت الناس

والتى عبرت عنها امل بقولها : لقد تعبت لم تحقق هذه الثورة شيئا لنا لا اريد مالا او ايا من هذه الامور اريد العدالة وحدها العدالة " كانت امل زين العابدين تعبر عما من يوسف ندا لقد افتقده المصريون خلال الحكم العسكرى لمصر وهو شىء اساسى كما عرفنا من يوسف ندا لقد افتقد المصرى معنى العدل تحت الحكم العسكرى سنوات طويلة غيرت الكثير وانطفأ بفعل الاهمال بريق أمجاد ماضيه وتزايد عدد السكان فى تدافع وغير تخطيط الى 85 مليون شخص نسبة كبيرة منهم أميون ومعظمهم فقراء

كانت الحشود هائلة فى ميدان التحرير مع بداية العطلة الاسبوعية فى السابع من يوليو 2011 تتحرك من محطة مصر (التى غير عبد الناصر اسمها الى محطة رمسيس عام 1955) الى الميدان الشهير الذى فاض بهم مثل النيل فى موسم الفيضان عانت هذه الجموع من المشاكل الجانبية للثورة كالتأزم الاقتصادى والفتنة الطائفية وازدياد معدلات الجريمة مع قلة الدخول وتستطيع ان ترى الاحباط مستشريا بشدة بينهم

وقد شاركت فى هذا التجمع الاحزاب السياسية الكبرى بالإضافة لجماعة الإخوان المسلمين ولم تطف على السطح فى هذا اليوم الخلافات السياسية بينهم حول الدستور والانتخابات إلخ وأخبرتنى طبيبة اطفال تدعى شيرين ابراهيم 33 سنة قائلة لم يسمح النظام القضائى للجمهور حتى اليوم بأن يشهد محاكمة مبارك التى تتم تأجيلها وحتى الوزراء المتهمون بالفساد تمت تبرئتهم الناس لم يصبحوا جزءا فاعلا بعد فى هذا المشهد لم يتغير شىء

فى هذه الاثناء كان نجلا مبارك بالإضافة لمسئولين رفيعى المستوى قد ألقى القبض عليهم ومنهم وزير الداخلية المكروه حبيب العادلى والذى حُكم عليه بالسجن لمدة اثنى عشر عاما بتهم تتعلق بالفساد غير ان محامى بعض هؤلاء المتهمين قد وجهوا اللوم للنيابة متهمين إياها بالسعى لتحميل موكليهم المسئولية كاملة بشكل تعسفى وفى مقابل هذا الادعاء كانت وجهة النظر الاخرى التى تشجب غياب الادانة لمن قتلوا 840 متظاهرا باستثناء احد امناء الشرطة حُكم عليه غيابيا

بتهمة القتل واستشعر البعض فى تأجيل القضية المتهم فيها العادلى بقتل المتظاهرين بأنه دليل على عدم رغبة المجلس العسكرى فى إدانة الاجهزة الامنية وهو امر يصفه الصحفى هانى شكر الله بقوله " إنهم يخشون إن عاقبوا هؤلاء الناس فإن الاجهزة الامنية ستنهار وستقوم بعض الاجنحة فيها بأعمال تخريب وهو ما أثبتوا القدرة على القيام به ويرى الجيش أن نصر ليست بحاجة الى عدالة انتقالية

كما يؤمن كثير من الضباط فى الحقيقة بالحاجة الى استدعاء تراث الحكام المتفرعنين فقد كثر الحديث فى القاهرة والإسكندرية عن الحاجة لقائد " قوى " وهو ما يعنى زعيما كجمال عبد الناصر او أنور السادات او حسني مبارك ويكمن التفكير الواقعى او بالاحرى الساخر فى ان القرن الحادى والعشرين لا يحتاج الرئيس قوى بقدر حاجته لشخصية مقبولة على نطاق شعبى واسع قدر الامكان تعمل كواجهة للحكم العسكرى من وراء الستار

كانت الانتقادات تتوالى ضد سياسات الحكومة وتتشابه الى حد كبير مع تلك الانتقادات التى طالت حكومة النظام السابق الذى قامت عليه الثورة فمحمد سيد الذى قتل فى 29 من يناير 2011 قد أُجلت قضيته ثلاث مرات وتقول اسرته تلقوا عرضا بمبلغ 16 ألف وخمسمئة دولار مقابل التنازل عن القضية وهو ما رفضه سيد عبد اللطيف والد محمد قائلا : " نحن ننام فى الشارع واطفالنا يلتحفون التراب وقاتل ابننا ينام فى بيته

فى مثل هذه الاجواء من شهر يناير عام 2011 انضم الإخوان المسلمون للمظاهرات التى رفعت شعار الوحدة بين الثوار الشباب الناشطين فى الانترنت والليبراليين والقوى اليسارية والعلمانية ولأول مرة منذ ستين عاما عقد الإخوان المسلمون مؤتمر الاخوات المسلمات فى القاهرة وكان خيرت الشاطر نائب المرشد العام احد المتحدثين فيه ووعد بالمزيد من تمثيل النساء والتحرك باتجاه توفير مواضع قيادية للنساء داخل الإخوان المسلمين ان الزمن يتغير

وعلى الجدران فى شوارع القاهرة كانت لافتات تنادى الناس أن: يخرجوا للشوارع يوم الثامن من يوليو الثورة مستمرة ويقول بيان لا ئتلاف شباب ثورة الخامس والعشرين من يناير: مطالب الثورة لم تتغير منذ يومها الاول مضيفا لم يكن مطلبنا هو إزاحة النظام القديم فحسب ولكن بناء دولة يستطيع فيها الناس ان ينعموا بالحرية والكرامة ودور القانون والعدالة الاجتماعية

وكانت كلمة الكرامة هى اكثر الكلمات تكرارا فى القاهرة كانت على قمة الاولويات ويبدو انها اساس الانسانية جمعاء تلك الانسانية التى تستعصى على البيع والمساومة ودراسة جدوى شديد التعقيد ومهما اعتقدت فى آراء يوسف ندا من حيث اعتدالها ومصداقيتها من الناحية الاكاديمية فإنها غالبا ما تجرفها عاصفة من الاراء المضادة والخائفة وليس مصدرها الساسة والمحللون الغربيون فحسب لكن من داخل عالمه الاسلامى كذلك وكان السؤال الرئيسى الذى يطرح نفسه هو : هل مثاليته هى الحقيقة؟ أم أن الحقيقة أنه مثالى ؟

هل هناك من يُضلون الصراع لضمان استمرارقوتهم فى هذا العالم ذى الدوافع المريبة ؟! هل تحارب كل جماعات العنف من اجل قضية ممسوخة أم أنهم مجرد عصابات يمارسون الشر من أجل الربح ؟!

فى الحادى عشر من سبتمبر تعرضت الولايات المتحدة لهجوم على برجى مركز التجارة العالمى فى نيويورك وخلف الهجوم من الضحايا مازاد على ثلاثة آلاف شخص وهى أرواح لا يمكن تقديرها بثمن بالإضافة لغيرهم من الملايين الذين قتلوا فى الحرب على مدار قرون مضت كيف يمكننا ان نقيم الحياة الانسانية ؟ إن أى محاولة للاجابة عن هذا السؤال تنتزع القلوب من بين الضلوع وتفقد فيها الكلمات معانيها لكن احداث سبتمبر اشعلت حربا ثقافية حربا من اللوم حربا يحار فيها المرء ويتساءل : من يستطيع أو يضمن الفوز فيها ؟

لقد تعرض يوسف ندا لانتقاء من الرئيس الامريكى السابق جورج بوش ليصبح " ممول الارهاب " من خلال بنك التقوى هذه المؤسسة المصرفية الاسلامية التى أسسها بعناية لتعمل وفق قانون وممارسات البنوك الدولية وفى يوم الايام جاء ليوسف ندا اتصال هاتفى من الولايات المتحدة من صديق سويسرى يدعى "فيكتور كوشر " كان يعد كتابا بعنوان " قوائم الارهاب " حيث كان يحقق فى توابع الموقف فى اعقاب الحادى عشر من سبتمبر تحدث " كوشر" بصوت خفيض قائلا : سيد ندا أيضا وقالوا لى بشكل واضح بأنهم يستهدفونك لتكون عبرة ووسيلة تخويف للاثرياء المسلمين كى يحجموا عن تمويل جماعات العنف

لقد تعرضت حياة يوسف ندا وأعماله للايذاء الذى امتد ليشمل مساعديه وموظفيه ففى لحظة تشعر وكأن الدنيا قد دانت لك وفى لحظة اخرى ترى كل ابواب العالم موصدة فى وجهك كان مقتنعها بأن كثيرا من وكالات الاستخبارات فى العالم استهدفته عندما عُرف أنه مُفوض العلاقات الدولية بجماعة الإخوان المسلمين وكانت لديه دائما قائمة بشخصيات نافذة تريده مقتولا وكان يعتقد ايضا بأن الهجمة عليه وعلى بنكه وإمبراطورية أعماله تستهدف ربط الإخوان المسلمين بالارهاب

وقال لى " ليس سرا أننى عضو بجماعة بجماعة الإخوان المسلمين انه شرف عظيم لى فى الحياة وادعوا دائما لمن كان سببا فى ارتباطى بهذه الجماعة " واستطرد مضيفا " لإن الإخوان أيدولوجية تنتشر فى كل مكان لا يمكن لأحد أن يوقفها إلا إذا استطاع مصادرة الافكار او اغتيالها قد يحاولون لكن الافكار غير قابلة للمصادرة او الاغتيال فهى تسكن فى العقول لا يستطيعون حصارها او تقييدها وعلى مدار سنوات من الكفاح فقد فيها كثير من الناس ارواحهم وتعرضوا للسجن وفقدان منازلهم ويُتّمت اطفال ورُمّلت نساء وتفسخت أُسر لكننا على الدرب ماضون

لقد سبقت التحركات ضد يوسف ندا وضد اعمال بنكه هجمات الحادي عشر من سبتمبر أنه رجل عميق التفكير وليس مصابا بجنون العظمة او يقفز الى استنتاجات معينة بسبب ادلة ظرفية ويرى أن القلق المستمر من الإخوان المسلمين سببه سوء فهم هدفها السلمى ويؤكد على استحالة منع الايديولوجيا لأن الجماعة نشأت كفكرة ايديولوجية فإن بقاءها مضمون وهذا ما يجر عليها ولا يزال يوسف ندا على قناعة راسخة بأنه وبنك التقوى والإخوان المسلمين ليسوا الهدف النهائي من الحملة التي شُنت عليهم لربطهم بالإرهاب وتمويل الارهابيين

بل جزء من استهداف اسى تقارب بين الشرق والغرب وبين الاسلام والديانات الاخرى وأشار الى ان الاتهامات سيقت ضد الحركات الاسلامية الاخرى قائلا " إن الإخوان المسلمين هي كبرى الحركات الاسلامية ولا يمكن لفكرتها أن تموت يمكن للأطفال أن يتيتموا وللنساء ان تترمل لكن لا تستطيع أن تقتل الفكرة إن الارهابيين يلوون أعناق النصوص لخدمة اجندتهم والإخوان المسلمون يُدينون الارهابيين يلوون اعناق النصوص لخدمة اجندتهم

والإخوان المسلمون يدينون الارهابيين فالدين الذى نؤمن به لا يُقر ما يفعلونه باسمه نريد ان نجتث الكراهية من قمة الاولويات ونتحدث بسلام فقليل هو التفكير العقلاني منذ اندلاع احداث الحادي عشر من سبتمبر في اميركا وبالطبع فإن إزهاق أرواح الامريكيين ليس أكثر بُغضا من قتل أي نفس إنسانية وهو عمل يتنافى مع كل ما أؤمن به وكما يقول الله تعالى في كتابه العزيز (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا)

واضاف ندا قائلا " لقد كان الامريكيون دوما يعتقدون بأنهم في مأمن من أي سوء وهم على تُرابهم الوطني قبل أن تقع هذه الهجمات الدموية على نيويورك وواشنطن فيالحادي عشر من سبتمبر اتبرهن لهم أن ثقتهم في هذا الامن كانت مبنية على وهم لقد تحطم الحلم الأمريكي وقاموا بالرد بشكل عشوائي

ولم يكن هناك من يوقفهم ان واربا كافحت الارهاب لعقود – هل تتذكر بادر ما ينره وفوبريئاتيروسيومنظمة إينا الانفصالية وكاسا وسترا والجيش الجمهوريالايرلندي ؟ - وكل ذلك لم يُقوض حياة الاوربيين لقد اتخذت الحكومات هناك من الاجراءات الخاصة المستمرة ما كفل استيعاب الارهاب ونجحت في ذلك لكن عندما يحدث شيءفي الولايات المتحدة فإن العالم كله ظل يدفع ثمن ذلك منذ وقتها وحتى الآن

لقد اشعل الحادي عشر من سبتمبر فتيل حركة معادية للإسلام وقد تعرض اليهود لظلم من هذا النوع في الماضي وتغلبوا عليه بمرور الوقت وهو ما يتكرر بشكل بشع مع المسلمين في القرن الحادي والعشرين إنها عجلة تدور ولا يعلم أي منا ما تخبئه الايام لنا لابد من أن نحقق توازنا في الحياة من اجل تحقيق تعايش أفضل

فلا بد أن يكون ولا نئى للبلد الذى اعيش فيه وان احترم القانون واقبل بقرارات الاغلبية لان هذا واجبى لكن لي حق كمسلم في ان يكون لي مسجدي وان اتبع تعاليم ديني وهو امر غير سهل فسويسرا وهى اكثر البلاد تحضرا منعت بناء المآذن (في عام 2009 وافق الشعب بأغلبية 57,5% في الاستفتاء على ادخال تعديل دستوري بمنع بناء المآذن)

لقد استلهم الخليفة الخامس في الاسلام معاوية بن ابى سفيان شكل مآذن المسجد الأموي في دمشق من برج كنيستها ولأول مرة في التاريخ جعل دور عبادة المسلمين والمسيحيين في البلد المسلم متجاورة وظلت هكذا على مدار التاريخ دون ان يعترض منا أحد كان هذا حتى أتت سويسرا المسيحية في القرن الحادي والعشرين

لتمنع بناء المآذن من المفيد ان نعرف ان اطول تمثال يسجد المسيح ليس في القدس او برلين او لندن او باريس او روما بل في اندونيسيا ذلك البلد المسلم لم يقولوا يوما : أزيلوا هذا التمثال من هنا فنحن لسنا مسيحيين فهذا السلوك ليس من شيم من يتهمونهم اليوم بالتطرف والتعصب ومع ذلك نجد هذا المنع للمآذن في سويسرا وهو دليل التعصب والتطرف ورفض الاخر ويزرع بذور الكراهية بينما تريد العمل على تحقيق السلام

ويرى ندا ان الملايين الذين فقدوا حياتهم في الحروب التي اعقبت الحادي عشر من سبتمبر يُمثلون وصمة عار في جبين عالمنا المعاصر ويضيف " إن الحياة الانسانية لا تُقدر بثمن وحين ترتكب جرائم انتقامية فأنت بذلك تخلق فلسفة غير إنسانية وعندما نشر صدام أكاذيبه وقام بغزو الكويت بناء عليها وُصف بالإجرام

وبأنه غازي الذى يجب ان يوقف عند حده بينما عندما كذب " جورج بوش " بشأن امتلاك صدام لأسلحة الدمار الشامل لم يسأل أحد عن مدى حقه في نشر الموت وتدمير العراق أو تفجير المساجد ولصق التهمة بالسنة او الشيعة وجعلهم يرتكبون المجازر بحق بغضهم البعض لا احد يتحدث عما فعلته اميركا حين قتلت وأشعلت الحروب يتحدثون فقط عما ارتكبه صدام "

لقد كان الإخوان المسلمون اول ضحايا صدام فقبل ان يستهدف الشيعة استهدفنا لقد ضرب صدام احد القوارب الامريكية في الخليج ورد الامريكيون بغزو العراق من المهم عندي اننى عادل وأُقدم الحقائق لا يجب ان ادافع عن الخطأ بل يجب ان اعترف به واسعى لتصحيحه إذا كان تاريخنا قد شهد فترات إدارة سيئة فيجب أن أتقبل اللوم وابتسم ندا قبل أن يُكمل " لسنا ملائكة لا نعرف سوى الصواب "

اشار ندا ايضا الى خطة الإخوان المسلمين لإصلاح النظام الانتخابي ووضع الإخوان في برلمان مصر الديمقراطي وأضاف " قالوا بأننا لن نرشح او ننتخب امرأة أو شخصا مسيحيا لمنصب الرئاسة ولم أوافق على ذلك فكل إنسان حر في اختيار من يراه الأصلح ورفض غير ذلك الديمقراطية تقتضى ان تُصوت لمن تريد وهى نقطة استغلها أعداؤنا للهجوم علينا قائلين بأننا ضد النساء والمسيحيين ولسنا ضدهم فكل إنسان من حقه ان يخوض الانتخابات والامر متروك للناخبين للتصويت مع او ضد فكلهم مواطنون فيجب ان يكون هناك من يُمثل الاقلية ويدافع عن حقوقنا ويجب ان يشعروا بأن البرلمان قائم على اساس المواطنة

قالوا ان وجهة النظر الشرعية ان الولاية العظمى فقط هي التي لا يتولاها النساء او المسيحيون اما ما عدا ذلك من المناصب فيمكنهم ان يتولوها وكان الخليفة من التاريخية هو الذى يعين ولاة البلاد وأرى أن هذا لا يمنع أن يكون هذا الوالي امرأة من أتباع ديانة اخرى فهو ليس شخصا مرسلا من قبل الله أو رسوله هو بحكم موقعه يعمل كمحكم كقصة ابن الوالي (عمرو بن العاص) الذى ضرب صبيا مسيحيا بالسوط فقال له عمر بن الخطاب (بعد رد للمظلوم حقه) متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا ؟!

لا توجد طبقية في الاسلام والخليفة لم يكن هو السلطة الاعلى إنما كان مُحكما بين الناس إذا اختلفوا ليرجح من منهم على صواب ومن الخطأ وهذا لا يعنى له أنه نبي مرسل من عند الله أو يتمتع بنفس مكانة البابا الذى له سلطة عليا ورأيه يجب أن يكون مطاعا دائما أو يملك صكوك الغفران ويحدد من سيدخل الجنة فليس لدينا في الاسلام أي من هذا لا أعتقد أن هناك نصا يمنع المرأة أو من يتبع دينا آخر من تولى المناصب العليا

ويجب اعادة النظر في الحديث الذى يعتمد عليه في هذا الخيار وهو " لن يُفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " ولعله اخذ من سياقه او تعرض لحالة خاصة وتمسكت به المجتمعات الذكورية السابقة لتنفرد بالولاية إنه أمر جر علينا مشاكل عديدة وعلى كل الاحوال فإن الولاية العظمى ليس لها مكان الان لأنه في الديمقراطية ليس هناك شخص يمثل السلطة العليا الذى يأمر فيطاع بل على العكس لقد تم تقسيم السلطة الى ثلاث سلطات هي التشريعية والتنفيذية والقضائية

وحتى في الانظمة الرئاسية او البرلمانية فهناك قيود قانونية لا تُمكن رأس السلطة أن يكون مطلقا أو أن يُصف بأنه ولى الامور فالضوابط المفروضة عليه في الديمقراطيات تُلزمه بمرجعية الشعب ولتلزم الشعب بمرجعتيه بل تُمكن الشعب من عزله فكيف يُسمى موقعه بالولاية العظمى ؟! إن من سُموا بالخلفاء (بعد الاربعة الراشدين) سواء سمتهم شعوبهم أم فُرضت عليهم التسمية بأنهم خلفاء أو سلاطين أو أباطرة أو حكاما

لا يمكن شرعا تبرير إعطائهم اللقب الشرعي للولاية العظمى مرة اخرى مازلنا نكرر أن آراء الائمة الاربعة الذين تُوفى آخرهم في نهاية القرن الثالث الهجري وعاشوا في عصور الامبراطوريات العربية التي بنيت على المُلك العضوض المتوارث وعاملوا المسلمين ومنهم الائمة بكل ما ينفى المساواة بين الحاكم والرعية كما أمر الاسلام

وكما فرضته الديمقراطية لابد من مراجعتها وتنقيتها مما لا يلائم الدين في عصورنا ومن سيأتون بعدنا ايضا عليهم ان يفعلوا ذلك وقد تطور البشر وابتدعوا نُظما تُلغى الموقع الذى يُصنف بالولاية سواء الصغرى أم الكبرى فلماذا أقحموا المسميات المنقرضة وأحيوها ليصفوا بها ما لا تنطبق عليه ويقرروا قرارا يقذف بهم بعيجا عن عصر العقل ويعيدهم الى عصر النقل ؟!

كان النبي صلى الله عليه وسلم مؤيدا من قبل الملاك جبريل عليه السلام وحتى الخلفاء الاربعة الذين أتوا بعد الرسول الله عليه وسلم رشح كل منهم من سيأتي بعده ممن كانوا معه وبعد ذلك أصبح الحكم ينتقل إما عن طريق الوراثة وإما عن طريق الاستيلاء وهو أمر سالت في سبيله دماء كثيرة لقد تمكنوا من بناء إمبراطوريات كبيرة لكنهم كانوا يعيشون حياة مُرهفة وشعوبهم تعيش في فقر

ولا يوجد سبيل لوقف هذا الظلم سوى كسر هذه القوة وتقسيمها الى سلطات اقل وتُعطى الشعوب حق نزع السلطة منهم وتغيرهم وهذه نظرية تنسف فكرة الولاية العظمى وحتى فكرة الولاية نفسها وتفتح الباب امام تفسيرات متعددة وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته "

إنني أتكلم بحرية وأجد حتى مشكلة مع مصطلح العلمانية الذى يعارضه الإخوان وكل الفصائل المرتبطة بالدين فأنا لا أعارض العلمانية ولكنني ضد جزء منها إن " بارى كوسمين " الاستاذ بمعهد دراسة العلمانية في المجتمع والثقافة صنف العلمانية الحديثة الى نوعين : العلمانية الناعمة والعلمانية الصلبة فطبقا ل " كوسمين " فإن العلمانيين المتصلين يرون أن الافكار الدينية غير مشروعة من الناحية المعرفية ولا يدعمها العقل أو التجربة بينما ترى العلمانية الناعمة ان هناك استحالة في الوصول الى الحقيقة المطلقة ولهذا ينبغي الاخذ بمبدأي الشك والتسامح كقيم أساسية وحاكمة حين نتناقش حول العلم والدين

اوافق على هذا الطرح وسيرفض كل اتباع الديانات طرح العلمانية الصلبة لأنها تُنكر الروح وتخاطب العقل فقط فالعلمانية الناعمة أكثر تسامحا وأنت لا تستطيع ان ترفض روح الانسان واخلاقياته حتى ولو علق بها بعض الشك او القصور في الايمان وهذا الطرح لا يتعارض مع الاسلام ويرى ابن الرشد أنه يجب الفصل بين الدين والفلسفة ويقول بأن أصحاب الايمان سعداء ومقتنعون اقتناعا كاملا بدينهم كحقيقة مطلقة

حتى ولو لم يصلوا بعقولهم إلى كنه الاله ولكن وجود أناس لا يؤمنون بالله لا يعنى أن الله غير موجود اتباع الديانات يؤمنون به والعلمانيون يؤكدون بأنهم لم يجدوا أي دليل على وجوده ولهذا فإنهم لا يستطيعون عام 1896 بقوله " بأنها تحسين هذه الحياة باستخدام الوسائل المادية والعلم هو قدر الانسان فهو خير يسعى للخير حتى وإن كان هناك خير أم لا فالخير في الحياة الحالية هو خير والخير في أن نطلب هذا الخير

ولا يعارض الإخوان المسلمون هذا المفهوم الناقص لكنهم يضيفون إليه ويكملونه لأنه ناقص " إن تحسين الحياة يكون باستخدام الوسائل المادية والاخلاقية فالفكر الديني يجعل استكشاف قوة العلم واستخدامها لإعمار الارض أمرا ضروريا فالخير أن تسعى للخير وسواء أكان هناك خير آخر أم لا فنحن ايضا نؤمن بان الخير الموجود في الحياة الدنيا هو خير وإننا سوف نكافأ على فعله لاحقا بخير مضاف وقد يكون اضعافا مضاعفة وهو امر طيب ان نسعى لنيل الخيرين

إننا نقبل نظريتهم وأكثر منها والعلمانيون يرفضون مساهماتنا التي اراها إضافة مميزة لما يعتقدون ولا يوجد سبب يدعو للنزاع عندما تستطيع ان نتعاون على ارضية مشتركة ولا يجب ان نفكر او نتصرف كهؤلاء السلفيين الذين يُطبقون الامور العقائدية بشكل صلب حتى حين يتعلق الامر بشيء من صُنع الانسان ولم يرد ذكره في القرآن الكريم أو الحديث لا بديل عن العيش والتفاهم المشترك في العالم المعاصر

عندما شعر مبارك بأن قوته مهددة قام بتشجيع السلفية الصارمة للانتشار في ربوع مصر اراد أن يزرع مشاكل بين السلفيين والإخوان المسلمين وكانت سياسة فرق تسد والتشجيع على الترويج للفكر المتشدد الذى تنفر منه أغلبية الناس وعندما انتقدتهم في صحيفة المصري اليومي بدلا من أن يجيبوا عن أسئلتي ويدخلوا في نقاش قام أحد قيادات السلفية بالهجوم علىّ شخصيا قائلا : يوسف ندا هداك الله أو قصم ظهرك بهذه العبارات تفوه القيادي الداعية

كن أناقشهم في فكرهم الذى يلزم المرأة بأن ترتدى النقاب وتبدوا وكأنها شبح يتحرك في الطريق وتُعامل كأنها مخلوق ناقص يُفرض عليه ولاية الرجال الناقصين وكأنها ولاية عظمى وقلت أيضا : إن ثقافة الإخوان أن نسائهم يرتدين الحجاب وإن نقاب المرأة ليس من ثقافة الإخوان وقد ظهر أخيرا قلة نادرة من عائلات بعض الإخوان اللاتي يتنقبن وهن يمثل شظايا الغزو الفكري السلفي صفوف الإخوان وإنها موجة ضعيفة عابرة سوف تنقرض مهما كانت صفة أزواجهم في صفوف الجماعة ومن أراد التوسع في هذا الموضوع عليه بالأجزاء الستة التي متنها العالم الفاضل عبد الحليم أبو شقة رحمه الله وسماها تحرير المرأة فيعصر الرسالة

وتحدثت أيضا عن مسألة تكفيرهم للشيعة وشرحت لهم أن الشيعة مثل السنة مع بعض الاختلافات في ممارسة العبادات وعن هجومهم على اليهودية والنصرانية وقلت : إن علينا أن نحترمهم لأن القرآن أمرنا بقبول هذه الديانات فإذا ارتكب شخص مسيحي أو يهودي أخطاء فلا يعنى هذا أن نعتبر هذا الدين عدوا لنا فالدين شيء وأتباعه شيء آخر فإذا كان هناك بعض المسلمين المجانين يلوون أعناق نصوص الاسلام على غير صواب ويخطئون فهذا لا يعنى أن الإسلام على خطأ وهذا ما ينطبق على المسيحيين واليهود في تعاملنا مع دينهم أو مع أديان غيرهم يقول الله تعالى

"لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)"

والمعنى نفسه يتكرر 69 من سورة المائدة

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69))

إن غياب النقد الذاتي هو من أوجه القصور في ثقافتنا بالإضافة إلى عدم قبول التفكير المختلف واعتباره شقا للصف أنا أعتقد أن النقد مهم جدا للجماعة والمجتمع لتحقيق الإبداع وتجنب الأخطاء ولتنمية الأفكار والمعايير الجديدة ويرأس الإخوان المسلمين المرشد العام المُنتخب من أفضل المرشحين لهذا المنصب فإن أخطأ وهو بشر يخطئ فلا يجب أن تتحمل الجماعة كلها هذا الخطأ ولذلك ينبغي أن يُنبه لأخطائه كي يسعى لتصحيحها وهذا أمر لا يعيبه بل العيب أن يُسمح له بالمضي قُدما مع اخطائه

عندما انتخب الصحابة أبا بكر الصديق أول خليفة للرسول صلى الله عليه وسلم قال " إني وُليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعنوني وإن أسأت فقوموني " والذين يدافعون عن وضع قيود على النقد يقولون إنه لا يجب أن يكون علانية لأن في ذلك تقويضا للوحدة والسمعة وأنا أقول إنه كان هناك شيء يستحق نقده وصححناه أم الأفضل أن يُنظر إلينا على أننا نملئ الخطأ ونخفيه ؟ النقد سوف يوسع من دائرة الحوار لتقديم أفضل الحلول النابعة من أكبر عدد من العقول فالقائد شخصية عامة وعليه أن يستمع للناس وعلى الجميع أن يسمع بعضهم بعضا

ويجب السماح لأصحاب الخبرات أن ينقلوا معارفهم وفى نفس الوقت يجب أن يتمكن الشباب من طرح أفكارهم وفهمهم وما تعلموه عليهم أن يقدموا آراءهم فى إطار من الوحدة والاحترام فإذا قبل الجيل الجديد الديمقراطية والتزاماته الدينية فعليه أن يعطى الكلمة الأخيرة لمن انتخبوهم صُنّعّا للقرار وبعد اتخاذ القرار فعلى الجميع ان يقبل به وينفذه حتى ولو خالف رأيه فهو عضو فى جماعة وعليه ان يطبق قراراتها وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن " يد الله مع الجماعة " " وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية "

ولا يوجد فى التعاليم الاسلامية حجر على عقل المسلم يوقفه عن الابداع فى تفسير الدين وهو ما ينطبق على المعرفة التى تُكتسب بمضي الوقت وعندما كان الخليفة عمر بن الخطاب فى المسجد قاطعته امرأة لتخبره أنه أخطأ وشرحت وجهة نظرها فقال عمر للحضور " امرأة أصابت وأخطأ عمر " ولم يقل لها ما سمعتُه من أحد رجال الدين بحدة وهو يناقش عالما آخر مسلما ملتزما وأيضا فَذا فى علم الفضاء

وقال له : ليس من حقك أن تتحدث فى الدين لأنك لن تفهمه قبل أن تدرس علوما كثيرة النحو والصرف وعلوم الحديث والاصول والفروع والفقه المقارن وأسباب التنزيل والنسخ والمنسوخ وعلوم فقهية كثيرة واذهب واقرأ سنن ابن داود وبداية المجتهد ونيل الأوطار واللؤلؤ والمرجان والمغنى واختلاف الفقهاء والبخاري ومسلم وظل العالم الدينى يستعرض ما درس وقرأ باستعلاء ولم يفعل ما فعل عمر بن الخطاب على الملأ فى رده المتواضع على المرأة فى المسجد فرد عليه عالم الفضاء

وقال له : لقد عقدتم دين الله المُيسر لم احتج فى عبادتي اكثر من كتاب بسيط كتبه عالم مثلك اسمه سيد سابق رحمه الله بتكليف من الامام حسن البنا والكتاب هو فقه السُنة أما إيماني بالله فزدانى به علم الفضاء اكثر من كل ما ذكرته من الكتب – وهناك من قرأها مثلك ثم اعترض على حقيقة أن الارض كروية وتدور – واعتمد على تفسيره لآية (وإلى الأرض كيف سطحت) وقال : لو كانت كروية وتدور فإن الواقف إذا دارت به وجد رأسه أسفل وقدمه أعلى

وانقلب يا شيخى نحن البشر نحتاج للعلم المفتوح الذى وهبنا الله العقول لتتزود به ومنه وسخره لنا فى كل مناحى الحياة مطعما ومغلقا بالايمان الذى يزيده العلم ولا ينقصه حتى ولو لم نقرأ الكتب والعلوم التى ذكرتها الان والتى تفيد من كان وضعه مثلك عمله وتكليفه أن يتفقه لينذر قومه إذا رجعوا إليه بتواضع وليس باستعلاء لأن الله سبحانه قال (وفوق كل ذى علم عليم)

ليس فقط مثال قول الخليفة عمر بن الخطاب بل الرسول عليه الصلاة والسلام عندما أمر قواته فى ساحة المعركة بإعادة الانتشار سأله أحد جنوده هذا المنزل الذى نزلته منزل أنزله الله ؟ فأجابه : بل منزل نزلته للحرب والمكيدة فقال الجُندى يارسول الله إن هذا ليس بمنزل ولكن سر بنا حتى ننزل على أدنى ماء يأتى القوم ونغور ما وراء من القلب (الابار) ثم نبنى عليه حوضا فنملؤه فنشرب ولا يشربون فرد الرسول صلى الله عليه وسلم : لقد أشرت با رأى وفعل ما أشار به الجندى فحتى الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يُؤلّه

وفى الحقيقة فإن يوسف ندا على دراية بالأضواء المسلطة بشكل متزايد على الإخوان المسلمين مع التغيرات السياسية الجارية فى العالم الاسلامى وبالتفسيرات المختلفة للاسلام نفسه ويقول " أعرف أنك تستغرب لماذا لم تجتمع كلمة المسلمين بعد اكثر من الف عام ولا يستطيعون الاتفاق على كل شىء إنهم يتفقون فى بعض الامر وأعتقد أنهم فى النهاية بشر "

لقد كان لدى المسلمين اربعة ائمة مهمين خلال القرون الثلاثى الاولى التى أعقبت ظهور الاسلام وقدموا تفسيرا وشروحا لتعاليم القرآن الكريم والسُنة وقد اختفوا فى بعض القضايا وهو ما أدى إلى انقسامات وظهور المذاهب لقد قام هؤلاء الاربعة بعمل هام وصعب للغاية وكان عليهم أن يرتحلوا بين بلدان الشرق الاوسط للاستيثاق من روايات وردتهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عملا شاقا اقتضى قطع مسافات شاسعة وجهد شهور وسنين واليوم يمكننا أن نحصل على المعلومة فى ساعة واحدة او حتى ثانية من الوقت اننا نقدر الجهد الذى بذلوه ولكن هذا لا يعنى أن تتجمد عند حدود ما قدموه لنا

وهناك بعض الامور الهامة لانها تشكل حواجز منيعة بين الشرق والغرب من اكثر إثارة للجدل مسألة العقوبات على الجرائم وتفسير القانون الجنائى والسؤال الحيوى الثانى هو موقف الاسلام من المرأة وحقوق النساء فالقرآن يقول إن (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض بما أنفقوا من أموالهم) وهى أفضليات تتعلق بنصيب الرجل ضعف حقها فى الميراث وبالقدرة العضلية والبنية الجسدية للرجل وبالتركيب البيولوجى للمرأة فى الحيض والحمل والولادة لقد وهب الله العقل والروح لكل من الرجل والمرأة

وفى القاموس العربى نجد معانى متعددة لكلمة القوامة ومنها الدعم والتقوي والرجال اختاروا التعريف المناسب لجنسهم وجعلوه سلاحا لا نكار مساواة النساء وأغمضوا العين عن صلة ذلك بالتعبير القرآنى (ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) درجة الضعف فى الميراث واعتبروا أن معنى (وللرجال عليهن درجة) تعنى السيادة ورغم الوضوح العام ان من اسباب إعطائه ضعفها فى الميراث له مقابلة فى واجب الإنفاق الذى يقع على الرجل وحدة

والقرآن الذى نزل باللغة العربية يُعد مرجعا لهذه اللغة ولا يستطيع الرجال الإفلات من التزاماتهم الواردة فى الصياغة اللغوية التى وردت فيها مسألة القوامة فى القرآن والتى تشير بأن عليهم واجبات ثقيلة تزداد أعباؤها بقدر ما يزداد تمسكهم بتعبير القوامة ولهم عليهن درجة فى الميراث لتمكينهم بأعباء الانفاق المفروض عليهم وليست درجة فى امور غير محددة الامر الوحيد الذى حدد ان له درجة اكثر فى الحقوق هو الميراث اما التعبيرات المكررة من نقص العقل والدين

فيجب المراجعة من الصحة والتوقيت والاسباب والزمن وخلافه ولا يجب التعميم والتضخيم والانزلاق فى النهاية الى العنصرية والظلم والتحقير والاستعباد اما موضوع الشهادة فهو من الواجبات وليس من الحقوق لان وزر الخطأ فيه كبير وتدور حوله نظريات كثيرة عن العاطفة وغيرها ولا يعنى هذا " التفوق " لان الله لم يقل إن الرجال فى مرتبة اعلى من النساء

لكن على الرجال مسئولية توفير الدعم والرعاية للنساء والعائلة وتحمّل كافة النفقات فإذا كانت المرأة تملك عقارا أو تربح دخلا من عمل لها فهذا مالها الخاص وليست ملزمة بالإتفاق منه على الاسرة وإذا أعطى الرجل شيئا للمرأة فلا يحق له أن يسترجعه مرة اخرى فى استطيع عند الغضب منها او الحاجة الشديدة للمال ان اطلب من زوجتى ان تُعيد الى بيتا كنت قد وهبته لها

وعلى الرجل ان يحمى الزوجة من أي شخص يريد ان يؤذيها وليست عليها مسئولية حمايته وإن لم تتحقق هذه الامور فهذا يعنى أنه لم يقم بواجبه والقوامة غير متحققة فى أيامنا هذه وهناك آيات كثيرة فى القرآن تتحدث عن المساواة بين الرجل والمرأة فى كل الامور واليوم تخرج النساء للعمل وبالتالى فإن فكرة التفوق فى الظروف المعاصرة باتت مُعرّضة للتمحيص التفوق مسألة تتعلق بالعصرنة وليس أمرا دينيا ومع ذلك فإننى أرى أن حقوق المرأة التى تنادى بها اليوم منصوص عليها كلها فى الاسلام بل وأكثر

ويخطىء الذين يفسرون ديننا من اجل وقف العصرنة فحسب ليست هناك مشكلة مع العقول القديمة لكن المشكلة مع طريقة التفكير القديمة لا بد من ضخ افكار جديدة فإن لم نُضف شيئا جديدا للحياة فلسنا أحياء وإن كنا أحياء فنحن أعباء على الحياة لأن هنا واجب كل إنسان

وقد وصى الرسول عليه الصلاة والسلام على الجيران حتى سابع جار فهؤلاء كالعائلة واليوم علينا مسئولية تجاه جيران اكثر ويقودنا الحس السليم الى التكيف مع كل جوانب الثقافة وخير مثال على هذا هو الانتفاضات التى اندلعت فى مصر عام 2011 فقد خرج المصريون بمسلميهم ومسيحييهم الى الشوارع وفى ميدان التحرير للمطالبة بحريتهم رغم ان البابا ايد مبارك ولكن الجماهير المسيحية انتفضت لحُريتها ومصريتها مثلها مثل الجماهير المسلمة فهم شركاء فى الوطن كانوا يعارضون حسني مبارك وحكمه العسكرى بسبب الفساد وهذا امر جلى فى تفسيرنا لديننا فينبغى ان لا نسمح للفاسدين بحُكمنا وتدمير الاقتصاد

وتقول التأويلات السعودية ويتبعها السلفية بناء على العقول القديمة والتى حاولوا نشرها أثناء الاحتجاجات ضد مبارك فى الشوارع : إن الرسول عليه السلام قال بأن طاعة ولى الامر واجبة ولو جلدك أو صلبك أو أخذ مالك واليوم لا يتخيل أحد بأن الدين يأمر بقبول مثل هذا القول وإلا فإن أى عاقل سيترك هذا الدين ويبحث عن دين اخر وأى صاحب عقل جديد سيفعل نفس الشىء

وقد ثبت ان هذا الحديث غير موصول وسلسلته مقطوعة والواقع انه ايضا يتناقض مع آية يأمر الله المسلمين فيها بعدم طاعة الذين يفسدون فى الارض ان من جلدك او صلبك او اخذ مالك هو مفسد وليس بمصلح والله يأمرك بعدم طاعته فهل يمكن أن يأمر الرسول عليه السلام بما يخالف ما أمر الله به ؟ حاشا لرسول الله الذى لا ينطق عن الهوى ؟

وقد ذهب بعض العلماء الى تبرير التفسيرات السعودية ولكنها لا تخدم إلا الطغاة والمستبدين ويرى الإخوان المسلمون أنه من الخطأ طاعة الطغاة وهناك مجموعات اخرى مستمرة فى فهم المسألة بذات العقول القديمة لا نهم مدعومون من قبل الطغاة من اجل نشر هذا المبدأ : لا تعصوهم فعصيانهم عصيان لله

