سقوط الأصنام .. الإخوان المسلمون وربيع الغضب العربي (الجزء الأول)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سقوط الأصنام .. الإخوان المسلمون وربيع الغضب العربي (الجزء الأول)


(مصر - تونس - ليبيا - اليمن - سوريا)
المقدمة حتي الجزء الثالث

بقلم:س.ع

مركز الدراسات التاريخية

مقدمة

بدماء وروح الشاب التونسى "محمد بوعزيزى" انطلق قطار الثورات العربية، والتى كانت فى بداياتها غير مؤدلجة ولاتتبنى رؤية معينة ، ولكن سرعان ما ظهرت الحركات الإسلامية فى الصورة وعادت لبؤرة الضوء فى دول الربيع العربى الخمس "تونس - مصر- ليبيا - اليمن - سوريا"

وكان من الاتهامات التى وجهت للإخوان المسلمين أنهم - ركبوا هذه الثورات - على حد قول البعض وهذا مناف للتاريخ والواقع ، فإن كان ظهور دور الإخوان فى تلك الثورات جاء متأخراً فى بعضها - لإعتبارات سياسية - إلا أنه لا أحد يستطيع أن ينكر مدى تأثير الإخوان فى استمرار تلك الثورات وعبورها مأزق إسقاط رأس النظام فى العديد من تلك الدول.

ومن المؤكد أن الثورات الشعبية هى ثمار لعقود من التفاعل والحراك المجتمعى والشعبى وليست كالانقلابات العسكرية ثمار لتخطيط فئة معينة لفترة محدود، ولكنها تراكمات قد تمتد لعقود، وهذا هو الحال فى الثورات العربية فمسيرات الاصلاح والمطالبة به منذ عام 2000 وماقبلها بمصر تمهيد قوى لثورة 25 يناير، وكذلك الحراك المجتمعى والسياسى باليمن منذ عام 2005 وماقبلها تمهيد كذلك لثورة فبراير 2011 و قياساً على ذلك الثورات الأخرى.

نعم إن جماعة الإخوان تتبنى منهج التغيير المجتمعى السلمى وليس فكر التحرك الثورى ولكن لا يعنى هذا أنها رفضت تماماً التحركات الثورية ، بل هى -ومنذ نشأتها - قامت بالعديد من الفعاليات والمظاهرات المطالبة سواء بطرد الاحتلال الانجليزى أو الإصلاح السياسى فى مابعد ثورة 23 يوليو 1952، والجميع يتذكر مشاركات الإخوان القوية فى مظاهرات كوبرى عباس 1946 وحرب القناة وغيرها، وبالطبع دورهم الكبير فى الإعداد والمشاركة فى ثورة 23 يوليو 1952 والعديد من المواقف والمشاهد الأخرى.

يتناول هذا الكتاب رؤية الإخوان المسلمين للثورة وضوابطها وكذلك جانب من بعض الأعمال الثورية التى قامت بها الجماعة ، ودور الإخوان فى دول الربيع العربى الخمس فى إنجاح تلك الثورات، وأهم التحديات التى تواجه الإسلاميين فى مرحلة مابعد الثورة. القاهرة - مايو 2013

قبل البدء رائعة "أحمد مطر" هل لُغْزِي هذا مَفْهُومٌ؟!

عندي لغز يا ثوار

يحكي عن خمسة أشرار

الأول يبدو سباكاً

والثاني ساقٍ في بار

والثالث يعمل مجنوناً

في حوش من غير جدار

والرابع في الصورة بشرٌ

لكنْ في الواقع بشار

أما الخامس يا للخامس

شيء مختلف الأطوار

سباك؟ كلا..مجنونٌ؟

كلا..سَقَّاءٌ؟ بشار؟

لا أعرفُ، لكني أعرفُ

أنَّكَ تعرِفُهُ مَكَّار

جاء الخمسة من صحراءٍ

سكنوا بيتاً بالإيجار

جاءوا عطشى جوعى هلكى

كلٌّ منهم حافٍ عار

يكسوهم بؤسُ الفقراءِ

يعلوهم قَتَرٌ وغُبَار

رَبُّ البيتِ لطيفٌ جِدّاً

أسَكّنهم في أعلى الدار

واختار البَدْرُومَ الأسفل

والمنزلُ عَشْرَةُ أَدْوَار

هو يملك أَرْبَعَ بَقَرَاتٍ

ولديه ثلاثةُ آبار

أسرتُهُ: الأمُّ، مع الزوجةِ

وله أطفالٌ قُصّار

مرتاحٌ جداً، وكريمٌ

وعليه بهاء ووقار

مرّتْ عَشَرَاتُ السنواتِ

لم يطلبْ منهم دينار

طلبوا منه الماءَ الباردَ

واللحمَ مع الخبز الحارّْ

أعطاهم كَرَماً؛ فأرادوا الـ

آبارَ، وَحَلْبَ الأبقار

أعطاهم؛ فأرادوا الْمِنْخَلَ

والسِّكِّينةَ والعَصَّارْ

أعطاهم حتى لم يتركْ

إلا أوعيةَ الفخَّار

طلبوا الفخارَ، فأعطاهم

طلبوه أيضاً؛ فاحتار

خجِلَ المالكُ أنْ يُحرِجَهم

فاستأذنهم في مِشْوار

خرج المالكُ من منزله

ومضى يعمل عند الجار

ليوفر للضيفِ الساكنِ

والأسرةِ ثَمَنَ الإفطار

سَرَقَ الخمْسَةُ قُوتَ الأسرةِ

واتَّهَمُوا الطِّفْلَةَ (أبرار)

ثم رأَوْا أن تُنْفَى الأسرةُ

واتخذوا في الأمرِ قرارْ

طردوا الأسرة من منزلها

ثم أقاموا حفلةَ زَارْ

أكلوا شرِبوا سَكِرُوا رَقَصُوا

ضربوا الطَّبْلَةَ والمزمار

باعوا الماءَ وغازَ المنزلِ

وابتاعوا جُزُراً وبِحَار

وأقاموا مدناً وقُصُوراً

وحدائقَ فيها أنهار

وتنامَتْ ثرْوَتُهم حتى

صاروا تُجَّارَ التُّجَّار

حَزِنَ المالكُ مِنْ فِعْلَتِهِمْ

وَشَكَا لِلْجِيرَةِ ما صَار

قالوا :(أَنْتَ أَحَقُّ بِبَيْتَكَ

والأُسْرَةُ أَوْلَى بالدار)

فمضى نحو المنزل يسعى

واستدعى الخمسةَ وَأَشَارْ

خاطَبَهُمْ بِاللُّطْفِ : (كَفَاكُمْ

في المنزل فوضى ودمار

أحسنت إليكم فأسأتم)؛

فأجابوا: (أُسْكُتْ يا مهذار

لا تفتحْ موضوعَ المنزلِ

أوْ نَفْتَحَ في رأسِكَ غارْ)

فانتفضَ المالكُ إعصاراً

وانفجرُ البركانُ وثار

أمَّا الأَوَّلُ: فَهِمَ الْقِصَّة؛َ

فاستسلَمَ للريح وطار

والثاني: فكَّرَ أنْ يبقَى

وتحدَّى الثورةَ؛ فانْهَارْ

فاستقبَلَهُ السِّجْنُ بِشَوْقٍ

فِذٍّ هُوَ والإبِنْ البارّْ

والثالثُ: مجنونٌ طَبْعاً

قال بِزَهْوٍ واسْتِهْتَارْ:

(أنا خَالِقُكُمْ وسَأَتْبَعُكُمْ

زَنْقَهْ زنقه .. دارْ دارْ)

أَرْغَى أَزْبَدَ هَدَّدَ أَوْعَدَ

وَأَخِيراً: يُقْبَضُ كالفار

ولقدْ ظَهَرَتْ في مَقْتَلِهِ

آياتٌ لأولي الأبصار

والرابع والخامس أيضاً

دَوْرُ الشُّؤْمِ عَلَيْهِمْ دَارْ

لم يَعْتَبِرُوا، لَكِنْ صَارُوا

فيها كَجُحَا والمسمار

اُخْرُجْ يا هذا من داري!

(لنْ أخرجَ إلا بحوار)

إرْحَلْ هذي داري إِرْحَلْ!!

(لن أرحلَ إلا بالدَّار

إمَّا أنْ تَتْبَعَ مِسْماري

أوْ أنْ أُضْرِمَ فيها النار)

فاللغزُ إذنْ يا إخوتنا

عقلي في مُشْكِلِهِ حَارْ

هل نعطي الدارَ لمالكها؟!

أم نعطي رَبَّ المسمار؟!

هل لوْ قُتِلَ المالِكُ فيها

هُوَ في الجنةِ، أم في النار؟!

هل في قول المالك: (إرحَلْ

يا غاصبُ) عَيْبٌ أوْ عار!؟

هل لُغْزِي هذا مَفْهُومٌ؟!

مَنْ لم يفهمْ فهو: ..!!!

الفصل الأول: الثورة .. المفهوم والرؤية

أحدثت الثورات العربية ارتباك ليس فى المشهد السياسى فقط ولكن أيضاً فى المشهد البحثى والفكرى، فمئات الأطروحات الفكريّة والفلسفيّة والسياسيّة التي تحدّثت على امتدادِ عقودٍ عن: التّغيير،وأسباب التّقدم، ومعوّقات النّهضة، ومأزق التحوّل الدّيمقراطي، واشكالية البُنى الاجتماعيّة القابلة للاستبداد؛ قد أخفقت في التنبّؤ بحدوث مثل هذا السيناريو.

واذا كانت بعض الدّراسات الحديثة والمقالات التي علّقت على الثّورات العربية، قد تبنّت نظريّة لينين، القائلة إنّه لا يُمكن أن تنشأ ثورة في بلدٍ لم يكن يعيش "حالة ثوريّة " ؛ فهذا يُعيدنا إلى التساؤل الأوّل: لماذا لم يتحدّث الباحثون قبل اشتعال الثّورات عن هذه الحالة في العالم العربي،ولا اكتشف أيّ واحدٍ منهم وجودها؟

ووفقاً لأحد الباحثين فإنّ المُمارسة العمليّة غالبا ما تسبق التّنظير عند المجموعات السياسيّة؛ وفي الحالة الإسلامية بشكلٍ أخصّ . ففي الدّاخل الإسلامي مثلا، تنخرط الجماعات والأفراد في مُمارساتٍ هي غير مشروعةٍ نظريا؛ وبعد المُمارسة يأتي التّشريع والّنظير لتبرير هذه الأفعال. وفي التّاريخ السّياسي الإسلامي منذ عهوده الأولى؛ ثمّة مُمارسات واقعية كثيرة سبقت عملية البرهنة عليها والتّشريع لها.

وبعد التّطبيق العمليّ للفعل؛ تأتي عملية الإنتاج النظري التي تشرّع لهذا الفعل. وهو ما حصل في تفرّد بعضهم بالسُّلطة، اوستيلائهم على الحكم بالقوّة والغلبة؛ ذاك الفعل الذي نتج بعده كثير من التّنظير الشّرعي والسّياسي الذي يؤكّد مشروعيّة التغلُّب، كما نراه ماثلًا في كتب الأحكام السّلطانية.

وفي التاريخ الحديث، نجد عشرات التّجارب من هذا القبيل: فالجماعة الإسلامية في مصر، تبدأ بالعنف عمليا، ثمّ تشرّع لموقفها نظريا. وبعد عقدٍ من المواجهات؛ تُعلن إيقاف العنف، ثمّ بعد سنين من ذلك تُصدر مراجعاتها التي تؤكّد سلامة موقفها العملي (1)

المبحث الأول: مفهوم الثورة

لم‮ ‬يكن هناك تحديد علمي‮ ‬واضح لمفهوم‮ ‬الثورة،‮ ‬وكل ما‮ ‬يمكن قوله هو أن هناك محاولاتٍ‮ ‬يصعب أن ترقى إلى مستوى التعريف العلمي‮. ‬فالكلمة دارجةٌ‮ ‬في‮ ‬الاستخدام اليومي،‮ ‬وحتى في‮ ‬الكتابة التاريخية،‮ ‬أطلقت كتسمية على عدد كبير من الظواهر المختلفة في‮ ‬شدتها،‮ ‬والتي‮ ‬تمتد من اي‮ ‬تحرك مسلح ــ أو حتى‮ ‬غير مسلح ــ ضد نظام ما،‮ ‬إلى التحركات التي‮ ‬تطرح إسقاط النظام واستبداله،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬يصعب عملية تدقيق المصطلح‮.‬ ‮ ‬وفي‮ ‬اللغة العربية استخدم التعبير لوصف تحركاتٍ‮ ‬شعبية من أنواع عدة مثل‮ "‬ثورة الزنج‮"‬،‮ ‬وثورة القرامطة،‮ ‬وقد استخدمها عرب القرن العشرين المتأثرين بثورات عصرهم لفهم الماضي‮ ‬بمفاهيم الحاضر،‮ ‬وفي‮ ‬محاولة للارتباط بتراث ثوري‮ ‬مفترض‮ ‬يكتب كأنه سيرورة نضال الطبقات المضطهدة،‮ ‬فكما‮ ‬يوجد ثورة الزنج والقرامطة‮ ‬يوجد ثورة عمر المختار،‮ ‬وثورة الريف بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي،‮ ‬وثورة الجزائر والثورة الفلسطينية،‮ ‬وثورة ‮ ‬23 يوليو بقيادة جمال عبد الناصر‮.‬

وقد استخدم لفظ ثورة أيضاً‮ ‬في‮ ‬وصف التمردات الشعبية الذي‮ ‬جاء بشكل متأخر متأثراً‮ ‬بالأيديولوجيات الثورية في‮ ‬القرن العشرين‮.‬ أما المؤرخون العرب القدماء فلم‮ ‬يستخدموا كلمة‮ "‬ثورة‮" ‬،‮ ‬بل استخدموا كلمات مثل‮ "‬خروج‮" ‬و"فتنة‮". ‬والفتنة في‮ ‬الواقع هي‮ ‬الصراع الأهلي‮ ‬الذي‮ ‬يمس بالعنف التوازن السياسي‮ ‬الاجتماعي‮ ‬القائم بين جماعات أهلية،‮ ‬وربما‮ ‬يرتبط ذلك مرجعيا بالمفهوم الإسلامي‮ ‬لوحدة الجماعة واستقرارها التي‮ ‬ارتبطت بدورها بتعزيز ديناميات التمصير،‮ ‬أي‮ ‬بناء المدن المستقرة وخططها مقابل نمط الاجتماع البدوي‮ ‬العرابي‮ ‬المنقسم والمضطرب

‬ولهذا فإن مفهوم المؤرخين العرب لما‮ ‬يصفه المؤرخون المعاصرون بـ‮ "‬الثورة‮" ‬خاضع للسياق الذي‮ ‬حكم إنتاجه،‮ ‬وهو اعتبار الخروج على الجماعة تقويضاً‮ ‬للعمران،‮ ‬والخروج على الجماعة أو الامة هو الأصل في‮ ‬ذم الخوارج،‮ ‬أما الخروج على السلطان الغاشم فقد اختلف بشأنه،‮ ‬فالبعض اعتبره خروجا على الجماعة ،‮ ‬والبعض الآخر اعتبره أمرا مشروعا،‮ ‬بل واجب في‮ ‬بعض الحالات‮.‬

أولاً‮ ‬– المفهوم اللغوي‮ ‬لمصطلح الثورة‮:‬

تعددت الرؤى تجاه مفهوم الثورة تبعاً للمتغيرات العديدة التى لحقت هذا المصطلح وإن أجمعت هذه التعريفات فى مجملها حول مفهوم التغيير.

يقول‮ "‬لسان العرب‮" ‬فى مادة ثار‮:

‬ثار الشىء هاج،‮ ‬ثورة الغضب حدته،‮ ‬والثائر الغضبان،‮ ‬ويقال للغضبان أهيجَ‮ ‬ما‮ ‬يكون‮: ‬وقد ثار ثائره وفار فائره إذا‮ ‬غضب وهاج‮ ‬غضبه،‮ ‬وثار إليه وثب‮. ‬ويربط اللسان العربى لفظ‮ "‬الثورة‮" ‬بذلك لغويا أو إيحاءً‮ ‬لغويا بمعانى عدم الإنضباط والغضب‮.‬

ويقول أرسطو في‮ ‬كتابه‮ " السياسيات‮" ‬إن أنماط الحكم كلها معرضة للثورة،‮ ‬بما فيها نمطا الحكم الأساسيان وهما الأوليجاركية والديمقراطية،‮ ‬وكذلك ما‮ ‬يسميه نظام الحكم المتوازن،‮ ‬أو الدستوري،‮ ‬أو الأرستقراطي،‮ ‬والمصطلحات الثلاثة تكاد تكون عنده مترادفات،‮ ‬ورأى أرسطو أن في‮ ‬الأوليجاركية والديمقراطية عناصر من العدالة،‮ ‬ولكن كلاً‮ ‬منهما‮ ‬يصبح معرّضاً‮ ‬لخطر الثورة عندما لا‮ ‬يتلاءم نصيب الحكام أو الشعب من الحكم مع تصورهم المسبق عنه‮.

