صراع على الشرعية الإخوان المسلمون ومبارك

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
صراع على الشرعية الإخوان المسلمون ومبارك 1982 – 2007


مركز دراسات الوحدة العربية

سلسلة أطروحات الدكتوراه ( 74)


بقلم: الدكتور هشام العوضي

شكر وامتنان

عندما بدأت بحثي الخاص بهذه الدراسة في نيسان / أبريل 2000 لم أكن متزوجا حينها والان أنا أب لثلاث بنات , هديل وسارة وسلمي , مصدر رئيسي لبهجتي في الحياة , وطوال الفترة التي قضيتها في هذا البحث وفرت لى زوجتي مي الدعم والتشجيع المتواصل , ولولا صبرها الذي ليس له حدود ولولا تفهمها لأهمية هذا المشروع بالنسبة إلى لكانت التحديات التي واجهتها فيه أصعب بكثير أشكرك من عميق قلبي .

بدأت أري في مصر في أثناء فترة البحث أنها بلدي الثاني وعلى الرغم من الصعوبات المتنوعة التي عانيتها في أثناء عملي الميداني كان العيش في مصر تجربة ممتعة ويعود ذلك بدرجة كبيرة إلى الدعم الذي وفرته لى زوجتي ووالدتي التي أولتني رعايتها وتشجيعها طوال فترة البحث فعلي الرغم من شعورها بالقلق عندما قررت زيارة مناطق " خطرة " في مصر مثل أسيوط لم تحاول إقناعي بالعدول عن ذلك , وذلك لإصرارها الذي فاق إصراري على وجوب توسيع مصادر بحثي أنا اشعر بعظيم الامتنان ولوالدي العزيز لما أظهره على الدوام من روح مشجعة .

وأود أن أتقدم بشكر خاص للبروفسور تيم نيبلوك الذي أعطاني الكثير من الدعم والطمأنينة طوال مدة البحث ولولا أفكاره وتعليقاته لما وصلت هذه الدراسة إلى مرحلة الاكتمال كما ارغب في شكر البروفسور جيمس بيسكاتوري على دعمه وتعليقاته القيمة التي تناولت سبل تعزيز الدراسة وكانت الاتصالات التي أجريتها في مصر جوهرية لبحثي وبخاصة بسبب الحساسية الخاصة التي يتميز بها موضوع العلاقة بين الإخوان المسلمين ونظام مبارك وأشكر كل من يسّر لى هذه الاتصالات وأخص بالشكر خالد منير وصادق الشرقاوي .

وكانت الوثائق الداخلية وغير المنشورة للإخوان المسلمين ذات أهمية بالغة بالنسبة إلى دراستي وأثرت في فهمي للموضوع بدرجة كبيرة وأنا آمل بأن يكون تفسيري لما جاء فيها عند مستوي الثقة التي أولاني إياها الإخوان المسلمون بمشاركتهم لى الاطلاع عليها .

وأخيرا أودّ التعبير عن تقديري الخاص للأشخاص الذين أجربت مقابلات معهم والذين على رغم انشغالاتهم الشخصية والمخاطر المحتملة التي تكشف الموضوع وافقوا على مناقشته معي وأشير إل أن مدخلاتهم القيمة وفرت المساهمة الرئيسية في هذا البحث وفي هذا السياق أرغب في التقدم بالشكر إلى كل من

نبيل عبد الفتاح وسيف عبد الفتاح , وأحمد عبد الله وحامد عبد الماجد وحيد عبد المجيد ومحمود عبد المقصود , وصلاح عبد المقصود وعلى عبد الرحيم وحسين عبد الرزاق , وعبد المنعم أبو الفتوح , وعمرو أبو خليل , وكمال أبو المجد. ومكرم محمد أحمد , ومهدي عاكف.

وفؤاد علام وجلال أمين وعصام العريان وخالدة عودة ومحمد بدر بدر , وطارق البشري وضياء رشوان , ومصطفي الفقي, وعبد المنعم محمود , ومحمد فؤاد , وبدر غازي وعبد الحميد الغزالي وعصام حشيش وعلى الدين هلال ومأمون الهضيبي ومحمود حسين ومحمد حبيب وفهمي هويدي وسعد الدين إبراهيم.

وعبد المنعم سليم جبارة وحلمي الجزار وأحمد لطفي , وأبو العلا ماضي ومصطفي مشهور وجمال محمد وإبراهيم منير وخالد منير وحسن نافعة وأحمد النحاس وأماني قنديل ومحمد رجب ورفعت السعيد ومحمد السمان وعاصم شلبي , وخيرت الشاطر , وأنور شحاتة وحسنين شحاته , ورودني ويلسزن وصادق الشرقاوي .... هشام العوضي .

خلاصة تنفيذية

قام النظام المصري في العام 1995 بعمل غير مسبوق منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر إذا اعتقل أكثر من 90 عضوا إخوانيا وحولهم على محاكمات عسكرية بتهمة انتمائهم إلى تنظيم غير مشروع يسعي إلى قلب نظام الحكم وفي العام 2006 قام النظام بحملة اعتقالات ماثلة في صفوف الإخوان , وحول المعتقلين إلى محاكمات عسكرية في العام 2007.

وفيما شملت الاعتقالات والمحاكمات العسكرية في العام 1995 نوابا سابقين وأساتذة جامعات ومرشحين لخوض انتخابات مجلس الشعب وممن يعتبرون مفاصل أو قيادات وسطي داخل تنظيم الإخوان استهدفت محاكمات العام 2007 رجال الأعمال والمال داخل الجماعة وقد شكلت التسعينيات مرحلة فارقة في علاقة النظام المصري بجماعة الإخوان المسلمين منذ عام 1982 , وقد اتسمت في بداياتها بالتعايش والتهادن الاستيعاب فقد سمح النظام للإخوان بالحضور على الساحة والمشاركة السياسية في انتخابات مجلس الشعب في العامين 1984,1978 وإن لم يمنحهم اعترافه الرسمي وتحاول هذه الدراسة أن تناقش الأسباب والدوافع التي قادت إلى هذا التحول من عقد الثمانينيات الهادئ نسبيا الأسباب والدافع التي قادت إلى هذا التحول من عقد الثمانيينات الهادئ نسبيا إلى عقد التسعينات المتلاطمة أمواجه ...

لماذا اتسمت علاقة الإخوان المسلمين بالنظام السياسي المصري بالتعايش والتهادن في الثمانينات وبالصراع والتصادم الحاد في التسعينات وحتى الآن ؟

وبدلا من أن تعدد وتناقش الدراسة قائمة من الأسباب , داخلية إقليمية ودولية اختارت أن تركز على سب اعتبرته جوهريا في تفسير التحول من التهادن إلى الصدام وهو أن جوهر الصراع بين الإخوان والنظام المصري سعي كل منهما إلى تكريس شرعيته بأنماط وأشكال الشرعية المختلفة : شرعية الوجود السياسي القانون والمجتمعي فلا يمكن ان نفهم حقيقة الصراع بين الإخوان والنظام بمعزل عن افتقاد الإخوان للمشروعية القانونية على رغم وجودها وفاعليتها على الساحة السياسية والمجتمعية وتأثير ذلك الافتقاد في تطور وسلك وأفعال الجماعة منذ السبعينيات .

بما في ذلك سلوكها وأفعالها نحو النظام كما لا يمكن أن نفهم حقيقة الرصاع بين الإخوان والنظام بمعزل عن سعي النظام إلى تحقيق شرعية ليست محجوبة أو غائبة قانونيا كما في حالة الإخوان وغنما ضعيفة ومتآكلة في زمن تآكل فيه دور دولة الرعاية أو الرفاهية وهو الدور التقليدي للدولة العربية بعد الاستقلال , ولا تقلل أو تهمش الدراسة من آية أسباب أخري.

كما قيل إنما تناقش باستفاضة وتركيز مفهوما لم يحظ باهتمام كاف ممن درسوا ظاهرة الصراع بين الحركة الإسلامية والدولة في مصر وهو مفهوم الشرعية شرعية حركة إسلامية غائبة أو مغيبة قانونيا ورسميا ( أو محجوبة عن الشرعية ) وشرعية نظام سياسي يتعرض بالتدريج إلى تراجع وتآكل واهتزاز .

وتزعم الدراسة أنه لا يمكن استيعاب حقيقة الصراع بين الإخوان والنظام من دون أن يكون على رأس قائمة السباب أنه صراع على الشرعية يمكن بعد ذلك أن تندرج تحته بقية الأسباب لداخلية والإقليمية والدولية وعلى الرغم من أن الدراسة خاصة بالإخوان المسلمين وعلاقتهم بالنظام السياسي المصري من العام 1981 إلى العام 2007 إلا أنها – باعتبار انشغالها بمفهوم الشرعية – تصلح مدخلا تحليليا لمناقشة أبعاد العلاقة بين الحركات الإسلامية ولأنظمة العربية وعلاقة المجتمع بالدول في الوطن العربي عموما .

تنقسم الدراسة إلى مرحلتين : مرحلة الثمانينيات ومرحلة التسعينيات إلى 2007 وملخص المرحلة الأولي إلى أن العلاقة بين النظام والإخوان اتسمت مجملا بالهدوء , والتسامح لأن مبررات التوتر والصراع لم تكن موجودة بعد , ولأن الاثنين كان يحتاجان أحدهما إلى الآخر , كل لأسبابه وكل لتعزيز شرعيته , ولم يكونا في وضع سياسي ولا أمني ولا تنظيمي يسمح لهما بالصراع لمرهق.

والمستنفذ للطاقة والموارد كان الرئيس مبارك جديدا في الحكم ولم يكن من مصلحته أن يبدأ عهده بصراع مع حركة إسلامية معتدلة كبيرة وموجودة على الساحة قبل مجيئه إلى السلطة بسبب سياسات سلفه لرئيس السادات الانفتاحية سياسيا واقتصاديا لم يكن من مصلحة الإخوان أن تبدأ حقبة الثمانينيات باستفزاز النظام الجديد ولا سيما حركة خرجت لتوها من سجون عبد الناصر , ومن اعتقالات أيلول سبتمبر 1981 الساداتية الشهيرة وكانت تحتاج إلى فترة هدوء ومهادنة تستكمل معها بناء التنظيم واستقطاب أعضاء جدد وتوسيع رقعة وجودها في المجتمع المصري .

وملخص المرحلة الثانية , مرحلة التسعينيات وحتى الآن أن العلاقة بين النظام والإخوان اتسمت بالتوتر لأن الجماعة رغم كونها محجوبة عن الشرعية القانونية والرسمية استطاعت أن تحقق نمطا آخر من أنماط الشرعية أسميتها " الشرعية المجتمعية " أو " الشرعية الخدمية" أو " شرعية الانجاز" وهي شرعية مكتسبة من إنجاز خدمات 0 صحية ونقابية , وتعليمية وتكافلية .. الخ) لشرائح المجتمع المصري ولا سيما شريحة الطبقة المتوسطة اكتسبت جماعة الإخوان بفضل وجود تفاعل جيل جديد داخل الحركة شرعية غير رسمية .

لم تمنحها إياها الدولة وإنما منحها إياها المجتمع وما استفز النظام من هذه الشرعية أنها كانت منظمة للغاية بفضل جهود الجماعة في استكمال هياكلها وأقسامها التنظيمية منذ خروجها من سجون عبد الناصر في بداية السبعينيات أن هذه الشرعية المجتمعية أو الخدمية للإخوان وظفت من الجماعة توظيفا سياسيا للضغط على الدولة لتحويلها إلى شرعية قانونية.

وقد حدث ذلك التطور الجوهري في سياق تدهور شرعية النظام وبين المجتمع ( مجانية التعليم وضمان التوظيف , ومجانية العلاج المحترم .. الخ ) بسبب الضغوط الدولية للإصلاحات الهيكيلة في الاقتصاد وقد حدث ذلك التطور الجوهري أيضا في سياق تنامي أعمال العنف ( من الجماعات الإسلامية المتشددة ) ضد النظام وفوز جبهة الإنقاذ في الجزائر في انتخابات العام 1992 .

تضافرا هذه العامل بعضها جوهري وبعضها ثانوي وبعضها حقيقي وبعضها وهمي ومفتعل في خلق تصور معاد للنظام من الإخوان أدخل العلاقة بينهما إلى مرحلة الصراع الدموي الحالي .وكي تتضح الصورة أكثر وتحقيق جدلية الدراسة ببعض الأمثلة أسرد باختصار سمات ومظاهر كل مرحلة من المرحلتين مرحلة المهادنة في الثمانينيات مرحلة الصراع في التسعينيات :

أولا : مرحلة المهادنة في الثمانينيات

لم يتوفر في مصر في مستهل الثمانينيات السياق الذي يمهد لنشوب صراع بين الإخوان ومبارك فلم يكن للإخوان علاقة باغتيال السادات مثلا ولم يكن الإخوان مستعدين لاستخدام العنف ضد الدولة بعدما تخلوا عنه بحل النظام الخاص ومن وجهة النظام السياسي الجديد فإنه كان مشغولا بتوسيع قاعدة شعبية له لم تسمح بالدخول غير المنطقي ولا المبرز في مواجهات مع المعارضة عموما.

والإخوان خصوصا وبدلا من ذلك أكد الرئيس مبارك على سيادة القانون وشرع في تطوير البنية التحتية للدولة والإفراج عن المعارضة وعلى رغم أن النظام لم يحسم مسألة شرعيته الخاصة بصورة مطلقة إلا أنه يمكن القول إن مبارك نال درجة من القبول العام وهو ما دل عليه بدرجة كبيرة المستوي المتدنئ للعنف الاجتماعي والديني في السنوات الأول لقيادته ومشاركة القوي السياسية الرئيسية في انتخابات العام 1984.

أما الإخوان فاستغلوا المزاج التصالحي في سياسة مبارك وعملوا بجهد وهدوء على إعادة بناء التنظيم , والتفاعل مع شرائح المجتمع من خلال الفضاءات التقليدية في المساجد والأحياء السكنية وغير التقليدية في الجامعات النقابات وكان الفضل في توسيع رفعة تفاعل المجتمع في فضاءاته غير التقليدية إلى وجود جيل جديد من الإخوان كان له وجود طبيعي وتلقائي في الجامعات والنقابات وكان لديه قناعات انفتاحية تختلف تماما عن قناعات جيل الستينيات الذي تأثر بأفكار سيد قطب الداعية إلى " المفاصلة والعزلة الشعورية تجاه المجتمع "

وكان فوز أعضاء الجيل الثاني من الإخوان في نقابة الأطباء دافعا محفزا لأعضاء آخرين من الجيل نفسه إلى تكرار التجربة في نقابات أخري فشارك الإخوان في انتخابات نقابة المهندسين العام 1985 وحقق فوزا غير متوقع لثلث مقاعد مجلس إدارة النقابة , وبقية مقاعد المجلس في العام 1978 وتكررت التجربة في السنة نفسها مع نقابات أخري ففاز الإخوان في انتخابات نقابة البيطريين الصيادلة (عام 1988) والعلميين (1990) وكانت الدهشة في مسعي الإخوان إلى الترشيح في انتخابات نقابة المحامين القلعة التقليدية للتيار القومي العلماني , وفورهم بأغلب مقاعد النقابة في العام 1992 وكان الإخوان يحققون نجاحات مماثلة في فضاءات أخري داخل المجتمع المصري ضمنت لهم السيطرة على اتحادات لجامعات الطلابية الكبيرة ونوادي أعضاء هيئات التدريس .

وان السر في نجاح الإخوان يعتمد حسب الدراسة الميدانية والحوارات الشخصية مع طلبة وأساتذة جامعات ونقابين على ركنين أساسيين : أولا تقديم خدمات متميزة مقارنة بالخدمات التي كان يقدمها الموالون للنظام أو التيارات لمعارضة غير الإسلامية لما كانت تسيطر على هذه المؤسسات وثانيا تقديمها من خلال قوة ودفة الشبكة التنظيمية للإخوان التي كانت تضمن تنسيق العمل وتبادل الخبرات بين الفضاءات المختلفة .

ثانيا : خدمات وإنجازات متميزة

في النقابات

طرح الإخوان في نقابة الأطباء في العام 1986 مشروعهم الشهير المتعلق بالتأمين الصحي , إذ لم يكن في مقدور أغلب الأطباء الخريجين تحمل التكاليف الباهظة للعلاج في المستشفيات الخاصة وشعر العديد منهم بالمذلة في المستشفيات الحكومة لأنهم لم يكونوا يتلقون الرعاية المناسبة أو الخدمات اللائقة وقد حقق مشروع التأمين الصحي نجاحا كبير في أوساط الأطباء الشباب.

لأنه هدف إلى استعادة كرامتهم ومكانتهم في المجتمع كما وفر لهم المشروع ولعائلاتهم الرعاية الصحية اللائقة وبأسعار معقولة وزاد عدد المستفيدين بصورة ملحوظة في الأعوام التالية إذ بلع عدد المستفيدين من هذا المشروع في العام 1988 أكثر من الأعوام التالية, إذ بلغ عدد المستفيدين من هذا المشروع في العام 1988 أكثر من 17600 طبيب و43960 من أفراد أسر الأطباء وانتقلت التجربة في العام 1989 إلى نقابة المهندسين حيث وصل عدد المستفيدين منه إلى 72000 وأظهرت الأرقام الضخمة للمستفيدين حجم الحاجة إلى هذا النوع من الخدمات الصحية على الرغم من نظام التأمين الصحي القائم الذي ترعاه الدولة .

ونظم الإخوان معارض مبيعات ضخمة للأثاث والغسالات وغازات المطابخ والثلاجات وغيرها من الأدوات التي يحتاج المهنيون الشباب إلى تزويد منازلهم بها وبأسعار مخفض أو بالتقسيط ودون فوائد .. مرة ثانية جاءت هذه الأفكار تلبية لاحتياجات شريحة طالما أهملها النظام .

وفي العام 1992 , استطاعت الجماعة تحقيق نجاح غير متوقع في انتخابات مجلس نقابة المحامين واستنادا إلى نبيل عبد الفتاح , أحد الذين درسوا الظاهرة الإخوانية في النقابات عن قرب كان ذلك أحد أبرز الأحداث السياسية في مصر منذ اغتيال السادات في العام 1981 وذلك لأن النظام نظر إلى فوز الإخوان في نقابة المحامين بطريقة مختلفة تماما , ويرجع السبب في ذلك إلى أن نقابة المحامين وعلى العكس ربما من نقابة الأطباء أو نقابة المهندسين تشكل فضاء مسيسا بطبيعته ولذلك وفرت بصورة تلقائية أرضية أكثر قابلية للتعبئة والحشد الجماهيري .

ولم تكن شعبية الإخوان تكمن في تقديم هذه الخدمات فحسب وإنما في الطريقة الفعالة التي كانت تقدم بها ولم يتسن للجامعة أن تقدم بذلك من دون الاستناد إلى شبكتها التنظيمية التي وفرت لها حالة من التنسيق والكفاءة ضاعفت من قاعدة شرعيتها , بل جعلت هذه الشرعية تتسم بأنها " شرعية منظمة " وليست مبعثرة أو عشوائية , ويمكن القول إن هذا هو الشق الذي أزعج النظام بصورة أكبر , ولا سيما من حركة كبيرة ( محجوبة عن الشرعية )

يوجد داخل جماعة الإخوان المسلمين , إلى حين كانت هذه الدراسة نحو تسعة أقسام داخل التنظيم تشمل : قسم الدعوة , وقسم الخدمات الاجتماعية, وقسم الطلاب, وقسم العمال , وقسم نوادي أعضاء هيئة التدريس بالجامعة , وقسم الأخوات, وقسم التدريب الرياضي, وقسم شئون العالم الإسلامي, وقسم النقابات المهنية

ويمكن أن تتفرع بعض الأقسام إلى لجان متخصصة , مثل : اللجنة المالية , ولجنة التاريخ , ولجنة العلماء , وجري استخدام أقسام أخري مؤخرا لتنظيم الدور السياسي الجديد الذي يلعبه الإخوان في البرلمان , والقسم السياسي الذي يتضمن لجنة الإعلام , وهي أشبه بمؤسسة فكرية وهي متخصصة بتنسيق الدراسات التي تتناول القضايا والتطورات السياسية المتنوعة وستجد في الفصل السابع مناقشة لبعض من هذه الدراسات المتعلقة بالحركة وبالنظام المصري . كما يتضمن القسم السياسي اللجنة البرلمانية التي تضم في عضويتها نواب الإخوان في البرلمان .

إضافة إلى الأقسام واللجان الجديد حدث تطور ثان في الثمانينيات طال طريقة إدارة التنظيم نفسه , يعتمد على اللامركزية وطرحت فكرة اللامركزية في الإدارة في الثمانينيات كوسيلة لتطوير فاعلية الحركة , وأنها بدت صبغة عملية مناسبة , بالنظر إلى الظروف السلطوية السائدة , وإلى رفض الدولة الاعتراف بالحركة , وفي الإدارة اللامركزية , تتخذ القيادة المركزية من العاصمة ( القاهرة ) قاعدة لها.

وتكون هي المسئولة (من خلال مكتب الإرشاد) عن رسم السياسات الجوهرية التي تتبناها الحركة وبخاصة تلك المعنية بالدولة مباشرة ويجري الإعلان عن هذه السياسات في البيانات الرسمية التي تصدر عن المرشد أو الجماعة وعن طريق الخطابات في الاحتفالات والأقاليم القرار في السياسات المتبعة في مناطقهم والجدير بالذكر أن الأقسام الداخلية الحد عشر المذكورة آنفا توجد بالتالي على مستويين :

على المستوي المركزي الذي يخضع لإشراف القيادة في القاهرة وعلى مستوي المحافظات ’ أى أنه توجد هذه الأقسام بصورة مصغرة في المحافظات الثماني والعشرين في مصر , وبالطبع يجري عقد اجتماعات وإجراء اتصالات منتظمة بين أعضاء الأقسام المركزية والأقسام في المحافظات من أجل تبادل الخبرات وتوحيد وجهات النصر.

والتطور المهم الثالث هو أن تشكيل القيادة داخل الحركة وداخل أقسامها صار يتم عن طريق إجراء انتخابات داخلية بدلا من تعيين الكبار من أعضاء الحركة على نحو تقليدي على غرار ما كان سائدا في الماضي وقد شكل هذا التطور وإن لم يكن مثاليا من حيث الممارسة خطورة بارزة كونه يتناقض مع الثقافة السياسية السائدة التي تمارسها أغلب النظم العربية.

ويجري انتخاب أعضاء كل قسم داخل التنظيم من قبل قواعدهم الناخبة في العاصمة أو في المحافظات وربما ينتقل الأعضاء المنتمون إلى أحد الأقسام وبخاصة الأعضاء الأكبر سنا أو الأوسع خبرة من قسم إلى آخر أو يكونون ببساطة أعضاء في أكثر من قسم وهذا يضمن عدم ضياع الخبرات غالبا بل يضمن تقاسمها وزيادتها وسيكون حديثي عن التنظيم وماهيته مهما في الفصل الرابع حيث أناقش دور التنظيم وصلته في تأثير الإخوان ونفوذهم في المجتمع وفي السياسة .

واستفاد الإخوان من إمكانات التنظيم موارده ورفع كفاءة خدماتهم وفي إجراء اتصالات بين الساحات التي يشغلونها كوسيلة لزيادة تأثيرهم في المجتمع وفي السياسة فالارتباطات التنظيمية مكنت الإخوان في فضاءات معينة من تعبئة جماهيرهم الناخبة لدعم أهداف الحركة في الفضاءات الأخرى وبناء على ذلك أستخدم الإخوان في حرم الجامعات شعبيتهم ( أو شرعيتهم الخدمية ) لحشد الطلبة للمشاركة في الانتخابات البرلمانية في العام 1987 مثلا والتصويت لصالح مرشحي الجماعة ,.

وأكد عمرو أبو خليل وهو عضو في الإخوان الرئيس السابق لاتحاد الطلاب في جامعة الإسكندرية أن الطلاب كانوا متعاطفين أساسا مع الإسلاميين بحكم الاستفادة من خدماتهم في الجامعات ولذلك كانوا يصوتون لمشرحي الحركة لعضوية البرلمان أنفسهم .

وتجلت العلاقات التنظيمية أيضا في التنسيق مثلا بين الجامعات والنقابات فجري توعية الطلاب في الجامعات لبناء علاقات مع النقابات الخاصة بهم التي سيعلمون فيها بعد التخرج واستخدام الإخوان أيضا الفضاءات التي سيطروا عليها (النقابات تحديدا) للتعبير عن الآراء السياسية للتنظيم والتي لم يكن يسمح للجماعة بالتعبير عنها في أوضاع طبيعية نظرا إلى غياب مشروعيتهم القانونية وكانت نوادي أعضاء هيئة التدريس في جامعتي القاهرة والإسكندرية تعقد مؤتمرات مشتركة مع الاتحادات الطلابية في هاتين الجامعتين لدعم الانتفاضة الفلسطينية والمجاهدين في أفغانستان وقد استمر هذا التعاون بين الاتحادات ونوادي هيئات التدريس تعكس آراء الجماعة خارج سور الجامعة حيال الشؤون السياسية في فترة التسعينيات بما في ذلك حرب الخليج في العام 1991 .

كما نسّقت نوادي هيئات التدريس في الجامعات نشاطاتها مع النقابات لرفع مستوي أداء الطرفين وتبادل الأفكار والخبرات المتعلقة ببرامج الرعاية الصحية ومعارض مبيعات التجهيزات المنزلية والسلع المعمرة كما كان واضحا التعاون المنظم بين النقابات وبتنسيق من الأقسام المعينة داخل التنظيم ودفعت حرب الخليج في العام 1991 الإخوان من خلال ( لجنة تنسيق العمل النقابي ) إلى تحويل النقابات إلى جبهة سياسيا موحدة ضد الموقف الرسمي المصري من الحرب وكان النظام ينظر إلى هذا النوع من التنسيق والاتصال التنظيمي على أنه منافس لسيطرته العامة على حدود هذه الفضاءات وهو ما قاد في النهاية إلى الدخول في مرحلة التسعينيات , وهي مرحلة الصدام .

رابعا : مرحلة الصدام في التسعينيات

اتسم عقد التسعينيات ( مقارنة بالثمانينيات ) بأنه عقد التحديات والتحول إلى فترة مضطربة جدا للرئيس حسني مبارك , فقد تزامنت الظروف الاقتصادية الصعبة مع تفاقم خطر الجماعات الإسلامية التي أضّرت أعمال العنف التي كانت موجهة ضد الأجانب العائدات المتأتية من السياحة والأشد خطورة أنها استهدفت أيضا مؤولين رفيعي المستوي وعلى رأسهم مبارك نفسه , وشهد العام 1990 وحده 51 حالة تصادم بين الإسلاميين والأمن .

راح ضحيتها أكثر من 115 قتيلا من الطرفين , وتزامنت حادثة اغتيال الإسلاميين للكاتب فرج فودة في العام 1992 , وكان ناقدا عنيفا لهم مع تزايد بوضيافو وعزا البعض تزايد أعمال العنف إلى عدة عوامل على رأسها حسب الدراسة انحسار شرعية النظام في المجتمع لمصري وكان تنامي أعمال العنف الاجتماعي والديني أحد مؤشرات الإحباط العام من أداء النظام الي فشل في تلبية حاجات الناس .

إلا أن أهم تحد واجه النظام في مستهل التسعينيات وحول العلاقة من مهادنة إلى تصادم مع الإخوان كان ما يحققه الإخوان من شرعية اجتماعية اتخذت صبغة سياسية حادة أزعجت الرئيس مبارك على مستوي شخصي فقد استطاع الإخوان بفضل كفاءة هيكلهم التنظيمي وسيطرتهم على فضاءات الطبقة الوسطي من طلبة ( اتحادات الطلبة ) ومهنيين (النقابات) مع بناء عقد اجتماعي بديل من العقد الاجتماعي التاريخي بين الدولة والمجتمع والذي كان يتعرض للتآكل بسبب إصلاحات النظام الاقتصادية وتجلي ما أسميته بـ " تسييس الشرعية المجتمعية " في أحداث حرب الخليج في العام 1991 والزلزال في العام 1992 سعيا إلى ممارسة ضغط على النظام إزاء سياسته لرفض منح شرعية قانونية للجماعة.

حرب لخليج

سارع الإخوان إلى إدانة الغزو العراقي للكويت في 2 آب أغسطس 1990 وجاءت مطالبتهم للرئيس العراقي السابق صدام حسين بسحب قواته من الكويت منسجمة مع الموقف الذي اتخذه النظام المصري ولكن سرعان ما أوجد التدخل واحتجوا على قصف العراق وعلى رغم غيابهم عن مجلس الشعب (فقد قاطعوا انتخابات العام 1990)

إلا أن الإخوان وظفوا سيطرتهم على النقابات للتعبير عن آرائهم السياسية المعارضة لموقف النظام المؤيد للحرب وقد اعتبر النظام أن الإخوان يستغلون استغلالا سيئا الفضاءات التي سمحت الدولة بوجودها (أى النقابات) لتحريك وتعبئة الطبقة الوسطي من المهنيين ضد الشرعية الشعبية للرئيس الذي أمر الجيش المصري بالمشاركة في التحالف الغربي ضد بلد عربي مجاور كما أن النظام اعتبر أن حركة الإخوان بدأت تنسق بيم موارد هيكلها التنظيمي كحركة وموارد النقابات (كأعضاء في مجلس الإدارة) لشن حملة أكثر قوة وفاعلية ضد النظام .

وبالفعل فقد بدأت النقابات التي يسيطر عليها الإخوان بتشكيل تحالفات تنسيقية بين أنشطتها في ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ النقابات منذ لعام 1952, إذ تشكلت " لجنة تنسيق العمل النقابي " التي أدانت في بيان شديد اللهجة , واعتبر مستفزا للنظام الجود الغربي في الخليج ما اعتبره النظام تجاوزا للخطوط الحمراء.

سرعان ما أصبح الموقعون على البيان ضحايا حملة منظمة لتشويه سمعتهم صاغتها وسائل الإعلام والمسئولون النافذون اتهموا فيها الإخوان بـ " عدم الإخلاص " وبـ الخيانة" وبتلقي أموال من صدام وأصبحت النقابات هي المحور الجديد لانتباه الأجهزة الأمنية وتدخلها وتعرض العشرات من الأعضاء الذين كان أغلبهم أعضاء في الحركة أيضا للمضايقة والاعتقال وأجبر النظام الذي استفزته كما قلت نبرة البيان رؤساء النقابات التي كانت خارج نطاق سيطرة الإخوان على الانسحاب من عضوية اللجنة وعلى الامتثال للسياسة الرسمية التي أعلن عنها النظام .

حادثة الزلزال

شكلت حادثة الزلزال في العام 1992 حدثا آخر لم يكشف للدولة عن مدي قوة الهيكل التنظيمي للإخوان حسب بل أظهر كيف يمكن أن توظف تلك القوة سياسيا أيضا فمرة أخري وظف الإخوان مواردهم في النقابات فضلا عن مواردهم من التنظيم خارج سور النقابات.

في إنقاذ ضحايا الزلزال لقد استفاد الإخوان من وجودهم داخل نسيج المجتمع وفي المناطق الحضرية والريفية مع وجودهم في النقابات للتنسيق بين هذه المساحات والفضاءات لضمان نقل سريع وفاعل لمواد الإغاثة وتسخيرها في إنقاذ الضحايا وجري القيام بذلك بطريقة منسقة ومنظمة فاقت أداء الدولة نفسه.

واستحوذ أداء الإخوان في أثناء الهزة الأرضية على الانتباه داخل مصر ولكن ما أزعج النظام أنه استحوذ على الانتباه في الخارج أيضا فقد أشارت وسائل الإعلام الغربية إلى التباين بين نجاح الإسلاميين وفشل النظام في إنقاذ الضحايا واستخدمت ذلك في التلميح إلي إمكانية وصول الإسلاميين إلى السلطة في مصر وهذا النجاح بالإضافة إلى الأخبار التي تحدثت عن اتصالات وحوار بين مسئولين أمريكيين وقيادة الإخوان المسلمين عمق لا شك من مخاوف النظام.

وقد كان مبارك في زيارة إلى الصين لما وقع الزلزال فعاد إلي مصر على الفور ليس بالضرورة من أجل الإشراف أو تنسيق الجهود التي تبذلها الدولة وإنما لأنه بدا قلقا من اهتزاز وتشوه صورته في الخارج .

ولم تتفاقم مخاوف مبارك من التقارير الإخبارية التي كانت تذيعها محطة سي , إن , إن ومحطة بي بي سي وحسب اللتين سلطتا الضوء على انجازات الإسلاميين من جانب الإخوان للزلزال ففي غمرة جهود عملهم الإغاثي رفع الإخوان على الخيام التي كانوا ينصبونها للمتضررين وعلى واجهات مقرات ومراكز الإغاثة شعار " الإسلام هو الحل " وهو الشعار الذي استخدمته الحركة خلال حملتها السياسية في انتخابات العام 1978 .

توظيف الفضاءات المجتمعية سياسيا

عمل الإخوان على تفعيل الدور السياسي للنقابات للتعويض عن غيابهم عن مجلس الشعب وربما عدم فاعلية مجلس الشعب كمؤسسة سياسية واستخدموا جميع الوسائل والموارد المتوفرة في النقابات لخلق حالة من الوعي السياسي بدلا من اللامبالاة السياسية التي كانت مستشرية بين أوساط طبقات المهنيين في بداية الثمانينيات واستخدم الإخوان النقابات في عقد لقاءات ومؤتمرات جماهيرية لمناقشة الإصلاح السياسي

خاصة بعد قرارهم بمقاطعة انتخابات مجلس الشعب وكان يدعي إلى هذه الملتقيات ممثلون عن الأحزاب السياسية وعن قيادة تنظيم الجماعة واستخدم الإخوان أيضا الفضاء الجامعي كما فعلوا في النقابات كمنابر سياسية لانتقاد مواقف النظام ففي أثناء حرب الخليج مثلا انضمت الجامعات إلى النقابات وإلى هيئات التدريس في الجامعات وبتنسيق كلي من تنظيم الجماعة في تنظيم تظاهرات للاحتجاج على الحرب التي شنت على العراق.

وعلى مشاركة القوات المصرية في التحالف جري توزيع استبيانات على الطلبة في جامعة الإسكندرية مثلا وطلب منهم فيها الإدلاء بتعليقاتهم حول القرار الذي اتخذته الحكومة المصرية بإرسال قواتها إلى الخليج وحول الأسباب التي تقف خلف وجود الولايات المتحدة في الخليج وكيفية تصورهم للوجود الإسرائيلي والأمريكي في المنطقة .

واستخدم التنظيم الفضاء الجامعي في تعبئة الطلاب الذين يحق لهم التصويت من أجل دعم مرشحي الإخوان في الانتخابات البرلمانية وجذبت مثل هذه الأنشطة الطلابية انتباه الأجهزة الأمنية على نحو متزايد وزادت من تدخلها في الشؤون الخاصة بالجامعة وأصبح استخدام الغاز المسيل للدموع الأسلوب المتبع دائما لصد التظاهرات الطلابية في التسعينيات.

وبات الطلاب الناشطون يخضعون لرقابة مشددة وشاركت إدارة الجامعة أيضا في الحملة التي شنها الأمن للتضييق على أنشطة الإخوان الطلابية فبدأت بتطبيق سياسة جديدة قصد منها إضعاف استقلالية الاتحادات وتقييد حريتها في تنظيم الأنشطة وبدأ الجهاز الأمني كذلك بزيادة وتيرة تدخلاته في الحملات الانتخابية وفي نتائج انتخابات الاتحاد في محاولة لمنع الإخوان من تحقيق مزيد من المكاسب الانتخابية في الجامعة .

وكان يجري اعتقال المرشحين الذين لم تردعهم التهديدات الأمنية ولم يطلق سراحهم سوي قبل أيام قلائل من امتحانات نصف السنة وإذا رسبوا في الامتحانات بعد ذلك كان يتوقع منهم إعادة دراسة مقررات السنة بأكملها والأسلوب القمعي الآخر كان إعلان الجامعة عن اليوم الذي يصادف أنه يوم منازلهم ولا يشاركون في الانتخابات وفي الحالات التي يكون إقبال الطلاب فيها أدني من النصاب القانوني الذي تحده اللائحة الطلابية

فغنه يحق لرئيس الجامعة الأمنية من الإخوان في هيئات التدريس بالجامعات مختلفا كثيرا عن تعاطيهم مع الاتحادات الطلابية ولولا النقابات واتحادات الطلبة ونوادي أعضاء هيئة التدريس وهي فضاءات تعترف بها الدولة لما سمح للإخوان الذين يمثلون تنظيما محظورا , من القيام بهذه الأنشطة السياسية من عقد المؤتمرات وتوزيع لاستبيانات وهو تناقض أوجده النظام , فاستفزه في النهاية وقادة إلى سياسة تصفية النفوذ الإخواني .

خامسا : أبعاد الصراع بين النظام والإخوان

وتتناول الدراسة بعد مناقشة مظاهر المرحلتين الثمانينيات والتسعينيات أبعاد التطورات الجديدة في علاقة الصراع بين النظام والإخوان في القرن الواحد والعشرين من خلال تناول التغيرات في الأجواء العامة في مصر والعالم والتغيرات داخل لنظام وداخل الإخوان وأثر كل ذلك في مستقبل علاقة الدولة والمجتمع في مصر .

أجواء الانفتاح العام

شهدت السنوات الأخيرة تطورا هائلا في تكنولوجيا المعلومات أضعف من قبضة الأنظمة السلطوية في التحكم بما تراه وتسمعه شعوبها ولم تعد تكنولوجيا المعلومات منحصرة في القنوات الفضائية (قناة الجزيرة كحالة) وإنما في الفضاءات الجديدة التي وفرتها شبكة الإنترنت مثل المدونات التي أتاحت للمواطنين.

ولأول مرة أن يساهموا في إرسال المعلومة والتعبير عنها وليس فقط أن يكونوا مستقبلين لها هذه الطفرة والوفرة في المعلومات أسفرت ضمن عوامل أخري عن حيوية وحراك سياسي واجتماعي في مصر , والعديد من الدول العربية لم يشهد من قبل ولم تكن الأحزاب السياسية التقليدية هي التي تقود هذا الحراك وإنما جبهات أوسع من المعارضين والحقوقيين والصحافيين وشرائح من الطبقات المتوسطة ومراكز حقوق الإنسان الوطنية , التي تطالب بإصلاحيات جذرية.

تطاول النظام والأحزاب السياسية المعارضة معا وفي حالة مصر فإن حركة " كفاية" تعتبر نموذجا عاكسا للحراك الشعبي المعبر عن الأجواء الجديدة ولا شك في أن الحراك السياسي لم تحفزه ظروف مصر المحلية ورغبة النظام في تجديد ولاية رئيس الجمهورية ولاية رابعة فحسب وإنما الظروف الإقليمية والدولية بعد أحداث أيلول سبتمبر 2001 التي أسفرت عن همينة الولايات المتحدة على الوطن العربي باحتلال العراق كنموذج مستفز ولم يقتصر الحراك على مؤتمرات وبيانات تنديد وإنما في غير سابقة حديثة إذ نزلا الآلاف إلى الشارع على شكل تظاهرات ومسيرات شعبية استفادت من أجواء الانفتاح العام رغم مضايقة الأمن .

تحولات داخل النظام

لم يعد خافيا أن النظام المصري الذي يتمثل في شخص الرئيس يمر بمرحلة شيخوخة تنذر بنهاية وشيكة وقد ساهم شعور الناس بالقلق من مستقبل النظام في تحفيزهم للنزول إلى الشارع في مطالبة بالإصلاح بقيادة " كفاية " والإخوان" الذين كانوا ينأون عن استخدام الشارع فضاء للتعبير عن آرائهم قبل سنوات وعلى الرغم من الحديث الشائع عن إمكانية توريث الحكم لجمال و نجل الرئيس مبارك إلا أنه بات واضحا أن هناك مراكز قوي آخري تتصارع على وراثة السلطة تشمل القوات المسلحة , وبسبب هيمنة شخص الرئيس على السلطة في مصر وضعف ثقافة المؤسسات وتداخل السلطات وغياب شعبية الحزب الوطني (الحاكم) وهذا يعني أن النظام الجديد سيواجه تحدي تأسيس شرعية جديدة لنفسه مستقلة عن النظام الذي سبقه .

وتمر دورة حياة النظام السياسي المصري في عملية تعزيز شرعيته بمحطات تبدأ وتنتهي بمحطة أسميتها " أزمة الشرعية" حيث يواجه النظام في مستهل مجيئه تحدي بناء شرعية مقبولة لدي الشعب , ويبدأ بإجراءات تهدف إلى رفع رصيده الشعبي وتحقيق مصالحه مع المجتمع فيطلق عفوا عن السياسيين الذين اعتقلهم النظام السابق في أواخر دورته ويفسح عن فضاءات تسمح بحراك مجتمعي محدود لكن ملحوظ وقد رأينا هذا الإجراء واضح في بداية عهد الرئيس مبارك عندما أطلق سراح الذين اعتقلهم السادات في أيلول سبتمبر 1981 وأفسح مجالا للمعارضة السياسية في المشاركة في انتخابات العامين 1984, 1987 .

وتقتنص قوي المعارضة ولا سيما القوي المحجوبة عن الشرعية الإخوان تحديدا وجود هذه الفضاءات لتأسيس شرعيتها الذاتية التي تتناسب تناسبا عكسيا مع شرعية لنظام , وبمرور الوقت يجد النظام نفسه يدخل محطة جديدة أسميتها " مأزق الشرعية " ففي الوقت الذي أفسح النظام عن هذه الفضاءات كإجراء لتعزيز شرعيته فإن الفضاءات نفسها توظف لتعزيز شرعية خصومه وتضعف على المدى البعيد شرعية النظام وبدلا من أن يسفر هذا هن " تنافس شريف " بين النظام ومنافسيه لتحقيق النظام الأحسن للشعب كما يحصل في الأنظمة الديمقراطية فإن النظام السلطوي يختار الحسم الأمني للخروج من مأزقه ,

ويقوض الفضاءات التي أفسح لها في مستهل مجيئه وقد رأينا هذا الإجراء واضحا في منتصف عهد الرئيس مبارك عندما همش الفضاءات النقابية والطلابية والسياسية واستهدف الإخوان باعتقالهم وتحويلهم على محاكمات عسكرية في التسعينيات.

وفيما تحجم الإجراءات الأمنية من نفوذ الإخوان إلى حين فإنها تعصف بالفضاءات المجتمعية وتحرم الشعب من خدمات أهلية لن تستطيع الدولة أن تعوضها عنه أو تقدمها بالجودة والتكلفة نفسهما ما يفضي في النهاية إلى تفاقم التوتر بين الدولة والمجتمع تتجاوز دائر الصراع بين النظام الإخوان وتتزامن علاقة التوتر مع ترهل أجهزة الدولة وشيخوخة شخص الرئيس التي بدا منها وانتهي إلى دورة الفناء حسب " التعبير الخلدوني , أو إلى محطته الثالثة التي بدأ منها وانتهي إليها , وهي " أزمة شرعية " وهي المرحلة التي يمر بها نظام مبارك حاليا .

وستمثل " أزمة شرعية " التي انتهي إليها نظام مبارك المحطة الأولي في دورة حياة النظام لوريث أيا كان إلا أن محطة " مأزق الشرعية " بالنسبة إلى النظام الجدد ستكون أعمق لأن الإخوان في عمليتهم الموازية لتعزيز شرعيتهم لن يبدؤوا من مربع الصفر نفسه الذي سيبدأ منه النظام وإنما من حيث سيستكملون من مرحلة متقدمة بدءوها منذ الثمانينيات فعلي عكس دورة حياة النظام السياسي التي تبدأ مع مجئ شخص جديد على رأس السلطة.

فإن شرعية الإخوان لا تنطلق من شخص المرشد وإنما من قوة التنظيم نفسه وقدرته على التوغل في نسيج المجتمع بخدماته وبسبب هذه المرحلة المتقدمة التي حققها الإخوان طوال العشرين سنة الماضية من عمر نظام مبارك وبسبب الحراك السياسي الشعبي الذي أصبح الإخوان طرفا فيه فإنه سيكون صعبا جدا على أى نظام جديد أن يبدأ دورته الحياتية بتحقيق مصالحه مع المجتمع من دون أن يمر ذلك بمصالحه مع الإخوان أولا .

إن حركة الإخوان اليوم ليست كالحركة في الثمانينيات وليست هي مجرد جماعة دينية تطالب بأن يكون " الإسلام هو الحل " وحسب وإنما استطاعت في السنوات الأخيرة أن تتفتح على المجتمع بكافة شرائحه أن تصبح رقما فاعلا مندمجا في معادلة الجبهة الوطنية المعارضة للنظام وبالتالي فإن أية محاولة مستقبلة في النظام لإقصائها ستكون أشبه بعملية جراحية احتمالات النجاح فيها ضئيلة جدا فما يراد استئصاله هو في الحقيقة صار متوغلا في نسيج وشرايين جسد المجتمع المصري ذاته وأى نظام جديد يسعي إلى أن ينتقل من محطة " أزمة الشرعية " فإنه لن يخاطر منذ البداية بإجراء هذه العملية الجراحية الحرجة لأنها لم تعد تتعلق باستئصال الإخوان وحدهم وإنما باستئصال أنسجة حية من المجتمع نفسه .

تحولات داخل الإخوان

وكما أن النظام المصري مر بتحويلات فإن الإخوان المسلمين أيضا مروا بتحويلات في السنوات الماضية فلم تعد الحركة جماعة منعزلة على هامش الطيف السياسي والاجتماعي بحيث يستطيع النظام أن يقصيها بسهولة وهدوء فالحركة منذ قيادة عمر التلمساني أعادت بناء تنظيمها بناء محكما ليس فقط على مستوي استقطاب الأعضاء وزيادة أعدادهم وإنما نوعيا من خلال استحداث مكاتب وتخصصات جديدة داخل الجماعة تخدم على شرائح المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الذي انخرط بسهولة في العمل الاجتماعي الخدمي سواء على مستوي النقابات أو نوادي أعضاء هيئات لتدريس واتحاد الطلبة في الجامعة , أو الجمعيات الأهلية في الأحياء والمدن .

وظلت عقلية ضرورة والاندماج مع المجتمع راسخة, إلى درجة أن تعبير سياسة النظام تجاه الحركة وتحويل قياداتها الوسيطة على محاكمات عسكرية في التسعينيات لم يهز قناعة أعضائها في منهجية الجماعة السلمية , أو يدفعهم باتجاه التشدد والعزلة (كما حصل مع سيد قطب وجماعته في الستينيات) وإنما دفعهم إلى توسيع شبكة الاندماج كإستراتيجية لمقاومة تعسف النظام وكانت ضربات التسعينيات نقطة الاندماج كإستراتيجية لمقاومة تعسف النظام وكانت ضربات التسعينيات نقطة تحول في سلوك الجماعة باتجاه مزيد من التفاعل مع بقية مؤسسات الدولة والمجتمع إلى حد يعوض الجماعة عن فقدان مشروعيتها القانونية ويحولها واقعيا إلى رقم مهم في معادلة أية جبهة وطنية معارضة .

وفيما كانت الجماعة تتبع سياسة الحذر والحيطة تحت قيادة المرشد السابق مأمون الهضيبي و فإن وجود المرشد الحالي مهدي عاكف , ودائرة جيل السبعينيات حوله وتزامنا مع أجواء الانفتاح التي أرشنا إليها والحراك السياسي في الشراع المصري جميعها عوامل عززت من استراتيجية الجماعية لتحقيق مزيد من التمدد التي بالضرورة على مستوي زيادة عدد أعضائها وإنما على مستوي توسيع شبكة علاقاتها بأطياف المجتمع الفاعلة واتضحت معالم إستراتجية الإخوان في مبادرة الإصلاح العام 2004 ونزول الإخوان إلى الشارع , بالتعاون مع حركة " كفاية " وطرح برنامج الحزب السياسي ليس على لجن الأحزاب وإنما على نخبة المجتمع لنقاش والمراجعة .

وفيما تعتمد دورة حياة النظام السياسي في معادلة بناء وتعزيز شرعيته على شخص الرئيس فإن دورة حياة جماعة الإخوان تعتمد على قدرة التنظيم في البناء على إنجازاته السابقة التي لا تتوقف على شخص المرشد أو على أفراد بعينهم وفيما يبدأ شخص الرئيس الجديد من مربع الصفر ومن محطة " أزمة الشرعية " في رحلته لتحقيق المقبولية فإن الجماعة لا تبدأ من المربع نفسه , برحيل مرشد ومجئ آخر وإنما تستكمل مسيرتها من مربعات متقدمة والمربع الحال للجماعة أصبح بفعل استراتيجية الإخوان.

متداخلا مع نسيج المجتمع بصورة سيصعب على النظام استهداف الحركة من دون أن يؤدي ذلك إلى إحداث نوع من الالتهاب في جسد المجتمع المصري وتوتر في علاقة النظام الجديد بالشعب وبالتالي سيكون من المستحيل أن تتم أية مصالحة بين الدولة والمجتمع من دون أن تشمل الإخوان ومن الصعب أن يتم تهميش الإخوان من دون أن يؤثر ذلك في المجتمع المصري ككل .

النظام والإخوان وأمريكا

سببت أحداث 11 أيلول سبتمبر هزة عنيفة أربكت الولايات المتحدة في سياستها تجاه منطقة الوطن العربي ومصر تحديدا فمن جانب شنت أمريكا حربا على العراق في العام 2003 , وبررت ذلك على أنه تأسيس لنموذج بلد عربي ديمقراطي سيحتذي به في بقية دول المنطقة وعولت أمريكا على مصر في قيادة موجة التغيير الديمقراطي في المنطقة.

لكنها من جانب مناقض تحالفت مع الأنظمة السلطوية لما اتضح بان نتيجة إجراء انتخابات نزيهة سيفضي إلى فوز الإسلاميين في فلسطين , والأردن والمغرب والبحرين ومصر , ويبدو أن نجاح " حماس" في الانتخابات التشريعية في العام 2006 مثل نقطة تحول بالنسبة إلى الولايات المتحدة ونقله من أجندة الضغط للإصلاح السياسي إلى أجندة تكريس الأمن لمقاومة الإرهاب .

وانعكست النقلة الأمريكية بين الأجندتين المتناقضتين على أجواء الانتخابات المصرية لعام 2005 , إذ اتسمت المرحلتان الأولي والثانية بالشفوية النسبية وقد أسفرتا عن فوز الإخوان بـ 34 مقعدا , و42 مقعدا على الترتيب فيما اتسمت المرحلة الثالثة بالتدخل الأمني والتزوير ما قلص فوز الإخوان إلى 12 مقعدا وساد تحليل أن النقلة لأمريكية انعكست كذلك على الانتخابات الأردنية في لعام 2007 التي شهدت إقصاء الجبهة العمل الإسلامي الواجهة السياسية للإخوان المسلمين في الأردن .

إلا أن الدراسة تجادل بأن الأجندتين الإصلاح السياسي وضمان أمن مصالح الولايات المتحدة في المنقطة ليستا متناقضتين تماما كما قد يتهيأ للإدارة الأمريكية وأنه بإمكانها الجمع بينهما فالضغط على النظام المصري للمبادرة بإصلاحات سياسية لا يفضي إلى أن ترفض الحكومة المصرية بالتعاون مع أمريكا لتحقيق مصالحها في المنطقة.

كما دلت على ذلك مؤشرات سابقة وأن أمام الولايات المتحدة فرصة فريدة يجب أن تقتنصها مع لنظام المصري الجديد وهي حثه على الإصلاح السياسي كمرحلة ضرورية لتحقيق استقراره وإن أية إصلاحات سياسية يجب أن تستوعب قوي المعارضة وعلى رأسها الإخوان المسلمين باعتبار نفوذها في الشارع المصري والتزامها بآلات العمل السلمي ومن المفارقة أن تدرك الولايات المتحدة أن الاستمرار في إقصاء الإخوان عن العمل السياسي لن يكون سوي مسئول عن تنامي نفوذ الجماعة في الشارع لأنها عندئذ ستركز على أنشطتها الاجتماعية التي ستكسب لها مزيدا من الأنصار والمؤيدين .

مقدمة

صدف أنني كنت في مكتب الإخوان المسلمين في لندن يوم 11 أيلول سبتمبر 2001 لإجراء مقابلات خاصة بهذه الدراسة وقد عكست وجوه كل من كان في المكتب المشهد المفزع للطائرات وهي تصطدم ببرجي مركز التجارة الدولي في نيويورك وعلى رغم أن هوية منفذي تلك الهجمات لم تكن معروفة في تلك المرحلة المبكرة فقد سرت مخاوف من أن متطرفين من تنظيم القاعدة ربما كانا على علاقة بالحادث

وبدا واضحا أن الإخوان في المكتب ماتوا قلقين من النتائج المحتملة من تلك الهجمات إذ ثبت تورط الإسلاميين والتي ستعزز حينئذ مخاوف الأمريكيين ,والعالم الغربي ككل , من الإسلام والمسلمين وستوفر مزيدا من المصداقية لفكرة هانتنغتون التي تتحدث عن " صراع الحضارات" وفي غمرة المخاوف الغربية سيطمس الخط الفاصل حتما بين الإسلاميين المعتدلين والإسلاميين المتطرفين أو يصبح غير ذى أهمية وإذا حصل فلن يكون هذا خاطئا وخطيرا فحسب وإنما ستشجع بعض الأنظمة العربة على قمع كافة الإسلاميين دون تمييز بين معتدل ومتطرف .

وقد كان الرئيس المصري محمد حسني مبارك أحد قادة العرب الذين سبق أن شنوا حملات قمعية ضد الإسلاميين معتدلين ومتطرفين منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي وقد وصلت حملته إلى ذروتها العام 1995 عندما أحال 95 مدنيا من الإخوان المسلمين على محاكمات عسكرية بتهمة الانتماء إلى تنظيم محظور والتآمر على قلب نظام الحكم , ولكن أحداث 11أيلول سبتمبر 2001 والمناخ الدولي المتوتر شجع النظام المصري ( وأنظمة عربي أخري ) على اعتقال شخصيات إسلامية مدنية وسجنها بوتيرة أعلي بكثير من ذي قبل.

حتى إن عاطف عبيد و رئيس الوزراء المصري السابق دعا مفتخرا الدول العربية إلى العلم من تجربة مصر في التعامل مع الإسلاميين بدلا من انتقاد سجلّها في مجال حقوق الإنسان طوال العشرين سنة الماضية ( الثمانينيات والتسعينيات ) وتوازت لهجة عبيد بالتأكيد مع التحول الذي طرأ للمزاج الأمريكي والدولي الغاضب بعد أحداث أيلول سبتمبر ففي حين أن السفارة الأمريكية كانت ترسل موظفين لمراقبة سبتمبر لم تعد عمليات اعتقال شخصيات المعارضة بعد هذا التاريخ تثير تعليقات من السفارة الأمريكية في القاهرة كما أن اتخاذ تدابير مشابهة بهدف محاربة الإرهاب في بريطانيا وأمريكا جعلت النظام المصري يتباهي بأن محاكماته العسكرية وإجراءات الطوارئ ضد الإسلاميين كانت في محلها .

ومع ذلك أقول إنه ليس من العدل الافتراض أن علاقة الرئيس مبارك بالإسلاميين قامت على القمع والاضطهاد فقط فلربما كانت سياسة الدولة قائمة على قمع الإسلاميين المتطرفين من المنتمين إلى الجهاد والجماعة الإسلامية وليس الإخوان المسلمون الذين ظل أقطاب مهمون منهم داخل النظام (وما زالوا) الذين ينظر إليهم على أنهم يشكلون تيار الاعتدال الإسلامي في مصر

فقد كان يغض الطرف في أغلب فترات الثمانينيات عن الحركة وسمح لقيادتها بممارسة نشاطها من مكتب الجماعة في شارع رمسيس وسط القاهرة كما سمح لأعضائها بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية في العامين 1984 , 1987 ولم يتم اتخاذ إجراءات قمعية فعلية ضد الحركة سوي بحلول التسعينيات ذلك لما أصبح تأثير الحركة في سياسات مصر وفي مجتمعها واقعا لم يستطع النظام تحمله ويهدف هذا الكتاب إلى دراسة الأسباب وراء التغير في علاقة مبارك مع الإخوان المسلمين وما إذا كان هذا الأمر مرتبطا بالفعل بعلاقة الإخوان بالإرهاب وبالمؤامرات التي تخطط لقلب نظام الحكم ؟

وسأركز في تفسير العلاقة بين مبارك والإخوان المسلمين والتحولات التي طرأت عليها من خلال لتركيز على إصرار الدولة على حجب الشرعية القانونية عن الإخوان المسلمين وأثر هذا الحجب في تفسير سلوك وتطور الجماعة الاجتماعي والسياسي فمعظم الدراسات التي تناولت العلاقة بين الطرفين ركزت غالبا على الطبيعة السلطوية للنظام المصري وربما على الأداء الاجتماعي للإخوان في النقابات لتفسير التغير في موقف مبارك.

ولكن معظم الدراسات قلما تركز على موضوع الشرعية في تفسير الصراع بين الحركة والنظام فلا يمكن تحليل أداء الإخوان في المجتمع المصري وفهم تسيسس هذا الأداء في ما بعد ( كما سنري مثلا في حادثة الزلزال سنة 1992 ) من دون أن نؤكد أن عملية التسييس تمت في سياق كون الجماعة لا تحظي باعتراف الدولة وتهدف إلى إثبات وجودها ومن هنا لا يصبح لتفاعل الإخوان وحركتهم في المجتمع في يعين النظام أجندة لا يقبلها .