يجب ان نذكر يقول الله سبحانه (ولا تطيعوا أمر المسرفين) (الذين يفسدون فى الارض ولا يصلحون) أي ان قولهم المتعارض مع القرآن غير منطقى وحتى أبو حنيفة لم يسلم من الهجوم عليه عندما أصدر فتواه بالخروج على الحاكم الفاسد ولو بالسلاح

وهناك تعبير شهير بين المسلمين وهو جزء من شعارات الإخوان القديمة وهو ان الموت فى سبيل الله اسمى امانينا ونحن نقول : ليس فقط الموت فى سبيل الله بل الحياة فى سبيل الله ايضا وقد وضح هذا المعنى الشيخ الغزالى رحمه الله وهؤلاء الشباب الذين قُتلوا فى ميدان التحرير وهو يواجهون حكم مبارك ماتوا فى سبيل الله لانهم لم يقبلوا وحسية الدكتاتور لقد دافعوا عن حقوقهم ونحن نقبل ذلك وتستوى لديهم الحياة والموت فى سبيل الله

الفصل الثانى عشر:حيرة الحكمة

"لا يمكن أن يوجد شىء اسمه حكمة بدون حرية الرأى ولا يوجد شىء يسمى الحرية العامة بدون حرية التعبير" بنيامين فرانكلين 1722

النقاش حول مقاصد الاسلام واهدافه يصل الى اسخن درجاته عندما يتركز حول احكام الشريعة فعلى مدى القرون فسرها العلماء والفقهاء واعلموا عقولهم فيها لكن ما يقلق أقساما كبيرة من المجتمع هو خوفها من أن الاسلاميين يريدون أن يفرضوا أنواعا من الأحكام استنبطها الفقهاء منذ اكثر من الف عام على كل انسان فى كل مكان وزمان ان يلتزم بها ومع ذلك فإن يوسف ندا يشير إلى أنه فى العالم الاسلامى كسائر مناطق الدنيا يمكن للقوانين التى أنشأها الانسان أو التى أوجدها الدين أن تستوعب أى حالة من الحالات فهناك من اسعة والمرونة ما لا يعلمه الكثيرون

وهناك نقطة يتحدث عنها الكل : الاسلام ضد الديمقراطية فلا رأيى أن هذا غير صحيح بالمرة فليست هناك ديمقراطية واحدة بل انواع مختلفة من الديمقراطية فالديمقراطية فى سويسرا ليست كتلك التى فى انجلترا فالديمقراطية السويسرية تقول ان التكلفة الاخيرة هى للشعب عن طريق الاستفتاء وهى كذلك فى انجلترا ولكن عن طريق البرلمان فالديمقراطيات متعددة ومتنوعة وثمة نقاط ضعف تعتريها لكنها تحاول تصحيحها لماذا لا يُسمح للمسلمين ان يهيئوا لا نفسهم طريقتهم الديمقراطية ؟ ولماذا ينبغى عليهم ان يبدءوا بديمقراطيات الاخرين وألا يصنعوا ديمقراطيتهم الخاصة بهم ؟

إن الهجوم على الشريعة الاسلامية يتعاظم مع مرور الوقت ليست المسالة ان المسلمين يريدون تغييرها بل إن هناك آخرين يريدونهم ان يقولوا إنها غير قابلة للتغيير إن الخوف من استغلال الشريعة مقدم على اعتبارها نظاما يمكنه التكيف مع القرن الحادى والعشرين والهجوم على الشريعة يأتى من أربع جهات : النظام الاقتصادى وحقوق المرأة والمواريث والحدود وأسباب مشروعية الحرب

هذه الامور تثير أسئلة وأزمات ففى مجال الاعمال تُحرّم الشريعة الربا : على حين ان النظام المصرفى العالمى الراهن يقوم على الربا وحتى فى الديمقراطية لا تجد نظاما واحدا للمواريث فلم لا نقبل نظام المواريث الاسلامى ؟

ونعود الى المبدأ القائل بمسئولية الانسان فتفوق الرجل واجب اكثر مما هو حق وعندما تحلل هذا التفوق فسوف تجده خواء إنه مجرد تعبير اصطلاحى دون قوة حقيقية وإذا نظرنا من وجهة النظر المادية فإن الرجل يضحى من أجا المرأة والعكس ليس صحيحا وحتى التعبير الاصطلاحى الذى يحمل أكثر من معنى اختاروا ما يناسب تقاليدهم وفكرهم ومصالحهم من المعانى وأوقفوه هناك وادّعوا أنه لا يحتمل إلا ما يقولون واتهموا من ينادى بالمعانى الاخرى بالمروق

والتفسير الجديد للعقوبات فى الاسلام تدعمه نصوص من القرآن الكريم وسلوك النبى صلى الله عليه وسلم والخلفاء فالعقوبات فى الاسلام ليست للعقاب وإنما هى لمنع الفرد من الإضرار بالمجتمع ونحن باعتبارنا مسلمين علينا أن نتبع كلام الله وكلام الرسول وأى شىء عدا ذلك فهو من صنع البشر

نحن نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليعلمه الاحكام التى يريد منا اتباعها فاكتسب النبي شرعيته من الله لكن من جاءوا بعده وانشغلوا بحفظ او ذاك كل ما جاء يعد القرآن والسنة من أقوال هى من اجتهاد البشر ولنا الحق فى مناقشتها ولنا الحق فى تغييرها وإذا كانت النصوص تحتاج إلى تأويل فنحن أحرار فى تأوليها كما فعل من سبقونا بعد أن نتسامح بالعلم والادوات التى تمكّنُنا من ذلك فهم لم يحتكروا ذلك خالصا لهم

وقد تجد فى الاسلام طرقا لتغيير العقوبة التقليدية الى طريق اخرى يمكن ان تصل الى الهدف لكن بطريقة مختلفة قد تكون قاسية لكن خالية من الانتقاد والقناعات المتعارف عليها ويتوقف الامر على عقول الناس للوصول إلى شىء جديد دون اتباع الماضي ينبغى تحقيق مقاصد الشريعة ولكن بوسائل مختلفة لا تتعارض معها

نحن نقبل اننا عندما نذكر العقوبة فهذا يعنى القانون الهيكل القانوني إن ما أعتقد أنا والإخوان المسلمين هو أن القانون يجب أن يوقف ما نعتبره جرائم قد تقول أنت : هذه ليست جريمة هذا شأنك ولكن لنا طريقة تفكيرنا المبنية على التعاليم الإلهية وهذه هى طريقة تفكيرنا

فالديمقراطية ما زالت تنمو إنها لم تتوقف أنا ى أقول ديمقراطية إسلامية وإنما أقول ديمقراطية وحسب وهذا ما نطالب الاسلام لان الاغلبية العظمى من السكان مسلمون فإذا أقمت نوعا من الديمقراطية يناقص عقيدتهم فلن يتقبلوها ونحن لا نبتعد عن ذلك اذا قلنا ما لا يتعارض مع مبادىء الاسلام عندئذ يجب ان تكون لديك الادوات السليمة لتأويل هذا الاسلام الذى لا تريد التناقض معه

يجب الا يحتكر احد التأويل هذه نقطة هامة للغاية إذا قلنا عن شىء إنه لا يتعارض مع مبادىء الاسلام وليكن الديمقراطية على سبيل المثال وقَبلت بذلك الاغلبية فهذا الشىْ يصبح القانون سيقول البرلمان الجديد هذا الامر يتعارض مع ذلك هم أحرار فى أن يقولوا هذا وسوف يقول شخص آخر : إن كلاهما غير صحيح وليس يتعارض وعلى كل منهم أن يقدم الدليل ويقنع الاغلبية هذه هى الديمقراطية ولا يجب أن يحتكر احد الحقيقة بمفرده

وهنا ينبغى ان يكون لديك نظام خاص للحكم على التأويل وشرحه لأولئك الذين لا يمتلكون الادوات اللازمة للتبين من انه موافق او مخالف للإسلام فرجل الشارع لا يستطيع ان يفعل ذلك والمسلون لا يعيشون بمفردهم فى هذا العالم وإنما يشاركون فيه مجتمعات وديانات اخرى فكيف يَسلكون إزاءهم ؟ وكيف سيعاملون ويقبلون معاملتهم إياهم ؟

لم يحافظ الاغريق او الرومان على التزاماتهم مع الشعوب الاخرى فالبابا نيكولاس الرابع اعلن ان الاتفاقات مع غير المسيحيين لاغية ولا قيمة لها وارسل لملك " هنجاريا " لينقض معاهدته مع السلطان مراد الثانى وقال له : العهود التى تُعطى للكفار لا قيمة لها وقد رخص لاتباعه ينقض اتفاقهم مع الاتراك (السلطان مراد) لانهم يتبعون دينا مختلفا اما الاسلام فلا يرضى بهذا فى الاسلام إذا لجأ عدوك غليك يجب ان تحميه من عدوه حتى وإن كان هو أيضا عدوك أو على غير دينك

ويشرح يوسف ندا هذه النقطة قائل خذ مثالا حالة اسامة بن لأدن عندما اتخذ السودان مقرا له ورفض السودانيون مطالب الامريكين بتسليمهم اياه لم يكن السودانيون يحتكمون هنا الشريعة فى الحكم لكنهم فى هذه المسألة اعتمدوا عليها لتبرير موقفهم فأسامة كان هناك عندما طلبه الامريكيون وعند ذلك اتاح له السودانيون امكانية الهرب اعتمد السودانيون على مبدأ فى الاسلام يوجب عليهم عدم تسليم انسان لعدوه اذا جاءهم هذا الانسان طالبا منهم الحماية

إن القاعدة اساءوا فهم الاسلام وتحولوا الى قتلة وقد خرجت تصرفاتهم عن الدين عندما اصبح كثير من ضحاياهم من المسلمين بل ضد الانسانية جمعاء (من قتل بغير نفس أو فساد فى الارض فكأنما قتل الناس جميعا) هذا ما اعتقده والسبب هو ان اكثر قتلاهم هم المسلمون لكن السودانيين استخدموا نقطة جيدة من مبادىء ديننا وهذه معضلة حساسة لاولئك الذين لا يجب ان يتجادلوا معها بضميرهم ودينهم ولا يرون هذا الظرف إلا ابيض أو أسود وأنا أفهم ذلك لكننا يجب أن تتخلى بالصبر واللباقة كى نحل المعضلة برمتها ونصل الى التوازن بين الفكر المتشدد والفكر الاكثر تكيفا مع عالم اليوم الذى نعيش فيه بتجديد الفقه مع الالتزام با لشرع

نحن نعيش فى عالم من الفوضى الاخلاقية والاسئلة والتحديات امامنا هائلة ولكن يجب الا نتجاهلها يجب ان نتغير مثلما يتغير العالم ويدور ويجب الا تتمادى ونتوسع فى توسيع ترجمات الثوابت بحجة الورع فنُضَِيق على المؤمنين ما وسعه الله أو ما قال عنه إنه يسوءكم

بدأت جماعة الإخوان المسلمين فى مصر عام 1928 بنواة صغيرة من سبعة افراد فى مدينة الاسماعيلية الواقعة على قناة السويس والتى كان يتولى امرها الفرنسيون ثم حل محلهم البريطانيون عندما احتلت بريطانيا مصر وفى تلك الفترة كافحت الجماعة من اجل البقاء ثم تعرضت فى فترات لا حقة للحظر والاضطهاد

ويرى يوسف ندا انها " تجمع انسانى يسرى عليه من مراحل النمو والتطور ما يسرى على الانسان كانت تمر بفترة اشبه بما يمر به الانسان من مراهقة لم يكتمل نضوجها فى اول نشأتها ولا يمكن ان تُحاسب البالغ على تاريخه لان تصرفاته عندما كان مراهقا وسميت هذه المرحلة من عمر الانسان بالمراهقة لان تصرفاته وتفكيره فيها يختلف عنها فى مرحلة نضجه والتجمعات الانسانية لا تختلف عن الانسان وهو المكون الاساسى فيها "

ويكمل يوسف ندا قائلا : وكل جيل يمر كانت تنمو عملية إنضاجه فى كل اتجاه كان مؤسسها الاستاذ حسن البنا مدرسا وكان أعضاؤها الاوائل من العمال والعاملين بشركة قناة السويس ثم التحق بهم فى السنوات الاولى عدد كبير من الطلاب ثم من طلاب الجامعة ومع تقدم العمر زاد نضج حسن البنا وزاد علمه وخبرته ومع التوسع فى عضوية الجماعة اصبح بها العديد من اساتذة الجامعات الاجيال الجديدة تختلف تذكَر المعاملة القاسية لسنوات طويلة عندما كان على الإخوان ان يدافعوا عن انفسهم كان عليهم دائما ان يفكروا كيف يدافعون عن انفسهم

انا احس بمشاعر اولئك الشباب الذين اوذوا او قتلوا وهم يحاولون الفوز بحريتهم فى مصر اكثر من أي مكان اخر وانتابنى شعور باليأس عندما نزل الناس الى ميدان التحرير فى القاهرة وحلقت فوقهم احدى المروحيات ثم تبعتها احدى المقاتلات التابعة للجيش وحتى الان لم يناقش هذا الامر ولكنه اخطر مما نوقش من القتل بالدبابات والرشاشات

ومن اجل مصر وحقوق الشهداء يجب على من يتمتعون بثمار الحرية الا ينسوا الشهداء والمعوقين الذين دفعوا حياتهم ودماءهم ثمنا لهذه الحرية يجب ان يعاد التحقيق فى امر هذه الطائرات التمثيليات الهزلية الركيكة التى يقوم بها المدعى العام الذى يعلم كل مصرى انه كان من اكبر الالات التى استعملها مبارك فى إذلال هذا الشعب وأحراره الشجعان بإرساله بعض الاسماء للمحاكم بقضايا تافهة وقرائن أتفه لذر الرماد فى العيون

لقد اعطى الوقت والامكانيات للقتلة واللصوص ان يفلتوا من عذاب الدنيا فهل سيفلت هو وهم من حساب الاخرة ؟ وهل هذا الافلات فى الدنيا سيتمر ام سيرسل لهم الله من يقتص منهم بالقانون الذى اخترقوه وتخطوه وتلاعبوا به ؟ ليس الامر رحمة وتسامحا انها دولة وشعب وبنية اساسية لمجتمع القانون الذى يحذر الظالمين (ولكم فى القصاص حيوة بأولى الالباب)

لدى صديق دهست ابنه احدى الدبابات فهشمت جانبا من وجهه وقد زرت الشاب فى المستشفى فى لوسيرن وفيينا مرتين وما نمت ليلة الا ورايت وجهه واصابته وما يقلقنى ليس معاناته الرهيبة هو وغيره فحسب وانما ان تقضى هذه المعاناة الى لا شىء فبعد طرد مبارك الم يكن قادة جيشه هم الذين خلفوه من الذى جعلهم قادة ؟ من الذى اختارهم لمناصبهم ؟ انهم مبارك ما أساس اختيار هؤلاء الاشخاص ؟

الولاء الفساد هل يمكنك ان تتخيل ان اصحاب الولاء للدكتاتور الذين يعيشون فى بذخ وتمت ترقيتهم من قبل نظام فساد يستطيعون إعطائك ما تتوقعه ؟ انا اعيش الان خارج مصر وأستطيع انظر واحكم بالمنطق وليس بالعاطفة لقد مر اكثر من عام ونصف على احداث يناير ولم يحدث شىء ما لذى كان الناس يتوقعونه ؟ هل كانوا يظنون ان الجنرالات ملائكة ؟ وانهم سيعطون الناس ما يطلبونه ؟ عندما تحكم بخبرتك ومعرفتك وفى وجود الحقائق وشواهد التاريخ ينبغى ان نقول لننتظر ونرى ؟

عندما تولى مبارك السلطة بعد مقتل السادات التقى يوسف ندا فى مكة المكرمة بأحد مستشاريه محيى السعيد حماد كان طبيبا برتبة لواء فى الجيش وكانت زوجته الفاضلة استاذة جامعية فى الزراعة وتُدرس فى جامعة البنات بالرياض وعندما قابله يوسف ندا فى مكة المكرمة قال له : تستطيع ان تغير تاريخ مصر وان تقدم افضل عمل لبلدك وشعبك " فتساءل محيى وكيف ذلك ؟ فأجاب ندا  :" لانك تستطيع الوصول الى اذن الرئيس " ان له مستشارين سياسيين لكنهم يلعب احدهم ضد الاخر اما انت فلست من رجال السياسة ولذا فعندما تقول شيئا سياسيا فى لحظات ضعفه الصحى فربما يستمع لك اكثر مما يستمع لهم

كانت المشكلة مع السادات ان يديه مُخضبتان بالدماء فقد قتل بعض الاشخاص وجاء اشخاص غيرهم وانتقموا منه وقتلوه اما مبارك فلم تكن فى يديه دماء حين جاء الى السلطة فهذا الرجل يستطيع ان يبدأ عهدا جديدا بين الحاكم وبين الشعب نحن نفهم ان الحاكم لا يستطيع ان يحقق جميع امال الشعب فهناك اوضاع دولية وهناك موارد محدودة

لكن اذا انفتح مبارك على الشعب ولم يتعامل معه بقبضة حديدية فبمقدورنا ان نطلب من عمر التلمساني مرشد الإخوان ان يسير مظاهرة من مليون او مليونين من الناس تتجه الى القصر الجمهورى لتُقدم قائمة بمطالبة الشعب ويمكن ان تناقش هذه القائمة سلفا ويمكن للرئيس ان يقرر تنفيذ بعض مطالب الشعب على الفور اما البعض الاخر وبخاصة الاقتصادى فيقول انه يحتاج الى وقت فلا يمكن تحقيق كل شىء دفعة واحدة وبإمكانة أن يعد بالنظر فى بقية المطالب والامر بما يمكن تنفيذه منها فى الوقت الملائم ويوجهه الاعلام لتفسير الاسلوب الجديد للرئيس الجديد فى علاقته بالشعب

وبهذه الطريقة يبدأ التعاون بين الحاكم والشعب فالنية الحسنة موجودة وله من وسائل الاعلام ممن يقنعون الناس بما منعه من تنفيذ بعض المطالب ولا يكون ذلك بالأوامر او التناحر او القوة هذه فرصة يجب انتهازها بدلا من اللجوء الى الطرق الاستفزازية لإسكات الشعب

فأجابه حماد " من الافضل ان تكتب له ما تريد وسوف اوصله اليه " فذكره ندا بما يقال عن مبارك انه لا يجب القراءة لكن حماد اصر على رايه فقال ندا : حسنا سأكتب " واتصل ندا بالاستاذ عمر التلمساني لاخذ الموافقة وارسل له صورة ما كتب فى ثلاثة ارباع الصفحة مع الحاج حسني عبد الباقى عضو مكتب الارشاد الذى كان فى مكة من اجل العمرة وبارك الاستاذ عمر الخطوة وسلم ندا الرسالة لمحيى السعيد حماد وقال له : وإذا احتاج الامر فأنا مستعد للمجىء فوافق محيى السعيد حماد قائلا : سوف نلتقى هنا ثانية بعد شهر واحد فى نفس المكان لنرى ما يحدث

وعندما التقيا للمرة الثانية قال محيى السعيد حماد ليوسف ندا " لقد أوقعتنى فى مأزق  !" فطالعه ندا بنظرات حائرة حتى شرح حماد كيف ان مبارك قال له " هل أنت مجنون ؟ هل تريد منى أن اقابل عمر التلمساني " بتاع " الإخوان المسلمين ! هل تعلم ماذا سيقول السفير الامريكى والسفير الاسرائيلى عندئذ ؟ هل تعلم ما النتيجة عندما يعرف الامريكيون والاسرائليون بأننى قابلته ؟ وأنت تريد منى ان اقابله علنا

ويعلق يوسف ندا على ذلك قائلا " هذه هى طريقة مبارك فى التفكير وكان هذا بعد شهرين فقط من توليه السلطة فسرها كما تشاء لقد رويت لك القصة كما هى شرحت للرئيس باختصار وتركيز : ان يديه نظيفتان من الدماء ومن السهل جدا ان يصبح محبوبا من الناس بأن تكون لديه الوسائل للحوار معهم عوضا عن استفزازهم – هذا ما ذكرته فى الخطاب إنها بداية عهد جديد وهو جاء كبطل وليس حاكما لم اقل دكتاتورا – أنت بطل ولست حاكما فقط

لكنه لم يرغب فى إغضاب الامريكيين والاسرائيليين وهو يعلم ان الاجتماع المفتوح سيفعل ذلك لقد مكث فى الحكم أوقاتا طويلة وكان حصوله على تأييدهم أكبر همه ويعتبر الامريكيون والاسرائيليون الإخوان المسلمين عدوهم الأد ويرجع ذلك لسبب واحد : ان الإخوان المسلمين لا يقبلون بالوضع القائم فى فلسطين ولكننا لسنا ضد اليهود او ضد غيرهم – نحن لا نؤيد هذه الاوضاع ونعتبر الفلسطينيين ضحايا وأصحاب حق

يقول يوسف ندا : ومن المؤلم انه فى لحظة من لحظات تسجيل فصل من تاريخ الجماعة فى سلسة بلا حدود المشهورة بمنشئها ومقدمها الاعلامى الفذ احمد منصور وذكرت هذه القصة فخرج علينا عضو مكتب الارشاد فيه رعونة وتسرع وسفهنى وكذب ما ذكرت وذكر بفخر ان له صلة بمستشارى مبارك السياسيين وهم الباز والفقى ولم يخطر بباله ان هذه الخطوط هى للتنفيذ وليست للتخطيط وأنها السد الذى يوقف الحوار وهذا هو السبب فى اختيارى مستشار مبارك الطبى لنقل الرسالة ولم يستوعب الاخ عضو مكتب الارشاد فى هذا الوقت ان اهم ابجديات السياسة هى طرح رؤى غير معتادة متضمنة طرق توليد القناعات بها وإخراجها

وتدخل العالمان بالامور وهما المرشد ونائبه رحمهما الله برسالتين لأحمد منصور وكتب له المرشد الاستاذ مصطفى مشهور : إن الاستاذ يوسف ندا مُفوض العلاقات السياسية الدولية لإخوان المسلمين هو محل الثقة والاحترام وإنه التزم فى كل ما أورده بالحلقات التى تذيعها له قناة الجزيرة بالدقة والامانة والصدق

وكتب الاستاذ مأمون الهضيبى نائب المرشد : إن ما ورد بموقع " إسلام أون لاين " منسوبا إلى بخصوص الحلقات التى تذيعها قناة الجزيرة للاستاذ يوسف ندا مفوض العلاقات السياسية الدولية للإخوان المسلمين فى برنامج شاهد على العصر وقع تحريف بحقيقة ما تحدثت به وأؤكد أن الاستاذ يوسف ندا التزم الصدق والامانة والنزاهة فى جميع ما أورده ونُشرت رسائلهم ولم أعلق من طرفى وكأن الامر لا يتعلق بى

اما هذا الاخ فلم يع الدرس ويتخلص من رعونته حتى جاءته نوبتها مرة اخرى بعد أكثر من عشر سنوات فقذفته خارج الجماعة واغتر وغُرر بغيره وخسر فيها اشرف انتماء قضى فيه اشرف سنوات حياته

لم تكن هذه هى المرة الوحيدة التى أواجَه فيها بالتسرع والرعونة من عضو مكتب إرشاد يخرج عن المنظومة ويستعمل الفاظا واسلوبا لا يلقيان بالمكتب الذى ينتسب اليه ولكن حدث مثل ذلك من قبل اثناء محنة 1965 من ارعن اخر ولست فى حل من ذكر التفاصيل حيث كانت فى حلقة ضيقة ولم تكن فى وسائل الاعلام وكانت فى وقت محنة وقد توفاه الله الذى أسأله ان يغفر له ويحشره مع الصالحين المرة الثالثة

والقريبة عندما تحدثت فى الاعلام عما رُبيت عليه فى صفوف الجماعة خلال 63 عاما من فكر عن حجاب المرأة وعدم تفكير الشيعة كطائفة من طوائف المسلمين ولو اختلفنا معهم فى بعض الطقوس والمفاهيم التعبدية والتعقيدات السياسية الظالمة التى استُعمل فيها الدين والتيارات السلفية سواء السُنى منها أم الشيعى لإثارة المعارك بين المسلمين وعرضت كتابى على مرجعى وهو المرشد الاستاذ محمد مهدي عاكف هذا الجيل الصامد الشامخ

الذى كان لنا قدوة فى ثباته وفهمه وتفانيه وظل أحد الحصون المنيعة التى حافظت على أعمدة الجماعة وفكرها وتنظيماتها خلال المحن المتتالية من جهاد وسجون وسر وعلن وصدام ولين فى داخل مصر وخارجها فاعترض المرشد على بعض ما كبت وشطبه وأجاز نشر الباقى وفجأة ظهر من مكتب الارشاد من نفشت لحيته من آثار اختراق فكرى سلفى منغلق فى وسطية فكرنا المعتدل وادعى أن فكره هو فكر الجماعة

وفكر مكتب الارشاد وأنا لم أدع ذلك ولكن تحدثت عما رُبيت عليه فى الجماعة التى شرفنى الله بالتربية فيها قبل ولادته أو لعله وقتها يمص أصابعه واستعمل ألفاظا فيها سب وتحقير واستعلاء اعتاد الناس ان يسمعوها من المتنطعين ذوى الفكر واللسان السلفى المنغلق والمتطاول ولا عجب فهو ناتج من نتوآت محاولة الغزو السلفى للجماعة

وختم قوله باسمه وأنه عضو مكتب إرشاد الإخوان المسلمين وكاد أن يخلق فتنة فكرية وسياسية وأدها إعلان مكتب الارشاد بالقول إنه لا رأيى ولا رأيه يمثلان راى مكتب الارشاد وأنا لم أدّع أن راى هو رأى المكتب ولكنه ادّعى ذلك انا اعود لهذا الموضوع لتثبيت قواعد تنظيمية وهى ان أي عضو مكتب إرشاد او ناطق باسمه يجب الا ينسب رايه الشخصى للمكتب ويورطهم جميعا بحدود افقه او علمه الا ان يكونوا قد اجتمعوا هلى هذا الراى

وحتى عندما يختارون احدهم ليكون الناطق باسم المكتب يجب ان يكون امينا ولا ينطق برأيه هو فهو ينطق بما أملاه عليه من ينطق بأسمهم وليعلم – إن لم يكن يعلم – أن من رضينا أن ننعتهم بأنهم أعضاء إرشادنا ليسوا أعلمنا وليسو اتقانا وأنهم ليسوا آباءنا أو ملوكنا ولكنهم اختيروا ليسترشدوا بعد الشريعة بآرائنا ليمثلونا بها

وينظمونا بها وكما هو واجب علينا أن نلتزم بها فعليهم ان يلتزموا بها وان موقعهم يفرض عليهم التواضع وليس الصلف الزائف وان لله العزة ولرسوله وللمؤمنين وليس لهم وحدهم إن التواضع وتجنب الاستعلاء ضرورة من ضروريات القيادة الصالحة (وقولوا للناس حسنا) (وجادلهم بالتى هى أحسن) (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) (فقولا له قولا لينا) (واخفض جناحك للمؤمنين)

اما من يشق الصف بالإصرار على رأى يخالف رأى الجماعة فلا يستحق ان يكون فردا فيها والنصيحة لها اسلوبها الشرعى مع مراعاة ما يجلب المصلحة ويدرأ المفسدة وقد حارت قواعد الجماعة من التخبط فى البيانات التى يُصدرها هذا الناطق بأسمهم فمرة يصدر بيانا ثم يصدر عكسه أو ينكر قوله أو تُبذل محاولات لتبريره وتزيينه فتزيده قُبحا

ان هذه الوظيفة رغم أهميتها يجب أن تُحّدد معالمها من المكَلّف إلى المُكَلّف بها والانفلات محتمل فى كل الاوقات ولكن لا يجب السكوت عليه بالمجاملات الجماعة مؤسسة وليست ضيعة والناطق باسمها يجب الا ينطق باسمه او فكره او بما يرى ويجب ان يحدد له ما يقول فهو ناطق وليس مقررا او راسما لسياسة او مقرر فتوى وبوضوح اكثر هو صوت سيده

لم يكن الاول ولن يكون الاخير من الفُرَادى الذين يهجرون واحة الظلال المؤمنة ويهيمون فى صحراء الانا ان تختلف فى الرأي او حتى فى المزاج مع أي اخ مهما كان موقعه فى الجماعة فهذا شأنك وحقك ولكن ان تسفه الجماعة وتنتفخ اوداجك بالهجوم عليها فهذا ما لا يمكن التغاضي عنه ومهما كان موقعك او علمك فلن يملك أي مخلص فيها الا ان يعرض عنك ويلوذ بجماعته ويندد بعدم وفائك ولو دعونا الله ليغفر لك

ثم جاء مرشد الانفتاح الاستاذ محمد عاكف أطال الله فى عمره ووهبه الصحة والقوة وقال قولته : إن كل منتسب لهذه الجماعة هو ناطق باسمها فإن أخطأ صححنا خطأه وأعلنا الصواب وانا لا اتفق مع هذا الراي قد يؤدى الى البلبلة وتناقض التصريحات ومازلت ادعو لضرورة وجود هذا الموقع مع تحديد صلاحياته

وكانت لي تجربة مريرة مع المتحدث باسم المدعى العام الفيدرالي السويسري واسمه " فيدرر " حينما صرح بعكس الحقيقة وقال إن مكتب المدعى العام الفيدرالى وجد ادلة تُثبت تمويلنا للارهاب وأخطرت وزير العدل وذهبت للمحكمة العليا ولم يهدأ لى بال حتى أُجبر على ترك وظيفته وذهب ليعمل راعيا فى كنيسة بقريته

القول بأن هذه الانتقادات العلنية تُضعف الصف وتُوجد البلبلة هو قول ساكنى الكهوف ومناضلى الحركات السرية والطرق الصوفية وضحايا الانظمة الدكتاتورية الذين يتحتم بعد تعافيهم من الابتلاءات التى تعرضوا لها ان يمروا بمرحلة إعادة تأهيل ليتواكبوا مع المتغيرات الانسانية العلمية والدولية بل وحتى المستجدات من المفاهيم الشرعية التى تكون قد حثت وهم تحت الارض او فى السجون وقد مررت انا من قبل بهذه المرحلة

العالم الان مفتوح لا يخفى فيه شىء وقد كانت التعليمات والاخبار تَصلنا فى نشرة سرية يستغرق وصولها أياما بل أسابيع وفى بعض الاحيان شهورا إلا أنها الان تصل بلمسة أصبح على زر وكأنها جن سليمان الذى أحضر عرش بلقيس هناك ضرورة لمناقشة الاخطاء لتفادى تكرارها وليس للتنديد بفاعليها فنحن مؤسسة عامة من يسمع عنا يقيمنا بعقله المحايد إن كان محايدا عندنا ولانتهم الآخرين بالصمم والعمى وحتى من كان بيننا واختل يجب علينا أن نحاصر خلله ولو دعونا له بالهداية

اعود الى فلسطين انهم شقوا الشوارع وانشئوا الطرق حولها من كل جانب وزرعوا المستوطنات فى اراضى الفلسطينيين هذه ليست بلدا ولا دولة كيف تحدد ان هناك دولتين ؟ لا يمكن فى نظرى يجب أن يكون هناك ترتيب ليس دولتان منفصلتان دولة واحدة فيدرالية بها ولايتان وحقوق متساوية مثل الولايات المتحدة الامريكية

يجب ان يبدأ الناس فى العيش معا ومع مرور الوقت سوف يعتادون على العيش معا وفلسطين بوضعها الراهن عار على الانسانية إنهم يُنشئونها بطريقة خاطئة طريقة لن تكتمل أبدا أنت تقول لتكن دولتين ثم تأخذ الارض وتُمزقها الى قطع أنت لا تعطيهم الماء ولا تقول الى أي دولة منهما يذهب إذا كان ثمة نوع من المساواة فقد يمكن القبول بها

اذا قبلت بالظلم مرة فسوف تقبله فى كل المرات ليس فقط مع عرق واحد او بلد واحد او شعب واحدة او منطقة جغرافية واحدة إما أن تقبل بالظلم وإما أن ترفضه العدالة لا تتجزأ فإما أن تُصف الحالة وإما بالظلم ليس هناك نصف عدالة إنه اصطلاح لا يقبل التجزئة يوجد اكثر من نوع من الوحدة الفيدرالية الدولة الواحدة هى الحل أعطوا " الفلسطينيين " أسباب الحياة اعتبروهم مواطنين من أهم الاسباب التى تجعل ولاء الانسان لبلد ما أن يعطيه هذا البلد حقوقه هذا ما أجده هنا فى سويسرا

هؤلاء الفلسطينيون مخلصون لوطنهم كل الاخلاص حتى لو لم يُعطوا كل شىء فهناك على الاقل مستوى للبداية هناك فرصة أمام كل واحد ليثبت وجوده لايعانى من التمييز ضده لانه فلسطينى او يتعالى لانه يهودى كلاهما مصاب وكلاهما يحتاج الى العدل احدهما يحتاجه اكثر من الاخر احدى الضحتين ضحية لطرف ثالث والضحية الاخرى ضحية للضحية الاولى ما كثير من الامور فى السياسة لم تاخذ حظها من الاهتمام

فى جنوب افريقيا مازال الظلم لان واحدا ينحنى للآخر واحد قيل ان ينحنى والاخر تنازل عن بعض الاشياء انظر اين كان مانديلا واين هو الان ؟ وماذا يفعل قبل ذلك ؟ أى إنسان يريد العيش فى سلام عليه أن يفهم هذا المصطلح " الحل الوسط " لقد قبل مانديلا بالحل الوسط ورغم ذلك فأمريكا تضع شرطا فى هذه المنطقة وهو ان الاسلام يجب اضطهاده بإمكان الامريكيين أن يربحوا أكثر إذا لم يمسوا قيم المسلمين وعقائدهم حتى إذا كان هناك بعض المسلمين يُحرفون تفسير الاسلام فإن تصحيح هذا الانحراف من شأن المسلمين

اذا استخدم الاسلام المحرف فى جرائم فيجب على الغرب ان يحاربوا هؤلاء كما يحاربون أي جريمة لكن لا يحشرون الدين كله وجميع اتباعه فى سلة واحدة ويميزون ضدهم ويحاربونهم ان التفاسير المنحرفة للاسلام حولنا فى كل مكان وليس غير المسلمين وحدهم من لايحبون هذا الاسلام المشوه فنحن لا نحبه إطلاقا نحن ضده وحتى فى صفوف الإخوان هناك البعض ممن تختلط عندهم افكارنا مع رواسب من تفسيرات الفكر السلفى الذى تعمد ساسته ان يغزوا به الفكر الإخوانى فى معاقله بعد ان فشلوا فى منافسة الإخوان فى كسب العقول والقلوب

انا لا اتحدث عن علمنة الاسلام ولكن ما اعنيه هو عصرنة الطريقة الاسلامية فى التفسير وليس علمنة الاسلام والعيش فى الوقت نفسه فى القرن الحادى والعشرين لقد عشت كل حياتى احاول مساعدة الناس بقدر ما استطيع كنت حذرا جدا كنت متبعا للقوانين واجتهدت فى المساهمة فى اقتصاديات عدد من الشعوب لم ارتكب شيئا ضد امريكا او ضد أي قوة فى أي مكان باستثناء عبد الناصر والقذافى وعلى الرغم من اننى اقول إنه من المباح أن تستخدم العنف ضد شخص ما إذا كنت تدافع عن حياتك أو وطنك فإننى شخصيا لم أستطيع لم أستخدم العنف فى نضالى ضدهما

انظر الى تاريخ الإخوان المسلمين ليس فقط فى مصر بل ايضا مع الحكام فى الشرق الاوسط فى عام 1982 فى سوريا هاجمت قوات النظام مدينة حماة وفى خلال ساعات قتلت 30 الف شخص وقبل ذلك وبعده ظلت تحكم سوريا دولة بوليسية وحتى بعد الثورة التى اعقبت الربيع العربى كلنا ضحايا الآلة الاعلامية ونحن بين حجرى الرحى فالناس العاديون المطيعون للقانون قد حُصروا بين رجال الارهاب المجانين والحكومات الدكتاتورية المستفزة من قبلهم

يرون خطر الاسلام والقاعدة هذا الشبح ماثلا فى كل مكان وكلما رأَوْا أناسا يُصلون يظنون أنهم من القاعدة أو أرهابيون أنت تعرف رأيى فى القاعدة إنهم قتلة وخارجون عن الدين لأن أكثر قتلاهم هم من المسلمين وهم ضد الانسانية جمعاء هذا ما أعتقده لكنهم ليسوا كثيرين وهم ليسوا هم مُهرجون مجرمون

وبسبب هؤلاء الناس الذين لا قيمة لهم تهاجم السلطات العالم كله وتُعامل كل واحد فى المطارات معاملة المجرمين قال " جورج بوش " إما أنك معى وإما أنك ضدى وقد تبعه الجميع لماذا يقبل العالم هذا التصنيف ؟ أولئك الوزراء والحكومات وأجهزة الامن فى كل دولة كيف يتعاونون فى هذا الامر ؟

لقد جعلوا من شبه المستحيل على الناس المعقولين ان يسافروا حول العالم لتسيير اعمالهم دون ان يجتازوا حواجز الاذلال الامنية التى لا نهاية لها ولا عبرة لما وضعوه من القيود فالذين ينوون الشر سوف يجدون لا نفسهم طريقا والذين أُضيروا فى الحقيقة هم الناس الطيبون الابرياء المُسالمون كما أن القيود والتعليمات التى فُرضت على عالم الاعمال تساهم فى صعوبة الوضع فى الاسواق المالية مما يتسبب بدوره فى إثارة المشاكل والمسائل القانونية

ان منسقي الاتحاد الأوربي يصدرون الكثير من القوانين التى يصعب تنفيذها فى هياكل مصرفية معقده ولسوء الحظ لا تملك البنوك فى ايامنا هذه النقابات المدافعة عنها وتُلام البنوك على تمويل الارهاب وعلى البؤس الاقتصادى فى العالم والسياسيون قد ارهبتهم الحكومة الامريكية فأصبحوا يتبعون تعليماتها جون تبصر واى واحد يعارض سوف يفقد وظيفته او يرسلون له خادمة فى فندقه تتهمه بسلوك جنسى مشين ان سرعة تدوير المال هى اهم عامل تستخدمه البنوك لمساعدة الاقتصاد ولتتمكن من إعادة إدارة خسائرها وديونها السيئة خلال المال الساخن وعندما تتباطأ الحركة سينكشف كل واحد كما لا يمكن تجنب الانهيار

لقد اختفت الطرق الجيدة والشريفة للحياة ولممارسة الاعمال كنت اسير فى فيينا مقر بعض عملائى المهمين وبالمصادفة رآنى احدهم فصاح قف ! ياسيد ندا نريد ان نناقش بعض الاعمال تعال وكنا قريبين من اكبر بنك تعاملت معه فى ذلك الوقت وهو " كريديتانشتالت " دخلت البنك وعند اول مكتب رتبوا لنا الاجتماع فى غرفة خاصة مزودة بالشاى والبسكويت لم يسألنا أحد عما يُثبت هويتنا لقد رآنى مدير البنك وكان هذا كافيا

الان الات التصوير مخبأة فى جميع الاماكن وقضبان الصلب مقامة على النوافذ إنها عدوان على الاشخاص وليست حماية لهم سر الحماية هو الرقابة الصامتة لماذا لا ندرسها ونستخدمها ؟ هل انتظر حتى يهاجم اللصوص البنك ثم أقبض عليهم ؟ إذا أنت أحكمت أساليب الوقاية فلن يهرب أحد هذا يشبه تبرير الاعتقال والتعذيب غير القانونيين إنك لا تستطيع إيقاف مؤتمرات هؤلاء الاشخاص السيئين دون الحصول على معلومات منهم بأى طريقة تقدر عليها نعم نحن نريد حماية المجتمع من الجانب الاخر الجانب المظلم لكن هؤلاء الاشخاص بشرويجب الا يعذب أي انسان هذا امر محرم قانونا ولكن سيستمر حدوثه اشياء كثيرة جَدّت قيم عصرنا وقرننا

منذ يومين عُرض فى التلفاز فيلم من سوريا راينا فيه بعض المتظاهرين وقد قُيدت ايديهم خلف ظهورهم وأُلقوا على وجوهم فى الشارع ورأينا البعض الاخر وهم يضربون على ظهورهم وتحرك احد هؤلاء الرجال فأصابته طلقة نارية فى راسه طاخ من الذى يتحدث عن التعذيب ؟ أين هو ؟ هل حقيقى أن العالم يمنع التعذيب ؟ لماذا يغلق كل اسان فى العالم فمه ؟ لماذا لا يتحرك أحد ؟ كل واحد يعرف كل واحد يرى ذلك لكن مامن أحد يفعل شيئا لان الذين يستطيعون إيقافه يفعلونه بدورهم

ماذا عما يسمى فى القانون الدولى بمبدأ international gus cogens وهو عدم التسامح القانونى تحت أي ظرف والذى ينص على ان القانون الدولى وأمم العالم ومجتمعاته تقول إن التعذيب والرق غير مسموح بهما على الاطلاق هذا القانون القوى قد وضع لينص على أن هذه الاشياء من المفروض الا يسمح بها بأى وسيلة أبدا لكنه بقى تجاهلا وهذا التجامل ينقض معاهدة فيينا والذين يفعلون من مجرم او سياسي مطلوب لمنع وقوع جرائم واسباب التعذيب هذه مشهورة فى التاريخ

إذا قبلت هذه الاعذار كأسباب فلماذا إذن حظروا التعذيب ؟ لا تحظروه إذن لا تقعوا فى النفاق إذا كنتم تعتقدون فى ضرورته فلا تكونوا منافقين وتصرخوا هذا سيىء هذا غير انسانى يجب أنهاؤه ونضع الاتفاقات ونوقع المعاهدات موضع التنفيذ

إنى أرى كيف تُضرب الجياد فى السباق بالسياط فما الفرق ؟ هذا حيوان والاخر إنسان هل هناك فرقهنا ؟ لقد أوصلوا الانسان لدرجة الحيوان إن كنت ترغب فى هذا فلماذا تنافق وتمنع هذا السلوك ؟ أو على الاقل تقول بأنه مسموح فى بعض الحالات وممنوع فى اخرى ؟ أتفهم أنك تعزل المجرم بسجنه كى لا يؤذى المجتمع أتفهم أنك تجد طريقة لا أريد أن أقول لعقابه ولكن لعزله عن مكان لعزله عن مكان قد يُسبب فيه ضررا لكن ان تعذبه هذه المشكلة تخص الامريكيين اكثر مما تخصنا وأكثر مما تخص العالم كله لان تاريخهم وتاريخ الجرائم التى ارتكبتها الادارة الامريكية فى كل انحاء العالم يعرفه القاصى والدانى

من الغريب رؤية ما جرى من تغيير كنت فى أعمالي اختلط بكثير من رجال الاعمال والبنوك الامريكيين وعندما كنت اسافر للولايات المتحدة او لأى مكان ويصادف ان يجلس شخص أمريكي فى المقعد المجاور لي فى الطائرة ونتكلم سويا كنت اشعر بأن هؤلاء الناس طيبون ومطلعون ويستحقون احترامي الات يبدو الحديث مع الامريكيين كما لو كنت تتكلم مع وكالة الاستخبارات الامريكية (سي آى إيه) او مكتب التحقيقات الفيدرالى (إف بى آى)

لقد تحطمت سمعة بلد مهم جدا فى العالم بلد كان يمكنه ان يغير العالم نحو الافضل لكنه اصبح ذا سمعة سيئة ان أي رئيس يأتى لن يستطيع النفاذ إلى داخل هذه المنظومة فى الولايات المتحدة سواء كان رئيسا جمهوريا ان ديمقراطيا استطيع ان اقول ذلك لاننى اوشكت على الموت والاخرون قد لا يستطيعون قوله فمن المهم ان اسجل هذه الشهادة

ان المعلومات او بالأحرى الاكاذيب التى تصل الى مسامع الرئيس الامريكى وأعضاء الكونجرس بشكل يومى الى أن الإخوان المسلمين قادمون لغزو اوربا وأمريكا والعالم العربى وتُصور المسلمين فى مجملهم كعدو دائم بسبب دينهم اعطنى عقلا اخر لأفهم لأن عقلى غير قادر على استيعاب أنك تقبل كل الاديان والعقائد ولكن تمارس التمييز ضد ربع سكان الارض وتهينهم بسبب وصمك لهم بأنهم مسلمون ماذا تنتظر منهم بعد ذلك ؟ ماذا يحدث الان ؟ !