‬ولا بد من ان نضيف إلى استخدام أرسطو مفهوم التصور‮ " ‬المسبق‮"‬،‮ ‬ويقسِّم أرسطو الثورات إلى نوعين‮: ‬نوع‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى تغيير الدستور القائم،‮ ‬فينتقل من نظام حكمٍ‮ ‬إلى نظام آخر،‮ ‬ونوع‮ ‬يغيِّر الحكام في‮ ‬إطار بنية النظام القائم. (‮2)

وفي‮ ‬إطار التطرق إلى موسوعة علم الاجتماع‮ ‬نجد أنها تشير إلى مصطلح الثورة على أنه‮

"‬التغييرات الجذرية في‮ ‬البنى المؤسسية للمجتمع،‮ ‬والتي‮ ‬تعمل على تبديل المجتمع ظاهرياً‮ ‬وجوهرياً‮ ‬من نمط سائد إلى نمط جديد‮ ‬يتوافق مع مبادئ وقيم وأيديولوجية وأهداف الثورة،‮ ‬وقد تكون الثورة عنيفة دموية،‮ ‬وقد تكون سلمية،‮ ‬وتكون فجائية سريعة أو بطيئة تدريجية‮".‬

ويعرف‮ "‬كرين برنتون ‮"‬Crane Brinton الثورة في‮ ‬كتابه‮ "‬تشريح الثورة‮" ‬بأنها عملية حركية دينامية تتميز بالانتقال من بنيان اجتماعي‮ ‬إلى آخر،‮ ‬وأنها تغيير عنيف في‮ ‬الحكومة القائمة بشكل‮ ‬يتجاوز الحد القانوني‮.‬

ويقول برنتون:

على الرغم من أننا نستخدم الاسم "ثورة" وربما نستعمل على نحو أكثر مفردة "ثورى" الصفة المشتقة من الاسم بمعنى مجموعة من التغيرات فإننا نحتفظ فى زوايا ذهننا بمعنى أكثر تحديداً هو نوع من الجوهر المركزى الصلب غير المتآكل إلى طبقات للمعنى هى أكثر غموضاً، إننا نفكر فى التحولات الكبرى فى المجتمعات السياسية المستقرة سابقاً فى الماضى

الثورة الإنجليزية فى عقد الأربعينيات من القرن التاسع عشر وتكملتها فى عام 1688 والثورة الأمريكية والثورة الفرنسية وتكملاتها فى القرن التاسع عشر وثورة 1917 الروسية وتكملاتها فى القرن العشرين، أو أننا نفكر فى الثورات القومية من مثل ثورات القرن العشرين فى أيرلندا والجزائر، وقد نفكر كذلك فى العنف والإرهاب وحملات التطهير وعمليات الإعدام بالمقصلة.

غير أن تركيزنا هو على الإستبدال العنيف والمفاجئ لمجموعة ما مسؤولة عن إدارة كيان سياسى إقليمى بمجموعة أخرى لم تكن حتى ذلك الحين تدير تلك الحكومة. وثمة معنى آخر: الاستبدال الثورى لمجموعة بمجموعة أخرى فى انتفاضة عنيفة أو انقلاب أو عصيان مسلح أو نوع آخر من الخيانة. (3)

وقد أشار ل‮. ‬ب إدوارد ‬L.p Edward ‮ ‬للثورة بأنها تغيير وإحلال‮ ‬نظام جديد محل نظام آخر كان مشروعا،‮ ‬ولا‮ ‬يحدث هذا التغيير بالضرورة عن طريق القوة والعنف‮.‬

ولجوستاف لوبان رأى آخر فيما يتعلق بمفهوم الثورة فيقول:

يعبرون عادة عن الانقلابات السياسية بالثورة مع أنه يقتضى أن تعرب هذه الكلمة عن جميع التحولات الفجائية للمعتقدات والأفكار والمذاهب،والثورة مهما يكن مصدرها لاتصبح ذات نتائج إلا بعد هبوطها إلى روح الجماعة ، فالجماعة تتم الثورة ولاتكون مصدرها وهى لاتقدر على شئ ولاتريد شيئا إن لم يكن لها رئييس يقودها، وإن الثورات السياسية الفجائية التى تعجب المؤرخين هى أقل أهمية من غيرها فى بعض الأحيان فالثورات الكبيرة هى ثورات الطبائع والأفكار.

وفى الغالب تتم الثورات الحقيقية التى يتوقف عليها مصير الأمم بالتدريج وهذا مايجعل المؤرخين يلقون مصاعب فى تعيين بدايتها ولذلك نرى كلمة التطور أصح فى التعبير عن المقصود من كلمة الثورة (4).

كما طرح تروتسكى مفهوم الثورة الدائمة والتى أسس بها الثورة الروسية فيقول:

إن الثورة الدائمة عند ماركس هى ثورة لاتساوم مع أى شكل من أشكال الحكم الطبقى ولاتقف عند المرحلة الديمقراطية بل تتجاوزها إلى الإجراءات الاشتراكية وإلى الحرب ضد الرجعية فى الخارج، أى أنها ثورة تكون لكل مرحلة لاحقة منها جذورها فى المرحلة التى سبقتها فلا تنتهى إلا بعد تصفية المجتمع الطبقى تصفية تامة (5).

وفي‮ ‬هذا الإطار،‮ ‬أشار‮ "‬هيجل‮" ‬في‮ ‬كتابه‮ "العقل والثورة‮" ‬في‮ ‬تعريفه لها على أنها الثورة على الأوضاع القائمة،‮ ‬وأنها حركة تتسم برفض وإنكار ما هو قائم فعلاً،‮ ‬وأنها إعادة لتنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس عقلاني. (‮6)

فالثورة إجمالاً:

حالة انفجار عام تحدث فى الدولة لإسقاط السلطة الحاكمة فى الدولة نتيجة للضغط الشديد الذى يقع على الشعب نتيجة الظلم وغياب العدالة ، والاستعباد والإهانة وكبت الحريات وسوء الأوضاع الاقتصادية وانعدام الأمل فى الإصلاح.والثورة تتطلب مشاركة عامة من جميع طبقات المجتمع فى أنحاء الدولة وتكون متفقة على المطالب الرئيسة التى قامت من أجلها فى مقدمتها إسقاط الحكم القائم ، مهما طال الوقت ومهما ضعفت فى أوقات القمع ـ حتى يتحقق هدفها الرئيسى فى إزالة رأس نظام الحكم القائم ثم تسعى لتحقيق أهدافها جميعا.

الفرق بين الثورة والمظاهرات والانقلاب

يوجد فرق بين الثورة والمظاهرات ؛ فالمظاهرات تقوم بها فئة معينة فى أماكن محدودة من أجل مطالب خاصة أو التعبير عن رأيها إزاء موقف معين ، بهدف الضغظ على السلطة الحاكمة للاستجابة لمطالبها ، فإذا ما حدث استجابة من السلطة للمطالب أو بعضها أو حدث توافق بشأنها ، فإنها سرعان ما تنهى المظاهرات لزوال السبب الذى قامت من أجله ، وذلك خلافا للثورة كما سبق.

أما الانقلاب؛ فهوعمل مفاجىء وعنيف تقوم به فئة أو مجموعة من الفئات من داخل دولة تنتمى فى معظم الأحيان إلى الجيش ضد السلطة الشرعية فتقلبها وتستولى على الحكم ، وذلك وفق خطة موضوعة مسبقا ، ويتخذ الانقلاب عدة أشكال ففى بعض الحالات يتدخل الجيش ليفرض الحكومة التى يريد دون أن يشترك مباشرة فى الحكم . وفى حالات أخرى وهى الأكثر رواجا يتدخل الجيش بقوة ويتسلم الحكم متذرعا (بعجز المدنيين) و(سوء استغلال اللعبة الديمقراطية) . ..

وتشير تجارب الانقلابات العسكرية فى العالم إلى أن العالم الثالث هو أرض خصبة لمثل هذه الطرق فى استلام السلطة ... وفى معظم الأحيان يوجد التغيير الحادث عن الانقلاب مجرد تغيير فى الطبقة الحاكمة دون أى مساس بجوهر النظام السياسى والاجتماعى والاقتصادى ويكون التنافس فى السلطة المحرك الوحيد له إلا أن هذا لا يعنى دائما وفى كل الأحوال أن الانقلاب لا يحدث تغييرات فى تركيب المجتمع والسلطة مع أن النتائج السلبية لهذه التغيرات تكاد تكون أعمق وأبعد مدى من نتائجها الايجابية ... وعلى هذا الأساس يجب التفريق بينه وبين الثورة .(7)

أما الثورة المسلحة ؛فهى تقوم بها مجموعة مسلحة من الجيش ضد السلطة القائمة بهدف إسقاطها ،ويحمل الانقلاب مطالب الشعب ويهدف إلى الإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى ويؤيده الشعب بقطاعاته المختلفة فى أنحاء البلاد ، ولذا فإنه لا يعتبر انقلابا كانوع السابق ، بل ثورة ، نظرا لأن أى حاكم يستمد شرعيته من الشعب، فإذا أيد الشعب من الانقلاب ووقف معه ، فقد أسقط شرعية الحاكم المستبد ومنح قادة الانقلاب الشرعية فى التغيير، وإن لم يؤيد الشعب تلك المجموعة المسلحة حتى وإن نجحت فى إسقاط الحاكم، فإنها لا تعتبر ثورة ، بل انقلابا .

والثورة الشعبية ؛ هى التى يقوم بها الشعب تحت ضغط الظروف السيئة التى يعانى منها فى مختلف نواحى الحياة، وفى مقدمتها الاستبداد وانعدام الحريات وسوء الأحوال الاقتصادية ، والخسائر التى تقدمها الثورة الشعبية من أجل نجاحها كبيرة ، كما أنها تحقق أهدافها ببطء .

وبناء على ما سبق فإن الثورة التى يقوم بها الشعب جميعا لإسقاط السلطة الحاكمة ،أو يلتف حول أى مجموعة مسلحة تسعى لإسقاطه ، فإن لم يؤيد الشعب أى عمل يسعى لإسقاط الحكم ؛فذلك فقد شرعيته ، فالشعب هو الذى يعطى الشرعية لمن يريد بتأييده له ، ومن لايؤيده الشعب فاقد للشرعية. (8)

المبحث الثانى: الإسلام والفكر الثورى

قبل الخوض فى رؤية الإخوان المسلمين لمصطلح الثورة ودورها فى الثورات العربية، فمن الأهمية بمكان أن نطرح رؤية الإسلام للثورة وشرعيتها وخاصة أن جماعة الإخوان وهى جماعة إسلامية تستند لأسس ومنطلقات شرعية فى جميع مواقفها.

ونحن هنا لسنا بتأطير جديد لمفهوم "الإسلام والثورة" فقد تناول الدكتور محمد عمارة فى كتابه الرائع "الإسلام والثورة" تأسيس تلك النظرية فى الفكر الإسلامى ولكننا سنتناول تلك العلاقة كتأصيل لرؤية الإخوان المسلمون للثورة.

فالإسلام يمثل منطلق ثورى فكرى فقد جاء الإسلام كثورة حضارية لمواجهة الجاهلية وأخلاقها الفاسدة، فجاء القرآن و الرسول صلى الله عليه وسلم لطرح وتطبيق عدد من الأفكار التغيرية التى تُعد أفكار ثورية تغيرية بنائية.

وعندما توقفت تلك الثورة الحضارية بنهاية عهد الخلفاء الراشدين وانتهت بسقوط الخلافة العثمانية، عندها نشأت الحركات الإسلامية وخاصة جماعة الإخوان المسلمون عام 1928 وتبنت الجماعة فكر الثورة الحضارية والتى تدعو إلى التغيير المجتمعى سواء من حيث الأفكار أو الممارسات، وكان من أهداف الجماعة التى تبنتها وسعت إليها هو إحداث تغيير لإعادة بناء الدولة وفق رؤية ومنهجية إسلامية.

معنى كلمة ثورة و أصولها في اللغة و الدين:

يقول د. محمد عمارة :

إن مرادنا بالثورة هى أنها، العلم الذى يوضع فى الممارسة والتطبيق من أجل تغيير المجتمع تغييراً جذرياً وشاملاً والانتقال به من مرحلة تطورية معينة إلى أخرى أكثر تقدماً، الأمر الذى يتيح للقوى الاجتماعية المتقدمة فى هذا المجتمع أن تأخذ بيدها مقاليد الأمور، فتصنع الحياة الأكثر ملاءمة وتمكيناً لسعادة الإنسان نحو مثله العليا التى ستظل دائماً وأبداً زاخرة بالجديد الذى يغرى بالتقدم ويستعصى على النفاد والتحقيق،فالعرب و المسلمون الأوائل استخدموا الكلمة بعدة معان منها: الهياج, و الإنقلاب و التغييرو الوثوب و الانتشار و الغضب.

ففي لسان العرب لابن منظور نطالع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "أثيروا القرآن فإن فيه خبر الأولين و الآخرين" وحديث "من أراد العلم فليثور القرآن" و تثويره قراءته و التدبر في معانيه وتفسيره. و نقرأ في القرآن " أَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا" (الروم 9) أي قلبوا وجهها… و أيضا بمعنى الانتصار للمظلوم في الآية: "وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ" (الشورى 39)، وهي أيضا الحركة من بعد السكون… "اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً" (فاطر 9) أي تهيجه كي ينتشر و نذكر بقرة بني إسرائيل التي كانت "بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ" (البقرة 71).

كما استخدم العرب مصطلح "الملحمة" للدلالة على بعض معاني مصطلح الثورة فدل عندهم على التلاحم في الصراع والقتال حتى جعلوا من أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم "نبي الملحمة" حيث مارس التغيير بالوسيلتين معا: القتال و الإصلاح العميق.

وغير ذلك أيضا لفظ الفتنة و استخدموا مصطلح "الخروج" وغلب على الأدب السياسي لكثير من فرق المسلمين ومدارسهم الفكرية حتى اشتق منه اسم "الخوارج" لثورتهم المستمرة كما استخدموا ايضا مصطلح "النهضة" لأن "النهوض" كالثورة يعني الوثوب و الإنقضاض وفي الحديث الذي يرويه ابي أبي أوفى نقرأ "كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن ينهض إلى عدوه عند زوال الشمس" رواه أحمد بن حنبل.

وعدة أحاديث أخرى تستخدم مستطلح النهضة و المناهضة بمعنى البروز و الوثوب و الصراع مع الأعداء لإحداث التغيير و الاقتحام للمستقبل و امتلاك الجديد و إحراز الفتح المبين! وقد ظل مصطلح النهضة بمعنى الثورة كذلك حتى أننا نطالعه في كتابات الأفغاني و سعد زغلول. (9)

و يضيف د. عماره: الخلاصة أن الثورة في تعريفها الأعم و مرادنا هي:

"العلم الذي يوضع في الممارسة والتطبيق من أجل تغيير المجتمع تغييرا جذريا وشاملا والانتقال به من مرحلة تطورية معينة إلى أخرى أكثر تقدما الأمر الذي يتيح للقوى الاجتماعية المتقدمة في هذا المجتمع أن تأخذ بيدها مقاليد الأمور فتصنع الحياة الأكثر ملاءمة و تمكيناً لسعادة الإنسان ورفاهيته محققة بذلك خطوة على درب التقدم الإنساني نحو مثله العليا التي ستظل دائما وأبدا زاخرة بالجديد الذي يغير التقدم و يستعصي على النفاد و التحقيق" (10)

المبحث الثالث: من يصنع الثورات؟!!

قبل الخوض فى منهجية وممارسة الإخوان لفكر الثورة يجب أن نجيب على السؤال المنطقى وهو من يصنع الثورات؟!! هل الثورة حالة فورة مفاجئه، أم فورة نتيجة تراكمات اجتماعية وسياسية واقتصادية عديدة؟

وبالطبع سيظل السؤال حول من أشعل فتيل الثورات العربية المطالبة بالديمقراطية والحريات عصيا علي الإجابة، خاصة إذا ما كان المقصود هنا هو تحديد هوية الطرف القابع خلف ديناميات الثورة ومحركها. فثمة عوامل كثيرة متقاطعة ومتداخلة ما بين مظالم سياسية واقتصادية واجتماعية، إلي ثورة تكنولوجية ولوجيستية عبأت ونظمت وسهلت انتشار الحالة الثورية وهيمنة المزاج الثوري علي الشعوب العربية وانتقاله من دولة لأخري. ولعل عدم معرفة هوية الطرف المحرك لهذه الحالة الثورية، والتي تختلف من بلد لآخر، هو سبب نجاحها وديمومتها.

فمن المؤكد أن الثورة هى نتاج لعمليات تراكمية من الظلم والاحتقان الاجتماعى فعند إستشراء الظلم - أي كان - سياسي ، إجتماعي ، ثقافي ، ديني ، عرقي ، ، تتحرك الأفكار والرؤى لجماعات الضغط السياسى لتمارس أنشطتها على أرض الواقع لبناء حركة تغيرية، وبالطبع هذه الحركة تأخذ الكثير من الوقت والجهد وخاصة فى المجتمعات القمعية، فالثورة هى ثمار وتراكمات عقود من الزمان وليست نتيجة لحظية لموقف معين .