ويفعل النظام ذلك ليس لأنه سلطوي واستبدادي فحسب , وإنما لأنه يتصارع مع الحركة ساعيا إلى إقصائها على مساحات ومقدرات الشرعية نفسها وسيكون من الملاحظ أنه كلما زاد نفوذ الجماعة في المجتمع , وزادت بالتالي " مشروعيته " زاد توتر النظام من نتائج ذلك على وضعيته وبهذا تكون العلاقة بين الطرفين قائمة على تنافسهما على الشرعية وبذلك يتحول موضوع الشرعية وليس طبيعة النظام السلطوية فقط عنصرا رئيسيا في تحليل العلاقة بين الإخوان ومبارك .

في هذه المرحلة المبكرة يمكن أن يقال إن مبارك تسامح مع الإخوان في مستهل الثمانينات في إطار سعه إلى تعزيز شرعيته السياسية باعتباره حاكما وصل لتوه إلى السلطة في العام 1981 وقمعهم في التسعينيات لأن تراكم نفوذ الجماعة بدأ يهدد شرعية النظام وتهديد الإخوان لشرعية النظام لم يكن يستند إلى إنجازاتهم على مستوي النقابات وبقية الأنشطة الأهلية

وإنما أستند إلى " تسييس" هذه الإنجازات وتداعيات ذلك على استقرار النظام فقد شعر مبارك بالتهديد من أنه على الرغم من إنكار الدولة لحركة الإخوان فإن الحركة استطاعت كسر طوق حجبها عن الشرعية القانونية وبحثت لها عن شرعية بديلة مسمدة من المجتمع وليس من الدولة استطاعت بفضل تركيبة تنظيمية محكمة أن توظف هذه الشرعية لتعبئة الشارع والنخبة للضغط على على النظام باتجاه الاعتراف بالحركة وليس المراد من تعبئة الإخوان للشارع هي " قلب نظام الحكم" كما يتهم النظام وإنما إرغام الدولة على الاعتراف بهم وهو ما تراه الدولة محاولة ملتوية للابتزاز وجرها إلى فعل ما تريده تحت ضغط الأمر الواقع "

ما هي الشرعية ؟

قبل أن أجيب عن السؤال لابد أن أؤكد أولا أن هناك جدالا مستمرا حول الشرعية وتعريفها أهميتها وأنواعها وهو ما يجعل تفسير مواقف أنظمة وجماعات أمرا صعبا خاصة عند دراسة الأنظمة الاستبدادية أو تفسير العلاقة بين الدولة والمجتمع في وطننا العربي كما إن تعريف الشرعية يختلف أحيانا حسب التخصص الذي عرفه فمثلا...

يري المتخصص في القانون أن الشرعية هي امتداد لـ " القانونية " والنظام الشرعي إذا هو لنظام الذي يلتزم بأحكام القانون ويري السياسي الشرعية على أنها متصلة بمفاهيم القوة والسلطة وتصبح السلطة شرعية لما يتم قبول استخدام القوة عن طريق المؤسسات التابعة لها ( مثلا الشرطة والأمن ) ولكي يكون استخدامها للقوة مقبولا لابد من أن يكون هناك اعتقاد مشترك من الحاكم والمحكوم بأن صيغة سياسية معينة للحكم هي صيغة مرضية .

ويعتبر ماكس فيبر من المؤثرين في موضوع الشرعية السياسية وأنماطها الثلاثة وهي : الشرعية الكاريزمية , والشرعية التقليدية الشرعية العقلانية أو المستندة إلى المنطق والقانون ويقصد بالشرعية الكاريزمية التي تشع من " صفات غير عادية " في القائد أو الزعيم تبعث على قبول شخصي وفوري له من الجماهير وتشتمل الشرعية التقليدية على حكم القوي والمؤسسات التقليدية كالقبيلة , والتقاليد والأعراف ,والدين .

فيما تشير الشرعية العقلانية إلى نوع من السلطة يعتمد على القبول بقواعد وإجراءات رسمية معينة تعتبر صحيحة من الناحية المنطقية وملزمة ن الناحية القانونية ويرسي النظام السياسي حكمه باستخدام واحد أو أكثر من أنماط الشرعية تلك وبمرور الوقت وبروز التحديات فإن النظام يكيف نفسه ويعيد ترتيب أولويات أنماط شرعيته

فعلي سبيل المثال فإن حاكما ما قد يعتمد على شرعية الكاريزما لما يأتي إلى الحكم ( نموذج الرئيس المصري الراحل عبد الناصر مثلا 9 ولكنه بمرور السنوات سيعزز شرعيته الشخصية بالأعراف والإجراءات المنطقية والقانونية وحسب فيبر فإن هذا الحاكم الكاريزمي سكون قد "أضفي روتينية" على قيادته أى بني أسسا منطقية لزعامته من خلال دستورا أو قوانين تبقي على شرعيته نظامه وهذا التحول النهائي إلى الأعرف المنطقية هو أحد السباب التي جعلت فيبر يعتبر الشرعية القانونية الأكثر رسوخا واستمرارية مقارنة بالشرعية الكاريزمية والتقليدية .

والتعريف الآخر للشرعية هو تعريف ديفيد إيستون الذي اقترح فيه تصنيفا آخر لأنماط الشرعية هي : الشرعية الشخصية والشرعية الإيديولوجية والشرعية البنيوية وهي أناط قريبة من تصنيفات فيبر وتكون الشرعية الشخصية لما يكون لسلوك وشخصيات الذين يتولون حكم السلطة أهمية مهيمنة " إلى درجة يمكن للقائد معه أن " ينتهك الأعراف والإجراءات المنصوص عليها في النظام وربما تبدو الشرعية الشخصية التي يتكلم عليها إيستون قريبة من الشرعية " الكاريزمية" التي تحدث عنها فيبر.

وإن كان البعض يعتقد بأنها تغطي نطاقا أوسع لظواهر قيادة الزعيم وفي ما يتعلق بالشرعية الأيديولوجية فهي التي تشتمل على " المثل" والغايات التي تساعد أفراد النظام على تفسير الماضي وعلى شرح الحاضر وعلى توفير نظرة إلى المستقبل والشرعية البنيوية هي التي تتعلق بتركيبة النظام السياسي وبالمؤسسات التي تجعل النظام قادرا على العمل وبالإضافة إلى أعمال فيبر وإيستون هناك العديد من المحاولات الغربية المتنوعة التي تسعي إلى إيجاد أنماط أخري للشرعية .

قبل أن أناقش مفهوم الشرعية بالنسبة إلى واقع الأنظمة العربية أود أن أتطرق إلى مشكلة عملية وهي كيف يمكن لأحدنا أن " يقيس " درجة شرعية نظام ما ؟ والجواب هو أن بعض الباحثين تحدث عن طريقتين لقياس الشرعية : الأولي تعتمد على تقييم كفاءة النظام أو الحاكم فيما تعتمد لثانية على قياس الرأي العام أو المحكومين فالطريقة الأولي تنظر إلى الشرعية من أعلي أى علي مستوي النظام ومدي قدرة النظام على توفير الفرص للمشاركة الشعبية وهذه الطريقة في القياس لا تركز على ما يعتقده الناس إزاء النظام وإنما على مدي توفر صفات معينة في النظام نفسه مثل الكفاءة والعدالة واستعداده لإجراء انتخابات دورية مع الحفاظ حقوق الأقليات ... الخ .

وتنظر الطريقة الثانية إلي الأسفل وانطلاقا من المستوي الشعبي وتركز على معتقدات الفرد ومشاعره نحو السلطة وقد أصبحت هذه الطريقة ممكنة بفضل تطور منهجية الاستبيانات التي تطورت كأداة بحث بعد الحرب العالمية الثانية وهي تقيس الشرعية بناء على استبيانات تطرح أسئلة على المواطنين تتعلق بمصالحهم ومشاركتهم السياسية وآرائهم نحو النظام السياسي وهي أداة ليس من السهل إتباعها لقياس شرعية كثير من الأنظمة العربية للحرج الأمني الذي يكتنف موضوع توزيع استبيانات الرأي على المواطنين وهذا يقودنا إلى مناقشة موضوع شرعية الأنظمة العربية .

الأنظمة العربية والشرعية

يميل بعض الباحثين في منطقة الشرق الأوسط إلى التقليل من أهمية الشرعية كعنصر في تحليل سياسات العديد من الحكام العرب فعلي سبيل المثال أشار جون واتربري في مناقشته للفساد في المغرب إلى أن استقرار النظام يعتمد على غياب شرعيته وليس على وجودها وعادة ما يصاحب التقليل من أهمية الشرعية التشديد على مفاهيم مثل " القوة البوليسية " , "السلطة الأمنية " و" الإكراه " للأنظمة

ويتم تأكيد نموذج للحكم يعتمد على استخدام القوة المادية في المحافظة على السلطة بدلا من القبول الشعبي ولكن هذه الدراسة تجادل بأن الشرعية بأنماطها المختلفة بما فيها النمط الديني والتقليدي ليست مهمة فحسب وإنما هي متعذرة في تاريخ تشكل الدول في الشرق الأوسط , ومرتبطة ولو شكليا بطريقة تولي الحكام العرب سدة القيادة وبالتالي تصبح الشرعية مهمة بالنسبة إلى دراسة تبحث في موضوع علاقة النظام المصري بالإخوان

وتنظر إلى تلك العلاقة من زاوية سعيهما المشترك إلى اكتساب الشرعية ويعتبر مايكل هادسون أحد المساهمين الرئيسيين في دراسة الشرعية في السياسات العربية وقد رد هادسون على تقليل واتربري من أهمية الشرعية بالنسبة إلى الأنظمة لعربية قائلا :"

وحدهم المراقبون الأكثر استهتارا سيدعون بأن الأنظمة السياسية العربية مجردة بالكامل من صفة الشرعية أو الاهتمام بها وأنها بالتالي تعتمد بشكل كامل على الإكراه المجحف للتوصل إلى الاستقرار الذي ربما تتمتع به فهناك أنظمة تتمتع بقدر أكبر من الشرعية مقارنة بأنظمة أخري وهذه لشرعية التي تمتلكها تلك الأنظمة تتفاوت مع مرور الوقت .

واستخدام هادسون نمطي الشرعية اللذين تحدث عنهما فيبر وايستون في دراسته في شرج كيفية عمل الأنظمة العربية وطبق مثلا تعريف فيبر للقياد الكاريزمية على حكام مثل جمال عبد الناصر والحبيب بورقيبة وناقش مدي صلة تعريف إيستون للشرعية لشخصية بالأنظمة العربية الأخرى وقال إن الشرعية الأيديولوجية التي تحدث عنها إيستون تشكل بدرجات متفاوتة عنصرا مهما بالنسبة إلى أغلب الأنظمة العربية

سواء أكانت أنظمة " محافظة " أو " تقدمية" وقد طبق ما وصفه ديفيد أبتر بـ " الدين السياسي " في تفسير توظيف بعض الأنظمة العربية الثورية في العراق وليبيا وسورية الدين لتعبئة الجماهير فيما عمدت أنظمة أخري في مصر وتونس واليمن إلى رفع شأن لقيم الوطنية العلمانية والحداثة ويمكن القول إن دراسة هادسون للشرعية واستخدامها من الأنظمة العربية مفيدة وإن لم تكن شاملة .


النظام المصري والشرعية

يكتسب موضوع الشرعية بالنسبة إلى النظام السياسي في مصر أهمية خاصة بسبب وجود وعي شعبي بأن كل نظام يحكم مصر بصرف النظر عن طبيعة هذا النظام يجب أن يستند إلى شكل من أشكال الشرعية وهذا الوعي كما يري سعد الدين إبراهيم متجذر في المجتمع المصري وفي نخبته السياسية منذ الحقبة الليبرالية الممتدة بين العشرينيات من القرن الماضي والعام 1952 حسب تعبير سعد الدين إبراهيم :"

كانت وستبقي الشرعية هما أساسيا بالنسبة إلى أى نظام حاكم في مصر إذ يتوجب على أى نظام أن يزعم بأن نظام حكمه يستند إلى شكل من أشكال الشرعية , وساء أكانت شرعية دستورية أم سياسية بصرف النظر عمّا إذا كان الحاكم يؤمن فعلا بصدق دعوي امتلاكه للشرعية فهذه مسألة أخري لكن عندما تستمع إلى خطبهم وتنظر إلى سياساتهم ( الحكام المصريين ) فإنك تجد أنها تشير جميعا إلى مدي حرصهم على امتلاك الشرعية "

ولم يسفر انتهاء الحقبة الليبرالية ومجئ نظام عسكري في العام 1952 عن إضعاف هذا الإرث من الوعي لدي الناس , والنظام ووجوده يعد أحد الأسباب التي تجعل مبارك يبدو مترددا في تسمية نجله جمال ليكون خليفته المحتمل كما تفسر مسألة الشرعية الكثير من التوترات التي شهدها النظام في كل مرة أجري فيها انتخابات رئاسية وباختصار ربما لا يكون الشعب المصري قادرا على إحداث أى تغيير مفاجئ في النظام الحالي وهذا مرتبط بكافة الأسباب عدا حقيقة أنه " ضعيف " أو غير مبال لكن لا ينبغي الاستنتاج من ذلك أن الشرعية السياسية لحاكم غير مهمة بالنسبة إليه .

ومن هن فإن التصنيفات التي اقترحها فيبر مفيدة في شرح كيفية توظيف الحكام المصريين للكاريزما والتقاليد القانون في إضفاء الشرعية على قيادتهم فقيادة جمال عبد الناصر , كما ذكرت , غالبا ما تربط بشرعية الكاريزما الشخصية لديه , علما بأن هذه الشرعية لم تأت من فراغ وإنما آزرتها شرعية ثورة 1952 فيما يشتهر عن محمد أنور السادات بأنه حاكم اعتمد على الأنماط التقليدية لتأسيس شرعية حكمه إلى جانب شكل من أشكال الشرعية القانونية ولكن هل تكفي تصنيفات فيبر أو إيستون التي تطورت في سياق واقع غربي في تفسير سلوكيات لنظام المصري وبقية الأنظمة العربية عموما أم ينبغي التوصل إلى تصنيفات جديدة من البشرية على صلة بالقواعد التي وضعاها ولكن تأخذ في الاعتبار الواقع العربي ؟

هذا موضوع مثير للجدل ودارت حوله نقاشات عديدة وبخاصة في الوطن العربي حيث ترفض بعض النخب العربي التي تكن مشاعر وطنية أو دينية تصنيفات فيبر وايستون التي يعتبرونها غريبة عن التجربة السياسية العربية ولا تنسجم مع كيفية احتفاظ الأنظمة العربية بالسلطة فوحيد عبد المجيد مثلا وهو أحد المحليين في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في القاهرة يعتقد بأن أنماط الشرعية التي تحدث عنها فيبر لا تنطبق على العديد من الأنظمة العربية:

" المشكلة في المفاهيم الغربية للشرعية هي أنها تعرف الأنماط بطريقة جامدة وغير مرنة وتضع كل شئ لا يمكنها أن تستوعبه لأنه غريب عن واقعها ولا يمكن تصنيفه على أنه شرعية كاريزمية أو قانونية في خانة " القيادة التقليدية " وهذا اختزال مخل بالواقع العربي السياسي المعقد "

ويقترح عبد المجيد أنماطا في وصف شرعية للأنظمة العربية بما في ذلك النظام المصري تعتمد على العنصر الأجنبي الذي يجب أن يدخل في معادلة شرعية الأنظمة العربية فالأنظمة العربية تعتمد في خطابها السياسي على الولايات لمتحدة وعلى إسرائيل في إثارة المشاعر الوطنية لتكسب بالتالي ما يصفه عبد المجيد بـ " الشرعية الشعبية " وتعتمد أيضا بدرجة كبيرة على وعود هذه الأنظمة بتحسين مستوي معيشة السكان والخدمات الاجتماعية في ميادين الصحة والتعليم والتوظيف وإن كانت تلك الوعود خطابية أو لا تترجم إلى انجازات فعلية .

وأعتقد أن فكرة الوعود بتحسين الأداء التي تحدث عنها عبد المجيد فكرة مهمة لأنها تشدد على أهمية الإنجاز بالنسبة إلى الأنظمة العربية حيث يمكن أن ينظر إلى الإنجازات التي تتحقق على الصعيد الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي على أنها عامل مهم في سعي الأنظمة إلى الشرعية سواء كانت هذه الإنجازات حقيقية أو رمزية وقد تحدث إيلين باستفاضة عن هذا الشكل من أشكال الشرعية شرعية الإنجاز .

شرعية الإنجاز

يري إيلين أن شرعية الإنجاز تأتي من السياسات والأفعال التي يقوم بها الحاكم أو النظام وهي تنبع أساسا من فكرة دور الدولة في الغرب في تحسين مستوي الرعاية الاجتماعية ويربط بين أداء لحكومة في هذا المجال وشرعية النظام وهذا الذي دفع بوغي إلى أن يجعل قدرة النظام في تحقيق الرفاهية الاجتماعية مصدرا مهما لشرعية النظام ومستقبلا عن المصادر الأخرى للشرعية وهي الكاريزما والتقاليد والقانون التي تحدث عنها فيبر .

صحيح أن فيبر أقر بأهمية لإنجاز ولكنه جعله تابعا للشرعية الكاريزمية وقال أنه عندما يبدأ مؤيدو القائد الكاريزمي بالحكم على أدائه وأفعاله ويرون أنها لا تنسجم مع وعوده فإنهم عادة ما يتراجعون عن دعمهم له وهو ما يفسح المجال بعدئذ لبروز قادة بديلين منه وفي هذا السياق يصبح الأداء أو الإنجاز عند فيبر أشبه ما يكون بشبكة خلاص تستخدم فقط عندما يتراجع تأثير مصادر الشرعية التقليدية كما أنه بتأكيده أن النوعين التقليدي والمنطقي للشرعية هما أكثر استقرارا فهو يشير ضمنا إلى أن أداء الحاكم لا يصبح ذا أهمية كبيرة وهي فرضية تتناقض مع الأدلة التاريخية .

فمفهوم شعبية الإنجاز مفيد لأنه يبرز أهمية الإنجازات الاجتماعية والاقتصادية بوصفها مصدرا جوهريا ومستقلا للشرعية بل ويعطي الشعب وزنا وقيمة في صياغة شرعية النظام وبما ينسجم والتوقيعات الشعبية التي تحدث عنها سعد الدين إبراهيم وعلى رغم أنه لا ينبغي النظر إلى شرعية الإنجاز على أنها بديل أو عوض عن أنماط الشرعية الأخرى فإن بعض العلماء مثل جون شار أعتبر أن أهمية شرعية الانجاز مقارنة بأشكال الشرعية الأخرى زادت في العقود الأخيرة فالشرعية الكاريزمية والتقليدية والمنطية يعتريها الضعف في نظر شار بسبب التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتنوعة .

وأعتقد بأنه يمكن أن يكون مفهوم شرعية الانجاز مفيدا في أى بحث عن الشرعية في الوطن العربي وبخاصة في حالة الأنظمة التي تعتبر نفسها أنها تحكم دولا قائمة عل الرعاية الاجتماعية لشعوبها وهذا يقودنا إلى تعريف دولة الرعاية الاجتماعية أولا , وإلى تحديد المدى الذي يمكن لدولة مثل مصر أن تعرف نفسها بأنها دولة رعاية اجتماعيا .

دولة الرعاية أو الرفاهية :

ينص أحد تعريفات دولة الرعاية الاجتماعية ( أو دولة الرفاهية ) على أنها الدولة التي تهدف إلى خفض التأثيرات السلبية للانقسامات الاجتماعية والتخفيف من حالات انعدام المساواة الاجتماعية ويشدد تعريف آخر على مسؤوليات الدولة في تأمين مستوي أساسي من الرعاية الاجتماعية لمواطنيها وتركز الدراسات التي قام بها ويلينسكي وكوربي على حجم النفقات التي تقوم بها الدولة على الخدمات الرئيسية كمعيار أساسي لتعريف دولة الرعاية الاجتماعية على اعتبار أن مستوي الإنفاق على الخدمات الاجتماعية يعكس التزام الدولة بتوفير الرعاية الاجتماعية ولكن الإنفاق وحده كمعيار لدولة الرعاية الاجتماعية يمكن أن يكون مضللا لأن أوجه الإنفاق ليست متساوية ولا يوجد لها معيار محدد وهناك تعريف ثالث يربط بين دولة الرعاية الاجتماعية في الغرب جاءت من أنظمة استبدادية مثل فرنسا على عهد نابليون الثالث وألمانيا على عهد بسمارك ويمكن للمرء أن يستنتج عموما أن دولة الرعاية الاجتماعية هي الدولة الملتزمة أو التي نقدم نفسها على الأقل على أنها ملتزمة بتحسين الرعاية الاجتماعية والمعيشية لشعبها .

وبالنسبة إلى دولة مثل مصر فإن النخبة المصرية سواء كانت اشتراكية أو ناصرية أو ليبرالية اقتصادية تعتبرها دولة رعاية اجتماعية وقد تطور نظام الرعاية الاجتماعية في مصر في أواخر الخمسينيات وفي عقد الستينيات من القرن الماضي في وقت كانت فيه الدولة ملتزمة بحق في ظل ناصر بتحسين الظروف المعيشية للشعب المصري فقد وفرت الدولة التعليم المجاني والخدمات الصحية المجانية وفرص العمل لكافة خريجي المدارس الثانوية والجامعات كما ضمنت للشريحة السكانية الأشد فقرا.

ولو من ناحية الشعارات الخطابية , زيادة في الدخل , ورفعا في المستوي المعيشي فوفرت هذه المزايا على شكل سلع أساسية مدعومة وخدمات اجتماعية اشتمل هذا النوع من الالتزام على يصفه اتربري بـ " العقد الاجتماعي " بين الدولة والشعب بحيث تقوم الدولة بموجبه بتوفير السلع والخدمات في مقابل الإذعان السياسي للشعب وقد شكل العقد الاجتماعي مكونا جوهريا في شرعية ناصر بعد مجيئه إلى السلطة في العام 1954, واستمر الأمر علي هذه الحال في ظل الأنظمة المتعاقبة التي اعتمدت على دعم المؤسسة العسكرية وحتى في ظل سياسة الانفتاح السياسي والاقتصادي التي طبقها السادات في السبعينيات , أو التعديل الهيكلي ( الخصخصة ) الذي أعلن عنه مبارك في التسعينيات فإن الدولة المصرية ظلت محسوبة تاريخا على أنها دولة رعاية اجتماعية .

فكما قال خالد منبر وهو صحافي مصري " الدولة المصرية لا تستطيع أن تتخلي ببساطة عن دورها الاجتماعي بعد ثورة 1952 , وإذا ما أقدم نظام ما علي التخلي عن هذا لدور فإنه يعلن تلقائيا أنه غير شرعي , لأنه سيكون قد قضي على قاعدة دعمه .

شرعية مبارك

وبعد أن قلت إن الشرعية مهمة بالنسبة إلى الأنظمة العربية السلطوية وإلى النظام المصري تحديدا دعنا نناقش الآن شرعية النظام السياسي المصري في حقبة الرئيس مبارك و وربما كان الحديث عن أشكال الشرعية التي يذيعها نظام مبارك أنه يستند إليها أسهل بكثير من الحديث عن مقدار شرعية نظامه في الواقع وبتحليل خطابات مبارك منذ أن تولي السلطة في العام 1981 فإنه يمكن أن أشير إلى الملاحظات التالية واضعا في الاعتبار الأشكال الكلاسيكية للشرعية التي تكلم عليها فيبر فزعامة مبارك تفتقر بكل تأكيد إلى الشرعية الكاريزمية مقارنة بناصر مثلا كما إن مبارك لم يعول كثير على الشرعية التقليدية ( الدين تحديدا ) كما اشتهر السادات وإن كانت الشرعية الدينية مهمة في نظر مبارك ولكن يمكن القول إن مبارك اعتمد على الشرعية القانونية وهي السند الذي أتي بي إلى السلطة باعتبار أنه كان نائب الرئيس خلال فترة السادات وبالتالي خليفته المتوقع من الناحية الدستورية كما أنه في ظل دولة لرعاية الاجتماعية فإن مبارك اعتمد أيضا على شرعية الإنجاز بالتأكيد في سنوات حكمه الأولي لتوطيد زعامته القانونية

أنا مدرك حقيقة أنه ربما تثير هذه الملاحظات بعض النقاش والجدل بل والرفض خاصة وأننا نتكلم على نظام يعيش سنواته الأخيرة وبدا متوترا وعنيفا في تعامله مع الناس والمعارضة أكثر من أى وقت مضي ما يجعل البعض يشكك في اهتمام النظام بشئ اسمه شرعية وأحب من ألان أن أسجل بعض ملاحظات نظرية ستصبح أكثر وضوحا وعملية عند ورودها لاحقا في متن الكتاب :

  1. كما قلت لا يستطيع أى نظام أن يتخلي تماما عن موضوع الشرعية حتي إن سعي إليه بصورة وهمية فنحن هنا لا نقيس مدي شرعية النظام بقدر ما نؤكد أن الشرعية يمن أن تكون مدخلا مهما لدراسة سلوكياته وتفاعلاته مع المجتمع .
  2. من المهم أن ندرك أن الطريقة التي يبني بها أى نظام شرعيته ليست طريقة وآلية واحدة وهي ابعد ما تكون عن الجمود ولكنها كما سنري لاحقا عندما نتكلم في الكتاب على تفاعلات النظام في الثمانينيات والتسعينيات تتميز بأنها دينامية وفي تغير مستمر وبالتالي لا يمكن أن تنسب إلى نمط معين وأحيانا لا يكون الحاكم نفسه مدركا بأنه يطبق في فترة معينة نمطا معينا من أنماط الشرعية التي تكلمنا عليها وإن كنا نتمني من الناحية النظرية أن يعتقد بان سلطته تستند إلى جميع أشكال الشرعية الكاريزما ,والتقاليد والقانون والإنجاز ولكن من الناحية العملية وبدراسة وتحليل خطاب وسياسة النظام في فترات مختلفة فإنه يمكن أن نتحدث عن شكل " مهيمن" أو طاغ على بقية الأشكال فالشرعية القانونية تكون هي الحاضرة خلال فترة الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية مثلا , وهكذا .
  3. تبدو الأمور أكثر تعقيدا عندما تكون أشكال الشرعية متداخلة كما لو أنها تشير إلى الأمر نفسه فأحيانا يقتضي السعي في تكريس الشرعية القانونية مثلا إلى إدخال شكل من أشكال الإصلاح القانوني ويكون لهذا الإصلاح بعد أو مضمون اجتماعي , يحقق في آن واحد شرعية إنجاز للنظام وهذا يمكن أن يعني أنه يمكن أن يكون هناك أكثر من نمط شرعية مهيمن أو طاغ في فترة واحدة
  4. من المهم أن ندرك أن عملية بناء الشرعية لا تنشأ في فراغ وإنما تأتي استجابة للنظم الاجتماعية والسياسية الاقتصادية والمحيطة ما يتطلب تغيرا مستمرا وإعادة صياغة لأشكال الشرعية حسب الأولويات التي يفرضها الواقع وهذا يرتبط أيضا بما سبق أن اشرنا إليه بشأن دينامية أنماط الشرعية الدينية إلا أنها تتحول إلى أولوية ف يحال ظهر له خصم يناوئه على أسس دينية .
  5. ما يزيد من تعقيد وصعوبة عملية بناء الشرعية هو أنها في أحيان كثيرة تستهدف شرائح مختلفة من الجماهير فالإنجازات التي يوفرها لنظام لكي يكسب دعم الجيش أو الطبقة العليا مثلا تختلف عن الإنجازات التي يريد من ورائها النظام دعم وتأييد الطبقة المتوسطة وطبقة الفقراء وأحيانا يشرع النظام في سياسات معينة لاكتساب شكل من أشكال الشرعية القانونية بين أفراد النخبة السياسية ويشرع في سياسات أخري مختلفة لكي يحظي بشرعية دينية بين أوساط الشباب الساخطين وهناك أمثلة كثيرة تدل على أن مسألة دراسة الطريقة التي يتفاعل بها النظام لكسب درجة من القبول المجتمعي هي في المحصلة عملية شائكة ومعقدة .
  6. إن النظام في الحالات الطارئة وحماية لما يعتبره يهدد شرعيته, قد يلجأ إلى استخدام القوة المادية ( العنف ) ضد من يهدده علما بأن اللجوء المتكرر والمتسمر إلى الإكراه يسفر تدريجيا إلى تآكل شرعية النظام نفسه . " وتدريجيا" هنا مهمة لأن الشرعية ليست واقعة بين ثنائية : إما موجودة 100 بالمئة , وإما غائبة 100 بالمئة وإنما ينبغي أن ينظر على أنها طيف من المستويات وتتنوع من شرعية فائضة إلى شرعية متآكلة أو متأزمة إلى شرعية غائبة تماما وهذه النظرة مهمة للغاية عند دراسة وتحليل موضوع الشرعية بالنسبة إلى الأنظمة العربية والمصرية تحديدا وستتضح مستويات أطياف الشرعية أكثر عند ورودها في متن الكتاب .

الشرعية في نظر الإسلاميين

قلت حتى الآن أن الشرعية مهمة للنظام المصري وبما أننا نبحث علاقة مبارك والإخوان المسلمين ونتخذ من الشرعية مدخلا في تحليل هذه العلاقة فمن المهم في هذه المرحلة أن نناقش موضوع الشرعية في نظر الإسلاميين عموما والإخوان بعد ذلك,وأنا في هذه المناقشة أريد أن أجيب عن سؤالين.

وهما:كيف يدرك الإسلاميون شرعية الأنظمة العربية وكيف يتصورون شرعيتهم أنفسهم كتيار وبالنسبة إلى السؤال الأولي فمن الناحية النظرية الحاكم الشرعي هو الحاكم الذي يطبق الشريعة الإسلامية وهذا هو الفهم التقليدي السائد بين أوساط الباحثين في ما يتعلق بالسلطة الشرعية ويقول المفكر الإسلامي المعروف كمال أبو المجد إنه على الرغم من أن الشرعية سمة دينية في السلطة السياسية الإسلامية غير أن الحكومة وأجهزتها البيروقراطية هي مدنية وليست دينية وبالتالي تنبع شرعية الحكومة من التزامها بتعاليم الإسلام كما أنها تنبع من قبول الناس ربها .

ومع ذلك يسود جو من الارتباك والغموض بين أوساط الإسلاميين عندما يتعلق الأمر بدراسة شرعية الدول أو الأنظمة العربية في الواقع وليس مثاليا ووجهة النظر التي يؤمن بها سيف عبد الفتاح وهو إسلامي ومحاضر في كلية العلوم السياسية في جامعة القاهرة توفر لنا مثالا لافتا على صراع الإسلاميين منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية في العام 1923.

من أجل تطوير مفهوم " السلطة الشرعية " يقترح عبد الفتاح تصنيفا في دراسة اغلب الأنظمة لعربية يري أنه مفيد أكثر من تصنيفات فيبر " المثالية " للشرعية:

فهو يجادل بأنه ينبغي النظر إلى شرعية الأنظمة العربية من خلال ثلاث زوايا : الأولي هي الإطار الأيديولوجي الذي يمنح لنظام هويته , والثانية هي طريقة وصول النظام إلى السلطة وطبيعة العقد الذي بين الدولة والمجتمع والثالثة هي شرعية الممارسة التي تركز على السياسات المتنوعة التي يطبقها النظام وهو في السلطة .

ويوفر التمييز الذي يقترحه عبد الفتاح بين مستويات السلطة في الأنظمة العربية إطار عمل غير مكتمل ولكنه مفيد في طريقة نظر الإخوان المسلمين إلى النظام المصري فقد كانت الحركة حريصة منذ أيام مؤسسها الإمام حسن البنا على عدم مناقشة القضايا التي تتعلق بالشرعية السياسية للنظام ربما لأن الموضوع لم يكن يشكل أولوية بالنسبة إليه طالما أن لجماعة معترف بها رسميا من قبل الدولة ويوجد درجة من درجات التعاون بين الحركة والسلطة (الملك فاروق وقتئذ)

وبناء علي ذلك فلم يكن لبنا يري مشكلة في خوص الانتخابات البرلمانية ولم يمنع أتباعه من تولي مناصب رفيعة في المؤسسات الحكومية كما أن المواجهة التي وقعت بين الحركة والدولة في أواخر الثلاثينيات ومستهل الأربعينيات من القرن الماضي والاغتيال المفاجئ للبنا لم يوفر للحركة فرصة كافية لتطوير موقف مناسب من النظام ومن شرعيته .

وأما أراء الإخوان المسلمين في الشرعية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي فتميزت هي الأخرى بالغموض خاصة بعد صدامهم مع عبد الناصر ونشر مؤلفات سيد قطب وحتى نفهم أسباب هذا الغموض.

من المفيد أننقسم مسألة الشرعية السياسية بالنسبة إلى منتسبين إلى الإخوان إلى ثلاث مستويات مستوي يتعلق بشرعية رئيس الدولة ومستوي يتعلق بشرعية سياسات النظام ومستوي يتعلق بشرعية مؤسسات الدولة الرسمية وهي في الحقيقة والواقع تقسيمات وهمية بسبب هيمنة شخص الرئيس على صناع السياسة وهيمنته على المؤسسات التشريعية والقضائية ومع ذلك تبقي تقسيمات مفيدة .

فبالنسبة إلى مستوي شرعية رئيس لدولة ونظرة الإخوان إلى ذلك فإن الإخوان لم يكن لديهم رأي واضح من شرعية شخص عبد الناصر مثلا فالحركة اعترفت في البداية بشرعية الثورة في العام 1952 وقدمت المساعدة للانقلاب العسكري الذي قام به الضباط الأحرار ولكنها بدءا من العام 1954 رفضت الاعتراف والتعاون مع عبد الناصر كما أنها رفضت أيضا شرعية مؤسسات الدولة سواء داخل الحكومة ( واتضح ذلك بفصل الجماعة الأعضاء الذين وافقوا على تقليد مناصب وزارية في حكومة عبد الناصر) أو داخل مجلس الشعب وبالنسبة إلى شرعية سياسات عبد الناصر في الخمسينيات والستينيات , فقد اتسم موقف الإخوان بالغموض أيضا ربما لأن أغلب أعضاء الحركة بمن فيهم قيادتها كانوا في السجون وبالتالي لم يعبروا عن موقف علني معين نحو قرارات وأفعال النظام .

واستمر سجن الإخوان حتى مستهل عقد السبعينيات وهو ما عني أن الحركة كانت ما تزال غير قادرة على التعبير عن موقف حاسم من شرعية السادات عندما توي السلطة في العام 1970 وحتى بعد إطلاق سراحهم من السجون وتعاونهم بعد ذلك مع السادات في حملته ضد اليساريين فشل الإخوان في صياغة رد على شرعيته الشخصية وبدا موقف الحركة من مؤسسات الدولة في ظل السادات متناقضا أيضا فمن ناحية رفض الإخوان القبول بعرض السادات للمشاركة في منابر السياسية التي تشكلت حديثا

أو في نيل رخصة بوصفهم جمعية خيرية تعمل تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية أو القبول بالتعيين (في شخص المرشد وقتئذ عمر التلمساني) في مجلس الشورى ولكن من ناحية أخري أقرت الحركة بشرعية المؤسسات القانونية للدولة ووظفت اعترافها بسلطة القضاء ورفعت دعوي ضد الحظر الرسمي المفروش عليها والذي ما يزال ساري المفعول منذ العام 1954 .

وأما نظرة الإخوان إلى مستويات الشرعية الخاصة بالنظام في عهد مبارك فقد اتسمت بالتعقيد .. فالإخوان لم يعبروا عن رأي واضح في شرعية مبارك لأن قيادة الجماعة كانت في السجن مرة أخري ( اعتقالات أيلول سبتمبر الشهيرة ) لما تولي مبارك السلطة في العام 1981 ولكن يمكن القول إن الإخوان اعترفوا بشرعية مبارك كرئيس عندما صوتوا في البرلمان سنة 1987 للتمديد له لفترة ولاية ثانية ولكن الحركة عادت وصوتت ضد منحه فترة ولاية ثالثة , وبررت موقفها وقتئذ بأن تصويتها لا يعني أنها تعارض شرعيته كرئيس وإنما تعارض سياساته , وكانت الحركة حريصة على التمييز بين شرعية الرئيس وشرعية سياساته.

وخاصة وهي تدرك أنها تعمل في ظل ظروف سلطوية وبالتالي ليست مهيأ للدخول في مواجهة مكشوفة مع النظام في مسائل يبدو أنها حسمت سلفا ويبدو أن الإخوان تجنبوا أو تجاوزوا مناقشة قضية شرعية شخص مبارك لأن شرعية رئاسة مبارك على حد قول عضو الإخوان البارز عصام العريان " أمر واقع" فعلي حد تعبيره:

" إن شرعية مبارك أمر واقع , وعلى الرغم من حقيقة أننا عارضنا طريقة إجراء الاستفتاء (على الرئيس) وطريقة وصول الرئيس إلى السلطة واجهنا (الإخوان) رئيسا بحكم الأمر الواقع وواقعا لا يمكننا تجاهله وساء أعجبنا ذلك أم لا "

وإدراك العريان لشرعية النظام ورئيسه ليس فريدا وإنما يعكس الفهم التقليدي للعلماء السنة الذين يعترفون بشرعية الحاكم حتي وإن كان مستبدا وكان عزله محفوفا بالمخاطر مغامرة دموية والقبول على مضض بقيادة حاكم إذا كانت تصب في مصلحة المجتمع يؤكدها مرشد الحركة الراحل مأمون الهضيبي في سياق مناقشته لشرعية مبارك " من حيث المبدأ تنبع الشرعية الحقيقية من خيار الشعب بالنسبة إلى المسلمين هم يختارون شخصا يحكمهم بموجب تعاليم القرآن والسنة وهذا هو الخليفة الوحيد (الذي يعتبر شرعيا) في الإسلام وفي ما عدا ذلك يكون خليفة بحكم الأمر الواقع.

والإمام بحكم الضرورة وعندما يصبح الأخير حقيقة واقعة وشخصا لا يمكنك عزله يتعين عليك حينئذ أن تطيع هذا الإمام وإلا فإن عاقبة المقاومة المسلحة ستكون الفوضي الاجتماعية وهذه هي حالة رئيسنا (مبارك) فهو يسيطر على 90 بالمئة من قوي السلطة بما في ذلك الجيش وقوات الشرطة .

ولا تقتصر" سياسات الضرورة " على كيفية رؤية الإخوان الشرعية مبارك بل هي تعني أيضا بشرعية مؤسساته فصحيح أن الحركة كانت قد رفضت المشاركة في المجلس التشريعي أو مجلس الشورى على عهد السادات إلا أنها بالمقابل شكلت حضورا قويا في برلمان مبارك في الثمانينات وصاعدا في مجلس الشورى في التسعينيات من القرن الماضي

بل شهدت فترة التسعينيات تحالفا بين الإخوان وأحزاب أخري بعضها علماني (مثل الوفد) في حين رفضت الحركة أن تكون جزءا في أى تحالف سياسي في منابر السادات في فترة السبعينيات كما أن الثمانينات والتسعينيات وحتى السنوات الأخيرة شهدت محاولات متنوعة لتشكيل حزب سياسي رسمي للإخوان وهو خيار لم تكن الحركة تفكر فيه في السبعينات

ما يعني اعترافا بشرعية المؤسسة البرلمانية باعتبارها مؤسسة رسمية وحتى نفهم أسباب هذه التحولات فإنه لن يكون مفيدا أن نقصر نقاشنا على الشرعية في نظرة الجماعة إلى النظام ومؤسساته وإنما يجب أن نشمل نظرة الحركة إلى شرعيتها هي في المجتمع المصري وتأثير ذلك في تطورها الاجتماعي والسياسي وهذا ينقلنا إلى مستوي آخر من النقاش خاص بتصور الحركة لشرعيتها .

شرعية الإخوان المسلمين

تعتبر جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في العام 1927 واحدة من أكبر الحركات الإسلامية وأعظمها نفوذا في مصر وينظر إلى حركة الإخوان على نطاق واسع على أنها " أم " الجماعات الإسلامية في العالم أجمع وهذا النفوذ تؤكده صلاتهم الدولية وهو ما ساعد الحركة على تأسيس فروع مستقلة لها في أغلب الدول العربية والإسلامية وحتى الأوروبية ففي الكويت على سبيل المثال تعرف الحركة على نطاق واسع باسم " الحركة الدستورية" وتعرف في الأردن باسم " جبهة العمل الإسلامي " وتعرف في فلسطين باسم " حركة المقاومة الإسلامية " ( حماس ) وتعرف في اليمن باسم " حركة الإصلاح " وفي الجزائر باسم " حركة السلم "

ولكن في حين أن هذه الجماعات تحظي باعتراف رسمي من قبل الدول التي تنشط فيها وبالتالي هي منخرطة بشكل أو بآخر في النظام الاجتماعي والسياسي نجد أن الحركة " الأم " في مصر محرومة من الصفة القانونية وأنا أجادل على مدي صفحات هذا الكتاب بأن هذا الحجب عن المشروعية أثر بدرجة كبيرة في طبيعة تطور الحركة وفي كيفية صياغة هذا التطور لعلاقاتها مع الدولة ومع المجتمع ويعود جزء من قدرة الحركة على البقاء في ظل ظروف إنكار الدولة لها إلى مهارتها في توسيع التنظيم وإلى تشكيلها تحالفات جديدة وتبنيها أفكارا ومواقف حيال قضايا مثل الديمقراطية التعددية الحزبية وحقوق المرأة وإن قدرة الحركة على التكيف مع التغيير وعلى التصدي للهموم الاجتماعية والدينية لإتباعها جعلها قوة فاعلة وبخاصة بين أوساط الشباب والطبقة الحضرية المتوسطة .

ويقصد من هذه الدراسة إذ التركيز على مفهوم الشرعية كنقطة انطلاق في تفسير تطور الإخوان المسلمين وكيف اثر هذا التطور في علاقة الحركة مع النظام وسبق أن أشرت إلى أهمية الشرعية القانونية (وغيابها) بالنسبة إلى الإخوان لكني أود التوسع في مناقشتي لتشمل أنماط الشرعية الأخرى التي ستثبت أنها لا تقل أهمية عن الشرعية القانونية .

معظم مناقشات فيبر وإبستون وسعد الدين إبراهيم (في حالة مصر) للشرعية انصبت على شرعية النظام السياسي فهي مناقشات تركز على الدولة وليس على القوي المجتمعية مثلا ولكن مع بعض التكييفات يمكن أن تصبح أنماط الشرعية الكاريزمية.

والتقليدية والمنطقية وشرعية الإنجاز ملائمة لمناقشتنا لشرعية الحركات الاجتماعية بما في ذلك الحركات الإسلامية التي تشكل بدائل " شرعية " للسلطات السياسية القائمة واحدي المشكلات التي ستواجهنا في هذه المقاربة هي انه ربما ينتهي الأمر بنا إلى تطبيق أنماط مشابهة من الشرعية ولكن في تحليل مستويين من القوة مختلفين أحدهما يتعلق بالدولة والآخر يتعلق بالمجتمع أو بقوة معينة فيه فعمليا من الصعب مقارنة السلطة الحاكمة وما لديها من قوة ونفوذ وثروت بقوة الاجتماعية في مستوي تحت مستوي سلطة الدولة وبالتالي تتأثر أو تقيد أو تعاق من قبل بيروقراطيات الدولة وأجهزتها وحدودها المرسومة وبالتالي سأقصر المقارنة بين مستويي الشرعية بالنسبة إلى النظام والإخوان بدلالة القبول فقط , وليس بحسب حجم الموارد والقدرات لأنه لن تكون هناك مقارنة أصلا .

إجراء مقارنات متنوعة بين شرعية الأنظمة العربية وشرعية الإسلاميين ليس أمرا غير مسبوق وإنما قام به باحثون قبل فاستنادا إلى ليوبيك وبريتس أسفر الضغط العالمي لإعادة هيكلة الاقتصاد إلى تقويض شرعية الدولة الوطنية وأفسح المجال لقوي مجتمعية في منافسة الدولة على الشرعية ويرجع الباحثات تآكل شرعية الدولة العربية إلى عوامل منها أن الوطنية العلمانية لم تنبع من الأسفل وإنما فرضت دائما من الأعلى إلى الأسفل

بحيث قامت النخب العسكرية في الجيش بخلافة أجهزة الاستعمار الاستبدادية واستكملت مسيرة القيادة التسلطية ومنها أن التأثير المتراكم للكوارث مثل الحرب العربي الإسرائيلية التي اندلعت في العام 1967 والجمود الذي أصاب عملية التطوير وتطبيق الدولة لبرامج إعادة الهيكلة الاقتصادية جميع ذلك " دمر العقد الاجتماعي بين نخب الدولة وسكان المناطق الحضرية "

زد على ذلك أن العناصر الأجنبية والضغوط التي تعرضت لها هذه البرامج (من صندوق لنقد الدولي مثلا) قضت بسرعة على أى اثر باق للشرعية التي امتلكتها النخب السياسية العلمانية وهي شرعية يفترض بأنها استندت إلى مسؤوليات الرعاية الاجتماعية التي تحملتها الدولة في بواكير تأسيسها ونتج من هذا الركود فضلا عن الفساد المستشري وانعدام كفاءة الأجهزة الحكومية إصابة الطبقات الدنيا والمتوسطة بالإحباط ( وبخاصة طلاب الثانويات العامة وطلاب الجامعات )

وجعلها عرضة للانخراط في النشاطات المعادية للدولة واستنادا إلى سوليفان يتم استيعاب هؤلاء المجندين بالتدريج في شبكة من الحركات الإسلامية المنتشرة في المدن وجماعات المجتمع المدني كمسار بديل لتحقيق كافة تطلعاتهم أو بعض منها وهذا ما يدفع إلى اعتبار الإسلاميين بأنهم منافسون "شرعيون" للدولة وما يشير ليبوبيك وبريتس وسوليفان إليه في مؤلفاتهم هو هذا النمط من الشرعية الاجتماعية الذي تبناه الإسلاميون في معرض منافستهم للدولة في العقود الأخيرة .

وقد سعي مؤلفون آخرون إلى مقارنة شرعية الإسلاميين بشرعية الدولة في البلدان العربية المختلفة وركزت بعض هذه الدراسات على نمط الإنجاز في التنافس على الشرعية الحجة الأساسية في هذه الدراسات هي أن الإسلاميين برزوا كحركة اجتماعية تحتج الأساسية على الفشل الكلي لمشروع التحديث الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي ناصرته ذات يوم الدول الوطنية العلمانية في حقبة ما بعد الاستعمار.

فقد أصبحت هذه الدول عاجزة من الناحية العملية عن تأمين الحاجات الدنيا لسكانها الذين يتزايد عددهم باستمرار على الرغم من الخطابات والوعود الطموحة ولم يعد ينظر إليها كدولة تلبي حاجات سكانها فقد شرعيتها ومبرر وجودها في عيون سكانها الساخطين وفي هذا السياق من فشل الدولة يبدأ الإسلاميون من خلال مواردهم المحدودة وفضاء اتهم المحدودة (مثل المساجد والأحياء والعيادات والمدارس الخيرية) بتوفير ملاذ وبديل ليس على صعيد القيم الأخلاقية أو الدينية فحسب وإنما على صعيد تلبية الحاجات المادية كذلك ويبدءون بالتدريج في اكتساب درجة معينة من الشرعية الاجتماعية القائمة على الإنجاز .

وهناك حالات مذكورة في دراسات أخري مثيرة لاهتمام وتستحق أن نشير إليها بإيجاز فمن جانب يجادل يحيي زبير في معرض شرح أسباب بروز جبهة الإنقاذ الإسلامي كقوة شعبية في الانتخابات الجزائرية في العام 1992 بأن الإصلاحات الاقتصادية التي نفذت في الثمانينيات من القرن الماضي زادت من وطأة الظروف الاجتماعية الاقتصادية التي عانتها أغلب الطبقات في الجزائر وهو ما أفرز مشكلة سكن حادة ومشكلات في المياه ونقصا في الإمدادات الغذائية ومعدل تضخم مرتفعا ومعدل بطالة مرتفعا وما إلى ذلك

وكان الدور المنحسر للدولة نتيجة تطبيق هذه الإصلاحات سببا في انتهاك لعقد الاجتماعي الذي كان قد تأسس في عهد نظام الرئيس بومدين وكانت النتيجة تراجعا ملحوظا في شعبية جبهة التحرير الوطني والقيم الوطنية التي نشأت عليها وملأ الخطاب الديني لجبهة الإنقاذ بالتدريج الفراغ الناتج من فشل النظام ومن خلال خدماتها المتواضعة ولكن المهمة .

ومن جانب آخر يناقش هلال خشان الإنجازات الاجتماعية للإسلاميين في لبنان كمصدر مهم لشرعيتهم حيث عوملت الشرعية هناك أيضا من خلال النمط التقليدي (الدين) ومن خلال تقديم الخدمات المادي وحجته الأساسية هي أن تقديم الخدمات العامة لعبت دورا حاسما في توسيع الشرعية السياسية للجهة التي توفرها (أى للإسلاميين بدلا من الحكومة) وبعد أن درس خشان إجابات لعينة عشوائية شملت 500 لبناني مسلم منقسمين بالتساوي بين سنة وشيعة سئلوا فيها عن الشرعية الشعبية والعوامل المؤثرة التي تؤثر فيها لاحظ حسب تعبيره أن:

" شرعية الحكومة اللبنانية حصلت على علامات متدنية من قبل المستجوبين الذين وصف أغلبهم مدي الخدمات التي توفرها للشعب بأنه أقل من مرض و هذا القصور في خدمات الحكومية عوضته المؤسسات التابعة للجماعات الإسلامية.

وعلى نحو ينذر بالخطر لا يشعر أغلب المستجوبين بأن أداء النظام السياسي اللبناني المعدل للجمهورية الثانية (منذ العام 1989) قد تحسن بالمقارنة مع الأداء على عهد الجمهورية الأولي (من العام 1943 وحتى العام 1975) وبالتالي , فليس من المفاجئ أن نكشف بأن العديد من المستجوبين يؤيدون النشاطات التي تقوم بها الجماعات الإسلامية .

ويختلف جوهر إنجازات الإسلاميين في الجزائر وفي لبنان ومضمونها (علما بأن الدراسة تتحدث أيضا عن الإسلاميين في الأردن وفي فلسطين) عن جوهر ومضمون إنجازات الإخوان المسلمين في مصر ويرجع هذا الاختلاف إلى أن كلتا الجماعات الإسلامية في الجزائر ولبنان تحظي باعتراف الدولة التي تنشط وتتمتع فيها بشكل من أشكال الشرعية.

في حين أن حركة الإخوان في مصر محظورة قانونا من قبل الدولة وهذا التمييز ليس شكليا وإنما هو عنصر مهم لأنه يفرض برنامج عمل مختلفا على الإخوان باعتبار أن في مصر آليات وبرنامج عمل مختلفا فبسبب غياب الشرعية القانونية للإخوان فإن الشرعية التي يكتسبونها من المجتمع (شرعية الإنجاز) توظف في النهاية توظيفا سياسيا من أجل تأمين اعتراف الدولة وهو ما يخلق حالة من التوتر بين الحركة والنظام تسفر في النهاية عن قمع الجماعة بمبررات غير موجودة في حالة الجزائر ولبنان ( إنها حركة غير مشروعة ).

وعلى الرغم من ذلك نجد أن هذا التمييز غائب أولا يحظي بالاهتمام الكافي في الأدبيات التي تتحدث عن الإخوان في مصر مقارنة بالإسلاميين في لدول العربية الأخرى وقد صدر في العقد الماضي العديد من الدراسات المهمة التي تناولت العلاقة بين مبارك والإخوان المسلمين من دون التركيز على هذا العنصر الذي يناقشه هذا الكتاب ففي مقالتها المهمة درست ويكهام كيف يستطيع الإسلاميون مثل الإخوان المسلمون استقطاب أعضائهم وتعبئتهم في ظل حكم مبارك السلطوي.

وقالت إن الليبرالية الجزئية للنظام المصري الممنوحة من الأعلى إلى جانب التراجع في قدرة الدولة على المراقبة والسيطرة وسعت من "الفرص السياسية" للامتداد الإسلامي على محيط النظام السياسي الرسمي وكان هذا التمدد ممكنا من خلال نشر الفكرة الإسلامية ومن خلال إقامة شبكات خاصة بالجماعة (تقصد تجربة النقابات المهنية)

وأضافت أنه كان للتعبئة الإسلامية أثر أوسع وذلك لأنه أوجد قاعدة دعم للمزيد من المرشحين الإسلاميين في انتخابات النقابات المهنية والبرلمانية ومن خلال تركيزها على الإخوان في النقابات صاغت ويكهام عبارة " القطع الإسلامي الموازي " لتسليط الضوء على الخدمات والمشاريع المتنوعة التي يقوم بها الإخوان المسلمون بدلا من الدولة كوسيلة لكسب الدعم .

واعتمدت ويكهام على مقابلات مع قادة الإخوان من الشباب وعلى البحث المعمق الذي أجرته أماني قنديل عن الإخوان في النقابات وتتبني قنديل وجهة نظر مختلفة عن وجهة نظر الدولة بما أنها تعتبر الإخوان بالنظر إلى التأثير القوي لخدماتهم الاجتماعية حركة شرعية في المجتمع المصري

وإن لم تحظ باعتراف الدولة وحجتها الرئيسية هي أن مصر شهدت في العشرين سنة الماضية تغيرات اجتماعية واقتصادية جذرية أدت إلى بروز جماعة كبيرة من الشباب المتذمرين المنتمين إلى الطبقة لدنا وقد فشل النظام حسب قنديل في استيعاب هذه التغيرات ناهيك عن فهمه لتداعياتها وكان الإخوان في المقابل أذكياء بما يكفي للإحساس بتلك التغيرات ولرؤية إمكاناتها المستقبلية

وبما أن النقابات المهنية جسدت الفضاءات التي تجلت فيها هذه التغيرات الاجتماعية استثمرت الحركة " موارد التعبئة" لديها في هذه الفضاءات بجدارة وفي حين ركزت قنديل إلى حد كبير على الإسلاميين في نقابة الأطباء وركز آخرون على الدور الاجتماعي للإخوان في نقابة المهندسين

وقال أحمد حسن عن الآلية الرئيسية لدي الإسلاميين لامتلاك النفوذ في النقابة اعتمدت على تقديم الخدمات الاجتماعية واستخدام المبادئ والشعارات الإسلامية وبعيدا عن النقابات ركز سوليفان وعبده قطب على الدور الاجتماعي والرعاية الاجتماعية التي يقوم بها الإخوان المسلمون من خلال جمعياتهم الخيرية والتطوعة ( عيادات , دور كفالة الأيتام .. الخ) واستنتجا أن الإخوان يشكلون عنصرا حيويا في المجتمع المدني بمصر وبناء على ذلك ينبغي على النظام الاعتراف بهم قانونيا .

وفي دراسة مهمة أخري للعلاقة بين مبارك والإخوان المسلمين قام بها حسنين إبراهيم تفحص الأسباب التي تقف خلف التغير في سياسة النظام وجادل بأن السبب في ذلك يعود إلى أن الحركة تولت دورا جوهريا سواء على مستوي السياسة أو المجتمع وهو ما لم يكن النظام على استعداد للتسمح معه .

طريقة البحث

وبعد هذه المقدمة النظرية عن الشرعية وأشكالها وأهميتها بالنسبة إلى النظام السياسي المصري والإخوان المسلمين معا سأشرح طريقتي في بحث هذا الكتاب وأذكر أن هذه الدراسة تهدف إلى شرح العلاقة بين مبارك والإخوان المسلمين في إطار أنه صراع على الشرعية.

وتجادل بأن لسبب الذي يقف خلف تغيير الدولة لموقفها من الحركة يرجع بدرجة كبيرة إلى كون الأداء الاجتماعي للإخوان (والذي كانت قد تساهلت معه في الماضي) بدأ يأخذ طابعا سياسيا أفضي إلى استفزاز النظام وأولي مكونات هذا الطابع كانت هي الشرعية التي اكتسبتها الجماعة تدريجيا عبر خدماتها الاجتماعية ومن خلال شبكة تنظيمية متماسكة ساعدت على تقديم هذه الخدمات بطريقة فاعلة ومؤثرة في المجتمع وتوظيف هذه الشرعية كما قلت توظيفا سياسيا أغضب النظام في ما بعد ..