لقد بدءوا الامر بقولهم إن هناك بعض المسلمين غير الصالحين لا بأس كأى شجرة بها بعض الثمار الفاسدة ثم تحول الامر الى كل المسلمين ثم تطور إلى الاسلام ذاته وأخذ يتصاعد تدريجيا إنها قنبلة موقوتة علينا أن نحافظ على المسلمين ونحافظ على العالم من الان فصاعدا وربما تسأل السؤال الأزلى عن البداية البيضة أم الدجاجة ؟ وتنسى أن معظم الحروب المأساوية التى اندلعت لم يكن سببها المسلمين

لماذا إذا يدين الناسُ دين ثلث سكان الدنيا بسبب عصابة قوامها نحو الف شخص من تنظيم القاعدة او غيره إن أفضل طريقة للعيش هى بداية إيجاد طريق للتعايش السلمى فى العالم بغض النظر عن اللون او الدين كما وردفى ميثاق الامم المتحدة ولم يتبع هذا الطريق بعد لكنه الطريقة التى يمكن ان تعيش فيها بسلام وليس هناك غيرها ولا بد ان يتحول التمييز الى تعاون

كانت البداية سيئة أولا كان عندنا اليهودية ثم جاءت بعدها المسيحية لكن اليهود لم يقبلوا المسيحية وتلا الاثنين الاسلام الذى لم يرحب به اليهود ولا المسيحيون ولم يعترفوا به على الرغم من ان الاسلام قَبل بهما معا لم يقبلهما فحسب بل احترمهما لا نهما دينان من عند الله من عند الله ونحن علينا واجبات تجاه المؤمنين بهذين الدينين وعلينا واجبات نحو من يعتقدون فى هذين الدينين فعلينا ان نحمى شعائرهم وأن نحترم التزاهم بممارستها وأن يحيوا وفق دينهم

بعض الناس يهاجمون لفظ الجلالة (الله) أو يسخرون منه هل نستطيع نحن المسلمين ان نهاجم يسوع (عيسى بن مريم عليه السلام) لا يمكن أبدا فهو نبينا وليس نبيكم وحدكم أنتم تقولون إنه ابن الرب ولكننا نحترمه كما نحترم محمدا وموسى كذلك هو نبينا وليس نبى اليهود فحسب

كل اولئك نحن نشهد بأنهم رسل الإله واحترامهم واجب علينا ولا يكفى احترامهم بل يجب علينا أن نحميهم أيضا وعلى الرغم من ان الاديان الاخرى قد دخلت عليها بعض التعديلات التى لا نقبلها : فاحترام عقيدة الاخرين مبدأ أساسى لدينا وإذا توقفنا عند الاحترام فأنا على واجبات نحوك بينما ليس عليك واجبات نحوى فأنت تعتبرنى كافرا وانا اعتبرك مؤمنا

ولكن بغير دينى رغم تغييرك لعقيدتك أحيانا المسيحيون يؤمنون بالإله الأب والابن وروح القدس ونحن نؤمن بالإله الواحد الاحد وإيماننا لا يعنى لا نحترم عيسى عليه السلام بل نحن نحترمه أعظم الاحترام وليس هذا كل شىء بل إن عدم إيماننا برسالته يعنى أننا غير مسلمين وفى اول القرآن الكريم فى أوائل سورة البقرة نقرأ هذه الكلمات (والذين يؤمنون بنا أنزل إليك وما أنزل من قبلك)

من الذين يقودون العالم ؟ إنهم أولئك الذين لا يعلمون شيئا عن الاسلام وليس فى أذهانهم سوى صورة عن الاسلام ترجع إلى زمن الحروب الصليبية ترسخت فى العقول عبر التاريخ ولسنوات طويلة درس الاطفال هذا فأصبحت حقائق بالنسبة لهم فهم يكرهون الاسلام قبل ان ينظروا فيه وعبر القرون أدت هذه الاوضاع الى بناء جدار بيننا لكنك عندما تتعامل مع أصحاب العقول النزيهة تجد أنهم يبحثون كيف يصنعون السلام فهم يعلمون اننا يجب ان نتعايش معا فى احترام كما هو مكتوب فى دينهم هذا الجدار مازال قائما ويجب ان نغير من توجهاتنا

ويقر يوسف ندا بأن هناك الان مشكلة " ضخمة " داخل المجتمع المسلم فى بريطانيا عند المزج بين الدين والتقاليد " أغلبية المسلمين فى بريطانيا جاءوا من الهند وباكستان أما المسلمون من الشرق الاوسط أو الشرف الاقصى أو أوروبا فيشعرون بأنهم مختلفون عمن جاءوا من الهند وباكستان فالمسلم فى تونس مثلا قد لا يكون متحمسا لسماع درس أو موعظة من شيخ متحجر ورجعى من السعودية لكن بريطانيا تمتاز بتعدد الثقافات المختلفة والديانات المختلفة

راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة عاش مهاجرا فى لندن 22 عاما ثم عاد الى بلده تونس بعد الثورة وحكى لى انه ذهب الى المسجد القريب من بيته فى لندن فوجد الامام الذى يفترض ان يكون اعلم الناس لا يستطيع قراءة القرآن كان شرحه للايات خطأ وكان نطفة ولغته مُشوشَين لم يفهم الدين الذى كان يُعلمه وكان الامام مسلما بنغاليا وماذا عن البريطانيين ؟ أنت تجد بعض المتشردين فى مترو الانفاق ومناظر سيئة كثيرة فهل هذه إنجلترا ؟

كلا ليست هذه انجلترا ولكن ما تراه شيئا من داخلها ولا يعنى ان البلد كلها بهذا الشكل ففيها الجامعات والكنائس والساسة الكبار لكن الصحف والكتب تُركز على الاشياء السيئة بالتأكيد أفضل شىء هو إيجاد حل للمشكلة لقد شخصنا اعراض المرض الموجود وعلينا ان نُركز على البحث عن وسيلة للتعايش وتجنب التمييز الاجتماعى وبعدئذ نثب قُدما نحو التعاون ومنه نقفز الى الحب ثم نقفز فى النهاية نحو السلام نحن نتفق على ذلك فمن أين نبدأ ؟ هل رئيس الوزراء يستطيع ان يفعل ما يستطيعه عامل فى مصر ؟ ! من لديه قوة أكبر للتغيير ؟ لقد خُلقت مشكلة كبيرة ليس فى أوربا أو فى الشرق الاوسط وحدهما ولكن فى العالم أجمع

والان نحن فى اوروبا لا أقصد المسيحيين أو الاوروبيين بل المسلمين لدينا مشكلة وهذه نقطة هامة للغاية الحياة فى اوروبا ليست كالحياة فى الشرق الاوسط حيث يعمل الناس ثم يعودون ليروا أُسرهم وينعموا بروحانياتهم أما فى أوروبا فماكينة الانتاج تستهلك الناس كل واحد فى عمله من الصباح الباكر وعندما يعود الى بيته لا يقضى فيه سوى ساعة او ساعتين قبل أن ينام وزوجته تعمل أيضا ربما يرى أحدهما الاخر مرتين أو ثلاث مرات فى الاسبوع

وأحيانا فى الشهر والاطفال يذهبون الى المدارس وحدهم كنت ذات مرة فى مطعم هنا وكنا فى الليل وكان أحد الاولاد فى نحو الثامنة من عمره جالسا الى مائدة قريبة كان وحده وعلى ظهره حقيبته وبدون ان يسأل جاءه النادل مُحضرا له طعامه وبدأ الولد يأكل وعندما انتهى أخذ يقرأ فى كتاب وبعد نصف ساعة تقريبا جاءت أم الولد وقبلته ثم أخذته الى البيت لينام هذه الحياة الاسرية تختلف تماما عن الحياة الاسرية فى الشرق الاوسط

لا اقول هذه افضل او تلك افضل ولكن اقول إن المسلم الذى يأتى إلى هنا عليه ان يعيش هذه الحياة عليه ان يعمل ليل نهار وعندئذ تضطرب نفسه ويريد ان يذهب قيصلى حتى يبقى متصلا بالله او بدينه او على الاقل ليُطهر او يُشبع ما بداخله فيذهب الى المسجد ويذهب لصلاة الجمعة

ويستمع الى خطبة الامام لكن من هو الامام ؟ هل هو متعلم ؟ هنا تكمن المشكلة ليست مشكلة للمسلمين وحدهم بل للبلد الذى يعيشون فيه إذا كان الامام فى مسجد مايدعوا للكراهية فهى الكراهية إذن وإذا دعا الى الثورة فهى الثورة عندئذ وقد يعظ أحدهم من كتاب يحتوى على تفسير أو رؤية للدين تتعارض مع الاسلام الصحيح

ونتج عن ذلك ان وجد فى بعض المساجد من يدعو للكراهية وبعضهم – ولا اريد استخدم الكلمة لكنها اكثر الكلمات شيوعا – ارهابيون وهذا اقام جدارا بين المسلمين وبين البلد الذى يعيشون فيه وبينهم وبين سائر الاديان الاخرى وهذه الانشطة لا تمردون ردود افعال فالدولة المضيفة لا تقدر على ان يكون من بين سكانها او مواطنيها او ضيوفها من يهاجمونها فى دور العبادة الخاصة بهم

ومن اجل تعديل هذا الوضع عنّت لبعض السياسيي فكرة وهى أنه من الافضل ‘عداد الأئمة محليا بحيث يستطيع الإمام تمثيل الاسلام وفى الوقت نفسه لا يتخاصم مع المجتمع والفكرة جيدة لكن كيف يتم تنفيذها ؟ إذا رُؤى أن إنتاج نوعية جديدة من الأئمة يخدم السياسيين الذين يريدون احتواء المسلمين فهذا لن يكون مقبولا وسيجلب الكراهية للدولة والحكومة

هذه الخطة ذات حدين فى نظرى فهى مهمة لكن المسلمين هم من ينبغى عليهم ان يختاروا اولئك الذين يألفون طريقة الحياة الأوربية ونُظمها ليدرسوا الاسلام عندئذ يستطيعون أن يكونوا الجسر الذى يربط بين الاثنين وفى الوقت نفسه يحافظون على عقيدة الذين يريدون المحافظة على عقائدهم أئمة لم تصنعهم ثقافتهم القديمة لكنهم مهيئون للعيش مع الاخرين هذا هدف من اهدافى ان اجنب المساجد من الغثاء حتى لا يكون موضوعا للحديث فيها او ان يصدر منها

استمع لهذه القصة عن كيفية وصول احد الأئمة الى مكانه أن يُعلم الناس ما هو الخير وما هو الشر ما هو الحق وما هو الباطل وكيف يعيش حياة طاهرة : أراد رجل فقير الحصول على العمل فذهب إلى المسجد وظل هناك يأكل ويشرب وينام ووجد فى المسجد مكتبة فصار يمضى وقته فى مطالعة كتبها لم يستطع التعمق فيما يقرأ لكنه اكتسب بعض المعلومات وعندئذ اعتبره البعض إماما اعتبروه صاحب علم

ومن ثم يستطيع أن يقول ما الصواب وما الخطأ ما الذى يقبله الاسلام وما الذى لا يقبله واتبعوه وفجأة أصبح هو القانون الشرعى إن أغلبية متدينون لكنهم لا يعلمون الكثير عن الطرق السليمة لممارسة الاسلام فى حياتهم اليومية فإحدى السيدات تذهب للمسجد لترى اذا كان بإمكان الامام التوسط بينها وبين زوجها وشخصان يحبان يعضهما ويريدان الزواج لكن لا توجد وثائق وهما لا يريدان الوقوع فى الزنا

وهما يردان الزواج وغفا للنظام الذى حًدد قبل ان يعرف المسلمون ارشيف سجلات الولادة والزواج والطلاق وأسلوبه يختصر فى وجود شاهدين ويعقد لهما الامام وفى المقابل يجب ان يكون الامام شخصا قادرا ومتخصصا وعلى قدر جيد من التعليم إ كان سلوك الإمام مقبولا من الاخرين فسوف يتبعه الجميع وانا لا أخشى إماما كهذا فعلى العكس سوف يحمل رسالة التعايش والسلام بين الثقافات والاديان المختلفة فى الاحياء والاطفال فى المدارس نحن بحاجة لمثل هذا الامام

إن تأهيل الامام حسب ما يراه من هم ضد الاسلام وتأهيل إمام اخر ممن يجهلون الاسلام كلاهما سيدمر الجانبين ولو أراد صُناع القرار أن يُشكلوا الأمة حسبما يعتقدون فل يٌقبل ذلك أبداء سيكون ذلك مضيعة للوقت وسيشجع على مزيد من الكراهية فالمسلمون الاخرون سيظنون انهم يريدون اختراق الاسلام بواسطة هؤلاء الأئمة

وسواء اردت ان تُغير دين هؤلاء الناس او تعلمهم التعايش السلمى فهل انت تريدهم ان يصبحوا صورا مستنسخة منك ؟ او انك تريد الناس ان يحترموا جميع المبادىء المشتركة للإنسانية الولاء للبلد وحمايتها وطاعة القانون واحترام الاخرين ومساعدة الجيران وخدمة المجتمع ؟ ماذا تريد اكثر من هذا ؟ علم اولادك أن طريقة حياتك ليست هى الطريقة الوحيدة للحياة وأن القديم والجديد قد يمتزجان معا

ابنى الاكبر لديه صديقان فى سنوات طفولته ودراسته كان اجتماعيا واغلب اصدقائه لم يكونوا مسلمين بسبب المكان والظروف التى مررنا بها واحدى بناتى لا تؤمن بالزيجات المرتبة من قبل اهل الزوجين لكنها ساعدت مرة على تزويج احدى صديقاتها من حفيد وكيلى الملاحى كان الشاب وسيما معتدل القوام جامعيا ويدير اعماله الخاصة قالت لى ابنتى : ابى لم لا تحاول إقناع هذا الشاب وصديقتى بأن يتزوجا ؟ فأجبتها : لكنها مثلك لا تؤمن بالزواج المرتب مسبقا فقالت ابنتى : نعم لكنها حاولت بنفسها الزواج مرتين وفشلت فماذا تفعل ؟ فقررت أن أرى الشاب واسمه روبرتو ولم كنت لا أحسن اللف والدورات فقد دخلت فى الموضوع مباشرة

- روبرتو متى تتزوج ؟

- عمى يوسف لدى رفيقة (جيرل فريند) قد على معاشرتنا ثلاث سنوات لكننا لم نتزوج

- هل أتى الوقت لكى تتزوج أم ستظل مثل المراهق ؟

- اعلم ذلك لكن ربما تُفضل الزواج من واحدة تعرف عائلتها وتعرف أنها متعلمة تعليما طيبا سأحاول أن أرى إذا كانت تناسبك سوف أُرتب عشاء يجمع بينكما

- أنا لا أؤمن بهذا الطريقة

- لكنها قد تفلح لماذا لا تجرب ؟

وقد تزوجا وليهما طفل الان انظر كيف فهمت ابنتى فلسفة اخرى هذه هى حياتنا اليوم نحن قوم مشغولون لكن يحب ان تخصص بعض الوقت ليرى بعضنا بعضا ر تشُر أحدا ونستمع الى الطيبين والعقلاء

ان القس ليس رسولا لله والله وحده الذى يغفر الذنوب وليس القس نحن نؤمن بأننا على صلة مباشرة بالله والله يقبل من يلوذ به ويعود اليه وفى القرآن الكريم آية تقول (ما يفعل الله بعذابكم) حقا مايفعل الله بعذابنا ؟! ألسنا لنا نحن – بالأحرى – أن نسأل هذا السؤال ماذا سنجنى من عذاب الاخرين عوضا عن أن يساعد بعضنا بعضا ؟!

اكتب الان وقد تخطيت من عمرى 81 عاما قضيت منها أقل من ثلاثين عاما فى مصر إن خصمنا منها الطفولة والمراهقة يمكن أن نقيمها 15 عاما وعشت فى الغرب 51 عاما واحمد الله اننى اتخل عن ثقافى الاصلية بل تمسكت بها وأضفت إليها وأصبحت متعدد الثقافات وأحمد الله ان مكننى من نقلها الى ذريتى التى لم تحى فى منشئى لم أحى فى الغرب على هامشه

ولم تكن علاقاتى مقيدة بمن لا يخالفونى فى الثقافة او الدين بل كنت منفتحا على كل من عرفت او قابلت او عاملت خالطونى فى بيتى وخالطتهم فى بيوتهم عاملتهم ماديا واجتماعيا وناقشتهم ثقافيا وعقائديا وسمعوا منى عن دينى وسمعت منهم عن دينهم وصححت قدر استطاعتى ما جهلوه منه او شوه لهم منه كان بعضهم يطلب وساطتى لنزاع عائلى او مادى وكنت اجاملهم فى مناسابتهم الاجتماعية او العائلية وكانوا ايضا يفعلون

صحيح ان دخول الاجهزة الحديثة وما تكمله من وسائل الاتصال والتواصل سدت ثغرة فى إمكانيات البشر للتواصل مع بعضهم ولكن تعبير العالم الافتراضى يعتبر تصويرا لحقيقة الفرق بين التواصل المباشر بين البشر والتواصل عن طريق الاجهزة مهما بلغ حد تقدمها إن الصورة النمطية فى عالم الشرق عن الغرب تحمل كثيرا من السلبيات الظالمة واخرى رغم صحتها ولكنها مُضخمة أنا أتحدث عن البشر

ولا أتحدث عن الحكومات أو السياسات فنرى الصدق والامانة والنظافة والعطف على الصغير والضعيف والدأب فى العمل والألتزام بحقوق الغير وحريتهم وتجنب أذى الغير وباختصار ما يتعلق بقواعد الانسانية لا يعنى هذا أننا لا نرى كثيرا من التفسخ الاسرى أو المعايير المختلفة فى الجنس والفكر السياسى والمالى المبنى على امتصاص موارد الدول الضعيفة وغيره مما يدل على عمق سم الاستعمار ووحشيته

زادت اعداد المسلمين فى الغرب وتناسلوا وتجذرت اجيال منهم لا تعرف لهم وطنا إلا الذى يعيشون فيه وُلدوا فيه وتعلموا فيه ويعملون فيه وتزوجوا فيه وأنجبوا فيه ويختلطون ويتعاملون مع من فيه ومن المضحك المؤلم أن يأتى لهم المحاضرون من الشرق يحملون ألقابا علمية الدكتور فلان خريج جامعة فرنسية او بريطانية او امريكية او المانية وعنوان محاضرته " كيف نربى أولادنا فى الغرب " سألت أحدهم وكان قد أمضى عشر سنوات فى امريكا

حتى حصل على الدكتوراه سألته كم عائلة امريكية زُرتها فى منزلها ولكم مرة ؟ وكم عائلة امريكية زارتك فى منزلك ولكم مرة ؟ وكم حفل زواج امريكى حضرته ؟ وكم جنازة امريكية سرت فيها ؟ وكم امريكى حضر جنائزكم ؟ وأولادك كم من زملائهم يأتون لهم فى المنزل ؟ وكم هم يذهبون اليهم ؟ وهل لجأ أمريكى أو لزوجتك لتساعدوا فى حل خلاف فى عائلته ؟ وهل لجأت لإحداهن لتقنع زوجتك بالسعادة معك اذا ضجرت ؟

و و و .... واخيرا كيف كنت تقضى هذه السنوات العشر ؟ الاجابة عن السؤال الاخير ترد على كل الاسئلة حيث كنت قد بدأت بها فقال : لقد حصلت على أعلى الدرجات فى كل سنين دراستى وكنت لا أضيع دقيقة من وقتى وكنت أذهب من البيت الى الجامعة ومنها الى المكتبة وأبدأ من السابعة صباحا حتى العاشرة مساء وفى نهاية الاسبوع نتزاور أنا وبعض الاخوة المسلمين وبالطبع أغلب من أتزاور معهم من بلادنا

على القارىء أن يجيب : هل هذا الدكتور يعرف كيف يتحدث عن كيف نربى اولادنا فى الغرب مع فتاة ولدت فى الغرب وتزوجت فى الغرب وأنجبت فى الغرب ؟ وهل يلمس مايلمسه مراهق أو مراهقة ولدوا فى الغرب وعاشوا فيه ودرسوا فى مدارسه واختلطوا بمن فى سنهم ؟! رغم الدكتوراه التى يحملها فإن حديثه عمّا لم يمارس ولا يعرف لا يختلف عن حديث الامام المزيف الذى تحدثنا عنه

الفصل الثالث عشر:أشباح وهمس

" بعد خبرة طويلة فى عالم السياسة لم أجد أن الجهل يُقيم صروحا متينة للنقد " هارولد ماكميلان رئيس الوزراء البريطانى 1957

لايزال يوسف ندا يحدق كل يوم بذهول فى صحيفة " كوريرا ديلاسيرا " ويستصعب قبول ما تُروجه عن نفسها من أنها من أعرق الصحف فى ايطاليا وأكثرها مصداقية فهى الصحيفة ذاتها التى نشرت ذلك التحقيق الذى لا يزال يسبب له إزعاجا كان هذا يوم 11 من نوفمبر 1997 ويمكن أن تجد أجزاء مبعثرة من هذه القصة على اكثر من 250 ألف موقع على شبكة الانترنت هى حكاية التى وصفها واحد من أعرق السياسيين فى أوربا

وكأنها قادمة من كتاب ل " كافكا " ذاك الكاتب الشهير بكتاباته المرعبة هذا السياسى هو " ديك مارتى " المدعى العام السويسرى السابق ورئيس اللجنة القانونية فى الجمعية البرلمانية بمجلس اوربا واحد المدافعين المعروفين عن حقوق الانسان فى العالم والذى قال لأسف هذه حقائق حدثت فى القرن الحادى والعشرين بدولة عضو بمجلس اوربا وتحت رعاية الامم المتحدة التحقيق كتبه الصحفى غويدو أوليمبيو "

واشتمل على كل الشائعات التى حيكت بعد ذلك حول يوسف ندا وغالب همت صديقه ونائبه فى بنك التقوى وكان ندا قد تعرض لهجوم شخصى لكونه عضوا بجماعة الإخوان المسلمين ووصل الامر للنشر فى عدة كتب ان المخابرات النازية جندته خلال الحرب العالمية الثانية وانه كان يعمل ضد البريطانيين وساعد الحاج امين الحسينى لدعم هتلر رغم ان ندا كان يبلع من العمر تسع سنوات فقط خلال الفترة الزمنية المذكورة سألته وماذا كان رد فعل الناشر والمؤلف حين صححت لهم هذه المعلومات ؟ أجاب باسما " غيروا فقط تاريخ ميلادى ليجعلونى أكبر قليلا ولأصبح جاسوسا فى سن الخامسة عشر

اما الصحفى الذى وُلد ألبانيا وهو مندوب الجريدة فى تل أبيب " غويدوأوليمبيوا " والذى بلغ من العمر 54 عاما فى 2012 فقد قال فى المحكمة بميلانو عام 2002 انه ادلى بشهادته امام جلسة عن تمويل الارهاب امام مفوضية الخزانة والامن بالكونجرس الامريكى عام 1996 وانه ذكر اسمَىْ يوسف ندا وغالب همت فى هذه الجلسة واضاف ان لديه صلات بمكتب التحقيقات الفيدرالية الامريكى " إف بى آى "

وفى مقاله المذكور بصحيفة " كوريراديلاسيرا " ذكر أن بنك التقوى ويوسف ندا داعمان لمنظمة فلسطينية مسلحة هى حماس وبعض المجموعات الاخرى وانهما مسئولان عن تمويل كثير من الجماعات الاسلامية المسلحة وكان هذا التقرير هو الشرارة التى اشعلت حربا بلا هوادة ضد ندا وبنك التقوى ووصم البنك بأنه صندوق للارهابيين وتلقفت وسائل الاعلام التقرير فضلا عن رجال أعمال وآخرين انضموا لهذا السيرك

كتب " أوليمبيو" الذى عمل مراسلا للصحيفة من تل أبيب إن بنك التقوى تبرع بسبعين مليون دولار امريكى لحماس وافترض ان البنك هو المصدر الرئيسى لتمويل هذه الحركة واضاف ايضا انه يمول اعضاء بحركات اسلامية اخرى كالنهضة التونسية والجماعة الاسلامية فى مصر والجبهة الاسلامية للانقاذ والجيا بالجزائر كما زعم ان البنك تبرع بقيمة خمسين مليون ليرة ايطالية لحماس بطريقة غامضة وان هذه المؤسسة المالية للاحزاب الاسلامية وبقدرات خيالية وقال ايضا ان ندا عين غالب همت ليرعى شئون حماس وبقية المجموعات الاسلامية ومنها الجماعة الاسلامية

وقد اقام ندا وهمت دعوى قضائية ضد " أوليمبيو " فى 1997 امام المحاكم الايطالية وهى القضية التى استمرت اربعة عشر عاما لتدوين هذا الصحفى فى ديسمبر 2011 ولا يسمح القانون الايطالى بإقامة الدعوى ضد صحيفة " كوريرا ديلاسيرا " لا سباب تقنية وكان على " أوليمبيو " أن يدفع تعويضا يبلغ عشرات الالاف من اليورو لكليهما بسبب الاضرار التى لحقت بهما وقام ندا بالتبرع بنصيبه من هذا التعويض

كان يوسف ندا على دراية بهذه الحملة التى تُشن ضده وضد الإخوان المسلمين خلال سنوات إقامته فى أوربا وخاصة ما هو ظاهر منها وما هو بعيد عن الانظار ومع بداية هذا بدأ مشروعاته التجارية بشكل علنى ومفتوح وكان يعقد اجتماعات فى منزله ب " كمبيونى " بسويسرا والذى كانت تحيطه فى بعض الاحيان هالة من السرية وإجراءات الامن وكان ذلك يعود فقط الى الشخصيات الهامة من زائريه فبعض الدبلوماسيين والزعماء كان يصل على متن طائرة خاصة او مروحية وكانت تتخذ بعض الاحتياطات للحيلولة دون استهدافهم وكان يتم استصدار رخص من اجل هبوط الطائرات الخاصة فى مطار لوجانو او لتامين حماية لزعيم قومى

فإذا خُطف او قُتل احد من زواره هؤلاء وهو فى منزله فسيتصدر الخبر صحف العالم وستكون مأساة شخصية ليوسف ندا وللإخوان المسلمين ولذلك كان يرسل مصاحبة لسيارات زائره ويُصر ان يقود سيارة زائره بنفسه ليكون بجواره ان حدث أى شىء ورغم ذلك لم يحمل يوسف ندا سلاحا لا هو ولا أىّ من مساعديه رغم انه يمتلك سلاحا شخصيا مرخصا

فى عام 1986 جهز العقيد القذافى العدو اللدود ليوسف ندا فرقة اغتيال اسهتدفت معارضيين ليبيين بالخارج وبالفعل قامت بقتل اثنين منهم محمد مصطفى رمضان فى لندن والخضيرى فى ميلانو وتمكنت الشرطة من القبض على احد القتلة وجدت معه قائمة المستهدفينوكان يوسف ندا من بينهم ثم زارته الشرطة الايطالية ونصحنه بأن يمتلك رخصة سلاح وهو ما قام به بالفعل وتم شراء مسدسين

من " كومو " وأوصلتهم الشرطة الى منزله حيث احتفظ بهما فى خزانة وظلا طوال عشرين سنة من دون أى استخدام ولذلك كان مصدوما حين هاتفه احد اصدقائه المصرفيين من " لوجانو " فى 11 من نوفمبر 1997 ليخبره عن تحقيق الصحيفة الذى يُورد أنه متورط فى تمويل الارهاب

ويسترجع ندا بذاكرته ما حدث قائلا " سألنى إن كنتُ قد قرأتُ ما نُشر عنى بصحيفة " كوريرا ديلا سيرا " فأحبت بالنفى فقال إن علىّ أن أقرأه وأعطيه لمحامى كى يتخذ الاجراءات القانونية بحقهم ومن هنا بدأت الحكاية لقد انتشرت هذه الاكاذيب فى كل مكان سواء أكان الامر بسبب الكراهية وعن علم ام دون علم وسواء كان مبعثه عملا مدفوع الاجر لمحاصرة الاسلاميين ام عملا نابعا من خلفية سياسية أو مالية وهل هو من اجل اهداف مهنية شخصية او لصالح بلدانهم او لهؤلاء الذين مثّلهم " أوليمبيو" فى أمريكا ليُدلى بشهادة زور

واضاف يوسف ندا " إنها تُهم ملفقة ولم يستطع أحد أن يثبت عكس ما أقوله لان هذه ببساطة هى الحقيقة لكن كذبتهم كانت تكبر وتكبر وهى تتحرج ككرة الثلج وكان الامر مدبرا بحيث اذيع فى كثير من الاماكن وكان مُضللا ويعاد بشكل متكرر وتُنسج حوله قصص وصلت الى مرحلة هسترية وكان الحديث حوله يذكر وكأنه مُسلم به خاصة من قبل المسئولين وفى الولايات المتحدة والبيت الابيض والكونجرس

كما أشار الى ان " وزارة الخزانة الامريكية نقلت هذه الاكاذيب حول دعم بنك التقوى لحماس بسبعين مليون دولار امريكى رغم ان راس مال البنك خمسون مليون دولار امريكى فقط هذا فضلا عن ان اكبر المراجعين الحسابيين فى العالم يدققون فى اعمالنا وهم " ديلويت آندتوش " وهؤلاء ليسوا عميانا ويقومون بالتدقيق ومراجعة كل حساباتنا وكل التقارير تذهب الى البنك المركزى فى الباهاما وهؤلاء ايضا لا يغضون الطرف عن أى مخالفات لكن الصحف التى نقلت كلام " أوليمبيو " فى تلك الصحيفة الايطالية لم تُجز أى لقاءات مع هؤلاء المحاسبين والمراجعين

وقال ندا ايضا " وكالة الانباء الفرنسية أوردت خطأ بأن " كوريرا ديلا سيرا " ذكرت أن ستين مليون دولار أمريكى حُولت الى بنك التقوى كمساهمة دولية من فروع البنك فى مالطة ولوجامو لتذهب فى نهاية المطاف الى اسامة بن لادن والقاعدة وفى الحقيقة كان هذا تحويرا لما ذكرته " كورا ديلا سيرا " وليس ذلك فقط ولكن لم يكن لبنك التقوى أو أى مؤسسة من المجموعة فروع فى مالطة ولم أذهب الى هناك مطلقا

وفى لوجانو فإن منظمة التقوى للإدارة لم تتلق أى أموال فيما عدا المحولة من بنك التقوى الرئيسى ولم تقم بأى تحويلات فيما عدا النفقات ورواتب العاملين وأجرت وكالة الانباء الفرنسية حوارات مع كل قادة حماس وقالوا ان كافة المزاعم الواردة فى المقال لا اساس لها من الصحة ولم تكن خماس تعرف اصلا بوجود بنك بهذا الاسم لقد أوضحنا فى نفينا لما ورد فى الصحيفة أن كل المزاعم الواردة بحق يوسف ندا ونائبه غالب همت ومجموعة التقوى وبنك التقوى غير صحيحة وملفقة ولا أساس لها مطلقا وقد نشروا هذا النفى ولكن بشكل مختصر

وفى 25 من نوفمبر 1997 تسلم ندا رسالة من رئيس تحرير وكالة الانباء الفرنسية " فرانس برس " تقول بالاشارة إلى نفيكم لما ورد بمقالة صحيفة " كوريرت ديلا سيرا " ستجد فاكسا يُرد مراسلتنا وقد وضعناه ضمن أخبار الوكالة يوم الثلاثاء 25 مصحوبا بفاكس آخر وارد من القدس ويحمل من حركة حماي وثد تم إرسالهما الى نفس المشتركين الذين وصلهم الخبر الاول فى 20 أكتوبر وقمت بنفسى بإخبار بعض المشتركين المهتمين بهذه المعلومات كما تم ارسال نسخة باللغة العربية لمشتركى الوكالة على اساس نصكم العربى اتمنى ان تكون القضية قد سُويت لما فيه مصلحتنا المشتركة مع خالص تحياتى إيف دو سان جاكوب رئيس التحرير

وفى نوفمبر من هذا العام أيضا تلقى يوسف ندا اتصالا من " ريتشارد لا بفيرييه " من قناة سويس روماند وهى القناة السويسرية الناطقة بالفرنسية وكانوا يغبون فى الحديث معه لمتابعة ماورد فى مقالة الصحيفة الايطالية لكنه بسبب دخوله فى منازعة قضائية مع الصحيفة وكاتب المقال لم يقبل الحديث مع القناة

وفى وقت لاحق من ذات الشهر ايضا وقعت حادثى الاقصر الشعيرة حيث قتل اثنان وستون شخص على يد ارهابيين من منظمة طلائع الفتح استهدفوهم فى معبد الدير البحرى وهو اشهر المعالم السياحية بالاقصر حيث تنكر ستة مسلحين فى هيئة قوات الامن قبل ان يشنوا هجوما على السائحين استغرق 45 دقيقة وقتل كثير من السائحين السويسريين وصبى بريطانى فى الخامسة بالاضافة لاربعة يابانيين كانو يقضون شهر العسل

بعد شهر من وقوع الحادثة التى وصفها ندا بأنها هجوم ارهابى بربرى غير اسانى عرضت قناة سويس روماندا فيلما وثائقيا من اعداد ريتشارد لا بفرييه والذى أورد صورا لا علاقة لها بالموضوع حول هجوم الاقصر وهجمات اخرى كان تكرارا للاتهامات الواردة بصحيفة " كوريرا ديلا سرا " بالاضافة الى مقابلات أخرى وقام " لابرفييه " بتحويل الفيلم بعد ذلك الى كتاب وقد استخدم " أوليمبيو " هذا الكتاب فى المحكمة كدليل لتبرير مقالته الاصلية على اساس ان المعلومات فى الفيلم والمقالة يستندان الى اصل مشترك

ويعد يوسف ندا عمل " لابفرييه " من قبيل الاوهام ومنها هذه الافتراءات النازية من انه كان عضوا فى الاستخبارات العسكرية الالمانية (أبفير) عام 1040 وعمل لحسابهم فى مصر خلال الثمانينيات وهى معلومات استخدمها مؤلف اخر عام 2002 هو " كيفين كوجان " الذى وصف يوسف ندا المولود فى 1931 بأنهى كان عميلا نازيا خلال الثمانينيات وظهرت فى هذا الفيلم المدعية العامة الفيدراليةالسويسرية " كارل اديل بونتى "

والتى كانت المدعية العامة أيضا فى محاكمة " سلوبودان ميلو سوفيتش " لجرائم الحرب بالاضافة الى دكتور " أورس فون داينكن " القائد العام للمخابرات السويسرية وتم سؤالهما : لماذا لم تفتحا قضية ضد يوسف ندا وبنك التقوى بعدما ورد من أحداث الفيلم ؟ وكلاهما أجاب بأنه لا يوجد دليل ملموس لفتح قضية

وفى 26 من مايو 1998 تحدث ندا هاتفيا مع مكاتب هؤلاء المسئولين الحكوميين الذين ظهروا على التلفزيون وطلب مقابلتهم وتم ترتيب ذلك من خلال رسالة فاكس يوم 2 من يونيو وقالوا ببساطة إنه لايوجد فى الفيلم يدعوهم للتحقيق مع يوسف ندا او بنك التقوى ومع ذلك سعى الدكتور " فون داينكن " للحصول على معلومات فى تحقيق كان يجريه عن اثنين من التحويلات المشكوك فيها وتعاون بنك التقوى مع فريقه وتبين للجهات الحكومية بان كل الامور قانونية وتسير على مايرام

وعلى خلفية حادث الاقصر سافرت المدعية العامة السويسرية " كارل اديل كونت " الى القاهرة لترأس التحقيق ولم يكن مفاجئا ان تشير حكومة مبارك الى يوسف تدا على انه شخص ارهابى خارج عن القنون وفى اول يونيو 2006 كانت المدعية العامة فى حوارها مع صحيفة " كورييرى ديل تيتشينو " السةيسرية بخصوص حادث الاقصر قد أكدت على أن هناك معلومات وردت متعلقة بيوسف ندا وعلاقته بالارهاب

وقمنا ببحث الموضوع لمدة ثلاثين يوما ولم نجد أي صلة ليوسف ندا بالمسألة ثم قررنا ان تكون المدة واحدا وثلاثين يوما كى لا نبقى حجرا على حجر فى هذه القضية واستدعينا يوسف ندا وتحدثنا معه وخلصنا الى انه لا صلة ليوسف ندا ولا لبنك التقوى بالارهابيين لقد اخذت هذه المسئولية على عاتقى ولم اجد أي اشارة كنا دقيقين جدا وتأكدنا أن يوسف ندا وبنكه التقوى لا علاقة لهما بالارهاب بتاتا بتاتا بتاتا أى كررتها ثلاث مرات

بعض هذه المعلومات ظهرت على موقع يوسف ندا لوقت طويل لكن مضمون مقالة الصحيفة احيط باستمرار بالبيانات كان مفهوما الى حد ما كما احنون قصة " أوليمبيو " على مكونات طبخه التوقعات والمبالغات كالنظام المصرفى وشبكات الارهابيين وخلفية جنة جزر الباهاما والجبال السويسرية والاندهاش المستمر مما يجرى حقيقة فى إمارة " ليختينشتين " ولإثبات أنك إذا كررت شيئا لبعض الوقت يمكن أن يتم التسليم بأنه حقيقى وجد يوسف ندا نفسه فى موقف مؤسف كشخصيات الروايات البوليسية للكاتب الانجليزى " جون لو كاريه "

ولم تنته قصته عند هذا الحد فمزيد من الفصول لم يرو بعد الفصل الجديد كان مع الولايات المتحدة اذ يقول ندا : " فى 9 من ديسمبر 1999 توقفت فى مطار أطلنطا قادما من زيورخ وانا فى طريقى الى ناساو فى الباهاما لم اذهب الى ضباط الهجرة الامريكيين لكنهم أتوا إلى وأوقفونى ولم يسمحوا لى بالصعود الى الطائرة المتجهة الى تاساو ووضعونى على متن الطائرة السويسرية العائدة الى زيورخ وعندما سألتهم عن السبب طلبوا منى الاتصال بأقرب فنصلية امريكية ونظرت الى جواز سفرى الايطالى فوجدتهم قد كتبوا عليه هذا الرقم 217 4 6 A78115412ATC212 0

اتصلت بالقنصل الامريكى بميلانو بتاريخ 15 من ديسمبر وطلبت مقابلته وحين التقانى اخبرنى بأن على ان اطلب استصدار تأشيرة وأحضر له جميع ماكتبته الصحافة عنى مترجما الى اللغة الانجليزية بالإضافة لوثائق عن بنكى ووثائق مصرفية وحساباتى البنكية وحسابات بنك التقوى وأوراق تسجيل الشركة اطلقت ضحكة وقلت له اتريدنى ان اتى اليك بنصف دستة شاحنات ؟!