يقول د. عزمى بشاره فى رائعته " فى الثورة والقابلية للثورة": فى مقالته "انهيار الأممية الثانية يقول لينين: إن الثورة غير ممكنة دون حالة ثورية، ولكن ليس أى حالة ثورية تؤدى إلى ثورة."

ثم يحدد أهم عناصر الحالة الثورية من وجهة نظره بشكل شديد العمومية:

  1. إنها تحل حينما يستحيل على الأنظمة الحاكمة الحكم من دون تغيير، وعندما تنشأ أزمة تؤدى إلى صراعات داخل الطبقات العليا، وتظهر الصراعات والانشقاقات للعيان، ولايكفى لنشوء مثل هذه الحالة ألا ترغب الطبقات الدنيا " أى المحكومة" فى العيش بالطريقة القديمة، التعريف اللينينى هذا هو تعريف دائرى إلى حد بعيد ، وهذا يعنى أنه يشمل مغالطات لأنه كى يستحيل على الطبقات العليا أن تعيش بـ"الطريقة القديمة" يجب على الطبقات الدنيا أن تعبر عن عدم رغبتها فى العيش بالطريقة القديمة، ومن الواضح أن مايعنيه لينين بالطبقات هو فى الواقع مجمل الطبقات الاقتصادية، بما فيها ذلك الجزء غير الحاكم مباشرة أو سياسياً، كما أن الحالات التى تصعب الحكم بالطريقة القديمة هى الحرب والأزمة افقتصادية وغيرها من الهزات الكبرى التى خبرها لينين عشية الثورة الروسية.
  2. عندما تزداد معاناة الطبقات المضطهدة حدة بشكل استثنائى، وهذا الاعتبار كان قائماً فعلاً فى روسيا بعد الحرب العالمية الأولي، ومن هنا أدخله لينين فى تعريفه للحالة الثورة وهو حصل غالبا فى الحروب أو بعدها وفى حالات الجفاف والمجاعات أو فى حالات الأزمة الاقتصادة الحادة، وحتى بعد الكوارث الطبيعية.وبالنسبة إلى المكون الثانى فى تعريف الحالة الثورية، تثبت تجربة الثورات العربية أن قضية المعاناة سياسياً أيضاً وبتعبير أكثر دقة أنها ترتبط بوعى حقيقى أن المعاناة هى نتاج ظلم وليس حالة طبيعية أو مجرد معطى اجتماعى، ولذلك قد تبقى الحالة الاجتماعية الاقتصادية كما هى،بل قد تصبح أفضل فى مرحلة ما، ولكن إذا تزامن تحسنها مع إزدياد الوعى بها كمعاناة ناجمة عن ظلم أو عن فقدان العدالة والإنصاف، فعندها ترتفع المعاناة من دون أن يطرأ بالضرورة تدهور ملحوظ على حالة الناس.
  3. عندما يزداد نشاط الطبقات المضطهدة وتململها نتيجة للأزمة وممارسات الطبقات المضطهدة وهذه نقطة تتعامل مع العامل الذاتى المتعلق بالنشاط والوعى.

ولا شك فى أن المكون الأول للحالة الثورية يكفى لنشوء الحاجة إلى الإصلاح، أما الحالة الثورية التى تؤدى إلى الثورة فتحتاج إلى تضافر عاملين من العوامل الثلاثة على الأقل، ولابد من هنا أن نؤكد أن المعاناة ورؤية إمكانية وضرورة التغيير أو مانسميه بـ"القابلية للثورة" مسالة متعلقة بالوعى، فالحاجة عند هيجل تنشأ كحالة من وعى النقص بشئ و"القابلية للثورة" فى تعريفنا هو الوعى بأن وضع المعاناة هو حالة من الظلم، أى الوعى بأن المعاناة ليست مبررة ولاهى حالة طبيعية معطاة، ووعى إمكانية الفعل ضده فى الوقت نفسه. (11)

ويضيف د. عزمى بشاره:

أما فى حالة الثورات العربية الراهنة فيمكن القول إن إنشقاقاً قد وقع جراء تداعيات الثورة بشكل واضح داخل الطبقة الحاكمة فى مصر، بالمفهوم الواسع لهذه الطبقة على مسألة توريث الحكم فى الجمهورية وعلى خيارات البلد الخارجية ولاشك فى أن انخراط الفئات الحزبية والسياسية فى مجال الأعمال، أدى إلى صراعات داخل الطبقة الاقتصادية الحاكمة على الاحتكار، وتفضيل فئات على أحرى لقربها من الأسرة الحاكمة
واتخذ الجيش موقفاً سلبياً واضحاً من فكرة التوريث ومن النفوذ المتزايد لرجال الأعمال، ومنذ ماقبل الثورة كان رهان معارضى توريث منصب رئاسة الجمهورية لابن الرئيس أن الجيش لن يقبل به، وقد أدى ذلك إلى أن تعبر هذه الفئات عن نفسها بأشكال مختلفة فى الهامش المتاح لحرية الصحافة فى دول مثل مصر وتونس والمغرب وغيرها ولكن التعبير الأكثر جسامة ومصيرية تجلى فى عصيان قادة الجيش أوامر القيادة السياسية فى اللحظة الحرجة ورفضها إطلاق النار على المتظاهرين ثم انحيازها إلى الثورة. (12)

ويحدد الباحث خليل العنانى عدد من الدوافع ومحركات الثورات العربية أهمها:

أولا: لا توجد بؤرة سياسية معينة للثورة، سواء تخطيطا كان أو تنفيذا، نقصد أن الثورة لم تكن من صنع حركة سياسية بعينها أو تيار أيديولوجي محدد، وإنما كانت نتيجة لفعل جماعي (التقاء الكتل الجماعية السابق الإشارة إليها) في لحظة زمنية معينة أشعلت اللحظة الثورية فانتفض المجتمع خلفها والتف حولها، وذلك من أجل تحقيق هدف محدد.
ثانيا: كانت القوي الحية الجديدة هي المحرك الرئيسي في الثورتين التونسية والمصرية، وهي قوي متجاوزة للأطر الأيديولوجية والسياسية وبنيتها التنظيمية التقليدية. لذا، فقد كانت إسهامات القوي الحزبية والدينية في هذه الثورات إما شبه منعدمة، كما كانت الحال في تونس، أو غير مهيمنة، كما كانت في الحال المصرية. ولعل ذلك أحد أسباب نجاح الثورتين، وهو ما ازداد وضوحا في الحالة الليبية التي لم تعرف أية تنظيمات سياسية أو أيديولوجية مستقرة.
ومن المدهش أن المجتمع الليبي (وهو المعروف بانقساماته العمودية علي أساس قبلي) هو الذي يدير الثورة وينقلها من منطقة لأخري. وعليه، فإن الخطاب السياسي لهذه القوي الجديدة لم يكن فقط متجاوزا في مفرداته ومعادلاته ومطالبه لخطاب قوي المعارضة التقليدية، وإنما أيضا كان بمثابة خطاب جامع يتحدث باسم الجميع في حالة غير معتادة من التوحد العفوي بين مكونات الأمة.
ثالثا: كان المجتمع (في حالته الجديدة بعد الانتقال من السكون إلي الحركة) بمثابة الراعي الرئيسي للثورات والمغذي لها، سواء بإدامة الحالة المعنوية المرتفعة لدي الثوار من خلال التوحد والتوافق حول مطالب الثورة، أو من خلال توفير الدعم المادي والبشري لها. ومن هنا، تأتي الشرعية الثورية التي من المفترض أن تصبح فيما بعد إرثا مشتركا للجميع.
رابعا: تبدو إسهامات القوي الحزبية والدينية التقليدية في هذه الثورات، وإن جاءت متأخرة، فإنها أيضا اضطرت للالتزام بالسقف السياسي والمطلبي للقوي الحية التي أشعلت الثورة. صحيح أن ثمة قدرا من الذكاء قد بدا علي خطاب وسلوك الإسلاميين من أجل تفويت الفرصة علي المتربصين بالثورات العربية داخليا وخارجيا، إلا أن ترددهم في اللحاق بالثورات في بداياتها أضعف من موقفهم السياسي والمجتمعي لاحقا. (13)

ومن المؤكد إنّ نشوء "الحالة الثورية" في المجتمعات؛ لا يرتبط بتعاظم وجود النقص فحسب (الفقر، - البطالة، تزايد الفساد، تفشّي الظلم والاستبداد)؛ بل ينبغي وجود ما أطلق عليه هيغل "الوعي بالنقص". وهى حالة من الإدراك الواعي للحقوق المسلوبة، والإيمان بقِيم المواطنة، والنّضال السّلمي. وينتج عن هذا الوعي؛ السّعي إلى تحقيق هذه القيم، ومواجهة استبداد السُّلطة.

وهذا ما يفسّر أنّ النّضال الحقوقي والحركات الاحتجاجيّة ومن ثمّ الثّورات ؛ قد قادتها مجموعات تنتمي غالبيتها من حيث مستوى الدّخل والتّعليم إلى الطبقة الوسطى. إذ لم تكن دوافعهم الاحتجاجية مرتبطة بشكلٍ رئيسى بالضّغوط المعيشيّة؛ بل كان لتردّي الوضع الحقوقي وتقلّص مساحة الحُريّات، الحضورُ الأكبر في دوافع هذا الحراك، وإنّ "الفعل الثوري" ، يأتي نتيجة طبيعيّة لانسداد شرايين الإصلاح السّياسي. ولكنّ الثّورة بحكم أنّها تغيير جذري لا تكفي لبناء دولةٍ ديمقراطيةٍ ، دون وجود الحدّ الأدنى من الفكر المدني في المجتمع؛ دون تمدّن الشريحة الكبرى في الحالة الإسلامية (14)

وأخيراً وبحسب رأيي، إنّ التحركات السلمية والثّورات في العالم العربي؛ قد رفعت من قيمة لوبيات الضّغط والمجموعات التياريّة غير المؤدلجة، وذلك على حِساب الّشكيلات السّياسية التّقليدية، كالجماعات والأحزاب كما هي الحال بالنسبة إلى دور المجموعات الشّبابية الريادي في مصر،وتونس، واليمن، والمغرب، والكويت، والأردن كما أنّها أعطت قيمة سياسية رفيعة لمواقع التّواصل الاجتماعي (فيس بوك، وتويتر) غير أنّ هذه المجموعات التيّاريّة، قد بقيت قادرةً على تهييج المشاعر، وعلى الاضطلاع بفعل احتجاجي - ثوري؛ ولكنها لم تكن قادرةً على إدارة مسار ثورة. هذا فضلًا عن عدم قدرتها على إدارة "مجتمع ما بعد الثورة"؛ وذلك بسبب افتقراها لعاملين مُهمّين، هما: الناظم الأيديولوجي والكُتلة التّنظيميّة.

وإجمالاً هناك العديد من العناصر المتراكبة والمتراكمة التى تؤدى إلى الثورات ونزوع الشعوب إلى فكرة الثورة منها أسباب سياسية تتعلق بالحريات وحقوق الانسان وتجاوزات الدولة البوليسية ومنها أسباب اقتصادية تتعلق بغياب العدالة الاجتماعية وسيطرة رأس المال ورجال الأعمال على المقدرات الاقتصادية للدولة وغيرها من الأسباب وقد يكون هناك سبب رئيسى ظاهر كمحرك للثورة أو تلك الأسباب مجتمعة.

الفصل الثانى:الإخوان المسلمون والثورة.. الرؤية والمنطلقات

تعتبر جماعة الإخوان المسلمون من الجماعات المحافظة فكراً وممارسة، فنهج الثورة ليس من أولوياتها ولا أدبياتها المنتشرة، فنهج التغيير السلمى الإجتماعى هو المنهج الذى اعتمدته الجماعة كرؤية إصلاحية للتغير، وإن كان هذا لا يمنع من أن الجماعة خلال عمرها الممتد منذ 1928 مارست الثورة وشاركت فيها فى العديد من المظاهر ، وكانت مواقفهم وممارساتهم طول هذا التاريخ عامل مهم ومؤثر فى الثورتين التى قامت خلال عمر الإخوان "ثورتى 23 يوليو [[1952]]، 25 يناير 2011"

ويرى أحد الباحثين أن جماعة الإخوان المسلمين قد التزمت بالتداول السلمي للسلطة كأسلوب للتغيير استنادا إلى موقف فقهي قائم على أباحه الإسلام للتعددية السياسية بشرط عدم مخالفه أو عدم الاتفاق على مخالفه القواعد الأصول ، وباعتبار أنها شكل من أشكال التعددية التي اقرها الإسلام ويؤكدها التاريخ الإسلامي، فانه يجب أضافه جمله من الضوابط لهذا الأسلوب فى التغيير لضمان عدم انحرافه عن أهدافه

ومنها:

أولا: ان تجعل الأحزاب الاسلاميه التي ارتضت للتداول السلمي للسلطة الدين هو الأصل - والسياسة هي الفرع ،أى ان الدين للسياسة بمثابة الكل للجزء يجده فيكمله ولكن لا يلغيه ،ولا تجعل الغاية هي السلطة والوسيلة هي الدين.
ثانيا: انه يجب تقرير أن النشاط السياسي للأحزاب الاسلاميه ليس صراع ديني بين مسلمين وكفار بل صراع سياسي يدور فى إطار الاجتهاد في وضع حلول للمشاكل التي يطرحها الواقع.هذا التقرير مبنى على تقرير أهل السنة أن الامامه(السلطة) من فروع الدين لا أصوله(بخلاف الشيعة الذين قرروا أن الامامه من أصول الدين وبخلاف الخوارج الذين كفروا مخالفيهم).
كما هو مبنى على عدم نفى القران صفه الأيمان عن الطوائف المتصارعة " وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت أحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلي أمر الله" . كما هو مبنى على أن الصحابة اختلفوا في مسالة السلطة إلي حد القتال(على بن أبى طالب ومعاوية- على وعائشة... رضي الله عنهم) دون أن يكفر احدهم الأخر.
ثالثا: ضرورة منع تحول الأحزاب الاسلاميه التي ارتضت بالتداول السلمي للسلطة، إلى أحزاب ذات شكل ليبرالي ،و التي هي المعادل السياسي للنظام الرأسمالي القائم على المنافسة الحرة من اجل الربح،فيصبح نشاطها السياسي شكل من أشكال التجارة بالدين. رابعا:تخليص الديمقراطية من حيث هي نظام فني لضمان سلطة الشعب ضد استبداد الحكام من الليبرالية (أي من العلمانية والرأسمالية والفردية..) وذلك بالديمقراطية ذاتها لا بإلغاء الديمقراطية. وهذا الموقف نجد له سندا من دستور المدينة الذي اقر الحريات الدينية والسياسية لغير المسلمين(اليهود). (15)

ومن المؤكد أنه بالرغم من التزام الجماعة بالتغيير السلمى إلا أن الجماعة مارست بعض الفعاليات التى أظهرت من خلالها اعتراضها على بعض المواقف والقرارات للسطة الحاكمة على مر العقود الماضية مثل المظاهرات والمؤتمرات وغيرها

المبحث الأول: الثورة فى فكر الإمام حسن البنا

عاش الإمام حسن البنا فى وقت عصيب على مصر والعالم العربى والإسلامى ، فالخلافة العثمانية سقطت سنة 1924، والهجرات اليهودية تتدفق على فلسطين تحقيقا لوعد بلفور بإقامة دولة يهودية فى فلسطين ،والبلاد العربية محتلة ، والحكومات مستبدة تمارس القهر والاستعباد للشعوب تأتمر بأمر الاحتلال وتسير فى ركابه ، فلا فرق بينها وبين الاحتلال الأجنبى ، بل الحكومات المستبدة أشد على شعبها من الاحتلال .وكم من حكومات مستبدة تقتل وتعتقل أكثر من الاحتلال ..!!

وفى ظل هذا الأوضاع التى تمر بها مصر والعالم العربى والإسلامى قامت حركة الإخوان المسلمين سنة 1928 تدعو إلى الإسلام بشموله ،كما تدعو إلى وحدة الصف الإسلامى وتحرير العالم الإسلامى من براثن الاحتلال ومارس الإمام البنا لتحقيق هذه الأهداف العديد من الفعاليات.

وإذا كان من منهج الإمام البنا تحرير البلاد من الاحتلال وإصلاح النظام السياسى للدولة ، فما وسيلة الإخوان نحو تحقيق هذا الهدف ؟ وما الحلول التى يقدمها الإخوان المسلمون ومرشدهم حسن البنا لعلاج تلك المشكلات ؟ هل منطق الحوار والنصح والإرشاد هو المتبع دائما تجاه فساد الحكام أم أن هناك أسلوب آخر لتصحيح مسار الحكومات الفاسدة ؟ هل الإمام البنا يؤمن بقيام ثورة من أجل التغيير؟.. وهل مارس الإخوان الثورة أم أنهم كما البعض من الاسلاميين يرفض الخروج على الحاكم.