وأعني بالشرعية على وجه التحديد الشرعية الاجتماعية التي تراكمت عبر الثمانينيات والتسعينيات بفضل توفر هيكل معقد من الشبكات والاتصالات بين أعضاء الجماعة النشطين والفاعلين في مختلف الفضاءات والمجالات وأعني بالتوظيف السياسي لهذه الشرعية الاجتماعية (أو شرعية الإنجاز) تعبئة وحشد المنتفعين من خدمات الإخوان (وكثير منهم غير منتم إلى الجماعة) لدعم برنامج عمل سياسي يهم الحركة ولا يهم هؤلاء المنتفعين مباشرة بالضرورة والنقطة الأخيرة هنا مهمة لأنها تعني أن الإخوان لا يهدفون من تعبئتهم السياسية للمجتمع إلى " قلب نظام الحكم"

حسبما يشيع عنهم وإنما إلى خلق رأي جماهيري عام يضغط ضد اتجاه رفض النظام المستمر لفكرة الاعتراف بالحركة ودفع النظام إلى مراجعة موقفه المتعنت وكما قال حامد عبد الماجد :" الإخوان موجودون على الساحة المصرية بحكم الأمر الواقع ومع ذلك لا يحظون باعتراف الدولة وهو وضع متناقض اوجد غموضا وارتباكا حقيقيا لدي الإخوان أنفسهم وهو تناقض يصبح جوهريا عندما نريد أن نفهم خطابهم وتفاعلاتهم مع المجتمع والدولة فهم يقومون بفتح ثغر في كافة الطرقة لإيصال إعلان إلى الحكومة مفاده أننا " نتمتع بالشعبية بحكم الأمر الواقع , وبالتالي ينبغي عدم تجاهلنا " وهذا الإعلان مهم في خطاب الإخوان وإن لم يفص عنه صراحة "

ومهمة هذه الدراسة معقدة بسبب الصعوبات التي تكتنف مفهوم الشرعية كيف يمكن تعريف الشرعية وتحديد أنماطها المتنوعة وتحديد جمهورها المستهدف وطريقة قياسها أو" تحديد مقدارها " حتى إن المهمة تزداد صعوبة عندما يحاول المرء التحدث عن مستويين من مستويات الشرعية : المستوي الأول يتعلق بالدولة أو نظام مبارك والمستوي الثاني يتعلق بالإخوان المسلمين كما أن عملية المقارنة بين هذين المستويين معقدة بسبب الديناميات التي ترافق كلا منهما وحقيقة أن كل مستوي في حالة منافسة مع المستوي الآخر حتى وإن كانت هذه المنافسة على نمط آخر من أنماط الشرعية .

ولتقريب هذه العملية من التناول سأسعي إلى مقارنة إنجازات مبارك بإنجازات الإخوان المسلمين في ميادين السياسة والمجتمع والاقتصاد وإلى إظهار كيف أن كلا من هذه الميادين يتطلب أنماطا مختلفة من الشرعية خاصة به وسأقيس مدي نجاح مسعي كل من الطرفين أو فشله عبر استخدام جملة من المؤشرات البسيطة مثل نسبة المشاركة في الانتخابات وعدد مناصري الحزب الحاكم ووقوع اضطرابات اجتماعية دينية وسياسية أو عدم وقوعها ( مثل أعمال الشغب . وأعمال العنف ... الخ )

ومدي تكرار اللجوء في حالة النظام إلى الإجراءات السرية من أجل تنفيذ سياسة معينة وسنري كيف أن شرعية القانونية تصبح جوهرية أكثر في الميدان السياسي في حين تصبح الشرعية الاجتماعية أكثر أهمية أكثر في لميدان الاقتصادي وبالإضافة إلى ما تقدم سأركز على حالات معينة أو على مؤسسات معينة تنشط في هذه الميادين الثلاثة الرئيسية .

سأتفحص في الميدان السياسي مثلا السياسة المتبعة في الانتخابات البرلمانية وسأدرس في الميدان الاجتماعي موضوع النقابات المهنية ونوادي أعضاء هيئة التدريس في الجامعات ز وبما أن الجامعات ونوادي التدريس تشكل تنوعا آخر في تأثير الإخوان في المجتمع المصري.

فهذا التحليل الذي يستند إلى الوثائق الأساسية والمقابلات الشخصية سيساعد على تكملة الدراسات السابقة (التي تقدمت الإشارة إلى بعضها) المتعلقة بتأثير الإخوان إلى وثائق داخلية وغير منشورة تكمل المؤلفات المتوفرة حاليا عن الجماعة من حيث إنها تبرز كيف تستخدم الحركة هذه الفضاءات في عملية التعبئة السياسية وأشير إلى أن الدراسات السابقة مالت إلى التركيز على جامعة القاهرة فقط في موضوع اتحاد الطلبة ونادي أعضاء هيئة التدريس فيما شملت مصادر دراستي بالإضافة إلى جامعة القاهرة جامعتي الإسكندرية وأسيوط أيضا .

وأخيرا سأركز في الميدان الاقتصادي علي انتقال مصر من الاقتصاد الذي يدار بطريقة مركزية إلى الخصخصة وعلى تأثير هذا الانتقال في شرعية النظام وسأدرس كيف أثرت المؤسسات الإسلامية وبخاصة البنوك الإسلامية وشركات توظيف الأموال في بناء نفوذ وشرعية الإخوان المسلمين داخل المجتمع المصري .

العمل الميداني

وقد تحدثت مطولا خلال الشهور الثلاثة التي قضيتها في العمل الميداني بمصر (من شهر كانون الأول ديسمبر 2000 إلى شباط فبراير 2001) إلى شخصيات تنتمي إلى حركة الإخوان المسلمين وكان هدفي هو جمع أكبر قدر من المعلومات عن فترة لم تدرس من قبل بكثير من التفصيل واعتمدت مقابلاتي المهمة على أسئلة مفتوحة عالجت مسألة الشرعية ومسألة العلاقة مع مبارك والتطورات الرئيسية بين الإخوان والنظام المصري خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي والسنوات الأولي من القرن الحالي

وأجريت في البداية مقابلات مع شخصيات قيادية منها المرشدين السابقين مصطفي مشهور ومأمون الهضيبي والمرشد الحالي مهدي عاكف لمقارنة تصوراتهم لنظام مبارك بتصوراتهم لنظامي السادات وعبد الناصر وفي وقت لاحق بدأت ألتقي بالكوادر الشابة في التنظيم والذين يشاركون في النشاطات التي تجري علي مستوي القاعدة وركزت في أسئلتي المفتوحة إليهم على تأثير الإخوان المسلمين في الاتحادات الطلابية وفي النقابات وفي البنوك والبرلمان وقمت بتسجيل كافة تلك المقابلات التي أجريتها في القاهرة على أشرطة تسجيل صوتية .

وخلال فترة زيارتي الثانية لمصر (بين حزيران يونيو 2002 وآب أغسطس 2002) واصلت مقابلاتي مع الإخوان المسلمين الناشطين في القاهرة ولكني بدأت أيضا بإجراء مقابلات مع أشخاص آخرين يقيمون في الإسكندرية وفي أسيوط بما أنني رغبت في التحقيق من أعضاء آخرين في الإخوان في هاتين المدينتين لمعرفة ما إذا كانت قوة الإخوان تقتصر على العاصمة أم أنها تشمل مناطق أخري.

فمعظم الدراسات المتعلقة بالإسلاميين الراديكاليين تميل إلى التركيز على المناطق الواقعة في مصر العليا (الصعيد) في حين تميل الدراسات المتعلقة والإسكندرية ولكن التحقيقات التي أجريتها في أسيوط أظهرت أن الإخوان المسلمين يشكلون قوة ملحوظة في المناطق الريفية كما في المدن الكبيرة وتمكنت من الالتقاء في أسيوط بعضو مهم في الإخوان (خالد عبد القادر عودة) يعمل في القطاع التجاري والصناعي ووجدت أن أراده حول دور الحركة في الميدان الاقتصادي لا تقدر بثمن للآن العديد من الإخوان الذين التقيت بهم في القاهرة أو في الإسكندرية ترددوا في مناقشة ما اعتبروه موضوعا شديد الحساسية والحرج الأمني .

واحدي الفوائد العديدة التي حصلت عليها من لقاءاتي القريبة مع الإخوان في القاهرة والإسكندرية وأسيوط هي أنني تمكنت من الحصول على عدد من الوثائق الداخلية وغير المنشورة التي كتبها أعضاء المكتب السياسي في جماعة الإخوان وهي وثائق مهمة لأنها تسلط الكثير من الضوء على كيفية فهم الحركة للتغيير في الموقف الرسمي لنظام مبارك وللعوامل التي أدت إلى هذا التغيير.

ومع أن هذه الوثائق كتبت عندما كانت المواجهة بين النظام والحركة في أوجها فإن أيا منها لم يأت على ذكر " الصراع المسلح " أو كر خطط لـ " الإطاحة بالحكومة " كرد على تلك المواجهة وبدلا من ذلك ركزت على الحاجة إلى التوسع بهدوء إلى أن تصبح الحركة واقعا لا يمكن إنكاره وقد تعمقت في دراسة هذه الوثائق في الفصل السادس وأدرجت بعضا منها في ملحق الكتاب .

كما تمكنت في أثناء زيارتي الثانية إلى مصر من الالتقاء بمفكرين مستقلين بارزين وناشطين حزبيين ومسئولين حاليين أو سابقين في نظام مبارك على رغم أنني واجهت مشكلات جمة وبخاصة عندما أردت الالتقاء بمسئولين أمنيين أو بشخصيات مثيرة للجدل مثل سعد الدين إبراهيم الذي كان حينها يخضع لمراقبة الشرطة بعد تعرضه للمحاكمة والسجن واحدي مشكلاتي الرئيسية كانت في التعامل مع الأجهزة المنية في مؤسسات حكومية وزارات معينة , لكنني أعتقد بأن مثل هذه الصعوبات كانت متوقعة على كل حال لأي شخص يبحث في موضوع حساس مثل الإخوان ومبارك .

استعراض عام للكتاب

وبعد هذا الشرح الموجز , أقول إن مقدمة الكتاب تقدم مراجعة موجزة للخليفة التاريخية للعلاقة بين الإخوان المسلمين والنظام المصري ف يعهد الرئيسية جمال عبد الناصر والسادات وهذه المقدمة ليست سردا تاريخا مجردا إنما تلقي الضوء على تعامل كل رئيس مع مختلف الميادين والمؤسسات لبناء شرعيته .

وتعالج الفصول الأول والثاني والثالث فترة الثمانينيات من القرن الماضي على وجه التحديد وهي العقد الأول من وجود الرئيس مبارك في السلطة إذ يتحدث الفصل الأول عن النظام المصري والعقد الاجتماعي ويتحدث الفصل الثاني عن الفترة الممتدة بين العامين 1981 , 1984 ويتحدث الفصل الثالث عن المرحلة الأخيرة من عقد الثمانينيات أى الفترة الممتدة بين العامين 1984 و1987 وقد تفحصت في كل فصل تأثير التطورات والتغيرات التي طرأت على الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الإخوان وفي نظام مبارك ومساعي الطرفين في توظيف هذه التغيرات لاكتساب كل طرف شرعيته وعلى رغم أن الفترة الواقعة بين مستهل عقد ثمانينيات ومنتصفه غاب عنها سياق المواجهة يبين الفصل لرابع أن لنظام بدأ يستشعر الخطر من زيادة تأثير الإخوان في المجتمع وفي السياسة بحلول العام 1987 حتى العام 1990.

ويعالج الفصلان الخامس والسادس فترة التسعينيات باستفاضة فيتفحص الفصل الخامس الفترة الممتدة بين العامين 1990 و1994 ويناقش السياق الذي تحولت فيه الشرعية الاجتماعية للإخوان إلى تطر سياسي استفز النظام وهذا لا يرجع إلى مقدار فاعلية لحركة وإنما يرجع كما ذكرت , إلى قدرتها التعبوية للجماهير عندما يجري تنظيمها وتسييسها ومما زاد من تفاقم الوضع قلق النظام من مدي شرعيته الاجتماعية بسبب تقلص دور الدولة لصالح تمد القطاع لخاص , ويعالج الفصل السادس الفترة الممتدة بين العامين 1995 و 2000 ويبحث في تفاصيل ذروة المواجهة التي وقعت بين مبارك والإخوان في العام 1995 وخلال تلك الفترة أدت المحاكمات العسكرية للإخوان إلى إضعاف تأثير الحركة لكنها عمقت في الوقت نفسه أزمة شرعية النظام .

وجري استغلال هذه الشرعية بعد ذلك في صيغة سياسية ليس كردة فعل على التطورات المهمة مثل حرب الخليج والهزة الأرضية المدمرة التي ضربت القاهرة في العام 1992) وحسب بل كردة فهل على رفض النظام المستمر للاعتراف بالمنظمة وقامت الحركة بتوظيف شرعيتها الاجتماعية المنظمة سياسيا لتعبئة المستفيدين من خدماتها الاجتماعية من أبناء الطبقة الدنيا ضد إنكار الدولة الرسمي للإخوان كما أن الشكل المنظم والسياسي للشرعية الاجتماعية تحدي سعي النظام نفسه إلى كسب الشرعية ودفع مبارك إلى التخلي عن سياساته المتسامحة مع الإخوان وغلى استرداد المساحات التي كان قد فتحها خلال عقد الثمانينيات وربما تسببت هذه الخطوة في ردع الإخوان وفي إضعاف شرعية الحركة ولكنها أضعفت في الوقت نفسه الشرعية القانونية لمبارك وزادت من حدة أزمة شرعية وهي الأزمة التي أصبحت أكثر وضوحا في منتصف عقد التسعينات .

وأما الفصل لسابع فإنه يغطي أهم التطورات من الفترة من 2000 إلى 2007 , ولا سيما طرح الإخوان لبرنامج حزبهم السياسي وصعودهم السياسي الملحوظ في انتخابات العام 2005 وهي فترة اتسمت بحدة الصراع بين الإخوان والدولة .

الفصل الأول

النظام المصري والعقد الاجتماعي منذ أن تأسست الحركة في العام 1927 , والعلاقة بين الإخوان المسلمين والأنظمة لمصرية تتبع نمطا دوريا عادة ما يبدأ بتعايش ومهادنة وينتهي بمواجهة وصدام ويؤكد حامد عبد الماجد , وهو عضو في الإخوان وأستاذ في كلية العلوم السياسية بجامعة القاهرة وجود هذا النمط الدوري ويشرح مثلا كيف أن الملك فاروق تعايش مع الإخوان طوال الفترة الممتدة بين العامين 1942 و1947 ثم عمد إلى قمعهم في عام 1952, وكيف أن عبد الناصر تعايش معهم بين العامين 1952 و1954 ثم عمر إلى قمعهم بين العامين 1954 , 1970 وكيف أن السادات تعايش معهم في مستهل السبعينيات من القرن الماضي ثم قمعهم ابتداء من العام 1978 وحتى العام 1981 وهو لعام الذي اغتيل فيه .

وكانت الأسباب التي تقف وراء هذه التغيرات في العلاقات بين الحركة وكل نظام تختلف تبعا لكل حالة لكنها في النهاية لم تتحد أو تناقض منطق ذلك النمط الدوري القائم على : تعايش تتبعه مواجهة وسندرس في هذا الفصل العناصر التي صاغت هذا النمط خلال مدة حكم كلمن عبد الناصر والسادات وسأحاول في الفصول التالية تحديد مدي استمرار هذه العناصر في التأثير ففي علاقات مبارك مع الحركة وسيعتمد تحليلي على المقدمة التي تقول بأن العلاقة بين الإخوان وعبد الناصر وبين الإخوان والسادات صاغها صراع كل طرف منهما لاكتساب الشرعية وأنه بناء على هذا الصراع وعلى متطلبات " شكل الشرعية " المنشودة ( التي تكلمنا على أشكالها في المقدمة ) كانت الحركة تمر إما بمرحلة تعايش وإما بمرحلة قمع .

أولا: عبد الناصر والبحث عن الشرعية

عندما وصل عبد الناصر إلى السلطة في العام 1954 كان يتمتع بدرجة معينة من الشرعية التي منحته إياها ثورة 1952 وخلال تلك الفترة لم يكن لدي الرئيس الجديد رؤية محددة لكيفية حكم مصر أو للمسار لذي يبنغي إتباعه لتأكيد هويتها السياسية والإيديولوجية وفي هذه المرحلة من الارتباك تعايش النظام مع الإخوان وفي ما عدا الشرعية الثورية والدينية تمنع عبد الناصر بكاريزما شخصية وفرت شرعية لقيادته أيضا .

بالإضافة إلى صفاته الشخصية فقد كان للسياق الاجتماعي والسياسي لمصر في حقبة الخمسينيات والستينيات أثر في زيادة الكاريزما التي تمتع بها عبد الناصر وكما يشير تأكد في دراسة للكاريزما في الأوضاع الثورية فإن القائد الكاريزمي غالبا ما يبرز من حركة تدعو إلى التغيير أو إلى الإصلاح كما ينبغي أن يكون هناك توق شعبي عام للخلاص أو وجود أزمة تتطلب حلا عاجلا في مختلف شرائح المجتمع المعني ولقد كان عبد الناصر شابا وقائدا سياسيا متحمسا ومواطنا مصريا بعكس الحكام الفاسدين السابقين الذين خلفوا محمد علي الذي لم يولد في مصر , وتاق المصريون إلى التخلص من قوتين رئيسيتين الملك الفاسد والبريطانيين واستفاد عبد الناصر من مواهبه الشخصية في تلبية هذه المطالب فخطاباته القوية والمشحونة بالرموز الخطابية حولت الأحلام التي تطلع إليها المصريون سنين عديدة إلى حقيقة وبالنسبة إلى المواطن العادي المتأثر إلى حد بعيد بالدعاية القوية التي كانت تبثها الدولة كان عبد الناصر يعتبر " منقذ " مصر في تلك المرحلة وهي نظرة تأكدت بالقرار الذي اتخذه بتأميم قناة السويس في العام 1956 ولم يتم تصوير هذا القرار كرد غاضب على رفض أمريكا تمويل بناء السد بل كمحاولة وهي نظرة تأكدت بالقرار الذي اتخذه بتأميم السويس في العام 1956 ولم يتم تصوير هذا القرار كرد غاضب على رفض أمريكا تمويل بناء السد العالي بل كمحاولة وطنية لتحرير مصر من الهيمنة الأجنبية وهذا ما زاد في شعبية النظام .

الشرعية الشعبية

بالإضافة إلى الكاريزما التي تمتع بها عبد الناصر , بدأت هالة تتكون حول القيادة الشخصية له بناء على الخط الذي انتهجه في سياساته وقد هدفت هذه السياسات إلى إعطاء شرعية شعبية اعتمدت على سياسته الخارجة في التعاطي مغ إسرائيل والولايات المتحدة ولعب عبد الناصر على وتر مشاعر الشعب المصري الذي اعتقد على رغم عدائه الشديد لإسرائيل بإمكانية التعايش السياسي مع الدولة العبرية شريطة استعادة حقوق الفلسطينيين .

ولم يتغير هذا الاعتقاد حتى في أعقاب العدوان الثلاثى لبريطانيا وفرنسا وإسرائيل في العام 1956 , على اعتبار أن عبد الناصر لم يأخذ استنادا إلى أسامة الغزالي حرب مسألة المواجهة مع إسرائيل على محمل الجد وواصل عبد الناصر استخدام القضية الفلسطينية في تعبئة وجذب قاعدة تأييد أوسع لقيادته كما هو الحال الذي لا يزال في معظم الأنظمة العربية واستمر في تصوير صراعه من أجل فلسطين على أنه جزء من صراع القومية العربية ضد الإمبريالية والاحتلال الغربي واستخدم في سياق هذه العملية خطابه في تحديث الجيش وفي إحكام سيطرته على المعارضة وكما قال وحيد عبد المجيد فإن السياسة الخارجية لعبت دورا في تعزيز شرعية النظام المصري وكانت إسرائيل رقما مهما في تلك المعادلة وفي تلك الفترة .

شرعية الإنجاز

ولكن الكاريزما والسياسة الخارجية الخاصة بالمواقف من إسرائيل والغرب لا تكفيان وحدهما في المحافظة على استقرار النظام في السنين التالية. فالناس في نهاية الأمر تقيم أى نظام ليس من خلال الشعارات فحسب وإنما من خلال ما يقدمه من خدمات تلبي احتياجاتهم اليومية أيضا وكان يتوقع من عبد الناصر إذا أن يوسع من جاذبيته الشعبية من خلال التوفيق بين الشعارات التي كانت تتحدث عن " الكرامة والوطنية والعدالة الاجتماعية" وبين الإنجازات التي يتم تحقيقها في الواقع وبعبارة أخري كان يتوقع من عبد الناصر دعم وتأكيد مسؤولية الدولة في توفير الطعام المدعوم والتعليم المجاني والخدمات الصحية فضلا عن توفير الوظائف للخريجين الجدد وكان هذا هو الثمن الذي دفعه عبد الناصر مقابل حصوله على رضا الطبقة الوسطي وهو العقد الاجتماعي الذي ابرمه مع هذه الطبقة مقابل إذعانها السياسي وسرعان ما باتت الهياكل البيروقراطية التي تطلبها العقد الاجتماعي تسيطر على المواقف وعلى المنظمات السياسية والاجتماعية وعلى النقابات والاتحادات العمالية والجمعيات التطوعية والساحات الجامعية والحركات الاجتماعية التي أجبرت على الانضمام إلى الدولة والانصهار في أجهزتها وفي حال رفضت ذلك كما كان الحال مع الإخوان المسلمين كانت تتعرض لقمع وحشي .

وقد انقضت سنتان على نجاح الثورة وكانت شعبية عبد الناصر في ازدياد ما أشعره بأنه لم يعد بحاجة إلى دعم الإخوان ومن جهة أخري بدأ لهم أن ذلك لم ولن يحصل بانتقاد سياسات عبد الناصر حيال البريطانيين وحيال دور الدين في المجتمع المصري وفي السياسات المصرية وكان عبد الناصر قد عمد منذ السنة التي تولي فيها السلطة إلى التخلص من الحركة بوصفها منافسا سياسيا وإلى حلها ومصادرة أرصدتها الاقتصادية في العام 1954 على الرغم من العدد الكبير لأعضائها .

قمع الإخوان المسلمين

في أعقاب تخلص عبد الناصر من منافسيه شرع في بناء دولة استبدادية تتركز كافة سلطاتها في يده وبناء على ذلك لم يعد مسموحا للمؤسسات والمنظمات التي تضمنت مجلس الشعب واتحادات الجامعات الطلابية والنقابات المهنية بالعمل بطريقة مستقلة عن الدولة .

ففي ما يتعلق بالمجلس التشريعي شهدت فترة حكم عبد الناصر أربع دورات في الأعوام 1957 , 1960, 1964, 1969 ولم يتمتع أى من تلك الدورات بسلطة حقيقية تتجاوز إرادة النظام وبناء على ذلك وافقت اللجنة التنفيذية للإتحاد القومي ( التي كان يرأسها ناصر بنفسه ) على أسماء 1748 مرشحا من أصل 2508 ترشحوا لانتخابات العام 1957 وذلك لضمان عدم نجاح أى عضو من الإخوان أو أى متعاطف مع قضيتهم في الوصول إلى مجلس الشعب وفي العام 1957 كان يوجد في مجلس الشعب 342 مقعدا حظي كافة شاغليها برعاية الدولة حيث خصص 94 مقعدا لضباط الشرطة و103 مقاعد للمهنيين و124 مقعدا للفلاحين والعمال .

وقمع عبد الناصر حرية اتحادات الطلاب الجامعية في إجراء انتخابات حرة فلغاية الأربعينيات ومطلع الخمسينيات من القرن الماضي احتفظت الجامعات بممثلين عن الإخوان الذين تولوا إدارة الاتحادات الطلابية إلا أنه في العام 1953 أصدر عبد الناصر قانونا أعطي وزير التعليم الحق في نقل المحاضرين في الجامعات الذين يشتبه في ولائهم لحركة الإخوان المسلمين أو للشيوعيين إلى مناصب خارج الجامعات وفي شباط / فبراير 1954 جري اعتقال لعديد من الإخوان ومعاقبتهم في أعقاب اندلاع تظاهرات طلابية حاشدة وتنظيم إضرابات طالبت بقدر أكبر من الديمقراطية .

وكان عبد الناصر يعرف قوة الإخوان في لجامعات حتى قبل مجيئه إلى السلطة في العام 1954 فبوصفه وزيرا للداخلية في العام 1952 , زار عددا من معسكرات تدريب الطلاب الخاصة بالإخوان في الإسكندرية ودمياط وحلوان وطبقا لمهدي عاكف مرشد الإخوان " دهش ( ناصر) من حجم هذه المعسكرات " كما كان عبد الناصر على علم بأن الإخوان يستخدمون الحرم الجامعي كمواقع تدريب عسكرية حيث استخدموا الذخيرة الحية في بعض الأحيان ونتيجة لذلك تم فرض قيود على الطلاب وإجراءات أمنية عند مدخل الجامعات .

وسيطر عبد الناصر أيضا على النقابات المهنية وحرم الإخوان من الانتساب إليها , كما منعوا أيضا من خوض الانتخابات لنيل العضوية في مجالس إدارة النقابات وتوجب على الأعضاء المهنيين الذين يرغبون في خوص هذا الانتخابات الحصول على عضوية الاتحاد القومي ( الذي أصبح في ما بعد الاتحاد الاشتراكي العربي ) وقد فكر عبد الناصر في إلغاء النقابات في مناسبات عديدة واستنادا إلى بيانكي فقد حل عبد الناصر مجلسي نقابتي الصحافيين والمحامين مثلا عندما طالبتا بالعودة إلى الحكم الديمقراطي وعندما خرجت الانتخابات في احدي النقابات عن السيطرة عمد عبد الناصر إلى تعلقيها وإلى تعيين مجلس إدارة أكثر ولاء له .

أزمة الشرعية في العام 1967

ناقشنا لغاية الآن طريقة اعتماد عبد الناصر على أشكال معينة من الشرعية في إرساء دعائم قيادته ( الكاريزما والشعبية السياسية والخدمات ) والطريقة التي وظف فيها القمع في لتخلص من منافسيه ومن الإخوان المسلمين تحديدا وعلى رغم أن الهزيمة التي مني بها عبد الناصر أمام إسرائيل في حرب 1967 قوضت مخزون شرعيته فقد تمكن من تجاوز الأزمة بسبب إجراءاته القمعية ( حسب هادسون ) ورصيده من الكاريزما والعقد الاجتماعي بينه وبين لطبقة التي استفادت من خدماته ويشير وحيد عبد المجيد إلى أهمية العقد الاجتماعي بوصفه عنصر دعم لنظام عبد الناصر بعد العام 1967:" معظم الأشخاص الذين نزلوا إلى الشوارع وحثوا عبد الناصر على عدم الرحيل في أعقاب خطاب الاستقالة انتموا إلى الطبقة الوسطي والذين استفادوا من خدماته كانوا في غالبيتهم من المهنيين ومن صغار التجار وموظفي القطاع العام في القاهرة وهذا هو سبب افتقار المتظاهرين إلى دعم الطبقات الأشد فقرا الذين قدموا من الأقاليم الريفية بمصر .

ولكن الظروف الجديدة التي ارتبطت بهزيمة 1967 فرضت على عبد الناصر البحث عن أشكال أخري من أشكال الشرعية لتعويض تداعيات الحدث ومن البحث عن أشكال أخري من أشكال لتعويض تداعيات الحدث ومن اجل امتصاص غضب اغلب المصريين من فشل القومية العربية .

وعلى العكس من الموقف القمعي الذي تبناه في الخمسينيات وفي مستهل الستينيات أصبح عبد الناصر أكثر تجاوبا مع المطالب الشعبية الداعية إلى إدخال إصلاحات ديمقراطية وإلى سيادة القانون , ويمكن القول إذا أن الشرعية القانونية أصبحت شكلا مهما للانتصار بعد لعام 1967 من ذي قبل ففي جامعة القاهرة ردد الطلاب الإسلاميون والشيوعيون شعارات تطالب بحرية الصحافة وانتخابات نزيهة وإبعاد الجهاز الأمني عن حرم الجامعات ووعد عبد الناصر بإدخال بعض الإصلاحات المدرجة في برنامجه الشهير الذي أعلن عنه في آذار / مارس 1968 الذي اعتبر محاولة لإحلال نمط الشرعية العقلاني الذي تحدث عنه فيبر محل الشرعية الكاريزمية والثورية وخفف عبد الناصر من القيود النقابية المفوضة على النقابات التي كانت تتمتع بحريات مقيدة وتعبر عن آراء مختلفة وبدأت السياسات الاقتصادية تتأرجح أكثر من أى وقت مضي بين الاشتراكية المركزية والليبرالية المتواضعة حيث كانت الأخيرة مدفوعة بمشاعر عارمة بأن المصريين عانوا بما فيه الكفاية تبعات الحروب السابقة والمغامرات الخارجية وأن إرخاء القيود المفروضة على الرأسمال الخاص أمر لابد منه لإيجاد مصادر دخل بديلة .

بالإضافة إلى الإصلاحات القانونية تودد عبد الناصر إلى أصحاب المشاعر الدينية للمحافظة على استقرار نظامه بعد العام 1967 , وهذا الأمر أفسح مكانا للشكل التقليدي لديني من أشكال الشرعية التي اتبعها النظام في أواخر الستينيات ولا يعني هذا أن عبد الناصر كان قد أهمل الشرعية الدينية لنظامه حتى لما كانت شعبيته في أوجها وإن كان موقفه من الدين تفاوت تبعا للظروف الاجتماعية والسياسية السائدة ففي دراستها للدور السياسي للأزهر تجادل ماجدة ربيع بان الإسلام مثل أداة قوية لعبد الناصر وبخاصة في ذروة المواجهة التي اندلعت بينه وبين الإخوان في العامين 1954, 1965 وكذلك في أعقاب هزيمة العام 1967 ويضيف أسامة الغزالي حرب أن عبد الناصر وظف الشرعية الدينية كخطاب مناوئ لاستخدام إسرائيل الطرح الديني في تعبئة اليهود لدعم الدول العبرية وفي سياق ذلك سعي عبد الناصر إلى الحصول على دعم الأزهر .

وفي سياق تعزيز شرعيته الدينية بدا عبد الناصر أنه يتودد إلى الإخوان أيضا عندما أطلق سراح العديد من أعضاء الحركة من السجون إلى درجة أنه لم يبق قيد الاعتقال من الإخوان في العام 1971 سوي 140 عضوا حسب مصدر مقرب من النظام ولم ينكر مهدي عاكف أن عبد الناصر أطلق في سنيه الأخيرة سراح أعضاء من الإخوان لكنه قال إن عدد الذين أفرج عنهم كان ادني بكثير من العدد الذي ادعاه المقربون من النظام في الواقع جاءت معظم عمليات الإفراج نتيجة للضغوط الدولية التي مارستها الدول العربية والإسلامية في أعقاب إعدام قطب في العام 1966.

ةفي المجمل خفت القيود المفروضة على الإخوان نسبيا وباتت الحركة قادرة على استعادة بعض من حريتها واستنادا إلى ظورل باري وبناء على مقابلاته الشخصية التي أجراها مع عصام العريان فقد بدأ الإخوان بإعادة تجميع صفوفهم في العام 1969 , وشكلوا حلقات في المساجد وفي حرم الجامعات لكن حضورهم القوي لم يبدأ إلا في السنين التي أعقبت وفاة عبد الناصر وتولي السادات السلطة في العام 1970 .

ثانيا : السادات والبحث عن شرعية جديدة

كان على السادات أن يبحث له عن شكل جديد من أشكال الشرعية , بما أنه كان يفتقر إلى الكاريزما التي تمتع بها عبد الناصر , ويبدو أنه اختار أن يؤسس شرعية سلطته على الشرعية القانونية كما أن السادات بالتأكيد مقارنة بعبد الناصر , اشتهر بتدينه وهو الأمر الذي استخدمه أيضا في مجابهة تأثير اليساريين وما تبقي من الناصريين وفي سياق سعيه إلى الحصول على الشرعية تسامح مع الإخوان المسلمين وإن لم يعترف بوجودهم بشكل رسمي .

بناء دولة القانون

تشير الدراسات المصرية إلى أن الإسهام الرئيس الذي قام به السادات في تطوير الدولة المصرية كان التحول من الشرعية الثورية إلى الشرعية القانونية ولا يعني ذلك أنه لم يعد يحكم مصر نظام عسكري أو سلطوي بل كان ما في الأمر أنه جري إضفاء صفة مؤسساتية من نوع ما على العنصر الاستبدادي فبعد مرور سنة على توليه السلطة أدخل السادات إصلاحات في الدستور تؤكد سيادة القانون وأعلن أن مصر " دولة القانون " ووعد بحقبة جديدة من الاستقلال القضائي وأعلن عن وقف عمليات سجن الأشخاص بسبب قناعاتهم السياسية والدينية .

وابتعد السادات في العام 1976 عن نظام الحزب الواحد الذي اعتمد على الاتحاد الاشتراكي العربي وطرح تعددية حزبية مقيدة سمحت بثلاثة أحزاب رئيسية هي : الحزب الاتحادي التقدمي الذي يمثل اليسار وحزب العمل الاشتراكي الذي يمثل الوسط وحزب الأحرار الذي يمثل يمين الوسط كما اعترف النظام بحزب الوفد الجديد كحزب رابع في العام 1977 على رغم حزب الوفد الجديد قرر بعد عام واحد حل نفسه احتجاجا على اتهام السادات بأن كان له ماض سياسي " فاسد" .

الرئيس المؤمن

بالإضافة إلى التزامه الشخصي بالدين شهد السادات بروز التيار الإسلامي في أعقاب هزيمة عبد الناصر في العام 1967 فاستغل هذا التيار في الشخص من منافسيه اليساريين الذين كان يرأسهم على صبري , ووزي الداخلية في حكومة السادات شعراوي جمعة ونص دستور النظام الدائم على أن " الإسلام هو دين الدولة وعلى أن العربية هي لغتها الرسمية , وعلى أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي مصدر رئيسي للتشريع " وبالطريقة نفسها التي أعلن فيها السادات أن مصر هي " دولة القانون" أعلن بأنها " دولة العلم والإيمان ".

وأطلق السادات سراح الإخوان المسلمين من سجون عبد الناصر وأعاد إليهم ممتلكاتهم وأرصدتهم المصادرة وسمح للإخوان الذين كانوا يعيشون في المنفي منذ الستينيات بالعودة إلى مصر كما سمح للحركة باستعادة مقراتها وعقد لقاءاتها العامة , واستئناف مطبوعاتها ( مجلة الدعوة ) .

وشجع على بناء المراكز الدينية خارج إطار جامعة الأزهر وعلى بناء المساجد خارج نطاق إشراف الدولة وفي أعقاب الانتصار على إسرائيل في حرب العام 1973 وتحت شعار " الله أكبر" طرح السادات نفسه بوصفه " الرئيس المؤمن " واستخدم الشرعية الدينية بوضوح عندما بدأ أن الإسلام يدعم سياساته وفي حين أن عبد الناصر وظف الإسلام في تبرير ولعه بالاشتراكية قام السادات بفعل الشئ نفسه في تبرير سياسة الانفتاح والرأسمالية وشرع في صحافته شبه الرسمية من مناقشة ما وصفه بـ " الاقتصاد الإسلامي " مشيرا إلى أن الإسلام يحترم الملكية الفردية وسعي الإنسان إلى كسب الرزق وقد أدي ذلك إلى بروز " شركات توظيف الأموال الإسلامية " و" البنوك الإسلامية " التي سنتحدث عنها في الفصل الثاني .

ولقد جلب دستور العام 1971 الذي وضعه السادات , والذي نص على الدور الرئيسي للإسلام في التشريع إلى الواجهة نقاشا عاما واسعا في مصر حول موقع الدين في السياسة المصرية وعندما جري تعديل الدستور في العام 1980 بحيث أصبحت الشريعة مصدر التشريع اكتسب هذا النقاش زخما أكبر .

إن الشرعية الدينية التي حصل عليها الإخوان على مر العقود الماضية عززت من جاذبيتهم الجماهيرية ومن خلال أفكار الحركة في مجلة الدعوة وفي الميادين الأخرى التي شغلتها اهتمامهم لهذه القضية بناء على توجيهات الجماعة ( كان المساهمون الرئيسيون في هذا الجدال عمر التلمساني , من خلال مقالاته ومقابلاته الصحافية والشيخين الغزالي وكشك من خلال مساجدها الشعبية وخطب الجمعة ) .

العقد الاجتماعي

ولم يتخل السادات بالكلية عن العقد الاجتماعي الذي أبرمه عبد الناصر عن التزام الدولة بالطبقات الوسطي ولكن ابتداء من منتصف السبعينيات ووصولا إلى الثمانينيات استنفذ النظام قدرته في الحفاظ على نفقات الرعاية الاجتماعية واستنادا إلى ويكهام استنفد السادات عائدات مصر لأنه على رغم أنه أراد تأكيد التزامه بالعقد الاجتماعي لمصر كان غير قادر على القيام بذلك من الناحية العملية لأنه قاعدة المستفيدين من العقد الاجتماعي باتت أوسع بكثير أضف إلى ذلك التجزئة التدريجية للطبقة الوسطي وهي الطبقة التي عمل عبد الناصر على تعزيزها من أجل السير قدما في توسيع بيروقراطيات دولته نتيجة لسياسة فتح الاقتصاد المصري أمام الاستثمارات الأجنبية فقد أوجدت سياسة الانفتاح التي اتبعها السادات فرصا جديدة تنسجم بالضرورة مع المهارات والمستويات التعليمية التي وصلت إليها هذه الطبقة من دراستها في الجامعات كان ذلك يعني من الناحية العملية إضعاف قدرة الدولة على ضمان حصول حملة الشهادات المصريين على مداخيل الطبقة الوسطي التالي كان من الصعب المحافظة على " العقد الاجتماعي " كما صاغه عبد الناصر .

بالإضافة إلى ما تقدم بدا وضاحا أن السادات كان أكثر انحيازا إلى الطبقات البرجوازية التي شكلت القاعدة الاجتماعية لنظامه والتي كانت تدفع باتجاه الانفتاح والليبرالية السياسية ويدعي هابنبوش بأن هذا الانحياز شكل العقد الاجتماعي الجديد الذي أبرمه السادات مع طبقة اجتماعية جديد وأقل اتساعا وبموجب هذا العقد الجديد سيضعف السادات سياسة التدخل التي تمارسها الدولة في المجتمع وف المعترك السياسي في مقابل إطلاق يده في رسم السياسة الخارجية وعدم تحدي رئاسته الاستبدادية .

ثالثا : الإخوان المسلمون والبحث عن الشرعية

عندما أطلق السادات سراح الإخوان من السجون بدأت الحركة بالسعي إلى تحقيق هدفين متلازمين :

كان الهدف الأول هو الحصول على الاعتراف الرسمي من قبل الدولة والذي كانت قد فقدته منذ العام 1954 .

والهدف الثاني كان إعادة بناء تنظيم الجماعة وفي ما يتعلق بالاعتراف الرسمي فقد كان السادات على استعداد للتسامح مع الحركة لكن من غير أن تعود إلى وضعيتها القانونية السابقة وهو الأمر الذي لم يقبل به الإخوان ففي ضوء تجربتهم مع عبد الناصر التي أدت إلى القضاء على وجوده السياسي والاجتماعي والاقتصادي بالكامل قرر الإخوان عدم الاعتماد على القبول الضمني من قبل النظام أو الرئيس ما لم يترسخ ذلك القبول على شكل اعتراف رسمي .

ورفع عمر التلمساني في تشرين الأول أكتوبر 1977 قضية ضد قرار عبد الناصر بحل التنظيم مجادلا أولا بما أن المجلس الثوري لم يكن يتمتع بحقوق تشريعية أو دستورية فالقرار الذي اتخذه بحل الحركة في العام 1954 لا يعتبر قانونيا وثانيا, حتى لو تم التسليم بأن القرار كان صحيحا من الناحية القانونية , فقد انتقض باعتذارات عبد الناصر على ما فعله في العام 1954, وبإطلاقه سراح الإخوان من السجون والسماح لهم بالتالي بالعمل بحرية وثالثا , ألغت الإصلاحات السياسية التي أدخلها السادات كما تجلت في قانون الأحزاب الصادر في العام 1976 بشكل تلقائي القرارات التي اتخذها عبد الناصر بحل الأحزاب السياسية والمنظمات السياسية بما في ذلك التنظيم إلا أن القضية التي رفعها التلمساني لم تحسم من قبل المحكمة حتى أن ولا تزال لغاية تاريخ هذه الكتابة محل نزاع واستنادا إلى مجلة لواء الإسلام المتعاطفة مع الإخوان أرجأت المحكمة النظر في قضية الإخوان أمثر من أربعين مرة بين العامين 1977 و1990 وأدرك الإخوان أنه حتى محاكم السادات مهما بدت " مستقلة" وهي في الحقيقة خاضعة لسياسات الدولة .

وكان الاتجاه الآخر للإخوان هو الاستفادة من التغذية الحزبية التي دعا إليها السادات وإعادة تعريف نفسها في سياق سياسي حزبي ولم يكن التحول الذي أحدثه نظام التعددية الحزبية في العام 1976 بمثابة تغيير في أفكار الإخوان المتعلقة بالسياسات الحزبية ولكن الحزبية وفرت قناة بديلة للحصول على اعتراف الدولة وكان الوضع المثالي سيتجسد بالطبع في أن يمنح النظام أو الحاكم حركة الإخوان الحق القانوني بالوجود بوصفها حركة إسلامية جماهيرية بدلا من الاعتراف بها حزبا سياسيا وهذا هو السبب الذي جعل من الصعب الانتقال من وضعية الحركة إلى وضعية الحزب وسبب عدم القبول بها بعبارات مطلقة .

ولذلك كان الإخوان عاجزين في السبعينيات من القرن الماضي عن تصور مهمتهم في المجتمع المصري دون وجود الحركة كفكرة وكتنظيم وبدلا من أن تصبح وسيلة للوصول إلى غاية أصبحت الحركة استنادا إلى عبد المنعم أبو الفتوح وهو مسئول رفيع في الإخوان المسلمين غاية في حد ذاتها وعندما تحدث التلمساني عن إمكانية دخول برلمان السادات عارض مهدي عاكف , مرشد الإخوان ذلك الاقتراح بقوة وقال لى عاكف " قلت للتلمساني بأن فهمي للإخوان هو أنها منظمة شاملة ( و) ... لذلك لن تقبل أو نوافق على إلغائها أواستبدالها بحزب سياسي ينظمه قانون الأحزاب , ولم يعترض التلمساني على رفض عاكف , ولكنه اكتفي بالتشديد على الحاجة إلى تأمين مظلة قانونية لكي تعمل تحتها الحركة بطريقة علنية حبا سياسيا كانت أو جماعة شعبية .

ولكن ذلك لم يكن يعني أن التلمساني كان على استعداد للتخلي عن التنظيم تماما من أجل حزب سياسي فقد كان ينظر إلى التنظيم على أنه يختلف بشكل كامل عن الحزب السياسي الذي هو أضيق نطاقا بكثير على العموم من حيث أفقه وجاذبيته كما أن التلمساني بقي ينظر بسلبية إلى فكرة التعددية السياسية المستندة إلى الحزبية فقد انتقد في العام 1978 الحزبية بالقول إن البيانات الحزبية وسياسات الأحزاب تتغير مع تغير القادة والشخصيات ولم يكن لها علاقة مصالح الأمة وفي مقالة كتبت في العام 1979 كرر الملاحظات التي تنم عن شكوك البنا في الحزبية إلى درجة ربط الأحزاب دائما بالشجارات والنزاعات التي تقسم المجتمع وتمزقه أشلاء كان أمل التلمساني هو أن يوافق السادات على القبول بدخول الإخوان البرلمان على اعتبار أنهم يمثلون اتجاها اجتماعيا سياسيا وليس حزبا سياسيا , وليس حزبا سياسيا بالمعني التقني الضيق للكلمة. وقد رفضالإخوان الاندماج التي عرضها السادات مع أى من الأحزاب السياسية الرئيسية لأنهم رأوا أنهم يمثلون في المجتمع اتجاها مستقلا ينبغي أن يحظي بتمثيل مستقل في البرلمان وبالتالي لم تكن فكرة الحزبية قد تحولت بعد إلى واقع متأصل في السياسة في فترة السبعينيات كما أنها لم تحظ بأولوية سياسية في أذهان الإخوان بعكس ما أصبح عليه الحال في الثمانينيات والتسعينيات وفي السنوات الأولي من الألفية الثالثة ( لما طرح الإخوان لأول مرة علنا برنامج حزبهم السياسي ).

هدف الحصول على الاعتراف السياسي من قبل الدولة

وفي السبعينات تقدم الإخوان بطلب الحصول على اعتراف سياسي لكنهم توقعوا أن يلقي الرفض وكان قانون الأحزاب قد حظر تشكيل الأحزاب بناء على معتقدات دينية بما أن تشكيل الأحزاب على أسس دينية سيتسبب كما جادل النظام.

في حدوث انشقاقات اجتماعية وحزبية بين المسلمين والأقباط وبدروهم بني الإخوان حججا هدفت إلى دحض حجج النظام واستنادا إلى دراسة غير منشورة أعدها محام مخضرم من الإخوان في القاهرة جاء في احدي هذه الحجج أن الإخوان المسلمين لا يمثلون في الواقع حركة دينية بالمعني التقليدي للكلمة وإنما حركة تعني بـ " البعد السياسي للإسلام " ومضي الكاتب إلى حد القول أن الإخوان شاركوا في البعد السياسي للإسلام فقط كجزء من طريقتهم الهادفة إلى السمو بالوضع الروحي والتعليمي والسلوكي لأعضاء الحركة:

"وبخلاف ذلك تعني الحركة أساسا بالبعد السياسي للإسلام أن مشاركة الحركة في السياسة صاغتها مبادئ الشريعة وهي تقتصر على استخدام الوسائل الديمقراطية والدستورية لبلوغ أهدافها وهذه المشاركة السياسية هي التي تميز الإخوان المسلمين من الجماعات الإسلامية الأخرى التي تعني فقط بالناحية الدينية الصرف للإسلام مثل الجمعية الشرعية وأنصار السنة والتبليغ .

ولم يكن المقصود من التركيز على العنصر السياسي ببساطة هو تمييز الحركة ممن الجماعات الإسلامية الأخرى , بل كان المراد إعادة تعريف التوجهات الدينية للحركة بدلالة ما سيجعلها منسجمة مع الترتيبات السياسية الجديدة وهذه المقارنة في التعاطي مع السياسة ومع الدين مختلفة علي نحو صارخ عن المقارنة التي اتبعتها الحركة في فترة الأربعينيات واستنادا إلى حامد عبد الماجد عضو في المكتب السياسي في الإخوان فقد قدم حسن البنا الحركة بالمقارنة على أنها أكثر اهتماما بالإصلاح الديني وإن أدي ذلك في مرحلة معينة إلى التنازل عن المكاسب السياسية فقد وافق البنا على سبيل المثال على سحب ترشيحه في انتخابات العام 1943 في مقابل إدخال جملة من الإصلاحات الدينية .

والحجة الثانية التي طرحها الإخوان ضد إنكار النظام هو أن دستور مصر الذي أقر في العام 1971 نص على أن الإسلام هو دين الدولة " وأن الشريعة تشكل " أحد مصادر التشريع " جري تعديل الدستور في العام 1980 وأصبحت الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع " وبالتالي فإن للإخوان المسلمين الذين يحترمون الدستور ويذعون بأنهم يمثلون تطلعات ومعتقدات المسلمين في المجتمع المصري الحق في الوجود كحزب سياسي معترف به قانونا ذوالحجة الثالثة هي أن الاعتراف بالإخوان سيكون بمثابة حاجز في وجه التطرف والإرهاب الإسلامي وقد جاءت هذه الحجة في الزمان والمكان المناسبين قبل أن يشهد النظام تصاعدا في العنف الإسلامي منذ العام 1973 الذي تجسد في العام 1974 بمحاولة فاشلة لاغتيال السادات .

ورأي الإخوان أنهم يشكلون قوة مستقلة تستحق أن تحظي بالاعتراف كحركة وإذا لم يكن ذلك ممكنا فكحزب وفي تلم المرحلة وعلى عكس ما كان عليه الحال في الثمانينيات لم يفكر الإخوان في إمكانية بناء تحالف مع الأحزاب أو المنابر الحزبية الأخرى وبناء على ذلك رفضت الحركة عرضا من السادات بالمشاركة في البرلمان كحزب تابع لحد المنابر السياسية الثلاثة:

إلا أن التلمساني سمح لأعضاء مثل حسن الجمل بخوض الانتخابات تحت راية الحزب العربي الاشتراكي ويصرح فيورست بأن هؤلاء الأعضاء تمكنوا من تأمين ستة مقاعد في انتخابات العام 1976 وللأسباب نفسها المتعلقة بمسألة المحافظة على استقلالية الحركة رفض التلمساني عرض السادات منح الحركة مقعدا في المجلس الاستشاري كما رفض التلمساني عرضا ثالثا من السادات بتسجيل الحركة كجمعية خيرية, لكي لا تؤول الحركة إلى مؤسسة خيرية تعتمد في بقائها المالى على تمويل وزارة العدل الاجتماعي .

هدف بناء التنظيم

وأما الهدف الثاني الذي سعت إليه الحركة بعد إطلاق سراح أعضائها من السجن فكان إعادة بناء تنظيم الجماعة ففي مستهل السبعينيات كان تنظيم الإخوان ضعيفا ومنقسما نتيجة للفترة الطويلة التي قضاها أعضاؤها في السجن ولم يكن التلمساني على عجلة من أمره في الشروع في تجنيد ناشطين جدد في أعقاب إطلاق سراح الإخوان من السجون في مستهل السبعينيات لأنه لم يكن يرغب في إثارة مخاوف النظام ودفعه غلى التراجع عن سياساته التصالحية واستنادا إلى محمد فؤاد

وهو قائد مخضرم في الإخوان يقيم في لندن لم تبدأ الحركة بعملية التجنيد بشكل جدي إلا في العام 1976 وهي العملية التي كانت أكثر بروزا في حرم الجامعات وفي أوساط الطلاب الذين تملكهم السخط من فشل القومية العربية وبدأوا يبحثون عن أيديولوجيا بديلة ..

وقد عرف الاتجاه الإسلامي في الجامعات في السبعينيات باسم " الجماعة الإسلامية " وكان مختلفا عن الجماعة الإسلامية المسلحة ومنفصلا عنها كما أن أعضاءه لم يكونوا منتسبين إلى أي جماعات خارج الجامعة بالرغم من أن عددا كبيرا من الطلبة الناشطين كان متأثرا بأفكار الإخوان المسلمين بسبب إطلاعه على كتابات سيد قطب ومحمد الغزالي ويوسف القرضاوي وبعد سنتين من فوز الجماعة الإسلامية في الانتخابات الطلابية في جامعات القاهرة والمنيا , والإسكندرية عقد الإخوان المسلمون اجتماع مع رؤساء هذه الاتحادات الطلابية في محاولة لاستقطابهم إلى التنظيم ويقول طلعت فؤاد قاسم الذي حضر ذلك اللقاء وهو الذي أصبح في النهاية عضوا في الجماعة الإسلامية المسلحة وليس في الإخوان:

" في ذلك الاجتماع "... مثل " الجماعة الإسلامية" الطلابية من الأعضاء محي الدين وأبو العلا ماضي وأنا من اتحاد المنيا وناجح إبراهيم وأسامة حافظ من أسيوط وتضمن وفد الإخوان المسلمين الذي حضر الاجتماع مصطفي مشهور وصلاح أبو إسماعيل وسألنا الوفد بصراحة إن كنا سننضم إلى الإخوان ولكننا رفضنا ذلك بسبب اختلاف برنامج عمل كل منا عن برنامج عمل الآخر ومع الآخر ومع ذلك نجحوا في التأثير في بعض أعضاء "الجماعة الإسلامية"

ومن ابرز هؤلاء محيي الدين وأبو العلا ماضي من الصعيد وعصام العريان وحلمي الجزار وعبد المنعم أبو الفتوح من القاهرة وأحمد عمر وإبراهيم الزعفراني من جامعة الإسكندرية.

وبعد أن أصبحوا أعضاء في التنظيم بدأ الطلاب مثل أبو العلا ماضي وعصام العريان عبد المنعم أبو الفتوح الذين أصبحوا ناشطين معروفين في البرلمان وفي النقابات المهنية خلال الثمانينيات من القرن الماضي بتنسيق جهودهم ومواردهم لكي يقدموا لزملائهم الطلاب خدمات مهمة .

وبالإضافة إلى شعور الطلاب بالانجذاب إلى أيديولوجيتهم بانحسار موجة القومية العربية انجذبوا إلى الإسلاميين بسبب لخدمات التي وفورها لهم ( مثل الكتب الرخيصة الثمن والمساكن ذات الأجور المعقولة والمساعدات المالية ووسائل النقل المناسبة للطالبات ) وهي الخدمات التي تباينت بشكل صارخ مع ما كان اليساريون يوفرونه عندما كانوا يتولون يقولون رئاسة الاتحادات الطلابية واستنادا إلى صحافي من مجلة الدعوة استطلع آراء الطلاب حيال الخدمات التي وفرها الإسلاميون عبر أغلبهم عن استحسانهم لها مشيرين إلى فاعلية تلك الخدمات وكفاءتها وبدا واضحا أن تغطية المجلة لتعليقات الطلاب خدمت كشكل من أشكال الدعاية التي تؤيدها الممارسة العملية " أو الدعاية بالأفعال " التي أريد منها جذب المزيد من الطلاب إلى قضية الإسلاميين .

وفي البداية اعتبر السادات المسئولون المقربون منه مثل محمد عثمان إسماعيل أن نشاط الإسلاميين في حرم الجامعات رصيد للدولة في صراعها لإضعاف تأثير اليساريين حتى عندما رأت الأجهزة الأمنية في الإسلاميين خطرا .

وحالة الإرباك في سياسة الدولة تجاه ناشط الإخوان في الجامعات أكدها فؤاد علام الذي كان مسئولا أمنيا رفيعا في السبعينيات والثمانينيات " منح السادات دعمه للإخوان ولغيرهم من الجماعات الإسلامية حتى من غير أن يطلع الأجهزة الأمنية على قراره بالقيام بذلك .

أراد أن تكون علاقته مع الإخوان مبنية على حسابات سياسية ولم يرد من المسئولين الأمنيين التدخل في هذا الأمر كان ملف الإسلاميين أعني في فترة السبعينيات في يد السياسيين ولم يكن في أيدي ضباط الأمن , ولم تبدأ الأجهزة الأمنية بإدراك هذا الأمر إلا في وقت لاحق لأنه لم يكن يوجد تنسيق بيننا وبين السياسيين في هذه القضية .

وكان واضحا أن الإخوان في الوقت الذي كانوا يعيدون فيه بناء تنظيمهم كانا يؤسسون أيضا لشرعية اجتماعية بدأت نواتها الأولي بين شريحة الطلبة وداخل الحرم الجامعي وكان النظام في سعيه إلى تصفية معارضيه من اليساريين مفسحا المجال للإخوان لتحقيق مسعاهم من دون أن يمنحهم اعترافا قانونيا .

رابعا: مأزق السادات مع الشرعية

لم يستمر هذا الاختلاف في الرأي بين السادات وأجهزته الأمنية مدة طويلة لأن قوة الإخوان بدأت تتعاظم على نحو متزايد داخل الجامعات وفي أوساط المجتمع ككل , وازدادت معه انتقاداتهم لسياسات النظام فقد أثارت سياسة الانفتاح والخطط التي أعلن عنها السادات والتي تهدف إلى خفض دعم الرغيف أحداث الشغب الشهيرة التي اندلعت في العام 1977 , وانتشرت الاضطرابات التي بدأت في القاهرة وفي الإسكندرية في العديد من المناطق الأخرى في البلاد وتسببت في وفاة أكثر من 80 شخصا فضلا عن إلحاق أضرار جسيمة بالمباني العامة وبمنازل المسئولين الحكوميين واحتاج أفراد الشرطة إلى دعم من القوات المسلحة إلى جانب فرض حظر على التجول من أجل قمع مثيري أعمال الشغب وانتهز الإخوان الفرصة انتقدوا النظام وفشله في التعامل بفاعلية مع المشكلات الكبيرة في مجال التعليم والنقل والتضخم .

وكتب عبد المنعم أبو الفتوح مقالة في مجلة الدعوة تناولت ما اعتقد بأنه أذي إلى أعمال الشغب الواسعة النطاق تلك وهاجم أداء النظام الذي زاد كما أدعي من اتساع الفجوة بين التوقعات والإنجازات وجعل الشعب يعاني مزيدا من الإحباط أشار إلى تزايد الممارسات والسياسات غير العادلة التي أدت إلى زيادة حدة معاناة المواطنين العاديين وزادت من المشكلات اليومية التي يعانونها في النقل والغذاء والكسوة والسكن واشتكي من ارتفاع الأسعار فيما يواصل النظام وأصدقاؤه المقربون بناء المنازل الفخمة والإنفاق بإسراف .

كما بدأ أبو الفتوح بالتهجم على الشعارات الدينية التي كان قد رفعها " الرئيس المؤمن " من أجل إضفاء صبغة الشرعية على نظامه , مشيرا إلى أن شعار " العلم والإيمان " الذي رفعه النظام بقي شعارا فارغا :" انتظر الناس النظام تنفيذه لكن دون جدوى . وبدلا من ذلك , بدأ الفساد السام بتخريج أجيال جديدة لا تعرف شيئا عن الإسلام سوي اسمه "

وكما استخدم الإخوان مجلة الدعوة التي حظرتها الدولة في النهاية كمنصة لإضعاف أشكال الشرعية التي استخدمها السادات في غرساء دعائم نظامه استخدمت المجلة في الوقت للترويج للخدمات التي يقدمها التنظيم للطلاب بوصفها " فاعلة " و" مؤثرة" واستنادا إلى إيلزكيبل كان الإخوان حريصين على إبراز صورتهم بأنهم أكثر ذكاء وإخلاصا من النظام " في وقت جعل الانفتاح الاقتصادي الذي أعلن عنه السادات الفساد واختلاس الأموال العامة ضرعي حليب البقرة المصرية ".