كل ما اريده هو ان يرفع اسمى من على قوائمكم لم اكن ادرى ما حدث فربما كان هناك خطأ او معلومات غير صحيحة لكننى قدمت على تأشيرة وبعد اربعة اشهر فى 27 من ابريل 2000 تلقيت خطابا يفيد بأننى غير مؤهل بموجب البند 212A3B والذى ينص على ان أي شخص غريب انخرط فى انشطة ارهابية او كان عضوا فى منظمة ارهابية اجنبية او يمثلها فهو شخص غير مقبول

وكان من الممكن ان تكون الاتهامات التى ساقتها الصحيفة الايطالية من اننى أمول منظمات ارهابية تشكل اساس رفضى تحت هذه البنودوربما أوكل محاميا فى الولايات المتحدة او أي بلد اخر اريد فقط رفع لسمى من هذه القوائم وانا مستعد للمثول امام أي تحقيق رسمى او غير رسمى للاجابة عن أي اسئلة تقضى لرفع اسمى وبعد شهرين وفى 23 يونيو 2000 تلقيت إخطارا من أطلانطا بأن ما حدث معى كان بتعليمات من المقر الرئيسى فى العاصمة واشنطن

وان خطابى قد أحيل لهذا المقر " فى 3 من سبتمبر 2000 ارسل ندا خطابا اخر يطلب ردا على رسالته السابقة فبعد سبعة اشهر وفى 8 من فبراير 2001 تلقى الجواب : كنت تسأل عن الشخص المناسب لتتصل به وتناقش معه الامر وهذا لشخص هو القنصل الامريكى فى بلد اقامتك شكرا للفت نظرنا تجاه قضيتكم وإعطائنا الفرصة لمساعدتك

بدأ يوسف ندا اتصالاته مع القنصل الامريكى فى ميلانو وفى 30 من مارس 2001 أعطاه نسخا من المراسلات بينه وبين وزارة العدل الامريكية ورد عليه بعبارة قصيرة على ورقة صفراء تقول : لا يمكن اتخاذ أي إجراء اخر حتى تتقدم بطلب جديد للحصول على تأشيرة فما كان من ندا الا ان استجاب لطلب القنصل وتقدم للحصول على تأشيرة جديدة قى 22 من مايو 2001 وفى 13 من يونيو من العام نفسه ارسل فاكسا للقنصل لتحديد موعد لانه لم يرد لا على الرسالة ولا على استمارة التأشيرة ولم يرد ايضا على الهاتف ولذلك قرر الانتظار

ويقول ندا : ماذا عسانى أن أفعل ؟ لم أتفاجأ بالكفاءة الامريكية هل يدرك هؤلاء الناس ما يقومون به ؟ فلا شىء ينجز بسرعة او بدقة انه مثال لكيف تسير الامور بشكل خاطىء وكيف يمكن للبيروقراطية ان تخلط الحقائق وتدمرها لقد كان وقع مزاعم انخراط يوسف ندا ومجموعة التقوى فى تمويل الارهاب كبيرا عليه وعلى اعماله فقد كان يكفى انه بنك اسلامى لدق ناقوس الخطر والذعر من شىء مجهول وكان هناك حسابات المضاربة التى تمكن العملاء من الاستثمار وفقا للشريعة وطبقا لاحكام الاسلام

عندما اسس يوسف ندا بنك التقوى عام 1988 راعى فى انشائه القواعد القانونية مراعاة متشددة وكان مطلوبا ان يدخل فى مجلس الادارة فى منظمة التقوى للادارة مواطنا سويسرى الجنسية وقام بهذا الدور الصحفى السويسرى الذى اعتنق الاسلام احمد هوبر ويقول ندا إن ما يعرفه عنه انه شخص جيد ولكن ظهر وسط الشائعات ان هوبر كان لديه تاريخ من التأييد اللفظى لهتلر

ولا علاقة لى بآراء الاخرين السياسية ولكنه كان رجلا امينا شجاعا وملتزما بدينه وفخورا به ولم يتخل عنا وقت الشدائد وعندما طلب منه ان يكتب طلبا لحذف اسمه من قوائم الارهاب التى وضع فيها بسبب علاقته بنا رفض ان يكتب وقال شرف لى ان اكون فى قوائم اعداء جورج بوش ولا اريد ان يمحى عنى هذا الشرف

كان من المؤلم ان ينشر ان فرنسوا جينود عضو مجلس الادارة لبنك آخر فى جنيف كان قد ادار مرة اصولا للنازية بعد الحرب العالمية الثانية ونشر يوميات جوزيف جويلز وزير الدعاية فى عهد هتلر ومول الدفاع عن إيخمان عندما اختطفه الموساد من امريكا الجنوبية وشحنته الى اسرائيل لمحاكمته التى انتهت بإعدامه وهو صديق لاحمد هوبر حتى وإن كان يوسف ندا لم يقابل " جينود " أبدا

ايضا كان احمد نصر الدين احد مؤسسى بنك التقوى وعضو مجلس ادارته هو إريترى الاصل كان له مشروع مع شركة مجموعة بن لادن للمقاولات وكان قنصلا فخريا للكويت ميلانو ومؤسس المركز الاسلامى فى ميلانو ورئيس الجالية المسلمة فى تيتشينو جنوبى سويسرا وكان اعضاء ادارة بنك التقوى الاخرون غير يوسف ندا ونائبه غالب همت واحمد نصر الدين هم زغلول النجار ومناع القطان وحلمى عبد المجيد ولم يخفف من القصص التى حيكت حول البنك وجود العالم الجليل الشيخ يوسف القرضاوي ضمن المؤسسين بل زادتها

واضيفت اليها وعلى الجهة المقابلة كيف يمكن تخيل ان يكون هناك ستة من المساهمين فى بنك مرتبطون بأسامة بن لادن ومنهم اختاه هدى وايمان بن لادن واخوه غالب بن لادن والجميع من اصحاب الاعمال المحترمين ولكنهم فى نهاية الامر ضمن افراد العائلة وهو امر لم يساعد بالطبع مهمة تحسين العلاقات العامة وخاصة ان يوسف ندا كان يدرك ان هدف الحملة هو ربط جماعة الإخوان المسلمين بالقاعدة وكان يخشى ان يتهم با ختراق القانون وتلصق به تهم جنائية وليست سياسية

وكانت المخابرات الايطالية قد قامت بالتحقيق فى امور البنك منذ عام 1996 حتى تم تفجير مقر القنصليتين الامريكيتين فى كل من نيروبى بكينيا وفى دار السلام على بعد 450 ميلا منها بتنزانيا كل هذا نشر فى تحقيق صحيفة " كوريرا ديلا سيرا " فى 7 من نوفمبر 1997 وكانت الاسابيع والشهور التى تلت هذا الامر صعبة على ندا الذى عمل بجد لتأسيس ما يعتبره نظاما مصرفيا اخلاقيا وزاد من الطين بلة الازمة المالية التى ضربت دول جنوب شرق اسيا

وكانت الدعاية الرهيبة ذات اثر سيىء للغاية وهو مايشير له يوسف ندا بقوله : " تردد صدى هذا الموضوع فى كل مكان وانهالت علينا الاتصالات والمراسلات من عملاء البنك وحاملى الاسهم ومؤسسات مصرفية ومالية يسألون جميعا عن تاثير هذا الموضوع وكان هناك تسارع لسحب الودائع واغلاق لحسابات المضاربة وتاجيل والغاء للصفقات وتجفيف للتحويلات الجديدة "

يقول ندا : " من المعروف فى مجال البنوك ان الشائعات والتقارير الاعلامية السلبية ضد أي بنك بغض النظر عن حجمه تعنى بداية النهاية للبنك وكانت الكارثة الموازية هى تلك التى المت بجنوب شرق اسيا حيث انهار الاقتصاد واسواق المال وكانت استثماراتها هناك تبلغ 500 مليون دولار امريكى تقريبا

" لم يشهد البنك خسائر قبل ذلك وكما قلت فقد كنا نوزع معدل الربح الذى تحققه المضاربة بنسبة 7 الى 10 في المئة بل واكثر وقد بلغت نسبة سحوبات العملاء مع نهاية 1997 قيمة اجمالية 36 مليون امريكى ومع نهاية 1998 بلغت القيمة 100 مليون دولار امريكى كانت الخسارة فادحة ووافقت اللجنة الشرعية والجمعية العمومية والادارة على تنفيذ شروط المضاربة المنصوص عليها فى العقود ووقف السحوبات حتى يتم تسييل اصول المضاربة من اجل تحديد من خسر ماذا

وكما قلت منذ اليوم الاول لانشاء البنك فسياستنا هى التأكد من ان كل العملاء يوقعون على عقود والمذكور فيها انهم يعلمون انهم يتعاملون مع بنك التقوى فى الباهاما وهو المسئول عن مرابحاتهم وان ادارة البنك فى سويسرا تقوم فقط بالمراجعات الحسابية الداخلية ودراسة جدوى المشاريع وليس انشطة بنكية وايضا جميع شروط المضاربة الاخرى واهمها انه فى حالة الارباح فإن صاحب حساب المضاربة يصرف له 75 % من الارباح والبنك يكون نصيبه 25 % اما فى حالة الخسائر فإن البنك يخسر جهده ومصروفاته وصاحب الحساب يتحمل كل الخسائر ولم نتردد فى رفض وارجاع أي مبلغ لصاحبه ان لم يوقع على عقد المضاربة وشروطها

وعندما اصبحت الخسارة حتمية رفض اقل من خمسة من ضمن الاف العملاء للبنك الانتظار لتسييل اصول المضاربات للتهرب من خصم الخسائر وقام اثنان منهم بمطالبات فى سويسرا ضد شركة ادارة التقوى هناك لتجنب تطبيق شروط المضاربة التعاقدية مع البنك وتم احالة هذا الطلب للسلطة المختصة وهى المفوضية الفيدرالية البنكية السويسرية التى قامت بالتحقيق فى القضية

وعينت شركة " برايز ووتر هاوس كووبرز " لفحص انشطة ووثائق وعقود وحسابات ادارة التقوى وبعد انتهاء التحقيق اعطتنا المفوضية شهادة بان الامور كلها للادارة بعد ذلك رفع احد الذين رفضوا قبول الخسائر دعوى مدنية ضد البنك امام المحكمة العليا فى الباهاما التى رفضت الدعوى وحكمت لصالح البنك ولا يوجد بنك فى العالم ليست لديه منازعات مع عملائه ولهذا يوجد قسم قانونى فى كل بنك

وكانت هذه هى الدعوى الوحيدة التى واجهتنا خلال عملنا الناجح على مدار 13 سنة وللاسف كان اسم الذى اقام الدعوى ملفتا للانتباه لانه كان غالب بن لادن شقيق اسامة رحمة الله وكان معروفا ان عائلة بن لادن ليس لديها أي صلات مباشرة مع اسامة بن لادن بعد ان تبرأت منه ولم يعتبر أي من افرادها ارهابيا فأعمالهم مازالت تزدهر وكلهم اشخاص محترمون مهذبون متعلمون

لكن مشكلتهم تكمن فى اسم العائلة الذى يحملونه والناس يذهب خيالها كل مذهب كلما سمعوا هذا الاسم والكثيرون يكتبون ويتحدثون عن العائلة وعنى ولاادرى فى الحقيقة ماهى اهداف هؤلاء المهاجمين او حقيقتهم هل هم جواسيس او عملاء لحكومات ؟ لا ادرى انا منفتح على كل انسان واتكلم بصدق دائما هكذا انا وكان على ان ادافع عن نفسى هذا كل مافى الامر لا يهمنى ما يفعلونه ضدى ولحساب من قطعا لديهم اجندة خاصة لكن أي اجندة ؟ لا ادرى فأنا لم اقابلهم ابدا لا اعتبرهم مهمين جدا لكن بالفعل لقد سكبت اتهاماتهم الزيت على النار

ولم ننهزم واستعنا بالله واقتنع بعض رجال الاعمال بقدرتنا على النهوض مرة اخرى وضخوا ارصدة جديدة فى حسابات مضارباتهم وبدأنا فى تحقيق بعض الارباح ظهرت فى ميزانية نهاية عام 2000 ثم هبطت صاعقة 11 من سبتمبر

توقف كل شىء ومنعنا من السفر وجمدت اموالنا وممتلكاتنا وعين مصف للبنك ومهمة المصفى ان يحصل على ويسيل اصول البنك ويسدد خصومه وكانت اهم اصول البنك اعتمادات المستندي تذكر البنوك فيها انها صالحة للدفع ان سلمت المستندات فى خلال مدة محددة من تاريخ الشحن كانت بضائع والات متنوعة ولم نستطع الحصول على المستندات او متابعة ماحدث للبضائع او الآلات ولا احد يرد على استفساراتنا وسقطت مواعيد التزامات البنوك بانتهاء صلاحية مستنداتها وسدد المصفى كل الخصوم ولكنه لم يستطع تحصيل الاصول

وكان خائفا وعلى عجل بما عليه من ضغوط سياسية فأنهى التصفية حسب القانون وقدم تقريره عنها للبنك المركزي ولسجلات الدولة التي شطت البنك من سجلاتها في 9 من يناير 2004 وهذا هو الاجراء القانوني العادي في التصفية كنت انا وغالب همت اكبر المساهمين واصحاب اكبر حسابات المضاربة وبذلك اصبحنا اكبر الخاسرين وربحنا او جولة ضد المدعى العام الفيدرالي السويسري في 30 من مايو 2005 عندما التزم بغلق التحقيقات واعلان انه لم يجد شيئا يديننا

فتقدمنا فورا بقضية مطالبة بالتعويضات التي لابد من اثبات كل رقم فيها للمحكمة ورغم اننا كنا محاصرين وممنوعين من السفر والشركات والبنوك والموظفون لا يردون علينا ويرفضون أي اتصال بنا إلا أننا استطعنا ان نكمل ملفا ببعض خسائر البنك التي تسببت بها التحقيقات الظالمة وبلغت الارقام التي تمكنا من جمع مستنداتها من المصفى وغيره 240 مليون دولار

وقدمناها للمحكمة التي جاء حكمها كارثيا لا مجال للطعن فيه حيث رفضت القضية وقالت إن بنك التقوى انتهت تصفيته عام 2004 وهو غير موجود وليس من حق أحد أن يقاضى باسمه ورغم انى لا اجد سببا الوم فيه نفسى على الاذى الذى اصاب المساهمين والمضاربين فلم تكن تنقصنا الخبرة ولا العلم ولا الاسواق ولا الاتصالات ولا السنعة الحسنة ولا الطاقة ولا ركنا الى الراحة او الاهمال ولم نكن من هواة جدد فى الاسواق ولم نغامر او نتهور وكل من يعرفنا وساهم معنا يعرف ذلك واحتسبت ذلك عند الله فلم تكن المرة الاولى ان يهدم ما بنيته ولكن ماآلمنى هو الشظايا التى اصابت المساهمين والمضاربين فى البنك ونسأل الله ان يعوض كل نت تضرر فى هذه الخسارة قبل ان يعوضنا

" وطويت صفحة بنك التقوى وطوى معها كفاح سنين وارصدة المساهمين والمضاربين وكان رصيدى انا وغالب همت يمثل 65% منها ومازالت على قوائم الامم المتحدة وايضا القوائم الامريكية وأملاكى وحساباتى مجمدة ومحرما على مغادرة القرية التى أقيم فيها وهى " كمبيونة " ومساحتها كيلو متر مربع ونصف وتراكمت علينا فواتير الضرائب والمحامين ولم يكن هناك يد من بيع بعض املاكنا المسجلة باسماء بعض العائلة منذ السبعينات بأسعار اقل من ربع قيمتها فليس هناك مشتر فدائى الا ان يكون هناك ما يغريه "

ليس الامر بجديد وليست المرة الاولى التى اهبط الى الصفر واصعد الى اكثر من بليون ولكن هذه المرة كنت فى هذا الوقت قد بلغت 75 عاما " " يا لله الحمد لك والشكر لك والنعمة لك رب لا تدعنى الى عدو ملكته امرى فأنا عبد ابن عبد إن لم يكن بك على غضب فلا أبالى !! وعلى موقع الانترنت الذى يحتفظ يوسف ندا لنفسه فيه بحق الرد على منتقديه الذين كانوا عنيفين فى العادة كتب يقول

اذا قيل اننى مهندس ... فهذا صحيح

اذا قيل إننى رجل اعمال ... فهذا صحيح

إذا قيل إننى بنكى .. فهذا صحيح

اذا قيل اننى رجل صناعة ... فهذا صحيح

اذا قيل اننى اعمل فى التطوير العقارى ... فهذا صحيح

اذا قيل اننى سياسي ... فهذا صحيح

اذا قيل اننى متحرك ... فهذا صحيح

اذا قيل ديمقراطى .. فهذا صحيح

اذا قيل اننى اشتراكى ... فهذا صحيح

واذا ثيل اننى اسلامى ... فهذا صحيح

اما اذا قيل اننى ارهابى او ممول الارهاب او كانت لدى أي صلات مع الارهاب فهذا خطأ وخداع وتضليل وهذه امور تتعارض مع ايمانى ودينى وكل ما أؤمن به

وكانت هذه هي العبارة الاخيرة التي مافتىء يوسف ندا يكررها مرات عديدة منذ احداث الحادي عشر من سبتمبر عندما اصبح متورطا في إرث هذا اليوم الفظيع من الهجمات على مدينتي نيويورك وواشنطن عندما توقف العالم عند البعض وتغير عند ملايين اخرين كان هذا عندما انقلب العالم كله رأسا على عقب وتسمرنا جميعا ونحن نرى إعادة صياغة قواعد لعبة القوى الدولية عندما بدأ الرئيس الأمريكي جورج بوش ما سماه الحرب على الارهاب وحربه الصليبية وكان يوسف ندا يمثل احدى الاصابات في صفوف المدنيين جراء هجمة جورج بوش وكان عليه ان يعرف مصيره على الطريقة الحديثة من شاشة التلفزيون

كان في مكتبه الانيق ببناية في المركز التجاري بمدينة لوجانو السويسرية عندما سمع فى الاخبار ماحدث فى الحادى عشر من سبتمبر وعندما علم حقيقة ماوقع فى هذا اليوم ادلى بتصريح للصحف يعرب فيه عن خالص تعازيه ويعبر عن قلقه من هذا السلوك الاجرامى لهذه الهجمات الوحشية وفى المقابل تم اتهامه بانه يحاول التغطية على اعماله البنكية الارهابية بالإدلاء بمثل هذه التصريحات

وفى خلال ايام قليلة من هجمات الحادى عشر من سبتمبر تم توزيع اسماء المشتبه بهم على كل البنوك فى العالم مع توجيه بالابلاغ عنه ولكن وجد بعض التشابه فى اجزاء من الاسم او العائلة وامتثلوا لهذه الاوامر وقدموا الوثائق المعنية للبنك المركزى فى البهاما الذى سلمها بدوره للمدعى العام هناك قبل ان يوصلها الى مكتب التحقيقات الفيدرالى الامريكى " إف بى آى "

ثم كان اول الغيث قطرة قبل ان ينهمر ففى 21 من سبتمبر أي بعد هذه الهجمات بعشرة ايام فقط عرف يوسف ندا ان وزارة العدل السويسرية والشرطة تلقوا طلبت من الولايات المتحدة للمساعدة القانونية فى التحقيق فى مجموعة التقوى انتاب ندا القلق لكنه حافظ على هدوئه فما الذى يدعو رجلا بريئا للخوف ؟ ! لكنه يبدو بالنظر لما ستؤول اليه الامور كان الخوف مجرد مقدمة لكوابيس اخرى قادمة

تلقى يوسف ندا اتصالا هاتفيا بتاريخ 29 من أكتوبر 2001 من القنصل الأمريكي في روما يذكره بأنه قدم طلبا كتابيا لواشنطن لرفع اسمه من على اسى قوائم عدم دخول امريكا وعدم ربطه بالبند 212a 3 b الذى يربط بينه وبين الارهاب وتمخض هذا الاتصال بترتيب لقاء بينه وبين عميل لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي " إف بي آى " ويدعى جون كوسنزا بمقر القنصلية الامريكية فى ميلانو بعد ذلك بعدة ايام وعندما وصل يوسف ندا طلب منه احد الحراس بغلظة ان يقف فى الصف بالشارع اخبره بأن لديه موعدا بالداخل لكنه اصر على ان ينتظر فقال له " قل ل كوسنزا إن يوسف ندا لا يقف فى صفوف المتسولين وانصرف

اتصل عميل ال إف بى آى عدة مرات بيوسف ندا ليعتذر له عن سوء الفهم الذى جرى وانه تم تحديد موعد اخر للقاء كوسنزا وعميله اخرى مقيمة فى روما هى " ليندا فيتى " يقول ندا " أخذت معى صورة من الملف الذى سلمته للبنك المركزى وشرحت لهم نقاشاتى مع القنصل الذى طلب منى احضار مستندات تتطلب شاحنات لحملها وقلت لهم اذا كان هذا الرجل لا يعلم عن الامور المالية اكثر من راتبه وقسط بيته وطعامه وثياب زوجته كيف له ان يفهم الوثائق المالية لمصرفى ؟ وكيف يمكننى احضارها له ؟ هل أحضر له عدة شاحنات ؟

" سألونى عما نشر فى صحيفة كوريرا ديلا سيرا واسئلة اخرى عنى وعن التقوى ومركز كيلانو الاسلامى والسيد نصر الدين كانوا يريدون معرفة معلومات عن اسرتى وأنشطتي كسياسي او مصرفي كان واضحا ان لديهم معلومات مسبقة من جهة او شخص ما وبدوا وكأنهم يتحدثون وفق نص مكتوب وكان هذا مجرد بداية لما يمكن ان نسميه موسم التصيد ففى 5 من نوفمبر 2001 اتصل بى مارك هو سينبول من مجلة نيوزويك الامريكية

وسألنى عن السيد نصر الدين ومسجد ميلانو وطلب منى اسم محامينا ورقم هاتفه اتصل به فعلا واخبره عن حديثنا ولم يكن دقيقا وعندما اخبرنى المحامى بهذا طلبت منه ان يرسل له تصحيحا رسميا لمحادثتنا وتحميله المسئولية عن أي تغيير وفى اليوم التالى اتصلت ب جون كوسينزا واخبرته عن هذه المكاملة

وفى 6 نوفمبر وصل السيد نصر الدين من المغرب وذهبت بصحبة عمر ابنه لمطار مالبينسا بميلانو لاستقباله وفى طريقنا الى لوجان بسويسرا استوقفتنا الشرطة الحدودية السويسرية فى كياسو كانوا يعلمون بتحركنا واصطحبونا الى مرآب (جراج) سيارات وقاموا بتفتيش كل جزء فى السيارة واستغرق الامر ساعتين وعندما وصلت البيت اتصلت بمحامى الخاص وطلبت موعدا للقائه فى الصباح

وفى اليوم التالى كان يوسف ندا على موعد جديد مع القدر حيث سارت حياة الصبر والتفانى التى عاشها فى اتجاه اخر يفوق الخيال وبدأ ان الحرب الصليبية التى اعلنها جورج بوش اصبحت حربا شخصية ضد يوسف ندا واستغرق الامر بعض الوقت قبل ان يتم سؤال ندا عن مفتاح الملجأ النووى فى منزله

الفصل الرابع عشر:الحملة الصليبية

"كل دولة فى كل مكان عليها الان ان تقرر إما أنكم معنا وإما أنكم مع الارهابيين" الرئيس بوش الابن خطاب الجلسة المشتركة للكونجرس 20 سبتمبر 2001

كان يوسف ندا لا يزال منزعجا كل الانزعاج من حادثة الحدود الايطالية السويسرية عندما غادر فيلا ندا فى كمبيونى الايطالية الساعة الثامنة والنصف من صباح السابع من نوفمبر 2001 وبدأ قيادة سيارته هابطا الجبل متجها الى مكتب محاميه فى لوجان ومن هناك اتصل هاتفيا بمكاتبه لكن لم يرد احد عليه

فاتصل بغالب همت على هاتفه الجوال لكنه كذلك لم يرد وفى غمار حيرته اتصل يوسف ببيت غالب حيث ردت عليه هادية ابنه غالب وقالت هادية ان البيت يعج بالمخبرين يجوسون فيه كما يحيط غيرهم به من الخارج كأننا فى مؤتمر للشرطة وسمع يوسف على الهاتف شخصا يأمرها بالكف عن الحديث بالعربية والتحدث الايطالية وحدها واخبرته ان اباها قد غادر البيت غير انهم لم يسمحوا لها بمخابرته

واتصل يوسف ببيته فوجد الحال هناك هو نفس ما عليه بيت غالب همت واخذ شرطى السماعة من الخادمة وسال يوسف عن مكانه وخلال دقائق اصبح يوسف ومحاميه على موعد مع " كلود نيكاتى " نائب المدعى الفيدرالى السويسرى فى مكتبه فى لوجانو الساعة الثانية بعد الظهر

كان نيكاتى رجلا بيروقراطيا وكان على مكتبه ملف مفتوح وطرح الاسئلة المعتادة الاسم وتاريخ الميلاد اسم الاب والعنوان والمهنة ثم بدأتفقرات الاختبار المالى :

س : ماهى الاعمال التى تقوم بها شركة التقوى للادارة فى لوجانو ؟

ج : التدقيق الداخلى للشركة الام بنك التقوى ودراسات جدوى لمشروعتها

س : من أين يأتى دخل الشركة ؟

ج : من الشركة الام بنك التقوى

ص : بأى عملة بدفع البنك للشركة ؟

ج : بالدولارات الامريكية

س : ماذا تفعل بالدولارات ؟

ج : ادفع نفقات الشركة

س : لا أنت تحول الدولارات الى العملة السويسرية فماذا تفعل بالفرنكات النقدية ؟

ج : نحن لم نسحب نقدا ابدا نحن ندفع المرتبات والنفقات من خلال البنوك ومقابل الفواتير وكل فرنك سويسرى تم دفعه عن طريق البنك وتم تسجيله فى الحسابات ومن ثم خضع للتدقيق والمراجعة

ثم اخرج نيكاتى بيانا برصيد التقوى للادارة فى حساب لدى بنك ديل جوناردو وقد وقع تحت التفاصيل المختلفة خطوطا بالحبر الاحمر والازرق والاخضر ثم واصل استجوابه ليوسف :

س : هل بيان الرصيد هذا يتعلق بشركتك ؟

ج – نعم س : هنا يمكنك ان ترى 200 ألف دولار وصلت ثم تم تحويلها الى فرنكات سويسرية وصرفت ثم خصمت وها هنا مبلغ اخر 300 ألف دولار وهنا 500 ألف دولار وهكذا دواليك ماذا فعلت بكل هذه المبالغ

ظل يوسف هادئا ثم اجاب :

ج : هل تفهم فى المحاسبة ؟

انزعج " نيكاتى " بشكل واضح فهو مدعى العام للاتحاد السويسرى وغمغم بحدة ماذا تعنى ؟ فأجاب يوسف اذا كنت تفهم المحاسبة فبإمكانى ان اشرح لك اما اذا لم تكن تفهم فكيف استطيع ذلك ؟ وواصل يوسف ندا قوله له " إذا نظرت الى هذا البيان لوجدت فى اعلاه مكتوبا انه حساب بالدولار الامريكى وعندما يحول أي مبلغ الى بالفرنكات السويسرية فيجب ان تخصمه من حساب الدولار وتضيف قيمته بالفرنكات فى حساب الفرنك السويسرى فتحويل الدولارات الى فرنكات يقتضى الخصم من حساب الدولار ولكنه لا يعنى صرف الفرنكات نقدا او اختفاءها

س : هل هذا يعنى أن الشركة لها حساب آخر مع نفس البنك لكن بالفرنك السويسرى ؟

س : واذا سألت بنك " ديل جوتاردو " فهل سأعثر عليه ؟ ج : نعم بطبيعة الحال

وقال يوسف ندا إنه تساءل مرات عديدة عن التهمة الموجهة او قد توجه إليه فكانت اجابة نيكاتى الدائمة بنفس الكلمات : سوف تعرف فيما بعد

وواصل يوسف ندا روايته عن الاجتماع بقوله : سجل الرجل مناقشتنا فى محضر الاستجواب كما هى وادركت ان الرجل المسئول عن التحقيق فى حالتى يفتقر لمعرفة الامور المالية وحتى مبادىء المحاسبة وتذكرت القنصل الامريكى الذى ليس لديه علم او حتى فهم بالامور البنكية ولا يتجاوز علمه المالى حدود مرتبه والشئون الداخلية لبيته

وعلى الرغم من ذلك كنت اتوقع ان يضم فريق التحقيق العامل مع نيكاتى خبراء ماليين ومصرفيين ومحاسبين قادرين على فهم وكشف واكتشاف اننا ضحايا اشخاص غير متميزين او مؤهلين لاى عمل مهم وهأنذا مرة اخرى فى نفس الموقف المؤسف إنهم يقبلون فى ايديهم اوراقا بيد أنهم لا يستوعبون ما فيها

وفجأة انشغل عنى السيد نيكاتى إذ همس احد مساعديه فى اذنه بشىء فنظر الى قائلا انه سيوقف الاستجواب الان وسوف يواصل التحقيقات فى يوم اخر وطلب منى الرجوع الى بيتى لأفتح خزينتى وافتح له كذلك الملجأ النووى (كل البيوت المبنية حديثا فى سويسرا يجب ان يكون بها مخبأ نوو بمقتضى قانون المبانى) وكانت مفاتيحها معى

رجعت الى بيتى ومعى محامى لاجد بالمنزل نحو عشرين رجلا وامرأة من الشرطة بعضهم يرتدى الزى الرسمى والبعض فى ملابس مدنية وقد تعاملت زوجتى معهم باقتدار رغم انها كانت وحدها ولم يكن معها سوى افراد قلائل من الخدمات عندما اقتحمت الشرطة البيت وكانت معهم خريطة بالاماكن التى سوف يداهمونها بيتى وبيت غالب همت والمكاتب اماكن سلطت الكاشفات اضواءها عليها

اصبحت مكتبتي مبعثرة والكتب فى كل مكان ملقاة على الارض كان ثمة ضباط من خمسة بلاد مختلفة وسمعت لهجات امريكية ولغات انجليزية وايطالية والمانية سويسرية وعربية وهتفت بالإيطالية بصوت يعلو على الضوضاء المتحادثين وكلامهم :هذه تصرفات مليئة بالتجاوزات القانونية

كنت ارى هذه المداهمة مليئة بالأخطاء وغير سليمة وجاء الذى رايته يهمس في أذن المدعى العام وانتحى بي جانبا ليقدمني الى احد القضاة الايطاليين الذى حضر مع المداهمين ليقنن ما كانوا يفعلونه وقال لي القاضي : كل أفعالنا التي تعتقد أنها مليئة بالثغرات هي قانونية فأجبته : أرى أن المسألة سوف تستغرق وقتا كي يثبت قانونيتها من عدمها وقد اتضح مع مرور الوقت أن الوقت أن ملاحظتي مانت أدق عبارة واصدق تعليق ذُكرا في ذلك اليوم

في عصر ذلك اليوم وبينما كانت قوات الامن تحيل بيت يوسف ندا الى ما يشبه سوق خردة كان الوقت صباحا في العاصمة الامريكية واشنطن وظهر الرئيس بوش على التلفاز ليقرن اسم يوسف ندا وبنك التقوى واعطى حديثه انطباعا بأنه بنك مافى مكان ما وهو وصاحبه كلاهما يصعب على الناس فى ولاية " أيوا " تهجئة اسميهما ناهيك عن نطقهما ومهما كانت فكرته من وراء ذلك فقد كانت الرسالة واضحة كالشمس

وصف رجال النيابة السويسريون بيت يوسف ندا فى " كمبيوتى " الايطالية الذى عاش فيه اكثر من ثلاثين عاما الملجأ الفاخر والعيد عن الحياة الصاخبة – بأنه وزارة خارجية الإخوان المسلمين وزعموا ان يوسف ندا كان له دور اساسى فى انشاء فروع الإخوان المسلمين فى اوربا وامريكا من حيث ادارتها ودعمها ماليا

اتخذ الرئيس بوش نيابة عن الولايات المتحدة موقف المحارب المتباهى بعضلاته وفى هذا الموقف لم يراع الحساسيات او العواقب التى قد تؤثر على الاخرين ممن لم تكن لهم علاقة وبعد الحادى عشر من سبتمبر اعطى الرئيس بوش لمكتب التحقيقات الفيدرالى جميع الصلاحيات التى تكاد تتطابق مع ما منحها إياه الرئيس " فرانكلين روزفلت " عقب الهجوم على بيرا هاربور منذ ستين عاما

والسؤال هو : هل كانت ملاحظات الرئيس بوش والتصرفات الامريكية يصددها هجوما شخصيا على يوسف ندا ومجموعة بنك التقوى التابعة له ؟ أم أنه كان يقصد الإخوان المسلمين ؟ لقد دافع يوسف ندا عن نفسه وعن معتقده ضد اكثر المتناقضات شذوذا ومازال يفعل ذلك فى العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين : قرنوا اسمه بفظائع لا يمكن ان يوافق عليها ابدا ناهيك عن ان يشترك فيها

ويعود يوسف ندا بذاكرته قائلا : عندما تحدث رئيس الولايات المتحدة بتلك الطريقة لم تكن هذه مشكلة ليوسف ندا وحده بل قد تحدث لاى شخص اخر كيف يمكن للمرء ان يثبت براءة نفسه ؟ بموجب هذا التوجه انت مذنب حتى تتمكن من تبرئة نفسك كان واضحا كل الوضوح من التعبير الذى استخدمه جورج بوش عندما بدأ عدوانه على العالم الاسلامى انه وضع دينا فى مواجة دين اخر كما وضع السياسة فى مواجهة ذلك الدين كذلك حرب صليبية وبالطبع فإنه عندما يفول بعض الارهابيين فنحن جميعا نقبل هذا التعبير لاننا كلنا مستعدون لمحاربة الارهاب

لا ينبغى ان يلقى احد باللوم على الاسلام بن لادن لا يمثل الاسلام فى شىء إن جورج بوش مسيحى ولكن المسيحية لم تجلب الحرب او الموت الى العراق وأفغانستان كلا الطرفين استخدم الدين لتبربر افعاله فى حين لم يكن للدين موضع فيما حدث

وبعد احداث الحادى عشر من سبتمبر لم يعد احد فى الغرب يتعامل مع أي شىء يتعلق بالمسلمين بنفس الطرق التى كانت متبعة قبل تلك الاحداث لقد تحدث الرئيس بوش بعد ان قال انها حرب صليبية وتحدث رئيس الوزراء تونى بلير ثم قالا إن الحرب ليست ضد الاسلام قالا هذا بيد اننا راينا التصرفات التى مضت مخالفة لهذه التصريحات والقوانين الجديدة التى ما فتئت تصدر باستمرار كلها استهدفت المسلمين او من ينتقل من بلاد إسلامية

بعض الجامعات رفضت قبول طلاب ليس بناة على مؤهلاتهم الدراسية وانما بسبب اسمائهم اسماؤهم مسلمة محمد واحمد وعلى ... وغيرهم وثمة قوانين تستهدف الاجانب وكلمة اجانب فضفاضة للغاية وبدلا من القول بأن الحرب ضد الاسلام قالوا ان القوانين ضد الارهاب ويعتقد الإخوان المسلمين ان العمليات الارهابية التي تؤذى الافراد المسالمين والبلاد التي يعيشون فيها تعد انحرافا عن الاسلام وهى غير مقبولة حتى لو كنت في حرب فليس من حقك ان تقتل طفلا او امرأة او شيخا او تحرق زرعا

على أي اساس توافق على الارهاب ؟ ! إن الخوف هو من الاسلام وليس الخوف منا فهل نغير ديننا ؟ ان الاسلام هو اقوى شيء يملكه الناس من يقبله ينبغي ان يكون قويا قال تدا انه عندما جرى التحقيق معه بعد مداهمة بيته في السابع من نوفمبر 2001 كان اشبه بما حدث له في مصر قبل عقود مضت عندما سئل عن اسمه واسم ابيه وامه وعنوانه لم ارتكب خطأ لكنهم سجنوني لقد تعودت على ان تعاملني الدكتاتورية معاملة غير قانونية لكن الصدمة كانت ان يتكرر معي هذا في سويسرا

في هذه المرة صادروا اوراقى واوقفوا عمل بطاقتي الائتمانية وجمدوا كل حساباتي البنكية وأملاكي ووضعوني تحت الاقامة الجبرية في مساحة 1,6 كيلو متر مربع في " كمبيونر " كل ذلك لم يكن لمدة يوم او اسبوع او شهر او سنة ولكن لثماني سنوات دون ان يوجهوا إلى اسى اتهاما واحد فقط اين كان القانون ؟ اين ذهبت الديمقراطية ؟ هل كانت سويسرا الديمقراطية الدولة المشهورة بالتزامها بالقانون وحقوق الانسان

كل التهم لا استطيع ارتكابها ولم ارتكبها قط كنت بريئا وبمقدوري ان ارفع راسي عاليا وقد رفعته عاليا على الدوام لكنهم استمرءوا الاستمرار فيإهانتي كانت التحقيقات دائرة في كل مكان وقد استحئت امريكا هذه التحقيقات ولم يكن الرئيس بوش وحده الذى عبر عن هذه الحرب ففي وقت لا حق وامام مجلس الشيوخ وقف اخوان كارلوس زاراتيه نائب الامين العام المساعد لوزارة الخزانة والمسئول عن التحقيقات في الارهاب والذى اصبح بعد ذلك المسئول الاول عن الارهاب في البيت الابيض وادلى بشهادة ضمنها امورا حولي لا يمكن تصديقها

وقد نقل معظمها عن صحيفة " كوريرا ديلا سيرا " وأضاف أننى أعطيت شخصيا أموالا لاسامة بن لادن فى أواخر سبتمبر 2001 السيد بوش وامريكا وبقية العالم يفتشون هذا الكوكب الارضى بحثا عن بن لادن ! وببساطة وعفوية اخرج انا لأعطيه فى يده المال ! هم لا يستطيعون العثور عليه ولكننى أقدر على ذلك وأرسل المال مع الريح ليتساقط على رأسه حيثما كان لا تسألنى كيف فأنا لا أعلم !!