أولاً: استخدام القوة لتغيير الحكم فى فكر الإمام حسن البنا

تحدث الإمام حسن البنا كثيرا عن القوة وعدم الركون إلى الضعف والكسل، واستلهم ما فى القرآن الكريم والسيرة النبوية من الدعوة إلى قوة المسلم فى الحياة وانطلق بها إلى الجوانب العملية ، وربى تلامذته على الجندية والتضحية والبذل والعطاء

ففى (رسالة إلى أي شىء ندعو الناس) يقول تحت عنوان:(أعظم مصادر القوة) يوضح أن الإيمان بالله هو مصدر القوة الذى يجعلك لا تخشى أحدا إلا الله ، ذلك هو الفيض الأعم من الإيمان،والثقة بالنجاح الذى يغمر قلبك ويملأ نفسك فلا تخشى الناس جميعا ، ولا ترهب العالم كله إن وقف أمامك من يحاول أن ينال من عقيدتك أو ينتقص من مبدئك. (16)

وفى موضع آخر من نفس الرسالة يقول تحت عنوان : (حراسة الحق بالقوة): " وما أحكم ذلك القائل : (القوة أضمن طريق لإحقاق الحق ، وما أجمل أن تسير القوة والحق جنبا إلى جنب ..!) ، فهذا هو الجهاد فى سبيل نشر الدعوة الإسلامية فضلا عن الاحتفاظ بمقدسات الإسلام فريضة أخرى فرضها الله على المسلمين كصوم الصلاة والحج والزكاة وفعل الخير وترك الشر ..." (17)

وفى (رسالة نحو النور) نجده يقول تحت عنوان : (الإسلام والقوة والجندية) : وتحتاج كذلك الأمم الناهضة إلى القوة وطبع أبنائها بطابع الجندية ، ولا سيما فى هذه العصور التى لا يضمن فيها السلم إلا بالاستعداد للحرب ، والتى صار شعارأبنائها جميعا : (القوة أضمن طريق لإحقاق الحق). (18)

ووضع الإمام البنا رسالة الجهاد تناول فيها : الجهاد فريضة على كل مسلم، وذكر الآيات والأحاديث التى تدعو إلي الجهاد ، والجهاد عند فقهاء الأمة ، ولماذا يقاتل المسلم ؟، وما يلحق بالجهاد ، ويتحدث تحت العنوان الأخير ، فيقول :

" فقد جاء فى الحديث : إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر .ولكن شيئا منها لا يوجب لصاحبه الشهادة الكبرى وثواب المجاهدين إلا أن يَقتل أو يُقتل فى سبيل الله ، ثم يقول فى الخاتمة قائلا : " إن الأمة التى تحسن صناعة الموت ، وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة ، يهب لها الله الحياة العزيزة فى الدنيا ، والنعيم الخالد فى الآخرة وما الوهن الذى أذلنا إلا حب الدنيا وكراهية الموت ، فأعدوا أنفسكم لعمل عظيم ، واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة ....فاعملوا للموتة الكريمة تظفروا بالسعادة الكاملة ، رزقنا الله وإياكم كرامة الاستشهاد فى سبيله." (19)

وتغيير الحكم عن طريق القوة ، يوضحه الإمام البنا بقوله :" الإخوان والقوة والثورة:

ويتساءل كثير من الناس : هل في عزم الإخوان المسلمين أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم والوصول إلى غايتهم ؟ وهل يفكر الإخوان المسلمين في إعداد ثورة عامة علي النظام السياسي أو النظام الاجتماعي في مصر ؟ .... ولا أريد أن أدع هؤلاء المتسائلين في حيرة ، بل إني أنتهز هذه الفرصة فأكشف اللثام عن الجواب السافر لهذا في وضوح وفي جلاء ، فليسمع من يشاء .

أما القوة فشعار الإسلام في كل نظمه و تشريعاته فالقرآن الكريم ينادي في وضوح و جلاء: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) (لأنفال:60). و النبي يقول (المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف) بل إن القوة شعار الإسلام حتى في الدعاء و هو مظهر الخشوع و المسكنة

واسمع ما كان يدعو به النبي في خاصة نفسه و يعلمه أصحابه و يناجي به ربه : (اللّهُمّ إِنّي أَعوذُ بِكَ مِنَ الْهَمّ وَالْحَزَنِ، وَأَعوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأعوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ والْبُخْلِ وَأعوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدّيْنِ وَقَهْرِ الرّجَال)
ألا ترى في هذه الأدعية أنه قد استعاذ بالله من كل مظهر من مظاهر الضعف : ضعف الإرادة بالهم و الحزن و ضعف الإنتاج بالعجز و الكسل و ضعف الجيب و المال بالجبن و البخل و ضعف العزة و الكرامة بالدين و القهر ؟ .. فماذا تريد من إنسان يتبع هذا الدين إلا أن يكون قويا في كل شيء شعاره القوة في كل شيء ؟.. فالإخوان المسلمون لابد أن يكونوا أقوياء و لابد أن يعملوا في قوة. " (20)

ويوضح الإمام البنا أن إيمان الإخوان بالمبدأ العام فى استخدام القوة لا يجعلهم يستخدمونها فى غير موضعها وفى غير وقتها ، بل إن استخدمها يكون آخر مرحلة فى العلاج ، فيقول :

" و لكن الإخوان المسلمين أعمق فكرا و أبعد نظرا من أن تستهويهم سطحية الأعمال و الفكر فلا يغوصوا إلي أعماقها و لا يزنوا نتائجها ، و ما يقصد منها ، و ما يراد بها فهم يعلمون أن أول درجة من درجات القوة قوة العقيدة و الإيمان
ثم يلي ذلك قوة الوحدة و الارتباط ثم بعدهما قوة الساعد و السلاح و لا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعاني جميعا و أنها إذا استخدمت قوة الساعد و السلاح و هي مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء و الهلاك .
هذه نظرة و نظرة أخرى : هل أوصى الإسلام ـ و القوة شعاره ـ باستخدام القوة في كل الظروف و الأحوال ؟ أم حدد لذلك حدودا و اشترط شروطا و وجه القوة توجيها محدودا ؟ و نظرة ثالثة : هل تكون القوة أول علاج أم أن آخر الدواء الكي ؟ و هل من الواجب أن يوازن الإنسان بين نتائج استخدام القوة النافعة و نتائجها الضارة و ما يحيط بهذا الاستخدام من ظروف ؟
أم من واجبه أن يستخدم القوة و ليكن بعد ذلك ما يكون ؟ هذه نظرات يلقيها الإخوان المسلمون على أسلوب استخدام القوة قبل أن يقدموا عليه و الثورة أعنف مظاهر القوة فنظر الإخوان المسلمون إليها أدق و أعمق و بخاصة في وطن كمصر جرب حظه من الثورات فلم يجن من ورائها إلا ما تعلمون .
و بعد كل هذه النظرات و التقديرات أقول لهؤلاء المتسائلين : إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها ، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة ، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء وسينذرون أولاً، وينتظرون بعد ذلك ثم يقدمون في كرامة وعزة ، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح ." (21)

وهكذا فمن الثابت أن الإمام البنا والإخوان سعوا للثورة ونادوا بها ولكن بعد استكمال مقومات تلك الثورة والاستعداد الجيد لها سواء من حيث قبول المجتمع لها أو من يقوم ويملك الامكانات المادية لتلك الثورة حتى لاتنقلب إلى فوضى وهو مايرفضه الإخوان ويحذرون منه باستمرار.

المبحث الثانى: وسائل عمليه مارسها الإمام البنا

بالرغم من أن المناداة بالثورة والمطالبة بها لم تستحوذ على الكثير من كتابات الإمام البنا ولا رفاقة فى تلك المرحلة، فكإطار عام يسعى الإخوان المسلمون للتغير المجتمعى بصفة رئيسية ولكن اذا لم يكن هناك حلول للتغيير إلا بالثورة فيجب العمل على الاستعداد الجيد لها ولذلك مارس الإخوان الجوانب العملية للاعداد للثورة وسنتشهد هنا بمثالين وهما " النظام الخاص" وقسم الوحدات بالجيش"

أولاً: النظام الخاص

لم يكتف الإمام البنا بتربية الإخوان ومحاولة التغيير المجتمعى بل حرص البنا على ضرورة بث روح الجهاد فى الأمة ، وضرورة الاستعداد الروحى والبدنى للثورة، فكانت تربية الإمام البنا للإخوان على الجهاد والجندية والتضحية ، وكان للإخوان أورادهم الرياضية وجوالتهم وأعمالهم الكشفية التى يحافظون على قوتهم ونظامهم ولياقتهم البدنية

وكان من ثمار تلك التربية الجهادية أن أنشأ النظام الخاص سنة 1940 كتنظيم سرى مدرب على مختلف الأسلحة فى ذلك الوقت بهدف قتال اليهود فى فلسطين والإنجليز فى مصر بعد أن فشلت المفاوضات فى إخراجهم ، وجعل على مسئوليته محمود عبد الحليم ثم عبد الرحمن السندي ، وقد أبلى الجهاز الخاص للإخوان بلاء حسنا فى حرب فلسطين سنة 1948 .

وكان هدف الإمام البنا من إنشاء الجهاز الخاص كتنظيم سرى مدرب على الأسلحة بهدف الجهاد فى فلسطين وإخراج الإنجليز من مصر بالقوة المسلحة ، إلا أن الجهاز الخاص للإخوان قام بحوادث داخلية ضد اليهود المصريين وحوادث فردية لاتمثل موقف عام للجماعة وتعتبر من أخطاء فردية قام بها أفراد النظام الخاص تحت ضغط وانفعال الأحداث فى ذلك الوقت، ولسنا هنا بعرض تجربة النظام الخاص أو تقييمه فمجالها كتاب آخر ولكن الاستشهاد بها هنا كدليل على أن الإخوان كانوا منذ نشأتهم يسعون إلى التغيير والثورة .

ثانياً:قسم الوحدات الخاص بضباط الجيش

سعى الإمام البنا لعمل تنطيم سرى داخل الجيش اشترك فيه ضباط الجيش من الإخوان المسلمين مثل محمود لبيب وكان صلاح شادي رئيس قسم الوحدات التابع للإخوان المسلمين داخل الجيش ، وقام تنظيم الضباط الأحرار داخل الجيش تحت عين الإمام البنا وشارك فيه عبد المنعم عبد الرؤوف وأبو المكارم عبد الحي على نحو ما هو معروف.

ويروى أنور السادات فى كتابه البحث عن الذات عن حديث له مع الإمام البنا بخصوص الثورة والاعداد لها فيقول:

" اسمع يا شيخ حسن : واضح أنك حريص أكثر من اللازم فى الحديث معى .. وأنا لا أرى داعيا لهذا ..بصراحة أنا أسعى إلى عمل تنظيم عسكرى هدفه قلب الأوضاع فى البلد..باغتت الرجل هذه المفاجأة - والكلام للسادات- فنظر إلى فى دهشة ولم يعرف ماذا يقول... ربما كنت أحد رجال المخابرات.. وربما كنت مدسوساً عليه من جهة أو أخرى.. وقطعت عليه صمته بقولى:
نعم أنا أسعى إلى ثورة مسلحة .. ومعى عدد كبير من الضباط من كل أسلحة الجيش .. وحركتنا تسير . وبدأ يسألنى أسئلة محدودة .. أى أسلحة الجيش معكم ؟ وما مدى قوتكم ؟ وكم عدد الضباط الذين يمكن أن تعتمد عليهم للقيام بهذه الثورة وأجبته.. وفجأة طلب منى أن ننسق العمل معا .. قلت له :
لقد صارحتك بكل شىء ..وأحب أنا أقول لك بنفس الصراحة نحن تنظيم لا يخضع ولا يعمل لحساب أى حزب أو هيئة ، وإنما لمصلحة مصر ككل .. وأرجو أن يكون ذلك واضحا منذ البداية .. وأمن الرجل على كلامى وقال : يكفى فقط أن نتعاون ..
ولم يمض بعد ذلك وقت طويل حتى كان قد جند لحساب الإخوان عبد المنعم عبد الرؤوف الرجل الثانى بعدى فى تنظيم الضباط الأحرار . " (22) ، ويذكر السادات بعد ذلك أن الأستاذ البنا رتب له لقاء بعزيز المصري .

ويكشف عبد المنعم عبد الرؤوف جانب من تأسيس هذا القسم الذى كان له دور واضح فى ثورة 23 يوليو فيقول:

استطعت فى شهر أكتوبر عام 1942 أن أدعو ضابطا من الكتيبة الثالثة لحضور درس الثلاثاء بدار المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين وهو النقيب جمال عبد الناصر حسين ثم اتبعته بضابط ثان وهو الملازم أول حسين أحمد حمودة الذى نقل على قوة الكتيبة ثم دعوت ضابطا ثالثا هو الملازم كمال الدين حسين من سلاح المدفعية وكان منزله قريبا من منزلى بحى السيدة زينب وكثيرا ما تجاذبنا أطراف الحديث أثناء ركوبنا (الترام) صباحا متوجهين إلى وحدتنا.
ثم دعا الملازم أول حسين أحمد حمودة ضابطين أولهما شقيق زوجته الملازم أول سعد توفيق من سلاح الإشارة(توفى إلى رحمة الله عام 1962) وثانيهما الملازم أول صلاح الدين خليفة زميلا له من سلاح الفرسان هو الملازم أول خالد محيي الدين واكتمل عددنا سبعة عام 1944 وواظبنا على اللقاء أسبوعياً فى بيت هذا مرة وفى منزل ذاك مرة أخرى وهكذا ولم يتغيب الصاغ محمود لبيب عن هذا اللقاءات إلا فى النادر. وسنكتفى هنا بهذا القدر حيث سيكون لها مجال آخر وهو دور الإخوان فى ثورة 23 يوليو 1952

ويتضح مما سبق أن الإمام البنا كان يؤيد القيام بعمل عسكرى من أجل تغيير الحكم ، وكانت علاقة الإمام البنا بتنظيم الضباط الأحرار قوية ، و شارك الإخوان الضباط الأحرار فى الإعداد للثورة التى بدأت فى حياة الإمام البنا ـ على نحو ما ذكر السادات نفسه ـ ونحجت الثورة بعد استشهاده ، والدلائل والشواهد كثيرة على دور الإخوان فى ثورة 23 يوليو 1952 ولكن ليس هذا مجالنا للخوض فيها بل نحن هنا فى هذا الكتاب معنيين فقط بثورات الربيع العربى.

وكما أشرنا من قبل أن أى عمل مسلح لإسقاط الحكم القائم لابد له من تأييد شعبى لكى يصبح عملا مشروعا ، فإن الإمام البنا حرص على المشاركة الشعبية للثورة ، فقام بتعريف الشعب بحقوقه التى سلبه المستبدون ، ولم يغفل ضرورة التأييد الشعبى ، ويقوم فكره على " تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح يعمل علي صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة في كل مظاهر حياتها ... وأن وسيلتهم في ذلك تنحصر في تغيير العرف العام وتربية أنصار الدعوة علي هذه التعاليم حتى يكونوا قدوة لغيرهم في التمسك بها والحرص عليها والنزول علي حكمها. " (23)

وأما الثورة الشعبية التى يقوم بها الشعب الأعزل ضد السلطة الحاكمة المستبدة ، فإنها فى رأى الإمام البنا غير مأمونة العواقب ، نظرا لأن السلطة المستبدة لن تسلم بسهولة مما يتبعه استخدام العنف وإراقة الدماء والقمع ، وعندما يقوم بها فصيل وطنى بمفرده، فإن نتائجها غير مأمونة ، فالإمام البنا لا يفضلها إلا فى إطار شعبى عام، فالثورة لا يمكن أن تنجح بالإخوان وحدهم

بل بالشعب جميعه ويؤكد أن الثورة هى حالة انفجار للشعب تتولد من ضغط الظروف التى يعانى منها وفقد الإصلاح ، وفى هذه الحالة ، فإن الثورة لا مفر منها ، فيقول فى رسالة المؤتمر الخامس :

" وأما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها ولا يعتمدون عليها ، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها وإن كانوا يصارحون كل حكومة في مصر بأن الحال إذا دامت علي هذا المنوال ولم يفكر أولو الأمر في إصلاح، عاجل وعلاج سريع لهذه المشاكل
فسيؤدي ذلك حتما إلي ثورة ليست من عمل الإخوان المسلمين ولا من دعوتهم ، ولكن من ضغط الظروف ومقتضيات الأحوال ، وإهمال مرافق الإصلاح وليست هذه المشاكل التي تتعقد بمرور الزمن و يستفحل أمرها بمضي الأيام إلا نذيراً من هذه النذر ، فليسرع المنقذون بالأعمال .