وبدا الضغط الذي يمارسه الإخوان والإسلاميون الآخرون أكثر قوة عندما وقع السادات على اتفاقية سلام مع إسرائيل في العام 1979 وعندما بدأت القوي التي كان قد شجعها ودعمها من أجل تعزيز شرعيته تهدد هذه الشرعية وفي أواخر السبعينيات بدا السادات بمواجهة ما أصفه بـ" مأزق الشرعية " وهو المأزق الذي يواجه أغلب النظم الاستبدادية عندما تنفتح على مجتمعاتها لتدرك بعد ذلك أن عواقب هذا " الانفتاح " تهدد شرعيتها ففي أيلول سبتمبر 1981, نقض السادات سياسته تجاه الإخوان واعتقل منهم مئات وأقفل مجلة الدعوة وبعد شهر من ذلك اغتيل السادات على يد جماعة الجهاد وخلفه على الفور حسني مبارك الذي كان نائب الرئيس .

خلاصة

أوضحت هنا كيف أن السعي إلى اكتساب الشرعية مثل عاملا مهما في تفسير أسباب التغير في العلاقة بين الإخوان المسلمين ونظامي عبد الناصر والسادات حيث عمل كلا الطرفين على دعم قوته وعلى قبول المجتمع له عبر استخدام أى شكل من أشكال الشرعية وجدوه مفيدا في ظل عبد الناصر لم يستفدالإخوان من أى شكل من أشكال الشرعية التي أسسها عبد الناصر بما أنهم كانوا في السجون وغائبين عن الساحة العامة معظم تلك الفترة ولكن عبد الناصر اعتمد على أشكال الشرعية المتنوعة في دعم قيادته بما في ذلك الشرعية الكاريزمية والشرعية الشعبية السياسية وشرعية الإنجاز أو العقد الاجتماعي مع الكاريزمية والشرعية الشعبية السياسية وشرعية الإنجاز أو العقد الاجتماعي مع الطبقة الوسطي الذي وعد فيه بتقديم خدمات مدعومة وبمجانية التعليم وتوفير الوظائف في القطاع العام في مقابل حصوله على الولاء والإذعان السياسي .

وجري تقويض العقد الاجتماعي لعبد الناصر على يد السادات الذي آثر ترسيخ قيادته بالاعتماد أكثر على نمطي الشرعية القانونية والتقليدية ( ببعدها الديني ) وبدورهم وظف الإخوان روح التسامح التي تميز بها نظام السادات وذلك في إعادة بناء التنظيم وفي تنظيم حملة الاكتساب شرعيتهم الخاصة وعلى رغم أنهم فشلوا في الحصول على الاعتراف الرسمي فقد تمكنوا من التأثير بقوة في الجامعات ومن إحياء سمعتهم الدينية والأهم من ذلك كله إعادة بناء هيكلهم التنظيمي وتوسيعه , واستغلت الحركة هذه القوة في إضعاف شرعية السادات في أعقاب توقيعه على اتفاقية سلام مع إسرائيل وهو ما أسهم في إحداث تغير في العلاقة بين الطرفين مع اقتراب عقد السبعينيات من نهايته.

الفصل الثاني

مبارك في السلطة ( 19811984)

عندما تولي مبارك السلطة في تشرين الأول أكتوبر 1981 كان يفتقر إلى شرعية خاصة به في ما عدا حقيقة أنه كان يشغل منصب نائب الرئيس في عهد السادات وبالتالي كان خليفته المتوقع من الناحية الدستورية (أى شرعية قانونية) وكان ذلك الافتقار سببا رئيسيا لمحاولة مبارك في مستهل الثمانينيات بناء قاعدة امتن وأطول لشرعية تتجاوز العنصر الدستوري.

وبناء على ذلك شرع في سلسلة من السياسات والإصلاحات التي هدفت إلى تعزيز القاعدة الشعبية والقانونية لشرعيته كبيرة بدلا من أن يعتمد على إصلاح حقيقي كان الجو العام خلال تلك الفترة قائما على التسامح والمصالحة وقد استغل الإخوان المسلمون هذا الجو وسعوا إلى استكمال تحقيق هدفيهما الرئيسيين السابقين وهما:أولا بناء وتوسيع هيكلية التنظيم واستكمال نشاطاتهم وثانيا الحصول على اعتراف الدولة بهم .

ويهدف هذا الفصل أولا إلى دراسة الطرق التي استخدمها مبارك في قيادة مصر في مستهل الثمانينيات مع التركيز على سنوات تأسيس الشرعية الأولي في الفترة الممتدة بين العامين 1981 و1984 والجهود التي بذلها في بناء سلطته السياسية .

ويهدف الفصل ثانيا في المقابل إلى دراسة كيفية توظيف الإخوان سياسات مبارك المهادنة في تقوية تنظيمهم وفي الحصول على الوضعية القانونية وغني عن القول إن الهدف الثاني الذي وضعه الإخوان الحصول على الشرعية القانونية لم يتحقق لأن مبارك لم يكن مستعدا من الناحية الرسمية على الأقل لإطلاق يد الإسلاميين علنا وبالتالي تكرار الخطأ الذي وقع فيه السادات لكن الإخوان تمكنوا من تحقيق هدفهم الأول بشكل جيد بما أن نشاطاتهم اتسعت بالتدريج وكذلك هيكلهم التنظيمي ولكي نفهم هذا التطور الأخير الذي سمحت به سياسة مبارك في المرحلة الأولي لحكمه.

من المهم أن نتحدث قليلا عن الصفات الشخصية لمبارك عندما جاء إلى السلطة لأول مرة وأن نلقي نظرة على الظروف التي سادت خلال الفترة الانتقالية بين السادات ومبارك .

هناك نواح معينة في شخصية مبارك على علاقة بروح التسامح التي سادت في مستهل الثمانينيات وتتعلق الناحية الأولي بخلفية الرئيس مبارك فحتي تاريخ تعيينه من قبل السادات في منصب نائب الرئيس في العام 1975 لم يسبق أن تولي مبارك أية مسؤوليات سياسية بما أن تعليمه والمناصب المتتالية التي شغلها كانت عسكرية صرفا وهذه الخلفية غير السياسية تعني أنه لم يكن على خلاف أو على خصومة مع اي قوة سياسية معينة ترجع إلى موقف سياسي معين .

وأما الناحية الثانية فتتعلق بالجيل الذي ينتمي إليه مبارك فصحيح أن مبارك جاء من خلفية عسكرية لكنه لم يكن ينتمي إلى جيل الضباط الأحرار الذين صلوا إلى السلطة في العام 1952 وهذا يعني أنه لم يرث آراء عبد الناصر العدائية سواء تجاه الإخوان أو حتى تجاه الشيوعيين وعلى النقيض من ذلك كان ماضيه مع الإخوان يتميز نسبيا بالتعاون .

ويتعين تذكر أن أول مرة تولي فيها مبارك مسؤولية سياسية كانت في العام 1975 عندما تولي منصبه العام بوصفه نائبا للرئيس . في ذلك الوقت كان تسامح السادات مع الإسلاميين في ذروته والمقابلات الشخصية التي أجريتها مع المخضرمين من أعضاء الحركة تكشف عن أنه لم تراود مبارك أية شكوك أمنية في الإخوان حتى إنه كانت تربطه علاقات ودية في بعض الأحيان مع شخصيات مثل عمر التلمساني لذي كان نفسه (أى التلمساني قريبا من السادات) .

وبالإضافة إلى خلفية مبارك غير السياسية فقد عرف عنه التزامه جانب الحذر بخلاف السادات فكانت قرارات مبارك تعتمد في العادة على حسابات دقيقة وعلى مشاورات واسعة وهذا يشير من بين جملة من الأشياء الأخرى إلى أن موقفه المحايد على الأقل من الإخوان لم يكن توقع منه أن يتغير بشكل مفاجئ متي ما وصل إلى السلطة وهذا ما كان عليه الوضع بالفعل في مستهل الثمانينيات عندما لم تكن الظروف السائدة في مصر مؤاتية أصلا لمثل هذا التغيير .

لقد كانت مصر في حالة اضطراب قبيل اغتيال السادات وبعده في العام 1981 . وهذا يرجع إلى أن السياسات الاستبدادية التي اتبعها السادات زادت من السخط العام ونفرت الناس من النظام وبالتالي كان من المتوقع أنه في حال أراد مبارك إرساء دعائم نظامه الجديد فإن عليه أن يكون أكثر تسامحا مع المعارضة كان النظام وقتئذ بحاجة إلى تشكيل جبهة وطنية واسعة في مواجهة حالة السخط وكان بحاجة أيضا إلى استيعاب الإسلاميين المعتدلين مثل الإخوان المسلمين لمواجهة تهديدات الجماعات الإسلامية المتطرفة .

وبالإضافة إلى الاعتبارات المحلية فإن فترة الثمانينيات شهدت كذلك موجة عالمية باتجاه الديمقراطية بدأت في أوروبا الشرقية باتجاه دول العالم الثالث وكان يتحتمم على أى نظام عربي يشعر بأنه بحاجة إلى تأمين شكل من أشكال الدعم الاقتصادي والسياسي من الغرب أن يظهر استعداده لإرساء دعائم الديمقراطية غلى إدخال إصلاحات سياسية وإن يكن من الناحية الشكلية وحسب وقد استفاد الإخوان وغيرهم من المعارضة إلى حد معين من هذه الموجة .

باختصار وفر جو التسامح لمبارك وللإخوان فترة راحة وفرصة لكي يؤسس الواعدة التي تجسدت في الفضاءات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ويناقش في المبحث التالي الوضع السياسي في مصر في مستهل الثمانينيات والطرق التي استخدم فيها مبارك الفوضي السياسية لكسب درجة من الشرعية .

أولا : الميدان السياسي

يمكن للمرء أن يجادل بأن الوضع السياسي في مصر في مستهل الثمانينات وفر لمبارك فرصة تعزيز كل من رعيته الشعبية والقانونية وسأقتصر في حديثي عن " الشرعية الشعبية على الخطاب السياسي وعلى السياسة الخارجية التي صاغها نظام مبارك السياسي للرد على الضغوط التي كانت تبذلها الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية على مصر بهدف كسب مبارك للمشاعر الوطنية وتحقيق المصادقية المحلية

وأعني بالشرعية القانونية الإصلاحات القانونية التي أدخلها مبارك لتأكيد احترام نظامه لسيادة القانون وهذان الشكلان من الشرعية الشعبية السياسية والقانونية كانا هما البديلين الأكثر ملاءمة للكاريزما التي افتقر إليها مبارك مقارنة بعبد الناصر أو للشكل التقليدي (ولا سيما الديني) الذي لم يكن مبارك مستعدا للتفكير فيه مقارنة بالسادات .

شرعية الشعبية السياسية

إذا كان ينظر إلى شرعية الشعبية السياسية في سياق السياسات الخارجية والإقليمية (كما أوضح وحيد عبد المجيد في المقدمة) فسيكون صحيحا المجادلة بأن شرعية السادات أضعفتها ثلاثة عوامل : اعتماده الاقتصادي والسياسي الواضح على الملايات المتحدة ومعاهدة السلام التي أبرمها مع إسرائيل وما تلاها من قطع علاقات مصر بباقي الوطن العربي وبالتالي سيكون من المنطقي بالنسبة إلى النظام الجديد إعادة تعريف علاقاته إن جزئيا أو رمزيا مع الولايات المتحدة ومع إسرائيل ومع الدول العربية .

وبالفعل فقد أعلن مبارك في خطابه الأول للمصريين عن خطته القاضية بمواصلة سياسات السادات ولكن بأسلوب " دينامي وحكيم" وعلى رغم أن ذلك كان يعني أن نظام مبارك ملتزم بالمحافظة على العلاقات الخاصة التي تربط مصر بالولايات المتحدة فقد كان حريصا فى الوقت نفسه على تجنب أى مضامين سلبية يكتنفها هذا الموقف إزاء شرعية النظام أنه سيأمل بالتالي في أن يصبح قائدا أكثر استقلالية من السادات .

وتجلت مظاهر هذا الحرص مثلا في رفض مبارك قبول مساعدة أمريكية بلغت نحو 500 مليون دولار في العام 1983 لتطوير قاعدة رأس بيناس العسكرية البحرية في مصر كما رفض مبارك الإذعان للضغوط الأمريكية في العامين 1985 1986 للمشاركة في عملية عسكريا ضد ليبيا.

وفي ما يتعلق بإسرائيل أكد مبارك التزامه بمعاهدة السلام التي وقعت في كامب ديفيد لكنه حرص في الوقت نفسه على عدم ترجمة هذا السلام إلى تطبيع كامل للعلاقات الاجتماعية أو الاقتصادية فقد أراد مبارك الذي امتلك أحد عناصر الشرعية بسبب الدور الذي لعبه في حرب تشرين الأول أكتوبر 1973 أن يطمئن المصريين إلى أن نظامه لن يتسرع في إرساء سلام حقيقي إلى أن تسترجع مصر كافة أراضيها المحتلة منذ العام 1967 وإلى أن يستعيد الفلسطينيون وطنهم وقد تأكد هذا الشعور عندما سحب مبارك على الفور سفيره لدي تل أبيب احتجاجا على اجتياح إسرائيل للبنان في العام 1982 .

وعلى النقيض من ذلك كان مبارك متشوقا إلى إعادة الدفء إلى علاقاته مع الوطن العربي وكان قد أعطي توجيهاته للصحافة المصرية بإنهاء حملاتها المعادية للدول العربية وبخاصة ليبيا وسورية التي كانت تنتقد بشدة معاهدة السلام التي أبرمتها مصر مع إسرائيل وتناقضت خطوة مبارك بشكل صارخ مع الخطاب العدائي الذي اعتمده السادات في الدفاع عن قراره المتفرد بالاعتراف بإسرائيل في العام 1979 وما من شك في أن مواقف مبارك حظيت بالترحاب من قبل الأنظمة العربية بقدر ما حظيت بترحاب القوميين والإسلاميين المصريين .

زد على ذلك أن موقف مبارك من الحرب العراقية الإيرانية (19801988) ودعمه للعراق بوصفه " بلدا عربيا" عزز صورة النظام الجديد , ليس في العراق وحسب بل في دول الخليج أيضا وهي الدول التي رأت نفسها معرضة للخطر الإيراني وكان موقف6 مصر في الحرب من بين جملة العوامل التي حسنت علاقات القاهرة مع الخليج وقد أوجد هذا بدوره فرصا جديدة للمصريين لكي يعملوا في الخارج.

وفي هذا الصدد شكلت الحوالات التي كان يرسلها المصريون الذين يعملون في العراق وفي دول الخليج مصدرا مهما للدخل بالنسبة إلى الاقتصاد المصري ففي السنوات المالية بين 19801981 و 19841985 شكلت حوالات المصريين 10 بالمئة من الناتج المجلي الإجمالي لمصر ليرتفغ هذا المستوي إلى 18 بالمئة في 19891990

وبالإضافة إلى مقدار المساعدات التي تحصل عليها مصر من الملايات المتحدة (2 مليار دولار سنويا) تسهم الحوالات المالية في تحسين مستوي المعيشة للمصريين من أبناء الحوالات العاملة والمتوسطة , وعلى مستوي الدولة فقد استخدم النظام عوائد الحوالات إلى جانب المساعدات والقروض التي حصل عليها من العراق ومن دول الخليج في تنفي مشاريع إعادة بناء البنية التحتية مثل أنظمة الاتصالات والنقل والصرف الصحي .. الخ وهي انجازات طالما تباهي بها الرئيس في خطاباته لتعزيز شرعيته .

الشرعية القانونية

كانت خطابات مبارك في مستهل الثمانينيات حريصة على تأكيد التزام نظامه بحكم القانون . وهذا ما تجل في تشديده على احترام مبارك للمساواة في الحقوق وعلى استقلالية القضاء وعلى سيادة القانون وفي أحد خطاباته شدد الرئيس على أن سيادة القانون " هي الأساس لحكم الدولة , وأنه ما .. من سلطة ينبغي لها التدخل في القضايا المرفوعة أمام المحاكم ...

التزمت منذ اليوم الأول (في السلطة) بحكم القضاء وعمل مبارك على تعزيز سلطة القضاء عبر طرح قانون جديد وفر الحصانة والحماية الكاملة لأعضاء الجسم القضائي ومحكمة الدولة كما أدخل إصلاحات في مجلس المحكمة العليا بإسناد رئاستها إلى قاض مستقل بدلا من إسنادها إلى مستقلة وفي هذا السياق شدد طارق البشري وهو مفكر مستقل وقاض سابق في المحكمة الدستورية العليا على أن الشرعية القانونية شكلت عنصرا مهما بالنسبة إلى مبارك كانت قضية مهمة بالنسبة إلى مبارك ألا يظهر بأنه ضد القرارات التي تصدرها لمحاكم أو ضد تشريعات مجلس الشعب كما أنه مال إلى تصوير نفسه بأنه منفذ للتشريعات واعتني أكثر على النقيض من عبد الناصر مثلا بالشرعية القانونية لقيادته .

وخلصت أحلام فرهود , في بحثها عن وضعية الشرعية القانونية في النظام السياسي المصري إلى أن الأحكام الصادرة عن المحاكم وبخاصة في السنين السبع الأولي من حكم مبارك لاقت احترام النظام بوجه عام واستخدمت دليلا على اتخاذ القرارات السياسية وفي السابق كان يجري إخضاع المحاكم لشخص عبد الناصر وبدرجة أقل لشخص السادات

وكانت تستغل في إصدار أحكام تضفي الشرعية على السياسات الاستبدادية لكن في عهد مبارك أو على الأقل في مستهل الثمانينيات كان الوضع مختلفا واستنادا إلى الدراسة أو على الأقل في مستهل الثمانينيات كان الوضع مختلفا واستنادا إلى الدراسة التي أجرتها فرهود لم يستخدم مبارك سلطاته الرئاسية في الضغط على المحاكم من أجل إصدار أحكام جديدة تفيد الحريات الاجتماعية والسياسية بل على العكس ترك الأمر للمحاكم لكي تصدر سلسلة من الإصلاحات المحدودة ولكن المهمة في المجالين الاجتماعي والسياسي .

وفي سياق روح الإصلاح جاءت حملة مبارك الشهيرة ضد الفساد المتأصل واستهدفت الحملة شخصيات مهمة كان أبرزها عصمت شقيق الرئيس السادات الذي حوكم في العام 1983 بسبب عقده صفقات واسعة غير مشروعة و وقد حازت تلك المحاكمة تغطية إعلامية واسعة والتي بدا واضحا أن هدفها هو أن تظهر للشعب أن النظام الجديد ملتزم باستئصال الفساد وأن النظام لا يعرف المحاباة وأن الجميع متساوون أمام القانون على رغم ان حملة مبارك كانت " قصير الأمد" على حد تعبير نزيه أيوبي فقد كانت كافية لتوصل الرسالة .

واقترنت تلك الحملة بتأكيد مبارك حرية الصحافة وواظب على تذكير المصريين بأن حية التعبير السياسي في ظل قيادته " غير مسبوقة" في تاريخ مصر .

وعلى الرغم مما تقدم ينبغي ألا يستنتج المرء بأن إصلاحات مبارك كانت مطلقة بما أن النظام الجديد استمر في تطبيق أغلب القوانين التي تقيد الحريات التي أصدرت على عهد السادات (وأسواها قانون الطوارئ الذي بدأ العمل به في العام 1981) كما أبقي مبارك أغلب السلطات في يده واحترامه للقانون اقتصر على النواحي التي لا تهدد بقاء النظام وبناء على ذلك بقيت القيود مفروضة على السياسة وعلى الحريات السياسية .

وفي حين شدد مبارك على دعمه للتعددية السياسية فهو لم يفعل شيئا لتوسيعها من الناحية العملية بل إنه أبقي في الواقع على القيود الأساسية المفروضة على تشكيل أحزاب جديدة التي كانت ستهدد في حال تشكلها الحزب الوطني الديمقراطي الذي يتزعمه الرئيس نفسه وتأكدت الميول الاستبدادية للنظام بعد تشكيل لجنة الأحزاب المسئولة عن منح الرخص والصفة القانونية للأحزاب المشكلة حديثا

وقد رفضت المعارضة تشكيل هذه اللجنة واعتبرت أنها لا تتمتع باستقلالية وإنما تخضع بحكم طبيعتها لسيطرة الحكومة وبغرض تأكيد الصلاحيات المستقلة التي يتمتع بها القضاء سمح النظام للأحزاب السياسية المرفوضة بالتقدم بالتماس إلى المحاكم ضد القرارات التي تصدرها اللجنة ولكن هذا وحده لا يضمن التحول إلى التعددية على اعتبار أن المحاكم بقيت في النهاية خاضعة لإرادة رئيس الدولة وبالجملة فبقدر ما عززت التطورات الأخيرة الشرعية القانونية للنظام فقد أظهرت مدي محدودية هذه الشرعية .

الإخوان المسلمون والسياسة

هدف الإخوان المسلمون إلى استغلال روح التسامح في عهد مبارك من أجل بلوغ هدفين رئيسين وهما:مواصلة إعادة بناء التنظيم وإعادة الاندماج بالمجتمع والسياسة بشكل كامل ولكن كان من غير الوارد تحقيق الهدف الأخير ( أى الاندماج السياسي ) بشكل كامل إذا كانت الحركة تفتقر إلى شكل من أشكال الاعتراف الرسمي من قبل الدولة أو من قبل محاكمها أو لجنة الأحزاب لعليا التي شكلتها الحكومة .

في البداية أحيا تأكيد مبارك حكم القانون آمال الإخوان بإمكانية اعتراف الدولة بهم كحركة جماهيرية وبخاصة عندما وافق مبارك على عودة الشخصيات الإخوانية البارزة التي كانت في الخارج مثل المرشد السابق مصطفي مشهور وعندما امتثل لقرار المحكمة بالسماح باستئناف إصدار مطبوعات مثل الاعتصام والمختار الإسلامي القريبتين جدا من أفكار الحركة ولكن سرعان ما خاب أمل الإخوان من نظام لم يكن مستعدا للسماح بالوجود القانوني للتنظيمات الإسلامية أو اقتراح بدائل شبيهة بتلك التي سبق أن اقترحها النظام السابق ( مثل الاعتراف بالحركة كجمعية خيرية ) ولا تزال المحكمة الدستورية ترجئ النظر في القضية التي رفعها الإخوان في العام 1977 حتى اليوم .

أكد القانون الانتخابي الذي اقترحه مبارك في العام 1983 الثقافة الحزبية في التعاطي السياسي وهو ما أرغم الإخوان على التفكير في الحصول على صفة الحزب إذ كانوا يريدون التمتع بحماية " مظلة قانونية " وكان الإخوان قد بدأوا التفاوض في السبعينيات على بدائل لوجودهم كحركة جماهيرية (الذي يعتبر الخيار المثالي بالنسبة إليهم)

وكانت الحزبية التي اقترحها السادات لا تزال في مراحلها التكوينية واعتقد الإخوان بأنه ربما يمكنهم التفاوض على مكان في العملية السياسية بناء على شروطهم الخاصة فالتسامح الذي أبداه السادات تجاوز إطار البرلمان وهو ما وفر للحركة خيارات متنوعة ولكن بالمقارنة اقتصر التسامح السياسي لمبارك على الأحزاب السياسية

وهو ما ضيق بالتالي من الخيارات المتوفرة للحركة ومما ضيق الخيارات أيضا المضامين المحددة لقانون الأحزاب نفسه فلجنة الأحزاب كانت لا تزال محكومة منذ العام 1976 بقوانين التعددية الحزبية التي تحظر تشكيل أحزاب على أسس دينية وفي تلك المرحلة من السبعينيات لم تكن قيادة الحركة تولي أولوية للعب دور سياسي على مستوي الأحزاب من السبعينيات لم تكن قيادة الحركة تولي ولاية للعب دور سياسي على مستوي الأحزاب بقدر ما كانت أولويتها هي إعادة بناء التنظيم وترسيخ حضوره على المستوي الجماهيري الواسع أولا.

ولكن هذه الطريقة في التفكير تغيرت في الثمانينيات وبدأت الحركة بناء على اقتصار جو التسامح النسبي في الحزبية المقيدة فحسب بدراسة فكرة المشاركة السياسية من خلال لتحالف مع حزب قانوني . وبالتالي شهد مستهل عقد الثمانينات تطورين رئيسيين على صعيد التكفير السياسي لدي الإخوان المسلمين .

التطور الأول كان القرار بالمشاركة في السياسة البرلمانية ولكن ككتلة منظمة في هذه المرة وليس كأفراد ( كما كان عليه الحال في السبعينيات) .

والتطور الثاني كان المشاركة في الانتخابات البرلمانية بالتحالف مع حزب سياسي لو توجه سياسي مختلف عن توجه الجماعة ( حزب الوفد ) ولم يكن لهذين التطورين صلة برغبة الجماعة في تشكيل حزب سياسي مستقل بعد وهو تطور تبلور في ما بعد في منتصف الثمانينيات لما شعرت الحركة بنفوذها البرلماني دون الحاجة إلى الدخول في تخالف وسأناقش الآن بشكل موجز التطور الأول وأعني دخول الحركة (البرلمان) وأرجئ الحديث عن التطور الثاني إلى الفصل الثالث عندما أدرس تحالف الإخوان مع حزب الوفد في العام 1984 .

لا يوجد تاريخ واضح للقرار الذي اتخذ الإخوان بالمشاركة في برلمان مبارك , على رغم عبد المنعم أبو الفتوح يدعي أن الفكرة بدأت بالتبلور في ذهن التلمساني منذ العام 1983 ولكن القرار بالمشاركة في البرلمان باسم حركة محظورة بموجب القانون كان قرارا شجاعا على أى حال.

ولم يكن الجميع داخل الحركة مستعدا بعد لتقبل تداعياته فقد قال لى بدر محمد بدر الذي كان قد عمل عن قرب مع التلمساني في الثمانينات إن مسالة دخول مشاركة الإخوان في انتخابات العام 1984 خضعت لنقاشات حامية ليس في أوساط الجيلين الصغير والكبير في الحركة وحسب بل بين كبار الأعضاء في مكتب عاكف مرشد الإخوان وبين التلمساني المرشد السابق ولكن في الثمانينيات اتخذت مثل هذه المناقشات أبعادا أوسع فاستنادا إلى بدر عقد اجتماع موسع في العام 1983 في القاهرة ترأسه التلمساني الذي كان ينوى إقناع المشاركين والمسئولين في الحركة القادمين من العاصمة ومن المدن في المحافظات الأخرى بطريقته في التفكير وهي ضرورة المشاركة كجماعة في هذه المرحلة والاستفادة من أجواء الانفتاح الحزبي الذي كرسته سياسة مبارك لطرح اسم الحركة في المجتمع .

في تلك الفترة لم يكن قد مضي على خروج الإخوان من السجون وقتا طويلا وكانوا مترددين في المشاركة بهذه السرعة في لمعترك السياسي وكان ما يزال البعض مترددا بسبب فترة عبد الناصر والأعمال الوحشية التي ارتكبها في حقهم في حين رأي البعض الآخر بأنه يلزم توفر مزيد من الوقت والموارد لاستكمال عملية بناء التنظيم وفي الاجتماع الموسع بين أعضاء الجماعة جادل التلمساني أولا بأن بناء لتنظيم والمشاركة في العملية السياسية يمكن أن يحدثا في وقت واحد وأنه ليس بناء من الضروري الإعلان عن كافة نواحي التنظيم وأعضائه وثانيا هو أنه يتوجب على الإخوان في نهاية المطاف التوقف عن العمل كحركة سرية والسعي بدلا من ذلك إلى استكشاف كافة السبل الكفيلة بنشر أفكارهم في المجتمع .

وثالثا , قال التلمساني إن الإخوان يحتاجون إلى اكتساب مزيد من الخبرة في العملية السياسية وهذا النوع من الخبرة لا يمكن تحصيله إلا من خلال المشاركة في البرلمان ورابعا إن وجود الإخوان في البرلمان سيوفر للحركة فرصة ثمينة لإصلاح القوانين بناء على مقتضيات الشريعة وأخيرا ستوفر هذه المشاركة للإخوان فرصا للإلقاء بالوزراء والمسئولين الذين يمكن أن تقنعهم الحركة بمقاربتها التي تنبذ العنف في التعاطي مع الدولة ومع المجتمع كان التلمساني بدفع بحججه إلى تغيير عقلية الكثير من الإخوان في هذه المرحلة نحو ضرورة الانفتاح السياسي على المجتمع بدرجة انفتاح سياسات مبارك نفسها في الميدان السياسي .

ثانيا : الميدان الاجتماعي

هدف الموقف المتسامح الذي تبناه مبارك عموما إلى تنفيس التوترات في علاقة الدولة بالمجتمع نتيجة للأعمال التعسفية التي قام بها السادات ضد الناس أولا سيما اعتقالات العام (1981) وبناء على ذلك أطلق مبارك في العام 1982 سراح الناشطين السياسيين الذين اعتقلهم السادات

وسجنهم وكان من بينهم أكثر من ألف شخص من الأطياف المتنوعة من المجتمع مثل الرموز الدينية والصحافيين والطلاب وأعضاء النقابات المهنية واتحادات العمال كما أراد مبارك توحيد قوي المجتمع ومؤسساته في مواجهة المتطرفين الذين رأي فيهم النظام تهديدا مباشرا لسلطته وكان ذلك أحد ألأسباب التي وقفت وراء تسامحه مع الإسلاميين المعتدلين كما قلنا فضلا عن دعمه لمؤسسة الأزهر

وفي هذا السياق فتح مبارك بعض الساحات الاجتماعية وأبقي على الهياكل شبه المتنقلة وسمح للمعارضة بالعمل داخلها وإن ضمن حدود معينة وسأضرب المستقلة أمثلة على سياسة التسامح التي أبداها مبارك في الميدان الاجتماعي بالتركيز على النقابات المهنية والأزهر والفضاء الجامعي وسأرصد كما فعلت في الميدان السياسي الكيفية التي وظف فيها الإخوان هذه السياسة والوجود في هذه المساحات وسأبدأ بالنقابات المهنية .

النقابات المهنية

كان من المتوقع أن يطرح مبارك في حال أراد التطلع إلى الفوز بدعم الطبقتين الوسطي والدنيا اللتين همشهما السادات جملة من الإصلاحات داخل النقابات المهنية وكوسيلة للسيطرة على النشاط المتعاظم للنقابات المهنية الذي أعقب سياسات السادات غير الشعبية في أواخر السبعينيات أقدم السادات على وضع عدد من اللوائح الداخلية التي تقيد من فاعلية هذه النقابات ففي العام 1981 حل السادات المجلس المنتخب لنقابة المحامين بسبب رفضه المتزايد لمعاهدة السلام مع إسرائيل .

وعندما وصل مبارك إلى السلطة أراد أن يظهر أن الأمور قد تغيرت في عهده باتجاه الأحسن وبناء على ذلك فقد ألغي في عام 1983 قرار السادات بحل مجلس نقابة المحامين وأصدر قانونا جديدا وأعاد المجلس المنتخب للنقابة بالطبع رحب أعضاء النقابة بقرار مبارك وإن اعترضوا على أن أجزاء من القانون المعدل بقيت من حيث الجوهر مقيدة لحرية العمل النقابي وكوسيلة لإعطاء المحامين العاملين في القطاع العام صلاحيات أوسع في عملية صناعة القرار نقل القانون الجديد سلطات معتبرة إلى مجلس النقابة ووافق مبارك على طرح مزيد ممن الإصلاحات في أعقاب التماسات نشطة من أعضاء النقابة ودعي رئيس النقابة إلى حضور مناقشات مجلس الشعب التي عالجت مسودة القانون الجديد وحصل القانون المعدل على مزيد من الاستحسان في العام 1984 .

وتعتبر حالة نقابة المحامين مثالا واضحا على كيفية تسامح مبارك مع مطالب المهنيين في مقابل حصوله على دعمهم واستنادا إلى بيانكي " ت دهورت " علاقات مصر بكل من إسرائيل والولايات المتحدة في مستهل الثمانينيات وكان ذلك سببا آخر لعدم اتخاذ مبارك إجراءات في حق نقابة المحامين بعكس ما فعل السادات لقد وظف مبارك النقابات بفاعلية في دعم شرعيته القانونية فضلا عن شرعية وسط طبقات المهنيين في مجتمع .

ويمكن القول أيضا إن تسامح الرئيس مع النقابات يرجع جزئيا إلى جانب موضوع الشرعية إلى أن مبارك لم يكن يتوقع من النقابات أن تتحول إلى فضاءات للتعبئة والحشد يستخدمها الإخوان في ما بعد كما حدث في التسعينيات وربما افترض ن موقفه من الإصلاح السياسي من التعددية الحزبية كما تجلي في قانون الأحزاب الجديد الذي صدر في العام 1983 أنه سيوفر للمعارضة هامشا ديمقراطيا كافيا وع ذلك يبدو أن مبارك كان مستعدا للتسامح مع دور سياسي هامشي تلعبه النقابات شريطة أن يبقي هذا الدور محصورا بشكل صارم ضمن حدود هذه النقابات وان يخضع لمراقبة الدولة .

الأزهر

كما أشرنا سابقا تسامح مبارك مع الإسلاميين المعتدلين ( الإخوان) ومع مؤسسة الأزهر لكي يدفع خطر حركتي الجهاد والجماعة الإسلامية وهما الحركتان المسؤوليتان عن أحداث العنف التي وقعت في أسيوط والمنصورة والقاهرة وأراد مبارك من دعمه للأزهر اكتساب شرعية دينية في مواجهة مزايدات المتطرفين على هوية الدولة الدينية ففي العام 1983 وبمناسبة الاحتفال بمرور ألف عام على تأسيس هذه الجامعة الإسلامية العريقة منح مبارك أوسمة لبعض علماء الأزهر

كما أن مبارك كان يلتقي بشكل متكرر بشيخ الأزهر جاد الحق على جاد الحق ( الذي عين في هذا المنصب في العام (1982) وشدد مبارك في اجتماعاته تلك مع المفتي السابق ومع وزارة الأوقاف على أهمية الدور الذي يلعبه الأزهر في تجنيب مصر موجة تشدد الإسلاميين المتنامية وظهر العديد من الشيوخ على شاشة التلفاز بدعم من النظام لتفنيد أفكار الجماعات الإسلامية وللترويج لمنطق التفكير الذي يسير بموازاة الخطوط التي تتبناها الدولة وتم تشكيل لجنة جديدة متخصصة في الأزهر لرفع توصيات خاصة بنشر القيم الدينية عبر وسائل الإعلام .

واقترن طلب الشرعية الدينية للنظام مع استخدام القوي الأمنية التي بدأت حملة قمع واسعة للأشخاص الذين يشتبه في ارتكابهم أعمال عنف فخلال الأسابيع التي تلت اغتيال السادات قدر أنه تم اعتقال أكثر من أربعة آلاف شخص وزعمت تقارير الهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان أن الاعتقالات استمرت خلال العام 1982.

" حيث كان يجري الإبقاء على المحتجزين رهن الاعتقال مددا قابلة للتجديد كل ستة شهور مع عدم توفر سبيل للجوء إلى المحاكم للطعن ف باعتقالهم وتعاون الأزهر مع الأجهزة الأمنية في دعم النظام في محاربته للمتشددين الإسلاميين ونظم قوافل متنوعة لزيارة المدن والقرى المختلفة ومحاورة الإسلاميين الشباب وما من شك في أن هذا التحالف بين الدولة ومؤسسة الأزهر أضعف تدريجيا من مصداقية الأزهر في عيون الشباب الذين كان العديد منهم مجندين محتملين في جماعات العنف .

الفضاء الجامعي

في الحقيقة مثل حرم الجامعات استثناء بارزا لروح التسامح وللإصلاحات التي طرحها مبارك في فضاءات المجتمع كما مثل استمرار الحملة النظام الهادفة إلى القضاء على التطرف ويمكن فهم أسباب ذلك الاستثناء بسهولة لأن الحركات الطلابية هي التي شكلت الأرضية لرئيسية لنشر أفكار عنف الجماعات الإسلامية والتي كانت المسئولة (كما أظهرت التحقيقات في ما بعد) عن اغتيال السادات ويؤكد بدر محمد بدر وكان طالبا ناشطا من الإخوان في جامعة القاهرة أن الجامعة ظلت تخضع منذ مقتل السادات لإجراءات مراقبة وعمليات تحقيق ظاهرة بسبب مخاوف النظام من أن الكليات آخذة في التحول إلى " نقاط تجنيد قوية للمسلحين" .

وأبقي مبارك على التعذيب الذي اقترحه السادات في العام 1979 الخاص باللائحة الطلابية الذي أريد منه في الأساس إضعاف قوة ونشاط الطلاب في الجامعات عبر حل هيئات التمثيل الطلابية مثل الاتحاد العام للطلاب المصريين المنتخب كما وضعت اللائحة نشاطات الطلاب تحت المراقبة الكاملة من قبل هيئة التدريس وهي الهيئة التي لم تكن مستقلة بل عكست مزاج الحكومة أطاعت أوامرها وقننت اللائحة في الوقت نفسه وجود الحراس الأمنيين داخل الجامعات ومن جهتهم واصل الطلاب جهودهم الحثيثة لتغيير اللائحة وقد تجلي ذلك في الزيارات المتكررة التي قام بها مندوبو الطلبة إلى المسئولين الحكوميين وأعضاء البرلمان ولكن وبخلاف حالة نقابة المحامين فإن النظام الجديد ورفض مطالب الطلبة .

مع هذا الوجود الأمني المحكم لم يتمكن الإخوان المسلمون من استئناف نشاطاتهم في الجامعات حتي العام 1984 , عندما طح مبارك إصلاحات شكلية ولكنها كانت جوهرية بالنسبة إلى اللائحة الطلابية ففي أثناء السنين الأولي التي تلت اغتيال السادات كان أغلب الجامعات عديم الناشط على الصعيد السياسي وفي حالة جمود.

وعلى رغم أن انتخابات الاتحادات الطلابية استؤنفت بعد سنة من مقتل السادات لم يكن أغلب الطلاب الذين خاضوا الانتخابات في العامين 1982 1983 منتمين إلى أية جماعة أو معتنقين أى اتجاه فكري فقد أصبح أغلب الطلاب الذين أطلق سراحهم من السجون بعد اغتيال السادات أكثر اهتماما بشؤونهم الشخصية وبمواصلة دراساتهم المتأخرة منهم بالنشاطات الطلابية كما أن العديد منهم ظل يخش المشاركة في النشاطات الجامعية يشكل مباشر بسبب زيادة التدخلات الأمنية وعمليات المراقبة منذ مقتل السادات .

وأظهرت المقابلات التي أجربتها مع مندوبي الطلبة في القاهرة والإسكندرية وأسيوط أن حالة الجمود هذه لم تقتصر على جامعة بعينها أو على منطقة معينة وإنما عكست طاهرة عامة عمت جميع الجامعات في مصر ولكن يمكن تفهم حقيقة أن الوضع في جامعة أسيوط كان اشد توترا في القاهرة بسبب وجود جماعات متطرفة مثل " الجماعة الإسلامية"

وخلال تلك الفترة وعلى الرغم من عدم تمكن الإخوان المسلمين من المشاركة في النشاطات الطلابية ويعود ذلك جزئيا إلى أن أعضاء الحركة من الشباب كانوا لا يزالون في السجون ركزت أغلب أهداف الطلاب من الإخوان على متابعة تحصيلهم الأكاديمي مع المحافظة في الوقت نفسه على الروابط التنظيمية داخل الجامعات وخارجها وكانت تلك الروابط تعني في وجه من الوجود أن الجامعات لم تخل بالكلية حتى في مستهل الثمانينات

وفي ظل الإجراءات الأمنية المشددة من النشاط وغن كان نشاطا هادئا واستنادا إلى أحمد عبد الله وهو ناشط طلابي من الإخوان أصبح في وقت لاحق رئيس اتحاد الطلاب في جامعة القاهرة كانت اللقاءات غير الرسمية بين أعضاء الاتحاد من طلاب الجامعة تعقد بانتظام داخل مسجد الجامعة وأكد لى عبد الله وغيره من الطلاب الذين التقيت بهم في الإسكندرية وفي أسيوط أن تلك اللقاءات كانت تستخدم أيضا في ضم مزيد من الأعضاء إلى الحركة .

تنظيم الإخوان المسلمين في الثمانينات

أظهرت المعلومات التي كشف عنها عبد الله أنه خلال تلك الفترة العصبية أن تشديد الإخوان على المحافظة على التنظيم وعلى توسيعه كان أكبر من تشديدهم على استئناف النشاط العام وكانت العملية برمتها قد بدأت في السبعينيات على يد عمر التلمساني لكن سرعان ما أعاقتها عمليات الاعتقال التي أمر بها السادات في أيلول سبتمبر 1981 والتي طالت الأعضاء المنتمين إلى الحركة ولكن الجماعة استأنفت مهمتها غير المنجزة بعد وقت قصير من إطلاق سراح الإخوان من السجون في العامين 1982 1983 وكما هو الحال ف يحرم الجامعات سارت تلك العملية بهدوء وبالتدريج .

وصاحب تلك العملية قناعة متنامية لدي اغلب الإخوان بأن الحركة بحاجة إلى التعايش بطريقة علنية وسلمية مع الدولة وداخل مؤسساتها وقد جاء هذا الاستنتاج نتيجة لعدة تطورات. التطور الأول كان النبذ الجدي من قبل الحركة لاستخدام أعمال العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها وتعزز هذا الالتزام بإتباع الطرق السلمية لتحقيق الإصلاح في السبعينيات نتيجة للحصيلة الإيجابية للحصيلة الإيجابية من التفاعل مع المجتمع بمختلف أطيافه .

والتطور الثاني تمثل في الدور المحوري الذي لعبه عمر التلمساني في تسريع عملية التغيير كما رأينا في الاجتماع الخاص بأعضاء الجماعة لمناقشة خيار المشاركة السياسية كان التلمساني المرشد العام للحركة رجلا مهذبا وحظي التلمساني الذي امتهن المحاماة باحترام العديد من المسئولين المصريين بمن فيهم السادات وبالإضافة إلى ذلك فإن حقيقة أن التلمساني لم يكن عضوا في النظام الخاص ( الذي أصبح في وقت لاحق المصدر الرئيسي للعمليات العنيفة ) عنت أنه كان وجها أكثر قبولا للجماعة .

والتطور الثالث كان التأثير المتنامي لكوادر الشباب المنتمين إلى التنظيم وهذه الكوادر لم تشارك المخضرمين الذين تعرضوا للتعذيب على يد عبد الناصر في شكوكهم وكراهيتهم للنظام وعلى الرغم من ذلك لم تكن هذه الميول المعتدلة لتتبلور دون شكل من أشكال التودد الإيجابي من الدولة بالمقابل فروح التسامح التي تميز بها مبارك وسياساته الخارجية الشعبية وميله إلى تحقيق العدالة وضمان المساواة في الحقوق كل ذلك شجع الحركة بلا شك على تبني هذا الموقف التصالحي

وفي هذه السياقات الجديدة بدأ الإخوان المسلمون فور تسلم مبارك القيادة بإعداد خطتهم المنظمة للتوسع في شرائح المجتمع المصري واعتمدت الحركة على المساجد والمناطق الحضرية والريفية وعلى أنماط التأثير التقليدي والديني من أجل استعادة شعبيتها ومثلما كان مبارك يغازل مؤسسه الأزهر لكسب الشرعية الدينية كانت الجماعة تفعل ذلك بخطابها ورموزها وسط المجتمع المصري ولا يزال الخطاب الديني والرموز الدينية حتى يومنا هذا وسيلة قوية لتجنيد مزيد من الأعضاء في صفوف التنظيم وكانت هذه الوسائل هي التي سمحت للإخوان المسلمين بإعادة بناء التنظيم وإعادة بناء هياكله التنظيمية .

وسأتناول بشئ من التفصيل حقيقة معني التنظيم وماذا كان يعني استكمال بنائه في هذه المرحلة المبكرة من عهد مبارك ؟ وسأسعي إلى أن أجيب عن السؤال وهو كيف يساعدنا استيعاب فكرة التنظيم على فهم الأسباب التي تقف خلف قوة الحركة وفاعليتها على فضاءات المجتمع مثل النقابات أو الاتجاهات الطلابية ؟ وأخيرا ما هي علاقة التنظيم بالهدف الذب تسعي إليه الحركة وهو الحصول على الاعتراف القانوني من الدولة ؟

بداية يشكل التنظيم الهيكل الداخلي وديناميات الحركة وهرمياتها وأغلب هذه الديناميات والهرميات كانت معروفة ومحددة علنا بواسطة اللائحة الداخلية للحركة في عهد مؤسس الجماعة حسن البنا إلا أنه بعد حل الحركة في العام 1954 أصبحت القضايا المتعلقة بالتنظيم سرية للغاية وهذا ما جعل مهمتي في سير أغوار التنظيم وماهيته صعبة .

ولقد حظيت أسئلتي المتعلقة بالتنظيم التغيرات التي مر بها منذ السبعينات بإجابات مبهمة من قلب المرشدين الراحلين مصطفي مشهور ومأمون الهضيبي وكانت تقابلاتي مع قيادة الإخوان تجري خلال الفترة التي بلغت فيها المواجهات مع النظام ذروتها وسرعان ما أدركت أن الأسئلة التي أطرحها عن هذا الموضوع كانت حساسة للغاية ووجدت في وقت لاحق أن الكوادر الأصغر سنا كانت ربما أكثر ميلا إلى الحديث عن هذا الموضوع بانفتاح أكبر وعلى سبيل أمثال كان عصام العريان وهو عضو مؤثر في مكتب الإرشاد

وأحد المصادر المفيدة لى في هذا الموضوع وقد اعترف العريان بان التنظيم كان بمثابة مفهوم مركزي للإخوان المسلمين ولا تزال حركة جماهيرية تضم أعضاء من خلفيات اجتماعية متنوعة وأقساما متخصصة وفروعا محلية وخلال السنين الأولي من عقد الثمانينيات واصلت الحركة عملية إعادة بناء أقسامها المتخصصة وفروعها بحيث أضافت إليها أقساما وفروعا جديدة سبق تطويرها تهيئة لدورها الجديد في المجتمع وفي المجال السياسي .

واستنادا إلى العريان يوجد نحو تسعة أقسام داخل التنظيم يشمل : قسم الدعوة وقسم الخدمات الاجتماعية وقسم الطلاب وقسم العمال وقسم نوادي أعضاء هيئة التدريس في الجامعة وقسم الأخوات وقسم التدريب الرياضي وقسم شؤون العالم الإسلامي وقسم النقابات المهنية ويمكن أن تتفرع بعض الأقسام إلى لجان متخصصة.

مثل : اللجنة المالية ولجنة التاريخ , ولجنة العلماء , وتعتبر لجنة العلماء مثلا مسئولة عن ضمان توافق آراء الحركة ومواقفها السياسية مع أحكام الشريعة ف يحين أن لجنة التاريخ التي قمت بزيارة مكتبها وأجريت مقابلات مع أعضائها معنية بكتابة رواية " رسمية " لتاريخ الإخوان المسلمين وجري استحداث أقسام أخري مؤخرا لتنظيم الدور السياسي الجديد الذي يلعبه الإخوان في البرلمان والقسم السياسي الذي يتضمن لجنة الإعلام أشبه بمؤسسة فكرية وهو متخصص بتنسق الدراسات التي تتناول القضايا والتطورات السياسية المتنوعة وستجد في الفصل السادس مناقشة لبعض من هذه الدراسات المتعلقة بالحركة وبالنظام المصري كما يتضمن القسم السياسي اللجنة البرلمانية التي تضم في عضويتها نواب الإخوان في لبرلمان .

وإضافة إلى الأقسام واللجان الجديدة حدث تطور ثان في الثمانينيات طال طريقة إدارة التنظيم نفسه يعتمد على اللامركزية وطرحت فكرة اللامركزية في الإدارة في الثمانينيات كوسيلة لتطوير فاعلية الحركة ولأنها بدت صيغة عملية مناسبة بالنظر إلى الظروف السلطوية السائدة وإلى رفض الدول الاعتراف بالحركة وفي الإدارة اللامركزية تتخذ القيادة المركزية من العاصمة (القاهرة) قاعدة لها وتكون هي المسئولة (من خلال مكتب الإرشاد) عن رسم السياسات الجوهرية التي تتبناها الحركة وبخاصة تلك المعنية بالدولة مباشرة ويجري الإعلان عن هذه السياسات في البيانات الرسمية التي تصدر عن المرشد أو الجماعة وعن طريق الخطابات في الاحتفالات العامة والتجمعات . الخ .

ويعود إلى القيادات المحلية المنتشرة في المحافظات والأقاليم القرار في السياسات المتبعة في مناطقها والجدير بالذكر أن الأقسام الداخلية الأحر عشر المذكورة آنفا توجد بالتالي على مستويين على المستوي المركزي الذي يخضع لإشراف القيادة في القاهرة وعلى مستوي المحافظات أى أنه توجد هذه الأقسام بصورة مصغرة في المحافظات الثماني والعشرين في مصر وبالطبع يجري عقد اجتماعات وإجراء اتصالات منتظمة بين أعضاء الأقسام المركزية والأقسام في المحافظات من أجل تبادل الخبرات وتوحيد وجهات النظر .

التطور الآخر المهم هو أن تشكيل القيادة داخل الحركة وداخل أقسامها صار يتم عن طريق إجراء انتخابات داخلية بدلا من تعيين الكبار من أعضاء الحركة على نحو تقليدي على غرار ما كان سائدا في الماضي وقد شكل هذا التطور وإن لم يكن مثاليا من حيث الممارسة خطوة بارزة كونه يتناقض مع الثقافة السياسية السائدة التي تمارسها أغلب النظم العربية ويجري انتخاب أعضاء كل قسم داخل التنظيم من قبل قواعده الناخبة في العاصمة

أو في المحافظات وربما ينتقل الأعضاء المنتمون إلى أحد الأقسام وبخاصة الأعضاء الأكبر سنا أو أوسع خبرة من قسم إلى آخر أو يكونون ببساطة أعضاء في أكثر من قسم وهذا يضمن عدم ضياع الخبرات غالبا بل يضمن تقاسمها وزيادتها وسيكون كلامي على التنظيم وماهيته مهما في الفصل الثالث حين أناقش دور التنظيم وصلته بتأثير الإخوان ونفوذهم في المجتمع وفي السياسة .

ثالثا : الميدان الاقتصادي

شكل الاقتصاد المصري تحديا هائلا لكافة الأنظمة المصرية تقريبا منذ العام 1952 فبخلاف الميدان الاجتماعي أو السياسي حيث في استطاعة الرئيس تحسين صورته العامة عبر مواقف إيجابية مثل إطلاق سراح سجناء سياسيين أو طرح إصلاحات اجتماعية ثانوية تتميز الإصلاحات في الميدان الاقتصادي بالصعوبة وتتشكل أغلب المشكلات الاقتصادية التي تعانيها مصر من طبيعة مصادر الدخل وهي الرسوم التي تحصل عليها الدولة من عبور السفن قناة السويس والدخل الناتج من النفط والأهم من السياحة ومن تحويلات المصريين العاملين في الخارج وهي عائدات لا يمكن ضبطها أو التحكم فيها وبالتالي لا يمكن التنبئ بها .

والمأزق الفريد الذي يعانيه مبارك هو أنه ورث سلسلة من السياسات الاقتصادية التي تراكمت عبر العهود الماضية والتي تعارض طبيعتها بعضها مع بعض بطبيعة التعارض بين فترة حكم عبد الناصر وفترة حكم السادات والتحدي الذي واجهه مبارك في البداية كان تعذر إلغاء سياسات عبد الناصر التي كانت تعتمد على الاشتراكية ودور أكبر للدولة وإلغاء سياسات السادات التي تعتمد على رأسمالية الطبقة التي استفادت من الانفتاح والتحرر الاقتصادي كانت مهمة مبارك في الإصلاح الاقتصادي إذا غاية في التحدي والصعوبة .

وأنا هنا لن أقدم سردا ناقدا للاقتصاد المصري في عهد مبارك بما أن هذا الموضوع خضع للنقاش المستفيض في أدبيات أخري كثيرة لكني سأتفحص بدلا من ذلك كيفية تفاعل مبارك مع الحقائق الاقتصادية في مصر بهدف تعزيز شرعيته وسيكون من المبالغة الافتراض بأنه كانلدي مبارك الذي كان طيارا حربيا رؤية واضحة أو خطة جاهزة في المراحل الأولي من قيادته لإنقاذ مصر من مشكلاتها الاقتصادية ولكن يكفينا الافتراض بأن موقفه الحذر عموما من الجميع وتردده في إدخال تغييرات جذرية خاصة إذا كانت غير شعبية عنيا أن مبارك استمر في التشديد على دور الدولة في " العقد الاجتماعي " الذي أرسي قواعده عبد الناصر ولكن دون التخلي عن الانفتاح الذي بدأه السادات .

ففي خطاباته ومقابلاته التي أجراها في مستهل الثمانينيات لم يتحدث مبارك يشكل مباشر عن تفكيك القطاع العام أو حتى عن خصخصة أجزاء منه ولكنه اقتصر على الحديث عن الحاجة إلى إصلاحه وتفعيل إنتاجيته وفي إحدي المقابلات أكد التزامه بالقطاع العام وتباهي بأن نظامه خصص في العام 1983 سبعمائة مليون جنيه مصري من ميزانيته لدعم التصنيع على الخصوص في القطاع العام وشدد مبارك على أنه يريد إعادة تأهيل القطاع لعام ورفع مستويات إنتاجيته والتشجيع على الاستثمار وأعاد التأكيد أن هذا هو الحل الوحيد للمشكلات الاقتصادية التي تعانيها مصر .

وفي الوقت نفسه قاوم مبارك الضغوط التي بذلتها المؤسسات المانحة وصندوق النقد الدولي لإدخال إصلاحات هيكلية من اجل تجنب إثارة أعمال شغب شبيهة بالأعمال التي وقعت في العام 1978 عندما خفض السادات من دعم السلع الغذائية وآثر مبارك عوضا عن ذلك حل مشكلات مصر الملحة من خلال زيادة الافتراض الخارجي الذي سهلته كافة أشكال القروض والسلف التي قدمتها الولايات المتحدة وفي حال كان التخفيض في دعم السلع يتم في سياق مواصلة سياسة الانفتاح التي بدأها السادات والتي قال مبارك إنه سيدخل إصلاحات عليها بدلا من إلغائها كانت تلك التخفيضات تطبق على السلع غير الضرورية أو لا تطبق ولكن بشكل هادئ ومستتر .

وعلى رغم ذلك فقد ظل أغلب المصريين يتوقعون من النظام الجديد رؤية ما هو أكثر من مجرد المحافظة على القطاع العام لقد توقعوا إدخال تحسينات حقيقية في أحوالهم المعيشية وفي مستوي الخدمات الاجتماعية وعلى رغم أن سياسة الانفتاح أفادت شريحة ضيقة من المجتمع فقد همشت أبناء الطبقات الدنيا والفقيرة لتي ظلت تفتقر إلى الخدمات وإلى البنية التحتية الجيدة ومع ذلك فإن عهد مبارك شهد تحسينات على مستوي البنية التحتية ظل الرئيس يتباهي بها في خطاباته .

ومن المهم أن نلفت النظر إلى أن الكثير من مشاريع البنية التحتية كانت قد بدأت منذ عهد السادات إلا أنها لم تستكمل إلا في عهد مبارك بسبب رحيل السادات المفاجئ في العام 1981.

وقد كان السادات بدأ بالفعل بتنفيذ مشاريع صناعية مهمة وبني مصانع وخصص مساحات للناشطات العمرانية والإسكان ( مثل مدينة العاشر من رمضان ) واستنادا إلى نزيه أيوبي خصصت حكومة السادات 45 بالمئة من كافة الاستثمارات العامة لمنشآت البنية التحتية والخدمات ( حوالي 9 بالمئة لمشاريع الطاقة و27 بالمئة لقطاعي النقل والاتصالات وما تبقي للإسكان والبناء ) في خطته الخمسية للأعوام 19781982 ولكن كما أشرت أغلب هذه المشاريع لم يكتمل في عهد السادات وإنما أكتمل في عهد مبارك وابتداء من عام 1982 جري تخصيص حصة كبيرة من استثمارات مصر للبنية التحتية .

وكانت نتائج هذه الاستثمارات محل احتفال مجلة الأهرام الاقتصادي التي تملكها الدولة التي ادعت بأنه في الفترة الممتدة بين العامين 1981 و1986 " زادت شبكة الطرقات من 26000 إلى 42000 كيلو متر وزاد عدد الشاحنات على الضعف وازداد عدد الخطوط الهاتفية بأكثر من ضعفين ونصف وزاد إنتاج الطاقة الكهربائية من 18 مليارا إلى 45 مليار كيلو واط في الساعة وكنتيجة لهذه الزيادة باتت الكهرباء تصل إلى 8,2 ليون منزل في العام 1986 بعد أن كانت تصل إلى 5,2 مليون منزل في لعام 1981 , وزاد عدد البلدات التي تصلها المياه العذبة من 4200 إلى 4500 بلدة .