ومنذ فترة طويلة حاولت قوى بعينها ان تربط بين اسمى وبين الارهاب كان هناك علامات تدل على ما يفعلون ولكننى اهميتها لاننى اعتقدت اننى ليس لدى ما أخشاه حيث إننى لم ارتكب أي خطأ بعض الاشخاص والهيئات – وبالقطع مخابرات مبارك – كانوا يحاولون ان يخططوا شيئا ضدى وضد الإخوان المسلمين كل الانظمة الفاسدة تستخدم نفس الطرق نفس التكتيك للانتقام ممن يستهدفونه اذا لم يتمكنوا من اغتياله باختراع اكاذيب تلطخ بها سمعة من تستهدفه وتنشرها حتى تصبح كالحقائق كل ذلك اصبح مألوفا لدى حتى بدأت الاحداث تنكشف

وفى بيت غالب همت المجاور لفيلا ندا فى كمبيونى وجد المحققون السويسريون اوراق البحث الة أذاعوا صيتها السيىء واطلقوا عليها اسم المشروع وفى البيئة الملغومة التى سادت الاسابيع والشهور التالية للحادى عشر من سبتمبر اقتنص من يعتبرهم يوسف ندا دعاة الهدم هذه الاوراق المكتوبة بالعربية وغير المعنونة والمؤرخة بالاول من ديسمبر 1982 واصبحت كالبيدق يتقدم موكب المؤامرات والاتهامات في وسائل الاعلام كافة

ومن هؤلاء المراسل الصحفي السويسري الفرنسي سيلفان بيسون الذى تسربت هذه الاوراق من المحققين السويسريين اليه بشكل غير قانونى وهو الذى اطلق عليها اسم المشروع وسماها خطة الإخوان المسلمين الاستراتيجية لغزو الغرب وزعم فى مقالات له لاحقة ان الخطة كانت فى كتاب هو النموذج للاستيلاء الاسلامى على الغرب بقيادة الإخوان المسلمين

والنص العربى الاصلى يخلو من أي ذكر للإخوان المسلمين ولكنهم قالوا انها مشروع الإخوان المسلمين وهو بهذا الشكل يتصور اكارا مفصلة لتطوير حركة اسلامية دولية واشتمل على 12 نقطة رئيسية اذيعت فى التقارير المتضاربة وفيها ما يلى :

القبول بمبدأ التعاون المؤقت بين الحركات الاسلامية والحركات القومية في المجال الاوسع على ارضية مشتركة ضد الاستعمار والتبشير والدولة اليهودية بدون الاضطرار الى تكوين تحالف وهذا سوف يتطلب على الجانب الاخر صلات محدودة بين بعض القادة على اساس مات قضيه كل حالة وبشرط ان لا تتعارض موطن ثقته مستحضرا في ذهنه ان الحركة الاسلامية يجب ان تكون اصل ما يتخذ من مبادرات او توجهات

ورأى يوسف ندا ان الهستيريا التي ثارت حول هذه الاوراق التي سموها المشروع منتهى التزييف والتضليل كانت القصص المنقولة عنها لا تتفق مع ما قالته الاوراق لقد تلقيت عبر السنين الكثير والكثير من الرسائل عن السياسة والدين وتلقى غالب همت امثالها واليوم تصلنا هذه الاشياء عن طريق الانترنت ويمكن التخلص منها ومحوها بضغطة زر اما في تلك الايام فكانت تصلنا عن طريق الريد وكنا نضعها جانبا مالم يكن به ما يشوق وقد تشدق السيد بيسون بأن هذا هو المشروع السرى للإخوان المسلمين لكن لا لم يكن لهم به شأن انما كان مشروعا كبيرا بيسون وقد ربح من ورائه المال

أليسون بار جيتر من علماء كمبردج تبحث فى الاسلام السياسى والاصولية وأدلت بشهاداتها كخبيرة فى بعض قضايا الارهاب أما محاكم أمريكا والمملة المتحدة وقد زارتنى وكان لى معها حديث طويل ولم تستثرها ما سمى ب الوثيقة التى اثارت سيلفان بيسون فقد قالت عنها مايلى : على الرغم من المزاعم فهذه الوثيقة قائمة مملة بالامنيات ويبدو أنها فى الاساس تعبير عن النوايا التى تعكس تفاؤل تلك الفترة

واستمر " الإعصار " كما يسميه يوسف ندا فى هبوبه غالب همت الذى أدار المركز الاسلامى فى ميونخ لأكثر من ربع قرن مع التأييد من قبل صديقه وشريكه شعر بأنه مضطر للاستقالة من رئاسة المركز بعد اتهامه مع يوسف ندا بالتعامل البنكى مع القاعدة لقد نسجت الكثير من الاوهام حول هذا المركز الذى وصف بأنه مركز لتفريخ العدوان الاسلامى وقد تركه همت عام 2002 أى بعد الحادى عشر من سبتمبر بفترة

وردت قصة مسجد ميونخ فى كتب مختلفة مستقاه من استخبارات سياسية من لدن السلطات الالمانية وتمكن مؤلفو هذه الكتب من الاطلاع على ملفات القسم الخاص (الاستخبارات) الا ان يوسف ندا يرى المسجد بريئا من كل هذا عندما التقيت بغالب همت لم يكن المسجد موجودا بعد وصل المهاجرون المسلمون الى ميونخ من الاتحاد السوفيتي في اعقاب الحرب العالمية الثانية وفشلوا في انشاء مسجد وعندما وصل غالب همت اجتهد لبناء المسجد الذى كانوا في حاجة اليه عندما تكون غريبا عن المكان تحتاج الى وقت كي تكسب اصدقاء وبالنسبة للمسلمين فإن المسجد مكان يلتقون فيه كالحرم الجامعي عند الطلاب

كان غالب همت أول مؤسسي المركز الإسلامي وقد بذل من أجله جهدا كبيرا وسنوات طويلة لم يكن الامر سهلا حينئذ ولم يتحسن كثيرا في القرن الحادي والعشرين فالحصول على تصريح أو ترخيص ببناء مسجد في مدينة اوربية ربما يستغرق سنوات كثيرة حتى إن سُمح به على الرغم من ان بعض المساجد التي انشاتها المملكة العربية السعودية قد لا يقابل صعوبات كبيرة كمسجد روما المبنى حديثا على سبيل المثال

ويعتقد يوسف ندا ان الامر يرجع جزئيا للشر المترتب على دعايات اشخاص امثال سيلفان بيسون قرأت تقريرا حول موقف الاتحاد الأوربي تجاه الاسلام في اوروبا إنهم يعتقدون فيما قاله بيسون وكأنه من الكتاب المقدس وأن الإخوان المسلمين يريدون غزو اوربا لا أفهم كيف يقبل أي عقل مها كان غباؤه مثل هذا الكلام

ليس فيما قيل عنى شيء واحد صحيح ولكن من قالوا كانوا من اصحاب الصوت العالي والنفوذ وكانت أجندة لنشر مزاعمهم في كل مكان وكانوا قربيين من آذان صناع القرار في الغرب أصدر الامريكيون توجيهاتهم للمدعى الفيدرالي السويسري والشرطة السويسرية بالشروع في تحقيقاتهم وعندما فتحوا ملفا كانوا مستميتين في العثور على سبب لما فعلوه لقد أقروا بذلك لقد قالوا انهم كي يجدوا سببا فليس بمقدورهم الا الفبركة

انا اتحدث عن 21 من سبتمبر و24 من أكتوبر 2001 حيث كتب البوليس الاتحادي السويسري على الرغم من ان هؤلاء الناس مثقلون بتقارير الاستخبارات والاعلام وبالمعلومات من وكالات الاستخبارات فقد اتصلنا بالدول كبيرها وصغيرها ولم نستطع العثور على شيء ضد ندا او همت

عندما بدأ المدعى الفيدرالي تحقيقاه تباهى بأنه خصص عشرين في المئة من العاملين في مكتبه وعشرين في المئة من المحققين بالشرطة المحلية والفيدرالية للعمل في قضيتنا وحدها تصور خمس قوة شرطة الدولة والمدعين العامين وعندما بدأ التنقيب كانت بدايته الطبيعية في سويسرا ثم طلب المساعدة القانونية من دول كثيرة ولم يستطع أن يجد شيئا يثبت ما قيل له

فقال لي : أين حسابات البنك ؟ ولكنني من اليوم الاول قدمت كل المعلومات من اليوم الاول اجبت على جميع الاسئلة والارواق والحسابات كلها اخذوها والتقوى للإدارة كانت رسميا تراجع حسابات بنك التقوى والحسابات كانت في مقر الشركة وأخذوها إن مجموع ما أخذوه كما قال المدعى العام للصحف – ملأ اربع سيارات نقل

وفى النهاية رأى ان كل المعلومات وكل الأدلة التي قدمها الامريكيون والتي طُلب منه أن يجد البيئة عليها لم توجد حتى تُخلق قضية لم يكن ينبغي إثارتها بادئذي بدء فالأمريكيون لم يعطوه شيئا يعتمد عليه وايضا حاولوا بممارسة النشاط المصرفي دون ترخيص فالوثائق كانت تثبت العكس

وشكا المدعى السويسرى من غموض المعلومات التى زوده بها الامريكيون فى احدى الاستجوابات التى اجراها معى الامريكيون اتهمونى بعد التعاون معهم لأنني بزعمهم لا ازودهم بمعلومات عن تورطي كأنهم يريدون منى ان اعطيهم غير الموجود وهو بينة على انى ارتكبت خطأ ما

وفى رسالة من المدعى السويسري الى الامريكيين قال لهم إنه أكثر من مستاء ومحبط لعدم حصوله على معلومات منهم معلومات مفصلة عنى وعن بنك التقوى وصلاتنا المزعومة بتمويل الارهاب كانوا قد وعدوه بها اثناء زيارته الى واشنطن وقال " كل المعلومات لدينا تأتينا منكم " وكانت لا تساوى شيئا قالوا إن السلطات في البهاما لا تتعاون معهم

لكن المحققين الأمريكيين استولوا على كل ملفاتنا من السلطات في البهاما لم يأخذوا صورا مستنسخة وانما اخذوا الوثائق ذاتها استولوا عليها من هناك لكنهم قالوا " لم يتعاونوا معنا في البهاما " حتى الكذب لم يتقنوه ولذلك تحدتهم المحكمة ان يقدموني للقضاء إن كان لديهم أدلة على اختراقي لأى قانون وأن يغلقوا التحقيقات في موعد أقصاه 30 يوما فاضطروا لإغلاقها وإلان عدم وجود أدلة

وزعم الامريكيون أن لنا ارتباطات خاصة بالقاعدة وأننا سلمنا إليهم أموالا نقدية ! نقدا وبالغوا في تخيلاتهم فقالوا إنني نقلت أموالا إلى الاردن والمرة الوحيدة التي ذهبت فيها الى الاردن كانت توقفا عابرا (ترانزيت) في عمان في طريقي الى بغداد لمقابلة صدام حسين ايام غزو الكويت كما زعموا ايضا اننى مولت خطة لقتل السياح اثناء الاحتفال بالألفية الجديدة في الاردن وكان هذا هراء اكبر

واتهموا بنك التقوى بتقديم المساعدة المالية الى خضر ابو غوشة وابى مصعب الزرقاوي وهناك تقارير من المخابرات الاردنية اننى مولت الزرقاوي كي يفجر مهرجان الالفية وقال مصدر يفترض الوثوق فيه إن اسرة اسامة بن لادن استثمرت اموالا ضخمة في التقوى وقد اختفت هذه الاموال في ظروف مريبة ولعلها ذهبت الى اخيهم وادرجت هذه المزاعم في تقارير التحقيقات كان غالب بن لادن اخو اسامة قد استثمر في بنك التقوى مليون دولار تقريبا وعندما اعلن البنك عن وجود خسائر في جنوب شرق اسيا حاول استرداد ماله قبل الموعد المحدد في العقد واقام دعوى قضائية ضدنا في المحكمة العليا في الباهاما ورفضت المحكمة دعواه

لم يكن الامر سرا لكن التقرير الرسمي حول هذه القصة الى تمويل للإرهاب هذه المعلومات الوهمية ترددت في ردهات مجلس الشيوخ الأمريكي وفى أذني الرئيس واعتقد ان كل ما حدث لي كان لأنهم ارادوا ان يربطوا من خلالي بين الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة كانت هذه نيتهم دائما وهذا ما كان في الملفات التي وضعت على مكتب الرئيس الأمريكي وقادة الكونجرس بل وعدد من قادة العالم الاخرين هذه هي المعلومات التي تصرفوا على اساسها

المكاتبات بين وكلاء النيابة السويسريين والمسئولين الامريكيين ذكرت اننى والسيد غالب همت كان مشتبه في اشتراكنا في منظمة ارهابية وهى القاعدة من عام 1981 الى عام 2001 وهنا ذكروا منظمة ارهابية وفى مكاتبة اخرى ذكروا اننا كنا نمول القاعدة على حين ان القاعدة لم تكن ظهرت الى الوجود في عام 1981 حيث اول نشأتها كان 1988 فكيف يقولون هذا ؟

قال المحققون في مراسلات تبادلوها انه لم توجد ادلة وكان عليهم الاعتماد على التوقعات وفيما يتعلق بتمويل الارهابيين قالوا " ان موقف التحقيقات حتى الان لا يشير الى أيشيء من ذلك وعلينا ان نفرق بين الافتراض والواقع وفى مراسلة اخرى جاء انه طبقا للمعلومات والوثائق لديهم يوجد سبب للشكوك حول قيمة التحريات

وفى يناير 2002 ارسل وزير الخزانة الأمريكي خطابا الى السلطات السويسرية ادعى فيه ان يوسف ندا ومستشار الحكومة السعودية على بن مسلم قد قدما " خدمات استثمارية غير مباشرة " لتنظيم القاعدة واستثمروا اموالا لحساب بن لادن وسلما مبالغ نقدية لتنظيم القاعدة عند الطلب وقال الخطاب ان المساعدة استمرت حتى اواخر سبتمبر 2001

كان على بن مسلم الذى توفى بمرض السرطان عام 2004 في احد فنادق جنيف يعمل مستشارا بالديوان الملكي السعودي بمرتبة وزير ويحمل جواز سفر دبلوماسيا وكتبت الشرطة السويسرية انه كان له صيت في عقد الصفقات المالية خلال الثمانينات والتسعينيات ومنها محاولة لاحتواء سوق الفضة العالمي والوساطة في صفقة بعدة بلايين من الدولارات بين الحكومتين السعودية والفرنسية

ويعلق يوسف على هذا الادعاء قائلا " ذكر الخطاب المرسل من وزير الخزانة الأمريكي الى المدعى السويسري اننى وعلى بن مسلم كنا نمول الارهاب وكان على دبلوماسيا سعوديا ومستشارا للملك فهد وكنت اعرفه وعلى صلبة به لقد اختاره الملك ليكون همزة الوصل بينه وبيني "

لا استطيع ان اؤيد ما ذكروه عن على بن مسلم ولا يمكن ان اعرفه على وجه التأكيد ومن متابعتي له ولمنصبه قد يكون الامر كذلك وقد لا يكون مثل ما قيل عنى فهو كان وثيق الصلة بالأمير تركى رئيس رئيس المخابرات في عهد الملك فهد اثناء الحرب بين الاتحاد السوفيتي والمجاهدين الافغان وكان الامير تركى وال سي آى إيه يتعاونان على مساعدة المجاهدين ايام الاتحاد السوفيتي

وذكروا ان على بم مسلم كان يمولهم ربما – انا لا ادرى – كما قالوا انه شجع الصفقات العسكرية بين المملكة العربية السعودية وفرنسا وحصل على عمولات قدرها سبعون مليون دولار ربما حدث هذا لكن لم يكن لي شأن به ولكن هذا ما قرأته في تقارير المدعى العام بعد ان اغلق القضية بأمر المحكمة (القانون السويسري يسمح لمن حقق معه واغلق ملفه بدون تقديمه للمحكمة لعدم وجود أدلة أن يطلع على الملف ويصور ما يريد منه وقد فعلت ذلك وعندي 2000 وثيقة تقريبا صورتها من الملفات)

كانت علاقاتي بعلى بن مسلم تنحصر في التواصل مع الملك فهد ومحاولة حل المشكلات مع ايران والسوفييت والافغان واليمن كانت له اعماله التجارية ولم اكن اعرف شيئا عن انشطته كان ثريا وتوفى في احد فنادق جنيف كنت اعرفه ولكن لم تكن ليأي صلة بأمواله او نشاطه لقد اخذ المحققون بعض الحقيقة من هنا وبعضها من هناك وصنعوا منها سلطة رديئة المذاق كما ذكرت الخزانة الامريكية اننى كنت اعمل مع ممدوح محمود سليم الذى قالوا إنه أحد مؤسسي القاعدة وقد القى القبض عليه بالقرب من ميونخ عام 1998

ولم يكن لي ابدا أي اتصال به أو بأي شخص من جماعته ولم يكن عضوا في جماعة الإخوان بل لم اسمع الا منهم وقالوا إن لديهم معلوماتهم التي تفيد بأنه كان لديه خط انتمائي من بنك التقوى على احد بنوك دبى كما قالوا إنه سحب اموالا من بنك دبى على هذا الحساب والحقيقة هي انه لم يكن لنا حسابات مع بنوك في دبى وان كان هذا الزعم صحيحا فلماذا لم يذكروا اسم بنك دبى ؟ ولماذا لم يقدموه للمحاكمة او يضعوه في قوائم هيئة الامم السوداء وقائمتهم السوداء ؟

ولم يكن لدينا قط اسماء او حسابات سرية في بنك التقوى لكن الخزانة الامريكية تقول ان ثمة حسابات سرية في بنك التقوى لا يمكن لاحد الاطلاع عليها هذا محض هراء نحن لم نستطع السحب من احد بنوك دبى لأنه ليست لنا أي صلات بالبنوك هناك لكنهم سألوني عنها وألحوا في السؤال ليروا إذا كان هناك شعرة من الحقيقة فيما لديهم من معلومات أنا لم اسمع اسم ممدوح محمود سليم من قبل أن يذكره لي المدعى أبدا ثم قرأت الاوراق التي جاءت من الولايات المتحدة وأشارت الى أن المعلومات أخذت من سجناء تحت الاكراه

وانا افهم تلك الامور فقد شاهدت مثلها عندما كنت معتقلا في السجن الحربى كانوا يمزقون جسد المسجون بالسكين حتى ينطق بما يريدون ان يقوله وليس بالحقيقة وكان السجناء يقولون ما اراده سجانوهم ليتخلصوا مما يعانونه من آلام وزعم تقرير اخر أن جنسيتي مزورة وكانت لدى الاوراق من محكمة العدل التي تثبت انها لم تكن كذلك كانت الاتهامات تحوم حولي طوال الوقت وما من شيء يجعلها تهدأ لقد تحديتهم آنذاك وانا الان اتحدى أي انسان ان يثبت احد هذه الاتهامات او يثبت انى اخترقت أي قانون فيأي مكان في العالم

كان المسئولون السويسريون يعملون في كل الاوقات لصالح الامريكيين " دافيد كين " كبير المحققين الامريكيين المشتغلين بحالتي جاء الى بيتي هنا وكان معه اربعة رجال احدهم من ادارة التحقيقات العامة الايطالية والعمليات الخاصة DIGOS والثاني من هيئة المعلومات والامن العسكري SISMI والثالث من شرطة الاموال والرابع من الشرطة العادية انا لا الوم امريكا او الامريكيون ولكنني الوم حكومة بوش فكل اعمالهم كانت سيئة وكانت مبنية على احتمالات وفبركات وليس حقائق

واستجوبني السويسريون حول جميع الاسلاميين في كل مكان وعن جنسيتي وكيف حصلت عليها وعن اسرتى وعن ثروتي وعن كل شيء لكنهم لم يذكروا لي كلمة واحدة عن حماس لانهم يعلمون ان لا شأن لي بها إطلاقا

شعرت بالشفقة إزاهم كانوا موظفين مدنيين مهنيين يحاولون اداء عملهم عمل أملى عليهم ولم يستطيعوا ان يرفضوه كان عليهم الامتثال للأوامر وتنفيذها اذهبوا فاصطادوا اذهبوا فنقبوا لا تحرزوا شيئا لكن يجب ان تجدوا شيئا ما لم يتمكنوا من وضع ايديهم على أي دليل يدعم مزاعمهم لأنها كانت غير حقيقية اصلا ومازالت القصص المختلفة تنتشر من خلال الصحف والافلام والتلفاز والكتب والانترنت والتقارير الامنية والشهادات امام الكونجرس الأمريكي

ان القاعدة لديهم بمثابة الشبح وحشا مخيفا كلها خيالات جامحة وتحول الامر الان الى مشكلة كبرى لا تقتصر على اوربا وامريكا وحدهما فبعد كل هذه الدعايات المسمومة اصبح بعض الناس عندما يرون المسلمين يصلون يعتقدون ان عملا ارهابيا على وشك الحدوث الارهاب قادم

الفصل الخامس عشر: إفلاس الحرية

" انا لا ارى كيف يمكن الفصل بين الايمان والقيم الاخلاقية أنا ايضا لا أعتقد بأنك يجب أن تكون مسيحيا لتمارس هذه القيم في حياتك الخاصة او وظيفتك العامة " الرئيس جيمي كارتر 1976

في 11 من سبتمبر 2002 بعد اربعة ايام من مداهمة منزله سافر يوسف ندا الى لندن ليسجل سلسلة من المقابلات مع قناة الجزيرة والتي اجراها معه احمد منصور الإعلامي الفذ صاحب المهنية والدقة واجتذبت المقابلات انتباه اكثر من 40 مليون مشاهد في مختلف انحاء العالم واذيعت على عشر علقات مدة الحلقة ساعة كاملة وكانت تكرر ثلاث مرات في الاسبوع

اعتقد يوسف انه ينبغي عليه الدفاع عن نفسه على الملأ بعد التهجم على حياته وحرياته ايضا على الملأ وظل هادئا رابط الجأش كانت التجربة اختبار لشخصيه فطوال فترة التحقيقات اضطرت سمعة يوسف ندا واقرب المرتبطين به وفى يناير 2004 تمت تصفية بنك التقوى وخسر المستثمرون اموالهم وكانت عقود المضاربة التي وقعها كل من له حساب مضاربة مع بنك التقوى تنص بوضوح وصراحة على ان الخسائر كلها إن وجدت يتحملها صاحب الحساب و لا تخصم مصروفات او اتعاب للبنك اما في حالة الارباح فإن نصيب صاحب الحساب منها 75% والبنك 25 %

اما يوسف فقد خسر شخصيا 350 مليون دولار بيد انه يقول مطمئنا " الحمد لله لقد عوملت في الاغلب معاملة طيبة ب استثناء ما لقيته في لندن عندما القت " اسكتلاند يارد " القبض على فبعد مقابلتي مع الجزيرة عدت الى فندق هيلتون في لندن لكن باب غرفتي لم ينفتح فنزلت الى الاستقبال حيث طلب منى الموظف الانتظار قليلا وبعد نحو خمس دقائق أعطاني بطاقة جديدة لأفتح بها باب غرفتي وعند خروجي من المصعد وجدت أمامي مجموعة من الرجال سألني احدهم هل انت السيد ندا ؟ فهززت رأسي قائلا : نعم فقال احدهم نحن نت اسكتلاند يارد وانت مقبوض عليك ياسيد ندا

وعندما سالت عن السبب اخبروني بوجوب الذهاب معهم الى غرفتي اولا كان عددهم خمسة وبدءوا يفتشون غرفتي طلب منى احد رجال القسم الخاص ان احمل حقيبتي كنا في شهر رمضان فقلت إنني يجب ان اذهب الى الحمام اولا لأنى اريد ان اصلى فأمروني ان اترك باب الحمام مفتوحا وعندما انتهيت من الصلاة امرني مرة اخرى : أحضر حقيبتك فأجبته لا إذا أردت إحضارها فأحضرها بنفسك إنني في عمر والدك إذا كنت لا تريد حملها فألق بها من النافذة او تركها ولا تأخذها كانت عباراتي جافة لكن الفكرة وصلته وحملها

ثم اخبرني بأنه ليس مسموحا لي الوجود في انجلترا فقلت له - أنا أسف لكنني اوربى واعتقد ان لندن في انجلترا وانجلترا جزء من اوربا فقالوا : لا انجلترا هي انجلترا وانت غير مسموح لك الحضوراليها ان اسمك على قائمة الامم المتحدة وكل الدول الاعضاء في هيئة الامم يجب الا تسمح لك بدخولها او المرور عبر اراضيها وأخذوني الى قسم الشرطة حيث احصوا ما كان معي من مال واخذوه وسائر أغراضي ووضعوا الجميع في كيس بلاستيكي ثم وضعوني في زنزانة وعندما دخلتها انتابني شعور غريب غاية في الغرابة

كان في الزنزانة ما نسميه اريكة عليها مرتبة بلاستيكية كانت الزنزانة افضل كم زنزانتي بالسجن الحربى في مصر وكان معي مصحفي فأخذت أقرأ فيه ثم حاولت أن أنام بعد ذلك لكن الزنزانة كانت باردة جدا شديدة البرودة فطرقت الباب وطلبت بطانية ومرت على خمس عشرة دقيقة وما زلت متجمدا من البرد كانت البطانية رقيقة كالورقة وطلبت بطانية اخرى لكنها لم تغير من الامر شيئا وعندما طلبت بطانية للمرة الثالثة قال لي : ها هي لا تسألني المزيد فلم يعد لدى بطانية اخرى كي أعطيك إياها

وبعد حوالى ثلاث ساعات فتح الشرطي الباب واخبرني انه من حقي ان اجرى اتصالا هاتفيا بأي شخص في أي مكان لم أرغب في إزعاج الإخوان والاصدقاء في لندن لم أو أن يأتوا الى في السجن ولا ان يعرضوا انفسهم لأى مضايقات أو شبهات إذ لم أكن متأكدا من حقيقة ما يدور حولي ففضلت الاتصال بغالب همت في " كمبينة " وأخبرته بما حدث وقام غالب همت بالاتصال بالإخوان في لندن الذين كلفوا أحد المحاميين بتولي الامر

وبعد أن تحدث المحامي الى " اسكتلانديارد " عاد الى يوسف ندا قائلا : ليس لديهم أيشيء ضدك لكنهم سوف يقومون بإبعادك عن البلاد اليوم لا يستطيع احد ان يسألهم لماذا وهم لا يريدون التصريح بالسبب لكنك إذا بقيت ولم تغادر فسوف يضطرون الى التصريح بالسبب أما إذا أبعدوك فلن يستطيع أحد أن يسألهم

يقول ندا " اخترت أن أغادر لندن كان اسمى موضوعا على القائمة السوداء للأمم المتحدة جميع أصولي المالية تم تجميدها وكذلك تحركاتي قُيدت وأعاقوا حياتى عن المسير قُدُما "

الفصل السادس عشر:راحة باردة

"القاعدة ليست سوى جملة اعتراضية من اكثر ما يمكن الاستغناء عنه فى تاريخ الاسلام والعالم العربى العربى وهى ليست ذروة فيه ولكنها محض نتوء تافه " جين بيير فيليو عشرة دروس من الانتفاضة الديمقراطية 2011

بينما كانت عاصفة الاتهامات تحدق بيوسف ندا عبر الرجل عن رأيه فى القاعدة وقائدها ذائع الصيت اسامة بن لادن ولم يلق هذا الرأى شعبية كبيرة وأصر على ان القاعدة ليست جماعة ارهابية متماسكة وليست منظمة كبيرة ولكنها مجموعة صغيرة من المجانين الذين يبررون افعالهم الخيالية من الرحمة بالاستشهاد بإسلام من الصنف الذى يروجوه ويقول يوسف ندا أيضا " إن ثقافة العنف الذى أطلق عليه الجهاد عند بعض السلفيين ماهى إلا ثقافة التخلف والجهل مع تسلط الامراض النفسية والمعيشية للبحث عن اسلوب التنفيس الاعمى عن معاناة جذورها مختلفة "

هل يعقل ان يفكر انسان بمسدس او كلاشنكوف او حتى مدفع او بعض المتفجرات ان يهزم قوة من الجيش او الشرطة لهم ما لهم من تدريب والمعدات والامدادات والتمويل وعلى دراية بكل المواقع بالبلاد وكل الفاعليات بل على دراية بالبيئة وطريقة التفكير والثقافة وبيدها الاعلام لتغيير المفاهيم وباليد الاخرى قوة غير متعادلة

ان هذه الافكار مردها الجهل والامراض النفسية والعصبية وقد يصاحبها ايضا المعيشية مزجت بمزيج من انحراف الفهم الدينى فسعت الى الانتحار وهى تظن ان هناك بارقة امل فى الوصول الى تغيير افضل او الى الجنة

ويوسف ندا يعتقد ايضا ان ما يسمى بالجهادية الدولية international jigadism قد تم تصنيعها كمدخل جديد فى الحرب الساخنة لتملأ الفراغ الذى تولد بعد تفكيك الاتحاد السوفيتى ان جيش القاعدة والخطر الذى يشكله قد بولغ فيه مبالغة ضخمة كانت وجهة نظر مثيرة للجدل فى حين شن الرئيس بوش حربه على الارهاب اما الخبراء فى شئون أفغانستان وايران والعراق وكل بلاد الشرق الذين كانوا الى وقت قريب يعرفون عن العربية انها نوع من القهوة فحسب فبدءوا نشاطا محموما من النصح والارشاد وفرض التعليمات وقواعد جديدة للسفر ولتحويلات الاموال واجراءات البنوك

ورغم عدم رؤيتهم للقاعدة فى أي مكان بدأ خبراء الاستخبارات يرونها فى كل مكان مما ادى الى الغزو الامريكى الانجليزى للعراق بناء على دليل متهافت ومتعجل بل ومفبرك الى حد كبير عن امتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل وعلى ملف كاذب قدمته الحكومة البريطانية وقد نجم عن كل ذلك إيجاد منطقة جديدة للقتال يتلاعب فيها الشرق بالغرب والعكس بالعكس وحرب استنزافية كارثية مدمرة فى العراق وفى أفغانستان

وانتاب يوسف ندا قدر ضئيل من الراحة إذ ثبت أنه كان مصيبا وإن تم ذلك بعد أكثر من عشرة أعوام وكثيرون فى الغرب قبلوا الان بالاخطاء التى لا نهاية لها والتى ارتكبتها حكوماتهم اثناء سعيها لفهم ظاهرة الجهاديين وما قامت به الحكومة الامريكية غبر العالم قد صاحبته قصص وحكايات تم التحقق من بعضها واتهامات بارتكاب الفظائع وانتهاك حقوق الانسان ومناقشات حول الحرب على الارهاب وتحويل امريكا المشبوهين بالارهاب من معتقلاتها الى دول اخرى للتحقيق معهم باستخدام التعذيب

وفى عام 2002 انشأ جورج بوش الابن المعتقل الموجود بالقاعدة البحرية الامريكية في جوانتانامو باي بجزيرة كوبا ليعتقل فيه خارج دائرة القضاء من يشتبه في ان له علاقة بالإرهاب ومازال المعتقل يعمل بعد مرور عشرة اعوام على انشائه على الرغم من وعود باراك اوباما الانتخابية السابقة بأنه سيغلقه لقد تضاءل بشدة دور امريكا كشرطي عالمي ولم يفلح كل ذلك في إزالة مشاعر الكراهية وعدم الثقة نخوها وثمة حيل قذرة في الشرق والغرب يقوم بها اصحاب المصالح المحسوبة والمرتزقة لإبقاء الوضع الراهن

ان المعلومات والدراسات والتعلم بعقلية منصفة والاحداث الثورية لعامي 2011 و 2012 مع ما حدث في ماليزيا من عودة زعيم المعارضة انور ابراهيم بعد تبرئته اظهرت للجمهور ولواضعي السياسات ان غالبية المسلمين غير عنيفين مهما افترى عليهم ويستطيعون احداث تغييرات جذرية في عالمهم دونما عنف لقد بذلت جهود مستميتة لأبعاد انور ابراهيم عن القيام باي دور سياسات بلده

حتى 9 من يناير 2012 عندما برأت ساحته المحكمة الماليزية العليا بعد محاكمة استمرت احد عشر شهرا في كوالالمبور في دعاوى مفبركة بتصرف جنسي مع احد العاملين عنده لا بعاده عن الساحة السياسية لتظل الترويكا المسيطرة عليها مستمرة فيها وكان انور ابراهيم يخوض الانتخابات محاولا انتزاع مقاليد الحكم في ماليزيا من رئيس الوزراء نجيب عبد الرازق ومن قبله من محاضر محمد

وانور على نفس نهج صديقه يوسف ندا يرى ان جميع البشر متساوون وانور يرى اننا جميعا اولاد ادم ويقول ان نموذج قيادته لماليزيا يشبه ما يجرى في تركيا ويقول ان لديه نفس الآمال في ديمقراطية اسلامية كالتي يرجوها رئيس وزراء تركيا رجب طيب أروغان كما يقول قائد ماليزيا المقبل انا اتحدث عن الربيع الماليزي لكن طريقنا سيكون عبر الانتخابات

هذا الاتجاه نحو عالم التعايش فى سلام معا يحيا ويترك غيره يتمتع بالحياة لكن هناك مهمة كبرى وهى ان تجعل الناس يتناقشون عوضا عن اصدار احكام فورية وجولة في فضاء شبكة الانترنت تظهر مقدار الغضب ومرجل الكراهية والنقص الحقيقي في الفهم

ورغم هذا فما زال الامل موجودا كان يوسف ندا يحدثني عن ذلك في بيته بسويسرا واستدرك قائلا " لكننا الان مازلنا ندفع ثمنا باهظا اولئك الذين قُتلوا والذين أُبيدوا الذين فقدوا عقولهم او اجسادهم او الاثنين معا ماذا يمكنك ان تفعل يا سيد " تومبسون " ؟ أنا ما زلت على قيد الحياة هنا في بيتي أجلس معك مليونان من البشر فقدوا ارواحهم في العراق الارامل واليتامى والمشوهون هؤلاء الناس ماذا تقول لهم ؟! وقد يكون من ذلك في أفغانستان"

نعم من الصعب ان تجد إجابة أمور تدعو لليأس وبسبب كل الاحداث السياسية التي جرت حوله ورمت ظلالها على حياته اصبح يوسف ندا مُشتت البال وخائفا احيانا من مساعدة بعض المحتاجين اطلعني على ملف من حاسوبه يحتوى تفاصيل حالة من هذه الحالات امرأة أمضى زوجها عشر سنوات فيأحد السجون المغربية بتهمة الارهاب ونصحها بعضُهم ان تتصل بيوسف ندا وكتبت الاسرة الى " ميشياين آن ماري كالمى ري " (أصبحت عام 2007 ثاني امرأة تتولى رئاسة الاتحاد السويسري) لكنها أرادت تدخلا مبارا والان جاءوا إلى فيلا ندا

وقال ندا " كانوا يعرفون ان لي صلات شخصية من الاسرة المالكة في المغرب وفى السابق كان أسلوبي ان اجرى بعض التحريات ثم احاول المساعدة لكن الان اصبحت حريصا للغاية أي واحد يستطيع ان يأتي ليراني رجلا كان أو امرأة عربيا أو أوربيا أنا لا أغلق بابي امام احد

جاءت زوجة السجين وطلبت منى ان اتدخل لكنني لم استطع فربما كانت له صلة بجماعة إرهابية وربما كان بريئا انا لا أدرى ولست انا من يقدر على الحكم لو كنت في ايامى الخالية لفعلت ما بوسعي حتى ولو لم اكن اعرفها لم يعد الامر الان كما كان لا مقارنة

هذا الحذر الشديد مفهوم في عالمنا اليوم من ذا الذى يعلم عواقب تصرفاته ؟ وما هي الجريمة ؟ وأصعب من ذلك ما هي جريمة الكراهية ؟ وأثناء الفترة التي عاشها يوسف ندا وهو مصنف بالمصرفي الإرهابي صاغ وجهة نظره بهذه الطريقة إنها انعكاس لما انتابه من ضيق بالغ لان العدالة التي أراد للعالم ان يطلبها كانت للأسف الشديد غائبة في قضيته أظن أن كلماته تُبين مدى معاناته من المعاملة التي تلقاها وتُبين كم آذاه أن يرى القيم التي اعتز بها تتقوض من حول كل شيء عمل من أجله وكل شيء أحبه

يقول يوسف ندا " أنا أدرك وأقبل بأن التعاون القانوني بين الامم مهم لحماية العالم من الجرائم المنظمة ومنها الارهاب وتقديم مرتكبيها الى العدالة وارفض التعاون على الظلم لاسباب سياسية لان هذا يخلق الخوف والكراهية وكلاهما بذور العنف والارهاب هل من العدل والانصاف ان تتهم شخصا ما دون بينة لكن بناء على معلومات متهافتة وخاطئة ؟ أنا توقعت ان يُطبق المبدأ القائل بأن كل إنسان بريء حتى تثبت أنه مذنب اعتقدت أنك عندما تدافع عن العدالة فإنك تدافع عن نفسك وأنك عندما تحمى القانون فإنك تحمى نفسك وأن الذين اؤتمنوا على حماية

العدالة لا يمكن التسامح معهم إذا ارتكبوا ظلما في أي حالة من الحالات ولايمكن للظلم أن يتبوأ مقعد العدالة والعدالة لا تتغير بتغير اللون أو العرْق او الجنسية او الدين إن الفارق الأساسي بين المجتمع المتحضر والمجتمع البدائي هو ان اولهما منشغل بحماية حقوق الاخرين ان القانون قد وُضع لينظم الحدود بين الحقوق والواجبات والعدالة لا يكفى وجوب تطبيقها فحسب بل يجب أن يشاهد هذا التطبيق أيضا

وكما قلت قابلت المحققين من وزارة الخزانة الامريكية ومن مكتب التحقيقات الفيدرالي ومن وكالة الاستخبارات المركزية ومن مكتب المدعى الفيدرالي السويسري ومن طاقم الشرطة واكدت لهم جميعا انهم كانوا مُضللين وأننى لم أُذنب فيشيء ولم يريدوا أن يُقروا أبدا بأنهم قد ورطوا في سلسلة من المعلومات والاتهامات المُضللة وكذلك بانهم أفرادا وأجهزة عجزوا عن تقديم دليل واحد يدينونني به

وعلى الرغم من تحفظاتي على سلوكي الا إنني لا اشعر انهم لي انا اعتقد انهم مهنيون محترفون يمارسون واجباتهم كل تحقيقاتهم معي كانت حول نشاطاتي التجارية والسياسية والدينية وعن صلاتي وحتى ضرائبي ولا شيء يتعلق بالاتهام الاولى المزيف بتمويل اسامة بن لادن او تنظيم القاعدة او الخاطفين او حماس او الارهابيين

إنني عشت وعملت 42 عاما في سويسرا تمتعت خلالها بالحب والمساواة والتسامح واحترام البشر والحيوانات والطبيعة والقيم تمتعت بإخلاص وصداقة اطباء ومهندسين ومحامين ومشرعين ومصرفين وسياسيين ونشطاء رجالا ونساء من البلد التي تمثل القمة وخلاصة القيم الانسانية

واجبرت على تصفية بنكي وشركاتي ونُزعت منى كل حقوقي الانسانية وثروتي وصحتي وشهرت بي وسائل الاعلام في أرجاء العالم ومُنعت من التنقل ولم يُسمح لي بالسحب من أموالى لدفع ضرائب او اتعاب المحامين او تأمينات صحية بل إن النقود التي كانت في جيبي قد صادرتها شرطة لندن بطريقة تُشبه النشالين في رواية " ديكنز " الشهيرة " أوليفر تويست " كل هذا جرى بأمر من مجلس الامن التابع للأمم المتحدة

تنص الامم المتحدة على ان الذين يجب فرض العقوبات عليهم يتم تحديدهم وفقا لقرار مجلس الامن رقم 1267 وكذلك المرسوم السويسري الفيدرالي الصادر بتاريخ 30 / 11 / 2011 وهم طالبات والقاعدة واسامة بن لادن والارهابيون ومن له صلة بهم او ساعدهم او مولهم ولم اكن أيا من ذلك ولا علاقة لي بأي جهة مما ذكر آنفا لقد ضلل البعض السويسريين والامريكيين لأسباب خاصة بهم واستمر ذلك حتى طال التضليل الرئيس الأمريكي نفسه وصنفنا في 7 من نوفمبر 2001 بممولي الارهاب وبعد احداث 11 من سبتمبر شملت منظومة الدفاع الامريكية كشف وتصنيف كل من يشتبه فيهم حيثما كانوا وبدون أي تمحيص