ويقول د. محمد عمارة عن موقف الإمام البنا من الثورة: عرض الأستاذ البنا للموقف من " الثورة "

.. فتحدث عن أن الإسلام إنما جاء ثورة كبرى بكل ما تحمل هذه الكلمة من مضامين ، وفي كل ميادين الإصلاح والتغيير .. فهو الذي نقل وينقل الناس والمجتمعات من الجاهلية إلي الإيمان .. ومن الظلمات إلي النور .. وهو الذي يحيي موات النفوس والمجتمعات بما يحدثه فيها ولها من تغيير جذري وعميق وشامل في كل الميادين ..

وعن هذه الحقيقة قال الأستاذ البنا :

" إن الإسلام ثورة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معني ، يزلزل الأوضاع الفاسدة ، ويحطم صروح البغي والعدوان الشامخة ، ويحدد معالم الحياة وأوضاعها ، ويقيمها علي أثبت الدعائم . إنه ثورة علي الجهل .. وثورة علي الظلم بكل معانيه : ظلم الحاكم للمحكوم ، وظلم الغني للفقير ، وظلم القوي للضعيف . وثورة علي الضعف بكل مظاهره ، ونواحيه : ضعف النفوس بالشح والإثم ، وضعف الرؤوس بالغباء والعقم ، وضعف الأبدان بالشهوات والسقم " .
  • لكن الأستاذ البنا ينبه علي أن الجماعة ليس في نيتها استخدام "العنف الثوري" الذي تخشاه الحكومات ؛ لأن منهج الجماعة هو الإصلاح بالإسلام ، وفق منهاج التدرج ، وعبر الإعداد المرحلي .. اللَّهم إلا إذا فرض الآخرون علي الجماعة هذا العنف الثوري ، باستخدامه ضدها ، وعندئذٍ تكون مكرهة علي رد العدوان بمثله !
وفي صياغة هذه "المعادلة الصعبة" ، ميز بين " إعداد القوة " – التي هي طريق الإصلاح والتغيير – وبين " الثورة " – التي هي " أعنف مظاهر القوة " – والتي لن يلجأ إليها الإخوان ابتداءً ، ولن يسلكوا سبيلها إلا إذا فُرض عليهم ، كما يُفْرَض القتال علي المؤمنين – وهم له كارهون - ! .

وفي تحديد هذا المسار – الدقيق ، والشائك – قال الأستاذ البنا :

" يتساءل كثيرٌ من الناس هل في عزم الإخوان المسلمين أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم ، والوصول إلي غايتهم ؟ وهل يفكر الإخوان المسلمون في إعداد ثورة عامة علي النظام السياسي ، أو النظام الاجتماعي في مصر ؟ .. أما القوة ، فشعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته !..
فالإخوان لابد أن يكونوا أقوياء ، ولابد أن يعملوا في قوة .. وأول درجة من درجات القوة : قوة العقيدة والإيمان ، ويلي ذلك : قوة الوحدة والارتباط ، ثم بعدهما قوة الساعد والسلاح . والثورة أعنف مظاهر القوة . إن الإخوان سيستخدمون القوة العملية ؛ حيث لا يجدي غيرها ، وحيث أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة .
أما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها .. وإن كانوا يصارحون .. بأن الحال إذا دامت علي هذا المنوال – فسيؤدي حتمًا إلي ثورة .. إني أري الوميض خلال الرماد ، ويوشك أن يكون له ضرام .أيها الإخوان : إن قيل لكم : أنتم دعاة ثورة ، فقولوا : نحن دعاة حق وسلام نعتقده ونعتز به ، فإن ثرتم علينا ، ، ووقفتم في طريق دعوتنا ؛ فقد أذن الله أن ندفع عن أنفسنا ، وكنتم الثائرين الظالمين " ! (24)

كما شارك الإمام البنا والإخوان فى بعض المظاهر المتعلقة بالثورات أو الممهدة لها مثل الاشتراك في المظاهرات والمسيرات والإضرابات المدنية ومنها:

(1) المظاهرات الخاصة بقضية فلسطين ومن أمثلتها:

  1. المظاهرات العامة في كل أقاليم مصر من أجل فلسطين وبدارسة تاريخ هذه الفترة يتبين أنه كانت أول مظاهرات عامة في القطر كله منذ ثورة 1919 وقام بها الإخوان في يوم واحد بهتافات واحدة في ذكرى وعد بلفور.
  2. مظاهرات عام 1938 لثورة القسام في فلسطين.
  3. مظاهرة 2 نوفمبر 1945.
  4. مظاهرات 14/ 12/ 1947 لتأييد القضية الفلسطينية واشترك فيها مسيحيون ورجال دين أقباط.

(2) المظاهرات الخاصة بقضية التحرير من الاستعمار الإنجليزي: وقد نظم الإخوان وقادوا كثيرا من هذه المظاهرات ومن أمثلتها.

  1. مظاهرة 9 فبراير 1946 على إثر بيان من الإخوان وكانت تشكل مسيرة ضخمة قام بها طلاب الجامعة بقيادة مصطفى مؤمن زعيم طلاب الإخوان إلى قصر عابدين للمطالبة بالحقوق الوطنية وفي نفس اليوم قامت مظاهرات في المنصورة وأسوان وغيرهما.
  2. والمظاهرات الشعبية إعرابا عن مطالب البلاد في أكتوبر 1946 في القاهرة والأقاليم.
  3. مظاهرات أغسطس 1947 خرجت مظاهرة ضخمة من الجامع الأزهر وأمامها علم الإخوان تهتف بمطالب البلاد ويقودها البنا وانضم إليها عشرات الآلاف إلخ.. كما خرجت مظاهرات في طنطا وبور سعيد والإسكندرية.

(3) الإضرابات المدنية: نظم الإخوان واشتركوا في عدد كبير من الإضرابات المدنية التي دعوا إليها لأسباب سياسية متنوعة ومن أمثلة ذلك.

  1. إضراب يوم الجلاء 21 فبراير 1946 وقد دعا الإخوان إلى اعتبار يوم 3 مارس يوم حداد عام على شكل إضراب وقد استجابت طوائف الشعب وخاصة الطلاب والتجار والمحامين والصحفيين واحتجت الصحف وأقيمت صلاة الغائب في كثير من شعب الإخوان.
  2. الإضراب العام يوم 10 مايو 1946 للرد على الطغيان الإنجليزي والأمريكي في فلسطين وعلى البيان البريطاني وما فيه من تحفظات تضر بالقضية الوطنية وعلى استهانة تشرشل بالعرب...إلخ وكان شاملا اشترك فيه التجار والعمال إلخ..
  3. وفي 8 يونيو 1946 دعت اللجنة السياسية للإخوان إلى إضراب عام من أجل الحقوق الوطنية. إضراب يوم 21 فبراير 1947 وقد دعا إلى ذلك مكتب الإرشاد العام للإخوان ليكون يوما وطنيا للجلاء.
  4. إضراب يوم 26 /8/ 1947 استنكارا لمعاهدة 1936.

وتدل هذه الإضرابات واستجابة طوائف من الشعب لها على تأثير الإخوان في الأوسط الشعبة وعلى إتاحتهم الفرصة لهم للمشاركة والفعالية وهذه الإضرابات تربية للاتجاهات السياسية ضد المستعمر ولصالح قضية التحرر الوطني وتحرير فلسطين.

(4) المسيرات والمظاهرات الخاصة بالحريات السياسية ومن أمثلتها:

  1. المسيرة الاحتجاجية في الإسماعيلية على تزوير الانتخابات عام 1944. (25)

وغالبا ما ارتبط اسم الثورة بالعنف ولأن الإخوان كانوا ضد العنف وخاصة بعد تجربة "النظام الخاص" لذا غابت من أدبيات الجماعة استخدام الثورة ومفراداتها كثيراً إلا أن هذا لاينفى كما ذكرنا سابقاً أن الجماعة كانت لها ممارسات عديدة تصب فى التهيئة الشعبية للثورة وكان لهم دورهم الواضح فى ثورة 23 يوليو 1952 من حيث الإعداد والتهيئة والمساندة فى بداياتها حتى عام الصدام 1954.

المبحث الثالث: الثورة فى فكر سيد قطب

ارتبط اسم الشهيد سيد قطب باسم الثورة فتعدد لفظ الثورة والمناداة بها فى أدبياته العديدة ولاسيما بعض كتبه الأخيرة خاصة "معالم فى الطريق" وفى ظلال القرآن وغيرها والتى اعتبرها البعض المنطلق الفكرى للحركات الجهادية المنتهجة لفكر العنف

وبعيداً عن مناقشة هذا الفكر وتلك المرحلة إلا أن الشاهد فيها أن الشهيد سيد قطب والذى كان منظر للإخوان فى مرحلة ما ركز على فكر الثورة ووضع لها أسسها المتعلقة بالفكر الإسلامى ويقول الدكتور يوسف القرضاوي عن هذه المرحلة:

هذه مرحلة جديدة تطور إليها فكر سيد قطب، يمكن أن نسميها "مرحلة الثورة الإسلامية" ، الثورة على كل "الحكومات الإسلامية" ، أو التي تدعي أنها إسلامية، والثورة على كل "المجتمعات الإسلامية" أو التي تدعي أنها إسلامية..
هذه مرحلة جديدة تطور إليها فكر سيد قطب، يمكن أن نسميها "مرحلة الثورة الإسلامية"، الثورة على كل "الحكومات الإسلامية"، أو التي تدعي أنها إسلامية، والثورة على كل "المجتمعات الإسلامية" أو التي تدعي أنها إسلامية، فالحقيقة في نظر سيد قطب أن كل المجتمعات القائمة في الأرض أصبحت مجتمعات جاهلية.
تكون هذا الفكر الثوري الرافض لكل من حوله وما حوله، والذي ينضح بتكفير المجتمع، وتكفير الناس عامة؛ لأنهم "أسقطوا حاكمية الله تعالى" ورضوا بغيره حكما، واحتكموا إلى أنظمة بشرية، وقوانين وضعية، وقيم أرضية، واستوردوا الفلسفات والمناهج التربوية والثقافية والإعلامية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإدارية وغيرها من غير المصادر الإسلامية، ومن خارج مجتمعات الإسلام.. فبماذا يوصف هؤلاء إلا بالردة عن دين الإسلام؟!
بل الواقع عنده أنهم لم يدخلوا الإسلام قط حتى يحكم عليهم بالردة، إن دخول الإسلام إنما هو النطق بالشهادتين: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وهم لم يفهموا معنى هذه الشهادة، لم يفهموا أن "لا إله إلا الله" منهج حياة للمسلم، تميزه عن غيره من أصحاب الجاهليات المختلفة، ممن يعتبرهم الناس أهل العلم والحضارة.

ويضيف القرضاوي فيقول:

تكون هذا الفكر الثوري الرافض، داخل السجن، وخصوصا بعد أن أعلنت مصر وزعيمها عبد الناصر، عن ضرورة التحول الاشتراكي، وحتمية الحل الاشتراكي، وصدر "الميثاق" الذي سماه بعضهم "قرآن الثورة" ! وبعد الاقتراب المصري السوفيتي، ومصالحة الشيوعيين، ووثوبهم على أجهزة الإعلام والثقافة والأدب والفكر، ومحاولتهم تغيير وجه مصر الإسلامي التاريخي. (26)

وارتكز فكر الأستاذ سيد قطب للدعوة إلى الثورة الإسلامية على عدة عناصر أهمها:

أولاً: الدعوة لثورة لتحرير الإنسان، فيقول: "إن الإسلام يدعو الناس لإنقاذ إنسانيتهم وتحرير رقابهم من العبودية للعبيد، ومن هوى الطواغيت وشهواتهم.. إنه يكلفهم أعباء المعركة مع الطاغوت، بكل ما فيها من تضحيات، إنه يدعوهم للكرامة والسلامة" (الظلال: 1321).

ويقول:

"إن هذا الدين إعلان عام لتحرير الإنسان في الأرض من العبودية للعباد.. إن إعلان ربوبية الله وحده للعالمين معناها: الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها؛ ذلك أن الحكم الذي مردُّ الأمر فيه إلى البشر هو تأليه للبشر؛ فيقومون مقام الأرباب، ويقوم الناس منهم مقام العبيد" (الظلال: 1433).

ثانياً: ثورة الجماهير ضد الطغاة

ويتكلم عن ثورة الجماهير ضد الطغاة، فيقول:

"الضعفاء هم الضعفاء، هم الذين تنازلوا عن أخص خصائص الإنسان الذي كرَّمه الله حين تنازلوا عن حريتهم الشخصية في التفكير والاعتقاد والاتجاه، وجعلوا أنفسهم تبعًا للمستكبرين والطغاة، دانوا لغير الله من عبيده واختاروها على الدينونة لله، والضعف ليس عذرًا بل هو الجريمة، والقوة المادية لا تملك أن تستعبد إنسانًا يريد الحرية ويستمسك بكرامته.. من ذا الذي يملك أن يجعل أولئك الضعفاء يدينون لغير الله، والله هو خالقهم ورازقهم؟..
فهم ضعفاء.. لا لأنهم أقل قوة مادية من الطغاة.. إنما هم ضعفاء لأن الضعف في قلوبهم وفي نخوتهم وفي اعتزازهم بأخص خصائص الإنسان.. إن المستضعفين كثرة، والطواغيت قلة؛ فمن ذا الذي يخضع الكثرة للقلة؟ إنما يخضعها ضعف الروح وسقوط الهمة وقلة النخوة والتنازل عن الكرامة.. إن الطغاة لا يملكون أن يستذلوا الجماهير إلا برغبة هذه الجماهير، فهي دائمًا قادرة على الوقوف لو أرادت، فالإرادة هي التي تنقص هذه القطعان!.. إن الذل لا ينشأ إلا عن قابلية للذل في نفوس الأذلاء! وهذه القابلية هي التي يعتمد عليها الطغاة!" (الظلال: 2096). (27)

وإجمالاً نستطيع أن نرسم موقف الإخوان من الحكومات المتتابعة في مصر وأسلوب التغيير فى عدة نقاط منها:

(أ‌) التزم الإخوان منذ نشأتهم على معاونة الحكومات المختلفة فى إطار المصلحة العامة ولم يسعى الإخوان للحكم بصورة مباشرة ويرد البنا في المؤتمر الخامس على سؤال: ما موقف الإخوان من الحكم فصرح: الإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم فإن وجدوا من الأمة من يستعيد لحمل هذا العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي وقرآني فهم جنود وأنصاره وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله.
(ب‌) والتتبع التاريخي لمواقف الإخوان من الحكومات المختلفة يكشف عن سعي الإخوان المتواصل لتحقيق هذا الهدف فقد تقدموا برسائل عديدة وبرامج في مذكرات للملك فاروق ورؤساء الحكومات في مصر ثم لوزارة محمد نجيب وعبد الناصر بعد 1952 من أجل نفس المطلب وقد عبر البنا عن ذلك بقوله: إن الإخوان لم يروا في حكومة من الحكومات التي عاصروها لا الحكومة القائمة ولا الحكومة السابقة ولا غيرها من الحكومات الحزبية من ينهض بهذا العبء أو من يبدي الاستعداد الصحيح لمناصرة الفكرة الإسلامية فلتعلم الأمة ذلك ولتطالب حكامها بحقوقها الإسلامية.
ويعلل البنا عدم استجابة تلك الحكومات لمطلبهم بأن الحكام فقدوا الإسلام في أنفسهم وبيوتهم وشئونهم الخاصة والعامة فهم لذلك أعجز من أن يفيضوه على غيرهم ليست هذه مهمتهم فقد أثبتت التجارب عجزهم المطلق عن أدائها.
وفي خطاب عام 1945 يقرر أن هذه الحكومات جعلت من نفسها أداة طيعة إن لم تكن مسرعة في يد الأجنبي يتحكم بها في رقاب الناس كما يشاء وينفذ بها مطالبه وخططه كما يريد سافرا أو مستترا هذان هما السببان اللذان أكد عليهما مفكروهم: فالحكومات عملية للاستعمار والاستعمار نفسه محارب لهذا المطلب ومن ثم فإقامة حكومة إسلامية يتطلب بالضرورة تحرير الوطن من كل احتلال وسلطات أجنبي سياسي أو اقتصادي أو فكري وروحي.
(ث‌) ولكن ما الأسلوب العملي الذي اتخذه الإخوان في موقفهم من الحكومات المصرية والحالة هذه هل اعتمدوا الثورة أو الإصلاح وقد ناقش البنا هذه القضية موضحا موقف الإخوان من الثورة واستعمال القوة وهو يجيب عن سؤالين: هل في عزم الإخوان أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم هل يفكرون في إعداد ثورة عامة على النظام السياسي أو النظام الاجتماعي في مصر.
وقد بين البنا فيما يتعلق بالشق الأول من القوة شعار الإسلام وأنها درجات قوة الإيمان وقوة الوحدة والارتباط وقوة الساعد والسلاح ولا توصف جماعة بالقوة حتى يتوفر فيها ذلك كله وأن القوة لا تستخدم في كل الأحوال بل لها شروط محددة فلا تستخدم حتى تستنفذ كل الوسائل الممكنة وبعد الموازنة بين منافع استخدام القوة ومضارها وحيث يثقون أنهم قد استكملو عدة الإيمان والوحدة وأنهم حين يستخدمونها سينذرون أولا ويقدمون محتملين كل نتائج موقفهم بارتياح.
وقد وضع الإخوان هذه الأفكار موضع التطبيق فأنشأوا النظام الخاص ودخلوا في معارك عسكرية ذروتها في معارك عسكرية بلغت ذروتها في معارك القناة عام 1951، 1952 ضد الإنجليز وبرغم قول البنا ن الثور أعنف مظاهر القوة إلا أنه قرر فيما يتعلق بالشق الثاني أن الإخوان لا يفكرون في الثورة ولا يعتمدون عليها ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها.إذن: ما أسلوب العمل لإقامة الحكومة الإسلامية في مصر كما رأى الإخوان ومارسوا.
(خ‌) بتحليل كتابات ومواقف الإخوان يتبين أن أسلوب التغيير وإقامة الحكومة الإسلامية ينقسم إلى محورين الأول: التربية أي تربية الشخصية الإسلامية وتكوينها سياسيا والمحور الثاني هو الإصلاح.
فأما المحور الأول (أي التربية) فقد قرر البنا وغيره أنه لابد من فترة تنشر فيها مبادئ الإخوان وتسود ويتعلم فيها الشعب كيف يؤثر المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ويقرر مرة أخرى أن سبيل النهضة هو التربية ويطالب أعضاء الإخوان بأن يجدوا في تكوين النشء الجديد وأن يعلموه استقلال النفس والقلب واستقلال الفكر والعقل واستقلال الجهاد والعمل وأن يجندوه تحت راية محمد صلى الله عليه وسلم وفي رسالة أخرى يرى أن تربية الرأي العام هي الطريق بجانب تربية جيل جديد يحقق الأهداف السابقة فهذا الأسلوب يتجه إلى الجماهير ويثق فيهم وفي قدراتهم.
أما المحور الثاني فهو الإصلاح وذلك بطريقين الطريق الأول ما أسموه بالتوجيه ويعني عندهم وضع المناهج الصالحة في كل شئون المجتمع والتقدم بها إلى الجهات المختصة والوصول بها إلى الهيئات النيابية والتشريعية والتنفيذية لتخريج من دور التفكير النظري إلى دور التفكير العملي وهذا الأسلوب يتجه إلى الصفوة السياسية ويدل على إدراكهم لأهميتها في المجتمع المصري آنذاك.
أما الطريق الثاني للإصلاح فهو العمل السياسي المباشر ومن أمثلة ذلك: دخول الانتخابات والترشيح للهيئات النيابية ويقول البنا في بعض جوانب هذا الطريق: سنعمل بالحق فنذيع النشرات والبيانات ونوضح للناس ما خفي عنهم من حقوقهم ونكشف لهم ما استتر من ألا عيب المخادعين والمغررين بهم في الداخل والخارج وسنجمع كلمة الناس على هذا في مؤتمرات جامعة وسنبعث بإخواننا في كل مكان..إلخ.
وكلا الطريقين الإصلاحيين هما أيضا تربية سياسية للرأي العام فالعمل السياسي يتيح الفرص لنمو الوعي السياسي وللمشاركة السياسية ولاكتساب قدراتها وأما التوجيه فقد كانت كل رسائله ومذكراته تنشر في صحفهم وفي رسائل عامة لا يتيح وعيا سياسيا بالمطالب والحقوق أمام الرأي العام.
فلم يقبل الإخوان بأسلوب الثورة ضد النظام المصري بل كان أسلوبهم يتبلور في التربية المتكاملة والسياسية خاصة وفي العمل السياسي والتوجيه أي التغيير الديمقراطية الذي اتخذ طريقين: الأول يتجه إلى الجماهيري والثاني يتجه إلى الصفوة أي أنهم جمعوا بين أسلوب جمال الدين والنديم ومصطفى كامل وأسلوب محمد عبده مع تنظيم وشمول وتكامل. (28)

ويقول الأستاذ عمر التلمساني عن موقف الإخوان المسلمين من الانقلابات والمؤامرات والمظاهرات:

إذا كان المقصود بالحركة هو التظاهر، فما قرأنا في كتب السيرة أن الصحابة صاحوا يوما بحياة فلان أو سقوط فلان، وهذا أدب إسلامي نأخذ به أنفسنا مهما تقول المتقولون الذين ينسبون إلينا أننا محل رضاء الحكم القائم، والله يعلم، ثم إن كل منصف يعلم أننا ونظام الحكم في هذا البلد على طرفي نقيض في البرامج والمناهج.. إلا يوم أن يطبق شرع الله، وتقام في أرضه أحكامه، ونحن نقول هذا القول فة كل عدد من إعداد القوة .. لا نجامل .. ولا نحابى .. ولا نخشى ولا نخاف إلا الله.
أما إذا كان المقصود بالحركة حرق وسائل المواصلات ونهب المحلات وتخريب المؤسسات الحكومية فهذا ما لا نأتيه أبدا؛ لأن الله ينهى عن الفساد والإفساد، ثم لأن ما يخرب ليس مملوكا لرئيس الدولة أو رئيس الحكومة أو غيرهما، ولكنه كلك الشعب بكل أفراده، ولن نكون يوما من الذين يخربون بيوتهم بأيديهم.
وأما إذا كان المقصود بالحركة التآمر وتدبير الانقلابات، فهذا لا يفعله إلا طلاب الحكم لذات الحكم، أما نحن فلا يعنينا شخص من يحكم، ولكن في المقام الأول يهمنا نوع الحكم ودستوره وشكله ونظامه، وبعد ذلك فليحكم من يحكم.وأما إذا كان المقصود من الحركة هو الاصطدام بالحكم عن طريق القوة والعنف فنحن نرى في ذلك استهلاكا لقوى الشعب واستنفادا لجهوده، لا يستفيد منه أحد إلا أعداء هذا البلد.

إننا نتحرك في سبيل دعوة الإسلام، وتحركنا في كلمات هي:

(1) إننا نربي الشعب، وخاصة الشباب على الأسس الإسلامية التي غرسها المسلمون وسادوا.
(2) ونقول الحق وندعو الناس جميعا الوقوف بجانبه، ومساندته في أحلك المواقف.
(3) ونحن نجمع الناس في المناسبات العامة لنقول لهم ما يجب أن يفعلوه وما يجب أن يتجنبوه.
(4) نحن نحذر الناس من العلمانية التي تلبس ثوب الإسلام لتباعد بين الإسلام وشباب الإسلام في ظل كلمات معسولة ومسمومة، مطعمة بألفاظ العقل والمنطق والعلم والتقدمية، وحرية الفكر.
(5) ثم نحن نعتمد على الله في تربية الشباب على الكتاب والسنة، ليتعلم منهاج السلف الصالح في غير شطط ولا تزمت.
(6) ونحن لا نتعجل الزمن ولا نستطيله؛ فإن قطفنا الثمار فنحن سعداء بهذا، وأن قطفها من بعدنا فنحن اشد سعادة؛ إذ سيكون لنا أجر من عمل بها من بعدنا دون أن ينتقص ذلك من أجورهم شيئا.ويوم أن يصبح الأمر على هذه الصورة مستقرا في ضمير الأمة كلها، فلن يكون الحكم إلا لله، لكن أكثر الناس يستعجلون لأنهم لا يعلمون. (29)

الفصل الثالث: الإخوان المسلمون وثورة 23 يوليو

مثلت ثورة 23 يوليو 1952 أحد المحطات التاريخية الهامة ليس فى تاريخ مصر أو الإخوان المسلمون وحدها بل بتاريخ العالم الاسلامى ومنطقة الشرق الأوسط كلها.

وسنتناول دور الإخوان فى هذه الثورة إجمالاً وليس تفصيلاً، فالشاهد أن الإخوان المسلمون لم يكتفوا بالرؤية التغييرية التى انتهجتها الجماعة على مر عقودها المحتلفة، بل كانت هناك ممارسات فعلية لإصلاح الحكم من خلال الثورة والمساعدة الفعالة بها وتعتبر ثورة 23 يوليو نموذج واضح على هذه الممارسة

فقد ساهمت الجماعة وبقوة من خلال قسم " الوحدات" وانتماء جمال عبد الناصر لهذا القسم فى مرحلة ماقبل الثورة فقد تمكن اللواء عبد المنعم عبد الرؤوف من تجنيد جمال عبد الناصر وضمه "للجمعية السرية لضباط الجيش" عام 1944 ، وظل عبد الرءوف طيلة المدة من 1944 وحتى 15 مايو 1948 هو المسؤول عن التنظيم السري داخل الجيش ،متعاونا مع الفريق عزيز المصري والشيخ حسن البنا والصاغ محمود لبيب .

ويكشف عبد المنعم عبد الرؤوف في مذكراته (أرغمت فاروق على التنازل عن العرش) تفاصيل انضمام عبد الناصر للإخوان المسلمين فيقول:

استطعت فى شهر أكتوبر عام 1942 ان أدعو ضابطا من الكتيبة الثالثة لحضور درس الثلاثاء بدار المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين وهو النقيب جمال عبد الناصر حسين ثم اتبعته بضابط ثان وهو الملازم أول حسين أحمد حمودة الذي نقل على قوة الكتيبة ثم دعوت ضابطا ثالثا هو الملازم كمال الدين حسين من سلاح المدفعية وكان منزله قريبا من منزلي بحى السيدة زينب وكثيرا ما تجاذبنا أطراف الحديث أثناء ركوبنا (الترام) صباحا متوجهين إلى وحدتنا.
ثم دعا الملازم أول حسين أحمد حمودة ضابطين أولهما شقيق زوجته الملازم أول سعد توفيق من سلاح الإشارة(توفى إلى رحمة الله عام 1962) وثانيهما الملازم أول صلاح الدين خليفة زميلا له من سلاح الفرسان هو الملازم أول خالد محيي الدين واكتمل عددنا سبعة عام 1944 وواظبنا على اللقاء أسبوعيا في بيت هذا مرة وفى منزل ذاك مرة أخرى وهكذا ولم يتغيب الصاغ محمود لبيب عن هذا اللقاءات إلا فى النادر.
وكانت أحاديثنا فى هذه اللقاءات تتناول ضعف عتاد الجيش وتصرفات الملك فاروق الخليعة وحوادث الصهاينة المتصاعدة ضد الفلسطنيين وتكالب الأحزاب على الحكم وكيفية تقوية خلايانا داخل صفوف الجيش.

ويضيف عبد الرؤوف فيقول:

واتفقنا على دفع اشتراك شهرى قدره خمسون قرشا وتكوين مكتبة إسلامية للضباط الإخوان وكانت أمانة الصندوق طرف الصاغ محمود لبيب وكان المسئول عن المكتبة الملازم أول حسين حمودة وكنا كلما حل مساء الثلاثاء التقينا لنستمع إلى رأى الإخوان المسلمين فى مشكلات الساعة داخليا وخارجيا أو نستمع إلى محاضرة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية بين هتافات الإخوان التى تهز وجدان كل مسلم. وكنا حريصين على أن يكون ذهابنا إلى درس الثلاثاء وجلوسنا وعودتنا متفرقين اتقاء لعيون المخابرات.
وازداد عدد خلايانا فى أسلحة الجيش فمن سلاح الطيران انضم إلى تنظيمنا الطياران حسن إبراهيم مصطفى ومصطفى بهجت ومن سلاح خدمة الجيش المرحوم معروف الحضري وعبد الرحمن محمد أمين ومجدي حسنين وإبراهيم الطحاوي ومن المشاة فؤاد جاسر وجمال ربيع وأحمد حمدي عبيد ومحمد أمين هويدي. ومحمد كمال محجوب ووجيه خليل ومن مدافع الماكينة وحيد جودة رمضان.

ويكشف عبد المنعم عبد الرؤوف تفاصيل بيعة جمال عبد الناصر للمرشد الامام حسن البنا فيقول:

استدعانى وصلاح خليفة الصاغ محمود لبيب وعرفنا بالمرحوم عبد الرحمن السندي الذى شرح لنا متى وكيف سيتم أخذ العهد وحلف اليمين وقد تم ذلك على النحو الآتى:
ذهبنا نحن السبعة فى ليلة من أوائل عام 1946 إلى المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين بالملابس المدنية حسب اتفاق سابق وبعد أن تكامل عددنا قادنا صلاح خليفة إلى منزل فى حى الصليبة بجوار سبيل أم عباس حيث صعدنا إلى الطابق الأول فوق الأرض ونقر صلاح خليفة على الباب نقرة مخصوصة وسأل: الحاج موجود؟
وكانت هذه هى كلمة السر ففتح الباب ودخلنا حجرة ذات ضوء خافت جدا مفروشة بالحصير وفيها مكتب موضوع على الأرض ليست له ارجل فجلسنا على الحصير ثم قادنا صلاح واحدا بعد الآخر لأخذ العهد وحلف اليمين فى حجرة مظلمة تماما يجلس بها رجل مغطى بملاءة فلا تعرف شخصيته وكان سؤال الشخص المتخفى الذى يأخذ العهد: هل أنت مستعد للتضحية بنفسك في سبيل الدعوة الإسلامية؟
فكان الجواب من كل منا: نعم.
فقال : امدد يدك لتبايعنى على كتاب الله وعلى المسدس.
ثم قال الرجل المتخفى: إن من يفشى سرنا ليس له سوى جزاء واحد وهو جزاء الخيانة.
وبعد أن أعطى كل منا البيعة عدنا إلى الحجرة الأولى ذات الضوء الخافت فوجدنا شخصا عرفنا بنفسه وذكر أن اسمه عبد الرحمن السندي وقال : إنه يرأس النظام الخاص للإخوان المسلمين وهو تنظيم سرى مسلح يضم رجالا باعوا أنفسهم لله وكلهم مستعدون للموت فى سبيل الحق والحرية.

وكان الذين بايعوا على فداء الدعوة الإسلامية فى هذه الليلة حب الأقدمية فى كشوف الجيش:

  1. النقيب عبد المنعم عبد الرؤوف من الكتيبة الثالثة مشاة (طيار سابق).
  2. النقيب جمال عبد الناصر حسين من الكتيبة الثالثة بنادق مشاة ورئيس الجمهورية فيما بعد.
  3. الملازم أول كمال الدين حسين من سلاح المدفعية وعضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 فيما بعد.
  4. الملازم أول سعد حسن توفيق (توفى إلى رحمة الله عام 1963).
  5. الملازم أول خالد محيي الدين من سلاح الفرسان وعضو مجلس قيادة الثورة. فيما بعد ورئيس حزب #التجمع الوحدوى الآن.
  6. الملازم أول حسين محمد أحمد حمودة من الكتيبة الثالثة بنادق مشاة.
  7. الملازم أول صلاح الدين خليفة من سلاح الفرسان وهو يعمل الأن مديرا لشئون العاملين بمحافظة الجيزة.. (30)

كما يضيف حسين حمودة فى كتابه (أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمين) فيقول:

كانت الخلية الرئيسية في تنظيم الإخوان المسلمين داخل القوات المسلحة مكونة من سبعة ضباط هم عبد المنعم عبد الرؤوف وجمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وسعد توفيق وخالد محيي الدين وحسين حمودة وصلاح خليفة.
وظلت هذه الخلية تعمل سراً طيلة أربع سنوات وأربعة أشهر بدءاً من عام 1944 حتى 15 مايو 1948 لضم أكبر عدد ممكن من الضباط إلى صفوف هذا التنظيم السري. واتسع نطاق هذا التنظيم وتكونت خلايا جديدة فرعية منبثقة من الخلية الرئيسية فشكل كل فرد من أفراد الخلية الرئيسية خلية فرعية وكل خلية فرعية لا تزيد عن سبعة أفراد على ألا يخطر أي واحد منا الآخرين بأسماء المنضمين معه في هذه الخلايا السرية مراعاة لأمن الحركة.
وكان محمود لبيب يحضر الاجتماع الأسبوعي للخلية الرئيسية ويحضر أيضاً الاجتماعات نصف الشهرية للخلايا الفرعية المنبثقة من الخلية الرئيسية. وأصبح بذلك محمود لبيب هو الشخص الوحيد في هذا التنظيم السري الذي يعرف جميع المشتركين فيه.. وصار محمود لبيب هو حلقة الاتصال بين الضباط المنضمين للتنظيم ليس في الجيش فقط بل وفي الطيران أيضاً.
وكان محمود لبيب بالنسبة لنا جميعاً في منزلة الوالد أو أكثر يحاول ربط أكبر عدد من ضباط القوات المسلحة على فكرة العمل بشريعة الإسلام.. (31)

ويضيف عبدالرؤوف:

نقلت من الكتيبة الرابعة مشاة بعد تمضية عدة شهور فيها بمركز شرطة عراق سويدان الذى اتخذته الكتيبة مركزا لقيادتها وخلال المدة ما بين عامى 1949 1950 رقيت إلى رتبة رائد ثم مقدم وخدمت فى كتبتين هما الكتيبة العاشرة والكتيبة الثالثة عشرة متنقلا بين غزة ورفح والعريش والشط(شرقى السويس) وأبو عجيلة وكانت خدمتي طيلة هذه السنوات شرق القناة بعيدا عن القاهرة وعن قيادة تنظيم الإخوان الضباط التابع لجماعة الإخوان المسلمين داخل الجيش وكنت أمنح سبعة أيام أجازة كل ثلاثين يوما.
وقد وقعت عدة حوادث خلال تلك السنوات أثرت تأثيرا كبيرا على تنظيم الإخوان الضباط بالجيش وعلى مصر بصفة خاصة ففى عام 1949 اغتيل المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين وظهرت حركة عصيان وتفكك فى النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين بقيادة عبد الرحمن السندي
وعادت قواتنا المحاصرة فى الفالوجا يوم 11/3/ 1949 إلى القاهرة حاقدة على الملك فاروق وحاشيته هيئة أركان حربه وكان المقدم أركان حرب جمال عبد الناصر حسين وبعض الضباط المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين من بين المحاصرين العائدين الثائرين فعقدنا عدة اجتماعات برئاسة الصاغ محمود لبيب انتهينا فيها إلى النتائج الآتية:
أولا: الثأر لمقتل الشهيد حسن البنا بعد التأكد من معرفة القتلة .
ثانيا: الحذر من أفراد الحرس الحديدى وبذل الجهود لمعرفة كل شىء عن أفراده
ثالثا: التخلص من النظام الملكى واستبداله بنظام إسلامى.
رابعا: الاستمرار فى تدريب ومد الإخوان المسلمين بالذخائر والأسلحة والمفرقعات لطرد الإنجليز من بلادنا.
وفى 25 من مايو 1949 استدعى جمال عبد الناصر لمكتب رئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادي بحضور رئيس هيئة أركان حرب الجيش عثمان المهدي, ووجهت إلى جمال عبد الناصر تهمة الإنتماء إلى الإخوان المسلمين وتدريبهم ولكنه استطاع أن ينفى هذه التهمة عنه.
وأسرع الصاغ محمود لبيب المسئول عن تنظيم الإخوان الضباط بإرسال مرتب شهر لزوجة جمال عبد الناصر وإبلاغها اهتمام إخوانه الضباط بموضوع التحقيق وأنهم لن يتخلوا عنه مما أثبت قوة ارتباطنا ماديا.
وبمناسبة هذا الحادث اقترح علينا الصاغ محمود لبيب استبدال اسم تنظيم الإخوان الضباط باسم(الضباط الأحرار) لإبعاد اسم جماعة الإخوان المسلمين المكروهة من الملك والأحزاب العميلة والإنجليز.. (32)

وقد ذكر صلاح شادي في كتابه حصاد العمر، والأستاذ حسن العشماوي في كتابه الأيام الحاسمة وحصادها تفاصيل اللقاءات التي عقدت بين جماعة الإخوان المسلمين ممثلة في صلاح شادي وحسن العشماوي وصالح أبو رقيق وفريد عبد الخالق وعبد القادر حلمي الذي كانت تعقد هذه اللقاءات في بيته في نصر الدين بالجيزة، وتنظيم الضباط الأحرار ممثلاً في جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وكمال الدين حسين وصلاح سالم وأنور السادات.

وقد توالت تلك الاجتماعات أيام 18 و 19 و 21 يوليو صباحًا ومساءً لتنسيق الجهود، والاطمئنان إلى تأييد الإخوان للحركة، وأخذ موافقة المرشد العام المستشار حسن الهضيبي، واقتراحات لسيناريو ما بعد نجاح الحركة، ثم مساء 23 يوليو بعد نجاح الحركة، وظهر 26 يوليو بقاعدة الاجتماعات بإدارة الجيش بمنشية البكري، ثم ضحى 27 يوليو بحضور المرشد العام المستشار حسن الهضيبي؛وكانت اللقاءات لعقد وجهات النظر، وسبل دعم وتأييد الإخوان للحركة.

وعن دور الإخوان في الثورة فيفصله ريتشارد ميتشل بقوله:

"تم التوصل لاتفاق معين بين المجموعتين بخصوص الدور الذي يمكن أن يلعبه الإخوان يوم الثورة، وحاول مخطط الاتفاق هذا أن يتحرى كل الإمكانات المحتملة والتي يمكن فيها استخدام "جيش مدني" جيد الانضباط والتدريب
أولاً: فالخطوة الأولى كانت تتمثل في أن يتعهد الإخوان حماية الأجانب والمنشآت الأجنبية بما في ذلك مراكز للنشاط التجاري والدبلوماسي، والأقليات (البيوت، الكنائس، أماكن عبادة اليهود)، والمراكز الإستراتيجية للمواصلات بالمدينة، وكان القصد من ذلك إحباط أية محاولات من قبل أي مجموعة لاستغلال الاضطراب المتوقع في ذلك اليوم.
ثانيًا: وإلى جانب الخطوة السابقة كان على الجماعة إن تنشئ شبكة من المخابرات حول تحركات المصريين المشتبه فيهم و"الخونة المحتملين"، ثم يأتي بعد ذلك وفي حالة عدم كفاية الحماس الشعبي لحركة الجيش أن تبادر الجماعة إلى ملء الشوارع لتشعل حماسها، ولتعلن التأييد الشعبي الفوري للانقلاب.
ثالثًا: في حالة فشل البوليس في التعاون مع الجيش، ستبعث الجماعة بجوالتها للانضمام لأي معركة قد تقع؛ ولتساعد في المحافظة على النظام والأمن.
رابعًا: إذا ما فشلت الحركة رغم كل إجراءات الوقاية والحذر فسيكون على الإخوان أن يساعدوا في حماية الضباط الأحرار، وتوفير سبل الهرب لهم، ومن المفترض أن هذه الإمكانية الأخيرة كانت المسئولية الأساسية لحسن العشماوي.
خامسًا: وهناك جزء خامس من الترتيب وإن لم يكن مؤكدًا بنفس الدرجة تلخص في التصدي لأي تدخل بريطاني محتمل الوقوع، ولقد قيل إن شادي زود بالسلاح، وطلب منه أن يضع في مواضع إستراتيجية على الطريق من السويس أفرادًا في زي مدني حتى لا يثيروا أية شبهات، مجهزين بالعتاد وبالأوامر بالتحرش والتصدي لأي عودة محتملة من جانب القوات البريطانية من القناة لاحتلال العاصمة، وكان ضروريًا إلا يعلم بأمر الخطة ككل إلا عدد قليل من الأعضاء، وذلك ما حدث بالفعل". (33)

وعلى ذلك فقد تقاسم الإخوان والضباط الأحرار الأدوار مناصفة للقيام بالحركة، بل يقع الجزء الأكبر على عاتق الإخوان في حالة وجود أي طارئ، وهي بذلك شراكة بين الإخوان والضباط الأحرار لا يستغني أحدهما عن دور الآخر، ولا تنجح الحركة بدونه؛أو بتعبير صلاح شادي حين قال:

"واتفق على أن يتولى الإخوان مسئولية الانقلاب وحمايته والدفاع عنه من الناحية الشعبية، أي أن الضباط الأحرار يقومون بالجانب العسكري في الانقلاب، ويقوم الإخوان بالجانب الشعبي". (34)

صحيح أن أغلب تلك الأدوار لم يتم لعدم الحاجة إليه، إلا أن ذلك لا ينقص من دور الإخوان فيها، فكان دورها الأول حماية الحركة، وتبديد مخاوفها، وتوفير التأييد الشعبي لها، والملاذ الآمن في حال فشلها.

وفي 18 يوليو 1952م طلب جمال عبد الناصر عقد لقاء هام وعاجل في تمام الحادية عشر مساء بمنزل عبد القادر حلمي بحضور جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وعبد الحكيم عامر؛

يقول الأستاذ عبد القادر حلمي:

"وكانوا يرون وجوب الإسراع بالقيام بالانقلاب، وأن يكون في خلال عشرة أيام، وسأل عما إذا كان الإخوان موافقين ومستعدين لقيام بدورهم الذي سبق الاتفاق عليه، وتحمل المسئوليات بعد إتمام الانقلاب، وطلب ردًا سريعًا؛
ولكن الإخوان أفهموه أن صاحب الكلمة في هذه الأمور هو المرشد المستشار حسن الهضيبي، وأنه موجود بالإسكندرية، وأن الرد يحتاج على الأقل إلى 48 ساعة للسفر لاستطلاع رأى المرشد، وتحديد لقاء بعد هذه المدة، وسافرت أنا وعبد القادر حلمي ومعنا الأستاذ صالح أبو رقيق والأستاذ فريد عبد الخالق والمرحوم حسن العشماوي؛
واتفقنا على بقاء الأخ صلاح شادي في القاهرة لانتظار عبد الناصر في الموعد المتفق عليه في حالة احتمال تأخير عودة الإخوان من الإسكندرية، وقد تحقق فعلا هذا الاحتمال، وعندما حضر جمال عبد الناصر في الميعاد المحدد في 20 يوليو تأجل اللقاء العام حتى يعود مَنْ ذَهَبَ للقاء المرشد.

وهذه الرواية وإن كانت من جانب الإخوان المسلمين إلا أن لها ما يدعمها من شواهد وكتابات الضباط الأحرار، يقول اللواء جمال حماد عضو مجلس قيادة الثورة:

"وليست لدينا أية أسباب تدعونا إلى الشك في صحة هذه الواقعة التي رواها صلاح شادي فإن الدلائل والبراهين كلها تؤيد صدقها.. لقد اعترف معظم أعضاء لجنة القيادة للضباط الأحرار بحدوث هذا الاتصال بين التنظيم والإخوان المسلمين عقب اجتماع اللجنة يوم 18 يوليو، والذي استقر فيه الرأي على ضرورة الإسراع بالحركة؛
وكان الدافع للاتصال هو التأكد من مؤازرة الإخوان للحركة، ولكي يسهم متطوعو الإخوان مع قوات الجيش للسيطرة على طريق السويس، والتصدي للقوات البريطانية إذا حاولت الزحف إلى القاهرة لإخماد الحركة.
وقد ثبت أن القيام بالمؤازرة وتدعيم الحركة قد تما فعلاً بدليل اشتراك عدد من الإخوان المسلمين بعد قيام الحركة في حراسة المنشآت العامة والسفارات وأماكن العبادة خشية اندساس عناصر العملاء بين الجماهير لارتكاب أعمال تخريبية تكن ذريعة لتدخل الإنجليز كما حدث لإخماد ثورة أحمد عرابي.

وما دام هذا التعاون قد تم بهذه الصورة فلا يمكن عقلاً أن يحدث دون تنسيق مسبق وبدون الحصول على موافقة المرشد العام شخصيًا المتواجد بالإسكندرية في ذلك الوقت".

وقد ذكر كمال الدين حسين في مذكراته بمجلة المصور في عددها الصادر يوم 26 ديسمبر 1975م عن واقعة ذهابه مع عبد الناصر صباح يوم 22 يوليو إلى السيد صالح أبو رقيق

والتي قال فيها بالنص:

"وأخطرناه حسب اتفاقنا المسبق بموعد الثورة بهدف كسب تأييدهم لثورتنا، كما اتفقنا معه على أن تقوم قوات من متطوعي الإخوان بالمعاونة مع وحدات الجيش للسيطرة على طريق السويس لصد أي هجوم إنجليزي محتمل يستهدف الوصول إلى القاهرة صباح يوم الثورة".

إن هذه الأقوال التي لا يتطرق إلينا الشك في صحتها تؤيد تمامًا ما ذكره صلاح شادي، فإن الإخطار بموعد الحركة حسب الاتفاق المسبق يعني حدوث اتصالات ولقاءات سابقة قد جرت، وتم فيها الاتفاق على ضرورة إخطار الإخوان بموعد الحركة؛

كما أن طلب التأييد من الإخوان لحركة الجيش، والاتفاق على قيام متطوعي الإخوان بالتعاون مع الجيش لصد أي هجوم إنجليزي محتمل لا يمكن من الوجهة المنطقية أن يوجه إلى الإخوان قبل ساعات معدودة من قيام الثورة، وإلا كيف يتصور أحد أن يتمكن الإخوان من تجميع المتطوعين، وإعدادهم بما يلزمهم من سلاح وذخيرة لمقاومة الجيش الإنجليزي، وإصدار التعليمات الخاصة بهذه العملية المصيرية التي تتطلب الكثير من الجهد والإعداد في مثل هذا الوقت القصير؟". (35)

وقد عرض الإخوان ما تم التوصل إليه مع الضباط الأحرار على المستشار حسن الهضيبي المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين المتواجد بالإسكندرية، ووجه إليهم المرشد عدة استفسارات أهمها: مدى تمسك هؤلاء الضباط بالإسلام؟ ومدى إخلاصهم في قولهم بالعمل على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية؟ وهل تم الاتفاق في وضوح وصراحة على هذا الأمر؟ وهل اتفق على المشاركة الكاملة بين الإخوان والضباط الأحرار في الانقلاب والمسئولية إزاءه والتعاون في تنفيذه وبعد نجاحه؟

وفى النهاية أعطاهم المرشد موافقته المشروطة بالأمرين السابقين، كما أعطاهم الحق في الاتصال بالإخوان لتنفيذ التعليمات في الوقت المناسب التي تترتب على قيام الانقلاب والمشاركة فيه بما فيهم ضباط الإخوان في الجيش لتنفيذ ما يصدر إليهم من تعليمات قيادتهم.

وعندما عاد الأخوة متأخرين عن الموعد السابق عرفوا الموعد الجديد للقاء عبد الناصر الذي حدده معه الأخ صلاح شادي يوم 21 يوليو، وحضر عبد الناصر وحده مبكرًا في هذا اليوم إلى منزل عبد القادر حلمي قبل حضور صلاح شادي، وعندما تكامل الحضور اجتمعوا بجمال عبد الناصر وشرحوا له وجهة نظر المرشد بالتفصيل، وقد صدق عبد الناصر على جميع تحفظات المرشد، وأكد قبولها، وأنه سبق الاتفاق عليها معنا، وقال إنه تأكد له اليوم أن اسمه قد عرف لدي البوليس السياسي؛ لذلك فقد اتفقوا على القيام بالانقلاب في خلال يومين على الأكثر، وأنه سيعرفنا بالموعد ساعة الصفر". (36)

أربعة وعشرون ساعة تأخرها عبد القادر حلمي ومن معه في الإسكندرية للقاء المرشد العام أخرت قيام الثورة يومًا كاملاً للاطمئنان إلى رأي المرشد

يقول اللواء جمال حماد:

"وقد كان مقدرًا أن تقوم حركة الجيش ليلة 22 يوليو 1952م، وفي آخر لحظة تأجل موعد قيامها 24 ساعة لتكون ليلة 23 يوليو، ويذكر الجميع هذه الحقيقة دون أن يحاولوا دراسة أسباب التأجيل.
وقد استلفت نظري أن بعض من كتبوا من الإخوان المسلمين ذكروا أن السر الحقيقي في التأجيل يعود إلى تأخير وصول موافقة المرشد العام من الإسكندرية على تأييد الحركة ومؤازرتها، ومن رواية صلاح شادي يتبين لنا أن عبد الناصر عندما حضر إلى لقاء صلاح شادي يوم 20 يوليو أخطره أن المندوبين الأربعة لم يحضروا بعد من الإسكندرية؛
وضرب له موعدًا جديدًا للقاء وهو يوم 21 يوليو أي بعد 24 ساعة، ومن هذه الواقعة جرى الربط بين تأجيل موعد الحركة وتأجيل موعد المقابلة للحصول على موافقة المرشد العام، وكلاهما قد تأجل لمدة 24 ساعة" (37)
وعلى ذلك فإن جمال عبد الناصر قام بتأجيل موعد الحركة يومًا كاملاً رغم ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر في انتظار موافقة المرشد العام للإخوان المسلمين، وذلك يدل على عظم وأهمية دور الإخوان في إنجاح الثورة، وفشل الثورة أو تأجيلها على أقل تقدير إذا رفض الإخوان المسلمون مساندتها، ولذلك فقد "بذل جمال عبد الناصر كافة جهوده لضمان وقوف هذه القوة الشعبية إلى جانب حركة الجيش بمجرد قيامها لتؤازره في الداخل، ولتسهم إلى جانب الجيش في الدفاع عن العاصمة في حالة تفكير الإنجليز في ارتكاب حماقة التدخل". (38)
في هذه الأثناء كان عبد المنعم عبد الرؤوف قد منح إجازة ميدان من 18 يوليو إلى 26 يوليو 1952م فعاد إلى القاهرة ، وفي صباح 19 يوليو ذهب إلى منزل صديقه عبد الحكيم عامر وهو لا يعلم شيئًا عن الحركة إلا أنه لم يجد عبد الحكيم عامر بالبيت، وفي طريق عودته التقى مصادفة بالصاغ صلاح نصر رئيس جهاز المخابرات فيما بعد فقال له صلاح نصر: إلى أين ذاهب؟ ومن أين أنت قادم؟ فأجبته: إنني قادم من منزل الصاغ عبد الحكيم عامر الذي لم أجده. فقال لي: إنني ذاهب إليه لأنني على موعد سابق معه وقد ادعى المرض ليحضر إلى القاهرة لوضع الخطوط الأخيرة للحركة.
فقلت لصلاح نصر مستدرجًا كأنني أعرف معنى عبارة (وضع الخطوط الأخيرة للحركة): الحركة تحتاج إلى سرعة ودقة أكبر مما تتصور, فكيف تكون السرعة والدقة والصاغ أركان حرب عبد الحكيم يخلف الميعاد؟!
فقال صلاح نصر: إنني باعتباري قائد جناح التدريب في كتيبتي، ونقلت مع الفرقة الأولى مشاة منذ أيام من سيناء إلى القاهرة ، ومن الضباط الأحرار، فقد أعددت كل شيء لتوزيع الذخيرة على جنودي وقادم الآن لعبد الحكيم عامر لأعطيه تمام. فقلت لصلاح نصر: اذهب قبل فوات الأوان لتعطى تمامًا وأنا ذاهب للاستعداد.