وإبراهيم عويس محق في الإشارة إلى أن الأرقام لمذكورة آنفا ليست مؤشرات حقيقية على أداء النظام الجديد عندما تقاس مقابل الزيادة الكبيرة في عدد السكان ولكن بصرف النظر عن مدي تواضع أداء النظام في هذا المجال فإن ما تم وفر بالتأكيد لوسائل الإعلام وللصحافة التي تملكها الدولة والأهم من ذلك للخطابات الرئاسية المادة المطلوبة في حملة الفوز الشرعية الإنجاز التي تحدث عنها غيلين وبوغي (راجع المقدمة) ففي المؤتمرات والخطابات والمقابلات مع الصحافة الأجنبية والمحلية أشار مبارك تحدث عن إنجازاته أمام الصحافة الأجنبية لأن ذلك كان مؤشرا على أنه كان يهدف أيضا إلى جذب المستثمرين الأجانب بقدر ما كان يهدف إلى إرضاء المصريين وهذان العنصران ليسا مستقلين أحدهما عن الآخر بالطبع لأن الاستثمار الأجنبي والعائدات التي ستتولد عنه ستقوي في نهاية المطاف الاقتصاد المحلي وعلى حد تعبير مبارك نفسه ستوفر فرص عمل للخريجين .

بروز المؤسسات المالية الإسلامية

تمكن الإخوان المسلمون من تطوير مشاريعهم المالية الخاصة ويعود ذلك جزئيا إلى روح التسامح التي سيطرت على النظام المصري في البداية ويعود جزئيا إلى أنه لم ينظر إلى هذه المشاريع الإسلامية على أنها تشكل تهديدا جديا بعد ..

ويمكن المجادلة بالطبع بأن النظام وحلفاءه اعتقدوا في احدي المراحل أنهما ربما يستفيدون من هذه المشاريع إما بتحويلها إلى مصدر مساعدة لاقتصاد الدولة أو بتحولها إلى مصدر لزيادة الثروة الشخصية لأفراد في الحكومة وقد اعتبر الأمران واردين في حالة شركات الاستثمار الإسلامية التي نمت بسرعة في الثمانينيات وفي الرد الغامض من قبل الدولة على ظهورها وعندما أدرس الناشطات المالية للإخوان في مستهل الثمانينيات يناقش كما ذكرت دور البنوك الإسلامية ودور المشاريع الاستثمارية الخاصة بأفراد الجماعة وأبدأ أولا بشركات توظيف الأموال .

شركات توظيف الأموال

يتعين على أن أوضح منذ البداية أنني لا أقدم وصفا لظهور شركات توظيف الأموال الإسلامية والسياسات التي اتبعتها هذه الشركات فأنا أكثر اهتماما بدراسة العلاقة التي تربط الإخوان تحديد وليس الإسلاميين بالعموم بهذه الشركات كما أن هناك خلطا خاطئا ومتكررا بين شركات توظيف الأموال وتنظيم الإخوان نفسه وربما مرد ذلك من الناحية العملية إلى سرية المعلومات التي تجعل من الصعب معرفة إن كان أصحاب شركات التوظيف هذه تابعين بأي وجه من الوجوه للحركة أم أنهم مستقلون

فبالنسبة إلى من يراقب من الخارج أو حتى بالنسبة إلى المحليين المصريين المحليين يبدو أن الخيار الأسهل هو الجمع بين كافة الإسلاميين الملتحين معا وبخاصة إذا كانت دراسة الظاهرة تتم على أساس المؤهلات الدراسة أنه من الضروري أخذ الاختلافات التنظيمية أهمية لكننا نجد في هذه الدراسة أنه من الضروري أخذ الاختلافات التنظيمية بعين الاعتبار إذا كان مراد الباحث تقديم وجهة نظر دقيقة وموضوعية عن الدور الاقتصادي للإخوان وتأثير هذا الدور في تنظيم الجماعة وفي النظام لسياسي المصري .

عندما سافرت إلى مصر لإجراء بحثي في دور الإخوان المسلمين في بروز شركات توظيف الأموال وتطويرها سرعان ما أصبح اسم أحمد عبيد مألوفا لى وربما لم يكن عبيد معروفا في الأوساط العام كناشط مثل عصام العريان على سبيل المثال لمنه بالتأكيد احدي الأذرع المالية المهمة للحركة لعب عبيد العضو المخضرم في الإخوان وصاحب شركة الحجاز الاستثمارية الصغيرة ولكن القوية دورا عظيما في بروز شركات التوظيف الضخمة والمشهورة التابعة للشريف والسعد والريان وعلى رغم أن الإخوان ينفون تمثيل عبيد أية جهة سوي نفسه إلا أن انتماءه إلى الحركة ظل لا شك يعني أنه جرت الاستفادة من إنجازاته المالية في تمويل أنشطة الجماعة أو على الأقل توظيف عدد من كوادرها في مصانعه .

وقد التقيت في القاهرة بعاصم شلبي وشقيقه الأكبر محمد شلبي وكلاهم مقاولان من الإخوان كان يملكان ذات يوم شركة استثمار إسلامية ( قبل تصفيتها من النظام في العام 1989) وتعاونا بشكل وثيق مع عبيد ويملك عاصم حاليا دار نشر إسلامية " دار الوفاء " في حين يملك شقيقة محمد شركه بناء ضخمة وكلاهما يحتفظ بوثائق وحسابات تسجل قصة عبيد وصلاته بشركات توظيف الأموال .

في مستهل السبعينيات خرج عبيد من سجون عبد الناصر وبدأ في عهد السادات بالعمل لصالح رجل الأعمال الإسلامي المستقل عبد اللطيف الشريف الذي كان يملك مؤسسة صغيرة لتصنيع المنتجات البلاستيكية وقد استفاد الشريف من سياسة الانفتاح التي تبناها السادات وتوسعت أعماله بسرعة طوال فترة السبعينيات.

ولكن على رغم زيادة في الأرباح, كان ما يزال الشريف بحاجة إلى مزيد من الأموال لتوسيع تجارته وتحويلها إلى مؤسسة ضخمة مجهزة بماكينات حديثة , واستخدم عبيد شبكة معارفه التنظيمية في إقناع أعضاء من الإخوان كانوا يعملون في دول الخليج ويبحثون عن فرص آمنة لتوظيف أموالهم في مصر , بإيداع مدخراتهم لدي الشريف .

وبالمقابل وظف الشريف العديد من أعضاء الإخوان الذين أطلق سراحهم حديثا من سجون عبد الناصر وممن كانوا لا يستطيعون السفر إلى الخليج أو ممن آثروا البقاء في مصر والعمل في القطاع الخاص .

وبلغت أرصدة الشريف الإجمالية في أواخر السبعينيات ما لا يقل عن 300 مليون جنيه مصري وشاركت مجموعة شركاته في أعمال تراوحت ما بين بناء العمارات السكنية وتصنيع المنتجات البلاستيكية ومعدات الإضاءة ومواد التنظيف.

والمعدات الإلكترونية وكوفيء عبيد على جهوده بترقيته ليصبح عضوا في مجلس مدراء الشركات المختلفة وبراتب شهري مقداره 5000 جنيه مصري وكانت تلك زيادة مالية ملحوظة في فترة زمنية قصيرة جدا وبخاصة عند مقارنتها بمبلغ 180 جنيها مصريا كان يتقاضاه عندما بدأ العمل في العام 1974 وفي العام 1979 قرر عبيد الاستقالة من منصبه على إثر نزاع نسب بينه وبين الشريف حول طريقة إدارة الأخير لمؤسساته التجارية .

بالاشتراك مع محمد عليوه , وهو عضو في الإخوان ومقاول كبير , أسس عبيد شركة الحجاز الاستثمارية ومن بين العديد من التطورات الأخرى , أدي ذلك إلى تحول مدخرات الإخوان من مؤسسات الشريف إلى شركة الحجاز , وهو ما يوضع ي الحد الأدنى قيمة الصلات والو لاءات التنظيمية وابتداء من مطلع الثمانينيات شاركت شركة الحجاز في مشاريع استثمارية محدودة لكن أحد الأعمال المهمة التي قامت بها الشركة كان تقديم القروض لشركات المقاولات الصغيرة التي غبت في الاستثمار في العقارات وسأستكمل في الفصل الثالث الدور المهم الذي لعبته هذه القروض في بروز مؤسسة السعد والريان والشركات الإسلامية العملاقة الأخري ومن اللافت أنه خلال هذه الفترة كانت صلات عبيد إخوانية معروفة جيدا لدي الأجهزة الأمنية وهو ما أكد تسامح النظام بوجه عام مع النشاطات التي كانت تقوم بها شركة الحجاز لأن النظام لم ير في نفوذ الإخوان المالي تهديدا على شرعيته بعد كما حصل في العام 2005 مثلا

البنوك الإسلامية

أما البنوك الإسلامية فكانت نوعا آخر من أنواع المؤسسات المالية التي تسامح معها النظام في مستهل الثمانينيات ولعب الإخوان دورا بارزا أيضا في تأسيسها وتطويرها وكان يوجد في مصر في أواخر السبعينيات ومستهل الثمانينات بنكان إسلاميان رئيسيان.

هما البنك الدول الإسلامي للاستثمار والتنمية وبنك فيصل الإسلامي وكلاهما تأسس في لعام 1979 وكان المدير التنفيذي لبنك فيصل في احدي المراحل أحمد عادل كمال وهو عضو في الإخوان لديه اهتمام خاص بالاقتصاد الإسلامي والأعضاء المعروفون الآخرون الإخوان تضمنوا حلمي عبد المجيد وتوفيق الشاوي وكلاهما كان عضوا في مجلس إدارة البنك وبالمثل ضم مجلس إدارة البنك الدولي الإسلامي للاستثمار والتنمية عبد الحميد الغزالي وسعد عمارة وخيرت الشاطر وكان الغزالي والشاطر عضوين مؤثرين في مكتب الإرشاد .

واستنادا إلى عبد الحميد الغزالي وهو ناشط معروف وأستاذ محاضر في جامعة القاهرة أجريت مقابلة معه في العام 2002 تأسيس البنك الدول الإسلامي في عهد السادات برأسمال بلع 12 مليون جنيه مصري ولكن في الفترة الواقعة بين العامين 1981 1983 أرباحا على المودعين وصلت إلى 14,7 بالمئة ( مقارنة بالفائدة التي تدفعها البنوك التابعة للدولة التي تراوحت بين 11,10بالمئة) وحرص البنك الدولي الإسلامي على أن يكون أغلب المودعين لديه من المصريين من أبناء الطبقات الدنيا " من أجل المساعدة على تحسين مستوي معيشتهم .

واستنادا إلى الغزالي جري توظيف أرصدة البنك في مشاريع مهمة في القطاعين الصناعي والزراعي وقد شكلت البنوك الإسلامية مؤسسات مفيدة أظهرت التزام الإخوان بتوفير بديل إسلامي للبنوك التي توجد مقراتها الرئيسية في الغرب والبنوك التي ترعاها الدولة.

ولكن الحركة لم تحقق نجاحا مرموقا في هذا المجال لأن هذين البنكين واجها العديد من المشكلات كانت في أغلبها متعلقة بنزاعات شخصية والافتقار إلى نظم الإدارة المنظمة كان للنزاعات الشخصية فضلا عن الضغوط المتزايدة التي مارستها الدولة.

تأثير سلبي كبير في مصير البنوك الإسلامية وبخاصة في أواخر الثمانينيات وهو الأمر الذي سنناقشه في الفصل الرابع كل الذي أريد توضيحه من هذه المعلومات هو أن الإخوان استفادوا من أجواء الانفتاح الاقتصادي الذي سمح بها النظام في بداية تأسيس شرعيته .

المشاريع الخاصة

يحذر الإخوان المسلمون من الخلط بين الملكية التجارية الخاصة للعضو والمشاريع لتجارية التي تمثل ملكية الحركة, وقد ادعي تنظيم الإخوان في العام 1954 بأنه قام بتصفية أغلب إن لم يكن كافة مؤسساته الاقتصادية الرسمية في أعقاب حظر الحركة.

وذلك باستثناء دار التوزيع والنشر الإسلامية وهي دار نشر تقوم بنشر وتوزيع الكتب الإسلامية العام والخاصة بالجماعة والمواد السمعية وبالرغم من ذلك الفصل تبقي هناك الصلة بين الأفراد والحركة وإن على صعيد التبرعات في الحد الأدني وهو ما لا تنكره القيادة بما أنها تفتقر إلى مصادر التمويل المناسبة وبما أنها تعتمد على اشتراكات أعضاء أساس في تنفيذ نشاطاتها ولا شك في أن رفض الدولة الاعتراف بالحركة كان له تأثير كبير على صعيد حاجة الحركة إلى الاعتماد على اشتراكات أعضائها بدلا من الاعتماد على مصادر دخل أكثر انتظاما .

ولم يكن من السهل إقناع بعض رجال الأعمال من الإخوان بالتصريح عن أعمالهم التجارية الخاصة وعن التقدم الذي أحرزوه في ظل حكم مبارك خلال السنوات الأولي من عقد الثمانينيات لكني وجدت بعض الأعضاء الأثرياء من الإخوان الذين تمكنت بصعوبة من الالتقاء بهم على استعداد للتحدث عن أفكار مجردة لها علاقة بالأخلاقيات الإسلامية في إدارة الأعمال التجارية الناجحة لكنهم لم يكونوا مستعدين للحديث عن كل ما له علاقة بتجارتهم الخاصة في الأعمال التجارية

وبما أني قمت بعملي الميداني في فترة لمواجهة بين مبارك والحركة فأنا أتفهم حقيقة أن أغلب الإخوان كانوا غير مستعدين للتضحية بمؤسساتهم التجارية من اجل بحث منشور بتناول هذا الموضوع وبخاصة في النظام اتهم بعض رجال الأعمال من الإخوان بتمويل النشاطات السياسية التي تقوم بها الحركة وقد استشهد أحد الأعضاء في الإخوان بالقول المصري المأثور " رأس المال جبان ".

لكن هناك استثناء لهذا القول المأثور , وهو خالد عودة , أحد رجال العمال من الإخوان من مدينة أسيوط الذي كان على استعداد للتحدث إلى وقد التقيت بعودة في شقته بالقاهرة قبل يوم سفره إلى الولايات المتحدة لحضور مؤتمر عن الجيولوجيا وخالد وهو نجل عبد القادر عودة المعروف الذي شنق في عهد عبد الناصر في الستينيات من القرن الماضي وأستاذ محاضر في جامعة أسيوط يملك سلسلة من الشركات والمصانع في مسقط رأسه أسيوط وقد خاض الانتخابات البرلمانية سنة 2000 في أسيوط لكنه ادعي أنه خسر الانتخابات لأن التدخل العنيف من جانب القوي الأمنية حال دون فوزه .

بدأ عودة ممارسة التجارة في العام 1980 في مصنع صغير يدعي " الرباط" لصنع الألبسة وكان يوجد في المصنع اثنتا عشر ماكينة خياط وحسب ولم يكن يزيد عدد العاملين فيه على عشرين عاملا وخلا الثمانينيات توسع المصنع ولم يتأثر كثيرا بالاعتقالات التي استمرت لفترة وجيزة لأعضاء الإخوان في لعام 1981 ويشرح عودة المسألة بالقول " إن اعتقالات السادات لم تكن تستهدف الإخوان.

بل كانت حملة ضد المعارضة بأكملها , بما في ذلك الأقباط ولهذا السبب لم يعان كافة أعضاء الإخوان منها , " وعندما وصل مبارك إلى السلطة ازدهرت أعمال المصنع بوتيرة أعلي.

بل اختارته وزارة التموين أيضا بعد وقت وجيز لتزويدها بملابس قليلة الكلفة لصالح القطاع العام " وقع الاختيار علينا لأن اليد العاملة قليلة الكلفة في أسيوط بعثت وزارة التموين إلينا بالأقمشة وصنعنا كافة أنواع الملبوسات للرجال والنساء والأطفال وكانت الوزارة تسلم هذه الألبسة للقطاع العام لبيعها بأسعار زهيدة وكان الناس سعداء بمنتجات المشروع .

وكان ذلك يعني أنه في أواخر الثمانينيات بات مصنع عودة يضم خمسا وأربعين ماكينة خياطة ونحوا من مئة عامل وفي العام 1982 أسس عودة مصنعا آخر هو " البنيان المرصوص " لصنع أحجار البناء ومرة أخري ازدهرت منتجات المصنع ولم يتأذ بمشكلات الجماعة الإسلامية بأسيوط ويؤكد عودة على أن النظام ان يميز بين الإسلاميين المتطرفين والإسلاميين المعتدلين وقتئذ كان واضحا أن الإخوان استفادوا من الأجواء الاقتصادية التي واكبت مجئ مبارك إلى السلطة وبدا واضحا سعي كلا الطرفين الإخوان ومبارك إلى توظيف الميدان الاقتصادي لتعزيز شرعيتهما كل على حدة .

خلاصة

أظهرت مناقشتي التي تناولت الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية أنه لم يتوفر في مصر في مستهل الثمانينيات السياق الذي يمهد لنشوب صراع بين الإخوان ومبارك فلم يكن للإخوان علاقة باغتيال السادات مثلا كما أن الإخوان لم يكونوا على استعداد لاستخدام العنف ضد الدولة وفي هذه الأثناء كان النظام أكثر انشغالا في توسيع قاعدة شرعيته ولذلك لم يكن مستعدا للدخول في مواجهات غير مبررة أو عبر شعبية مع المعارضة كما أن هاجس جو من التسامح لم يكن متوفرا في أواخر عهد سلفه السادات ولذلك أكد مبارك على سيادة القانون وعمل على إبطاء عملية التطبيع مع إسرائيل وعلى تحسين علاقات مصر بالدول العربية وشرع في تطوير البنية التحتية للدولة ويهدف تعزيز صورته الدينية في صراعه مع المتطرفين الإسلاميين سعي مبارك أيضا إلى إرضاء مؤسسة الأزهر وعلى رغم النظام لم يحسم مسألة شرعيته الخاصة بصورة مطلقة إلا أنه يمكن القول إن مبارك نال درجة من القبول العام وهو ما دل عليه بدرجة كبيرة المستوي المتدني للعنف الاجتماعي والديني في السنوات الأولي لقيادته ومشاركة القوي السياسية الرئيسية في انتخابات العام 1984 .

وفي هذا السياق استغل الإخوان المسلمون المزاج التصالحي لدي مبارك في إعادة بناء التنظيم وفي اكتساب الوضعية القانونية ونجحوا في مسعاهم الأول .

وفشلوا في مسعاهم الأخير , واستمروا في توظيف الشرعية الدينية كوسيلة فاعلة في استقطاب مزيد من الأعضاء عبر الفضاءات التقليدية في المساجد والأحياء السكنية واستخدمت الخطابات والأحكام الدينية أيضا في تنفيذ مشاريع اقتصادية ( مثل شركات توظيف الأموال ) التي ربما كانت متواضعة في حجمها لكنها كانت كافية لتوفير الدعم والتمويل اللازمين لتوسع آفاق ونفوذ الحركة

الفصل الثالث

الإخوان وشرعية الإنجاز ( 1984 -1987)

كما قلت في بداية الفصل الثاني لم توفر السنون الأولي من الثمانينيات لمبارك مصدرا مستقلا للشرعية ما عدا الشرعية القانونية باعتباره نائب السادات وبالتالي خليفته في تولي السلطة وقد تبني مبارك روح التسامح في بداية حكمه.

وكان الهدف من ورائها السعي إلى توفير أسس مصداقية جديدة لنظامه ونزع فتيل التوتر والاحتقان بين الدولة والمجتمع وقد آتت الجهود التي بذلها مبارك ثمارها في الميدان السياسي غذ وفرت انتخابات العام 1984 النزيهة نسبيا لقوي المعارضة بما فيها الإخوان المسلمون فرصة لكي تعاود الظهور على الساحة السياسية بقوة.

ومن ناحية أخري وفرت الانتخابات لمبارك السياق المناسب الأول لتطبيق مفهوم الشرعية القانونية بوصفها " الشكل المهيمن " من أشكال البرلمانية وحسب بل في المجتمع بوجه عام موقف الإخوان لا في السياسة البرلمانية وحسب بل في المجتمع بوجه عام وفي مؤسساته المؤثرة أيضا على رغم أن الإخوان كانوا لا يزالون في طور إعادة بناء التنظيم فقد أصبحوا الآن في موقف أقوي يمكنهم من خوص الانتخابات في الاتحادات الطلابية وفي النقابات المهنية وكان هدفهم النهائي هو التأثير في الساحات التي يحتلونها وبناء رأي عام بالتدريج يولد ضغطا على النظام لكي يمنحهم وضعية قانونية .

وإذا استثنينا الإخوان المسلمين والناشطين السياسيين الآخرين نلحظ أن الغالبية العظمي من المصريين لم تستفد في الواقع من الفسحة السياسية التي أتاحها النظام ربما لأنه لم يكن لديها اهتمام خاص بالشؤون السياسية والانتخابات فالشئ الأكثر أهمية بالنسبة إلى أغلب المصريين كان معرفة ما إذا كان النظام الجديد سيتمكن من تحسين مستوي ظروفهم المعيشية أم لا .

وقد بينت في الفصل الثاني كيف أن كبارك شدّد في البداية على التزامه بتطوير القطاع العام والبنية التحتية وأن هذا الوقف استمر في السنوات التالية ولكن بالنظر إلى واقع الأزمة الاقتصادية والمشكلات الاقتصادية الأخرى التي واجهتها مصر في منتصف الثمانينات بدا النظام عاجزا عن الوفاء بالتزامه وعلى النقيض من بداية الثمانينات عندما كانت آمال وتوقعات الشعب متفائلة فإن السنين اللاحقة شهدت شعورا بالإحباط

فلم تكد تمضي خمس سنين على وصول مبارك إلى السلطة حتى شهدت مصر أعمال شغب لم تكن متوقعة في أوساط قوات الأمن المركزي وعلى نحو يذكر بأعمال الشغب التي اندلعت على إثر تخفيض دعم السلع الغذائية في العام 1977 فضلا عن عودة ظهور عليات العنف من جماعات التطرف وشكلت عمليات العنف منذ منتصف الثمانينيات العنصر الجديد في تعقيد العلاقة بين الإخوان المسلمين والنظام .

وسأناقش في هذا الفصل هذه التطورات الجديدة وأقيم كيف أثرت في مواقف مبارك وفي الإخوان وفي سعي كل من الطرفين إلى الشرعية ويمكن القول مجملا إنه في الميدان السياسي استخدم مبارك الانتخابات في تعزيز " صورته الديمقراطية" داخل مصر وخارجها في حين استخدم الإخوان الانتخابات كوسيلة أخري للحصول على الاعتراف الرسمي وفي الميدان الاجتماعي استغل الإخوان ذلك للعودة بقوة إلى الجامعات ولكن الأهم من ذلك

كان بروزهم هذه المرة في النقابات المهنية أيضا ومن ناحية أخري شكل الميدان الاقتصادي التحدي البارز لمبارك فالأزمة الاقتصادية التي اندلع في منتصف الثمانينات أضعفت التزام الدولة بـ " العقد الاجتماعي " وسرعان ما أشعل ذلك نقمة اجتماعية وبدا أداء النظام في الجانب الاقتصادي متناقضا مع الدور المتنامي للإخوان في شركات التوظيف الإسلامية ومع نجاحهم في المؤسسات الخاصة التي استخدمت في تمويل التنظيم بكلمة واحدة بدا الإخوان ينافسون النظام من خلال خدماتهم في الجامعات والنقابات وشركات التوظيف على شرعية الإنجاز.

أولا: الميدان السياسي

مبارك وانتخابات العام 1984

اكتسبت الانتخابات التي أجريت في أيار مايو 1984 أهمية خاصة بالنسبة إلى مبارك ويعود ذلك ببساطة إلى أنها كانت الانتخابات الأول التي تجري في عهده ولأنها وفرت فرصة لتأكيد التزامه بالتعددية السياسية وقد وفرت الانتخابات سياقا قويا لكي يبني مبارك أسسا جديدة لشرعيته

وقد جعلت في هذه المرة القانونية هي "الشكل المهيمن" من أشكال الشرعية كما وفرت الانتخابات لمبارك المستلزمات الديمقراطية والقانونية اللازمة لإرساء نظامه ولتشكيل حكومة منبثقة عن نخبة سياسية موالية وقد استخدم مبارك في خطابه الانتخابات في إعادة تأكيد احترامه للدستور ولحق الشعب في اختيار ممثليه في البرلمان .

كان مبارك قد وعد المصريين قبل إجراء الانتخابات بأن نظرية إلى الديمقراطية ستكون واضحة على العكس من الظرف التي كانت سائدة على عهد عبد الناصر والسادات واستنادا إلى حسن نافعة وهو أستاذ محاضر في العلوم السياسية بجامعة القاهرة وأحد المرشحين عن حزب التجمع في العام 1984.

لم تكن الانتخابات تتعلق بشكل مباشر بمبارك وبمدي شرعية رئاسية بل كانت متعلقة في الحقيقة بشرعية نظامه وحكومته وبالرغم من ذلك, أعاد مبارك استخدام الانتخابات بطريقة جعلت " شرعية النظام والحكومة مصدرين جديدين لشرعية شخص الرئيس نفسه " ويجادل نافعة بأن الانتخابات وفرت عنصرا أكثر أهمية لشرعية مبارك من حقيقة أنه كان نائب الرئيس في زمن السادات واستنادا إلى نافعة " لا يبالي الشعب في مصر في الواقع بمن يتولي السلطة وإنما ينصب اهتمامه على كيفية عزمه على الاستمرار في البقاء في السلطة " أى أن مغزي الانتخابات كان في أنها أجابت عن شرعية الاستمرار في السلطة .

ويغرض تعزيز مصداقية الانتخابات وبالتالي تعزيز مصداقية النتائج المتوقعة أفسح مبارك أمام المعارضة السياسية وسمح للإخوان المسلمين بالمشاركة في الانتخابات عبر التحالف مع حزب الوفد وعلى رغم أن الإخوان غير معترف بهم كحزب سياسي لم يتدخل النظام لمنع تشكيل هذه التحالف مع أن قانون الانتخابات لعام 1983 حظر بالفعل تشكيل تحالفات بين الأحزاب السياسية المعترف بها .

وربما سمح مبارك بتشكيل هذا التحالف لتوسيع ائتلافه ف مواجهة المسلحين الإسلاميين فمن خلال السماح للإخوان بالمشاركة في العملية السياسية يعبر مبارك عن موقف مفاده أنه لا يناصب الإسلاميين العداء.

بل إنه ضد التطرف فقط واستنادا إلى أحد التفسيرات رغب مبارك الذي لم يكن يتصور بعد أن الإخوان يشكلون تهديدا على المدى القصير في تقييم موارد وإمكانيات الجماعة الخفية ونفوذهم في الشارع .

كما كان متوقعا أفضت الانتخابات إلى انتصار حققه الحزب الوطني الديمقراطي الذي حصل على غالبية 390 مقعدا من أصل 448 مقعدا (أى أنه حصل على 87 بالمئة من المقاعد) وترك المقاعد الثمانية والخمسين المتبقية للمعارضة ولكن الأمر الذي ربما شكل مفاجأة بالنسبة إلى النظام على الأقل أن المعارضة في البرلمان تكونت من حزب الوفد (المتحالف مع الإخوان المسلمين) فقط في حين أن أحزابا معروفة مثل حزب التجمع وحزب العمل فشلت في تأمين نسبة الثمانية بالمئة لدخول البرلمان .

وبدا واضحا أن المعارضة السياسية خاب أملها بعد صدور النتائج واستنتج مرشحون هزموا في الانتخابات مثل نافعة أنه لا يوجد اختلاف حقيقي بين التعددية الحزبية في عهد مبارك ونظيرتها في عهد السادات وبالمقابل سعي كلا الحاكمين السادات ومبارك إلى تأمين انتصار حزبه من أجل السيطرة على السلطة التشريعية وساد اعتقاد شائع بأن الحكومة تلاعبت بصناديق الاقتراع لضمان تحقيق نتائج متحيزة للحزب الوطني الحاكم وكان انعدام الثقة في نوايا الحكومة بالإضافة إلى أجواء اللامبالاة المستشرية بين المصريين هما المسئول المباشر بدرجة كبيرة عن قلة عدد المقترعين (إذ لم يقترع سوي 43 بالمئة ممن يحق لهم التصويت).

ولكن خطاب مبارك في أثناء فترة الانتخابات بأكملها تمحور حول موضوعي (أهمية التعددية الحزبية واحترام القانون ) .

طبعا كان هذا هو الخطاب الرسمي ولكن الواقع هو أن القانون كان في حد ذاته مقيدا ولا يفضي إلى نشوء تعددية حزبية حقيقية فقد حصر قانون الانتخاب فرصة المشاركة السياسية بالأحزاب السياسية المعترف بها.

مما حرم المرشحين المستقلين من حقهم السياسي بالمشاركة وكانت شروط تشكيل الأحزاب صعبة ولم تتغير هذه الشروط منذ أن طرح السادات قوانينه الانتخابية في العام 1976 ولكن الأشد من ذلك صعوبة انه اشترط على الأحزاب التي ترغب في أن يكون لها تمثيل في البرلمان في انتخابات العام 1984 الحصول على ثمانية بالمئة من الأصوات بمعني أن كل حزب لا يستطيع تأمين نسبة الثمانية بالمئة من الأصوات التي ذهبت إلى صالح الأحزاب التي فشلت في تامين نسبة الـ8 بالمئة تضاف في النهاية إلى الحزب الذي يحصد أغلبية الأصوات في هذه الحالة الحزب الوطني الديمقراطي .

كما طلب من الأحزاب تقديم قائمة احتياطية من المرشحين وهو ما وجدته الأحزاب الصغيرة طلبا تعجيزيا وكان الهدف الرئيسي للنظام هو تأمين أساس هش وشكلي للشرعية بدلا من تأمين أساس حقيقي وقد تعرض قانون الانتخابات لانتقادات شديدة من قبل اغلب الأحزاب السياسية لأنه مقيد ومفصل بطريقة تضمن للحزب الوطني الديمقراطي الحصول على الأغلبية واشتراط الحصول على ثمانية بالمئة من الأصوات لم يكن عقبة وحسب بل " وكان غير متيسر بصراحة ".

ومن الناحية العملية كانت المطالبة بأن تقدم الأحزاب قائمتين لمرشحيها يعني أن يتوقع من كل حزب توفير أسماء يبلغ عددها ضعف عدد المقاعد في البرلمان ادعي النظام بأنه أراد التأكد من أن الأحزاب التي ستدخل مجلس الشعب هي الأحزاب التي تحظي بشعبية حقيقية وأن تأمين نسبة الثمانية بالمئة كحد أدني هو أحد سبل تحقيق ذلك وإذا كان هذا هو المقصود فعلا فإن النتائج أظهرت أن حزب الوفد بالتحالف مع الإخوان المسلمين إذا استثنينا الحزب الوطني الديمقراطي شكل القوي الشعبية الحقيقية في مصر وكانت هذه النتيجة مفاجئة للنظام .

الإخوان في مجلس الشعب (1984)

قصر القانون الانتخابي الذي اقترحه مبارك في العام 1983 المشاركة السياسية على الأحزاب السياسية واستثني الأفراد المستقلين وتحصل الأحزاب على الوضعية القانونية عن طريق لجنة الأحزاب التي تهيمن عليها الدولة وقد حمل هذا القانون الإخوان على التفكير في منطلقات جديدة ومختلفة عن تلك التي كانت سائدة في السبعينيات وبدأوا بالتفكير بمزيد من الجدية في خيار تشكيل تحالف مع الأحزاب السياسية.

وفي سياق ذلك توصلوا إلى فكرة تشكيل حزب سياسي مستقل وتوقع الإخوان أن الوصول إلى البرلمان سيوفر في كلتا الحالتين فرصة للشروع في الإصلاح من داخل النظام السياسي وأنهم سيكونون قادرين على أن يثبتوا للمسئولين وللشعب أن الحركة تبنت تصورا ومنهجا للعمل بعيدا عن العنف في التعامل مع الدولة ومع المجتمع وعلى حد تعبير عبد المنعم أبو الفتوح.

" نحن لم نأبه كثيرا بمدي حجم حضورنا في البرلمان في العام 1984 فقد كانت تلك تجربتنا الأولي وكان كل ما أردناه في هذه المرحلة هو أن نجعل الآخرين يحسّون بوجودنا لقد أردنا إثبات وجودنا للجهات التي تشكك في نوايانا وأردنا أن يكون لنا وجود في المجتمع وأن نعمل من خلال قنوان قانونية ومفتوحة ولولا ذلك فإننا لم نكن لنشارك في العملية السياسية أصلا "

وشكلت مبادرة التلمساني الهادفة إلى إدخال الحركة ف يحلف مع حزب الوفد الجديد العلماني في العام 1984 تطورا لافتا للنظر وتمكنت الحركة من إعادة تحديد موقفها في ما يتعلق بالواقع السياسي وبالمجتمع المسلم.

بخلاف موقف سيد قطب الذي رسم حدودا صارمة تفصل بين المسلمين " الحقيقيين" والمسلمين " المزيفين" مارس التلمساني استراتيجية أكثر مرونة هدفت إلى صياغة علاقات مع خصومه السياسيين والأيديولوجيين وبناء على ذلك , تعاون التلمساني بدءا من الثمانينيات مع خصومه السابقين مثل الناصريين والشيوعيين ودافع عن القضايا " الوطنية الأوسع بدلا من الاقتصار على الدفاع عن القضايا " الدينية " بهدف " تطبيع " الأفكار والاعتقادات المتعلقة بالإخوان داخل ذهنية المجتمع وبين النخب المختلفة .

ولطالما عرف حزب الوفد نفسه بأنه حزب وطني علماني يرفض المزج بين الدين السياسة وهذا ما ولد الضغينة بين الوفد والإخوان المسلمين منذ العام 1942 وعندما طرح السادات إجراءات التحرر المفيد في العام 1976 بدأت العلاقات بين الإخوان والوفد بالتحسن وقد تمتع التلمساني لذي كان هو نفسه عضوا سابقا في الوفد بعلاقة وثيقة برئيس الوفد فؤاد سراج الدين وبالنسبة إلى الإخوان كان التحالف مع حزب شعبي الوفد خطوة ذكية ومحسوبة وافق عليها فؤاد سراج الدين فورا وفي العام 1983 عاد حزب الوفد إلى الظهور على المسرح السياسي ولم تكن فكرة عقد تحالف مع الإخوان الذين يتمتعون بشعبية فكرة سيئة وبخاصة عند بروز الحاجة إلى التغلب على عقبة الحصول على ثمانية بالمئة من الأصوات .

زاد هذا العائق الذي وضعه القانون الانتخابي من الضرر الذي لحق بالأحزاب السياسية الأقل شهرة ولذلك طرحت على الإخوان فكرة تشكيل تحالف و واستنادا إلى وثيقة خاصة مكتوبة بخط اليد ادعي الإخوان أن أحزابا متنافرة مثل العمل والأمة والتجمع عرضت على الحركة تشكيل تحالف معها لكن الحركة رفضت ذلك وادعت الوثيقة التي كتبها شخص يدعي أبا أيمن ( ربما كانت كنية مصطفي مشهور المرشد السابق ) أن الإخوان رفضوا طلب حزب الأمة بسبب نظرة المعادية للدين واستنادا إلى أبي أيمن

فإن الأسباب التي دعت إلى رفض عرض تشكيل تحالف مع حزب العمل هي أولا: اظهر الحزب علاقاته الوثيقة بالناصريين بمشاركته في ذكري وفاة الطاغية الأكبر في البلاد عبد الناصر

ثانيا . قدم رئيس حزب العمل .إبراهيم شكري في وفد مع التجمع ( للرئيس السوري ) حافظ الأسد الذي باع الجولان ميدالية سلام بعد أن دمر مدينة حماة وقتل 40 ألف مواطن سوري . ثالثا وافق حزب العمل على معاهدة كامب ديفيد في مجلس الشعب رابعا حزب العمل حزب ضعيف لا يملك قاعدة شعبية ولا يحمل مبادئ واضحة .

إنه استشهاد لافت للنظر لأنه بعد مرور بضع سنين فقط على فشل التحالف بين الوفد الجديد والإخوان قررت الحركة تشكيل تحالف جديد مع العمل في انتخابات العام 1987 وباختصار كانت ظروف التحالف تصب لمصلحة الطرفين : الإخوان (الإسلامي) والوفد (العلماني) .

وكان التحالف بين الإخوان والوفد ناجحا وتمكن التحالف من الحصول على 58 مقعدا نال الإخوان منها ثمانية مقاعد وكان للنتائج المترتبة على ذلك أكثر من مغزي بالنسبة إلى النظام وإلى الإخوان وإلى المجتمع :

أولا: كان وجود تنظيم محظور في المجلس التشريعي بمثابة مؤشر محرج دال على عيوب التعددية الحزبية في زمن مبارك فإصرار مبارك على إنكار قوة شعبية نالت ثمانية مقاعد في البرلمان أضعف دعواه بأنه يرغب في إدخال إصلاحات حقيقية في النظام السياسي .

ثانيا: كشفت النتائج عن الثقل السياسي للإخوان وهو شئ أراد التلمساني أن يتأكد منه وفي ما يتعلق بالتجربة والأداء السياسي أظهر الإخوان احترافية متواضعة ولكنها مهمة في البرلمان فعلي النقيض مما كان متوقعا على نطاق واسع.

وبخاصة بين أوساط النخب السياسية العلمانية لم يتعمق الإخوان في الخطاب الديني ولكنهم شاركوا بفاعلية في التصدي للهموم الاجتماعية الاقتصادية في دوائرهم الانتخابية وأخيرا ضمن وجود الإخوان في البرلمان نقاشا أوسع حول ما إذا كانت العملية السياسية التي بدأها مبارك تعكس القوي الحقيقية في المجتمع وحول الأسباب التي تدعو الدولة إلى الإصرار على رفض الاعتراف بحركة إصلاحية تنبذ العنف مثل الإخوان لقد كان مثل هذا النقاش يصب في مصلحة الإخوان في صناعة رأي عام يدعم مطالب الجماعة في الحصول على الشرعية القانونية وهو نقاش طالما كان يسبب حرجا للنظام .

ولا شك في أن فوز الإخوان في انتخابات العام 1984 بثمانية مقاعد من خلال تحالفهم مع حزب الوفد أثار نقاشا داخليا بين صفوف الجماعة حول موقف الحركة من الحزبية وهو نقاش اتسم بحساسية تاريخية .

الإخوان والتحول إلى الحزبية

فتح نجاح الإخوان في البرلمان شهيتهم على خيار تشكيل حزب سياسي مستقل وينبغي النظر إلى هذا التحول في سياق كون الجماعة محجوبة عن الشرعية ويكون الحزب سيوفر لها قناة قانونية للحركة للعمل والنشاط وقد نص قانون الأحزاب على أنه لا يحق لمجموعة سياسية التقدم بطلب الحصول على رخصة تشكيل حزب إلى أن تتمكن من الحصول على 20 مقعدا في مجلس الشعب على الأقل واستنادا إلى أبو الفتوح الذي كان يتعاون بشكل وثيق مع التلمساني في تلك المرحلة

كان ذلك هو السبب الذي دعا التلمساني إلى التفكير بجدية في تشكيل حزب سياسي وبخاصة أن عدد أعضاء الإخوان في البرلمان يمكن أن يزيد كثيرا في الدورات البرلمانية المقبلة ومع ذلك فلم يكن ذلك التفكير في إنشاء حزب سياسي خيارا سهلا بالنسبة إلى الإخوان الذين كانوا ينظرون سلبيا إلى الثقافة السياسية القائمة على الحزبية حتى إن حسن البنا عبر عما يمكن اعتباره وجهة نظر غامضة في أحسن الأحوال حيال الحزبية .

وهناك قول يصر على أن البنا رفض مبادئ الحزبية معتبرا أن أسسها لا تنسجم مع الإسلام وفي حين أن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع مسالم وموحد تؤدي الحزبية إلى إصابة المجتمع بالضعف والتمزق ويدعي قول آخر أن البنا رفض التأثيرات السلبية للحزبية في الثلاثينيات وفي الأربعينيات من القرن الماضي وأنها عنصر تقسيمي في صراع مصر من أجل الاستقلال وقتئذ

ولكنه لم يرفض الحزبية نفسها وأبو الفتوح هو أحد الذين يعتقدون أن البنا كان ينظر بسلبية إلى الحزبية وأنه لا ضير من الاعتراف بذلك شريطة أن تكون الحركة على استعداد لتغيير وجهات النظر هذه :" يشعر بعض الإخوان بالحرج من القول إنه كان للبنا آراء سلبية تجاه الحزبية بدلا ن أن يعترفوا بأننا تطورنا وأعدنا النظر في أفكارنا تجاه الأحزاب كما طورنا موقفنا مثلا من الحقوق السياسية للمرأة.

إن رويل ميجر محق في قوله إن تبني الإخوان للحزبية لم يكن عملية سلسلة أو تلقائية فحتي التلمساني لم يتحول إلى مؤيد متحمس للحزبية حتى عندما سعي إلى حشد التأييد لها وبعد مرور سنتين على صياغة الإخوان برنامجا حزبيا في العام 1984 أقر التلمساني أن الحركة أرغمت على تبني الحزبية لإسماع صوتها في البرلمان بعد أن سدت في وجهها كافة السبل الأخرى ويجادل حسنين إبراهيم بأن التحول إلى حزب سياسي كان جزءا من سعي الحركة إلى الشرعية والأهم من ذلك أن الحزب لم يكن بديلا من التنظيم بحال من الأحوال وهنا أيضا نعود إلى التلمساني الذي يقول  :" الإخوان تنظيم دولي واهتماماتهم تشمل العالم والقارات جمعاء وهذا يختلف عن الأحزاب السياسية التي لديها اهتماما محلية فالحزب الوطني الديمقراطي الحاكم على سبيل المثال لا يملك فروعا بانكلترا أو بأمريكا في حين أن لدي الإخوان فروعا في العالم اجمع.

وشكل التلمساني في العام 1984 أى في العام نفسه الذي فاز فيه الإخوان بـ 8 مقاعد في مجلس الشعب لجنة داخلية خاصة برئاسة صلاح شادي وهو شخصية بارة في التنظيم كلفت بإعداد مسودات لبرنامج حزبي للجماعة وقال لى محمد فودة.

وكان أحد الذين عملوا عن قرب مع هذه اللجنة إن الإخوان وظفوا في تلك الفترة واردهم المحلية واستفادوا من ارتباطاتهم الدولية في التشاور بشأن تشكيل حزب سياسي وذلك عبر الاتصال بالإسلاميين في الأردن (جبهة العمل الإسلامي) وتركيا (حزب الرفاء) واليمن (حزب الإصلاح) ممن لديهم بعض الخبرة العملية في تجربة الحزبية كما عرض على فودة مسودتين منفصلين لبرنامجين حزبيين أعدهما الإخوان في الثمانينيات المسودة الأولي كانت برنامجا لحزب أطلق عليه حزب " الإصلاح المصري" والمسودة الأخرى كانت لحزب أطلق عليه " الشورى" لكن أيا من المسودتين لم يتم تقديمها بشكل رسمي إلى لجنة الأحزاب أبدا مخافة أن ترفض كما لم يعلن عنها للنخبة المصرية كما حدث في برنامج الحزب السياسي للإخوان في العام 2007 .

ومن المشوق إجراء مقارنة وإبراز الفروق بين مسودتي برنامج " الإصلاح" و"الشورى " لأنهما تظهران كيف كان الإسلاميون يصيغون خطاباتهم تكيفا وتجاوبا مع الحقائق المستجدة مثل الدولة المستقلة ومع الثقافة الحزبية التي احتكرت العمل السياسي في منتصف الثمانينيات وبالرجوع إلى مسودة برنامج حزب " الشورى " نجد أن هدف الحزب هو:

"إقامة دولة مصرية إسلامية تهدف إلى الجمع بين دولة إرشاد تدار دفتها على ضوء الإسلام وتلتزم بأحكامه وبين دولة رعاية اجتماعية توفر الخدمات لمواطنيها وتعمل على ضمان الحرية والأمن وتوفر لمواطنيها كافة الحاجات الضرورية "

ومن ناحية أخري هدف حزب " الإصلاح " الذي بدا أقل أيديولوجية وأكثر براغماتية إلى :" إصلاح شؤون الدولة المصرية بحيث تصبح قادرة على توفير الخدمات لمواطنيها وعلى العمل على ضمان الحرية والأمن وتوفر لمواطنيها كافة الحاجات الضرورية ففي الوقت الذي هدف حزب " الشورى" إلى إقامة دولة إسلامية فإن حزب " الإصلاح" اكتفي بالمطالبة بإصلاح شؤون الدولة المصرية .

وتجدر الإشارة إلى أن النص الذي أعد لحزب " الإصلاح " أصبح المسودة الأكثر شعبية داخل الدوائر الضيقة في الإخوان وبخاصة بين أوساط الأجيال الأصغر سنا التي بدأت تشق طريقها في الحياة الاجتماعية في مصر منذ منتصف الثمانينيات (ولا سيما النقابات) وقد أدي إعجاب الجيل الجديد بسمودة " الإصلاح " إلى إدخال تعديلات طفيفة عليها وتقديمها على أنها برنامج حزب " الوسط " المثير للجدل الذي قدم إلى لجنة الأحزاب ورفضته اللجنة فورا في العام 1996

كما جري تكرار أغلب ما ذكر في برنامج حزب الإصلاح (يكاد يكون النقل حرفيا) في الخطابات والبرامج الانتخابية لمرشحي الإخوان بمن فيهم المرشد السابق مأمون الهضيبي في أثناء حملته الانتخابية في منطقة الدقي بالجيزة سنة 1995 وأتناول باختصار أهم ما جاء في برنامج حزب " الإصلاح".

فاستنادا إلى برنامج " الإصلاح " يتوقع من الدولة أن تحمي الحريات العامة وحرية مواطنيها وبنيغي ألا تكون هناك قيودا أيا كان نوعها على " تشكيل الأحزاب, أو التنظيمات أو التجمعات السياسية التي تنوي التعبير عن آراء جماعة معينة في ما يتعلق بقضية معينة "

كما أنه لا الدولة ولا أى مؤسسة من مؤسساتها تملك حق حظر أو منع المصريين من المشاركة في العمل السياسي أو الاجتماعي وهذا يتضمن حق تشكيل نقابات مهنية وجمعيات عامة بصرف النظر عن انتماءاتها أو آرائها السياسية أو توجهاتها الأيديولوجية كما عكس برنامج الإصلاح وجهات نظر الإخوان تجاه القوات المسلحة (الصفحة 33)

والاقتصاد, والزراعة (الصفحة 49) والصناعة (الصفحة 54) والطاقة (الصفحة 52) وناقش البرنامج ووضع حلولا واقترح إصلاحات للمشكلات الاقتصادية المتفشية في مصر بما في ذلك الديون الخارجية (الصفحة 64) البطالة (الصفحة 73) وتكاثر السكان كما أشار البرنامج إلى المشكلات الاجتماعية مثل المخدات (الصفحة 79) وأكد أهمية الرياضة (الصفحة107) والصحة (الصفحة 101).

وشكلت الانتقادات التي وجهت إلى أداء الدولة في ميادين الرعاية الاجتماعية والاقتصاد جوهر العقد الاجتماعي الذي يستند إليه النظام في شرعيته وفي هذا الصدد أكدت مسودة برنامج حزب الإصلاح على سبيل أمثال على الحاجة إلى تطوير المراكز الصحية الطبية وزيادتها في المدن وفي لقري النائية والمناطق الريفية حيث ينبغي توفير الخدمات الصحية بالمجان أو مقابل أسعار رمزية (الصفحة 72)

كما شددت على وجوب أن تسهل الدولة تأسيس المستشفيات الخاصة التي توفر علاجا جيدا ولكنه مكلف (الصفحة 102) ولا شك في أن قيام الإسلاميين بتقديم مثل هذه الحلول لإصلاح العقد الاجتماعي يظهر مدي الضعف الذي اعتري هذا العقد في ظل نظام مبارك كما أن العديد من الحلول المقترحة وضعها الإخوان موضع التنفيذ والتطبيق داخل لمؤسسات التي أداروها في وقت لاحق أو من خلالها وشكلت محورا من محاور شرعيتهم في المجتمع ولا شك في أن هذه مفارقة أقلقلت النظام بمرور الوقت .

الانضمام إلى الأحزاب

وبالإضافة إلى دراسة فكرة تشكيل حزب سياسي خاص بالإخوان المسلمين كان هناك تجاه إلى تعزيز فكرة الانخراط في الأحزاب القائمة وقد زعم أن الإخوان أو قسما منهم على الأقل انضم فعلا إلى الحزب الوطني الديمقراطي أو إلى أحزاب سياسية أخري على أمل امتلاك القدرة على التأثير من الداخل ولكن بالنظر إلى الافتقار إلى الأدبيات التي تتحدث عن الإسلاميين وعن السياسة في مصر يصعب التحقق من هذه المزاعم.

ولكنها إذا كانت صحيحة فعلا فهي تكشف عن معلومات مهمة حول كيفية مراجعة الإخوان لمواقفهم السياسية بطرق كانت مرفوضة رسميا في الماضي القريب وبدا أنه لا يوجد اعتراض لدي الحزب الوطني الديمقراطي على هذا الانتماء وبخاصة عندما احتاج إلى مرشحين ذوي توجهات إسلامية لخوض الانتخابات في دوائر انتخابية معينة وقال لى حامد عبد الماجد إن عبد الصبور شاهين وهو عضو سابق في الإخوان ترأس الجنة الدينية في الحزب الوطني الديمقراطي وإن أعضاء من الإخوان انتسبوا مرة حزب الأحرار في حين التجمع إن هذه الممارسات المثيرة للجدل هي نتاج بحث الجماعة عن مشروعية الوجود في السياسة والمجتمع .

ومن الميدان السياسي أنتقل الآن إلى الميدان الاجتماعي في نتصف الثمانينيات الذي بدا أنه اتسم بالسخط والإحباط من أداء النظام وحيال ذلك بدأت قوات الأمن تلعب دورا يتوازي مع الدور السياسي المتسامح في صياغة موقف النظام من المجتمع ومن المعارض .

ثانيا: تنامي السخط الاجتماعي

شهد منتصف الثمانينيات عودة ظهر القلاقل الاجتماعية والدينية في وضع يتناقض مع الهدوء النسبي الذي ساد في العام 1981 عندما وصل مبارك إلى السلطة وتميزت تلك الاضطرابات بأنها كانت متفقة ومدفوعة بظروف مختلفة لكن أغلبها عكس معارضة آخذة في الاتساع والنمو بسبب فشل النظام في تلبية حاجات السكان ومعالجة همومهم وارتياح المحدود من جانب المعارضة السياسية للإصلاحات الديمقراطية التي اقترحها مبارك في العام 1984 لم يكن ذا أهمية بالنسبة إلى باقي الشعب المصري الذي شعر أن الدولة تخلت عنه , ويعود جزء من فشل النظام في معالجة الغضب العام إلى الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت في العام 1985 نتيجة لتراجع أسعار النفط كما أن تراكم الديون وعدم توفر مصادر جديدة للدخل جعلت من الصعوبة بمكان على النظام الغرق في المشكلات الرد بسرعة وفاعلية على مشكلا ت البطالة والفقر وعلى الزيادة السريعة في السكان وكانت نتيجة كل ذلك اضطرابات اجتماعية تجلت في أعمال الشغب والتمرد بين أوساط قوات الأمن المركزي وعودة ظهور الإرهاب .

تمرد قوات الأمن المركزي

شكل تمرد قوات الأمن المركزي أكثر التطورات التي واجهها مبارك إثارة منذ مجيئه إلى السلطة ففي الساعات الأولي من صباح 25 شباط فبراير 1976, شهدت القاهرة أسوأ موجة من الاضطرابات منذ أعمال الشغب التي اندلعت إثر تخفيض الدعم عن المواد الغذائية في العام 1977 , ونزل مئات من رجال الشرطة المكلفين بحماية السفارات والجسور والمواقع الأخرى داخل العاصمة وفي ضواحيها إلى الشوارع وبدئوا ينهب وإحراق الفنادق , والنوادي الليلية والسيارات والمنشآت الأخرى التي تملكها الدولة وتواصلت أعمال الشغب في اليوم التالي على رغم أنه ساد اعتقاد على نطاق واسع بان تلك الأعمال أشعلتها مفادها أن الحكومة تنوي تمديد فترة الخدمة في قوات الأمن المركزي لسنة إضافية رابعة .

ولغاية اليوم لا يعرف من الذي أطلق تلك الشائعة أو لماذا أطلقها لكن حقيقة أن شائعة أثارت هذه الدرجة من الغضب تحكي شيئا عن طبيعة مشاعر شرائح معينة من المجتمع المصري تجاه الدولة إذ ينتمي أغلب المجندين في وقات الأمن المركزي إلى طبقات اجتماعية متواضعة تعيش في المناطق الفقيرة بمصر وفي أثناء الخدمة يسئ رؤساء هؤلاء المجندين معاملتهم علما بأنهم يتقاضون أجورا قليلة نظير الساعات الطويلة التي يمضونها في الحراسة وكان استهداف منشآت الدولة وتدميرها إعلانا غاضبا ضد الحكومة التي شعروا بأنها فشلت في معالجة حاجاتهم كما انضم إلى هؤلاء المتمردين بعض من عموم الناس غلب عليهم الشباب والعاطلون عن العمل وفي رد على أعمال الشغب استدعي مبارك الجيش على الفور بقيادة وزير الدفاع المشير عبد الحليم أبو غزالة وجري نشر الدبابات والمدفعية ووحدات الكوماندوس الخاصة لمواجهة المتمردين ولأول مرة منذ اغتيال السادات شوهدت وحدات عسكرية ضخمة في كافة المراكز الرئيسية وعند مفارق الطرق في المدينة كما فرضت الحكومة حظرا شاملا على التجول في القاهرة وتعطلت الدراسة في كافة الجامعات والمدارس واستنادا إلى بعض التقديرات جري اعتقال نحو 200 متمرد من الأمن المركزي فضلا من عدة مئات من المدنيين عندما توقفت أعمال الشغب أخيرا .

دور الأجهزة الأمنية

زادت أعمال الشغب إلى جانب وقوع حوادث مهمة مثل " المسيرة الخضراء " الكبيرة التي طالبت بتطبيق الشريعة وتطورت إلى أعمال عنف معينة من مخاوف النظام وأدت إلى توسيع دور القوي الأمنية في سياسات مبارك وبدأت قوات الأمن تلعب دورا بتوازي مع الدور السياسي المتسامح في صياغة موقف النظام من المجتمع ومن المعارضة وهو ما أوجد في النهاية تناقضا بين السياستين حيث هدف مبارك إلى ممارسة السلطة من خلال صناعة القبول في حين مارس الأمن سلطته من خلال القمع ويعكس هذا التباين وعدم التناغم في السياسات فيوجه من الوجوه القوي والأولويات المتنافسة داخل أجهزة الدولة مما يجعل من الصعب التحدث باسم النظام ككيان موحد ويمكن مشاهدة أحد أبهي تجليات انعدام التناعم هذا , وما يرقي إلى افتقار كامل إلى التعاون بشكل أو بآخر في حالة السادات والإسلاميين عندما دعم السادات الإسلاميين بعكس رغبات المسئولين الأمنيين كما دلت تصريحات فؤاد علام .

وقد مالت السياسات على مدي فترة زمنية معينة إلى عدم الانسجام حتى داخل الأجهزة الأمنية ويعود ذلك بدرجة كبيرة إلى تغير الظروف الأمنية في مصر وإلى خلفية الشخصيات التي تولت منصب وزير الداخلية, وقد لعب وزراء الداخلية دورا بالغ الأهمية في صياغة السياسة الأمنية للنظام وهو الأمر الذي يؤثر في النهاية في العلاقات بين الدولة والمجتمع وكان وزير الداخلية الذي غينه مبارك عندما جاء إلى السلطة هو حسن أبو باشا التعامل مع المحرضين على القلاقل الاجتماعية والمشكلات السياسية من خلال الحوار وليس من خلال الإكراه وجاء هذا الأسلوب في الإدارة منسجما مع روح التسامح لدي مبارك اهتمامه بسيادة القانون وخلال الفترة التي قضاها أبو باشا في منصبه

وامتدت بين العامين 1981, 1984 شرع في سلسلة من الحوارات المكثفة مع قادة جماعات المعارضة التي كان يديرها علماء الأزهر وتذاع على شاشة التليفزيون المصري وعلى رغم كراهيته للإخوان المسلمين لم يتدخل أبو باشا لمنع تشكيل التحالف بينهم وبين الوفد, لأن هذا التحالف لم يكن من الناحية القانونية يتعارض مع " الشرعية الدستورية لمبارك " على حد تعبيره .