إن إدراج اسمى على القائمة جردني من كافة حقوقي الانسانية حرية العمل والتنقل والتملك والعلاج كما جردني من سمعتي وجعل العالم أجمع يعاملني كمجرم وإرهابي ان لديهم القدرة على التدمير لكنهم يفتقرون دوما الى الشجاعة لإصلاح ما سببوه من دمار

لقد أنبت المحكمة الفيدرالية السويسرية المدعى الفيدرالي لتركه ملف التحقيقات مفتوحا لفترة زادت على ثلاث سنوات ونصف بدون أن يواجهنى بأي تهمة وبدون وجه او سند قانونيا وبدون الاحالة الى المحاكمة ولذلك اضطروا لإغلاق الملف والتحقيقات كلها والتصريح بأنهم لا يملكون دليلا

ان الدولة الوحيدة في العالم التي قامت بالتحقيق معي كانت سويسرا لم تكن إيطاليا ولم تكن الولايات المتحدة الامريكية وفى 23 من أكتوبر 2001 وهو بداية النظر في التحقيقات اعترف السويسريون بأن التحريات التي تمت في دول كثيرة قد ثبت عقمها وفى 7 من نوفمبر طلب المدعى السويسري الفيدرالي من بعض الدول ان تفتش منازلنا وكاتبنا وتصادر كل الاوراق وترسلها اليه وبعد خمسة ايام نسق فريق العمل السويسري الأمريكي المشترك اعماله ضدنا مع الولايات المتحدة الامريكية وايطاليا وليختينشتين والبهاما والمملكة المتحدة والمانيا والنمسا والمملكة العربية السعودية

كل هذه الدول داهمت منازلنا ومكاتبنا واستولت على وثائقنا وجمدت اموالنا كانت هذه الاخبار تذاع في كل القنوات التلفزيونيو الدولية وبعد هذه التحركات اعلن الرئيس بوش بنفسه اسماءنا متهما إيانا بتمويل الارهاب واضعا ايانا على القائمة الامريكية الخاصة للإرهابيين كما امر بأن تُضاف الى القائمة المماثلة التي وضعتها الامم المتحدة وبداية من 7 من نوفمبر 2001 من مايو 2005 أجروا الاستجوابات

واتصلوا بالعالم كله وتحروا عن جميع البنوك والهيئات ذات الصلة بنا وفحصوا كافة صلاتنا السياسية والمالية والاسلامية وعلى الرغم من كل هذه الجهود التي بذلوها والاوقات التي انفقوها لم يجدوا أي دليل على أي صلة او تمويل او حتى صلة فكرية بيننا وبين الارهاب او طالبان او اسامة بن لادن او القاعدة وفى تقاريرهم الداخلية الدورية أقروا مرارا بنقص الادلة واول مرة اقترحوا فيها اغلاق الملف كانت فى 19 من أغسطس 2003

قام السيد " اخوان كارلوس زارته " من كبار موظفى الخزانة الامريكية بعدة زيارات الى سويسرا اثناء تلك السنوات لمتابعة التحقيقات ولم يرغب فى اغلاق الملف وعقب احدى زياراته فى عام 2004 ذكر ان وكلاء يعملون مع السويسريين وبعدها بقليل اعلن المدعى السويسرى " كلود نيكاتى " إعلانا غير صحيح بأنه " قد وجدت أدلة كافية على تورطنا فى تمويل الارهاب "

وفى 31 من مايو 2005 امتثلوا لحكم المحكمة الفيدرالية واغلقوا الملف بقوله لا توجد ادلة وفى اليوم التالى اعلنوا فى وسائل الاعلام ان الملف لم يغلق بعد ولكن تم تعليقه فقط وما زلت لا أعلم كيف يقسر هذا التناقض وبعد يومين من اغلاق الملف ذكرت وزارة الخزانة الامريكية ان التدابير الاجرائية لا تؤثر بأى حال على توصيف يوسف ندا بأنه داعم للارهاب او على تجميد أصوله المالية ولم يتوقفوا عند ذلك " فالولايات المتحدة لديها المتحدة لديها اساس قوى من الادلة بنت عليه توصيفى واستطردت الخزانة قائلة : إننا ملتزمون بالتأكيد من أنه لن يتمكن من دعم شبكات الارهاب وأن أصوله لن تقع فى أيدى الارهابيين

والدليل المذكور لم تحصل عليه السلطات السويسرية ابدا رغم انها ظلت تطلبه باستمرار وقد دعمت امريكا قرارها بوضعى على قائمتها بزعمها ان الامم المتحدة قد ادرجت اسم يوسف ندا على قائمتها السوداء ولم يذكروا ان قائمة المنظمة الدولية قد كتبت بالضغط من الامريكيين انفسهم

خوان كارلوس زاراته الوكيل المساعد لوزارة الخزانة الامريكية كرر الادعاءات ضد يوسف ندا وبنك التقوى فى شهادة اقسم عليها اليمين امام الكونجرس الامريكى فى 2 من فبراير 2002 وبعد ذلك بشهر واحد كتب يوسف ندا اليه عن طريق المدعى السويسرى الفيدرالى الى اخوان كارلوس زاراته قائلا شعرت بالإحباط الزائد عندما تسلمت رسالتكم انها لم تعطني معلومات اكثر مما عندي وما بها من تفسيرات هو من باب التعميم وتفقد الى الادلة التي تمكنني من استخدامها في مواصلة تحقيقاتي

ولنعرف لماذا غضب يوسف ندا من شهادة " خوان كارلوس زراراته " التي يعوزها الدليل امام النواب الامريكيين يكفى أن نقرأ ما تضمنته من الادعاءات التالية

1 – إن 60 مليون دولار أمريكي تجمع لأجل حماس من كافة من كافة انحاء العالم سنويا كانت تودع في حساب لدى بنك التقوى 2 – ان فرعى منظمة التقوى للإدارة في مالطة ولوجانو تلقيا اموالا من الكويت والإمارات العربية المتحدة لصالح اسامة بن لادن 3 – ان الاردن اتهم بنك التقوى بأنه يمول شبكة ترتبط بأسامة بن لادن وتخطط لهجمات ارهابية ضد اهداف غربية وسياحية اثناء احتفالات الالفية

وعلى مستوى التفاصيل عندما اعوز الدليل وزارة الخزانة الامريكية ووجهت مثلا بأن التقوى لم يكن لها ابدا فرع في مالطة جاء ردها الكتابي كما يلى :

إن المعلومات التى بُحنا بها ليست محسوبة بحيث تستوفى معايير الادلة المتبعة فى التحقيقات الجنائية او المقاضاة فى الولايات المتحدة الامريكية او فى سويسرا فإشارتنا لما ورد عن الستين مليون دولار التى تجمعها حماس كل عام من حملات جمع المال وتحويلها من خلال بنك التقوى قد أقمناها على أساس تقرير نشرته ال بى بى سى فى 17 من أكتوبر 1997 ونص هذا التقرير على ان قرابة نصف دخل حماس السنوى من جمع الاموال

قد ضاع ونقل التقرير ذلك عن صحيفة كوريرا ديلا سيرا واستمرت رسالة الخزانة الامريكية تقول اما من حيث ان المعلومات التى قدمناها طية لا تجيب عن بعض الاسئلة المحددة التى وجهتموها نحن حاليا لا نملك معلومات يمكن البوج بها وتجيب عن اسئلتكم والمعلومات المتاحة فيما يتعلق بفرع بنك التقوى فى مالطة قد استقيناها من تقارير اعلامية نشرتها وكالة الصحافة الفرنسية اجنس فرانس برس فى 23 من سبتمبر 2001 " و إنديجوبابليكاشنز فى 16 من مارس 2000 تلك التقارير وصفت التدفق العام للتمويل من المشتركين فيه الى اسامة بن لادن عبر فرعى بنك التقوى في مالطه ولوجانو

هذه العبثية التي شابت إجابة وزارة الخزانة وهى تجميع تحرياتها من قصاصات الجرائد – قد أثارت غضب يوسف ندا فقال " إن دليلهم لا يعدو نفثات قلم مسموم في مقالات اعلامية " خوان كارلوس " لم يكن الوحيد الذى ادلى بشهادة كهذه امام النواب الامريكيين ففي 26 من يونيو 2003 في مجلس الشيوخ كرر المستشار العام بالخزانة " دافيد أوف هاوزر " الاتهامات نفسها التي لا أساس لها وفى 18 من مايو 2004 أدلى " ستيفن إميرسون " بشهادته أمام لجنة الخدمات المالية بالمجلس وكرر فيها المعزوفة نفسها وكأنهم جميعا لا عبون بنفس الاوركسترا ترتفع نغماتهم في اوقات معينة

ينبغي على اعضاء الكونجرس والشيوخ باعتبارهم حراس الديمقراطية ان يتحروا ويطهروا السجلات التي اصبحت الان مصدرا يرجع اليه وانا ممنوع من السفر للشهادة او تقديم وثائقي في الولايات المتحدة الامريكية ويستطرد ندا قائلا : من المعروف ان احد واجبات الجواسيس جمع المعلومات من وسائل الاعلام وتحليلها لكن رجال الاستخبارات يجب ان يكونوا اذكياء في حالتي تسربت عمدا اخبار الاقلام المسمومة ومن خلال ضغط سياسي وليس بمهارة حرفية لقد اعتمدوا على اشباح وتأثروا بمرض العداء للإسلام انحرفوا عن طريق القانون والعدالة والتقطوا الشائعات واعتبروها حقائق يعتمد عليها

لقد قيل لهم تكرارا إن الاتهامات لا أساس لها لكنهم استمرءوا ظهورهم في الاعلام ومباركة كبار الموظفين لهم كانت لديهم القدرة على الإيذاء وافتقروا الضمير والوجهة السليمة في عملهم لم يعلم المحققون شيئا عن المحاسبة او البنوك ومع ذلك بدءوا التحقيق فيهما لم يعلموا شيئا عن المحاسبة او البنوك ومع ذلك بدءوا التحقيق فيهما لم يعلموا شيئا عن الجغرافيا

لكنهم تجاوزوا حدودها لم يعلموا شيئا عن التاريخ لكنهم بدءوا التحقيق في قضايا تاريخية لم يعلموا شيئا عن الفرق الطائفية لكنهم شرعوا في التحقيق في علاقاتها لم يعلموا شيئا عن الاسلاميين لكنهم اخذوا يحققون في واحدة من اهم فصائلهم لم يعلموا شيئا عن الإخوان المسلمين ومع ذلك بدءوا التحقيق مع احد مُسنيهم

وعندما استعانوا بمن يجبر نقص معلوماتهم ضللوهم كان خبراؤهم يعلمون أكثر منهم لكن المواد ذاتها كانت سطحية وكان ثمة أجندة وراءها وانتشرت الاجندة حول العالم وتم التعامل مع حالتي دوليا غلى الرغم من أنها أديرت سويسريا بإملاء ودعم من الخزانة الامريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي طلبوا العون من البهاما بريطانيا ايطاليا المانيا فرنسا النمسا وليختينشتين والسعودية ومصر وسوريا والاردن والكويت وتونس والسلطة الفلسطينية والإمارات العربية واليمن واسبانيا والباكستان وأفغانستان وماليزيا وغيرها فيما أعلم

لم اشعر ان العالم ضدي كان واضعا قاسيا بدنيا وعاطفيا ان تعيش حياة طويلة تحاول ان تفعل فيها الخير ثم ينهار كل ذلك من حولك دون ان ترتكب أي خطأ من جانبك لا دليل لا حقيقة امر احزنني كل الحزن ولكنى لم اشعر باليأس في أي لحظة كنت كلما ذكرت الله ازددت صلابة وثقة وعنادا وماذا عن الاخرين الذين لم يستطيعوا صد الهجوم عليهم او تم تدميرهم قبل ان يستطيعوا صده ؟

هناك فارق بين المزور والكذاب والغشاش لكنهم جميعا يشتركون فى الخصلة نفسها فى انعدام الشرف وهذا قد يتسبب فى ضياع الصحة او الثروة او الحقوق الانسانية فى الحياة والكرامة والاحترام هذا بالضبط ما أدى إلى الحرب فى العراق حيث فقد مئات الألوف أرواحهم ويواجه امثالهم المصير نفسه لقد دمرت البنية التحتية التى استغرق بناؤها عشرات السنين مرافق الماء والمجاري والكهرباء والمدارس والمستشفيات والشوارع والموانئ والمطارات كل ما يحتاجه الناس للحياة فى القرن الحادى والعشرين

كل ذلك بسبب ملف كاذب كما سماه الاعلام البريطاني جاء فيه ان صدام حسين لديه اسلحة دمار شاملا مما يشكل خطرا على العراقيين وعلى العالم واعاد ذلك سبعة وعشرين مليون عراقي الى العصر الحجري دمرت الاتهامات والتقارير الصحفية بنك يوسف ندا وشركاءه واعمالهم التجارية لكن ما أسماه " السلطتين الكفؤتين لجنة البنوك السويسرية الفيدرالية ومحكمة البهاما العليا " اوقفتاه الاجراءات الموجهة ضدهما على اساس عدم وجود قضية

في 24 من أكتوبر 2001 كتبت الشرطة الفيدرالية السويسرية الى نائب المدعى الفيدرالي تقول إنهم لم يستطيعوا العثور على أي صلات محددة بيننا وبين أي منظمة ارهابية تؤكد ما في التقارير الاعلامية الا ان التحقيقات مع يوسف ندا في سويسرا استمرت اربع سنوات وفى عام 2012 مازال يطلب العدالة لتصحيح الخسارة المعنوية التي اصابته على المستوى العالمي والمحلى معا

والامر كله مرده الى العدالة فأنا اريد ان يسترد كل منا ما انتزع منه هذا ما قاله يوسف ندا بحرارة واستأنف حديثه " إن حقوقنا بموجب القانون السويسري تتماشى مع حقوقنا وفقا لإعلان الامم المتحدة الخاص بحقوق الانسان والذى وافقت عليه وأكدته الجمعية العامة للأمم المتحدة والتزمت به اوربا وسويسرا وأنا أوافق علي ان العالم كله يجب ان يتعاون في محاربة الارهاب ولكن حتى تكون هذه الحرب مقبولة يجب ان تكون قانونية لا يمكن ان تكون بظلم الابرياء

اثار هذه المسألة " بيتر ماورر " المندوب الدائم السويسري لدى الامم المتحدة في خطابه امام مجلس الامن كما اشار اليها وزير العدل السويسري " كريستوفر بلوخر " عندما التقى مع " جون أشكروفت " الذى كان اول مدع عام في عهد الرئيس بوش وساعده في وضع سياسات مناهضة الارهاب المتبعة بعد 11 من سبتمبر ويلاحظ يوسف ندا انه رغم ذلك لم يفعل شيء ومازال الارهابيون البرابرة يسلبون بقسوة ممتلكات الابرياء وحقوقهم وحياتهم ولا يجب ان يجر المجتمع المتحضر عند محاربتهم الى اتباع نفس سلوكهم المجرد من الرحمة

ويجب مراجعة الية القوائم السوداء قانونيا وبدقة كما يجب استخدامها دون إتاحة الوسائل امام الحكومات الشمولية اينما كانت للتخلص من خصومها السياسيين بوضع اسمائهم على تلك القوائم دون مبرر اسماؤنا وضعت على القوائم بدون دليل يقام ضدنا والمعيار المستخدم في حالتنا لم يُتح دفاعا عادلا عن قضيتنا ولا سبيل للاستئناف ولا طريقة للحصول على تعويض عن الخسارة التي اصابتنا في صحتنا ومعنويتنا ووضعنا الاقتصادي السليم

ايطاليا بلدى وموطني ولم تحقق معي ابدا ولم تتهمني ابدا وقدمت المساعدة القانونية التي طلبتها سويسرا لمداهمة منازلنا ومصادرة اوراقنا وسلمتها الى سويسرا ولم تكن ايطاليا الدولة التي نسقت ما حدث لنا الدولتان اللتان فعلتا ذلك هما سويسرا والولايات المتحدة الامريكية صحيح اننى اسلامى وانا فخور بذلك ولأنى إسلامي اعتقد ان أي نوع من الارهاب بما فى مدريد او لندن او فى أي مكان شىء لا يمكن تأييده على الاطلاق ويجب الا تُعاقب العدالة الاسلاميين المتبعين للقانون اذا اختطف القتلة الاسلام واستخدموا اسمه فى ارهابهم هذا ان افترضنا انهم هم الفاعلون كم قيل عنهم

الاسلاميون لم يعطوا الحق لأى من اولئك المجرمين للقيام بأعمالهم الوحشية القاسية باسمهم هناك حاجة لإيجاد طرق فعالة لتنظيم العولمة التى اذا مضت دون تنظيم فسوف تزيد بدرجة كبيرة الخلل الراهن فى ميزان العدالة فى العالم ولا ينبغى للعالم ان يترك وجوده مرهونا برغبات الحكام المستبدين او شهوات السياسيين العنصريين وأهوائهم إن الإخوان المسلمين من بين الداعين الى العولمة والنظام العالمى والفارق الاساسى بيننا وبين غيرنا فى هذا المضمار هو ان دعوتنا لا تقوم على عرق او لغة او لون او ميزة للأقوياء كما كان الحال ايام سيادة الاغريق والرومان وانما تقوم دعوتنا على العدالة والتسامح والسلام والمساواة

وعلى الرغم من ان عمله المتواصل وحياته الاجتماعية الحافلة لأكثر من نصف قرن بالنشاط في العمل الديني والخيرى وفى التجارة والبنوك والصناعة – قد قوطع بطريقة فجة فإن يوسف ندا يريد أن يستمر في دوره كسفير للخير وقال لى : " اريد ان استمر فى الطريق الذى كرست له حياتى إن عقيدتى وتكوينى ومهاراتى واتصالاتى وخلفيتى وخبرتى كلها كانت وستبقى مفيدة فى فتح الحوارات ومد الجسور وتؤدى الى المزيد من التفاهم والتعاون بين مختلف الدول والسياسيين والفصائل والجماعات الدينية ورأب الصدع وبناء الاواصر من خلال الاحترام والتسامح لقد فعلت ذلك سابقا وسوف استمر فيه

لقد مضى ثلاثة ارباع عام 2012 ومازال يوسف ندا على القائمة الامريكية للارهاب مما يستدعى السؤال : متى يتحول اعتبار شخصية ما بأنها ارهابية الى انها لم تعد كذلك

فى أغسطس 2002 سمت حكومة الرئيس بوش احمد ادريس نصر الدين الايطالى الجنسية بأنه ممول كبير للإرهاب والرجل صديق يوسف ندا وعضو لمجلس ادارة بنك التقوى وقالت إنه ممول رئيسى فى شبكة القاعدة الدولية وتابعت الامم المتحدة خطى الولايات المتحدة الامريكية فامرت دولها الاعضاء المئة والتسعين بتجميد ارصدة نصر الدين وأصول أعماله التجارية ومنع كل اتصالاته معه

وفى 14من نوفمبر 2007 قامت الحكومة نفسها دون أى ضجة برفع اسم نصر الدين وحوالى عشر من شركاته من القائمة السوداء الرسمية وعقب ذلك فورا حذت الامم المتحدة نفس الحذو ولم يصدر أي بيان علنى او توضيح من أي شخص او منظمة بخلاف مذكرة بعنوان " قائمة محدثة لأعمال الإنقاذ " فما الذى تغير ؟

قال المحامى " جوناثان م ونر " النائب المساعد لوزير الدولة لإنفاذ القانون الدولى : لا تستطيع ان تتحدث عن شخص ما لمدة خمسة اعوام باعتبار ممولا للارهاب الدولى وتستولى على كل امواله ثم تغير رايك فجأة دون ان تشرح ذلك على الملأ ثم اضاف : ولكى تكون لديك مصداقية يجب ان تشرج للعالم ما يحدث وعليك ان تبرز كلا من القرارين هل كان القرار الاول خطأ ؟ واذا لم يكن فكيف تبرز القرار الجديد ؟

إن الحاجة الى تفسير كامل ملحة ولم يقدمه أحد بعد وعندما سئلت وزارة الخزانة لم تناقش الحالة وإنما أذلت بتصريح قالت فيه ان قرار وضع الاسم على قائمة وقرار رفعه منها كلاهما كان صحيحا مكتب مراقبة الارصدة الاجنبية التابع لوزارة الخزانة الامريكية راجع كل المعلومات التى لديه بما فى ذلك المعلومات التى ترتب عليها التصنيف الاصلى للسيد نصر الدين كما راجع معلومات إضافية وما تقدم به السيد نصر الدين دعما للالتماس المُقدم منه لرفع اسمه من القائمة

وذكرت الخزانة ان الاساس الاولى لتصنيف نصر الدين كممول ارهابى كان " تأييده ليوسف ندا " الذى شاركه نصر الدين فى تأسيس وادارة بنك التقوى الشهير ودعم نصر الدين للبنك ذاته اما التغيير الذى حدث عام 2007 فسببه ان نصر الدين لم يعد تنطبق عليه معايير التوصيف المذكور لانه قدم بيانات موقعه منه الى مكتب مراقبة الارصدة الاجنبية تشهد بأنه أنهى كل علاقة اعمال تجارية له مع يوسف ندا او بنك التقوى او أي شخص اخر او هيئة اخرى مصنفة على القائمة وانه لن يتعامل مع أي منهم فى المستقبل

واما المسئول بوزارة الداخلية والذى شارك فى التوصيف العالمى لكل من احمد ادريس نصر الدين ويوسف ندا عندما كان ينتمى لمجموعة الامم المتحدة لرصد تنظيم القاعدة فقال : ان الخزانة الامريكية اثارت اسئلة اكثر من الاجابات عن كيف يزال اسم احد الاشخاص من القائمة السوداء بعد كل هذه السنوات ويبدو وكانهم يقولون انه كان شخصا شريرا لكنه تنصل من ذلك فإذا كانت هذه هى معايير التغيير مرحى مرحى فسيحاول كثير من الناس محو اسمائهم من القائمة

وقال موظفو الخزانة بشكل غير رسمى : إن أفرادا كثيرين تُرفع أسماؤهم من القائمة حيث تسمح الظروف بذلك (where circumstances warrant)ومر الافراد عبر تحقيق يعتمد على الحقائق وقالوا ان حالة احمد ادريس نصر الدين لم تكن غير عادية

ومع ان اسم يوسف ندا قد رفع من قائمة الامم المتحدة فإنه لا يزال فى عام 2012 مدرجا على القائمة الامريكية ولن احد فيما يدو بأن وضعه على القائمة وتغيير حياته رأسا على عقب كان خطأ او استجابة عفوية للاحداث ولو كانت كارثية لقد قيل وكتب انه مذنب فى امور كثيرة لكنه لم يتهم رسميا او ترفع عليه دعوى رسمية بأى شىء على الاطلاق إنه إهمال طال به العهد شديد التعقيد عدمى كأحداث وشخصيات الروائى " كافكا " (It s been a long limbo – k afkaesque indeed)

الفصل السابع عشر:فى انتظار العدالة

" أي دولة من اعضاء مجلس الامن ليس لديها مشكلة في إضافة اسم ما عليها سوى ان تخطر لجنة العقوبات باسم الشخص الذى يؤيد القاعدة او غيرها من الشبكات الارهابية ولكنها لا تحتاج لتقديم أي دليل" ديك مارتي

يوسف ندا لديه مكتبة من الاوراق المتعلقة بوضع اسمه في القائمة السوداء وهى لا تعدو ان تكون جزاءا مما تولد منذ صدمة احداث سبتمبر في نيويورك التي هزت حياته وبإمكانه ان يستعيدها كاملة في ذاكرته عندما يشاء كما يسترجع المرء مشاهد فيلم رآه من قبل وهى قصة مزعجة لان دليلا واحدا لم يُقدم على صحة أي من احداثها سوى تقارير صحفية تكرر اوهام القصاصين وخيالاتهم

كانت الكلمة المتكررة دوما المواد المطلوبة في الطريق غير ان انتظارها كانت تكتنفه ظلال عبثية مما تحفل به مسرحيات صمويل بيكيت وبما يشبه الاجماع بدا كأن كل واحد – جميع الدول المشتركة – يريد ان يظل مطمئنا الى انه يوصف بأنه يفعل شيئا ضد الارهاب هذا المخطط دمر حياة يوسف ندا وهو يوضح ذلك بقوله " بعد 11 من سبتمبر بأسبوع بدأت وسائل الاعلام تهاجمني واشتد الهجوم بعد مداهمة بيتي ومكاتبي في 7 من نوفمبر 2001

وما أعلنه جورج بوش على التلفاز من انه سوف يجوعنا ومرت خمسة سنوات ثم تقدمنا بطلب لرفع اسمائنا من القائمة السوداء السويسرية ولكن الطلب رفض وكانت جهودي في مجال الاعلام غير كافية فلجأت الى المحكمة التي قضت بأنه على الرغم من حرماني من حقوقي الانسانية وحياتي فيما يشبه تحديد الاقامة الجبري إلا ان سويسرا يجب ان تلتزم بقرار مجلس الامن

حتى وان كان يتعارض مع القانون والدستور السويسريين كانت المسألة برمتها سياسية تحركت قانونيا ولم تستطع قوة القانون ان تمنع الظلم رغم اقرارها ببراءتي وتحركت اعلاميا واسمعت العالم اننى ضحية دكتاتورية النظام العالمي الظالم الذى تتحكم فيه ادارة امريكية تتشدق بالقانون وهى التي تحتكر اختراقه فلم يبق الا التحرك سياسيا لعل السياسة تصل الى العدالة واتضح ان الامر يحتاج الى سياسى فدائي يقف امام ديكتاتورية الادارة الامريكية ويقارعها

وعندما اتصلت بصديقي السويسري البروفيسور " سباستيان مار تينولى " طالبا النصيحة قال لي : إن السياسي الوحيد في سويسرا الذى قد يكون مستعدا للدخول في هذه الادغال هو الدكتور ديك مارتي وفى غضون ثلاثة ايام رتب لعقد اجتماع بيننا ولأن ديك مارتي كان مدعيا سابقا فقد اراد بطبيعة الحال ان يتحقق من صحة ما ذكرته له أعطيته كل المستندات والاوراق واقتنع بما ذكرته وقد اشتهر مارتى فى سويسرا منذ ان كان مدعيا شابا عندما اطلق عليه لقب صائد المافيا بعد ان قضى على عصابات تجارة المخدرات

في عام 1987 حصل ديك مارتي على جائزة تقديرية من وزارة العدل الامريكية والرابطة الدولية لضباط مكافحة المخدرات وبين عامي 1995 و 2011 انتخب مرارا لعضوية مجلس الولايات السويسرية لولاية " تيتشسينو " ومن عام 1998 الى 2011 كان عضوا في المجلس البرلماني الأوربي وفى عام 2005 ترأس التحقيق الذى اقامه المجلس الأوربي في المزاعم الخاصة بوجود سجون سرية غير قانونية تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الامريكية فيواربا

مما جعله هدفا لتحريات الخدمات الخاصة الامريكية استخدم السياسي السويسري صور الاقمار الصناعية وسجلات الطيران ليكشف إذا كان الاستجواب الشديد للمشتبهين بالإرهاب او الاعتقال السرى غير القانوني قد حدثنا في اسى من الدول اعضاء المجلس الأوربي وفى عملهم مع وكالة النيابة الايطاليين ولقد ادت تحقيقاتهم الى توجيه اتهامات الى عشرين من عملاء ال " سي آى إيه " وضباط الامن العسكري الإيطالي لتواطئهم السرى في خطف المشتبهين بالإرهاب واستجوابهم تحت التعذيب في سجون سرية في مصر والاردن ورومانيا وبلغاريا والعراق وأفغانستان والمغرب

وفى نهاية سبتمبر 2009 ازيل اسم يوسف ندا من قائمة رصد الارهاب الخاصة بمجلس الامن التابع للأمم المتحدة وقال يوسف ندا كانت حالتنا هي الوحيدة في اوروبا التي جرى فيها التعاون بين اثنتي عشرة دولة وتولى امرها المدعى العام السويسري استجابة لطلب من الولايات المتحدة وتحت إشراف أمريكي منذ سبتمبر 2001 لم يتمكنوا من تقيم اسى دليل على اشتراكنا في تمويل الارهاب

كما زعمت واشنطن فرفعنا قضية ضد النائب ضد النائب العام الذى وبخته المحكمة السويسرية العليا على تأخره في إبلاغنا بالتهم وفى 31 من مايو 2005 أُنهيت التحقيقات بعد ان اقر بعدم توفر اسى دليل غير ان امريكا رفضت ان ترفع اسماؤنا من قائمة واشنطن او القوائم التي وضعها المجلس الأوربي والمملكة المتحدة أما سويسرا باعتبارها عضوا في الامم المتحدة فقد اعلنت انها ملتزمة بقرار مجلس الامن ولن تستطيع إزالة أسمائنا من قوائمها آنذاك

ارسل ديك مارتي فريقا تلفزيونيا من البرلمان الأوربي ليسجل شهادتي وعرضها بالفيديو اما البرلمان وطلب الاقتراع على تقريره وباستثناء رومانيا وبلغاريا وافق جميع الاعضاء وارسلت مسودة القرار الى البرلمان السويسري وقال لهم ديك مارتي إن قضية يوسف ندا عار على سويسرا وطلب التصويت على اقتراحه واحتجت وزيرة الخارجية السويسرية لكن الموافقة كانت بالإجماع على اقتراحه بأن تخبر الحكومة السويسرية مجلس الامن التابع للأمم المتحدة بأن سويسرا لن تلتزم بقوائمه الخاصة بالإرهاب لأى اسم مضى عليه 3 سنوات بدون إدانته في محكمة عادلة

اتضح للولايات المتحدة أنه إذا نفذت سويسرا القرار فإن الدول الاخرى سوف تتبعها وتتجاوز نصوص البند السابع لمجلس الامن التابع للأمم المتحدة الذى يُلزم دول العالم بتطبيق قرارته ولو تناقضت مع الدساتير او القوانين المحلية والذى قبل إنه منصوص عليه لحماية الامن والسلام الدوليين ولكى تمنع امريكا ذلك سحبت اعتراضها (الفيتو) على اسمى ووافقت على إزالته من قائمة الامم المتحدة ولكن الامم المتحدة

ولكن لم ترفعه من قائمتها مما يثبت بالأحرى دعوى ديك مارتي الذى قال إن الطريقة التي يعمل بها نظام القوائم السوداء تُعد انتهاكا للقانون الدولي وتمنح ميزة للإرهابيين واصبحت سويسرا – حتى الان –هي الدولة الوحيدة التي اتخذت تدابير بموجبها تلتزم الحكومة برفع العقوبات عن شخص مذكور في قائمة سوداء إذا لم تفحص سلطة قضائية ملفه خلال ثلاث سنوات

وديك مارتي ينظر الى المسالة بهذه الطريقة المشكلة ليست في القوائم بحد ذاتها ولكن في الطريقة التي تُدار بها فأي دولة من مجلس الامن التابع للأمم المتحدة لا تجد صعوبة في إضافة اسم جديد وكل ما يجب ان تفعله هو ان تُخبر لجنة العقوبات (المكونة من أعضاء مجلس الامن الخمسة عشر) بأن هذا الشخص او ذاك يؤيد القاعدة او شبكة ارهابية اخرى وليس من الواجب على الدولة المُبلغة ان تقدم اسى إثبات ويكشف الشخص اسمه على القائمة دون أن يُخبر بذلك ودون أن يمنح فرصة أنها من أسرار الدولة كما أنه لا يستطيع الاستئناف أمام سلطة ملائمة للدفاع عن نفسه والمسالة برمتها تعسفية تعسفا كاملا

كل ممتلكاتك واصولك مصادرة ولا تستطيع الحصول على بطاقة ائتمانية او ان تحتفظ بأي حساب في البنك ولا يمكنك الالتحاق بأي وظيفة تُدر دخلا ولا تُعطى من مالك حتى مايسُد رمقك وهذه القيود ليست مرتبطة بمدى زمنى محدد مما يعنى التدمير الاقتصادي لبعض الافراد

وتتم كثير من الصفقات داخل لجنة العقوبات على طريقة " إذا مكنتني من وضع اسم الإرهابي الذى اريده على القائمة فسوف اجعلك تضع الاسم الذى تريده عندما يحين الوقت لذلك " إنها فضيحة ان يعمل البعض بهذه الطريقة في داخل مجلس الامن هل تؤدى الطريقة التعسفية التي تُدار بها القوائم السوداء إلى توسيع الفجوة بين الغرب والعالم الإسلامي ؟ بالطبع نعم والحكومات وبخاصة الاوربية لا تبدى شجاعة كافية تنسجم مع المبادئ التي تدعو إليها وهذا يمنح الارهاب نوعا من الشرعية – الشرعية لمحاربة دول تستخدم طرقا غير قانونية كالقوائم السوداء ورحلات ال " سي آى إيه " الجوية والسجون السرية

باسم مكافحة الارهاب يُختطف الاشخاص ويعتقلون سنين طويلة دون محاكمة ويطلق سراحهم بعد تسعة اعوام لنقص الادلة وبدون توجيه كلمة اعتذار واحدة او تعويضهم ولو بدولار واحد وقد خلق هذا موجة من التعاطف مع الارهابيين وهو امر جد خطير ومؤسف خاصة ان هذه الاجراءات حتى الان لم تصب سوى المسلمين ولو حدث وتضرر مواطن من دولة غربية مسيحية لتحركت الامور وبدأت الامم المتحدة تتحرك في أعقاب هذا القرار فأُزيلت أسماء قليلة من القوائم السوداء كما عينت الامم المتحدة أمينا للنظر في المظالم فاكتشف أن بعض الافراد ممن توفوا منذ وقت مضى مازالت اسماؤهم مدرجة على هذه القوائم

ديك مارتي سريع البديهة والحركة قوى السمعة والشخصية ومشاركته في ندوة عن حقوق الانسان مع " أرما ندو سباتارو " مدعى ميلانو الودود المرح وشديد الصلابة في آن معا قد جذب جمهورا غفيرا إلى جامعة لوجان وفى يناير 2012 رغم العاصفة الثلجية ودرجة البرودة تحت الصفر وصحبته حراسة مشددة

جلست بجوار يوسف ندا في احد الصفوف الامامية وفجأة اقتحمت القاعة مجموعة من نحو 30 من أنصار البيئة يتصايحون بشعاراتهم ويلوحون بأعلامهم ويدقون الارض بكعوبهم متجهين نحو مقدمة القاعة وأخذ ديك مارتيو الاخرون يشاهدون دون تعليق التشابك بينهم وبين حراس المكان الذين تمكنوا من إخراج اولئك المحتجين من القاعة واستطاع ديك مارتى فيما بعد ان يزيل اثر التوتر الذى ساده لم يكن ثمة شىء وقال رجل الامن : لم يكن مع احد سلاح كان بيانا حيا بأنه مهما طابت النوايا فلن تستطيع إرضاء كل احد خاصة فى عصر يقصر عن استكمال العدالة ومن المؤكد انه بعد العمل الاولى السريع تدور عجلات عالم العدالة ببطء وتؤدة

فى 23 من مارس 2011 صاحبت يوسف ندا وزوجته ومساعده المخلص غالب همت الى المحكمة الاوربية لحقوق الانسان كانت دعواه ان السلطات السويسرية قد أساءت معاملته وتم نظر دعوى " ندا ضد سويسرا " فى القاعة العظيمة الخاصة بالغرفة الكبرى للمحكمة الاوربية لحقوق الانسان فى ستراسبورج وذلك امام سعة عشر قاضيا وكانت الدعوى اعتراضا على تنفيذ عقوبات الامم المتحدة على اشخاص يفترض انهم على صلة ما بالقاعدة وقد ثبت انهم لم يكونوا واوضحت وثائق المحكمة اسباب إقامة الدعوى

لانقضاء ما يقرب من سبع سنوات دون تقديم أي ادعاءات محددة او عقد أي شكل من جلسات نظر الدعاوى التي يمكن من خلالها البت فيها ونتج عن ذلك ان صاحب الدعوى الراهنة وهو يوسف مصطفى ندا مواطن إيطالي حدد اقامته في ارض مساحتها 7 , 1 كيلومتر مربع وعانى من تدخلات خطيرة في حياته العائلية وكذلك الى تدمير خطير لسمعته كما وضع اسم ندا على قائمة لجنة الامم المتحدة

ووضع مذلك عدد من المنظمات المرتبطة به وفى 30 من نوفمبر 2001 أضافت السلطات السويسرية كل أولئك الى قائمة الاشخاص المعنيين بمرسوم مناهضة طالبان والمرسوم يقضى بتجميد الاصول والموارد المالية لأولئك المعنيين ويمنع تزويدهم بالأموال او الموارد المالية بالإضافة الى منع دخولهم الى سويسرا او سفرهم عبرها وقد طلب السيد ندا حذف اسمه واسماء المنظمات المرتبطة به من القائمة لات التحريات السويسرية عنه قد توقفت ورفض طلبه كما رفضت الطعون الادارية المتعاقبة وفى سبتمبر 2009 رفع اسم ندا من القائمة بدون أي توضيح ودون أي جلسات

وقد ترافع " جيرمي ماكبرايد " عن يوسف ندا وقال في الدعوى إن " كامبيونى ديتاليا " مكان يشبه الجنة يقع على شاطئ بحيرة لوجانو تحت السفوح الخضراء لجبال الالب الجنوبية هذه البلدة الايطالية الصغيرة والملاذ الضريبي الواقعة ضمن" كانتون تيتشسينو " السويسري بقعة من الجمال الطبيعي الفائق لكنه بالنسبة الى احد سكانها الاليفين السيد يوسف مصطفى ندا اصبح الى السجن اقرب بعدما اطلق عليه مجلس الامن التابع للأمم المتحدة لقب المصرفي الإرهابي كان ذلك في أكتوبر 2001 بعد 11 من سبتمبر بقليل

إذ اتهمت إدارة بوش السيد يوسف ندا رجل الاعمال المصري الثرى والعضو البارز في جماعة الإخوان المسلمين بأنه يمول تنظيم القاعدة وجمدت حساباته المصرفية وحسابات اعماله وقيدت تحركاته بحيث لا تتجاوز ضيعته البالغ مساحتها 1,7 كيلو متر مربع – اكثر من نصفها مسطحات مائية – مما يعنى في الواقع انه قد وضع تحت الاقامة الجبرية واستمر ذلك ثمانية اعوام حتى سبتمبر 2009 عندما ازيل اسمه من قائمة المشتبهين بالإرهاب الخاصة بالأمم المتحدة ورفعت العقوبات الموقعة عليه

والسيد يوسف ندا لم يثبت عليه مطلقا أيشيء له علاقة بالإرهاب لم توجه له تهمة قط ولم تقم ضده أي دعوى رسمية بدأ المدعيان السويسري والإيطالي التحقيقات لكنهما اغلقاها فيما بعد لنقص الادلة اما ندا فقد انكر دائما اسى اشتراك فى مثل هذه الاعمال لكنه لم يتمكن من الدفاع عن نفسه لدحض الادعاءات ونتيجة لتداعيات القضية فيما يتعلق بجهود حكومات كثيرة لوضع قوائم سوداء فى إطار الحرب الكونية على الارهاب

فقد اكتسب قضية يوسف ندا اهمية عالمية وطلبت المملكة المتحدة ان تكون طرفا بفريقها فى الجلسة وايضا الحكومة الفرنسية وكان السؤال المطروح هو : منذ متى صوابا ان تلاحق المشتبهين بالإرهاب وتتجاهل القانون ؟ او كما صاغها وزير المالية الامريكية الاسبق " بول أونيل " إنشاء هيكلية قانونية جديدة لتجميد الارصدة بناء على أدلة لا تصمد أمام المحكمة

ودافعت خبيرة مكافحة الارهاب الاوربية " جيل دو كير كهوف " عن هذه التصرفات بقولها : هذا ليس قانونيا جنائيا انها عقوبات ادارية وان العقوبات الادارية مثل مخالفة تعدى السرعة القصوى او مخالفة تعليمات انتظار السيارة تحتاج الى ضمانات قانونية اقل اولئك سوف يضعفون الاداة فحسب انه توازن دقيق انه اداة سياسية ودبلوماسية كذلك وعندما اغلق مكتب المدعى الإيطالي ملف تحقيقاته الخاص بيوسف ندا قال : ان الادراج على القوائم السوداء دافعه اساسا الاختيار السياسي

وفى23 من مارس 2011 اكد " جيرمي ماكبرايد " نقطة ما زالت تتعلق بالأمر علاقة كبيرة لقد مضت تسع سنوات ومازال صاحب الطلب ينتظر المثول امام أي محكمة وبعد ذلك بسنة وبعد انقضاء اكثر من عشرة اعوام مازال يوسف ندا ينتظر الحكم من المحكمة الاوربية لحقوق انسان ويقول " تعلمت في الإخوان المسلمين أن أتقبل القضاء راضيا فأفعل ما يجب على ثم أفوض أمرى الى الله "

الفصل الثامن عشر:أرنى المال

" إن الامة التي تواصل إنفاق المزيد من المال على دفاعاتها العسكرية عاما بعد عاما دون أن تنفق مثله على برامج التنمية الاجتماعية تقترب حثيثا من كارثة روحية" مارثن لوثر كينغ الابن

هذه الايام ليس لدى يوسف ندا الا القليل من الوقت ليشغل نفسه بأخبار السياسيين البارزين (إذ يجد صعوبة فى استخدام مصطلح قادة العالم) فى اوائل القرن الحادى والعشرين امثال الرئيس الامريكى جورج دبليو بوش وصاحب الملايين حاليا تونى بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق اشبه بعلى جناح التبريزى وتابعه قفة

وذكرت له تعليقات تونى بلير لإذاعة بى بى سى الرابعة فى البرنامج الاخبارى اليوم بتاريخ 29 من ديسمبر 2011 قال بلير لو نظرنا الى الماضى لنستمد منه درسا للمستقبل فإن بقاء الاشخاص فى مناصبهم لمدة 25 عاما ولاكثر من ذلك فى بعض الحالات امر لا يدوم وحتى من وجة نظر المصلحة الشخصية يجب علينا ان نساهم فى تغيير متدرج

والا ستقع الثورة واعتقد انه كان من الافضل لو استطعنا تعزيز التغيير التدريجى فى هذه البلاد بدلا من الثورات التى اسفرت عن صعوبات جمة ليست فى طريقنا فحسب لكن لشعوب هذه البلاد ذاتها انظر ماذا حدث لمعدلات النمو الاقتصادى فى مصر وللسياحة بها

لم يتأثر يوسف ندا بهذا الكلام خاصة وقال لى : أى واحد يستطيع مهاجمة بلير لكنه رجل ينتمى الى الماضى إنه مضيعة لوقتنا إن استحواذ الافراد على السلطة المطلقة ثلاثين عاما يشل العمل كل مانحتاجه هو ان ندرك اين نحت والى اين نحن سائرون الان بعد ان اختفى من الساحة اصدقاء بلير من امثال القذافى

انت لاتحتاج الى ان تحتضن الوحوش يكفيك ان تتفاوض معهم : ثمة فرق ضخم بين هذه وتلك هؤلاء الطغاة ليسوا اغبياء الان وقد ذهب القذافي وتنحى مبارك وهرب بن على من تونس فإن الشعوب تحلم بأنها سوف تسترد الاموال التي سرقوها وهربوها الى خارج بلادهم وسيكونون محظوظين لو استعادوا عشرة في المئة منها

بل ربما اقل من ذلك هؤلاء الطغاة والبطانة المحيطة بهم قاموا بتهريب الاموال الى الخارج بذكاء بحيث يصعب تقفى اثرها على خلاف ما فعله الجنرال ساني اباتشا الذى تدرب في الجيش البريطاني واصبح رئيسا لدولة نيجيريا الغنية بالنفط فى1993 لمدة خمس سنوات نهب هو وعائلته خمسة بلايين جنيه إسترليني من دولته وتوفى بطريقة غامضة وبرفقته ست بغايا مراعات هنديات وجرعات من السم

سيكون لديهم شركات وهيئات في أي مكان في العالم سواء في المناطق الحرة ام المعافاة من الضرائب والمتابعة ام داخل البلاد ام خارجها مع ملكية الاسهم لحامليها دون توقيع أي من اسمائهم عليها ولا يعرف احد من هو المنتفع الحقيقي المنتفع النهائي

تستطيع على سبيل المثال ان تسأل سويسرا عن اموال القذافي التي عتم تهريب الجزء الاعظم منها والتي تقدر بالبلايين لا الملايين ولكنها قد تكون مودعة بأسماء شركات اسهمها قابلة للبيع في أي وقت ولأى حامل والمنتفع النهائي هو الشخص الذى تؤول اليه الملكية بتحويلها من حامل السند وهذا قد يكون أي انسان قال تونى بلير ان البقاء في السلطة 25 أو 30 عاما يسمح بالوقت الكافي لإتمام الترتيبات في مصر هناك اعضاء المجلس للقوات المسلحة الذين بقوا من عهد مبارك متابعين لخط السادات ومن قبله عبد الناصر ستون عاما ومازالت الدكتاتورية تحكم مصر فيها مناجم ذهب لكن اين هو الذهب ؟ هو فقط في مقبرة توت عنخ آمون !!