وانصرفت قاصدًا المهندس حلمي عبد المجيد، والمقدم أركان حرب أبو المكارم عبد الحي المسئول عن جماعة الإخوان الضباط الذين كانت تميزهم الصفات الخلقية وظلوا على المواصفات السابقة قبل أن يضم عبد الناصر إلى تنظيمه كل من هب ودب والدكتور المهندس حسين كمال الدين عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين وأبلغتهم ما قاله لي الصاغ أركان حرب صلاح نصر، ثم عدت إلى منزلي مترقبًا ومنتظرًا أوامر مكتب الإرشاد والجيش" (39)

وعلى ذلك فقد طلب مكتب الإرشاد رسميًا وعلى عجل لقاء صلاح شادي لإبلاغه بحديث عبد المنعم عبد الرؤوف وصلاح نصر، وهم لا يعلمون الاتصالات السرية بين تلك المجموعة من الإخوان والضباط الأحرار

يقول عبد القادر حلمي:

"وفى هذه الأثناء اتصل بعض الإخوان تليفونيًا من المركز العام سائلين عن الأخ صلاح شادي، وأكدوا أهمية لقائه فاتفق معهم على الحضور في منزلي للقائهم، وتصادف وجود جمال عبد الناصر عندي بالبيت لترتيب الأدوار، وعندما عرف عبد الناصر أسماء الأشخاص الذين اتفق معهم على الحضور طلب عدم تعريفهم بوجوده وأسبابه، وقد انتقل عبد الناصر فعلاً إلى غرفة داخلية ليتمكن الأخ صلاح شادي من لقاء القادمين من الإخوان في غرفة الاستقبال، وزيادة في الاحتياط نقلت سيارة عبد الناصر من أمام المنزل إلى شارع خلفي.
وقد حضر الاجتماع الأخوة حسين كمال الدين وعبد الرحمن السندي ومعهما الضابطان عبد المنعم عبد الرؤوف وأبو المكارم عبد الحي، وكان الأستاذ صلاح قد استشار إخوانه الأربعة فيما إذا كان من المصلحة تعريفهم مما يجرى من أمور في هذا الشأن أم لا ؟
واتفقوا أنه ليس من المصلحة الآن الكشف عما يجرى من اتصالات مع هذه الجماعة ، وأن على ضباط الجيش من الإخوان تنفيذ ما يصدر إليهم من تعليمات قيادته، وقد التزم الأخ صلاح بهذا الرأي عندما قالا: إنهما باعتبارهما ضابطين في الجيش قد شعرا بتحركات للضباط الأحرار، ولما سألا الدكتور حسين كمال الدين وعبد الرحمن السندي لم يجدا عندهما معلومات بهذا الشأن، وقالا: إنهما ما جاءا إلا للاستفهام من صلاح عن هذا الموضوع، وقد انصرفا قبل انصراف عبد الناصر" (40)

أما عبد المنعم عبد الرؤوف فيقول عن هذا الاجتماع:

"وفى يوم 21/7/1952 دعيت والدكتور مهندس حسين كمال الدين والمقدم أركان حرب أبو المكارم عبد الحي سعد للذهاب إلى دار الأخ صلاح شادي الذي لم يسبق لي رؤيته من قبل أو معرفة أي شيء عنه وكل ما خرجت به من هذه الزيارة أنه استقبلنا وودعنا بحفاوة وبالنظر لوجود ضيوف عنده في غرفة ملاصقة لم نطل الزيارة (علمت فيما بعد أن الضيوف كانوا جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وآخرين)، وعلمت كذلك أنهم جاءوا يطلبون من الإخوان مؤازرتهم عند بدء الانقلاب" (41)

دور الإخوان في الثورة

صدرت التعليمات إلى أفراد الإخوان المسلمين بحماية المنشآت الحيوية والسفارات الأجنبية ودور العبادة؛ لتفويت الفرصة على أنصار الفوضى والتخريب

يقول الإمام يوسف القرضاوي:

"لقد استبشر الشعب بانقلاب هؤلاء الضباط الذين قالوا عنهم "حَمَلَة المصاحف" ، كما قالوا عنهم: إنهم تلامذة الشيخ محمد الأودن الذي زج به عبد الناصر في السجن رغم مرضه وكبر سنه بعد ذلك كما قيل: إن منهم عددًا من الإخوان.. وكان رجال الجيش يعدون الإخوان سندهم الشعبي، فلا غرو أن اعتمدوا عليهم في حراسة المنشآت، ومراقبة أي تحرك مريب.. لقد طلب منا نحن الإخوان أن نحرس المنشآت الأجنبية من احتمال تحرك أي أيد مخربة تحاول أن تصطاد في الماء العكر، والوضع حساس لا يحتمل وقوع أي حادث يكدر صفو الأمن، ويظهر وجود معارضة للانقلاب". (42)

وصدرت التعليمات لأفراد النظام الخاص بالمرابطة على طريق القاهرة السويس، والقاهرة الإسماعيلية في الزي المدني، وبالأسلحة التي يحتاجون إليها بجانب الجيش المصري؛ لإعاقة حركة الجيش البريطاني إذا فكر في التدخل العسكري على طريقة الثورة العرابية.

كما صدرت الأوامر لضباط الجيش من الإخوان بضرورة تنفيذ تعليمات قادتهم للتحرك في خدمة الثورة والمساهمة في نجاحها، ومن ذلك هذا الدور البطولي الذي سطره الضابط عبد المنعم عبد الرؤوف الذي وقع على عاتقه مهمة محاصرة الملك فاروق بقصر رأس التين بالإسكندرية، وإجباره على التنازل عن العرش.

يقول عبد المنعم عبد الرؤوف:

"استدعاني قائد مجموعة اللواء السابع العقيد أحمد شوقي وسلمني قطعة من ورق النشاط كتب عليها الغرض المطلوب منى تنفيذه وكان الغرض:محاصرة قصر رأس التين, ومنع دخول وخروج أي شخص ومنع الاحتكاك.. على أن يتم ذلك قبل الساعة 730 ليوم 26 يوليو 1952م.
اتجهت بقوتي صوب قصر رأس التين وعلى يعد 300 ياردة ترجل الجميع، وجمعت ضباط والصف ضباط والجنود المعينين بدل الصف ضباط كل سرية على حدة، وقائد مدافع الماكينة وقائد تروب المدفعية وشرحت لهم خطتي لمحاصرة القصر.. وبعد تبادل بسيط لإطلاق النار استسلم اللواء عبد الله باشا النجومي ومعه أربعة من الضباط وسلموا أسلحتهم.. ثم استسلم كل من بالقصر وتوقف إطلاق النار.
توجهت إلى قصر رأس التين حوالي الساعة 1000 من نفس اليوم وقابلت حضرة صاحب جلالة الملك فاروق حيث كان مجتمعًا مع رجال الحاشية يتحدثون في الموقف وقال الملك فاروق: إنه قد وافق على التنازل رغبة في إنقاذ الموقف؛
لأنه يعتقد أن حكم البلد في صورة الأحزاب القائمة لا يأتي بخير، ولم يتمكن هو من توجيه التوجيه السليم، وأنه لو كان راغبًا في المحافظة على عرشه لقبل عرض الأسطول الإنجليزي الذي كان مرابطًا على مدخل الميناء من حوالي الساعة 600 من نفس اليوم؛ للسماح لهم بالنزول إلى الإسكندرية لحماية البلد ولكن أنا أضحى بألف عرش ولا أسمح لكلب إنجليزي أن يضع قدمه على أرض مصر ثانية.
وحوالي الساعة 1245 حضر المستشار سليمان حافظ ومعه ورقة التنازل لإمضائها من الملك.. وفى 28 من يوليو 1952 بعد نجاحي في محاصرة قصر رأس التين وتنازل الملك عدت إلى القاهرة واشتركت في محاصرة قصر عابدين". (43)

وهي شهادة في حق الملك فاروق الذي آثر التنازل عن العرش عن إراقة دماء المصريين أو الاستعانة بالإنجليز لحماية عرشه على حساب دماء المصريين وتضحياتهم، وهو درس نعيد الاستشهاد به فيما نمر به من ثورات الربيع العربي التي تراق فيها دماء الشعوب الحرة في سبيل الحفاظ على حفنة فاسدة مستبدة تأبي التخلي عن عروشها إلا بالدم، فكان الملك فاروق أكثر وطنية من أولئك الذين يتشدقون بها الآن. قتلاً وتشريدًا لشعوبهم.

وكذا قال الباحثون المنصفون الذين تناولوا بالبحث تلك الفترة المهمة من تاريخ مصر، فيقول ريتشارد ميتشل:

"لولا المساندة المتحمسة من جانب الإخوان المسلمين لكان محتمًا أن تلاقي حركة محمد نجيب مصير الحكومات المصرية الستة التي سبقها في عام 1952 لقد شارك الإخوان مشاركة فعالة في انقلاب نجيب في الصيف الماضي وقسط كبير من النجاح الذي صادفه منذ ذلك الوقت يمكن أن ينسب إلى مساندتهم". (44)

وكان التأييد الرسمي من الإخوان المسلمين للثورة والضباط الأحرار بعد عودة المستشار حسن الهضيبي المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين من الإسكندرية، وذلك في بيان رسمي نشرته مجلة الدعوة في 29 يوليو 1952م،وقد جاء فيه (45):

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد.. في الوقت الذي تستقبل البلاد فيه مرحلة حاسمة من تاريخها بفضل هذه الحركة المباركة التي قام بها جيش مصر العظيم، أهيب بالإخوان المسلمين في أنحاء الوادي أن يستشعروا ما يلقي عليهم الوطن من تبعات في إقرار الأمن، وإشاعة الطمأنينة، وأخذ السبيل على الناكثين ودعاة الفتنة، ووقاية هذه النهضة الصادقة من أن تمس روعتها وجلالها بأقل أذى أو تشويه، وذلك بأن يستهدفوا على الدوام مثلهم العليا، وأن يكونوا على تمام الأهبة لمواجهة كل احتمال.

والإخوان المسلمون بطبيعة دعوتهم خير سند لهذه الحركة يظاهرونها، ويشدون أزرها حتى تبلغ مداها من الإصلاح، وتحقق للبلاد ما تصبو إليه من عزة وإسعاد.وإن حالة الأمن لتتطلب منكم بوجه خاص أعينًا ساهرة ويقظة دائمة؛ فلقد أعدتكم دعوتكم الكريمة رجالاً يُعرفون عند الشدة، ويلبون عند أول دعوة، فكونوا عند العهد بكم، والله معكم.

وستجتمع الهيئة التأسيسية في نهاية هذا الأسبوع بإذن الله لتقرر رأي الإخوان فيما يجب أن تقترن به هذه النهضة المباركة من خطوات الإصلاح الشامل ليدرك بها الوطن آماله، ويستكمل بها مجده ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج:40)، والله أكبر ولله الحمد.

المرشد العام حسن الهضيبي

وبعد نجاح الحركة اجتمع جمال عبد الناصر بالإخوان في مبنى قيادة الجيش بمنشية البكري، وأسندت الوزارة إلى علي ماهر كما اقترح الإخوان، وتشكل مجلس قيادة الثورة من رجال الصف الأول لتنظيم الضباط الأحرار.

وتتابعت بيانات التأييد من قطاعات الجماعة وتشكيلاتها المختلفة، وجاء تأييد طلبة الإخوان "يوم الخميس 7 أغسطس 1952م بمؤتمر الجامعات الذي عقد بقاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة فؤاد، وحضره آلاف الطلاب والأساتذة وضباط الجيش، فلا يُتصور أن تقوم هذه الحركة الكبرى دون أن يكون للشبيبة المثقفة والطليعة الواعية صوتٌ مسموع لتأييد الحركة وتوجيهها، وكان المؤتمر موفقًا من حيث الإعداد والتنظيم، ومن حيث المواضيع التي كانت مجال الحديث فيه.

تولى سكرتارية المؤتمر الأخ الأستاذ محمود الفوال، وافتتح المؤتمر الدكتور أحمد حسام الدين السكرتير العام لجامعة فؤاد الأول، ثم تحدث فيه الأخ جمال السنهوري مندوبًا عن طلبة السودان، ومما جاء في كلمته:

"نريد نظامًا غير النظام، ومنهاجًا غير المنهاج، ودستورًا غير الدستور.. نريد دستور السماء وشريعة الأنبياء، أما أنصاف الحلول، أما التردد في كلمة الحق فلن يقيم عثرة أو يقيم نهضة".

وتقدم بعده الأخ حسن دوح، فألقى كلمةً حماسيةً ضافيةً، جاء فيها تأييدٌ لحركة الجيش الباسل تأييدًا عمليًّا بلغة الدم والحديد، والبذل بالنفيس، وتطبيق حكم القرآن، وطالب الأستاذ حسن دوح في كلمته بالإفراج عن المسجونين، والتحقيق في قضايا الشهداء حسن البنا، وعبد القادر طه، وأحمد فؤاد، وأحمد شرف الدين.. وتحدث بعده مندوب القيادة من الضباط، وألقى كلمةً قويةً قوبلت بالاستحسان.

وانتهى المؤتمر بتلاوةِ القرارات التالية:

  1. يبعث المؤتمر بتأييده للحركة المباركة التي قام بها جيشُنا الباسل، ويحيِّي اللواء محمد نجيب، ويتمنَّى له السداد والتوفيق.
  2. يحمد المؤتمرون للمسئولين اتجاههم السليم نحو الإفراج عن الشباب الواعي الذي كان في طليعة الجيش الباسل في مقاومة الفساد، وكان جزاؤهم التعذيب والسجن مع الأشغال الشاقة، ويأملون أن يتم إطلاق سراحهم فورًا.
  3. تعبئة جميع قوى الشباب وكتائب الجامعة للحركة الوطنية والنهضة الجديدة، وفتح المعسكرات التدريبية للشباب، ونطالب بعدم تسمية الجامعات بأسماء الأشخاص، ونعلن أن اسم جامعة فؤاد من الآن هو جامعة القاهرة أو الجامعة المصرية.
  4. علن المؤتمرون إصرارَهم على إجلاء القوات الأجنبية من وادي النيل، ومقاومة أي نفوذ أو ارتباط بحلف إقليمي، كما يناصرون فلسطين في محنتها، ويتمنَّون أن تُحَل قضيتُها حلاًّ عادلاً يتفق وكرامة أهلها.
  5. محاكمة مجرمي حرب فلسطين والمرتشين ومستغلي النفوذ بما يليق بهم من جزاء.
  6. إعادة التحقيق في جميع القضايا التي شوَّهها العهد البائد وحفظها لدوافع تتعارض وأحكام القانون.
  7. يبارك المؤتمر الخطوة الموفقة في جعل قانون "من أين لك هذا؟" واقعًا مطبقًا من الآن، ويأمل أن يكون قانون محاكمة الوزراء رجعيًّا حتى يتم التطهير المنشود.
  8. إلغاء ألقاب الأمراء والنبلاء من الأسرة المالكة أسوةً بباقي الشعب.
  9. تحديد الملكية الزراعية، وفرض الضرائب التصاعدية.
  10. يطالب المؤتمر بعقد جمعية تأسيسية في أقرب فرصة لوضع دستور جديد، تُحدد فيه حقوق الأمة، ويتحقق معه التوازن بين السلطات؛ بحيث لا تطغى إحداها على الأخرى،

وتوضح فيه الأهداف الآتية:

  1. شروط الحاكم.
  2. مسئوليته.
  3. تنظيم قانون الانتخاب بما يضمن إجراءها في حرية تامة" (46)

كان هذا دور الإخوان المسلمين في حركة 23 يوليو 1952م، شاركوا في تنفيذها، وسخروا كل أفرادهم وإمكانياتهم لإنجاحها، وآثروا أن يكونوا جنودها المجهولين؛ لتفويت الفرصة على المتربصين لها من أعدائها، ثم كان لهم شأن آخر مع العسكر بعد ذلك، وليس كل ما يتمنى المرء يدركه.