وواصل أحمد رشدي النهج الذي بداه أبو باشا بعد أن أصبح وزير الداخلية الجديد في تموز يوليو 1984 وعكس تعيين رشدي أيضا روح التسامح لدي مبارك لكن كان لموقف رشدي على النقيض من موقف أبو باشا تأثير إيجابي في الإخوان المسلمين ويزعم إبراهيم منير وهو عضو مخضرم من الإخوان يعيش في لندن أن وجود رشدي في الحكومة كان أحد العوامل التي ساهمت في إقامة علاقة حيادية بين مبارك والحركة فعندما أصبح وزيرا قام رشدي باستدعاء حسن عبد الباقي وهو عضو مخضرم من الإخوان سبق أن كان مرشحا في انتخابات العام 1984 ومعاتبته بطريقة مؤدبة عندما قال له :" بما أنني أصبحت وزيرا لماذا لم يرسل إلى الإخوان تهانيهم الرسمية ؟"

واستنادا إلى منير قرر الإخوان في الحال إرسال وفد برئاسة التلمساني لزيارة رشدي في مكتبه :"

عندما التقي رشدي بالوفد ترك مكتبه وجلس معهم في غرفة الجلوس وطلب من التلمساني عدم تحميله مسؤولية الأعمال السابقة التي قامت بها الأجهزة الأمنية في حقبة عبد الناصر , عندما شارك في عمليات التعذيب وأشار إلى أنه كان يقوم بعمله حينها وحسب , وأضاف " أما الآن , فقد أصبحت مسئولا عن صنع السياسات".

وكانت المدة التي شغل فيها رشدي منصب وزير الداخلية هي الفترة نفسها التي بدأ فيها الإخوان شق طريقهم إلى مجلس إدارة النقابات واتحادات الطلبة في الجامعة دون أى تدخلات ظاهرة من جانب الأجهزة الأمنية ولكن رشدي أقيل من منصبه بعد وقت قصير على اندلاع أعمال الشغب التي قامت بها قوات الأمن المركزي وحل محله زكي بدر وهو رجل متوحش سنناقش فترة شغله لهذا المنصب في الفصل الرابع .

ما أريد التشديد عليه هو أن هذه التباينات في المواقف وفي الأولويات بين الأجهزة السياسية والأجهزة الأمنية جعلت من الصعب استقراء طريقة تفاعل النظام مع التقدم الذي أحرزه الإخوان في الساحات المتنوعة داخل المجتمع المصري فعلي سبيل المثال كان التباين في حالة النقابات التي سنناقشها بمزيد من التفصيل بعد قليل مرتبطة بعدم توقع النظام أن يهدد النقابات شرعيته في وقت لاحق وتجادل أماني قنديل التي درست نشاط الإسلاميين في النقابات بأن النظام في الحقيقة لم يكن يعرف شيئا عما كان يجري داخل النقابات:

" ركز مبارك على الإصلاح السياسي لتعزيز شرعيته لكنه تجاهل الميدان الاجتماعي فلقد شهدنا مصر في الثمانينات تغيرات اجتماعية واقتصادية مهمة أدت إلى بروز طبقة وسطي مهنية جديدة وكان النظام غير مدرك ببساطة للطبقة المهينة الجديدة وكيف يتم تعبئتها في النقابات ".

شهدت النقابات المهنية توسعا جذريا في العقد الذي امتد بين منتصف السبعينيات ومنتصف الثمانينيات من القرن الماضي بحيث عكس النمر المتسارع في نسب الالتحاق بالجامعات في عهد السادات وفي مستهل التسعينيات وصلت العضوية في النقابات ا لمهنية في مصر إلى أكثر من مليون عضو كان أغلبهم يحمل شهادات مهنية في الطب والهندسة والقانون وقد جاء هذا التوسع في الطبقة الوسطي الجديدة نتيجة للعقد الاجتماعي لعبد الناصر الذي وعد بالتعليم المجاني وتأمين الوظائف بعد التخرج في مؤسسات الدولة ولكن منذ سياسة الانفتاح التي انتهجها السادات وبسبب عدم قدرة مبارك في ما بعد على إدخال إصلاحات جذرية في ما يختص بمستقبل الطلاب الخريجين بمصر أصيبت هذه الطبقة الجديدة بإحباط متزايد وبخيبة أمل في النظام الجديد.

وربما لا يكون دقيقا القول إن النظام كان غافلا تماما كما تقول قنديل عن تأثير التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في تنفير الطبقة الوسطي المهنية الجديدة فقد ظل النظام يواصل تودده إلى الطبقة الوسطي في النقابات المهنية كما رأينا ( راجع الفصل الثاني ) وفي النقابات التي ظلت تحت سيطرة الحكومة مثل نقابة الصحفيين وعد مرشحو النظام أنصارهم بزيادة مرتباتهم في حال انتخبوا نقباء وفي العام 1985 صوت الصحافيون لصالح مكرم محمد أحمد رئيس تحرير في مجلة المصور الأسبوعية وحصلوا على زيادات على المرتبات بشكل منتظم بعد أن أصبح إبراهيم نافع رئيس تحرير صحيفة الأهرام رئيسا للنقابة ووصلت إلى 320 جنيها مصريا في سنة 2002 وهذا يشير إلى أن النظام كان على دراسة بالإحباط الذي يشعر به أبناء الطبقة أوسطي لكنه عالج هذا الإحباط بصورة جزئية ومن خلال ما اعتبره النقابات الأكثر أهمية فقط ( نقابة الصحفيين).

وفيما أهمل النظام أو لم يركز كثيرا على بقية النقابات وبقية الفضاءات في المجتمع فقد استفاد الإخوان من تلك الفجوات وملئوها بخدماتهم التي شكلت عقدا اجتماعيا موازيا للعقد الاجتماعي المهترئ بين الدولة والمجتمع وسأتناول بالمناقشة بناء هذا " العقد الاجتماعي الإسلامي " الموازي والتركيز على أداء الإخوان المسلمين في النقابات واتحادات الطلاب في الجامعة .

عقد اجتماعي إسلامي

استطاع الإخوان استغلال النصف الثاني من عقد الثمانينيات في استيعاب غضب الطبقات الوسطي والتصدّي لهمومهم إلى أن حسم مبارك رأيه وقرر ممارسة القمع في حق النقابات والجامعات في التسعينيات وقد فتحت هذه العملية للحركة أفقا جديدا تسعي من خلاله إلى الشرعية بشكلها الخدمي والمقبولية من المجتمع وليس من الدولة أو من المحاكم أو من مجلس الشعب وينبغي عدم النظر إلى هذه العملية التي شرع فيها جيل الشباب في الإخوان كبديل للحصول على الشرعية القانونية وإنما متمم للجهود التي بذلها الجيل القديم في السعي إلى الحصول على الشرعية الاجتماعية يمكن استخدام هذه الشرعية من المجتمع عندئذ في الضغط على الدولة والحصول على اعترافها الرسمي وكان من المتوقع أن هذه الضغوط لن تمارس من قبل الإخوان مباشرة وإنما من قبل المستفيدين من خدماتهم وممن يتلقونها فضلا عن النخب السياسية بحيث تقتنع هذه النخب بأن الحركة وجهودها عنصران جوهريان في المجتمع لمدني في مصر وبالتالي ينبغي على النظام أن يعترف بالإخوان ويدعم أنشطتهم .

ولكن ينبغي عدم النظر إلى إعادة تنشيط مساحات مثل الجامعات والنقابات المهنية على أنها مخطط منسق مسبقا من قادة الإخوان في المراحل الأول على الأقل للحصول على الوضعية القانونية في نهاية المطاف وإنما ينبغي النظر إليها على أنها انعكاس لأبعاد أخري أولا , شكل الإخوان المسلمون حركة اجتماعية تتألف من طلاب ومن مهنيين وبالتالي فإن وجودهم في الجامعات أو النقابات ( وهو شرط مسبق للحصول على وظيفة في أغلب التخصصات متوقع وطبيعي ثانيا بصرف النظر عن الخدمات التي طورها الإخوان في الجامعات أو في النقابات ( مثل تأمين الكتب الرخيصة ومعاشات التقاعد والرعاية الاجتماعية ) كان المراد من تلك الخدمات تحقيق إفادة فورية للأعضاء المنتمين إلى الحركة فضلا عن باقي أفراد قاعدتهم الجماهيرية بمعني أن الإخوان أو الشريحة الفقيرة منهم استفادوا مما كانوا يقدمونه من خدمات بصرف النظر عن نتائج تلك الخدمات على شرعية الجماعة ثالثا إن تنظيم الإخوان ظل حركة جماهيرية ناشطة بصرف النظر عما إذا كانت تتمتع بوضعية قانونية أم لا , وبالتالي اتسمت أنشطتها في الحرم الجامعي والنقابات بالحراك المعهود من الجماعة ولكن يمكن القول إنه سرعان ما جري تنظيم هذا الحراك والقوي على نحو متزايد ووضعه في خدمة صراع للحصول على الشرعية وهو ما اتضح أكثر في التسعينيات كما سنري .

وقبل أن أناقش أداء الإخوان في الجامعات وفي النقابات من المهم أن أتناول سمات جيل الشباب في الحركة خلال عقد الثمانينيات مقارنة بالسبعينيات باعتباره الجيل الذي قام بالأداء في هذه الفضاءات وهذه التغيرات هي انعكاس أو حصيلة التطورات الاجتماعية والاقتصادية التي أشارت إليها أماني قنديل ( أعلاء ) والتي أثرت في الطبقة الوسطي الجديدة ككل وجاءت ثمرة للجهود التي بذلها الحركة للتطبيع والاندماج في المجتمع .

وأحد الفروقات الفورية بين أعضاء عقد السبعينيات وعقد الثمانينيات كان له علاقة بطبيعة الهوية الدينية للحركة ففي الثمانينيات كان يتم التعبير عن الآراء الدينية بطريقة غير مباشرة بالمقارنة مع الصراحة التي كانت سائدة في السبعينيات ويقول حلمي الجزار وهو عضو في الإخوان كان ناشطا في نقابة أطباء الجيزة في القاهرة ورئيسا سابقا لاتحاد الطلاب في جامعة القاهرة إن اغلب الإخوان أطلق لحيته في السبعينيات وارتدي الجلابية أو الجلباب

ولكن هذا المشهد تغير في الثمانينيات فحسب الجزار :" إذا نظرت إلى الجامعات في الثمانينيات فلن تري عضو في الإخوان يرتدون الملابس الغربية " كان للجزار والعريان وأبو الفتوح لحي طويلة وكانوا يرتدون الملابس التقليدية في السبعينيات ( وهو ما منحهم مظهرا أكثر أصولية أو سلفية ) في حين أنهم يحلقون لحاهم الآن ويرتدون الثياب الأوروبية الشائعة ويتكلمون الإنكليزية بطلاقة عندما يتحدثون إلى الصحافيين والباحثين الغريبين .

وقد هيمن على الخطاب في السبعينيات الأدين بطريقة مباشرة وركز على قضايا مثل أهمية الرداء الإسلامي ( بالنسبة إلى النساء ) أما في الثمانينيات واستنادا إلى الجزار مرة أخري :" .. تغير خطابنا وبدأنا بالتشديد على الحرية وعلى الديمقراطية على تلبية حاجات الطلاب وتوفير المراجع الرخيصة الثمن وكتيبات المراجعة لهم . تميز هذا الخطاب بمزيد من المنطق بهدف جذب الطلاب والفوز في الانتخابات وأنا أري ذلك تطورا إيجابيا وليس سلبيا بالنسبة إلى أى شريحة اجتماعية إن من يدعي تمثيلها هو الذي يعمل على خدمتها ".

كان الطلاب في السبعينيات لا يزالون منهمكين في صياغة هويتهم الإسلامية لتي ضاعت منذ زمن بعيد كما هي متصورة بالمعني الأكثر حرفية وتقليدية فالمسلم الجيد هو الذي يتبع سنة النبي ( صلي الله عليه وسلم ) بما في ذلك طريقته في اللبس وحظي هذا الفهم بتشجيع السادات الذي أراد معادلة تأثير اليسار كما أنه لم تكن توجد صلات تنظيمية مناسبة بين أغلبية الطلاب الناشطين والإخوان المسلمين لأن معظم الإخوان كانوا ما يزالون ف السجون في تلك الفترة .

لكن بفضل مؤلفات سيد قطب والبنا وشخصيات مثل التلمساني القرضاوي والغزالي الذين كانوا يدعون إلى إلقاء كلمات في الجامعات , حظيت أفكار الإخوان بكثير من الإعجاب وبالإضافة إلى ذلك وافق النظام على نشر كتبهم ومحاضراتهم من جديد ولم تبدأ عملية استقطاب الطلاب من أمثال العريان وأبو الفتوح والجزار وماضي إلا في أواخر السبعينيات وهي الفترة التي خرج فيها أغلب الإخوان من السجون وبدأ فيها التلمساني بإعادة بناء التنظيم ويشير الجزار إلى أن التوترات التي نشأت بين السادات والإسلاميين في مستهل الثمانينيات جعلت الحياة صعبة على الطلاب ودفعتهم إلى حلق لحاهم وارتداء الملابس الغربية لإخفاء هويتهم الحقيقية عن المراقبة المتزايدة من جانب الأجهزة الأمنية .

واستمر هذا الوضع في عهد مبارك غير أن الحرية والديمقراطية أصبحتا قضيتين أكثر أهمية في نظر شباب الإخوان من إطلاق اللحية وارتداء الجلابية ويؤكد صلاح عبد المقصود وهو صحافي من الإخوان عمل في مجلة الدعوة في السبعينيات والثمانينيات على هذا التحول في الخطاب ويجادل بأنه اصطبغ وفقا للظروف التي جاء بها نظام السادات مقارنة بنظام مبارك :" ركز الإخوان في السبعينيات على قضية تطبيق الشريعة في أعقاب دستور العام 1971 الذي وضعه السادات وفي أعقاب الاستفتاء الذي أجراه والذي أدي إلى إدخال تعديلات في الدستور في العام 1980 لكن هذا الوضع تغير في الثمانينات وتراجع مطلب تطبيق الشريعة وهيمنة المطالبة بحرية تشكيل الأحزاب السياسية والمشاركة في انتخابات العام 1984 وامتلاك صحفنا الخاصة بناء .

أضحت مسألة الحريات أكثر أهمية عندما تخرج الطلاب في السبعينيات في الجامعات وأرادوا الحصول على وظائف في المستشفيات العام وفي الجامعات والمحاكم لقد أرادوا التأكد من أنهم لن يتعرضوا للتمييز في المعاملة بسبب انتماءاتهم الدينية ولكنهم أرادوا في الوقت نفسه التعبير عن حيويتهم في أى مكان يذهبون إليه وبناء على ذلك واصل خريجون مثل العريان وأبو الفتوح والجزار وماضي نشاطاتهم في النقابات فيما احتفظوا في الوقت نفسه بارتباطاتهم التنظيمية واتصالاتهم مع الجامعات ويحكم تجربتهم الطويلة في العمل الطلابي تولي اغلبهم المسؤولية في مكتب الطلاب داخل التنظيم صاغ هذا المكتب السياسة الطلابية ونسق العلاقات بين حرم الجامعات والحركة .

حرم الجامعات

احتاج الإخوان في منتصف الثمانينات إلى التفاعل والاحتكاك عن قريب مع الحركة الطلابية الأكثر نضجا وتعقيدا للتعرف على احتياجات الطلبة وكيفية تلبية هذه الاحتياجات وقد وصف هذا التفاعل الوثيق والاحتكاك مع الطلبة عمرو أبو خليل رئيس اتحاد الطلاب في جامعة الإسكندرية بين العامين 1984 و 1985 وبوصفه أحد الرموز المهمة في الحركة الطلابية الإسلامية في الثمانينيات قائلا :

" اعتمدت نشاطاتنا وخدماتنا في الثمانينيات بدرجة كبيرة على التفاعل والاحتكاك مع الطلاب وكان ذلك أمرا اعتبرناه مهما من أجل حملاتنا الانتخابية وكنا نقيم أداءنا بانتظام وندرس كيفية تحسينه بناء على تعليقات الطلبة على خدماتنا وأصبح توزيع استبيانات الرأي مثلا وهو أمر لم يكن شائعا في الجامعات في السبعينيات احدي الوسائل التي استخدمناها في التعرف على ما يريده الطلاب وكنا نطلب منهم أيضا التربع لدعم أنشطتنا المختلفة من باب إشراكهم في أدائنا ".

وسرعان ما أصبح الإخوان القوة الأكثر فاعلية في الجامعات وفي مرحلة مبكرة في العام 1984 وعلى الرغم من المراقبة الأمنية المستمرة فازوا في انتخابات الاتحادات الطلابية وبقوا مسيطرين عليها من منتصف الثمانينيات ولغاية أواخر التسعينيات ولم يكن الإخوان يتمتعون بشعبية في الجامعات الكبيرة مثل جامعتي القاهرة والإسكندرية وحسب بل كان لهم حضور في جامعات الأقاليم الأخرى وتقع في صعيد مصر مثل أسيوط وكانت سياسات مبارك مسئولة جزئيا عن النجاح الذي حققه الإخوان وبخاصة إصلاح اللائحة الطلابية في العام 1984 الذي شكل تطورا مهما وإن يكن محدودا لأنه أعاد بعض السلطات المفقودة إلى الاتحادات الطلابية فاستنادا إلى اللائحة الطلابية لعام 1979.

يتكون مجلس الطلاب في أى جامعة , من اثني عشر عضوا : خمسة أعضاء من الطلاب وسبعة أعضاء من هيئة التدريس كانت ملاحظات الأعضاء المنتمين إلى هيئة التدريس ملزمة في العديد من سياسات اتحاد الطلاب وإجراءاته بما في ذلك تحديد من سيصبح رئيس الاتحاد وهو ما قيد حركة وأنشطة الاتحاد ولكن نتيجة للإصلاحات التي أدخلها مبارك ف العام 1984 بات مجلس الطلاب مكونا من ثمانية عشر عضوا وينتخب اثنا عشر عضوا منهم من الطلاب وستة من أفراد هيئة التدريس فزاد نفوذ الطلبة وأصبح لهم رأي وإن من الناحية الصورية أحيانا في اختيار الرئيس الجديد لاتحاد الطلاب .

أما بالنسبة إلى نوعية الخدمات التي كان يؤديها الاتحاد لتلبية احتياجات الطلبة فقد بقي العديد منها شبيها إلى حد كبير بالخدمات التي كانت تقدم في السبعينيات وذلك بما أن احتياجات الطلاب الأساسية ( كالكتب الرخيصة , ومذاكرات المراجعة ) لم يطرأ عليها تغيير ومع ذلك فقد قدم إخوان الثمانينيات للطلبة خدمات جديدة مواكبة للظروف المستجدة وفي أثناء المدة التي قضيتها في بحثي في مصر التقيت بطلاب من جامعة القاهرة والإسكندرية وأسيوط لمعرفة أوجه الاختلاف بين الخدمات التي كان يقدمها الإخوان في السبعينيات والخدمات التي كانوا يقدمونها في الثمانينيات وكانت تلك الجامعات القاهرة والإسكندرية وأسيوط الأكبر والأكثر في مصر ولا تزال تشكل معاقل قوية للإخوان مدة عدة سنين وكانت جامعة أسيوط مثار اهتمام خاص بالنسبة إلى لأنها تتحدي التصور الشائع الذي يقصر منطقة مصر الصعيد على أنها تعتمد على نفوذ الجماعات الإسلامية العنيفة فقط واكتشفت أن نفوذ الإخوان في أسيوط كان ملموسا وفي ما يلي تناول مختصر لأهم الخدمات التي ميزت أداء الإخوان الطلابي في الثمانينيات عن فتة السبعينيات .

ولنبدأ بجامعة الإسكندرية مثلا التي تحولت منذ أواخر السبعينيات إلى معتقل للإخوان وإلى ما هو أكثر من ذلك ابتداء من العام 1984 عندما انتخب عمرو أبو خليل الذي كان حينئذ رئيس اتحاد الطلبة في جامعة الإسكندرية رئيسا لكافة اتحادات طلبة جامعات مصر , وقد سبق أن حل منصب اتحاد طلبة جامعات مصر بموجب لائحة 1979 , وردا من نظام السادات على نفوذ الطلبة المتزايد في الحراك السياسي وكان انتخاب أبو خليل احتجاجا رمزيا على هذه اللائحة التي اعتبرها الطلبة غير شرعية.

وقد عكس انتخاب أبو خليل الذي قابلته في الإسكندرية شعبية الإخوان المتنامية في عيون الطلبة نظير خدمات الجماعة للطلبة وكانت أحدي هذه الخدمات التي تميزت في الثمانينات وتحدث عنها أبو خليل في ما عرف بالمشروع الطبي للعائلة " فقد قمنا في قسم الطب بالجامعة بالاتفاق مع بعض الأطباء في القسم على توفير لعلاج الطبي لمجاني للطلاب في كلية الطب وبدأت هذه الخدمة في العام 1985 وحققت رواجا كبيرا بين الطلبة لدرجة أننا قمنا بتطويرها لاحقا إلى ناد مستقل أسميناه نادي طب العائلة وقد قامت بقية الأقسام الأخرى في الجامعة من هندسة وحقوق مثر بتوفير هذه الخدمة لطلبتها في ما بعد .

وفي جامعة أسيوط قام الإخوان بعمل شبيه غذ وفروا للطلبة العلاج الطبي في العيادات الخاصة بأطباء الإخوان أو بأي طبيب آخر متعاطف مجانا أو مقابل أسعار زهيدة جدا كما قام طلبة الإخوان ولأول مرة بتفعيل العلاقة بين الحرم الجامعي والمجتمع خارج الجامعة من خلال توفير خدمات طبية للشرائح الفقيرة المنطقة واستنادا إلى الأخ المسئول عن مكتب الطلاب داخل هيكل تنظيم الجماعة في أسيوط:

" كنا نرسل قوافل المساعدات الطبية المؤلفة من الطلاب في كلية الطب والأساتذة إلى القرى والمناطق الفقيرة لعلاج الماشية وكنا نقوم بتنظيم ما أطلقنا عليه أسبوع العلاج أو شهر العلاج , حيث كنا نذهب إلى القرى وتقدم الدواء للناس دون مقابل وفي المناسبات كنا نشجع الطلبة على التبرع بالدم للمرضي في القرية .

وكما قلت فإن نفوذ الإخوان في أسيوط كان ملحوظا إن إنهم لا لم يكونوا وحدهم وإنما كان يوازي نفوذهم وجود الجماعات الإسلامية العنيفة وكان هذا يشكل اختلافا جوهريا بين جامعة أسيوط وكل من جامعة الإسكندرية والقاهرة من حيث أن الإخوان المسلمين عانوا في أسيوط تدخل الأجهزة الأمنية بسبب وجود " الجماعة الإسلامية وسأسلط الضوء باختصار على هذه الجزئية لأنها مهمة في قصة أداء طلبة الإخوان في أسيوط في فترة الثمانينيات ولأنه لم تنتاولها دراسات أخري .

كان يطلق اسم الجماعة الإسلامية على الاتجاه الإسلامي بين الطلاب في الجامعات في أواخر السبعينيات ولم يكن لذلك الاسم بعد علاقة بأية مجموعة أو منظمة معينة خارج سور الجامعة وكان الرئيس الأول للإتحاد الطلابي في أسيوط في العام 1979 أو أمير الجماعة الإسلامية كما كان يطلق عليه عضوا في الإخوان المسلمين ولكنه أزيح من منصبه بالقوة في أعقاب الاحتجاجات التي أثارها الإسلاميون المتشددون بشأن انتخابه وعينوا شخصا من فريقهم مكانه .

واستنادا إلى الأخ المسئول عن مكتب الطلاب في أسيوط استمر العداء بين الإسلاميين المعتدلين والإسلاميين المتطرفين حتى منتصف الثمانينيات وتنافست المجموعتان على تمثيل الطلاب باسم الجماعة الإسلامية وفي العديد من المناسبات كان الإسلامية المتطرفون يلجئون إلى استخدام القوة الجسدية لإعاقة عمل ناشطي الإخوان في الجامعة فضلا عن تهديد أنصارهم وغالبا ما كان رجال الأمن يشاهدون تلك المواجهات العنيفة من غير أن يتدخلوا بحيث بدوا أنهم لا يمانعون في أن يقتتل الإسلاميون في ما بينهم طالما أن ذلك لا يؤثر بحال من الأحوال في استقرار النظام وبما أن الأجهزة الأمنية بقيت على الحياد اضطر الإخوان إلى الدفاع عن أنفسهم والرد على من كان يعتدي عليهم .

ولم تتدخل القوي الأمنية إلا عندما بدأ الإسلاميون المتطرفون باسم الجماعة الإسلامية بالقيام بأعمال عنف خارج الجامعة ضد الدولة وضد المجتمع وفي هذه المرحلة قرر الإخوان التخلي عن اسم الجماعة الإسلامية والعمل تحت اسم جديد هو " التيار الإسلامي " وأصبح التيار الإسلامي " عنوانا للإخوان الطلبة في جامعات مصر إلى أن جاء المرشد مهدي عاكف وطلب تغيير الاسم إلى " الإخوان المسلمين " علانية وصراحة كما سنري في الفصل السابع .

النقابات لمهنية

كان حضور الإخوان المسلمين في النقابات المهنية ظاهرة طبيعية " وليس عملا مخططا له كما ذكرت ويرجع ذلك إلى أن أغلب الإخوان كانوا طلابا في السبعينيات وتخرجوا في الثمانينيات واحتاجوا إلى البحث عن وظائف في الميادين المهنية المناسبة وكانت العضوية في النقابة المعنية شرطا مسبقا للحصول على وظيفة كما أن النقابة كانت توفر مزايا لا غني عنها مثل معاشات التقاعد والتأمين الصحي المدعوم وتساعد على الحصول على تأشيرات للعمل في الخارج وسواء أكان الخريجون موظفين أم لا.

فإنه يحق لحملة الشهادات في أغلب المهن الانتساب إلى عضوية نقابة مهنته أو تخصصه وسرعان ما لعب الإخوان دورا ناشطا عندما بدأوا في منتصف الثمانينات بتنظيم أنفسهم وخوض انتخابات مجالس إدارة النقابات وأينما ذهبوا سواء في الجامعات و في النقابات فإنهم كانوا يعملون كناشطين وكانوا يؤدون مهمتهم السياسية ولفكن مقارنة بما هو الحال في الجامعات كان لنشاط الإخوان في لنقابات مغزي أكثر أهمية .

فأعضاء النقابات ينتمون إلى المهنيين من أبناء الطبقة الوسطي الذين لديهم مطالب وهموم أكثر تعقيدا من الحصول على الكتب الرخيصة أو حضور صفوف للمراجعة الدراسية فالعديد من هؤلاء المهنيين موظفون أصلا في القطاع العام أو الخاص ويتمتعون بدرجة من الاستقلالية المادية فضلا عن أن لديهم إمكانية أكبر للتحرك في المجتمع والتأثير فيه من الطلاب الجامعيين وعلى العكس من أغلب الطلاب الذين لم يبلغوا السن القانونية للتصويت كان يحق للمهنيين التصويت في الانتخابات البرلمانية وبالتالي كان لهم تأثير سياسي قوي لا يمكن إهماله .

ولو عدنا إلى الفترة التي سبقت منتصف الثمانينيات فسنجد أن أغلب النقابات كان ساحات تستخدم ( أو يساء استخدامها ) من قبل رئيس النقابة أو النقيب ومن دائرته المغلقة من المعارف للحصول على الامتيازات التي توفرها لهم النقابة إضافة إلى الامتيازات المالية بحكم وضعيتهم ومن ناحية أخري كانت ميزانيات النقابات محدودة بحيث كان من المتعذر عليها توفير خدمات مهمة لهذا العدد الكبير من أعضائها ولهذا , ومنذ البداية وعد الناشطون الجد مثل العريان وأبو الفتوح والجزار وماضي الذين تطلعوا إلى خوض الانتخابات ناخبيهم بتوفير الخدمات لأعضاء النقابة بالإضافة إلى وعودهم بمحاربة الفساد الإداري والمالي .

ولطالما كانت الحملات الموجهة ضد الفساد عناصر جذابة وفعالة في الخطاب السياسي العربي ومبارك نفسه بدأ عهده بحملة منظمة ضد الفساد كوسيلة لكسب الدعم الشعبي , وقام الإخوان المسلمون بالمر نفسه في النقابات , باستثناء أنهم طبقوا سياساتهم على نحو أكثر انسجاما وجذبة وفي هذا الصدد درست أماني قنديل أداء الإخوان في النقابات وهي تدّعي بناء على اطلاعها على عدد كبير من الوثائق التي تتعلق بكيفية إدارة النقابات قبل منتصف الثمانينات أن الحركة أبلت بلاء حسنا بالفعل في محاربة الفساد تقول قنديل :

" اطلعت على العديد من الدعاوي القضائية التي رفعها الإخوان المسلمون ضد ممارسات فاسدة متنوعة كانت تحدث في النقابات وعرض على المحامي الدكتور محمد سليم العوا وكيل الإخوان عددا من المستندات التي تكشف كيف أن الشركات السبع عشرة التي تملكها نقابة المهندسين وتدار من قبل أصدقاء عثمان أحمد عثمان (النقيب) كانت تمني بخسائر ثقيلة بسبب ما بها من فساد مستشر .

وتجادل قنديل بأن الإسلاميين نجحوا في النقابات في وقف سوء استخدام الموارد وتمكنوا لأول مرة من تحقيق فوائض كبيرة في ميزانيات النقابات التي سيطروا عليها واستنادا إلى أحمد النحاس أمين الصندوق في فرع نقابة المهندسين بالإسكندرية فقد بلغت ميزانية نقابة المهندسين مثلا في العام 1994 خمسة عشر مليون جنيه مصري , مقارنة مع 230 جنيها مصريا فقط في العام 1986.

وسبق لأعضاء الإخوان في النقابات أن كانوا نشطين في الاتحادات الطلابية ( العريان وأبو الفتوح في جامعة القاهرة , وأبو العلا ماضي في جامعة أسيوط مثلا ) وبناء على ذلك لم تبدد خبراتهم الإدارية والتنظيمية التي اكتسبوها في الجامعات أو تضيع هباء وبفضل تنظيم الجماعة وشبكاته المنظمة التي تشمل أقسامه ومكاتبه كما شرحت جري تطوير هذه الخبرات نقلها إلى النقابات واستنادا إلى أبو العلا ماضي كان عبد المنعم أبو الفتوح هو أحد الرموز التي حافظت على الصلة بين الجامعات والنقابات :

" أبو الفتوح هو أحد الرموز التي حافظت على الصلة بين الجامعات والنقابات :"كان أبو الفتوح شخصية مهمة بالنسبة إلى أدائنا في النقابات لأنه سبق أن كان شخصية مهمة في الحركة الطلابية في السبعينيات كما أنه آمن بضرورة مشاركة الإسلاميين في الاتحادات الطلابية وآمن بأنه ينبغي علينا أن نفعل كإخوان الشئ نفسه في النقابات .

وقد شجع نجاح أبو الفتوح في نقابة الأطباء في العام 1984 الإخوان على خوض انتخابات مجالس الإدارة في النقابات الأخرى وسرعان ما نال أعضاء الحركة عضويه مجالس نقابة المهندسين (في العام 1986) ونقابة الصيادلة (في لعام 1988) وفي البداية وباعتبار أن الإخوان كانوا يحاربون الفساد المتأصل في النقابات لم يكن بمقدورهم سوي أن يعيدوا طرح خدمات شبيهة بالتي كانوا يقدمونها إلى الطلاب في السبعينيات مثلا كان أحمد النحاس طالبا رائدا من الإخوان في جامعة الإسكندرية في العام 1978, وقد عمل على تنظيم معارض لبيع السلع المعمرة ( مثل الغسالات والثلاجات , والأثاث المنزلي وما إلى ذلك ) في الجامعات للطلاب وعائلاتهم

وعندما أصبح أمين الصندوق في نقابة المهندسين في فرع الإسكندرية نظم عمليات بيع مماثلة بدءا من العام 1985 وأول صفقتي مبيعات كانتا مشابهتين للصفقات التي أبرمها في السبعينيات لكن سرعان ما تطورت أ‘ماله لتلبي الحاجات للأعضاء المنهيين وقد حققت هذه المبيعات رواجا شديدا بحيث وصلت الأرباح التي جنتها النقابة إلى 20 مليون جنيه مصري وأدرك النحاس أهمية الخدمات بدلا من الخطاب السياسي في الفوز بتأييد شريحة المهنيين في انتخابات مجلس إدارة النقابة في " السنين القليلة التي أعقبت ترسيخ تواجدنا في النقابات لم نفعل شيئا سوي تقديم الخدمات عرفنا أن الناس سينصتون إلينا إن نحن عالجنا همومهم أولا بطريقة عملية بدلا من مجرد التحدث إليهم عن السياسة منذ البداية وكانت تلك خير وسيلة لتعبئة الناس لدعم سياساتنا دور السياسة يأتي بعدئذ "

وهذا التوجه السياسي في توفير الخدمات لتلبية حاجات الجماهير الشابة هي التي منحت الإخوان الشعبية وبالتالي تحقيق الفوز في الانتخابات , واستنادا إلى النحاس :" معظم الذين صوتوا لنا في الانتخابات النقابية سواء كان عددهم ثلاثة آلاف أم أربعة آلاف كانوا في الأساس من المهنيين الشباب الذين تعرفنا عليهم منذ أن كنا طلابا وهذا جعل من السهل علينا التواصل معهم بلغة يمكنهم فهمها والتجاوب معها والناخبون الأكبر سنا الذين لم يتسن لهم التعرف علينا سابقا آثروا التصويت لأصدقاء عائلاتهم في مقابل الحصول على امتيازات شخصية .

وطرح الإخوان في نقابة الأطباء في العام 1986 مشروعهم الشهير المتعلق بالتأمين الصحي إذ لم يكن في مقدور أغلب الأطباء الخريجين تحمل التكاليف الباهظة للعلاج في المستشفيات الخاصة وشعر العديد منهم بالمذلة في المستشفيات الحكومية لأنهم لم يكونوا يتلقون الرعاية المناسبة أو الخدمات اللائقة واستنادا إلى أنور شحاته أمين صندوق نقابة الأطباء أحرز مشروع التأمين الصحي نجاحا كبيرا في أوساط الأطباء الشباب لأنه هدف إلى استعادة " كرامتهم ومكانتهم في المجتمع " كما وفر لهم المشروع ووفر لعائلاتهم الرعاية الصحية اللائقة وبأسعار معقولة ومقابل هذا العقد الاجتماعي المتنامي بين الإخوان والطلبة والمهنيين كان العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع يتعرض للتآكل ولا سيما في الميدان الاقتصادي .

ثالثا : الميدان الاقتصادي

لقد بدأ واضحا في منصف الثمانينيات أن مبارك يريد أن تتبني مصر اقتصادا ليبراليا يتماشي مع سياسة الانفتاح التي تبناها السادات وإن يكن بطريقة أكثر حكمة وحذار ولكن المشكلة المستمرة كانت في كيفية التسويق لهذا الخط السياسي بين أوساط الطبقتين الفقيرة والدنيا دون أن يبدو أنه تخل عن العقد الاجتماعي لعبد الناصر ودون أن يخاطر بتجريد نظامه من شرعية هذا العقد وقد واصل مبارك الدفاع عن سياسة الانفتاح التي دعا إليها السادات واستمر في مواجهة تأثيراته السلبية ( التي تجلت في نفسي استهلاك السلع الكمالية والتراكم السريع للثروات باستخدام وسائل غير منتجة أو فاسدة ) وأكد أهمية انفتاح منح وليس استهلاكا لكن من غير أن يحدد بدقة مصير القطاع العام وعلى الرغم من تشديده على الحاجة إلى الإصلاح واصل مبارك التعهد بالتزام الدولة بإصلاح القطاع العام فضلا عن تطوير البنية التحتية .

وفي ما يتعلق بالناحية الأخيرة فإن مبارك حقق بالفعل إنجازات لا يمكن إنكارها بتحسينه نظام الصرف الصحي المترهل وبناء الجسور وشق الطرقات وزيادة المساكن ووسائل النقل بما في ذلك شبكة الإنفاق الأرضية ( المترو) في مدينة القاهرة وضواحيها , وعلى رغم أنها كانت تحسينات متواضعة مقارنة بما كان متوقعا فهي إنجازات مهمة مكنت النظام من أن يقول للناس إنه " فعل شيئا".

وغالبا ما كان مبارك يشير في خطاباته وفي مقابلاته إلى الإنجازات التي حققها منذ مجيئه إلى السلطة وبعد بتحقيق مزيد من الإنجازات في المستقبل وفي أحد خطاباته ذكر المصريين بأن التقدم على صعيد التنمية أسع بكثير وأوسع شمولا خلال السنتين الأوليين من الخطة الخمسية منه خلال فترة العشرين عاما التي سبقتها وأصر على أن مثل هذه النتائج انبعث على الثقة والتفاؤل"

الدفاع عن سياسة الانفتاح

وعلى الرغم من هذا الخطاب فشل أداء مبارك في إرضاء توقعات أغلب المصريين الذين لم يستفيدوا من الانفتاح أو من التحسينات في الخدمات الأساسية فالمواطن المصري العادي الذي يعيش في إمبابة أو بولاق ( وهما منطقتان فقيرتان في ضواحي القاهرة) لا يمكنه ملاحظة أى تحسن في حياته اليومية ووصفت مقالة كتبها مصري ونشرتها مجلة روز اليوسف في العام 1984 كيف أن عددا كبيرا من المصريين يفتقر إلى مستلزمات الحياة الأساسية بما في ذلك " القدرة عل الحركة في الشوارع سواء في المركبات أم سيرا على الأقدام , من غير أن يتعثر أو يعلق في وسط الزحام " وكيف أن المواطنين يسكنون في أحياء " ملوثة ببرك مياه الصرف الصحي وأكوام من النقابات ) .

ويمكن القول إن تحسينات مبارك ركزت على المناطق الأكثر عمرانا في مصر ( وبخاصة في المدن الكبيرة التي تضم أطيافا شتي مثل القاهرة والإسكندرية ) أهملت المناطق الأكثر والأقل عمرانا في الأقاليم وفي صعيد مصر ( تشير الأرقام إلى أن النظام استثمر في الفترة الواقعة بين عامي 1983 و1984 تسعة وعشرين بالمئة من الميزانية في المحافظات الجنوبية) وبدا أنه يسعي إلى الحصول على شرعية الإنجاز ولكن من الطبقات الأكثر ثراء التي تضم الضباط في القوات المسلحة والبرجوازيين العاملين في التجارة الذين جذبوا العائدات الخارجية إلى البلاد غير أن الغضب الشعبي المتفاقم بسبب هذا الانحياز إلى الأثرياء تجلي في عودة ظهور القلاقل الاجتماعية الدينية بعد العام 1985.

وسبق أن أشرت إلى أعمال الشغب التي قامت بها قوات الأمن المركزي والتي اندلعت في العام 1976, وفي هذا السياق شهدت منطقة كفر الدوار مثلا أعمال عنف قام بها عمال القطن والنسيج عندما أعلنت الحكومة عن تخفيضات في الدعم وربما تفاوتت الأسباب عندما أعلنت الحكومة عن تخفيضات في الدعم وربما تفاوتت الأسباب التي دعت إلى اندلاع أعمال العنف غير أن كافة الاضطرابات ترافقت مع شعور عام بالإحباط بسبب فشل الدولة في تأمين الحاجات الأساسية ( وسنلاحظ في الفصل لسابع ازدياد إضرابات العمال في السنوات الأخيرة من بداية الألفية الثانية ).

وبالإضافة إلى ما تقدم فقد عانت مصر في منتصف التسعينيات تضخما مرتفعا وارتفاع حجم الديون وذهبت ضحية أزمة النفط الدولية فتراجع أسعار النفط أثر في ميزانية الحكومة بسبب تراجع عائدات المشتقات النفطية التي ينتجها القطاع العام , وتراجع المبالغ الضريبية التي تدفعها الشركات النفطية العاملة في البلاد .

كما أنه كان لها وقع سلبي على اقتصاد الولايات المتحدة وهو ما أدي إلى التقليل من حجم بعض المعونات المالية الأمريكية لمصر , وأدت هذه الأزمة في نهاية المطاف إلى جعل مصر أكثر ضعفا أمام الضغوط التي يبذلها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لحضها على الخصخصة وكان مبارك على علم بالانتقادات المشار إليها أعلاه غير أن الضغوط الاقتصادية المتراكمة وما يصفه رودوني ويلسون بـ " انعدام رؤيته " حالت دون مواصلته سياسة منسجمة للتخفيف من هذه المظالم وبدلا من ذلك تبني ما يصفه برومبيرغ بـ" استراتيجيات البقاء " بهدف إطالة عمر النظام ومن ناحية أخري , أمل " بتنفيس مشاعر الغضب " عبر إيجاد هامش من الديمقراطية يمكنه التعويض عن الفشل في إصلاح الاقتصاد وقد تجلي هذا " الهامش في انتخابات عامي 1984 , 1987 على رغم أنني جادلت أن النظام استهدف من وراء ذلك الهامش النخبة السياسية أكثر مما استهدف قطاعات الشعب الأوسع وهذا ما تؤكده دراسة حسنين إبراهيم الذي وجد أن شرعية النظم الحاكمة في البلدان النامية تحددها قدرة هذه النظم على تأمين التوزيع لعادل للثروة وليس هوامش الحرية السياسية فقط ولهذا فإن اللافت هو أن اندلاع أعمال العنف في مصر جاء في غمرة الإصلاحات السياسية والقانونية التي شرع فيها مبارك .

واستهدفت " استراتيجية البقاء " الثانية التي اتبعها مبارك في المشروع في جملة " الإنعاش الوطني " أولئك المصريين الذين يمكنهم المساهمة ماليا في التخفيف من التأثيرات الدراماتيكية للمشكلات الاقتصادية التي تعانيها مصر فقد كان للركود الذي ساد في منتصف الثمانينات تأثيرات عميقة في عائدات مصر بما في ذلك العائدات المتأتية من السياحة ( التي تضررت بفعل أعمال العنف التي قام بها المتطرفون الإسلاميون) لم يكن أمام مبارك خيار سوي إشراك شعبه ومواجهته بالحقائق القاسية بقوله في أحد خطاباته :" نحن لا نقلل من شدة وصعوبة المشكلة التي نواجهها وقد زاد من حدة هذه المشكلة عاملان أساسيان العامل الأول هو الانخفاض الكبير في أسعار النفط.

والعامل ألثاني هو أن حجم دفعات سداد الديون الناجمة عن التزاماتنا الخارجية والتي يتعين الوفاء بها وصل إلى أقصي مستوي له في السنة الخارجية ( 1986) وفي السنتين القادمتين وسنكون مرغمين على مواجهتهما "وأشار مبارك أيضا إلى مشكلة التكاثر السريع في أعداد السكان ومما لذلك من تأثير سلبي في مستوي المعيشة وبعد أن توجه إلى القطاعات المختلفة من المجتمع طلبا للمساعدة طلب من " كل من استفاد كثيرا بطرق مشروعة ....

المساهمة بدافع وطني في وضع حلول تضمن مصالح أغلبية المصريين الذين يعانون بسبب الدخل المحدود وارتفاع الأسعار وطالب " الأحزاب , واتحادات العمال والمنظمات العديدة في مصر " وبخاصة " تلك التي لديها وفرة من المال .. البدء في عملية تساعد على التخفيف من أعباء الأشخاص ذوي الدخل المحدود " وذكر مبارك المصريين الذين يعملون في الخارج بأنهم " استفادوا جميعا ومن كافة النواحي " من الدعم الذي وفرته لهم عائلاتهم وبلادهم وطلب منهم رد هذا الجميل وتقدم الصفوف في المشاركة في النهضة الكبرى ( لبلادهم) كما أطلق " حملة الدين " التي يساهم كل مواطن فيها بما يستطيع من غير أن يحمل نفسه أعباء إضافية " من أجل تخفيض الدين الوطني الثقيل .

وفي نهاية العام 1985 وصل الدين الخارجي لمصر إلى 33 مليار دولار , واستهلكت خدمة هذا الدين 35 بالمئة من إيرادات الحسابات الجارية ,وكان فشل " الإنعاش الوطني " و" حملة الدين " مؤشرا خطيرا يوضح حقيقة تصور المصريين لشرعية النظام أما الإخوان فقد وظفوا الفرص التي أتاحها لهم الميدان الاقتصادي بصورة مغايرة .

توسع التمويل الإسلامي

لم يظهر أن للمشكلات الاقتصادية التي تعانيها الدولة المصرية تأثيرا سلبيا في النشاطات المالية للإخوان وثرواتهم بل على العكس أدي تراجع دور الدولة والتخطيط والإدارة ابتداء من منتصف الثمانينيات والتحرر التدريجي للاقتصاد وروح التسامح التي تميز بها مبارك في تلك الفترة تجاه المجتمع والقوي السياسية وروح التسامح التي تميز بها مبارك في تلك الفترة تجاه المجتمع والقوي السياسية المعتدلة إلى تعاظم نشاط الإخوان في الميدان الاقتصادي ويمكن مشاهدة ذلك في توسع شركات توظيف الأموال والبنوك وأعمال التجارة الخاصة بالأعضاء .

شركات التوظيف

شهد منتصف عقد الثمانينيات تعاظم أهمية دور أحمد عبيد وهو عضو مخضرم في الإخوان وصاحب شركة الحجاز الاستثمارية في بروز التكتلات المالية إلى جانب مؤسسات الشريف , إلى حد فاق دور أشرف السعد وأحمد الريان اللذين لم يكونا عضوين في الإخوان ( راجع الفصل الثاني ) وكان السعد والإخوة الريان الثلاثة ( أحمد وفتحي ومحمد ) من بين المستفيدين من سياسة الانفتاح التي تبناها السادات حيث توصلوا إلى طرق سهلة لجني المال عبر التعامل بالعملات الأجنبية غير المنضبط بقوانين

وعلى رغم أن هذه التعاملات حظيت بمباركة البنوك والحكومات الغربية والعمال المصريين فإنها كانت تتم بطريقة محظورة في السوق السوداء وفي ظل غياب المراقبة الصارمة من جانب الدولة أو غياب مراقبة الهيئات المالية الدولية وبحلول منتصف الثمانينيات بذلت الدولة جهودا لتنظيم عملية المتاجرة بالعملات الأجنبية ولتعزيز دور البنوك الحكومية وبناء على ذلك شن مصطفي سعيد , وزير الاقتصاد بين عامي 1983, 1985 حملة جدية ضد اشرف السعد وأحمد الريان بالإضافة إلى أكثر من 50 تاجرا غير قانوني في مسعي إلى إلغاء السوق السوداء وفرض معدلات صرف رسمية جديدة وسرعان ما تم اعتقال السعد والريان ولكن أطلق سراحهما بكفالة في وقت لاحق وكان أحمد عبيد هو الذي دفع الكفالة بعد أن صادرت الحكومة الأموال التي جمعها السعد والريان بل عوضهما عن بعض الثروة التي فقداها ووافق على إبرام عقود شراكة معهما في مشاريع تجارية صغيرة في مرحلة لاحقة .

واستأنف السعد نشاطه المهني المالي في منتصف الثمانينات عبر تأسيس شركة جديدة اسمها شركة اشرف سعد وبشراكة مع شركة بارتنر كار ( التي امتلكها عبيد نفسه ) والتي وفرت 80 بالمئة من رأس المال وعملت شركة السعد في تجارة السيارات الحديثة وكان زبائنها أساسا من العمال المصرين الذين يعملون في الخليج وفي العراق وقد شهد محمد شلبي وكان يملك شركة اسمها " العقارية" لتوظيف الأموال أيضا قصة ولادة تحالف السعد عبيد وتطور هذه العلاقة :" كنت هناك عندما ذهب اشرف السعد إلى عبيد وأقنعه بأن يكون شريكه في شركة السيارات وافق عبيد وبعد ذلك بوقت قصير أسس السعد شركة لبيع السيارات في السمبلاوين ( في محافظة الدقهلية ) حيث أسهم عبيد بثمانين بالمئة من رأس المال ونمت الشركة وأراد السعد أن يستأثر بالشركة لنفسه وفي نهاية المطاف قرر السعد فسخ شراكته مع عبيد "

كانت هذه قصة عبيد مع السعد , وأما قصة عبيد مع البرلمان فهي مختلفة فقد أراد الريان تأسيس شركة للمتاجرة بالعملات الأجنبية مجددا بعد خروجه بكفالة ولكن عبيد آثر استثمار ماله في مشاريع تجارية أقل خطورة وأكثر ربحية ولذلك رفض تشكيل شراكة مع الريان ولكن السعد وافق على إقراض الريان رأس المال اللازم لتأسيس لشركة التي أراد تأسيسها الريان وهي التي عرفت في بعد باسم شركة الريان للاستثمار"

وقد أردت من سرد هذه الروايات المختصرة التي تحكي عن بروز شركتي السعد والريان توضيح الدور الذي لعبه الإخوان في توسع شركات التوظيف الإسلامية في الثمانينيات وإظهار كيف أن هذه الفترة شهدت حركة حرة نسبيا وغير خاضعة للقوانين لرأس المال الإسلامي بعيدا عن تدخل لدولة وقد أفادت الصلات المالية لعبيد الحركة بالتأكيد وساعدتها على زيادة تأثيرها في المجتمع وعمل نجاح عبيد ونجاح رجال أ‘مال آخرين مثل خالد عودة كنموذج فعال لـ" الدعاية بالأفعال " لما يمكن للإخوان تحقيقه في الميدان الاقتصادي دون الحاجة إلى الدخول في تعاملات مالية لا تجيزها الشريعة ( مثل تعاطي الربا ) وهذا ما زاد من المصداقية الدينية للإخوان .

وإذا قارنا الأداء الاقتصادي للإخوان بأدائهم في النقابات المهنية يتبين أن أداءهم الاقتصادي لم يكن قصة نجاح باهر للحركة فهناك بعض المشاريع الاقتصادي التي انتهت إلى فشل بالتأكيد وإن ظلت العديد من المشاريع الأخرى تساهم في توفي مصدر للدعم المالي للحركة وفرص عمل للعديد من الإخوان الخريجين العاطلين عن لعمل الذين توظف عدد منهم في الشركات الخمس والثمانين التي يملكها عبيد حتى ن ما يصل إلى 300 عامل في أحد المصانع كانوا ينتمون إلى الإخوان المسلمين وهذا سوي من استطاع عبيد توظيفهم من الإخوان من خلال شبكة اتصالاته مع مستثمرين من غير الإسلاميين

وكان العديد من الموظفين الإسلاميين يحصل على أجور أعلي من تلك التي كانوا سيتقاضونها لو أنهم عملوا في القطاع العام وقد بينا في الفصل الثاني كيف أن عبيد استخدم صلاته مع التنظيم في جذب رساميل كبيرة منن داخل مصر ومن المصريين الذين يعملون في دول الخليج إلى شركات الشريف وكيف أنه تم سحب هذه الرساميل في وقت لاحق بعد أن غادر عبيد شركات الشريف وأسس شركة الحجا الاستثمارية ولم يحدث ذلك لأنه لدي الإخوان ثقة بالشريف ( لأن أغلبهم لا يعرفه ) بل لأنهم أثروا إيداع مدخراتهم لدي شخص وثقوا به وعرفوا أنه من التنظيم).

ويميل قادة الإخوان إلى التقليل من الدور الذي لعبه عبيد والمقاولون الآخرون مثل محمد عليوه في المكاسب المالية التي جنتها الحركة ولست أدري على وجه لتأكيد إن كان ذلك يعود إلى أسباب تكتيكية من أجل تجنب لفت أنظار الدول وأجهزتها الأمنية التي استهدفت المصادر المالية للإسلاميين بوجه عام ( ولا سيما في اعتقالات 2007 )

أو لأن هذه هي الحقيقة فعلا لكني استبعد الخيار الثاني لأنه حتي وإن كان عبيد عمل فعلا من أجل مصالحه المالية الخاصة و\كما يدعي الإخوان فقد استمرت الحركة في الاستفادة من إنجازاته فمن الناحية التقنية يساهم كل عضو في الإخوان باشتراك شهري في الحركة إلى خمسة بالمئة أو أكثر من مدخوله أو مدخولها ( يعفي الأخ من دفع الاشتراك غن كان عاطلا عن العمل أو يدفع اشتراكا رمزيا ) وأنا لا أملك رقما دقيقا لمدخول عبيد من شركاته الخمس والثمانين لكن في ما يتعلق بمساهمته المالية الشهرية في التنظيم أتوقع بأنها كانت مساهمة كبيرة .

كما شجعت الحكة أعضاءها المقتدرين ماليا على المساهمة بسخاء في دعم أنشطة الجماعة وقال لى أحد الأعضاء المخضرمين في الإخوان إن عبيد ساهم مرة بمبلغ بلغ نحوا 250000 جنيه مصري وهي مساهمة كانت تساوي في منتصف الثمانينات مبلغا كبيرا من المال وبالإضافة إلى ذلك كان العديد من شركات عبيد ومصانعه موزعا في شتي أنحاء مصر في حين جري استخدام بعضها كساحات للتعليم الديني والدعوة والنشاط السياسي وفي أثناء انتخابات العام 1984 وأكثر من ذلك في العام 1987 ساعد العمال في هذه المصانع على إدارة الحملات الانتخابية لمرشحي الإخوان

وقد تضمن هذا النشاط التحدث إلى الناس وتعليق الملصقات وتوزيع المنشورات وفي هذا السياق وظفت الشركة العقارية وهي شركة توظيف أسستها عائلة شلبي ما بين 200 و300 عامل كان جلهم أعضاء في الحركة كما ساهمت الشركة في تمويل إنتاج الملصقات المطبوعة والمنشورات بكلفة مخفضة باختصار , استفاد الإخوان من تجربة شركات التوظيف لتعزيز مكانتهم في الميدان الاقتصادي وكسب مزيد من الشعبية ويمكن أن نخرج بالاستنتاج نفسه من دراسة تجربة بعض رجال الأعمال الإخوان في إدارة مشاريع خاصة استفادت منها الحركة وشرائح من المجتمع .

المشاريع التجارية الخاصة

ولم تكن حالة خالد عوده الذي كان رجل أعمال من الإخوان تدخل في دائرة شركات التوظيف الإسلامية لكنها ليست شديدة الاختلاف عن حالة عبيد ( راجع الفصل الثاني ) كان خالد يدفع اشتراكاته الشهرية للحركة وساعد في توظيف شباب الإخوان في مصانعه بأسيوط وقد بينت في الفصل الثاني كيف أن بعضا من مصانع عودة استفاد من روح التسامح لدي مبارك في مستهل الثمانينات وكيف أثر ذلك في تطور المشاريع الجديدة وتوسعها في مرحلة لاحقة من ذلك العقد . فقد تأسس مصنعه مصنع الرباط" – لإنتاج الملابس في العام 1980 كما ذكرت , وازدهر المصنع بسبب مشروع " كساء " العاملين بالدولة" الذي كان يزود وزارة التموين بالملابس لموظفي القطاع الحكومي وتأسس مصنعه الآخر الخاص للطابوق – مصنع " البنيان المرصوص" في سنة 1982 وسرعان ما تطور وأصبح مصنعا لنصع البلاط أيضا .

كما بني عودة مصنعا آخر لتصنيع الأخشاب مصنع الفتح " سنة 1984 , قدرت قيمة معداته الحديثة بمئات الآلاف من الجنيهات المصرية واستنادا إلى عودة كان هذا المصنع هو ثاني أكبر مصنع لصنع لتجهيزات الخشبية والأثاث في مصر وقد عمل في هذا المصنع نحو من 120 عاملا ووصلت طاقته الإنتاجية إلى إنتاج مئة باب ونافذة في اليوم وتخصص المصنع الرابع لعودة مصنع" الرشاد " في تصنيع المواد البلاستكية.

اقر عودة أن مبارك لم يتدخل أبدا لعرقلة مشاريعه في الثمانينات بل إنه تسامح في الواقع مع توسيع هذه المؤسسات كما كان الحال مع شركات الاستثمار الإسلامية كما أوضح أن النظام كان على دراية بأن كافة هذه المشاريع يملكها عضو في الإخوان المسلمين وهو مما يعكس تمييزا واضحا بين الإخوان والجماعة الإسلامية المتطرفة في أسيوط

وكان مصنع الرباط بمثابة حالة ساطعة على التعاون بين الدولة والإخوان في حين استفاد الإخوان من القطاع العام فضلا عن القطاع الخاص في استثمار مواردهم وزيادة حجم تأثيرهم ولكن بصرف النظر عن مدي صغر حجم المشاريع التجارية التي يملكها عودة ساهمت هذه المشاريع بالتأكيد في " الدعاية بالأفعال " حتى وإن زعم الإخوان أنها كانت محدودة من الناحية الفعلية عبر إظهار ما يمكن للحركة تحقيقه في الميدان المالي وقد استخدم عودة نفسه موارده الواسعة في بناء سمعة شعبية وظفها في وقت لاحق في المضمون السياسي ففي التسعينيات من القرن الماضي خاض الانتخابات في أسيوط لكنه لم يوفق بسبب مزاعم عن تلاعب الدولة بصناديق الاقتراع ( ما اعتقل النظام نشطاء رجال أعمال الإخوان في 2007 وحولهم إلى محاكمة عسكرية كان خالد عودة من بين قائمة المعتقلين ) .