ان كراهية الاستغلال قد برزت كموضوع مشترك بين المحتجين عبر انحاء العالم العربي فشعوب شمال افريقيا وشبه الجزيرة العربية تناقش طوال الوقت كم من المال سرق بن على ومبارك وكم هربت عائلة القذافي الى نيويورك وباريس ولندن قيل ان مجموع هذه المبالغ قد يصل الى مئة بليون دولار أمريكي وقد يكون ذلك صحيحا على اعتبار الفترة التي قضاها الحكام الثلاثة في السلطة والجهود التي بذلوها في نهب ثروات بلادهم

ان كراهية الفساد سواء كان نهبا لبلايين الدولارات ام التصريح لبائع جائل قد اصبحت الان امرا محوريا في العالم العربي وضروريا لهبة الربيع العربي وايضا في الغرب حيث تنتشر كراهية المصرفيين ومديري صناديق الاحتياط باعتبارهم المقابل للطغاة الاشرار النهمين

وهناك عالم اخر يجرى الكشف عن خبايا سواء غرور الحكام ام اهمالهم ام جرائمهم ويحكى يوسف ندا عن تجربة حدثت لاحد اصدقائه عندما ذهب لاجتماع عمل مع امير احد الإمارات في المملكة العربية السعودية " كان هناك مشروع مهم في المنطقة وكان صديقي خبيرا وتم تحديد موعد لمقابلته في التاسعة صباحا لكن الساعة اصبحت الثانية عشرة والنصف ظهرا ومازال جالسا ينتظر قدوم الامير واراد احد اعضاء الفريق المصاحب لصديقي الذهاب الى الحمام وفى طريقه فتح بالخطأ احد الابواب فوجد الامير واقفا امام لوحة ممسكا بالفرشاة في يده والامير محب للرسم فهو إحدى هوايته وكان عليهم أن ينتظروه فالوقت لا يعنى عنده شيئا

خذ قصة يحيى حسين عبد الهادي الخبير المثمن لصفقات الخصخصة التي تقرها الحكومة المصرية فقد تواردت في 2011 وذكر انه تم استدعاؤه قبل ذلك بخمسة اعوام الى مكان عمله في وزارة الاستثمار بالقاهرة حيث اعطوه وثيقة من ثلاث صفحات وامروه بالتوقيع عليها كانت وثيقة بيع مجموعة محلات عمر افندي البالغ عددها 82 متجرا كبيرا تمتلكها الدولة في مقابل المبلغ المنصوص عليه في الاوراق المرفقة ولم تكن هناك اسى اوراق مرفقة وبعد ذلك بثلاثة ايام بيعت جميع المتاجر والارض المقامة عليها لرجل اعمال سعودي بمبلغ 99 مليون دولار أمريكي وهو ثمن بخس للغاية عند مقارنته بالقيمة الحقيقية للمحلات ويقول عبد الهادي : كانت الحكومة متلهفة على البيع ولم تسأل عن شيء

في عامي 2011 و2012 اكتشف صفقات سرية مشابهة عقب تغيير النظام وبداية تعقب الكنوز التي خبأها الدكتاتور وطبقا لما تراه " أنثيا لولسون " من منظمة جلوبال ويتنس بلندن لأبحاث مكافحة الفساد فإن هذه الاقتصادات تعمل وهى متسربله بعباءة من الضبابية والاحتجاج على الفساد كان قاعدة كل ثورات الربيع العربي وكانت الشعوب غاضبة الى الحد الذى خاطرت معه بالحياة وهى تسعى للقضاء عليه

ولم تتضح مقادير تلك البلايين الشقية او بالأحرى ما عرف او قدر منها بالتقريب الا في عام 2012 ففي تونس كانت اسرة الرئيس زين العابدين بن على بامتداداتها تتحكم في الاقتصاد ف امتلكت اسرته المنازل في باريس وفى جبال الالب وفى جنوب فرنسا وجمدت سويسرا 69 مليون دولار أمريكي من ودائع افراد الاسرة في البنوك كما صادرت الحكومتان الفرنسية والسويسرية طائراتهم الخاصة

وفى الوقت نفسه مازالت ملاحقة ثروات القذافي مستمرة مع اكتشاف مبكرة لبعضها بما في ذلك عقارات في حي ويت اند في لندن واسهم في نادى كرة القدم الإيطالي يوفنتوس واودع مبارك بالإضافة الى ما سبق ذكره ارصدة اخرى في اكثر من عشر دول بما فيها دول الخليج وسائر الدول الاسيوية اما فرحات بن قدارة محافظ بنك ليبيا المركزي الذى هرب في مارس 2011 فقد قال ان القذافي احتفظ في طرابلس بحوالي 500 مليون دولار أمريكي نقد كما احتفظ بنحو 155 طنا على شكل قضبان من الذهب تبلغ قيمتها

5, 7 بليون دولار ولم يصدر أي بيان بهذا الشأن منذ بدايات 2012 في فبراير 2011 قدرت صحيفة الجارديان البريطانية ثروة عائلة مبارك بانها تتراوح بين 44 و70 بليون دولار أمريكي تشمل منازل في بيفرليفي كاليفورنيا وفى نيويورك وفى حي بلجرافيا من ارقى احياء وسط لندن وغيرها من حسابات بنكية واذا كان مبارك مصاصا للدماء عاش على امتصاص دماء بلده حتى اخر قطرة فإن الارقام في هذا التقرير واشباهه بمثابة الخنجر الخشبي الذى غرز في قلب دراكولا نجت ضحيته من براثنه

وتتفق انثيا لولسون من مؤسسة جلوبال ويتنس مع يوسف ندا حول فرص استرداد الملايين المفقودة فتقول : لا يكفى خروجك بنية الصيد فقط ولكنك تحتاج الى تحديد ما تريد صيده وغالبية الدول تحتاج الى وكلات تسترد عن طريقها اموالها المسروقة فهي تتعرف على من احفادها واين ذهبت هذه امور معقدة كما ان الموظفين المديين لا يريدون ان يذهبوا الى السجن اذا باحوا بتفاصيل

ان الكارثة تكمن في عدم وجود من يعرف مكان الاموال وان يموت الاشخاص وتضيع الوثائق الى الابد حسبما قال " بيير شيفرلى " التي هربها الرئيس النيجيري ان اموال ماركوس كانت مخبأة بعناية فائقة لدرجة ان افراد عائلة كانوا لا يعلمون مكانها وهكذا قالوا فالشك وانعدام الثقة عادة لا يزولان سريعا

الفصل التاسع عشر:بدايات جديدة

"الامور العظيمة تنجز عندما يلتقى الرجال والجبال" وليام بليك 1789 فيلا ندا كمبيوتى ديتاليا 23 من يناير 2012

بعد الغداء بوقت قصير أدار يوسف ندا ازرار التلفاز بحثا عما تخبئه الايام ياإلهى كانت بداية صاخبة ساخنة لعالم المستقبل فقد عقدت في القاهرة صباح ذلك الاثنين من بدايات عام 20123 الجلسة الافتتاحية لأول برلمان مصري يأتي عبر انتخابات حرة منذ 1951 جاء الاحتفال قبل يومين من الاحتفال بالذكرى السنوية الاولى للإضرابات التي شهدها ميدان التحرير وميادين مصر ومدنها الاخرى في ثورة 25 من يناير وجلست مع يوسف ندا نشاهد معا الاحتفال الذى تنقله قناة ال بي بي سي الفضائية

لم يتكلم وكان تركيزه منصبا على ما يجرى امامه على الشاشة بدأ الاحتفال بقراءة الفاتحة على ارواح الالوف الذين سقطوا اثناء الثورة ووقف الرئيس المؤقت للمجلس الدكتور محمود السقا اكبر الاعضاء سنا 81 عاما وهو من حزب الوفد ليقول ادعو الاعضاء المحترمين للوقوف وتلاوة الفاتحة على ارواح شهداء الثورة الذين لولا دماؤهم ما كنا هنا اليوم ظل البرلمان المصري برلمانا صوريا عقودا من الزمان يقر كل التشريعات التي يريدها الحاكم وتخدم سياسته اما البرلمان الجديد فكائن مختلف تماما عن سابقيه بدأ يوسف ندا يترجم التعليق التلفزيوني

بينما نحن نشاهد النواب الجدد وقد لبسوا اوشحة صفراء لا لمحاكمة المدنيين امام محاكمة عسكرية في اشارة الى من عوملوا كما عومل يوسف عام 1954 وايضا كما حوكم غيابيا مرتين عام 1966 وعام 2007 وفى كل منهما حكم عليه غيابيا بعشر سنوات سجنا أي لو كان في مصر لقضى عشرين عاما في السجن

وبدأ اعضاء المجلس الجديد واحدا واحدا عندما ينادى اسمه يمسك المكرفون ويقسم على حماية النظام الجمهوري ومصالح الشعب وان يحترم الدستور والقانون حتى جاء دور ممدوح اسماعيل من الحزب السلفي الذى نال ربع مقاعد المجلس فأضاف فيما لا يخالف شرع الله ونهره رئيس المجلس الدكتور سعد الكاتتنى في حزم

واعتبرها مزايدة رخيصة كما قاطع وكيل المجلس النواب السلفيين عندما ارادوا تكرار ما فعله ممدوح اسماعيل فما كان منهم إلا ان بدءوا قسمهم بهذه العبارة ثم اتبعوها بالنص الرسمي لليمين ورغم ان الدكتور الكاتتنى معروف بصبره ومنطقه الهادئ وتجنبه المراء والنزاع ولكن تصرف السلفيين دفعه للشدة على غير عادته فهذا التصرف يوضح ضحالة تفكيرهم وتمثيلهم الفج بالورع المصطنع فالدستور الذى يقسمون على الالتزام به منصوص في مادته الثانية على الالتزام بالشريعة الاسلامية

كانت مكاسب السلفيين الانتخابية اكبر مفاجأة اسفرت عنها الانتخابات المصرية وكان اداؤهم القوى مفاجئا للإخوان المسلمين الذين توخوا الحذر من ان يستدرجوا الى اتخاذ مواقف متشددة فالسلفيون على خلاف الإخوان يريدون للدستور المصري الجديد الذى تكتب موسدته لجنة يختارها البرلمان ان ينص على التطبيق الكامل للشريعة الاسلامية وقبل ذلك كانت الصيحات قد ارتفعت حوا اجراءات انتخاب رئيس مجلس الشعب

نسق حزب الحرية والعدالة المنبثق عن الإخوان المسلمين مع احزاب رئيسية اخرى اختيار سعد الكاتتنى الامين العام للحزب رئيسا للمجلس واحدث المرشحون الاخرون ضوضاء كبرى وهم يصرون على حقهم في مخاطبة البرلمان وتقديم انفسهم لأعضاء المجلس

وانتخب الكاتتنى رئيسا لمجلس الشعب وهو الوحيد من بين قيادات الإخوان المسلمين الذى لم يعتقل قط وعقب انتخابه الفى خطابا يتسم بالأهمية والحساسية السياسية معا فبدأ اولا بشكر المجلس الاعلى للقوات المسلحة على الوفاء بوعده واجراء الانتخابات التشريعية ثم قال : لن نرضى الا عندما تتحقق جميع اهداف الثورة سوف نثأر لشهداء الثورة عن طريق محاكمات عادلة عاجلة وفعالة وسوف نعيد بناء مصر دولة وطنية ديمقراطية دستورية حديثة وقد علق يوسف ندا بأن سعد الكاتتنى ومحمد مرسى هما أكفأ وأفضل الإخوان رغم أن ساحة الإخوان مليئة بالأكفاء والمخلصين

ان وجود مجلس ذي مصداقية خطوة للأمام وهو احياء لبرلمانات كانت منذ بدايات القرن صوتا مستقلا ومسموعا في مواجهة الملك والنفوذ البريطاني كل ذلك اختفى بعد انقلاب عبد الناصر في 1952 وظل تأثير هذا الرجل الذى اودع يوسف في السجن مستمرا دون توقف حتى بعد وفاته في سبتمبر 1970

كانت جلسة افتتاح برلمان الثورة الخطوة الاولى لتغيير ذلك كله في الماضي كان حزب مبارك يكسب بأغلبية ساحقة على الدوام وافضل نتيجة حصل عليها الإخوان كانت في انتخابات 2005 عندما حصلوا على عشرين في المئة من عدد المقاعد في الجولة الاولى مما حدا بمبارك الى تزوير الجولة الثانية اما في انتخابات عام 2010 فكانت مزورة تزويرا فاضحا ولم تفز المعارضة جميعها بمقعد واحد

وفى مساء ذلك اليوم من يناير تم انتخاب سعد الكاتتنى بأغلبية 399 صوتا في مقابل 97 صوتا ذهبت لمنافسيه تحول مهم في تاريخ الإخوان المسلمين وبعد اربعة وثمانين عاما من النضال في ظل الملكية والدكتاتورية اصبح الإخوان رواد الفكرة الاسلامية في العالم يمتلكون قوة سياسية وشرعية ديمقراطية كانت هذه علامة دالة على تحول الإخوان المسلمين من معارضة تسميها الانظمة الدكتاتورية غير قانونية الى هيئة سياسية شرعية وقانونية

وقال رئيس البرلمان الجديد الدكتور سعدالكاتتنى هذه هي الديمقراطية التي غادرت هذه سنين والان هيفي يد الشعب اننا في مصر نريد العالم كله ان يعلم ان ثورتنا سوف تستمر واننا لن نستريح واعيننا لن تغفل حتى تحقق الثورة جميع مطالبها

واذا شهد البرلمان الجانب العاطفي لنهضة الإخوان فإن صحوتهم المادية في مصر قد اتخذت شكلا ظاهرا في مايو 2011 عندما نقلوا مكاتبهم من شقة في احدى العمارات في الجزيرة بالقاهرة الى مقر جديد بمنطقة المقطم ووضعوا باعتزاز شعار الجماعة القديم باللغتين العربية والانجليزية وهذا الشعار يعترض عليه يوسف ندا ويطالب بتغييره الى ما يرمز للعدالة وهى اهم ما يدعوا اليه الاسلام واهم ما افتقده الإخوان من الحكومات المتعاقبة منذ نشأتهم

ويقول حزب الحرية والعدالة الذى يضم اقلية قبطية بين اعضائه انه يريد دستورا يحترم المسلمين وغير المسلمين على حد سواء وانه لت يفرض الشريعة الاسلامية ولكن ايضا لن يناقضها وانه ملتزم بالتعددية وبالديمقراطية ومشكلته العاجلة اقتصادية اكثر منها دينية ثم هناك السياسة الدولية وكل فريق يسلك سبيله فحزب النور السلفي طريق والعلمانيون في طريق اخر وكذا طبقات رجال الاعمال

غير ان الإخوان المسلمين وقد تصدروا المشهد في مصر زعيمة الشعوب العربية فإن كل حركة في كل دقيقة مرصودة في موسكو وواشنطن ولندن والسعودية وطهران وتل ابيب في عام 2012 وصل الإخوان المسلمون الى السلطة بينما العالم يتأرجح على حافة حرجة لا تستطيع البحث في جوجل عما يأتي به المستقبل لكن ما وصفوه يوما بالفوضى في الشرق الاوسط التي تبتهج لها امريكا هذا بالضبط ما هو كائن الان فوضى يمكن القول انها من صنع الاخرين

وفى الوقت ذاته وبينما كان البرلمان المصري يدبر شئونه كانت امريكا تشهد سباقا لتحديد المرشح الجمهوري الذى سيواجه باراك اوباما في الانتخابات المقبلة كانت المناظرات الانتخابية عروضا مسلية اكثر منها وسائل توعية وبعض المعلقين الامريكيين تذكروا علاقات الماضي المتوترة واخذوا في تقييمها ومنهم ستيف كول في جريدة نيويوركر في فبراير 2012 الذى تذكر الخطاب الرئاسي السنوي الذى القاه ايزنهاور عام 1954 بعد اقل من عام من اصداره اوامره السرية الى سيآبى إيه لتطيح بحكومة مصدق ايران يسارية الميول وفى الخطاب رحب ايزنهاور بقوى الاستقرار والحرية التي تعمل في ايران

وكتب كول يقول في 1980 القى جيمي كارتر خطابه السنوي وسط اعصار الثورة الايرانية الاسلامية المعادية لأمريكا والتي اشتعلت جزئيا بسبب ذكريات الايرانيين عن انقلاب ايزنهاور واعلن كارتر في خطابه : نحن : سنواجه هذه التحديات ولن نتقاعس

ويقول التعليق انه بعد ثلاثة عقود اقام رجال الدين في ايران دولة بوليسية ونشروا العنف خلال الشرق الاوسط وامتلكوا مفاعلات نووية وظلت ايران موضعا كئيبا في خطاب الرئاسة وباراك اوباما في خطابه الرئاسي الثالث ادلى بدلوه كذلك : مونوا على يقين ان امريكا عاقدة العزم على ان تمنع ايران من الحصول على السلاح النووي ولن اهمل أي خيار مطروح لتحقيق هذا الهدف

وطرح ستيف كول هذه النقطة الكئيبة بقوله : إضاعة الخيارات المطروحة طريقة غير مباشرة للتهديد بالحرب وفى اليوم نفسه ذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتياهوللكنيست : بالجمع بين العقوبات المعيقة للحركة وطرح كل الخيارات يمكن ان نجعل ايران توقف برنامجها النووي

وفى الوقت ذاته تحدث ثلاثة من المرشحين لتمثيل الجمهوريين وهم ريك سانتوروم وميت رومنى ونيوت جنجريش مبدين موافقتهم على قصف المواقع النووية الايرانية او اغتيال علماء ايرانيين وبينما واصل الساسة الامريكيون حديثهم انهت ادارة اوباما سنوات طويلة من العداء وبدأت نتفاوض مع الإخوان المسلمين الذين كانت الى فترة قريبة تراهم معارضين دائمين لمصالح الولايات المتحدة وكان التحول الأمريكي اقرارا بواقع سياسي جديد قوة الجماعات الاسلامية وكذلك اظهر قبول واشنطن بما يقوله يوسف ندا عن عزم الإخوان المسلمين على بناء ديمقراطية تحترم حريات الفرد

ويقينا فإن التحذير الأمريكي العلني السابق المستمر للإخوان المسلمين قد زاد من هيبة الحركة الاسلامية في مصر واعطى للإخوان شرعية دولية ذات قيمة والعلاقة النامية بين امريكا والإخوان جزء من النمط الذى يربط تحول السلطة في الشرق الاوسط في اعقاب التغيرات التي حدثت في المغرب وليبيا وتونس ومصر والتي تمت كلها في شهور وليس في سنوات

بعد ان زار السناتور جون كيري قيادات الإخوان المسلمين في القاهرة قال لمرافقيه سوف يتعين عليكم بكل تأكيد ان تجدوا طريقة للتعامل مع الحكومات الديمقراطية التي لا تتبنى سياستكم او مبادئكم واقتراب ادارة اوباما من الإخوان المسلمين مثل مفاوضات الاسلحة بين الرئيس رونالد ريجان والاتحاد السوفيتي فالولايات المتحدة تحتاج الى التعامل مع واقع جديد كما تحتاج الى التركيز اثناء التحرك القادم

وحينما كانت المساجلات السياسية الامريكية تسير فإن ادارة اوباما قلبت سنين كثيرة من التوجس وعدم الثقة والمهاجمة وبدأت في التفاوض مع الإخوان الذين حتى الساعة كانت تعتبرهم بتصميم اعداء المصالح الامريكية التغيير كان اعترافا بالحقائق السياسية الجديدة وفوة الاتجاه الإسلامي ودل ايضا على ان واشنطن قبلت ما كان يقوله يوسف ندا ان الإخوان يسعون لبناء ديمقراطية حديثة تحترم الحريات الفردية

وكما يعلم يوسف ندا جيدا فإن الامريكان لم يتحادثوا مع الإخوان بتاتا من قبل ولو حتى سرا وفى هدوء ورغم ذلك فقد بلغت مخابرات حسني مبارك الرئيس المصري ان الامريكان يتحادثون مع الإخوان وتحدث مبارك عنها مع الكاتبة الامريكية ماري آن ويفر عام 1994 كان مبارك يفتقر الى ملكة الحدث والقدرة على استشراق المستقبل فكان متمسكا في حديثه مع السيدة ويفر بنقطة لا يجيد عنها : حكومتك تتصل بالإرهابيين من الإخوان المسلمين اتصالات سرية دون علمنا في البداية واستطيع ان اؤكد لك ان هذه الجماعات لن تستطيع السيطرة على هذا البلد ابدا !!

الفصل العشرون:يحيا ندا

"الاسبوع وقت طويل في عالم السياسة" هارولد ويسلسون رئيس الوزراء البريطاني 1964 فيلا ندا كمبيوتى دليتاليا 28 من يناير 2012

صاح مدير الامن الإيطالي : عليك ان تتصل بروما هم وحدهم بيدهم السماح بذلك وكان ذلك هو رئيس وزراء تونس حمادي الجبالي من لوجانوا في سويسرا بضع مئات من الامتار عبر الحدود الى داخل الأراضي الايطالية كان هناك خلط بين اللغات المختلفة وبين سيارات الامن السويسري والإيطالي وسيارات كبار الزوار التونسيين وحراسهم الامنيين ولم يرد احد ان يقع حادث دولي وعند قوس سويسرا مدخل قرية كمبيونى ديتاليا تسطيع الوقوف

بحيث تطأ إحدى قدميك أرض سويسرا وتقف على قدمك الاخرى فى ايطاليا وهذه الطرفة النادرة قد تشكل كابوسا قانونيا عند المسئولين المكلفين بحماية رئيس وزراء خاصة اذا كان قد انتخب مؤخرا طان حزب النهضة ورئيسه حمادي رئيس جبالي المنتميين لحركة النهضة التي يتزعمها مؤسسها الشيخ راشد الغنوشي الصديق الحميم ليوسف ندا قد فاز في الانتخابات في تونس

والان عقب انتهاء الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في سويسرا توجه حمادي الجبالي وصانع الملوك راشد الغنوشي وبعض الوزراء التونسيون الجدد لزيارة فيلا ندا في ذلك السبت من يناير 2012 وعندما تمت جميع الترتيبات وتأكد رجال الشرطة المسلحون من معرفة القادمين الذين سيقومون على حراستهم كما عرفوا الى اين سيتهجون سار الموكب الأمني المصاحب للمسئولين التونسيين يشق طريقه مرتقيا جانب الجبل وشكل حشد المسئولين والحرس والسائقين ما يشبه تجمعنا للشرطة خارج فيلا ندا

لم يبق مع وجود هذا التجمع سوى مساحة صغيرة للحركة وإذا تحركت فستجد الضباط في زيهم الرسمي او في ملابس مدنية على اليمين وعلى اليسار بل في كل مكان في الحقيقة كان ذلك يشبه المنظر امام فيلا ندا بعدما اطلق الرئيس جورج دبليو بوش على يوسف ندا لقب ممول الارهاب وقامت الشرطة السويسرية والشرطة الايطالية بتطويق منزله ثم مهاجمته في السابع من نوفمبر عام 2001

"كان الفارق في هذه المرة ان زعموا دوليين جاءوا لزيارة وتحية يوسف ندا لحظة مدهشة ! هذه هي السياسة أشباح الحياة إلا بالعودة إلى الماضي لكنها لا تستمر إلا بالمستقبل" الفيلسوف اللاهوتي الدنماركي سورين كير كجارد 1842

الفوضى السياسة التي تعيشها مصر في صيف 2012هى مستقبلها كنت في القاهرة عندما قرر مكتب الارشاد لجماعة الإخوان المسلمين في اقتراع سرى لمجلس سوري الجماعة ان يتقدم بمرشح في الانتخابات الرئاسية وهو رجل الاعمال الناجح والدعائي المسموع خيرت الشاطر رغم انعدام حاسة الذوق والتمدن في مظهره وملبسه وقد اشيع عنه وعن المرشح الاخر الذى فضل الانسلاخ من الجماعة لترشيح نفسه وهو عبد المنعم ابو الفتوح القدرة على التخطيط والانفرادية والتكتم في العمل والتعالي على المساعدين واستبعاد المخالفين لرأيهما ولم نجد طريقة مباشرة او وقتا كافيا لنؤكد ذلك ولذلك نتحفظ ولا نؤكد

وكانت نتيجة الاقتراع 56 في مقابل 52 وحتى يوم الاقتراع كان الجو يتسم بهدوء ملحوظ داخل المركز العام الجديد المتألق الإخوان المسلمين في منطقة المقطم التي تشرف على العاصمة المترامية الاطراف

وعندئذ كان حزب الحرية والعدالة يمتلك نحو 50 في المئة من مقاعد البرلمان واغلبية الاعضاء المئة في الجمعية التأسيسية المنشغلة بكتابة دستور جديد وكان الإخوان المسلمون في اعقاب احداث ثورة يناير قد تعهدوا بأن لا يُرشحوا أحدا منهم لرئاسة الجمهورية (اتخذ مكتب الارشاد هذا القرار قبيل تنحى مبارك بأيام

وورد في البيان الصادر عن المكتب في العاشر من فبراير 2011 وتكرر هذا القول اكثر من مرة ولكنهم في نهاية الاسبوع الاول من ابريل 2012 فعلوا ذلك ورأى الكثيرون ومنهم يوسف ندا وعدد لا بأس به من مكتب الارشاد كما توحى بذلك نتيجة الاقتراع الحرجة ان القرار الإخوانى كان خطأ بل ان يوسف ندا وصفه لي بأنه كارثة وعندما سألته عن السبب

قال إن الكارثة هي قرارهم الاول الذى افتقد الرؤية الواقعية لخلو الساحة السياسية من كفاءات ممارسة امينة ومخلصة عندها الرغبة والجرأة يمكن ترشيحها والاجماع عليها فالأسماء اللامعة لمعها اعلام مبارك لولائها له وأعطاها الامكانية لتتدرب واستعملت كفاءتها في الفساد وممالاة النظام السابق والاسماء الاخرى الامينة ذات الكفاءة ينقصها الجرأة وتخشى المجلس العسكري الحاكم وفلول مبارك وكانت كل الشواهد تدل على ذلك فكيف غاب ذلك عنهم ووعدوا بما لا يمكن ان ينفذوه ؟!

وهذا القرار الكارثي الاول ترتب عليه قرار اخر اضطراري لا بد منه وهو تقديم مرشحهم وبذلك ظهروا بمظهر يتعارض مع مبادئ ثابتة شرعا بالالتزام بالعهد وهذا لا يجوز شرعا حتى في الحروب التي تزهق فيها الارواح والادعاء بأن هذا ليس عهدا هو استخفاف بالعقول او التواء فهي ورغم ان القرار الاول كان قرار مكتب الارشاد وهذا ما يجب ان يكون والثاني كان قرار مجلس الشورى بأغلبية بسيطة فإما ان الاول تعدى الصلاحيات وقرار في غير اختصاصه وإما ان الثاني قرر ما ليس من اختصاصه

بالإضافة الى ان قرارات مصيرية لا يصح ان تقنن بالأغلبية البسيطة سواء كانت في الشورى ام في الارشاد والخطأ الاخر هو ان المرشح الاول خيرت الشاطر قانونا لم تعد له حقوقه المدنية كلها المترتبة على الحُكمين الجائرين في حقه من نظام مبارك ولكن فقط عن احد الحكمين وبالرغم من هذا اعلن انه اعيدت له حقوقه المترتبة على الحكمين وهنا علامة استفهام لابد من الاجابة عنها هل هي سقطة شرعية اخرى بإخفاء الحقيقة او قول غيرها ؟

وبذلك ضاعت جهود واموال ووقت لعمل الدعائي لخيرت الشاطر بالرغم من المعلوم عن عواره للترشيح والمعلن عن هذا العوار وهذا ما ستندت عليه لجنة الانتخابات التي غضت الطرف عن اعتى فلول مبارك وهو احمد شفيق الذى كان مفضل المجلس العسكري واستطاع شفيق ان يستفيد بكل الوقت الدعائي الإيجابي له والدعائي السلبى الذى بذل من اجل منافسة الشاطر وضاع على منافسه البديل لولا حكمة الله ورعايته وإخلاص وربانية مرشح الجماعة الثاني الدكتور مرسى

بدا الإخوان المسلمون وكأنهم يريدون السيطرة الكاملة وليس المشاركة في الحكم التي تعهدوا بها وخرج خيرت الشاطر على شاشة الجزيرة ليقول بتحد يخلو من التواضع الإخوانى إنه لابد من اسقاط حكومة الجنزوري وإنه شخصيا مستعد غدا ان يشكل الحكومة وامتلأ الاعلام بأن الإخوان يركزون على اللعبة السياسية اكثر من مصلحة الشعب المصري

وسرعان ما أصرت جماعات المعاضة على ان الإخوان الذين كانوا محظورين الى عهد قريب بأمر قانونى من حسني مبارك قد وضعوا انفسهم في موقع الاستئثار بالسلطة وسارع غيرهم للتحذير من استيلاء اسلامى على مصر زعيمة الدول العربية واهمها قاطبة

وجاء التفسير الرسمي للموقف فأعلنه امين عام الجماعة محمود حسين اذ قال ان تغيير الإخوان لخططهم جاء نتيجة عدم موافقة من نعتقد انهم كفاءات تمثل الشعب للتصدي للمسئولية وللتهديدات القائمة بحل نجلس الشعب وتقدم رموز النظام السابق للترشيح لرئاسة الجمهورية ولذلك غيرت الجماعة قرارها بعد ان رصد اخطارا حقيقية تهد الثورة والديمقراطية وفى مطلع شهر ابريل قبل ايام من اعلام المرشد العام عن ترشيح الشاطر للانتخابات الرئاسية

حلست في مقر الإخوان احتسى الشاي مع مهدى عاكف المرشد السابق للإخوان المسلمين حتى عام 2010 عندما انتخب الدكتور بديع خلفا له ومهدى عاكف زميل يوسف ندا اعوام طويلة ورفيقه في المعتقل في الخمسينات ولم تنقطع اتصالاتهم ببعض بعد ان استهلكت سجون عبد الناصر من عمره اكثر من عشرين عاما وبعد خروجه من السجون انتشر خارجها لينظم ويؤسس فروعا قديمة وجديدة في قارات اخرى من المركز الإسلامي في ميونخ

وضم له كثيرا من المراكز الاسلامية في المانيا واقر عاكف بوجود ضغوط هائلة فهناك مشكلة المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذى واصل – وبإمكانه ان يستمر في ذلك – السيطرة على البلد بينما يهين على الاحداث ووقفت القوتان وجها لوجه في خلاف حول مستقبل رئيس الوزراء الجنزوري الذى طالب الإخوان باستقالته واستطاع الجيش ان يحبط آمال خيرت الشاطر باستخدام احكام مبارك الجائرة الجنائية الصادرة ضده

(قامت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية باستبعاد اسماء عشرة مرشحين لرئاسة الجمهورية من بينهم خيرت الشاطر الذى قالت اللجنة إنه لم تتم ثم أعفى منها لأسباب صحية خيرت الشاطر الذى بلغ 62 عاما 2012 كان شابا معارضا في اواخر السبعينيات وترك مصر ليعيش في عام 1986 واشتعل بالأعمال التجارية واحرز ملايين من تجارة المنسوجات والاثاث وغيرهما وفى 31 من مارس 2012 استقال خيرت الشاطر من منصب نائب المرشد العام ومن عضوية مكتب الارشاد ليصبح مرشحا لرئاسة الجمهورية

وكانت حكومة حسني مبارك قد قدمته عدة مرات الى المحاكمة بتهمة تمويل منظمة محظورة وهى الإخوان المسلمون وفى عام 2008 صدر ضده حكم قاس بالسجن سبع سنوات وبعد ثلاثة اعوام عندما انتهى حكم مبارك بحلول الربيع العربي اصدر المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة عفوا صحيا عن خيرت الشاطر

جلسنا نتجاذب اطراف الحديث واتضح ان مهدى عاكف ذا الطبيعة المرحة يعتبر الانتخابات الرئاسية المقبلة وقرار ترشيح الشاطر يشكلان اساسا عقبة اخرى في لعبة عالمية طويلة وقال عاكف : إن الإخوان المسلمين قد عاشوا سنوات طويلة هذه المعركة من أجل الحقوق خلال القرن العشرين وما مضى من سنوات الألفية الجديدة لقد نجونا منها وساعدنا في ان نجعل العالم مكانا اكثر سلاما بجهود رجال من امثال يوسف ندا

لقد جازفوا بأرواحهم وقام يوسف ندا بمهام عظيمة حول العالم لكنها جميعها بتكليف من المرشد العام ودعم كامل منه ومن الإخوان مهام ايران واليمن والعراق وأفغانستان وماليزيا والجزائر والسعودية وامريكا وحقق ما يشبه المعجزات في كل مكان إنه يقول الحق ولا يكذب ويعمل من أجل السلام وليس الحرب من اجل الحوار المشترك وليس العنف المتبادل

وسألت مهدى عاكف إذا كان ثمة شخصية دولية تتشابه في وضعها مع يوسف ندا فأكبر من مانديلا كان رئيسا لدولة وكافح من اجل حقوق شعب واحد اما يوسف ندا فأكبر من مانديلا 10 أو 20 مرة إنه من دعاة الخير – الرجل الذى يستمع له الرؤساء كل من استمع لآراء يوسف ندا فهو محظوظ وسيستفيد العالم من سماعها وبخاصة الامريكيون

والامريكيون كعادتهم دائما كانوا هناك كانوا يفصحون عن مصالحهم بشكل مضطرد وعندما وجهت السفارة الامريكية في القاهرة الدعوة الى قيادة الإخوان لاجتماعات مع زوار من واشنطن اكد الإخوان على انه يجب حضور الشخصيات الامريكية الى مقر الإخوان وقد لبت السفارة هذه الرغبة بدون تعقيب ويؤكد مهدى عاكف على ان البيت الابيض كان مطلعا اطلاعا دقيقا على ما يحدث في المنطقة

وامتلات وكالات الانباء والاعلام العالمي بالتلويح بكميات هائلة من الدولارات والعروض الامريكية مقدمة للإخوان بالنفوذ والمعونة والمساعدة واتبعت كل وسائل الاغراء للإخوان المسلمين كي يوافقوا على التبعية المطلقة لأمريكا وانتشر الامريكيون بإنجليزيتهم المميزة يعرضون انفسهم للبيع حيث يجب الا يكونوا وكأنهم ينتجون فيلما فاشلا

كان مهدى عاكف منفعلا في تناوله لفكرة الصفقة التي يريدها الامريكيون هذا لن يحدث ابدا فمصر غنية بمواردها القوية بشعبها نعم ان الاقتصاد في حالة سيئة هناك فقر وصعوبات لكن هذا ما نرغب في تصحيحه هذا هدفنا عندما يزول الفساد سوف نتمكن من الاعتناء بأنفسنا وسوف العالم مصر تتحدث عن نفسها

كان لدينا مناجم للذهب بيعت لمعارف مخصوصين بتسعة ملايين دولار أمريكي وكانت قيمنها الحقيقية بلايين دولار أمريكي وهذا بند واحد وصغير في ملف الفساد الذى استنزف البلد على مدى اجيال وسوف نعمل مع جميع الدول كي يعود لمصر ازدهارها نحن هنا لنمثل الشعب ولا نمثل أي مصالح خاصة

لكن ماذا عن المصالح الخاصة للإخوان المسلمين ؟ ثار نقاش حار حول هذا الموضوع عندما رفع خيرت الشاطر كمرشح رئاسي شعارهم في مستقبل الشرق الاوسط وفى اندونيسيا في ماليزيا وحول العالم اذا كان البرلمان والرئاسة تحت المظلة الاسلامية للإخوان فلن يشك سوى القليل في نفوذهم وتأثيرهم على الامة العربية هذه الجماعة ذات الدور التاريخي البطولي في المنطقة والتي يجب على الغرب التعامل معها او ضدها اذا كان البرلمان والرئاسة تحت المظلة الاسلامية للإخوان وحزب الحرية والعدالة الذى أنشأه الإخوان يضم أعدادا من الاعضاء الاقباط ويصر باستمرار على المطالبة بدستور جديد يحترم المسلمين وغير المسلمين على حد سواء

ويؤكد حزب الحرية والعدالة ان لن يفرض الشريعة الاسلامية ولن يتعارض معها وانه ملتزم بمصر التعددية والديمقراطية ان حزب الحرية والعدالة والإخوان المسلمين ينشطان معا في فضاء سياسى جديد وهما ليسا وحدهما في الثورة الجديدة للإسلام السياسي فالحركة السلفية الاكثر محافظة وتشددا تزاحم في الساحة يوما بعد يوم وقد احتفلت احتفالا صاخبا بإعلان مرشحها للانتخابات الرئاسية عندما قدم حازم صلاح ابو اسماعيل اوراقه مصحوبة بمئة وخمسين الف توكيل رسمي قبل مرشح الإخوان بأربع وعشرين ساعة

وفى المساء الحار من يوم الجمعة 30 من مارس 2012 اختنقت حركة المرور حول القاهرة عندما اصطف انصار ابو اسماعيل في الشوارع عبر العاصمة المصرية بدءا من مسجد اسد بن الفرات في الدقي عبر جسر السادس من أكتوبر وصولا الى طريق صلاح سالم فمصر الجديدة الى مقر اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية وكانت مسيرة التأييد الشعبية لإثبات ان التوكيلات المؤيدة للمرشح السلفي غير مزيفة عكس ما هو شائع في عالم العقارات في مصر من غلبة التوكيلات المزيفة التي تهدر حقوق الناس وممتلكاتهم لحساب المحتالين فأبطل اشتراك هذه الاعداد الهائلة في المسيرة أي احتمال بتزوير التوكيلات

ولم يكن ممكنا إثبات ان هذه الجماهير قد تلقت مالا من احد كما قد يصعب اثبات عكس ذلك كانت المطويات الدعائية مطبوعة بأناقة وكانت لافتات الحملة الانتخابية وملصقاتها تحمل صورة ابو اسماعيل يبتسم للناخبين وتساءل الكثيرون في الشوارع عمن يمول حملة السلفيين الرئاسية ووافق معظمهم على ان الدعم المالي الكبير يأتي من السعودية التي تعتنق المذهب السلفي لمنها تريد دائما ان تسعد اصدقاءها الامريكيين

ومن المركز العام المتألق في المقطم اعتلت بوابة الدخول صورة نبتة مخضرة مكتوب تحتها بالعربية والانجليزية نحمل الخير لكل الناس وتستطيع ان تمد ناظريك عبر المدينة الى معلمها البارز : برج القاهرة لقد أشأ عبد الناصر هذا البرج بأموال امريكية دفعت لبنائه بعد استيلائه على السلطة وبعد ان اصبح الرجل الذى يجب التعامل معه إن شبح " كرميت " روزفلت " وسياسات جده مازالت تحوم حول مصر والإخوان المسلمين والبرج الذى سماه بعض المصريين على سبيل السخرية " روزفلت الواقف – جماقة روزفلت " ليس تخليدا لذكرى عميل غامض !!