خلاصة

بينت في هذا الفصل كيف أن انتخابات العام 1984 حولت الشرعية القانونية إلى " شكل مهيمن " من أشكال الشرعية لكل من مبارك والإخوان المسلمين وبالنسبة إلى مبارك تجلي ذلك في خطابه السياسي الذي ركز على التعددية الحزبية التي حكمها القانون وعلى الالتزام بإرادة الشعب وربما حققت حملة مبارك السياسية نجاحا في أوساط النخب السياسية ولكنها حتما فشلت على صعيد المجتمع ككل فقد افتقد الرئيس الرؤية وبدا نظامه عاجزا عن معالجة القضايا الأكثر أهمية وهموم المجتمع وكان نتيجة ذلك عدد متزايد من القلاقل الاجتماعية والدينية كان من تداعياتها تنامي دور الأجهزة الأمنية وهذا التناقض بين النظام إلى الشرعية من خلال الإصلاح السياسي واعتماده على الإكراه من خلال قوات الأمن للتغلب على المعارضة زاد من حدة مشكلاته .

وبالنسبة إلى الإخوان , يمكن النظر إلى سعيهم إلى امتلاك الشرعية القانونية في سياق رغبتهم في تأمين اعتراف الدولة بهم وبحصر دورهم في كونهم حزبا سياسيا وفي هذه الأثناء وافق الإخوان بغرض المشاركة في العملية السياسية على تشكيل تحالف مع حزب الوفد العلماني وهو ما أظهر مدي استعداد الحركة للمضي في تطبيع علاقاتها مع الدولة ومع المجتمع ولكن في ما كانت هذه الأحداث تجري في الميدان السياسي كان الإخوان يفتحون آفاق في الوقت نفسه في الاتحادات الطلابية وفي النقابات المهنية حيث الشرعية في هذه الفضاءات لا تعتمد على اعتراف الدولة وإنما على اعتراف المجتمع وأضحي توفير الخدمات بمثل أهمية استخدام الخطاب السياسي والرموز الدينية إذا لم يفقها أهمية لكسب شعبية شرائح الطلبة والمهنيين واستخدام الخطاب السياسي في الميدان السياسي وفي أثناء الحملات الانتخابية في حين جري الترويج للخطاب الديني أساسا داخل المساجد والأحياء بهدف ضم أعضاء جدد.

وقام الإخوان في كافة هذه الحالات بتمويل نشاطاتهم وزيادة حجم تأثيرهم من خلال مواردهم المالية الآخذة في التوسع كما هو ملاحظ في النمو التدريجي لشركات التوظيف الإسلامية والمشاريع لخاصة في منتصف الثمانينيات ومن ناحية أخري تسامح مبارك مع الدورين الاجتماعي والاقتصادي للإخوان لأن ذلك جاء منسجما مع رغبته في إظهار وجه ديمقراطي

ولأنه بدا أن الإسلاميين يساعدون الدولة في جهودها الهادفة وجه ديمقراطي ولأنه بدا أن الإسلاميين يساعدون الدولة في جهودها الهادفة إلى تخفيف العبء عن أبناء الطبقات الدنيا الذين يتزايدون عددا واستفاد النظام على الصعيد الرسمي من بعض مشاريع الإخوان التجارية مثل مصنع البلاط وكذلك على الصعيد غير الرسمي والصعيد الشخصي من شركات التوظيف فقد جري توظيف بعض كبار المسئولين كـ"مستشارين " لدي شركات الاستثمار هذه ( من الأمثلة البارزة على ذلك وزير الداخلية السابق النبوي إسماعيل الذي عمل لصالح شركة الريان ) وكشفت فضيحة ما سمي بـ" كشوف البركة " ( وهي عبارة عن قائمة خاصة بأسماء كبار المسئولين المصريين الذين جري توظيفهم في شركة الريان كأعضاء في مجلس إدارة الشركة وحصلوا على مبالغ ضخمة من المال ) عن مدي تورط الدولة في الناشطات المالية للإسلاميين ولكنه تورط وصل إلى نهايته في أواخر عقد الثمانينات .

الفصل الرابع

قوة تنظيم الإخوان المسلمين ( 19781990)

يستند جوهر هذا الفصل إلى استكمال قصة سعي كل من مبارك والإخوان إلى تكريس شرعيتهما في المجتمع حتى نهاية الثمانينات ولكن الفصل سيسلط الضوء أكثر على جدلية أن شرعية الإخوان الخدمية ما كان لها أن تكون بهذه الفعالية لولا قوة تنظيم الجماعة فهذا التنظيم , بهيكله الداخلي وأقسامه ومكاتبه وأعضائه وامتداداتهم داخل نسيج المجتمع هو الذي مكن الجماعة من أن تقدم خدماتها سواء إلى الطلبة , أو إلى أساتذة الجامعة , أو المهنيين في النقابات بكفاءة وذكاء مقارنة بخدمات النظام وكفاءة التنظيم في توزيع خدماته هل التي ستساهم في تعزيز شرعية الحركة وحثها على توظيف هذه الشرعية توظيفا سياسيا يقلق النظام بحلول التسعينيات ( كما جاء في الفصل الخامس) .

وأما الرئيس مبارك فقد ظل مهتما بصورته الشعبية كحاكم يلتزم بالقانون والنظام غير أن سياساته القمعية في حق المعارضة الدينية التي تواجه الدولة ازدادت قسوة وهو ما أدي في نهاية المطاف غلى التأثير بشكل سلبي في موقف الدولة من المجتمع وفي الوقت نفسه كان النظام يعاني تبعات تأثير الأزمة الاقتصادية التي عصفت بمصر , والتي زادت من التذمر والغضب الشعبي فقد شهدت الفترة التي تلت منتصف الثمانينيات تدهورا سريعا في مصادر العملة الصعبة وزيادة في معدلا التضخم وتراجع حجم المدخرات والاستثمارات وزيادة الضغوط التي يبذلها صندوق النقد الدولي من أجل إعادة هيكلة جدية وإدخال إصلاحات وعلى رغم أن الفترة الأخيرة من عقد الثمانينيات شهدت مصادرة شركات التوظيف الإسلامية وتنظيم حركة الأموال بقي مبارك بالإجمال متسامحا مع الإخوان المسلمين فسمح للحركة بالمشاركة في انتخابات العام 1987 البرلمانية غير أن جوا من عدم الثقة بدأ بالتطور بين الطرفين نتيجة للتأثير المتنامي للإخوان ولترددهم في دعم حملة النظام ضد حركتي الجهاد والجماعة الإسلامية وهو تطور انفجرت معالمه بحلول بداية التسعينيات ( راجع الفصل الخامس )

وبحلول نهاية الثمانينيات أضحي الإخوان قوة لا يمكن إنكارها في السياسة المصرية وفي المجتمع المصري حتى وإن استمرت الدولة في إنكار وجودهم رسميا فقد شكلوا داخل البرلمان مجموعة المعارضة الأكبر حجما ولم يكونوا الطرف الذي يثير مناقشات جادة حول الإصلاح وتطبيق الشريعة وحسب بل باتوا يملكون رأيا في تحديد المصير السياسي لمبارك نفسه

وهذا هو الأخطر عندما رشح لمدة ولاية ثانية كرئيس في العام 1978, فقد اقترن نجاحهم السياسي بوصولهم السريع والملحوظ إلى مراكز القرار في النقابات المهنية الرئيسية وفي الاتحادات الطلابية وفي نوادي أعضاء هيئة التدريس وبقدرتهم على توفير خدمات ضرورية لجماهيرهم من أبناء الطبقات الدنيا والأهم من ذلك كما قلت أنهم وظفوا كفاءة التنظيم وشبكاته المنظمة والمتداخلة في لحمة المجتمع في الاتصال والتنسيق بين الفضاءات التي سيطروا عليها وقد عملت الشبكات التابعة للتنظيم بطريقة فاعلة هدفت إلى معادلة آليات السيطرة والتحجيم التي في حوزة النظام وبالتالي باتوا يشكلون مصدر تهديد للنظام ولسلطته على المجتمع المدني من خلال خدماتهم والطريقة التي كانوا يقدمونها بها .

وأوجد تأثير الإسلاميين المتنامي لمبارك في أواخر الثمانينات في مصر مأزق الشرعية الذي يواجه أغلب النظم السلطوية عندما لا تكون على استعداد لدفع ثمن ما تقتضيه عملية حصولها على الشرعية ( أى مزيد من الانفتاح )

وفي هذا السياق , واجه مبارك حقيقة متناقضة عندما أدرك أن ما تسامح معه في السابق وأن ما دفعه إلى فتح الميدانيين السياسي والاجتماعي ما لبث أن تحول إلى مصدر تهديد لشرعيته ووجد مبارك نفسه عالقا بين الفضاءات التي سبق له أن سمح بها وحافظ عليها من أجل تعزيز صورته الشعبية وسيطرة المنافسين الإسلاميين على هذه الفضاءات وسعيهم إلى تقديم خدمات بديلة من خدمات النظام وكانت هذه المعضلة الصعبة التي واجهها نظام مبارك في نهاية الثمانينيات هي ما أسميته بـ " أزمة الشرعية" وهي الحالة التي يصبح فيها السعي إلى الشرعية " ورطة " يحج ذاتها على شرعية النظام نفسه .

وإزاء هذه " الأزمة" يختار النظام في النهاية أن يحسم معضلته باستخدام العنف ضد منافسيه ولو أسفر ذلك عن التضحية بسمعته ( شروعيته ) وهو مع قام به النظام ضد الإخوان في التسعينيات أكد النمط الدوري لعلاقة النظام المصري التقليدية بالجماعة مهادنة تنتهي بصدام .

أولا : مبارك وانتخابات العام 1987

أدت المشكلات التي واجهها مبارك مع عنف الإسلاميين إلى زيادة تدريجية ف يتطرف سياساته تجاه المجتمع لكنه حافظ على تجاوبه المعتدل مع المعارضة السياسية والانتخابات التي جرت في العام 1978 والتي تزامنت مع انتخاباته الرئاسية أكدت أن السعي إلى الشرعية القانونية مسعي يستحق أن يبذل الجهد فيه وبناء على الحصيلة التي تمخضت عنها انتخابات العام 1984 طعنت المعارضة في نتائجها وفي دستورية القانون الانتخابي ( رقم 114 في العام 1983) لأنه حظر على المرشحين المستقلين المشاركة في الانتخابات واقتصارها على الأحزاب فحسب , وهذه المعارضة تسببت في إحراج شديد للنظام وبخاصة عندما رفعت المعارضة القضية إلى المحكمة الدستورية العليا وطالبت بحل مجلس الشعب وتحديد تاريخ لإجراء انتخابات جديدة ز

وقد قرر مبارك في مسعي لتفادي مزيد من الإحراج إبطال حكم المحكمة ووافق في كانون الأولي ديسمبر 1986 على إدخال بعض التعديلات في القانون الانتخابي ونتيجة لذلك تم حل مجلس الشعب في شباط فبراير 1987 وتحديد شهر نيسان أبريل من السنة نفسها كموعد لإجراء انتخابات جديدة وبالمقارنة مع القانون القديم ( رقم 114) اعترف القانون الانتخابي الجديد ( رقم 188) بحق المرشحين المستقلين في خوض الانتخابات ومنحهم 10 بالمئة من المقاعد كما نص على توزيع الأصوات التي صبت في صالح الأحزاب التي فشلت في تامين نسبة الثمانية بالمئة المطلوبة لدخول البرلمان على الأحزاب التي فشلت في تأمين نسبة الثمانية بالمئة المطلوبة لدخول البرلمان على الأحزاب الفائزة بما يتناسب وحصصها التمثيلية من الأصوات وجاء هذا التعديل مختلفا عن القانون السابق الذي كان يضيف أصوات الأحزاب التي خسرت في تأمين النسبة المطلوبة إلى نصيب الحزب الحاصل على أكبر عدد من الأصوات ( وغالبا ما يكون الحزب الوطني الحاكم ) في مسعي واضح لتعزيز نفوذ الحزب الحاكم .

وكالعادة شجع مبارك في خطاباته كافة الأحزاب السياسية على المشاركة في انتخابات العام 1987 مع الحرص في الوقت نفسه على بقاء المجلس التشريعي تحت سيطرة الحزب الوطني الديمقراطي وجاءت حصيلة الانتخابات كما كان متوقعا مرة أخري وفاز الحزب الوطني بأغلبية 309 مقاعد من أصل 448 مقعدا في مجلس الشعب ولكن تبين أن الحزب الوطني كان الخاسر الأكبر هذه المرة بما أن نسبة السبعين بالمئة من الأصوات التي حصل عليها كانت أدني نسبة يحصل عليها اى حزب حاكم منذ العام 1952 كما أن عدد المقاعد التي حصل عليها في عام 1987 كانت أدني بالتأكيد من عدد المقاعد التي حصل عليها في العام 1984 ( وهي 390 مقعدا , أى خسر 81 مقعدا) يضاف إلى ذلك أن عدد المقترعين في الانتخابات لم يزد على أكثر من 7 بالمئة عما كان عليه في انتخابات العام 1984 ويمكن هذين الرقمين بمثابة مؤشرين تقريبيين لرأي الشعب في الحكومة لقدرة مجلس الشعب على إحداث تغيير حقيقي.

وعلى الرغم من ذلك قام مبارك بما ينبغي عليه القيام به لتأمين شرعية لرئاسته الثانية بعد أن انتهت فترة رئاسته الولي في 13 تشرين الأول أكتوبر 1987 وكما أشرنا سابقا نبع تجاوبه مع مطالب المعارضة السياسية بانتخاب مجلس شعب جديد من رغبته في تأمين مجلس شعب دستوري مما يمكنه بالتالي من تجنب الأسئلة تطرح حول دستورية حقه في تجديد رئاسته وقد رشح البرلمان بالفعل بما في ذلك التكتل المعارض الأكبر أى التحالف الإسلامي بزعامة الإخوان المسلمين مبارك لفترة رئاسة ثانية في تشرين الثاني نوفمبر 1987 وحصل مبارك على 420 صوتا من 448 نائبا في مجلس الشعب وهو عدد أكبر بكثير من غالبية ثلثي الأصوات التي يشترطها الدستور .

ولكن بقدر ما كانت تلك أخبارا طيبة بالنسبة إلى مبارك كانت بالتالي مصدرا لحقيقة مزعجة أيضا فالشئ الذي أراد مبارك الحصول عليه وهو البرلمان دستوري هو نفسه الذي باتت تسيطر عليه الآن معارضة غير دستورية ( أى الإخوان المسلمون ) وهي معضلة محرجة للنظام وكانت هذه الحقيقة المزعجة مظهرا مهما آخر للمأزق الذي يعانيه مبارك في سعيه إلى الشرعية كما أشرت في بداية الفصل .

ثانيا : الإخوان المسلمون في مجلس الشعب ( 1987)

فاز الإخوان الذين باتوا متحالفين الآن مع حزب العمل وحزب الأحرار بستة وثلاثين مقعدا في مجلس الشعب في العام 1987 بالمقارنة بالمقاعد الثمانية التي حصلوا عليها في العام ولأول مرة في السياسة المصرية تحولت الحركة إلى أكبر جماعة معارضة في البرلمان

وكان ذلك بمثابة تطور مهم جدد الآمال في أوساط العديد من الإخوان بأن لجنة الأحزاب ربما تعترف بهم الآن كحزب سياسي ( فكما ذكرت سابقا بموجب الدستور , يحق لقوة سياسية استطاعت تأمين 20 مقعدا تشكيل حزب خاص بها وهو سيناريو أرعب النظام بالتأكيد ).

وقد كان مبارك وأجهزته الأمنية على دراية تامة بالتأثير المتعاظم للإخوان وهو التأثير الذي بدا واضحا إلى حد لا يمكن إنكاره في المساجد وفي الأحياء داخل المدن وفي الاتحادات الطلابية وفي النقابات المهنية وادعي الإخوان أن حصتهم من المقاعد في مجلس الشعب الذي انتخب في العام 1987 تجاوزت 36 مقعدا

وأنه تم التستر على العدد الحقيقي لمشرحين الفائزين عبر تدخل الأجهزة الأمنية وعبر التلاعب بنتائج الانتخابات (وهي تهمة وجهها كافة أعضاء المعارضة تقريبا ) وفي هذا الصدد يشي عبد الحميد الغزالي وهو مرشح من الإخوان ادعي حدوث تلاعب صارخ في النتائج أدي إلى حرمانه من الفوز في الانتخابات في دائرة المنوفية الانتخابية الصغيرة إلى أن " ثلثي أبناء بلدتي الصغيرة في المنوفية تربطهم بي قرابة إما من جهة أمي أو من جهة أبي هل يمكنك تخيل أن تظهر النتائج النهائية للانتخابات فوز الحزب الوطني بنسبة مئة بالمئة من الأصوات ؟ إن هذا لا يعني أن أقاربي صوتوا ضدي فحسب بل تعني نسبة المئة بالمئة أنني صوت ضد نفسي أيضا !

ويصر الغزالي على القول إنه لو أنه جرى الإعلان عن نتائج الانتخابات بطريقة منصفة فإن الإخوان كانوا سيحصلون على أكثر من 150 مقعدا ( ويسيطرون على 33 بالمئة من المقاعد في مجلس الشعب ) على رغم أن الغزالي لم يقدم أى دليل يثبت صحة هذا الرقم ومن المهم في هذه المرحلة أن نتناول تركيبة نواب الإخوان في عام 1987 مقارنة بنواب الجماعة في عام 1984 وأداء النواب الجدد داخل البرلمان .

جاءت تركيبة الأعضاء الإسلاميين الستة والثلاثين في برلمان العام 1987 مختلفة عنها في برلمان العام 1984 الذي كان في العام 1987 مؤلفا من كوادر أصغر سنا وأوسع علما ففي العام 1987 كانت الكوادر الشابة على غرار زملائهم من أعضاء الإخوان في النقابات وفي الاتحادات الطلابية أكثر إلماما بالحاجات الحالية لدوائرهم الانتخابية.

وقد مكن هذا الواقع مضافا إليه العدد الكبير من الإخوان في البرلمان ( المدعوم بالطبع من قبل التحالف الإسلامي ) الحركة من لعب دور أكثر نشاطا في مجلس الشعب بالمقارنة مع دورهم في برلمان العام 1987 وفر للحركة قاعدة انطلاق أوسع مكنها من المطالبة بحقها في الحصول على الاعتراف بأنها قوة شرعية في السياسة المصرية وفي المجتمع المصري مع الإفصاح عن هذه الرغبة في سياق مطالبتها بضرورة أن يحافظ النظام على حريات التجمعات السياسية والاتحادات والنقابات والأحزاب وفي هذا الخصوص وجهت الحركة انتقاداتها إلى الممارسات القمعية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية التابعة للدولة في حق المجتمع ( وبخاصة الإسلاميين) وهي الانتقادات التي استخدموها في التشكيك في مزاعم النظام باحترام القانون كما أن الحركة هاجمت طريقة لجوء النظام إلى القانون الطوارئ مجادلة بأن ذلك يتعارض مع منطق الوعود بإدخال إصلاحات حقيقة .

ولم ينجح الإخوان في مجلس الشعب في التقدم بقوانين جديدة في مجلس تشريعي سيطر عليه الحزب الوطني لكنهم نجحوا في " تطبيع " وجودهم في السياسة الرسمية وفي تحويل مصيرهم السياسي إلى نقاش بين دوائر الرأي العام وهذا ما كانت تطمح إليه الحركة وبالتالي, لم تعد المطالبة الإخوان للدولة بأن تعترف بهم مسألة خاصة بالجماعة وإنما صار يتبناها من هم من خارج التنظيم وبدلا من ذلك ونتيجة لأدائهم الناجح في البرلمان وفي المجتمع تحولوا أيضا إلى مطلب شعب بالنسبة إلى أولئك الذين يتطلعون إلى رؤية تعددية سياسية حقيقية في مصر ويعتبر سعد الدين إبراهيم وهو شخص علماني مؤثر واحدا من بين العديد من المصريين يؤيدون حق الحركة المحظورة في أن يعترف بها بشكل رسمي من قبل الدولة .

واستنادا إلى إبراهيم كان أداء الإخوان في البرلمان " بارزا بشكل واضح من خلال فصاحتهم ومهاراتهم البرلمانية التي لا يمكن للأغلبية أو أغلب نواب المعارضة مضاهاتهم بها" ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الإخوان تجاوزوا التوقعات النمطية بأنهم متي دخلوا البرلمان فسوف لن يتحدثوا عن شئ سوي عن الحاجة إلى تطبيق الشريعة وأنهم سيتجاهلون القضايا الأكثر أهمية بالنسبة إلى أغلب المصريين

وقد عالج الإسلاميون بالطبع موضوع الشريعة كجزء من خطابهم واهتمامهم بتأكيد مصداقيتهم الدينية وأدانوا ما اعتبروه الممارسات " غير الإسلامية " التي يقرها النظام وتضمنت هذه الممارسات التعامل بالربا أو الفائدة والسماح بشرب الخمور وعرض مواد غير مناسبة على التليفزيون وفي المرحلة التي كان النظام يكافح من أجل مواجهة التأثير المتنامي للعنف الإسلامي فإن الانتقادات التي وجهها الإخوان ساهمت في إضعاف المصداقية الدينية للنظام وهو ما أشعر النظام والأحزاب الرئيسية الأخرى باستثناء حزب التجمع بضرورة تبني عناصر الخطاب الديني للمحافظة على مصداقيتها وبالتالي كرر الحزب الوطني تأكيده أن أغلب القوانين المعمول بها في مصر تتفق والشريعة الإسلامية فضلا عن تشديد مبارك غالبا على التزامه الشخصي بـ " القيم الدينية النبيلة".

ولكن الإخوان في مجلس الشعب ذهبوا إلى ما هو أبعد من القضايا الدينية وبدأو بمناقشة القضايا الأوسع التي تهم الجمهور العام بالإضافة إلى انتقاد سجل النظام في مجال حقوق الإنسان في تعامله مع المعارضين السياسيين انتقدت الحركة سياسات الحكومة في قطاع الصحة ووسائل الإعلام وبخاصة في قطاع التعليم حيث فشلت السلطات في تطوير البنية التحتية العام والمباني الدراسية أو في معالجة مشكلة الأمية المتفشية وأثار الإسلاميون أسئلة جدية عن موقف النظام من المشكلات المتعاظمة والمتعلقة بالبطالة والتضخم والديون والاستهلاك الكبير وخصخصة أقسام رئيسية ن البنية التحتية للقطاع العام تلك كانت مشكلات معاصرة وحقيقية وأراد المصريون كافة مسلمين أو أقباط دينيين أو علمانيين رؤية عمل فوري وملموس لحلها ومع ذلك فإن الإخوان كانوا حريصين على عدم الخلط بين انتقاد سياسات الحكومة وتجنب تعريض شرعية رئيس النظام نفسه للمساءلة وكان ذلك التفريق واضحا من خلال قرار أعضاء نواب الجماعة في مجلس الشعب التصويت لولاية ثانية لمبارك.

ثالثا : الإخوان المسلمون يصوتون لمبارك

حرص الإخوان في سياق توجيه انتقاداتهم كما ذكرت على التمييز بوضوح بين مهاجمة أداء الحكومة والظهور في مظهر من يضعف شرعية الرئيس النظام . فقد كانا ما يزالون في طور التوسع في ميادين السياسة والمجتمع وفي تلك المرحلة كان الإخوان حريصين على عدم تعريض تقدمهم للخطر عبر إيجاد احتكاك مباشر بينهم وبين مبارك وكان ذلك أحد الأسباب التي جعلت الإخوان يقررون خوض الانتخابات كمرشحين على لائحة التحالف الإسلامي بدلا من الترشح كمستقلين وبهذه الطريقة تجنبوا الدخول في مواجهة مع مرشحي الحزب الوطني الديمقراطي الذين كانوا ينافسونهم على المقاعد نفسها ( مما يمكنهم أيضا من تجنب الحاجة إلى تحديد تمثيلهم الأقصى بثمانية وأربعين مقعدا فقط ) والأهم من ذلك أنه على الرغم من إعلانهم عن تحفظاتهم على النظام فإنهم كانوا مدفوعين في النهاية برغبتهم في تجنب الدخول في مواجهة مع رأس النظام وقاموا لذلك بتشريح مبارك لفترة رئاسية ثانية ( أى وافقوا على تمديد فترو حكمه ست سنين إضافية) وبقدر ما كان القرار مرضيا للنظام فإنه لم يكن ليغيب عنه أن هذا الترشيح ليس أكثر من خطوة تكتيكية من جانب الإخوان وهو ما زاد ن قلقه من تداعيات مشاركة الإخوان في الانتخابات البرلمانية المستقبلية .

ويعتقد محمد فؤاد وهو عضو مخضرم في الإخوان يقيم في لندن بأن النظام عرف بشأن الخطوة التكتكية التي قامت بها الحركة وذلك من خلال المناقشات المثيرة للجدل التي دارت داخل التنظيم حول ما إذا كان من الصواب ترشيح مبارك أم لا وهذه النقاشات أكدت أن دعم النظام لم يكن محل إجماع كافة أعضاء الحركة ويقر عبد المنعم أبو الفتوح أيضا بأن العديد من الإخوان بمن فيهم النواب في البرلمان كانوا ضد ترشيح مبارك بسبب أدائه الضعيف في فترة رئاسته السابقة التي دامت ست سنين واثر دعم النظام في مصداقية الحركة في عيون الناس.

كما أصدر طلاب الإخوان في جامعة عين شمس بيانا شديد اللهجة اتهموا فيه مبارك بممارسة سياسات قمعية لا تختلف كثيرا عن ممارسات سابقية وصوتوا ضد ترشيحه ولكن حسابات مكتب الإرشاد ( قيادة التنظيم ) كانت مختلفة تماما فاستنادا إلى أبو الفتوح أراد المكتب تجنب الدخول في مواجهة لا داعي لها مع النظام على اعتبار أنهم لو قرروا عدم ترشيحه فإن سيطرة الحزب الوطني الديمقراطي على مجلس الشعب كفيلة بأن تضمن لمبارك مدة رئاسة ثانية بصورة تلقائية .

وهذا النوع من الحسابات جعل مبارك أكثر إحاطة بالمخاطر المحتملة في حال سمح للإخوان بالمشاركة بحرية في انتخابات مستقبلية وبتأثير ذلك في مصيره السياسي فمن المعلوم أن الدستور ينص على ضرورة توفر ثلثي القاعد في مجلس الشعب لترشيح الرئيس ليصادر إلى تأكيد ذلك الترشيح رسميا بعد ذلك عبر استفتاء شعبي ومن الناحية النظرية يمكن أن يعني ذلك أنه في حال تمكن الإخوان مستقبلا من الحصول على أكثر من ثلث المقاعد في مجلس الشعب ( أى حوالي 140 مقعدا) فإنهم سيكونون عندئذ في موقع قوي يمكنهم من زعزعة ميزان القوي الذي يكافح الحزب الوطني من أجل المحافظة عليه وبالإضافة إلي ما تقدم فإن ارتفاعا كبيرا في عدد أعضاء الإخوان في البرلمان سيقوي قضيتهم المعروضة أمام لجنة الأحزاب أو في المحاكم والتي يطالبون فيها بحق تشكيل حزب سياسي ( وهو حق يمنحه القانون لأية قوة سياسية تحصل على 20 مقعدا على الأقل في البرلمان ) .

رابعا : العنف المتطرف ومجابهته

تزايد عنف المتطرفين ضد الدولة

حملت نهاية الثمانينات تطورا دمويا وهو تنامي أعمال العنف من الجماعات الإسلامية الموجهة ضد النظام وفي هذا السياق انتاب النظام التحفظ ليس من تردد الإخوان في ترشيح مبارك وحسب , بل الغضب أيضا من ترددهم في دعم حملته لمحاربة عمليات الإرهاب التي أصبحت ظاهرة مألوفة في أواخر الثمانينيات ففي العام 1987, بدأ متطرفون بشن حرب ضد الدولة وضد شخصياتها العامة والرسمية بما في ذلك وزيري الداخلية السابقين حسن أبو باشا ومحمد النبوي إسماعيل ورئيس تحرير مجلة المصور مكرم محمد أحمد وفي هذا السياق وقع في العام 1988 تسع حوادث عنف بين الجماعة الإسلامية ورجال الشرطة أدت إلى مقتل وإصابة أفراد من الطرفين فضلا عن 16 عملية شغب وخمس عمليات تمرد من الجماعة الإسلامية واستخدمت فيها السكاكين والقنابل اليدوية وفي العام 1989 تصاعدت وتيرة أعمال العنف مع وقوع تسع عشرة عملية شغب رئيسية و14 اشتباكا دمويا مع قوات الشرطة وتم اعتقال 8000 شخص واكتشاف خمسة مخازن للأسلحة وكانت هذه هي حصيلة أعمال العنف في السنوات الأخيرة للثمانينات فقط.

واعتبر تزايد الممارسات القمعية بمثابة مؤشر مرعب على مدي شرعية النظام الذي أصبح عرضة للمساءلة أصلا بسبب قضايا متنوعة متعلقة بضعف المؤسسات السياسية التمثلية الحقيقية والتعطيل لحكم القانون وغياب الإنجازات والفشل في إحراز تقدم اقتصادي مرض وبهدف الرد على تداعيات العنف بدأ النظام بانتهاج سياسات متناقضة زادت كما تبين في التسعينيات من حدة المشكلات التي تعانيها الدولة

بدلا من أن تحلها ( راجع الفصلين السادس والسابع ) فمن ناحية أعطي النظام الأجهزة الأمنية دورا أكثر بروزا من بداية الثمانينيات في تخويف الإسلاميين والأشخاص الذين يتعاطفون معهم على أساس الفكر أو الولاءات العائلية , ولكن من ناحية أخري أجبر النظام على توسيع جهوده ولو جزئيا لاستيعاب الشرائح الاجتماعية الأكثر معاناة من الإهمال لتخفيف حدة السخط عليه ولكي يكسب مصداقية شعبية في مواجهة الدعاية التي يبثها خصومه المحليون (أى المتطرفون) كان عليه أيضا أعطاء مزيد من الاهتمام لدور الدين ولرجاله ومؤسساته الرسمية ( الأزهر تحديدا) ما جعل الدين شكلا من أشكال شرعية النظام في هذه الفترة كما سنري واحتاج إلى إعادة تعريف تفاعله بصورة جديدة مع شرعية الإنجاز لضمان أن يكون من جملة المستفيدين من أدائه الطبقات الدنيا المحيطة , القوة الأمنية استخدام الدين في مواجهة ومغازلة ولو شكليا الطبقات المحيطة كانت هي طريقة النظام في التعامل مع تطوران الميدان الاجتماعي في نهاية الثمانينات .

استخدام القوة الأمنية

جري تأكيد الدور البارز الذي أعطي للأجهزة الأمنية في محاربة عنف الإسلاميين خاصة عندما عين زكي وزير للداخلية في العام 1986 وقد اشتهر بدر الذي كان محافظ أسيوط ( معقل التطرف ) بوحشيته وشكل تعيينه الذي أعقب إرغام رشدي على الاستقالة في أعقاب أحداث الشغب التي قامت بها قوات الأمن المركزي في العام 1986 نقطة تحول في العلاقة بين الدولة والإسلاميين فبتعيين بدر وزيرا للداخلية ( الذي تلاه في شغل المنصب عبد الحليم موسي وحسن الألفي في التسعينيات وكلاهما كان قد شغل منصب محافظ أسيوط أيضا ) تكون الدولة قد حولت بطريقة فاعلة سياستها المحلية القمعية ضد الإسلاميين في أسيوط ( وفي صعيد مصر عموما ) إلى سياسة قومية لبقية المحافظات والشخصيات التي شغلت منصب وزير الداخلية في أواخر الثمانينات كانت مختلفة عن جيل أبو باشا ورشدي لأن خلفياتها المهنية وتجاربها مع أسيوط المضطربة جعلتها أكثر ميلا إلى استخدام القوة منها إلى التفاوض كخيار عند التعامل مع المعارضين .

وبالفعل فقد ظهرت السياسات القمعية التي اتبعها بدر في كل مكان وبخاصة ف يحرم الجامعات ففي جامعة أسيوط على سبيل المثال أطلق ضابط في قوات الأمن الرصاص على طالب عضو في حركة الجهاد في ما كان يعلق ملصقات تدعو إلى حضور محاضرة يلقيها الشيخ عمر عبد الرحمن ( المعتقل حاليا ف الولايات المتحدة ) وبعد أن شع مبارك بالإحراج من الحادثة سارع إلى النأي بنفسه عن ذلك العمل الفظيع وأمر بإرسال طائرة خاصة لنقل الطالب الجريح من أسيوط إلى مستشفي عسكري خاص في القاهرة لتلقي العلاج ( ولكن الطالب ما لبث أن لقي حتفه ) وباتت مثل هذه الحوادث الفظيعة تتكرر منذ ذلك الحين .

وكان التدخل المتزايد من جانب الأجهزة الأمنية في الجامعات ردا غاضبا على النجاحات التي كان يحققها الإسلاميون في الانتخابات الطلابية وفي هذا السياق فقد شهدت جامعة أسيوط مثلا التي كان يسيطر عليها الإخوان المسلمون بالاشتراك مع الجماعة الإسلامية تدخلا متكررا في نتائج الانتخابات عبر استيعاب أسماء مرشحين يشتبه في أن لهم ميولا إسلامية وتعلم الإخوان لاحقا أن أفضل طريقة لتفادي ذلك هي في طرح أسماء مرشحين جدد لا يعرف لهم انتماءات إسلامية وهي استراتيجية استخدموها في انتخابات مجلس الشعب وانتخابات النقابات لاحقا أيضا كما كان المرشحون يتعرضون للتهديد على نحو متكرر ويتعرضون للأذى الجسدي في بعض الأحيان لمنعهم من خوض الانتخابات الطلابية وفي العام 1988 اعتقلت قوات الأمن 27 طالبا إسلاميا في أثناء حملة انتخابية في جامعة أسيوط وانهالت عليهم بالضرب وهددتهم بالاعتداء الجنسي .

وفي أعقاب إصدار الاتحادات الطلابية بيانا يعارض إعادة انتخاب مبارك في العام 1988 دخلت قوات الأمن حرم جامعة عين شمس في القاهرة واعتقلت وجرحت مئات الطلاب الذين تجمعوا داخل المصلي إحياء لذكري دينية ونشرت الصحافة تقارير عن العديد من هذه الحوادث كما استخدمها الإخوان في البرلمان كدليل على السياسات العنيفة التي يتبعها النظام .

وفيما كانت الأجهزة الأمنية تطارد المتطرفين بدت الشرعية الدينية مهمة للنظام في هذه المرحلة نظرا إلى طبيعة المواجهة.

السعي إلى الشرعية الدينية

فيما كان النظام يستخدم القمع في التعامل مع المعارضين , لجأ على نحو يوحي بالتناقض إلى الدين , وإلى المؤسسات الدينية الرسمية كوسيلة لكسب المصداقية في مواجهة معارضيه , ولطالما كان الإسلام مصدرا للشرعية بدرجات متفاوتة لكافة الأنظمة المصرية من الملك فاروق وعبد الناصر إلى مبارك واستنادا إلى رفعت السعيد الأمين العام لحزب التجمع اليساري " يزداد مستواه وحضوره في لخطاب العام للدولة مع الزيادة في العنف الإسلامي .

وابتداء من أواخر الثمانينات فصاعدا شهدت الصحافة ووسائل الإعلام التي تملكها الدولة أسلمة تدريجية كان المراد منها مجابهة التأثير المتنامي للإسلاميين بوجه عام ومن ذلك أن النظام بدأ بتوزيع صحف إسلامية مثل لواء الإسلام وعقيدتي بهدف تقديم رؤيته وتفسيره الخاص للإسلام ولدوره في المجتمع وفي السياسة كما زاد عدد الساعات التي تخصصها الدولة للبرامج الدينية في التلفزيون الحكومي تدريجيا ليصل إلى 14500 ساعة سنويا مقارنة بـ 8000 ساعة خصصت للبرامج الترفيهية التي مالت إلى المحافظة بالتدريج

وتعرض لنا أبو لغد التي درست تأثير الإسلاميين في الإنتاج الثقافي لوسائل الإعلام المصرية مثالا على التحول في الخطاب وفي المظهر الرسمي في ما يتعلق بأخلاق المجتمع كاتبة : " أعطي وزير الإعلام صفوت الشريف تعليمات إلى المذيعات اللاتي يعملن في التلفيزيون بضرورة التقليل من استخدام أدوات التجميل الامتناع من ارتداء ألبسة ذات ألوان براقة أو ساطعة وأبلغ فريق العمل في التلفزيون أن ذلك بهدف إلى إظهار تعاطف المذيعات مع عائلات ضحايا الإرهاب ".

كما أعلن صفوت الشريف ( وزير الإعلام حينئذ) أن المواضيع التي ستناقش في البرامج التلفزيونية خلال الشهور القادمة ينبغي أن تتماشي مع " مزاج الشارع المصري و وتؤكد تعليمات الشريف تأثير الإسلاميين في الدولة والتحولات الضرورية التي تعين الحكومة الشروع فيها لدرء نفوذ الإسلاميين ولتعزيز مصداقيتها الخاصة .

ويضاف إلى ذلك أن النظام واصل التودد إلى الأزهر بوصفه المؤسسة التي تمثل الإسلام ( السني ) في مصر وفي العالم وقد بينت في الفصل الأول كيف أن النظام استخدم الأزهر وعلماءه خلال السنين الأولي من عقد الثمانينيات لدحض الحجج الدينية التي قدمها المتطرفون لتبرير استخدام الصراع المسلح ضد الدولة وإذاعة النقاشات المنظمة معهم على التلفزيون الحكومي ونشرها في الصحافة عبر أن السياسات الأمنية التي اتبعتها الدولة في مواجهة الإسلاميين جعلت من الصعب على الأزهر مواصلة منحه التأييد الشرعي لما كانت تقوم به الدولة, لما لذلك من تأثير سلبي في مصداقية الأزهر نفسه وفي حسنيه الأخيرة التي أمضاها في الأزهر تحول الشيخ الأزهر جاد الحق على جاد الحق الذي أيد الدولة في بادئ الأمر إلى ناقد يجهر برأيه للموقف القمعي الذي اتخذه النظام من المتشددين مجادلا بأن هذه السياسات ثبت فشلها وبأن انتشار التطرف جاء نتيجة أيضا للسلوك الفاسد من جانب الدولة ( وقد توترت العلاقة بين جاد الحق والحكومة إلى حين رحيله المفاجئ ).

وارتبط التحول في موقف الأزهر بالعدد المتزايد من الأزهريين المنتمين إلى الإخوان الذين اعترضوا بقوة على المشاركة في الحملة الأمنية التي شنها الدولة على الإسلاميين وكان يوجد كثير من كبار الشيوخ الأزهريين الذين كان بعضهم منتميا إلى الإخوان ( مثل عبد الحميد كشك والمحلاوي وصلاح أبو إسماعيل) وكان له تأثير في رسم سياسة الأزهر تجاه مسألة التطرف الديني واستغل أزهريون آخرون حاجة الدولة إلى المصداقية الدينية في الضغط من أجل إدخال إصلاحات إسلامية في مقابل دعمهم للدولة حتى إن النظام أرغم في مناسبات على الرضوخ وهذا ما ساعد بالتدريج على الدفع بعملية اسلمة المجتمع كما هو ملاحظ في حالة الإعلام الرسمي وكما أشارت أبو الغد ..

ولكن الصدع المتنامي بين الأزهر والنظام حمل الأخير على الاعتماد أكثر على مؤسسة أخري وهي دار الإفتاء ( التي تحتل المرتبة الثانية من حيث الأهمية في مصر بعد الأزهر ) والتي يرأسها المفتي الأزهري محمد سيد طنطاوي وقد رأي النظام في الشيخ الطنطاوي الذي عين في دار الإفتاء في العام 1986 أكثر قابلية للتسييس ومرونة وواقعية " من جاد الحق ولذلك كان أكثر استعدادا لدعم سياسات الدولة وهذا ما تجلي في الفتاوي المثيرة للجدل التي أطلقها الطنطاوي والمتعلقة باستخدام شهادات الادخار التي تصدرها البنوك التي تملكها الدولة فاستندا إلى الطنطاوي لا تتعارض هذه الشهادات ( أى شهادات الاستثمار ) مع أوامر القرآن وتحريمه للربا واعتبر خطاب الطنطاوي أنه محاولة منسفة مع النظام لإضعاف المصداقية الدينية للبنوك الإسلامية وشركات التوظيف واستعادة ثقة الشعب الضعيفة بالبنوك التي تملكها الدولة .

شرعية اجتماعية إسلامية

بداية توقع النظام مشاركة الإخوان في دعم الحملة التي كانت تشنها الدولة ضد المتطرفين وربما كان تسامحه مع الإخوان إلى حد بعيد قائما على هذا الأساس ولكن الإخوان لم يكونوا مستعين للتخلي عن شرعيتهم الدينية الخاصة من أجل من اجل إنقاذ شرعية النظام ولذلك حرصوا في كل مناسبة يدينون فيها أعمال العنف التي يقوم بها المتطرفون على إدانة العنف الذي تقوم به الدولة أيضا ومن أجل إظهار أنهم يملكون حلا مختلفا لتجنيب الدولة الإرهاب واستغل الإخوان العنف المتصاعد كوسيلة لبذل مزيد من الضغوط على النظام لكي يمنح الحركة اعترافه الرسمي وجادل مصطفي مشهور المرشد السابق للإخوان في غير مرة بأنه ف يحال سمح للإخوان بالعمل بالشكل لمناسب فسيكون من الأسهل عليهم عندئذ كبح جماح الشباب المحبطين وعدا ذلك فلن يكون أمام هؤلاء الشباب سبيل سوي الالتحاق بالجماعات المتشددة وغضب مبارك من هذا النوع من الخطاب واستنادا إلى محمد فؤاد وهو مسئول رفيع في الإخوان فإن هذا الخطاب مهد الطريق لتغيير سياسة الدولة تجاه التنظيم وتأكد حنق النظام من الإخوان مما قاله مكرم محمد أحمد وهو مصدر يتمتع بصلات جيدة مع الدوائر الرسمية وقد اعترف بأن أجواء انعدام الثقة بين الطرفين ازدادا سوءا بسبب رفض الإخوان إدانة عنف المتشددين بوضوح.

وبالرغم مما تقدم لم يكن هذا التطور ليعيق التقدم الذي يحرزه الإخوان في المجتمع فاستمرار الحركة في توفير الخدمات أفضل لجماهيرها من الخدمات التي يوفرها النظام عزّز الشرعية الاجتماعية التي تتمتع بها الجماعة وشهدت المرحلة الأخيرة من الثمانينات تطور عقد اجتماعي إسلامي بديل من عقد الدولة أو مواز له أوضح من ذي قبل كما أن نهاية الثمانينات شهدت تطورا أكثر أهمية وهو استكمال بناء التنظيم وبالتالي تقديم خدماته للجماهير ومن خلال الفضاءات المتاحة بصورة أكثر كفاءة من ذى قبل وسندرس في الفقرة التالية كلا التطورين في فضاءات الجامعات ( الاتحادات الطلابية نوادي أعضاء هيئة التدريس ) والنقابات المهنية .

الفضاء الجامعي : اتحادات الطلبة

على الرغم من التدخلات المتزايدة من جانب الأجهزة الأمنية استمر الإخوان في الفور في الانتخابات الطلابية ففازوا في العام 1987 بأغلبية المقاعد في الاتحادات الطلابية في كل من جامعات القاهرة والإسكندرية والزقازيق وفي العامين 1988 و1989 عززوا سيطرتهم على جامعتي المنصورة والأزهر واستند أغلب التقدم الذي أحرزه الإخوان إلى قدرتهم على تقديم الخدمات للطلاب التي تجاوزت الخطاب السياسي والأيديولوجي ولذلك بدت جذابة بالنسبة إلى قطاعات أوسع من الطلاب بما فيهم غير الملتزمين دينيا وبنت هذه الخدمات سمعة للإخوان بوصفهم ممثلين جديرين بمصالح الطلاب وبناء على هذه الشرعية خاض مرشحوهم الانتخابات وفي أثناء الحملات الانتخابية كان الإسلاميون يعدون ناخبيهم بتقديم خدمات أفضل في حالة إعادة انتخابهم .

وحصل طلاب السنة الأولي في جامعة المنصورة في العام 1988 على بطاقات ترحيبي من اتحادهم الذي يسيطر عليه الإسلاميون وحصلوا على قائمة بالخدمات التي يوفرا الاتحاد إلي التزم بـ توفير المساعدة لكل طالب جديد" وتضمنت الخدمات المذكورة في القائمة مبيعات منتظمة للكتب الدراسية الرخيصة وكتيبات المراجعة بالإضافة إلى معدات طبية وهندسية مكلفة ( كانت تباع بخصم يصل إلى 30 بالمئة) وتكررت هذه الحملة في الجامعات الأخرى مثل الإسكندرية مثلا حيث أوضح المرشحون لمنتخبيهم أن " الهدف من سرد إنجازاتنا " ليس التباهي وإنما القيام بواجبنا في حمل الأمانة ".

ولم يقتصر الأمر على تحسن الخدمات القائمة بل كان غيرها باعثا على إلهام الطلاب أنفسهم من خلال الاستبيانات التقييمية التي أصبحت وسيلة رائجة في إشراك الطلاب في الجامعات في أواخر الثمانينيات تقييم الخدمات التي يوفرها الاتحاد واقتراح طرق لتطويرها وفي مجتمع تقوم ثقافته السياسية على السلطوية وحيث تتحكم الدولة بأغلب الساحات السياسية والاجتماعية أصبحت الجامعات ساحات مهمة للطلاب لكي يعبروا عن همومهم الخاصة ويتخذوا قراراتهم الخاصة بشأن ما يلزم توفيره وهذا ما كان يجعل الخاصة ويتخذوا قراراتهم الخاصة بشأن ما يلزم توفيره وهذا ما كان يجعل لهذه الاستبيانات ولو في عين الطلبة غير الملتزمين دينيا بريقا وجاذبية .

نادي أعضاء هيئات التدريس

وبالإضافة إلى فتح آفاق في اتحادات الطلبة بدأ الإخوان أيضا (علي مستوي مدسين) بدخول نوادي أعضاء هيئات التدريس واستطاعوا بمرور الوقت السيطرة على هذه الهيئات في جامعات القاهرة والإسكندرية وأسيوط وكانت هيئة التدريس في جامعة أسيوط أل هيئة يسيطر عليها الإخوان في العام 1985 وتلتها هيئة التدريس في جامعة القاهرة في العام 1986 عندما فاز أعضاء الجماعة بثمانية مقاعد من أصل اثني عشر مقعدا في النادي .

ومثلما فعل طلبة الإخوان في حملاتهم الانتخابية بتقديم وعود بخدمات أفضل وعد الإخوان ناخبيهم في هيئات التدريس في حملاتهم الانتخابية في عام 1986 مثلا بزيادة مرتباتهم وتنظيم السكن للأساتذة الشباب وتحسين خدمات الرعاية الصحية وكما هي حال بعض النقابات في مستهل الثمانينات كانت هذه النوادي لأعضاء هيئات التدريس في الجامعة قبل مجئ الإسلاميين تحت سيطرة القوميين واليساريين الذين لم يكونوا يعالجون هذه القضايا الملحة بجدية كافية وهو ما عني أن بناء الإخوان حملاتهم على الوعد بتطوعي الخدمات كان بمثابة وهو ما عني أن بناء الإخوان حملاتهم على الوعد بتطوير الخدمات كان بمثابة ضرب على وتر حساس بالنسبة إلى احتياجات أغلب الأساتذة واستنادا إلى بدر غازي وهو أستاذ محاضر في الكيمياء ورئيس هيئة التدريس في جامعة القاهرة في مستهل التسعينيات:

" لم نتحدث عن السياسة في حملاتنا وإنما ركزنا على الهموم الحقيقية للناس وشكلت الرواتب والمساكن والعلاج الصحي الهموم التي كانت تشغل بال العديد من الأساتذة الشباب الذين شكلوا 25 بالمئة من أعضاء النادي وهذه هي بال العديد من الأساتذة الشباب الذين شكلوا 25 بالمئة من أعضاء النادي وهذه هي أهم شريحة كانت تصوت لصالحنا في الانتخابات منذ ذلك الحين .

وعلى غرار أغلب الموظفين المصريين لم يكن أساتذة الجامعات راضيين عن الارتفاع السريع في تكاليف المعيشة في حين بقيت رواتبهم وهو ما كان يدفع الأساتذة إلى البحث عن مصادر إضافية للدخل من الدروس الخصوصية التي كانت تعود عليهم أحيانا بعوائد أعلي من رواتبهم من الجامعة وبعد أن وصل الإخوان إلى هيئة التدريس في جامعة القاهرة شرعوا في حل هذه المشكلة تدني الرواتب وفي التغلب على الآثار الجانبية للدروس الخصوصية المتفشية وكانت أول خطوة قاموا بها عقد لقاء مع فتحي سرور نائب رئيس الجامعة حينئذ ( ورئيس مجلس الشعب حاليا ) ونجحوا في إقناع الجامعة بمنح بدلات تضاف إلى الرواتب الأساسية وتغطي الوقت الذي يمضيه المدرس في مراقبة الامتحانات وفي البحث وهي أوقات لم يكن يتقاضي عليها المدرس قبل ذلك مقابلا ماديا وبحلول التسعينيات زاد الصافي للأساتذة ثلاثة أضعاف بداية من سنة 1986 .

وشكل العثور عل مسكن لائق في مدينة القاهرة المزدحمة مشكلة أخري بالنسبة إلى أغلب أعضاء هيئة التدريس وبخاصة الأساتذة المساعدين (أو المعبدين) وغالبيتهم من الخريجين صغار السن وغير المتزوجين فقد كان أولئك مضطرين إلى الاعتماد على مدخراتهم وعلى رواتبهم لشراء شقة سكنية أو الزواج وكان ذلك شبه مستحيل بالنظر إلى تدني رواتبهم كما قلنا ولذلك عقد الإخوان اجتماعا آخر مع وزير التعليم فتحي محمد وقتئذ وطالبوا بشقق سكنية رخيصة للأعضاء الشباب في الهيئة التعليمية واستنادا إلى بدر غازي مرة أخري وكان ضمن وفد الإخوان الذين مثلوا هيئة التدريس في ذلك اللقاء :" فوجئ الوزير بإثارتنا لهذه القضية وقال لنا :

اعتقدت بأنكم إسلاميون تطلقون لحاكم وترتدون الجلابيات وأنكم أتيم للمطالبة بقضايا متعلقة بالدين والأخلاق فقلنا له : نحن كما تري ك مجموعة من الأساتذة الذين يريدون خدمة زملائهم وعندها سألنا الوزير : وكيف يمكننا أن نساعدكم ؟ فاقترحنا عليه التحدث إلى وزير الإسكان وطلب توفير بعض الشقق السكنية لنا في مدينة السادس من أكتوبر الجديدة وقتها فوافق على ذلك .

وقد وافق وزير الإسكان على منح هيئة التدريس 208 شقق سكنية وقد استخدمها الإخوان في إسكان المعيدين والأساتذة المساعدين الشباب .

وأما المشكلة الرئيسية الثالثة التي واجهت الأساتذة في الجامعات فكانت تأمين رعاية صحية مناسبة له ولعائلاتهم ولم يكن هذا المستوي الجيد من الرعاية في المستشفيات الحكومية متوافرا مما كان يحتم عليهم التوجه إلى المستشفيات الخاصة ودفع كلفة تزيد على الرواتب التي يتقاضونها كأساتذة ولذلك كان على مساعدي الأساتذة من أبناء الطبقات الدنيا الاعتماد في أغلب الحالات على المستشفيات الحكومية التي تعتبر خدماتها غير مرضية وكانت هيئة التدريس في جامعة القاهرة مثلا تفتقر قبل وصول الإسلاميين إلى مجلس إدارة نادي أعضاء الهيئة إلى خدمات الرعاية الصحية الأئقة

وكان على الأساتذة سداد كامل نفقات علاجهم من جيوبهم وفي حال احتاج أستاذ إلى إجراء عملية جراحية وكانت تكاليفها مرتفعة جدا فإنه كان يلجأ إلى تقديم طلب رسمي إلى عميد الكلية يطلب فيها سلفة مالية وبدوره يمرر عميد الكلية الطلب إلى رئيس الجامعة الذي يدفع الطلبة إلى لجنة طبية تقرر ما إذا كانت ستوافق على السلفة وفضلا عن أن العملية كانت مفرطة في البيروقراطية وتستغرق قدرا كبيرا من الوقت فإنها في الوقت نفسه كانت تستثني الأساتذة المساعدين ( الشباب ) بما أن هيئة التدريس لم تكن تعتبرهم أعضاء كاملي العضوية في هيئة التدريس بعد ( أى إلى أن تتم ترقيتهم إلى أساتذة ) وبالتالي كان عليهم الحصول على المال اللازم من مؤسسات خاصة خارج الجامعة وتمثل الإنجاز الذي حققه الإخوان في المطالبة بالحصول على بطاقة طبية تخول جميع الأساتذة بما في ذلك الأساتذة المساعدين حق تلقي العلاج في المستشفيات الخاصة وعلى نفقة الجامعة وكان ذلك بلا شك إنجازا ملحوظا بالنسبة إلى شريحة الشباب من المدرسين في الجامعة.

وبالإضافة إلى الخدمات التي تقدمت الإشارة إليها نظم الإخوان مبيعات سنوية لسلع استهلاكية ومعمرة وهي مناسبة لها شعبية كبيرة خاصة بين صغار الأساتذة واستنادا إلى غزي فقد بلغت أرباح المبيعات من المعرض الأول الذي نظمته هيئة التدريس في جامعة القاهرة في العام 1986 حوالي مليون جنيه مصري وعرض على أحمد لطفي وهو أستاذ محاضر في الاقتصاد بجامعة القاهرة وعضو في الإخوان وعمل أيضا مسئولا في مجلس إدارة هيئة التدريس بجامعة القاهرة التقارير المالية السنوية للنادي بدءا من العام 1984 عندما كان يسيطر عليها اليساريون ووصولا إلى العام 1944 عندما بات يسيطر عليها الإخوان منذ ثماني سنوات ( أى منذ العام 1986 وصاعدا ) وبناء على هذه التقارير التي اطلعت على أرقامها يمكن الاستنتاج أن الإخوان استطاعوا تأمين أساس لشرعية اجتماعية بين شرائح هذه الفضاءات بناء على نادي هيئة التدريس المتأتية من الأرباح الناتجة من المشاريع التي قاموا بها وطوروها

النقابات المهنية

وبالتوازي مع كان يحرزه الإخوان في الجامعات فقد واصلوا أيضا إحراز تقدم في النقابات طوال السنين الأخيرة من عقد الثمانينيات وصاعدا ويعود ذلك بدرجة كبيرة إلى إشرافهم الإداري والمالي المتفوق , وإلى خدمات الرعاية الاجتماعية المتطورة التي كانوا يقدمونها من خلال سيطرتهم على مجلس إدارة النقابات المختلفة والإنجازات التي حققها الإسلاميون في النقابات موثقة جيدا في دراسات أخري وأنا لا أنوي تقديم عرض مفصل لها في هذه الدراسة وتكرار ما قيل لكني بدلا من ذلك أرغب في التشديد على الدور إلي لعبته هذه الخدمات في منح الإخوان الشرعية بين أوساط المهنيين وهو دور فاق دور الخدمات التي وفرها النظام لما كان يسيطر على النقابات .

لقد كانت أكثر الخدمات تقديرا وأوسعها شعبية في النقابات هي الخدمات الخاصة بالرعاية الصحية فمن الناحية الشكلية يحصل أعضاء النقابة على علاج مجاني ولكنه المستوي في المستشفيات الحكومية وفي حال آثروا تلقي العلاج في المستشفيات الخاصة فعليهم ان يدفعوا مبالغ كبيرة من كلفة العلاج وكان كلا الخيارين غير عملي بالنسبة إلى كثير من الخريجين الشباب ومن أبناء الطبقة الوسطي ولذلك طرح الإخوان سنة 1988 رؤيتهم الخاصة بالرعاية الصحية على نقابة الأطباء وقد تضمن مقترحهم دعم علاج أعضاء النقابة وعائلاتهم في المستشفيات والعيادات الخاصة

وفي العام 1988 بلغ عدد المستفيدين من هذا المشروع أكثر من 17600 طبيب و 43960 من أفراد أسرة الأطباء وجري توسيع هذا المشروع في السنة التالية ( أى سنة 1989 ) ليشمل نقابة المهندسين حيث وصل عدد المستفيدين منه إلى 72000 وقد أظهرت أرقام المستفيدين حجم الحاجة إلى هذا النوع من الخدمات الصحية على الرغم من نظام التأمين الصحي القائم الذي ترعاه الدولة .

كما نظم الإخوان معارض مبيعات ضخمة للأثاث والغسالات وغازات المطابخ والثلاجات وغيرها من الأدوات التي يحتاج المهنيون الشباب إلى تزويد منازلهم بها وبأسعار مخفضة أو بالتقسيط ودون فوائد ومرة ثانية جاءت هذه الأفكار تلبية لاحتياجات شريحة طالما أهملها النظام .

ولم تكن شعبية الإخوان تكمن في تقديم هذه الخدمات فحسب وإنما بالطريقة الفعالة التي كانت تقدم بها ولم يتسن للجامعة أن تقوم بذلك من دون الاستناد إلى شبكتها التنظيمية التي وفرت لها حالة من التنسيق والكفاءة ضاعفت من قاعدة شرعيتها بل جعلت هذه الشرعية تتسم بأنها " شرعية منظمة وليست مبعثرة أو عشوائية وهذا يقودني إلى الحديث عن تنظيم الجماعة وكيف كانت تؤدي الخدمات سواء للطلبة والأساتذة في الجامعات أو للمهنيين في النقابات .