الخاتمة:الشهرة والنصيب

"مشكلات النصر متفق عليها أكثر من مشكلات الهزيمة لكنها ليست أقل منها صعوبة " ونستون تشرشل القاهرة يونيو 2012

ان استخدام تراث " كرميت روزفلت " كمصطلح نافع للإشارة الى تكتيكات امريكا واجندتها السياسية في الشرق الاوسط يستدعى ان نتذكر ان مصر امة يهيمن عليها التاريخ كان البكباشى جمال عبد الناصر فرعون بالغريزة وليس بالتوريث كان زعيما يسعى الى السلطة والتحكم المطلقين واستمر اسلوبه الاستبدادي في الحكم الى اليوم حتى بعد الاطاحة بحسني مبارك والحكم بإدانته

بالتواطؤ في قتل المشاركين في ثورة يناير 2011 في يونيو 2012 حكمت المحكمة على مبارك بالسجن المؤبد لأنه لم يمنع قتل المتظاهرين اثناء ثورة الشعب ومن أوائل الاسئلة التي دارت على السنة الناس في شوارع القاهرة ومقاهيها سؤال عن فخامة وترف الزنزانة التي سيقيم بها وسوف يقوم رجاله العسكريون الذين دربهم واغدق عليهم الاموال والاوسمة بتنفيذ العقوبة وقيل ان بطانته من العسكر بدءوا في بناء فيلا خاصة لتكون محبسه حتى من قبل تركه السلطة وكانت ادارة الانتخابات الديمقراطية امر مخططا

تمتع الفريق احمد القائد الاسبق للقوات الجوية بتأييد الجيش في سعيه للفوز بمنصب رئيس الجمهورية وكان مبارك المرتبك المهزوز في اخر ايامه قد كلف شفيق برئاسة الوزارة ثم اصبح مرشحا رئاسيا يمثل الواقع الراهن وسيطرة العسكر وكان خصومه الاوائل وهم خصوم البكباشى عبد الناصر من ستين عاما الإخوان المسلمين

الاسبوع وقت طويل في عالم السياسة لكن في الشرق الاوسط والاوقات تمشى الهوينى أما او خلفا واتضح ان الارتباط بين الديمقراطية والطغمة المصرية الحاكمة لم يتجاوز مرحلة الخطوبة بعد ليصبح قرانا ناهيك عن كونه ارتباطا شرعيا لحياة مشتركة

وفى اوائل يونيو 2012 كان السباق الرئاسي في مصر وتبعاته الممتدة من بكين الى واشنطن الى اوروبا المأزومة قد تحول الى مواجهة بين الاعداء القدامى كانت المواجهة اسوأ كابوس في العالم او الخير في مواجهة الشر كانت هذه او تلك اعتمادا على نوع المنشور الضوئي السياسي الذى ينظر اليها من خلاله اعتقد انها حتمية تاريخية

كانت عقارب الساعة تمضى دون نكوص نحو هذا الضحى الفاصل بين الماضي والمستقبل ان قرار الإخوان المسلمين المفاجئ بتقديم مرشح للانتخابات الرئاسية وكانت المفاجأة ترشيح خيرت الشاطر قد قوبل برد سريع من المجلس العسكري وبحركة سريعة اشبه بما يحدث في الشطرنج غيروا اللعبة بيتوا الطابية اسقطوا

ببساطة اسم الشاطر وتسعة من المرشحين الاخرين لعدم قانونية ترشيحهم ولم يكن لهؤلاء الحق في الاستئناف ضد القرار تم استبعاد الشاطر بسبب صحيفته الجنائية –التي احتوت على حكم بالسجن سبعة اعوام صادر من احدى محاكم مبارك العسكرية كما استبعد حازم صلاح ابو اسماعيل مرشح السلفيين لان امه المتوفاة جمعت بين الجنستين المصرية والامريكية وقد انكر حازم هذه التهمة

حازم ابو اسماعيل محام وداعية إسلامي تليفزيوني وله اتباع متحمسون ومتشددون ويقول اتباعه ان استبعاد اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية له كان جزء من مخطط أمريكي ضده اما الشاطر فرأى ان ما وصفه بالخداع هو شر كذلك وبنفس القدر : ان المجلس العسكري ليس جادا حول تسليم السلطة لكنه يبحث عن شخص يمكن التحكم فيه من وراء ستار واتهم الشاطر المجلس العسكري الحاكم بمحاولة التلاعب في الانتخابات باستبعاد المرشحين الاسلاميين الاقوياء

ووصف القضاة الذين عينهم مبارك والذين تكونت منهم اللجنة الانتخابية بأنهم عصابة بيد أنه تعين على الإخوان المسلمين مواجهتهم والماضي الذى يمثلونه وكان اختيارهم الجديد للتنافس على منصب الرئيس المقبل لمصر هو الدكتور محمد مرسى الإسلامي الملتزم الذى يبلغ عامه في 2012 وكان غضوا في مكتب الارشاد ثم استقال عندما انتخبه الإخوان ليتولى رئاسة حزب الحرية والعدالة

وهو رجل صاحب فكر دمث متواضع ينأى بنفسه عن النزاعات والمهاترات المضيعة للوقت التزامه الديني قوى ولا يشوبه التشنج السلفي اختار العمل في التدريس في الجامعة لان المهنة تتناسب مع اهدافه وطباعه اسلوبه في الخطابة يعكس خلفياته كمحاضر يحرص على إيصال المعلومة للسامع بترتيب وموضوعية وقد تنافس مرسى الاستاذ في كلية الهندسة مع اثنى عشر مرشحا في الجولة الاولى من الانتخابات الرئاسية المصرية والتي جاءت نتائجها محيرة للكثيرين

اسفرت الجولة عن ضرورة الاعادة بين المرشحين الفائزين بالمركز الاول والثاني محمد مرسى واحمد شفيق الذى كان في نظر كثير من المصريين استنساخا لعهد مبارك كان يرفض الربيع العربي ومواليا عنيدا لمبارك لم يحكم رجلا ينجذب له الناس بل سخروا منه وسموه بلوفر لأنه كان كثيرا ما يرى مرتديا بلوفر ازرق لكن بدون دعم المجلس العسكري وقوة الدولة العميقة في مصر ودعم الكنيسة القبطية ووجوده في الساحة الدعائية مدة الدعاية واقوى منافسيه لم يكن امامه سوى اسبوع دعائي لم يعد الرجل ذا قيمة

هذان الرجلان هما من بقايا المرشحين الثلاثة عشر الذين انقسم حولهم الرأي العام وكان اقرب الاخرين اليهما هم : المتحدث عبد المنعم ابو الفتوح الذى انفصل عن جماعة الإخوان المسلمين ليرشح نفسه للرئاسة خارجا عنهم بعدما رفضوا ترشيحه وحمدين صباحى الصحافي ذا الميول اليسارية الناصري وعمرو موسى الذى كان وزير خارجية مصر في عهد مبارك لم تكن خيارات الشعب محددة

لكن يمكنك القول من واقع النتائج إن اغلبية ما كانت ترغب في مجتمع ديمقراطي ولا تريد الدكتاتورية اما استطلاعات الرأي السابقة على الانتخابات التي تنبأت باختيار واحد من اثنين – الاسلام في مواجهة العسكر – فثبت خطؤها وتلاشت الحكمة التقليدية حول تكوين قلب العالم العربي في القرن الحادي والعشرين وصرح الاقباط بأنهم سوف يريدون شفيق

نال مرسى 26 % من الاصوات والسلفيون انقسموا فبعضهم اتخذوا جانب مرسى واحمد شفيق قد ساندته اصوات كالأشباح فقد حصد الفريق ذو السبعين عاما 24 % من اصوات الناخبين ووجد داعمين تلقائيين في المصريين الذين لم يؤيدوا الثورة يوما والعاملين في القوات السلخة والشرطة ممنوعون من التصويت الا ان الاف الجنود فعلوا عكس ذلك وعيرهم ساعدوا الناخبين الشرعيين على انتخاب الفريق الذى وقفت الدولة بجواره بالأوامر

والتعليمات لكن أحبه ايضا بعض المصريين من الطبقة الوسطى الذين سئموا الفوضى التي عمت الخدمات العامة والاقتصاد الذى يتدهور من سيء إلى أسوأ وكان عليه ان يتجه الى الاقلية المسيحية التي تتغذى يوميا حكايات مخيفة عن وضعها في مجتمع الإخوان المسلمين الإسلامي كما كان لشفيق جاذبية كرجل عسكري حازم جرئ يستطيع ان يعيد الامن الى الشارع وذاك بالطبع الذى سيعود بالأمة الى عهد مبارك او السادات او عبد الناصر الاسماء لا تهم لذاتها وانما المهم ما تمثله في اثناء الحملة الانتخابية افصح احمد شفيق عن موقفه المتشدد من الإخوان المسلمين مثيرا الذكريات عن الايام التي كانت مباحث امن الدولة تعتقل اعضاء الإخوان وتلاحقهم وخاصة قبل الانتخابات

المواجهة الانتخابية في اول منافسة ديمقراطية على الرئاسة في مصر كانت اختيارا بين شخصية مستنسخة من مبارك او رئيس من الإخوان المسلمين يغير حياتهم كلها كانت معركة شرسة حقا وحسب قول رجل الاعمال مجدى احمد : أن شفيق سوف يكون مبارك اخر لا أكثر ولا أقل وكل المكاسب الديمقراطية والقانونية التي حققها المصريون سوف تتلاشى وقد يطلق سراح مبارك اما الطالب الجامعي عمرو شلبي فقال : لا خيار أمامي الان سوى انتخاب شفيق نحن لا نستطيع السماح للإخوان بالوصول الى السلطة

في البداية كان الاختيار واضحا إما أبيض وإما أسود وسرعان ما تحول الى لغز يلفه الغموض على الطريقة المصرية من يفز لن يكون فائزا لان من سيصبح رئيسا لمصر سوف يشغل منصبا من أسخن المناصب في العالم الضغط من داخل مصر وعبر الحدود من حولها والضغوط الدولية كلها سوف تستمر في التزايد وسوف يتواصل الانقسام بين الاسلاميين وبين المشككين فيهم والخائفين منهم وفى محاولة لرأب هذا الصدع نشط محمد مرسى في إطار مشروعه الإخوانى

رغم استهزاء خصومه الذين أطلقوا عليه لقب المرشح الاحتياطي أو الأستن لقد اثبت وجوده في الجولة الاولى للانتخابات وفاز على الشخصية الإخوانية السابقة الذى ظن انه سينتخبه من لا يريدون الإخوان اذا خرج عليهم وهو عبد المنعم ابو الفتوح وبعدها ازداد عدد الناخبين المؤيدين له يوما بعد يوم متأثرين بسلوكه الهادئ في مقابل اسلوب غيره الصاخب وتضاعفت ثقة مرسى فأصبح كأنه الفائز

والان تعيبن عليه أن يوسع قاعدته ويزيد من شعبيته ووعد بأن يعمل من أجل الجميع حتى مع العسكريين وتقدم بمجموعة أفكار وتوجه بفكره المتسامح الى كثير من المتخوفين من حكم إسلامي في مصر لكن بالنسبة للعالم سوف تظل عقبة فلسطين على الدوام قائمة وينتقد محمد مرسى اسرائيل ومعاملتها للفلسطنيين لقد اشار الإخوان المسلمون الى انهم سيعلمون كمظلة نجمع بين حماس وفصيل فتح الذى يؤيده الغرب على امل ان يتوحدا ويتجدد بذلك الضغط على اسرائيل كى تعترف بدولة فلسطينية

غير انه و منافسه الرئاسى احمد شفيق قالا انهما سيحترمان اتفاقية السلام مع اسرائيل وتحاف مصر مع امريكا سوف تكون المحاذير الداخلية امام الرئيس الجديد اقل منها فى مجال الشئون الدولية

قال محمد مرسى ان المسيحيين فى عهده لا يصلون الى 10 من السكان يوف يتمتعون بنفس حقوق المسلمين كما انه سوف يعين مستشارين اقباطا فيما سماه المؤسسة الرئاسية ولم يعارض انشاء الكنائس او الاحزاب السياسية المسيحية الاقباط مصريون لهم نفس الحقوق التى ينص عليها القانون واهمها حرية العقيدة وحرية العبادة لقد امرنا الاسلام بحامية الكنائس كما امرنا بحماية المساجد

وفى تشابه اكبر مع فلسفة يوسف ندا قال مرسى ام حقوق المرأة سوف تصان دون فرض لباس خاص (انظر الملاحق) بما فى ذلك النقاب : النساء لهن الحق فى اختيار ما يناسبهن من زى وتعهد محمد مرسى الحاصل على الدكتوراه من جامعة جنوب كاليفورنيا بالعمل مع حكومة سياسية : انا ملتزم بالحكم من خلال مؤسسة رئاسية لن يكون الحكم فرديا مرة اخرى

وقال انه سيشكل حكومة ائتلافية مع الاحزاب البرلمانية ثم اقترب من العسكريين الذين حكموا مصر ستين عاما نادى الشباب الثائر فى الشوارع وممن شهدوا الرعب فى ميدان التحرير بسجن اعضاء من المجلس العسكري واعدامهم لكن مرشح الإخوان المسلمين فى محاولة مستميتة لاقرار السلام قال : لا يوجد مصرى واحد لا يحب الجيش فالجيش لعب دورا مجيدا فى حماية الثورة كانت هناك اخطاء نعم لكن خطوات ايجابية كذلك من بينهما الانتخابات التى تمت فى حماية الشرطة والقوات المسلحة

كما قال ان الحكومة لن يتوالها بالضرورة رئيس وزراء من حزب الحرية والعدالة الشريك الاساسى للإخوان المسلمين وكان متفتحا مع المرشحين الذين خسروا فى الجولة الاولى من الانتخابات الرئاسية ليعملوا معه : اريد ان يكون هناك نواب للرئيس ليسوا من الإخوان المسلمين او من حزب الحرية والعدالة اريد مساعدين ومستشارين قادرين على تقديم الخبرة الحقيقية والمشورة الحقيقية اريد مستشارين فى كل المجالات

سوف يغير انتصاره كل شىء سوف يعزز وضع الإخوان المسلمين فى العالم ويدعم مكانتهم فى الحياة والسياسة المصرية حيث سيطروا على البرلمان وبالنسبة للعسكر كانت هذه اكثر الافكار مدعاة للخوف وكانت النتيجة الارجح هى المواجه بين العسكر الذين فرضوا مشيئتهم منذ 1952 وبين الإخوان المسلمين الذين تعهدوا بالقبول بكل مالم يستطيعوا تغيره بالطرق السلمية

وقبل اكمال فرز الاصوات كان الحديث يدور حول انقرب يقوم به الجيش واحتجاجات دموية فى الشوارع تواصل بائس وخطير للاضطرابات والمظالم وفقدان للأرواح دون حصر بصرف النظر عمن يكون الفائز من المرشحين فى يوم الخميس 14 من يونيو 2012 ليلة جولة الاعادة للانتخابات الرئاسية قام العسكر بانقلاب من طراز القرن الحادى والعشرين كان مفاجأة مذهلة !!

عندما ازدهر الربيع العربى فى 2011وانفعل العالم مع احداثه لم أستوعب حماس يوسف ندا القليل فى البداية وسرعان ما فهمت السبب عندما شرح لي أنه بعد تجربة دامت طيلة حياته اعتبر ما حدث مجرد خطوة اولى صغيرة كان مقتنعا ان العسكر بعد فترة تجمل سوف يعودون مرة اخرى الى السيطرة بقوة على مقادير الامور وستكون الاستجابة السليمة لهذه الاحداث ان نفهنها ونقبلها وعلى الذين يتوقون الى التغيير ان يعيدوا ترتيبها

لقد جرت احداث بالزخم والشكل الذى تنبأ به يوسف ندا بدقة ولم يُفرحه ذلك قال لي : شىء مؤسف لقد التزم الجيش بما فى الكتاب من قواعد وفرق صفوف المعارضة فتشاجر بعضهم مع بعض وحكم هو خطط الجيش لهذه اللحظة فرجال مبارك هؤلاء لم يتركوا الساحة مطلقا وتسدل ستارة الزمن بينما تمددت ستارة سميكة اخرى من النسيان

وبالفعل عندما لعب المجلس العسكري لعبته كان اليساريون والليبراليون والاسلاميون وثوار التحرير مجموعة ضائعة لا يثق بعضهم فى بعض ولكونها اقوى احزاب المعارضة عانت جماعة الإخوان المسلمين اكثر من غيرها لا ستهادفها من قبل آلة دعاية العسكر ولتعثرها احيانا لضعف قبضتها على السلطة وعبر العالم راقب ملايين الإخوان المسلمين التحول السياسي فى مصر

وتتبعوا كل التحركات الانحراف بالقواعد وقلبها وعكسها وكلهم بهذه المعرفة ومع ذلك كان هماك من استاءوا عندما اصدرت المحكمة الدستورية العليا المترعة بقضاء عينهم مبارك قرارا بحل مجلس الشعب المنتخب حديثا لعدم دستوريته وذلك قبل جولة الاعادة لأول انتخابات رئاسية على الاطلاق بثمان واربعين ساعة وعلق المراقب شادي حامد على القرار قائلا : هذا أسوأ ما يمكن تخيله لقد لعبوها بمهارة فائقة واخذونا على حين غرة

اما الإخوان المسلمون الذين كانت لهم اكبر حصة من مقاعد المجلس المنتخب فكانت هذه الخطوة للثورة المضادة المحسوبة بهجاء من الحرس القديم خسارة واضحة وكبرى لهم كان الإخوان يتوقعون مثل هذه التحركات وكانت هى السبب الرئيسي وراء تخليهم عن تعهدهم السابق بعد ترشيح احد منهم لرئاسة الجمهورية لقد اضر ذلك بمصداقيتهم لكن – كما اثبتت الاحداث – ترك لهم لاعبا فى الساحة الديمقراطية وان يكن على اعلى مستوى

ثمة كثير من اوجه التشابه بين ما جرى وبين احداث الجزائر 1991 عندما فاز الاسلاميون فى اقتراع ديمقراطى فأقف الجيش الجولة الثانية من الانتخابات وفرض قوانين الطوارئ التى منحته سلطات خاصة وبدأ عقد من الفوضى والهلاك وتفشى التعذيب وقبض على الفائزين فى الانتخابات ونشبت حرب عصابات مرعبة

وبحلول نهاية اسبوع الانتخابات الرئاسية بالقاهرة فى يونيو 2012 كان العسكر قد منحوا انفسهم كافة سلطات الطوارئ للضبطية القضائية وازداد التماثل مع الحالة الجزائرية و ضوحا كانت التشريعات الجديدة تعنى ان الجيش يستطيع ان يفعل ما يريد ليسيطر ويحتفظ بالسيطرة وانه على استعداد للقيام بهذا على الاغلب كان العسكر يعلمون كذلك ان الإخوان سيقبلون بالأحداث ولن يفجروا عنفا يؤدى الى موت فرد واحدا او اصابته فاز العسكر فى هذه اللعبة

ان المحكمة التى حالت مجلس الشعب هى اغلى محاكم مصر وكانت معروفة باستقلاليتها لكن فى عهد مبارك تدخلت الدولة بترتيب منه لتعيين قضاة ولاؤهم للرئيس السياسة جاءت قبل البروتكولات بل قيل العدالة لم يأخذ القضاة قرارا ارتجاليا بحل البرلمان وإنما بنوه على امور حساسة سياسيا بما فيها شرعية القواعد الانتخابية او مدى موافقة القوانين للمواد الدستورية المستقاه من الشريعة الاسلامية كان المعتقد دوما ان هذه المحكمة كانت معينة لنقل السلطة من مبارك لولده جمال

كان قرار المحكمة الدستورية يعنى ان الفائز فى الانتخابات الرئاسية كائنا من كان لن يجد مجلسا تشريعيا يعمل معه كما الغت المحكمة الجمعية التأسيسية بأعضائها المئة المشكلة لكتابة دستور جديد من شأنه ان يحدد صلاحيات الرئيس ويقلصها اذا كنت تعرف النتيجة مسبقا فلن يهمك ما حدث قبلها

كان عرضا تمثيليا صامتا (بانتومايم) جولة الاعادة للانتخابات الرئاسية يشترك فيها مرشح للاخوان ذابت قاعدته البرلمانية على ايدى مؤيدى منافسه الذين اكدوا وجود هذا المنافس ففى قرار منفصل اكدت المحكمة رفضها لقانون العزل الذي اصدره مجلس الشعب ذى الغالبية الاسلامية والذى كان سيمنع كبار المسئولين فى اختاره الجيش احمد شفيق اخر رئيس وزراء اختاره مبارك

ويعد الحكم وتغير اللعبة امتدح شفيق المحكمة لقرارها التاريخي وماكان له ألا يفعل إطالة الفترة الانتقالية ثم التوقف فى الوقت المناسب لم يكن عملا سهلا لحكام مصر العسكريين الاقتصاد مرتبك والملايين جوعى والمستقبل كئيب اين الموارد اللازمة لدفع الامة الى الامام ؟ وماهي هذه الموارد

الامل كبير : اكبر من أي شىء لانه يبزغ عقب ايام الضياع الطويلة الممتدة واخيرا فى 24 من يونيو 2012 حدث مابدا يوما من المحال فمن هذا التعثر اصبح محمد مرسى عضو الإخوان المسلمين اول رئيس لمصر منتخب انتخابا ديمقراطيا عبر تاريخ امتد سبعة آلاف سنة وبعد عقود من حظر جماعته واضطهادها والتحقير من شأنها كما جاءت النتيجة تحديا لعقود الدكتاتورية

ولكثير من صناع الرأى العام العالمى لقد فاز اول رئيس مدنى بنسبة 73, 51 % من الاصوات فى مقابل 48,27 % حصل عليها شفيق الذى سارع لنفى خارج البلاد واشتعل ميدان التحرير فرحا وانتقلت عبر الاثير الى كافة انحاء العالم صور الابتهاج والاحتفالات الصاخبة كانت لحظة فريدة كانت لحظة تاريخية بقى الكثير غير مؤكد

لكن ساد شعور فى القاهرة فى عصر ذلك الاحد بأن ثورة قد قامت يوما ما فى الماضى القريب لم يكن ميلاد الحدث سهلا او سريعا كان يوسف ندا سعيدا وفى خلال اربع وعشرين ساعة تلقى مكالمة هاتفية حارة من الرئيس مرسى وقال لى يوسف لاحقا هذه هى السياسة لقد ذكرت لك من قبل : عليك بتعليم الصبر من قصة يوسف ندا تعلمنا كذلك ان الكفاح من الجائزة الكبرى للحياة النبيلة موكب تحفة الاخطار

ملحق رقم 1

من بين الجمع الكثير من المشكلات والقضايا والاساطير والتوقعات المحيطة بالإخوان المسلمين على امتداد التاريخ هناك موضوع يرد ذكره بشكل شبه دائم وهو موقف الإخوان من حجاب المرأة والمسالة تتعلق بمكان الرجل ومكان المرأة فى المجتمع وهو جزء من نقاش يدور فى الحادى والعشرين ممتد من الشرق الى الغرب لقد تغير العالم منذ نشر الدكتور جيفرى لانغ الباحث فى جامعة كانساس كتابة بعد ان اسلم " كفاح من اجل (struggling to surrender) الاستسلام فى 1994 لكن يوسف ندا يعتقد ان تفسيرات الدكتور لانغ صحيحة ويشير الى كتابة كإسهام فى الفهم

يقول لانغ

فى عصور ما قبل الاسلام كان الزى المعتاد لنساء القبائل العربية يتكون من غطاء مزخرف للرأس يتدلى على ظهورهن ويُظهر شعورهن من الامام وقميص واسع ذي فتحة كبيرة من الامام تكشف عن الصدر وتنورة معقودة عند الخصر مع قطع مختلفة من المجوهرات مثل الخواتم والاقراط والاساور والخلاخيل هذا الطراز من الملابس الذى لم يكن جذابا فحسب لكنه كان يخفف من حدة المناخ ايضا ظل زيا مستخدما عند النساء البدويات فى شبه الجزيرة العربية الى بداية القرن الحالي (العشرين)

والتقط بعض الرحالة الاوروبيين صورا له وتعاليم القرآن الكريم تأمر النساء بأن (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) التور 31 وأن (يدنين عليهن من جلابيبهن) الاحزاب 59 إذا خرجن من بيوتهن ففرضت على نساء المؤمنات أقل الاعباء زيا محتشما للمسلمات كما تمضى الآية 31 من سورة النور لتقرر انهن يستطعن ارتداء ملابسهن التقليدية فى بيوتهن وامام محارمهم وخادماتهن واوضحت الاحاديث النبوية المتعلقة بهذه الآيات وخاصة المتصلة منها بالآية 59 من سورة الاحزاب ان الاساءة الجنسية هى مبعث القلق هنا

ولم كان المجتمع أميل دوما الى استغلال النساء جنسيا اكثر مما يفعل مع الرجال ومن ثم كان التركيز على ملابسهن اكبر بمرور الوقت تحدث الفقهاء بوضوح عن زي متشدد للنساء المسلمات غير ان ارتداء الخمار كما وصفته سورة النور عندما يصحبه الثوب الخارجى على الصفة المذكورة فى سورة الاحزاب فمن المحتمل انه قد يقارب الى حد كبير التوضيحات المتأخرة والتابعين ويتركز على النقاش حول وجوب تغطية المرأة لوجهها فى الاماكن العامة

واذا كان مقبولا ان تظهر يديها ووجهها كان اربى الاخير هو راى الجمهور وظل الرأي المعتاد منذئذ لكن هذا لم يعن ام كل النساء فى العالم الاسلامى يعترفن بزى شرعي واحد لان هناك تنوعات كبيرة فعلى سبيل المثال كثير من النساء المصريات يغطين شعورهن لكنهم يكشفن عن رقابهن وتلبس النساء الماليزيات احيانا سراوير تحت حرامل طويلة اما السيدة السعودية فتلتف بطرف غطاء الراس عدة لفات غير محبوكة حول الرقبة والايرانية تلبس عادة خمارها وتسدله على جبينها بحيث يغطى حواجبها

فلا يمكن رؤيتها بيد ان هناك شبه قبول تام بأن مايمكن رؤيته من المرأة هو وجهها ويداها فقط ولا يعنى ذلك عدم وجود آراء مخالفة اذ من السهل ان يتخيل المرء الصعوبات التى تواجهها النساء المسلمات المسافرات او المقيمات فى مجتمعات غير مسلمة والى اليوم مازال اوضح الآراء واكثرها مرونة ما قاله محمد اسد على الرغم من ان شارحي الفقه الاسلامى لقرون طويلة قد مالوا الى تحديد تعريف ما يمكن ظهوره من وجه المرأة ويديها وقدميها

واحيانا اقل من ذلك وربما نفترض افتراضا مأمونا ان عبارة (إلا ما ظهر منها) اوسع دلالة بكثير وان المقصود من غموضها المتعمد ان تسمح بالتغيرات التى ستطرأ مع تغير الزمان والضرورية للتنمية المعنوية والاجتماعية ان اهم جملة فى الامر السالف موجهة الى كلا الجنسين الرجال والنساء بكلمات واحدة (قل للمؤلمين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصرهن ويحفظن فروجهن) النور 31 وهذا يحدد درجة ما يمكن اعتباره محتشما من الناحية الشرعية أي موافقا لماذكره القرآن عن مبادىء الاخلاق الاجتماعية فى عصر بعينه او غير محتشم وذلك من حيث المظهر الخارجى

ولذا فإن الامر بضرب المؤمنات لخمرهن على جيوبهن (والخمار مصطلح مألوف لدى معاصري الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتعلق بالضرورة باستخدام الخمار فى حد ذاته لكنه يعنى بالأحرى أن صدور النساء ليست مما يمكن ان يظهر للناظرين ضمن ما يعتبر مظهرا محتشما لهن

ان الصيغ المحددة والمرتبطة بعصور بعينها لمعاني الآية 59 من سورة الاحزاب (كما يتضح من ذكر زوجات النبى صلى الله عليه وسلم وبناته) وكذلك الغموض المتعمد فى توصية النساء بأن " يسدلن على أجسامهن من ملابسهن الخارجية (من جلابيبهن) عند خروجهن مما يوضح ان الآية لم يقصد منها ان تكون بمثابة حكم عام بالمعنى الاصطلاحي غير المرتبط بزمن ما ولكنها بالأحرى توجيه أخلاقي يتبع مع اعتبار تغير الازمان والبيئات الاجتماعية هذا الحكم تدعمه الكلمات الاخيرة من الآية عن مغفرة الله ورحمته

ام وضوح مقولة محمد أسد يقلله الى جد ما تأكيده على ان القيد على كشف النساء لنحورهن غير مرتبط بزمان لانه اذا كانت تغطية ما لها صفة الديمونة فلماذا لا يكون ذلك لغيرها ؟ ان دعوى الانتقائية سوف تثار دون شك وبالفعل عندما ندافع عن تفسير جديد فى ضوء الظروف المتغيرة علينا ان نتوقع مثل هذه الدعوى وغموض الآيات فى بعض النقاط يفسح المجال لتنويعات ثقافية مختلفة ولدينا من ذلك الكثير

كما راينا بيد ان الموضوع الذى نتناوله يتعلق بالمقدار والى الان فى موضوعات كهذه فإنني وغيرى من الكتاب ذهبنا الى ان المشاركين فيه يحاولون التمييز بين التوجه العام للقرآن الكريم عند الاستجابة لأية بذاتها فالمسلمون لم يعودوا حريصين كما اسلفنا على سبيل المثال على حشد الخيول استعدادا للقتال على الرغم من وضوح نص الآية 60 من سورة ال عمران اذ لم يعد رباط الخيل ذلك العنصر الرئيسي فى كسب المعارك

ومن ثم ففى حالة نبغى علينا اولا ان نحدد اذا كان على الامة الاسلامية الالتزام على الاقل بحد ادنى من الحشمة فى اللباس من المحتمل ان جميع المؤمنين بناء على الآية 31 من سورة النور سوف يتفقون على هذا الحد كما فعل محمد اسد فى تفسيره لهذه الآية والارجح انهم سيتفقون على ان الزى الموروث من المجتمعات الاسلامية الاولى والذى انتقل الينا من جيل الى جيل الذى يليه كان ملائما للزمان الماضي بالتأكيد وموافقا لتعاليم القرآن

وربما يطرح سؤال عن ماهي المرحلة التى اصبح عندها من الموصي به او المسموح به للمسلمين ان يكتسبوا تقاليد غربية من الصعب ان تجد تبريرا اخلاقيا او نفسيا لتغيير كهذا فى الحقيقة ان الاسلام على مفترق طرق وفى اوائل هذا القرن حث محمد اسد المسلمين بنفسه الا يتخذوا المعايير الغربية وفى طبعة منقحة من كتابه نشرها بعد خمسين عاما لم يعتذر عن هذا الراي واعتبر انه كان ملائما لوقته

لكنه قال ان المسلمين فى السنوات التى انقضت بين الطبعتين قد تشربوا القيم الثقافية الغربية الى درجة ان محاولة إعادتهم الاولى سوف تكون غير منطقية مثل التبني الأصلي للأساليب الغربية وفى رأيه فلن تعدو ان تكون محاكاة اخرى غير رصينة في هذه الحالة محاكاة لماضي ميت لا يعود وبعبارة اخرى تغيرت التقاليد الاجتماعية بالفعل للاسوا أو للأحسن كأثر حتمي لمواجهة حضارة اقوى ونتيجة لذلك ما كان يعتبر في الماضي لباسا محتشما او غير متحشم لم يعد اليوم يُنظر اليه كذلك

لن يقتنع كثير من المسلمين بهذا المنطق لان جزءا اساسيا من عقيدة المؤمن ان الدين يضع المعايير الاخلاقية للمجتمع وليس العكس وعلاوة على ذلك فعلى الرغم من ان النساء في الغالب لا يتمسكن بقواعد الزى التقليدي فإن هذه القواعد نفسها باعتبارها مثلا يحتذى يكاد يجمع عليها المسلمون رجالا ونساء وفى الآونة الاخيرة شهدت المجتمعات الاسلامية في انحاء العالم عودة ظهور الزى النسائي التقليدي على نطاق واسع وحتاما يتبع الزى التقليدي للنساء روح القرآن الكريم واربعة عشر قرنا من العادات وسوف يمنع ما يعتبره المسلمون استغلالا جنسيا للمرأة في الغرب

ولذا فإنني اشعر بأن مسألة المراجعة الحقيقية لهذه القضية ليست مقنعة ومن جانب اخر الامة بحاجة ماسة الى إيذاء تعاطفها وتفهمها نحو من يخوض غمارها وبخاصة النساء المسلمات اللاتي يعشن في الغرب والصعوبات والمتاعب النفسية والاجتماعية والخاصة بالحصول على عمل التي تواجه من ترتدى هذا الزى تختلف من شخص الى آخر ومنهج المسلم يجب ان يكون توافقيا موائما اكثر من اتهاميا لواما

ويجب تقديم أقصى العون حتى لا تُصد المرأة المسلمة عن المشاركة الاجتماعية وينبغي على الرجال المسلمين كذلك ان يبدوا فائق الرفق والحساسية في هذا الصدد منذ وقت قصير رأيت مشهدا عبثيا لبعض النساء المسلمات اللاتي ارتدين زيا كاملا سابغا يجلسن الى طاولة سفرية تحت شمس الصيف القائظة بينما كان ازواجهن يلعبون في الماء والرمال وسط الامريكيين المسترخين تمتعا بحمامات الشمس سوف ينقضي بعض الوقت قبل ان تجد المسلمات الامريكيات والاوربيات الملابس التي تنسجم مع ثقافتهن ودينهن

لكن اذا زادت الحاجة فسوف يحدث ذلك بكل تأكيد والان سوف اقترح توجها للمجتمع بهذا الصدد يتفق مع ما خُتمت به الآية 59 من سورة الاحزاب من تذكير القارئ بمغفرة الله ورحمته ربما كان هذا حسبما يقترح محمد أسد إفادة بمصاعب المستقبل التي سيلقاها المسلمون في هذا المجال ودعوة المؤمنين الى الرحمة في جهودهم للتغلب عليها لان الحق سبحانه يقول (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) البقرة 286

كما يقول عز وجل (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن) النساء 127 وسوف يواصلون طلب الفتوى حتى اليوم وعبر التاريخ لم يكن الدين عطوفا مع النساء لان المذاهب السلفية السابقة التي سادها التعصب الذكوري قد صهرت الانحيازات والصدود الثقافية مع العقيدة والشريعة والتفسير وكان على مجتمع القرن العشرين ان يعيد البحث فيها جميعا اذ كيف يقضى الله بهذا الحكم المتدني على شخصية المرأة ومكانتها ؟!

المسلمون الغربيون غير المتصلين أو والمنقطعون عن الثقافات التي ابقت او حافظت على الاسلام يكتشفون في القرآن والاسلام رؤية للنساء مختلفة عن التي كانوا يرونها في الماضي حقيقي انه ليس الذكر كالأنثى وان أي قراءة امينة يجب ان تقبل هذا باعتبار من تعاليم القرآن لكن ليس معنى هذا ان احدهما بطبيعته اكثر ذكاء من الاخر او اتقى منه بل الاصح انه يعنى ان شخصيتيهما متوازنتان بدرجة كبيرة

وتكمل احداهما الاخرى بطرق تتلاءم جيدا مع كل التغيرات التي سيمر بها المجتمع ويستوى في صحته وطبقا للقرآن والسنة نقول ان هناك شيئا في شخصيتي الجنسين يسمح للرجال ان يتولوا القيادة والسيطرة بسهولة اكثر من النساء غير ان هذا الواقع لا يعنى ان النساء لسن صالحات للقيادة او التعليم او المشاركة لأنني اعتقد ان نصوص المصادر الاصلية في الاسلام منفتحة بوضوح على هذه الامكانية اما الشيء الذى تعنيه فهو ان المجتمع يجب ان يحذر من الاساءة الى النساء

لان الانسان يجد خلال القرآن كله اوامر متكرر بعدم الاساءة إليهن وتحذيرات متكررة من ارتكاب هذه الاساءات ومن الامثلة على ذلك الآية الاولى من سورة المجادلة (قد سمع الله قول التي تجدلك في زوجها وتشتكى إلى الله والله يسمع تحاوكما إن الله سميع عليم) والتي تتناول ظلما شاع ارتكابه بين الرجال في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي ويجب قراءته كتحذير عام لكل زمان ومكان تلتزم به الامة الاسلامية الى الابد في ضوء الخصوصية الثقافية الواضحة في الآية التالية والتفسير المخلص للإسلام على اجدى مسلمين محدثين من الارجح انه لن يتفق تماما مع كثير من آراء الخاصة بالمرأة الواردة في الدراسات الاسلامية المبكرة

ومرة اخرى كما حدث في قضايا كثيرة للغاية ستجد الامة الاسلامية نفسها مضطرة الى ان تبقى (أمة وسطا) في سعيها للوصول إلى معنى أن تكون رجلا مسلما أو أمرأه مسلمة في العالم الحديث