خامسا : شرعية منظمة

لم يكن التأثير الذي أحدثه الإسلاميون في النظام وفي شرعيته مرتبطا كما قلت بأدائهم على صعيد الخدمات التي يوفرونها للمجتمع ولكن كان يرتبط بالطريقة المنظمة التي كان يجري فيها توفير تلك الخدمات وقد بينت في الفصل الأول الأقسام الرئيسية للتنظيم التي أعيد بناؤها وكيف تطورت خلال الثمانينات وأثرها في تفعيل دور الإخوان في المجتمع أكثر من ذي قبل.

تعبئة الجماهير الناخبة

من السهل شرح الرابط بين التنظيم وكيفية تأثير الإخوان في المجتمع بتقديم مثال صادفته في أثناء قيامي ببحثي في مصر فقد سمح لي في العام 2002 بالمشاركة بصفة " ضيف " في اجتماع خاص للإخوان في الإسكندرية شارك فيه أعضاء في مجلس الشعب وفي النقابات وفي هيئات التدريس واحدي القضايا التي نوقشت في ذلك الاجتماع كانت كيفية تعبئة المصريين لمقاطعة البضائع الأمريكية كوسيلة لدعم الانتفاضة الفلسطينية وكان يتوقع أن تنظم نقابة الصيادلة التي يسيطر عليها الإخوان سلسلة من المحاضرات تتناول موضوع مقاطعة الأدوية الأمريكية ويدعي إليها متحدثون من خلفيات أيديولوجية وسياسية مختلفة بدلا من دعوة الإسلاميين الذين يعرف عنهم انتماؤهم إلى الحركة .

وقد وافق الأشخاص الذين شاركوا في الاجتماع على أنه من أجل إشراك الجمهور العام , وتعبئة أصحاب الصيدليات الذين كانوا في الأغلب من الأقباط ينبغي أن يكون خطاب الحملة وطنيا وليس دينيا وبما أنه من غير المرجح المضايقات الأمنية وبخاصة عندما يتم الإعلان عن أن هدفها هو دعم المنتجات المصرية ودعم الاقتصاد المحلي بدلا من مجرد مقاطعة المنتجات الأمريكية .

وقد استفاد الإخوان من إمكانات التنظيم وموارده في رفع كفارة خدماتهم وفي إجراء اتصالات بين الساحات التي يشغلونها كوسيلة لزيادة تأثيرهم في المجتمع وفي السياسة فالارتباطات التنظيمية مكنت الإخوان في فضاءات معينة من تعبئة جماهيرهم الناخبة لدعم أهداف الحركة في الفضاءات الأخرى وبناء على ذلك , استخدام الإخوان في حرم الجامعات شعبيتهم ( أو شرعيتهم الخدمية 9 لحشد الطلبة للمشاركة في الانتخابات البرلمانية في العام 1987 مثلا والتصويت لصالح مرشحي الجماعة وأكد عمرو أبو خليل وهو عضو في الإخوان والرئيس السابق لاتحاد الطلاب في جامعة الإسكندرية أن الطلاب كانوا متعاطفين أساسا مع الإسلاميين بحكم الاستفادة من خدماتهم في الجامعات ولذلك كانوا يصوتون لمرشحي الحركة لعضوية البرلمان أنفسهم .

كما تجلت العلاقات التنظيمية أيضا في التنسيق مثلا بين الجامعات والنقابات فجري توعية الطلاب في الجامعات لبناء علاقات مع النقابات الخاصة بمهنهم التي سيعملون فيها بعد التخرج وفي جامعة الإسكندرية على سبيل المثال نظمت نقابة المهندسين محاضرات منتظمة واحتفالات تخرج لطلاب الهندسة الذين كانوا وعي الطلاب بأهمية العمل النقابي وتفعيل عضويتهم في النقابة مستقبلا وكان في نقابة الأطباء , وعلى سبيل المثال وحدة للطلبة الذين ما يزالون يدرسون الطب في الجامعة , حيث يتم منح الطلاب الذين هم في السنة الدراسية الثالثة أو الرابعة ( أى على وشك التخرج ) عضوية غير رسمية في النقابة تؤهلهم دخول بعض النوادي التابعة للنقابة والاستفادة من خدماتها وكانت حصيلة هذه العملية أنه تم إقناع الطلاب الذين صوتوا للإخوان المسلمين في الجامعة بمواصلة القيام بذلك مستقبلا في النقابة .

واستخدم الإخوان أيضا الفضاءات التي سيطروا عليها ( النقابات تحديدا) للتعبير عن الآراء السياسية للتنظيم التي لم يكن يسمح للجماعة بالتعبير عنها في أوضاع طبيعية نظرا إلى غياب مشروعيتهم القانونية وكانت نوادي أعضاء هيئات التدريس في جامعتي القاهرة والإسكندرية تعقد مؤتمرات مشتركة مع الاتحادات الطلابية في هاتين الجامعتين لدعم الانتفاضة الفلسطينية والمجاهدين في أفغانستان وقد استمر هذا التعاون بين الاتحادات ونوادي هيئات التدريس لغاية التسعينيات وكانت جميع الآراء التي عبرت عنها الاتحادات ونوادي هيئات التدريس تعكس آراء الجماعة خارج سور الجامعة حيال الشؤون السياسية في فترة التسعينيات بما في ذلك حرب الخليج في العام 1991 وفي أحد المؤتمرات المشتركة شددت هيئات التدريس في جامعة القاهرة الاتحادات على الحاجة إلى إلغاء التدابير المقيدة مثل قانون الطوارئ وعلى إعطاء الناس الحرية في تشكيل الأحزاب السياسية وكان أحد المتحدثين الرئيسيين في هذا المؤتمر هو عصام العريان ممثلا عن نقابة الأطباء .

كما نسقت نوادي هيئات التدريس ف الجامعات نشاطاتها مع النقابات لرفع مستوي أداء الطرفين وتبادل الأفكار والخبرات المتعلقة ببرامج الرعاية الصحية ومعارض مبيعات التجهيزات المنزلية السلع المعمرة كما كان واضحا التعاون المنظم بين النقابات القوية وبتنسيق من الأقسام المعنية داخل التنظيم وأكد أنور شحاته أمين صندوق نقابة الأطباء وجود تعاون منظم بين الإخوان في النقابات المختلفة ولم ينكره :

" أعتقد بأن هذا أمر عادي بالنسبة إلى أية مجموعة من الأشخاص الذين يتقاسمون الآراء ووجهات النظر نفسها أن ينسقوا في ما بينهم في كل شئ وسيكون الأمر غريبا لو كان هناك إخوان في نقابة المهندسين وإخوان في نقابة المحامين لا يناقشون أية قضية في ما بينهم ينبغي على المحامين الاستفادة من المشاريع التي نفذتها نقابة الأطباء تماما كما أنه ينبغي على الاستفادة من مشاريع المهندسين .

ودفعت حرب الخليج في العام 1991 الإخوان و من خلال تشكيل أسموه " لجنة تنسيق العمل النقابي ط إلى تحويل النقابات إلى جبهة موحدة ضد السياسة المصرية خلال الحرب وكان النظام ينظر إلى هذا النوع من التنسيق والاتصال التنظيمي على أنه منافس لسيطرته العامة على حدود هذه الفضاءات ومنعها من التوسع على حساب سياساته .

أفسح النظام الفضاءات الاجتماعية في مستهل الثمانينات مثل النقابات المهنية والاتحادات الطلابية وهيئات التدريس أن تعمل بحرية نسبية كوسيلة مطلقا بل كان مقيدا من خلال ضوابط بيروقراطية ضمنت عدم تمتع هذه الفضاءات باستقلالية تامة ومطلقة وداخل هذا السياق شغل الإخوان هذه الفضاءات وعملوا داخل ما سمح به من مساحات داخل هذه الضوابط واستطاعوا تطوير عقد اجتماعي إسلامي منحهم عنصرا من الشرعية وكان لهذه الشرعية تأثير قوي في النظام لما بدأ الإخوان بتوظيف شبكة علاقاتهم التنظيمية للربط والتنسيق بين هذه الفضاءات وهو تطور كما قلت تحدي الضوابط التي فرضها النظام وبالتالي أزعجه وهذا التطور مكن الإخوان لاحقا من أن يحشدوا جماهيرهم المستفيدة من خدماتهم داخل هذه الفضاءات ( ويستفيدوا من موارد الفضاءات أيضا ) بما يتجاوز حدود هذه الفضاءات وفي خدمة الأهداف الأوسع للتنظيم .

وهذا التطور تجلي أكثر ما يكون في عمل الإخوان داخل النقابات فاستنادا إلى أماني قنديل التي درست نشاطات الإخوان في النقابات الرئيسية عن قرب ودقة :" تجاوز النشاط النقابي جدران النقابات حيث بدأ الإخوان بتنظيم أنشطة عامة أريد منها جذب جمهور عريض ليس بالضرورة عضوا في النقابات وبالإضافة إلى تشكيل تحالفات نشطة في ما بينها بدأت النقابات أيضا بتشكيل تحالفات مع الأحزاب السياسية .

باختصار تحولت النقابات بفضل شبكة تنظيم الجماعة التي سيطرت عليها إلى فضاءات لتفعيل المجتمع وحشد طبقاته لدعم أهداف الحركة خارج أسوار وحدود الفضاءات التي رسمها النظام وهذا تطور أشعر النظام بالفلق من أن تخرج هذه الفضاءات من تحت سيطرته ولا سيما أن النظام كان يسعي بطريقته إلى تحقيق شرعية اجتماعية من خلال بعض إصلاحات طفيفة ولكن مهمة في الميدان الاقتصادي .

الشرعية من الميدان الاقتصادي

كان تنامي الاضطرابات الاجتماعية والدينية في ناحية منه ردة فعل لحالة التدهور المستمرة للمعيشة للاقتصاد المصري عموما وقد تجلي ذلك في ارتفاع معدل التضخم وتراجع حجم المدخرات والاستثمار والعملة الأجنبية وقد زاد كل من صندوق النقد الدولي البنك العالمي من الضغوط على الحكومة كي تدخل إصلاحات هيكلية جدية ( أى خصخصة القطاع العام ) لكن الرئيس مبارك تردد في القيام بذلك بسبب قلقه من أن تؤدي هذه السياسات إلى تصاعد التوترات الاجتماعية بصورة أكبر وحذر العديد من الخبراء الاقتصاديين في مصر من أنه سيكون للإصلاحات الهيكلية السريعة تأثيرات سلبية قوية تطال شريحة الفقراء الذين يعتمدون على القطاع العام في تلبية حاجاتهم بل ربما وفر الشروع في إصلاحات اقتصادية أيضا كما يريد صندوق النقد الدولي والبنك العالمي حافزا لبعض المحيطين للانخراط في جماعات العنف

وأكدت دراسة رسمية اشرف عليها مجلس الشورى المصري أن أغلب المتطرفين هم شباب مصريون تتراوح أعمارهم بين 16’25 عاما ويتحدرون من خلفيات فقيرة وعاطلون عن العمل ويعيش أغلب هؤلاء في ظروف صعبة لا تتوفر فيها الكهرباء ولا الماء ولا مرافق الصرف الصحي وما من شك في أن لعديد من أبناء المحافظات في الصعيد مثل أسيوط والمنيا التي يجري تجنيد أفراد حركتي الجهاد والجماعة الإسلامية منها تفتقر إلى المسكن اللائقة والخدمات العامة الأساسية وطالبت الدراسة التي طبعها مجلس الشورى والتي اعتمدت نتائجها على مقابلات مع أعضاء سابقين ( تائبين ) في هذه الجماعات العنيفة الدولة بالاستثمار في خدمات الرعاية الاجتماعية وحذرت أيضا من وجوب ألا يكون للإصلاحات الاقتصادية ( الخصخصة) تداعيات سلبية على حياة الطبقات الدنيا في مصر وأنه ينبغي التركيز بالمقابل على بناء بنية تحتية لائقة في المناطق الفقيرة وعلى حل المشكلات الناجمة عن البطالة في مصر .

وأكد إبراهيم عوض على صحة النتائج التي توصلت إليها الدراسة مجادلا بأن النمو البطئ للاقتصاد وسوء توزيع الخدمات الاجتماعية وفرا أرضا خصبة لعودة ظاهرة التطرف في مصر وقد أظهرت تعليقات عوض المزاج الرسمي والوطني العام ( باعتبار صدور الدراسة عن مؤسسة رسمية هي مجلس الشورى ) أنه ينبغي على الدولة أن تلعب دورا أكثر إيجابية في تحسين الاقتصاد المحلي إذا ما كانت تريد تعزيز شرعيتها بين أوساط الشرائح الفقيرة .

وقد شهدت السنوات الأخيرة من عقد الثمانينيات تطورت سريعة فعلا في محاولات مبارك الهادفة إلى تحسين الأداء الاقتصادي للبلاد كجزء من سعيه إلى شرعية الإنجاز . فقام أولا بإقالة على لطفي رئيس الوزراء في حكومته بسبب فشله في تحسين الاقتصاد وعين بدلا منه عاطف صدقي وبرز مبارك تلك الخطوة على أنها جزء من حشد " كافة الموارد المحلية والأجنبية لمعالجة الوضع الاقتصادي بفاعلية " ومجادلا بأن ذلك يحتل الأولوية القصوى لديه حاليا ثانيا , واصل التودد إلى الجهات الدولية المانحة وإلى المقرضين الأجانب ( مثل الولايات المتحدة , وألمانيا الغربية , وفرنسا , وإنجلترا, وإيطاليا وصندوق النقد الدولي 9 من أجل تقديم مزيد من المساعدات لمواجهة تأثير التضخم وتراجع أسعار النفط .

وثالثا وقع النظام على مضض على اتفاقية مع صندوق النقد الدولي وافق فيها على تخفيض الدعم المخصص لبعض المواد الاستهلاكية غير الضرورية مثل السجائر والتبغ ( وهي خطوة أدت في وقت لاحق إلى زيارة أسعار هاتين السلعتين بمقدار 20 بالمئة ).

ولكن العمل بالاتفاقية مع صندوق النقد سرعان ما توقفت لأن النظام كان ما يزال مهيأ لتحمل النتائج , بما في ذلك التأثير في استقرار النظام ( وبسبب العجز في ميزان المصروفات الذي وصل حد 10 مليارات جنيه مصري ) وبالتالي ما من مرة أعلن فيها النظام عن زيادة في أسعار سلع معينة إلا وحرص على ألا تؤثر تلك الزيادات في السلع الضرورية ( مثل الزيت والأرز والسكر وما إلى ذلك 9 التي تدعمها الحكومة وترهق ميزانيتها وكشف مبارك عن أن العائدات الحكومية بلغت 18 مليار جنيه مصري في العام 1987 وأنه جري تخصيص نحو من 11 مليار جنيه مصري منها 61 بالمئة لتغطية دعم هذه السلع تطمينا لمخاوف الناس .

وبالإضافة إلى ما تقدم فقد حرص لنظام على أن يتبع الزيادات في الأسعار عادة ( وليس دائما ) زيادة معينة في الأجور للمساعدة على تضييق الفجوة بين الرواتب وارتفاع تكاليف المعيشة ففي أعقاب التوقيع على اتفاقية العام 1987 مع صندوق النقد الدولي مثلا أعلن النظام عن زيادة مقدارها 20 بالمئة في أجور كافة لموظفين في السلك الحكومي وفي القطاع العام إلا أن ذلك لم يحدث بالضرورة في السنوات اللاحقة ومع ذلك فإن النظام فشل في طمأنة أغلب المصريين الذين اعتبروا تلك الخطوات مجرد مسكنات وليست تغييرات جادة تهدف إلى تحسين مستوي معيشتهم على المدى الطويل وما من شك في أن ظواهر مزمنة لها علاقة بسوء الإدارة والإجراءات البيروقراطية والزيادة السريعة في عدد السكان وغياب التنسيق بين النخب التي تدير القطاعين العام والخاص جميع ذلك وقف عثرة أمام الجهود التي تهدف إلى تحسين الاقتصاد وفي النهاية لم يكن باستطاعة النظام سوى أن يذعن لمطالب وضغوط صندوق النقد الدولي بخصخصة بعض مرافق القطاع العام وتم التوقيع على اتفاقية جديدة مع الصندوق في سنة 1991 .

وبالتوازي مع النظام فلم يكن أداء الإخوان سواء في شركات التوظيف أو البنوك الإسلامية بأحسن حالا إمام يسبب عمليات القمع التي قام بها النظام ضد شركات التوظيف أو بسبب انقسامات وسط النخبة التي كانت تدير البنوك الإسلامية .

النظام يقمع شركات التوظيف

قام النظام في السنة التي تلت التوقيع على اتفاقية العام 1987 مع صندوق النقد الدولي بالتضييق على شركات التوظيف الإسلامية ( القانون الرقم 146 للعام 1988) كجزء من حملة أوسع نطاقا لإصلاح الاقتصاد وتولي السيطرة على الموارد وعلى حركة الأموال في البلد فقد أدي انتشار شركات التوظيف في الثمانينيات والعائدات الكبيرة التي وفرتها للمقرضين إلى إقدام العديد من الأشخاص على سحب مدخراتهم من البنوك الحكومية ووضعوها في شركات لتوظيف وتحت تصرف الإسلاميين ونتيجة لانتشار شركات التوظيف أقفلت البنوك الحكومية بين عامي 1983 , 1986 حسابات بنكية تزيد قيمتها على 8 مليارات جنيه مصري , واستنادا إلى تقارير خاصة فقد جري تحويل أغلب هذه الحسابات إلى شركات التوظيف بسبب الأرباح الكبيرة التي كانت توزعها على المستثمرين ( مقارنة بعوائد بنوك الدولة) وزاد ذلك لا شك من ضعف الدولة ودفعها إلى القيام بعمل جدي ضد توسع شركات التوظيف كخطوة أولية نحو إعادة جذب حركة الأموال وسحبها من الإسلاميين إلى البنوك الحكومية وفي تلك الفترة , كان التضييق على شركات التوظيف جزءا من مخطط أوسع لكبح نمو قوة الإسلاميين بدءا بخطة تجفيف مصادرهم المالية , ولعبت صحيفة الأهالي لسان حال حزب التجمع الشيوعي , إلى جانب الصحف الأخرى التي تملكها الدولة , دورا بارزا في زيادة حدة مخاوف النظام من أن شركات التوظيف تشكل مصدرا لتمويل أعمال الجماعات المسلحة وللحملات الانتخابية للإخوان وفي أواخر الثمانينات كان الريان يفكر في الاستثمار في مشروع للنقل العام في محاولة منه لحل مشكلة الطرقات المزدحمة في مدينة القاهرة وتقدم فعلا باقتراح إلى وزارة النقل لتوفير الرأسمال اللازم لشراء حافلات وقد تم القبول بالاقتراح وحصل الريان على الرخص اللازمة لتأسيس الشركة ولكن النظام تدخل في آخر لحظة وألغي المشروع لما بدا الاتفاق بين وزارة النقل والريان في الأعلام وكأنه علامة على خضوع الدولة للتأثير الإسلامي المتنامي .

واعتبرت الشركات المالية التي يملكها إسلاميون تهديدا لخطط الدولة في المشروع في إصلاحات هيكيلة ولرغبتها في حماية المستثمرين في القطاع الخاص فقد كان معظم هؤلاء المستثمرون من طبقات رأسمالية أو لها صلات أجنبية أقرب إلى توجهات النظام وصندوق النقد الدولي من المستثمرين الإسلاميين كما أن هذه الطبقات لم تكن تشكل تهديد ( بل عاملا مساندا) لهيمنة الدولة على حركة الأموال أو الموارد المالية عموما على عكس شركات التوظيف الإسلامية وفي النهاية فقد شهدت السنوات الأخيرة من عقد الثمانينيات نهاية فعليه لشركات التوظيف وبروز طبقة جديدة من رجال الأعمال الذين سلعبون دورا في عملية الإصلاح الاقتصادي في حقبة التسعينيات ( انظر الفصل الخامس ) ولا شك في أنه بالتوازي مع ظهور طبقة رجال الأعمال الجدد ضمر نفوذ الإسلاميين الاقتصادي .

إضعاف مصادر التمويل الإسلامية

كانت ملكية أكثر من 40 بالمئة من شركات التوظيف تباع لأشخاص إما أنهم إخوان أو متعاطفون معهم وهو ما جعل من تضييق النظام على شركات التوظيف في نهاية الثمانينات بمثابة ضربة قوية لواحد من أهم مصادر التمويل وقد شملت مصادر التمويل الأخرى للجماعة الاشتراكات الشهرية التي يدفعها الأعضاء للتنظيم وتبرعات الإخوان العاملين في الخليج ممن كانوا قادرين على الاستفادة من العلاقات الدولية للتنظيم واتصالاته مع رجال الأعمال والمنظمات الإسلامية خارج مصر وقد قال لى أحد أعضاء الإخوان , وكان قد عاش في مرحلة سابقة في الإمارات العربية المتحدة وكان يتمتع باتصالات جيدة هناك إنه في مرحلة معينة وفي أعقاب تضييق الخناق من قبل النظام على شركات التوظيف قام زكي بدر وزير الداخلية المصري بجولة في الداخلية المصري بجولة في الدول الخليجية حذر فيها المسئولين الأمنيين في المنطقة من أخطار تمويل الإخوان زاعما أنهم يستخدمون هذه الأموال في تمويل العمليات الإرهابية.

وكما هو شأن شركات التوظيف فقد تعرضت البنوك الإسلامية التي لعب الإخوان دورا في تطويرها أيضا لمضايقات حكومية وقد جردها الشيخ محمد طنطاوي من مؤهلاتها الدينية بفتاوي مثيرة للجدل أنكر فيها وجود شئ اسمه بنوك " إسلامية " وجادل بأن الفوائد التي تعطيها البنوك الحكومية هي أرباع حلال كما شوهت سمعة البنوك الإسلامية بسبب أدائها والصراعات والنزاعات الداخلية فيها وهي ظروف استغلها النظام كعذر لكي يتدخل في شؤونها .

فقد توقف النمو المطرد الذي حققه البنك الإسلامي الدولي في مستهل الثمانينات عندما نشب خلاف سنة 1988 بين أحمد أمين فؤاد رئيس مجلس إدارة البنك , وبين أعضاء المجلس الذين كان أكثرهم من الإخوان ويرجع سبب لخلاف إلى المصاريف والمخصصات الزائدة التي كان فؤاد يحصل عليها واستنادا إلى عبد الحميد الغزالي وهو قيادي من الإخوان وعضو في مجلس إدارة البنك فقد بلغ الراتب الشهري الصافي لفؤاد 1760 دولارا أمريكيا في حين بلغت مخصصاته السنوية التي تغطي تكاليف السفر ومصاريف أخري غير محدودة حوالي 20244 دولارا أمريكيا وما ألمح إليه الغزالي وزملاءه الإسلاميون في مجلس الإدارة هو أن فؤاد كان يستغل منصبه الرفيع في البنك في تخصيص أرباح غير قانونية لنفسه في حين أدعي فؤاد بأن هناك نوايا خبيثة لدي الإسلاميين الذين نشروا هذه الاتهامات الكاذبة بهدف إحكام سيطرتهم على البنك.

وساءت العلاقات بين أعضاء الإدارة ورئيسهم وكان على البنك المركزي أن يتدخل لحل المجلس وتعيين أحد ممثليه رئيسا للبنك الإسلامي الدولي وعلى رغم أن هذه الخطوة أضعفت من نفوذ الإسلاميين فهي لم تكن تعني زوال نفوذهم بالكامل في مساحات أخري وبعد وقت قصير من تعيين حسن استغل الشريف الصعوبات المالية التي يعانيها البنك وتقدم بعرض لشراء حصة كبيرة من أرصدته وقد منحه حجم ملكيته للأرصدة الحق في اختيار تعيين ثلاثة أشخاص في مجلس إدارة البنك فاختار الشريف في حينه تعيين خيرت الشاطر ( من قيادات الإخوان وصاحب نفوذ ملي ) وصالح الحديدي وإسماعيل الهضيبي ( شقيق المرشد الراحل مأمون الهضيبي ) وجميعهم أعضاء في الإخوان المسلمين ولكن ذلك لم يعن الكثير من الناحية العملية باعتبار أن الوضع المالي للشريف كان ضعيفا أصلا بسبب تدهور أوضاع كافة شركات التوظيف التابعة له وبسبب الخسائر التي كان يمني بها البنك بعد التضييق عليه وفي نهاية لمطاف تدخل البنك المركزي من جديد وقرر هذه المرة بيع أغلب أرصدة البنك لبنوك القطاع العام متهيأ بذلك قصة البنك الإسلامي الدولي ( وبعد أن أنهي قبلها قصة شركات التوظيف ).

خلاصة

شهدت الفترة الأخيرة من عقد الثمانينيات مواقف وميولا جديدة في السعي إلى الشرعية من جانب كل من مبارك والإخوان فعلي رغم أن مبارك ظل يواصل بناء قاعدة لشرعية قانونية يدافع من الحاجة إلى تشكيل مجلس شعب دستوري يقوم بترشيحه لفترة رئاسية ثانية ( انتخابات عام 1987 إلا أن بروز عمليات العنف بحدة التي جاءت جزئيا نتيجة للإحباط العام فرض على النظام التركيز على أدائه الاقتصادي أيضا وعلى خط مواز للتنازلات الجزئية أمام الضغوط التي بذلها صندوق النقد الدولي من أجل الشروع في تعديلات هيكلية واصل لنظام المواد الاستهلاكية بهدف تجنب ردود الفعل الاجتماعية ومن أجل دعم استقرار الاقتصاد وكان ذلك طريقة النظام في السعي إلى تحقيق شرعية الإنجاز كما أن النظام تودد للمؤسسات الدينية مثل الأزهر ودار الإفتاء لتعزيز شرعيته الدينية .

وبالإضافة إلى سعي النظام إلى الشرعية بأشكالها المختلفة فإنه بدأ كذلك بالتركيز على استخدام القمع ضد المجتمع وهذا ما تبين في طريقه اختياره لشخصيات معينة لشغل منصب وزير الداخلية اشتهرت بقسوتها ( مثل زكي بدر ) وقد أسفر وجود شخصيات أمنية مثل بدر عن جعل سياسات الدولة نحو المجتمع أكثر عنفا من ذي قبل فضلا عن أن استخدام القمع فشل في حل مشكلات الدولة مع الإرهاب لذي أصبح ظاهرة متفشية بوضوح في التسعينات .

ومن ناحية أخري واصل الإخوان ترسيخ القاعدة الاجتماعية لشرعيتهم عبر تحسين خدمات الاجتماعية وتطوير عقد اجتماعي إسلامي نافس العقد الاجتماعي القديم للنظام وعلى رغم أنه لا يقارن بالعقد الاجتماعي للدولة بما أن موارده محدودة فقد تميز بالكفاءة والتنظيم فقد جري توظيف التنظيم وأقسامه الداخلية وشبكاته في عملية الاتصال والتنسيق بين الإخوان الموجودين في مختلف الفضاءات ( النقابية والجامعية) ما زاد من فاعلية الخدمات التي كانوا يوفرونها وقد ساعدت هذه الشبكات التنظيمية على تحسين الخدمات التي كانوا يؤفرونها وقد ساعدت هذه الشبكات التنظيمية على تحسين الخدمات التي يقدمها الإخوان وعمقت من تعاطف المستفيدين منها مع الإسلاميين المعتدلين وهددت والضوابط المركزية وحدود النظام على هذه الفضاءات .

وزادت حدة مأزق مبارك مع الشرعية نتيجة للتقدم الكبير الذي أحرزه الإخوان في المجتمع وفي السياسة ( بحصولهم على 36 مقعدا في مجلس الشعب ) لكنه لم يتراجع عن سياساته التصالحية بما أن ذلك كان سيؤثر سلبا في صورته داخل مصر وخارجها ومع ذلك فقد وضع مبارك قيودا على روح التسامح هذه ولا سيما في تجربة شركات التوظيف وعموما فقد تسامح مع الشرعية الاجتماعية غير الرسمية التي اكتسبها الإخوان في النقابات واتحادات الطلبة طالما أنها ظلت قائمة على خدمات اجتماعية ولم يجر تسييسها أو استخدامها في معارضة السياسات الإستراتجية للنظام إلا أن ذلك لم يستمر في التسعينيات إذ تخلت الجماعة عن بناء شرعيتها الاجتماعية بهدوء وبدأت في تسييس هذه الشرعية للضغط على النظام للاعتراف بها رسميا وهو تطور استفزز النظام وقادة إلى تغيير علاقته بالإخوان كما سأشرح في الفصل الخامس.

الفصل الخامس

تسييس الشرعية ( 19901994)

يمكن القول ن فترة التسعينيات كانت هي الفترة الجوهرية لتغير علاقة مبارك بالإخوان من المهادنة والتسامح إلى الصراع وعوامل ذلك كثيرة ولكني في هذه الدراسة ركزت على بعد تنافس الطرفين على الشرعية ووصول هذا التنافس في لتسعينات إلى درجة لم يعد يطيقها النظام فابتداء من التسعينيات وصاعدا لم يكتف الإخوان بمراكمة شعبية مجتمعية كما كانوا يفعلون طوال فترة الثمانينيات وإنما بدأوا مرحلة جديدة من " تسييس" هذه الشرعية على نحو متزايد في المجتمع وبتعبئة مناصريهم من الطبقة المتوسطة ( أو المستفيدين من خدماتهم من المهنيين وغيرهم ) ضد السياسات الاستراتيجية التي ينتهجها النظام بما في ذلك سياسة النظام في حرمانهم من الشرعية القانونية وكما ذكرت فإن الدافع من وراء تسييس الشرعية التي حصل عليها الإخوان من النقابات والجامعات هو خلق رأي شعبي عام يدعم مطالب الحركة التاريخية في أن تعترف بها الدولة وقد نظر النظام إلى ذلك التطور على انه خروج الحركة من سيطرة الدولة التي كانت في الماضي تمسك بخيوط مصير الجماعة من خلال هيمنتها على المحاك ( التي طالما رفضت مطالب الإخوان بالشرعية القانونية ) أو لجنة الأحزاب ومجلس الشعب ( الواقع تحت سيطرة الحزب الوطني , الذي لن يسمح بإعطاء شرعية حزبية للجماعة ) وتسييس شرعية الخدمات بالتالي كان يعني للنظام الشارع هذه المرة وليس عن طريق المحاكم أو مجلس الشعب للتحري ضد سياسة النظام وإصرار النظام على حجب المشروعية القانونية عنها وهو ما استفز الرئيس مبارك شخصيا .

ولكن التسعينيات جاءت محملة أيضا بتطورات ا أخري محلية إقليمية ودولية أثرت في تصورات الدولة عموما نحو المعارضة ( ولا سيما المعارضة الإسلامية ) وجعلتها تعتمد بشكل متزايد على القمع بدلا من المصالحة فقد شهد عقد التسعينيات نهاية الحرب الباردة وبروز الولايات المتحدة كقوة عظمي وحيدة في الشرق الأوسط وفي العالم وبطريقة أو بأخرى فرضت أمريكا ضغوطا على العديد من الأنظمة العربية لكي تنصاع إلى الترتيبات الجيوساسية لجديدة وبما أن كان ينظر إلى الإسلاميين على أنهم معارضون أقوياء لأغلب هذه الترتيبات وبخاصة تطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل ( كما تجلي جزئيا في الاتفاقية التي توصل إليها الفلسطينيون والإسرائيليون في العام 1993) برزت الحاجة إلى قمعهم أكثر من أى وقت مضي .

وفي ما يتعلق بالنظام المصري . إزاء بعض التطورات الإقليمية فقد زاد تخوف النظام من الإخوان بسبب العلاقات التنظيمية التي تربط الجماعة بحركة حماس الفلسطينية وبسبب الفوز غير المتوقع الذي أحرزه الإسلاميون في الجزائر في انتخابات العام 1992 وإلى جانب حرب الخليج التي اندلعت في العام 1991 والهزة الأرضية التي ضربت مصر في العام 1992 وفرت هذه التطورات سياقا قويا يمكن للإخوان تسييس شرعيتهم من خلاله كما سنري فعندما وقعت الهزة الأرضية حيث تفوقت جهود الإغاثة التي بذلها الإخوان على الجهود التي بذلتها الدولة اهتزت صورة النظام في الخارج وهو ما زاد من حساسية مبارك تجاه ممارسات التسييس التي قام بها الإخوان خلال هذه الفترة .

وبالإضافة إلى ما تقدم اهتزت صورة النظام بدرجة كبيرة أيضا بسبب تصاعد عمليات العنف من المتطرفين التي استهدفت السياح الغربيين والمسئولين في الدولة كما أن عجز النظام عن السخط العام حملة على زيادة التركيز على أدائه الاقتصادي بدلا من تقديم تنازلات سياسية للمعارضة ويمكن القول إنه في عقد التسعينيات أصبحت شرعية الانجاز هي " الشكل المهيمن" من أشكال الشرعية بالنسبة إلى النظام بدلا من الشكلين القانوني والشعبي اللذين تراجعت أهميتهما نسبيا وقد توقع النظام أن تمكنه التنازلات التي قدمها إلى صندوق النقد الدولي من توليد منافع نعم كافة المصريين مما يمكن أن يعيد ثقتهم بالدولة على المدى الطويل ولكي يشرع النظام في الإصلاح احتاج إلى تعزيز تحالفه مع نخبة جديدة هي فئة رجال الأعمال التي بدأ يبرز نفوذها بشكل متزايد في الميدانيين الاقتصادي والسياسي منذ مستهل عقد التسعينيات وبالتالي أصبح رجال الأعمال هم القوي الجديدة السائدة في هذا العقد وبدأ لنظام باستغلالهم سعيا إلى تعزيز شرعيته ويمكن أن تقول إذا أن نتاج جميع هذه التحولات كان مزيدا من الليبرالية الاقتصادية ومزيدا من القمع السياسي .

أما القمع السياسي فقد تجلي بوضوح في انتخابات 1990 ( مقارنة بانتخابات 1987 وبالتأكيد 1984) التي سنناقشها الآن وأهدف من وراء ذلك أن أشير إلى أن مبارك لم يعد يراهن على الميدان السياسي في تعزيز شرعيته ( كما كان الحال في الثمانينيات ) وإنما باعتبار سعيه إلى تحقيق شكل مهيمن من أشكال الشرعية شرعية الإنجاز بات يعطي اهتماما أكبر للميدان الاقتصادي وتحالفاته مع رجال الأعمال الليبراليين .

أولا : مبارك وانتخابات العام 1990

قبل النظام من جديد وفي ظروف مشابهة للظروف التي كانت سائدة في انتخابات العام 1984, بالحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا بأن النظام الانتخابي الذي جري تبنيه في انتخابات العام 1987 لم يكن دستوريا ( بما أنه لم يضمن المساواة الكاملة بين المرشحين المستقلين المرشحين على القوائم الحزبية) وبناء عليه تم حل مجلس الشعب والدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة في العام 1990 , وقد تعامل النظام مع هاذ الحكم باستبدال النظام الانتخابي الذي اعتمد على القوائم , والذي طبق في العامين 1984, 1987 بنظام جديد للمرشحين المستقلين وهذا يعني أنه سيقتصر خوض الانتخابات هذه المرة على أساس فردي , وليس على أساس حزبي كما كان الوضع في انتخابات سنة 1984 وبموجب ذلك يمكن للأحزاب أن تقدم مرشحيها وأن تدعمهم ولكن هؤلاء المرشحين سيخوضون الانتخابات كأفراد في دوائرهم الانتخابية المعنية وإن كان سيسمح لهم بالإعلان عن انتماءاتهم الحزبية وكان من نتائج هذا التغيير أنه ألغي تلقائيا نسبة الثمانية بالمئة من الأصوات التي كان ينبغي أن تحصل عليها الأحزاب كحد أدني كي تدخل إلى مجلس الشعب وبالإضافة إلى ذلك وكما نص القانون الانتخابي السابق فقد زاد عدد الدوائر الانتخابية من 48 دائرة إلى 222 دائرة بحيث صار يحق لكل دائرة انتخاب مرشحين يتعين على أحدهما على الأقل أن ينطبق عليه الوصف الرسمي بأنه من العمال وبالقبول بالأحكام لتي أصدرتها المحكمة بدا أن السلطة التنفيذية ( الحكومة ) تحترم مبدأ فصل السلطات وأنها لا تزال حريصة على شرعيتها القانونية .

شكك الإخوان المسلمون وأحزاب المعارضة الرئيسية الوفد , والعمل , الأحرار في نوايا النظام وقرروا مقاطعة الانتخابات مجادلين بأنه لم يتم التشاور معهم بشأن الإصلاحات وبشأن قانون الطوارئ وبأن الانتخابات ما تزال تجري تحت إشراف وزارة الداخلية وليس وزارة العدل يضاف إلى ذلك أن تقسيم الدوائر الانتخابية اعتبر إستراتيجية أخري من استراتيجيات النظام لتأمين فرص أكبر لفوز مرشحي الحزب الوطني الذين سيترشحون كأفراد ويتمتعون بتمويل خاص من الحكومة .

وفي حين أن النظام تسامح مع المعارضة في العامين 1984, 1987 وتجاوب مع العديد من انتقاداتها فإنه وصل إلى مرحلة كان فيها على استعداد لتجاهل مطالب المعارضة وتهديداتها بالمقاطعة عام 1990 والسبب هو أن مبارك لم يعد متحمسا لمشاركة المعارضة في العملية السياسية كما كان في الثمانينيات ولم يكن قلقا من تداعيات مقاطعتها على شرعيته السياسية كما كان في بداية وصوله إلى السلطة في عام 1981 وبناء على لذلك فقد حقق الحزب الديمقراطي فوزا متوقعا في انتخابات مجلس الشعب سنة 1990 إذ حصل على 360 مقعدا من أصل 444 مقعدا ( بالمقارنة مع 309 مقاعد حصل عليها في العام 1987) في حين أن عدد مقاعد المعارضة تراجع بسبب المقاطعة من 96 مقعدا في العام 1987 إلى 29 مقعدا وهي مقاعد شغلها في الأساس يساريون ( حزب التجمع ) وناصريون قرروا عدم مقاطعة الانتخابات وقد بالغت التقديرات الرسمية في تقدير نسبة مشاركة المصوتين مدعية بأن النسبة وصلت إلى 45 بالمئة في العام 1990 أن تقديرات مستقلة أشارت إلى أن نسبة المصوتين لم تتجاوز 20 بالمئة – مقارنة بنسبة 50 بالمئة في العام 1987 – ممن يحق لهم التصويت وكان ذلك مؤشرا قويا على شرعية العملية السياسية من عدمها في نظر المعارضة والمجتمع .

وجاء التغير في موقف النظام نتيجة التطورات حصلت على مدي عقدين فقد وصل مبارك إلى السلطة في بداية الثمانينيات وفي ظل ظروف مضطربة وقتئذ وكان بحاجة إلى تهدئة العلاقة بين الدولة والمجتمع وإلى التودد إلى المعارضة ولكن كما هو الحال مع أغلب القادة العرب الذين ما يزالون في السلطة منذ وقت طويل واستطاعوا تثبيت مراكزهم في الجيش وفي الأجهزة الأمنية بدأ مع الوقت بتغيير سياساته وتعديل أولوياته كما أن عقد التسعينيات شهد تدهورا في الظروف الاقتصادية أكثر من ذي قبل تطلب تدخلا وإدارة أوسع من قبل الدولة حتي وإن تم على حساب الحريات السياسية والاجتماعية ويضاف إلى ذلك أن النظام عشر بخيبة أمل من المعارضة لأن كان يتوقع منها أن تكون أكثر دعما وتأييدا لسياساته الاجتماعية والاقتصادية واعتبرت المعارضة التي تعاني الضعف الانقسام أصلا أنها تستغل الحرية المحدودة التي منحتها إياها الدولة في انتقاد النظام والمزايدة على أدائه ما أفاد المتطرفين في النهاية وعمق من حالة الإحباط في المجتمع .

وقد فشلت محاولة استيعاب الإسلاميين ( الإخوان ) وباقي أطياف المعارضة في العملية السياسية في منع تنامي العنف الموجه ضد الدولة كما أن عملية استيعاب المعارضة لم تساعد على تحسين الظروف الاقتصادية وفي ما يتعلق بالنقطة الأخيرة فقد استعمل حزب الوفد والإخوان المسلمون مجلس الشعب كمنبر للتحذير من تداعيات دخول مصر في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن خصخصة القطاع العام وجادلوا بأنه ينبغي أن يسبق أى إصلاح اقتصادي المزيد من الإصلاح السياسي وفي الوقت الذي كان فيه مبارك يحذر شعبة من أن الزيادة في عدد السكان ستعني زيادة في استهلاك الدعم الذي تقدمه الدول والوصول إلى مرحلة " تتوفر فيها أموال لدي الدولة لدعم أى شئ " كان حزب الوفد ينظم تجمعات ويقول لمناصريه إن " وحدة البرلمان الشرعي , وليس البرلمان غير الشرعي " هو القادر على إخراج البلاد من أزماتها الاقتصادية وقد رأي النظام أنه لن يستطيع أن يحقق الإصلاح الاقتصادي ( من خلال عملية الخصخصة) من دون أن يضمن درجة أكبر من الانسجام بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وأدني قدر من ضجيج المعارضة في المجلس وبناء على ذلك تبين أن وحدة الوجود الضعيف للمعارضة السياسية والحضور المتزايد لرجال الأعمال في مجلس الشعب سيمكن النظام من تسريع مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي ويضمن إصدار التشريعات اللازمة لهذه العملية وسيخدم وجود معارضة شكلية برئاسة حزب التجمع اليساري ( بمقاعده الستة في مجلس الشعب وحسب) انتقاد الخصخصة كبرهان على استمرار وجود هامش ديمقراطي في العملية السياسية وسيتم التخفيف من الإحباط الشعبي عن طريق دور التجمع في " تنفيس حالة الاحتقان " في الشارع السياسي .

وقبل أن أتناول تفاعلات الإخوان في الميدان الاجتماعي سأناقش باختصار موقفهم من تفاعلهم في الميدان السياسي بمقاطعة انتخابات عام 1990 والمحاولات الفعلية ( وإن لم تكن ناجحة ) لتشكيل حزب سياسي .

ثانيا : الإخوان المسلمون يقاطعون الانتخابات

قرر الإخوان المسلمون مقاطعة انتخابات العام 1990 لأسباب لم تكن واضحة , على الرغم من تأكيدهم أن المقاطعة كانت ردا على الفساد السياسي وعلي استمرار العمل بقانون الطوارئ ويجادل حسنين إبراهيم وهو باحث مستقل بأن المقاطعة تعود إلى شعورهم بالإحباط من مجلس الشعب وعدم قدرتهم على طرح تعديلات في ما يختص بالشريعة غير أن حقيقة أن الإخوان قرّروا المشاركة بقوة في الانتخابات في العامين 1995 , 2000 تظهر أن الحركة حافظت على انفتاحها على مجالات التأثير كافة وظلت تتصور البرلمان فضاء لا يستغني عنه في عملية الإصلاح وجادل آخرون بأن الإخوان قرروا مقاطعة الانتخابات بناء على اتفاق مع حزب الوفد ومع التحالف الإسلامي بعد أن أدركوا أنه من المستحيل أن ينجحوا والمعارضة في تغطية جمع الدوائر الـ 222 كما نص النظام الانتخابي الجديد.

ولكن بعيدا عن الأسباب التي وقفت خلف مقاطعة الإخوان للانتخابات فقد شكل القرار في حد ذاته مؤشرا على القوة التي استطاعت الحركة بناءها

بالمقارنة الوضعية الضعيفة التي حكمت نهجها السياسي خلال عقد الثمانينيات ومع شعور مبارك بالارتياح بسبب غياب الإخوان عن مجلس الشعب فقد شكل قرارهم بمقاطعة الانتخابات النزاع أو التوتر الرسمي الأول بينهم وبين النظام وتقر احدي الوثائق الداخلية غير المنشورة للإخوان بأنه بالإضافة إلى موقفهم من حرب الخليج ومعارضتهم للتمديد لمبارك فترة رئاسية ثالثة في العام 1993 فقد شكل قرار الحركة بمقاطعة الانتخابات تفسير آخر لغضب النظام وسببا لكي يتراجع عن سياسته التصالحية نحو الجماعة ( راجع نص الوثيقة في ملحق الكتاب ) .

وقد انتقد عصام العريان وهو قيادي في الإخوان ونائب سابق في مجلس الشعب في العام 1987 قرار الحركة بمقاطعة الانتخابات معتقدا أن غياب الحركة عن البرلمان ساهم في تشجيع النظام لاتخاذ قراره بالدخول في مواجهة معها .

وعلى الرغم من مقاطعة الإخوان لانتخابات عام 1990 إلا أنه كانت هناك محاولات ( وإن كانت فردية ) جادة لتشكيل حزب سياسي للإخوان وهو ما تجلي في تجربتي حزب الأمل وحزب الوسط وقد حرصت على توثيق هذين التجربتين بالالتقاء بمن كان وراءهما لأن الدراسات السابقة عن الإخوان لم تعطهما حقهما من المناقشة وأبدأ بتجربة حزب الأمل التي وقف وراءها عضو الجماعة محمد السمان .

وبرزت فكرة تشكيل حزب الأمل التي طرحها وعمل على تنفيذها في التسعينيات كما قلت محمد السمان ( وهو أخ من الإخوان وعضو ناشط من نقابة المهندسين ) وجاءت الفكرة كردة فعل للسياسات القمعية التي تبناها النظام ف يحق الإسلاميين في النقابات ( التي تجسدت في القانون رقم 100 للعام 1993 ) وكانت الفكرة إذا هي بمثابة محاولة كبح في سياسة قمع النظام للوجود الإخواني في النقابات وغيرها من الفضاءات من خلال تقنين وجود الجماعة في حزب سياسي ويقول السمان إن فكرة الحزب كانت مسعي فرديا لم يجزها التنظيم بصورة رسمية لكنها محاولة حظيت بتأييد العديد من أعضاء النقابات والعمال ( وهم الذين يشكلون50 بالمئة من عضوية الحزب امتثالا لما ينص عليه قانون الأحزاب ) ويقول السمان إنه عض الحزب في البداية على لجنة الأحزاب على أنه يمثل العمال وأنكر أى صلة له بالإخوان المسلمين لكنه اعترف بأنه لو كان الحزب قد حصل على الموافقة من اللجنة لكان على استعدادا لوضعه تحت تصرف الإخوان وإدارتهم :" عندما درست لجنة الأحزاب طلبي حرصت على إبعاد نفسي عن الإخوان , واحتجبت عن الظهور في وسائل الإعلام وشددت في بياناتي ومقابلاتي مع الصحافة على أنه لا علاقة للحزب بالإخوان حتى إن حرصت على أن يكون وكلاء وأنصار الحزب المباشرون من غير الإخوان المسلمين "

وقد أعطاني السمان نسخة من برنامج حزب الأمل الذي بدا أبسط بكثير واقل إثارة للجدل السياسي من برنامج كل من حزب الإصلاح وحزب الشورى ( راجع الفصل الثالث ) فقد ركز برنامج الأمل على خمس قضايا هي : المخدرات والسياحة والإصلاح الاقتصادي ودور الدين والأخلاق في المجتمع المصري وفي ما يتعلق بالإرهاب شدد على الحاجة إلى توسيع المشاركة الشعبية والفرص المتاحة لكافة التيارات الحزبية للتعبير عن نفسها وقيامها بدورها في مساعدة المجتمع تطويره وفي ما يتعلق بالإصلاح الاقتصادي رأي أنه ينبغي إعطاء الأولوية للتنمية الاقتصادية من خلال زيادة الصادرات وتطوير السياحة وتحسين أداء قناة السويس والتركيز على الصناعة والزراعة كمصدرين مهمين للعائدات ورغم عمومية مواد البرنامج إلا أن لجنة الأحزاب رفضت البرنامج لأسباب شكلية على حد تعبير السمان كما رفضته المحكمة لدي استئناف السمان القرار في العام 1988 , ويصر السمان على القول إن حزب الأمل في الحقيقة رفض بناء على افتراض النظام بأنه يمثل واجهة غير مباشرة للإخوان المسلمين .

وفي ما يتعلق بتجربة حزب الوسط فقد التقيت بمؤسسة أبي العلا ماضي الذي أعطاني أيضا نسخة من برنامج الحزب وقد تأسس حزب الوسط في عام 1996 على يد مجموعة من المهندسين بقيادة أو العلا ماضي وصلاح عبد الكريم .

ورفضته كل من لجنة الأحزاب والمحكمة للسبب نفسه – صلته بالإخوان وقد انتمي جيل ماضي وعبد الكريم إلى الجيل نفسه الذي انتمي إليه السمان وكانوا يتمتعون بشعبية قوية في النقابات التي سيطروا عليها إلا أن برنامج حزب الوسط اختلف كثيرا عن برنامج حزب الأمل في أنه طور أكثر من برنامج حزب الوسط اختلف كثيرا عن برنامج حزب الأمل في أنه طور أكثر من برنامج حزب الإصلاح الأكثر شمولية من برنامج حزب الأمل ( راجع الفصل الثالث ) ولا سيما ما مثل الرؤية الجديدة للتنظيم في ما يختص بالحزبية والمرأة والأقباط وإمكانية استيعابهم في عضوية حزب للإخوان .

وقد أكد كل من حزبي الأمل والوسط اللذين ترأسهما ناشطون نقابيون وليس سياسيين بالمعني التقني للنظام أن وجود الإسلاميين في النقابات لم يكن مسعي " بريئا " وإنما وسيلة مبدئية لتحقيق تطلعاتهم السياسية في ما بعد ومنافسة الدولة على السلطة .

ويمكن القول إنه في ظل غياب منابر سياسية رسمية يعبر الإخوان من خلالها عن آرائهم ومطالبهم فقد اتخذ نشاطهم في النقابات وفي الجامعات اتجاها أكثر تسيسا من ذي قبل ولا سيما مع زيادة الدولة إجراءاتها القمعية .

ثالثا : تسييس الشرعية

أحد الأسباب المهمة التي دفعت إلى التسيس المتزايد للنقابات والجامعات هو غياب منبر سياسي بديل وفاعل للإخوان الذين بقوا محرومين من الوجود القانون وإن تم التسامح معهم لأسباب تكتيكية والسبب الذي أعطي عملية التسييس هذا الأثر في النظام هو أنها أعقبت فترة من الأداء المدهش والمنظم في ميدان الخدمات الاجتماعية التي حظيت بدعم قوي من التنظيم وبعبارة أخري لم يكن التسيس ليصبح على هذا القدر من القوة لو لم تتوفر قاعدة اجتماعية من المستفيدين تدعم الحركة هيكل تنظيمي قوي ينقل هذه الإنجازات إلى ما وراء فضاءاتها المحدودة ( تحدثت باستفاضة عن قوة الهيكل التنظيمي للإخوان في الفصل الرابع )

فخلال السنوات الخمس التي غاب فيها الإخوان عن مجلس الشعب ( من العام 1990 إلى العام 1995) زادت الحركة من تركيز أنشطتها في النقابات وعلى الفرص السياسية التي توفرها الفضاءات النقابية العام1992, استطاعت الجماعة تحقيق نجاح غير متوقع في انتخابات مجلس نقابة المحامين واستنادا إلى نبيل عبد الفتاح أحد الذين درسوا الظاهرة الإخوانية في النقابات عن قرب , كان ذلك أحد أبرز الأحداث السياسية في مصر منذ اغتيال السادات في العام1981 وذلك لأن النظام نظر إلى فوز الإخوان في نقابة المحامين بطريقة مختلفة تماما , ويرجع السبب في ذلك إلى أن نقابة المحامين على العكس ربما من نقابة الأطباء أو نقابة المهندسين تشكل فضاء مسيسا بطبيعته ولذلك وفرت بصورة تلقائية أرضية أكثر قابلية للتعبئة والحشد الجماهيري وقال لى رجل حسن الاطلاع ( رفض ذكر اسمه) ولديه اتصالات جيدة في أبو ظبي إن الرئيس مبارك لما زار الإمارات العربية المتحدة في أعقاب فوز الإخوان غير المتوقع في نقابة المحامين أشار إلى الشيخ زايد آل نهيان بالقول مندهشا :" هل يمكنك أن تصدق بأن الإخوان فازوا في الانتخابات في نقابة المحامين ؟ أعتقد أنهم إذا نافسوني في انتخابات رئاسية فسوف يفوزون في تلك الانتخابات أيضا !" وربما كانت تلك رواية مشكوكا في صحتها وربما كان تعليق مبارك مبالغا فيه ولكنه في كل الأحوال يوضح حجم النفوذ الذي وصل إليه الإخوان خلال عقد التسعينيات ووقع ذلك على النظام .

إضافة إلى نقابة المحامين فقد واصل الإخوان توسيع الخدمات التي يوفرونها وذلك قبل أن يتدخل النظام ويوقف كافة نشاطاتهم ففي نقابة المهندسين التي تضم أكثر من 230000 عضو مثلا ارتفع عدد المستفيدين من برنامج الرعاية الصحية بنسبة 36 بالمئة منذ العام 1989 في حين ارتفع عدد المستفيدين من برنامج التكافل الاجتماعي الذي وفر قروضا دون فوائد أو مساعدات في العام 1993 بنسبة 57 بالمئة مقارنة بالعام 1991 عندما بدأ المشروع الأمر نفسه انطبق على نقابة الأطباء التي ارتفع عدد المستفيدين فيها بنسبة 54 بالمئة في العام 1993 مقارنة بالعام 1988 كما تضاعف عدد المستفيدين من برنامج التكافل الاجتماعي وارتفع من 3500 إلى 7000 خلال ستة شهور فقط في العام 1993 .

ويمكن الاستدلال على موقف المنهيين من أداء الإخوان من ارتفاع عدد المشاركين في انتخابات النقابة ففي انتخابات نقابة الطب التي جرت في العام 1990 مثلا أدلي حوالي 22000 بأصواتهم لصالح الإخوان مقارنة بالسنة السابقة عندما صوت 17000 للإخوان .

وسنري الآن كيف عملت الجماعة على تسييس ما اكتسبته من شرعية اجتماعية داخل النقابات ( والجامعات 9 مع التركيز على حادثتين استفز النظام تعامل الإخوان معهما وهما : حرب الخليج في العام1991 والزلزال الذي طال مصر في العام 1992 :

1- حرب الخليج

سارع الإخوان إلى إدانة الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس / آب 1990 , وجاءت مطالبتهم للرئيس لعراقي السابق صدام حسين بسحب قواته من الكويت منسجمة مع الموقف الذي اتخذه النظام المصري ولكن سرعان ما أوجد التدخل التدخل الغربي في الأزمة عامل توتر جديدا بين مبارك والإخوان الذين أدانوا التدخل واحتجوا على قصف العراق وعلى رغم غيابهم عن مجلس الشعب ( بحكم مقاطعتهم لانتخابات لعام 1990) إلا أن الإخوان وظفوا سيطرتهم على النقابات للتعبير عن آرائهم السياسية المعارضة لموقف النظام المؤيد للحرب وقد اعتبر النظام أن الإخوان يستغلون استغلال سيئا الفضاءات التي سمحت الدولة بوجودها ( أى النقابات ) لتحريك وتعبئة الطبقة الوسطي من المهنيين ضد الشرعية الشعبية للرئيس الذي أمر الجيش المصري بالمشاركة في التحالف الغربي ضد بلد عربي مجاور ( وهو ما أزعج مبارك شخصيا ) كما ان النظام اعتبر أن الإخوان بدأوا ينسقون بين موارد هيكلهم التنظيمي كحركة وموارد النقابات ( كأعضاء في مجلس الإدارة ) لشن حملة أكثر قوة وفاعلية ضد النظام .

وبالفعل فقد بدأت النقابات التي يسيطر عليها الإخوان بتشكيل تحالفات تنسيقية بين أنشطتها في ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ النقابات منذ العام 1952 إذ تشكلت لجنة باسم " تنسيق العمل النقابي ط ولم تكن الفكرة من تشكيل هذه اللجنة أمرا جديدا تماما وإنما فكر فيها الإخوان منذ سيطرتهم على النقابات في الثمانينيات ولكن الفكرة تحققت في التسعينيات ردا على الجهود التي بذلتها الدولة لإنشاء اتحاد للنقابات المهنية شبيه باتحادات العمال لتمكينها من امتلاك مزيد من النفوذ ولمواجهة النفوذ النقابي المتنامي للجماعة وأدان اللجنة تنسيق العمل النقابي في بيان شديد اللهجة واعتبر مستفزا للنظام الوجود الغربي وحمل الحكومة المسؤولية عن سلامة المصريين الذين يعملون في الكويت وفي العراق .

وقد أجبر النظام الذي استفزته كما قلت نبرة البيان رؤساء النقابات التي كانت خارج نطاق سيطرة الإخوان على الانسحاب من عضوية اللجنة وعلى الامتثال لسياسة الرسمية التي أعلن عنها النظام ولا شك في أن انسحاب أعضاء بعض النقابات من اللجنة أضعفها ولكنه لم يقو على إنهاء حملتها السياسية التي استمرت ضد النظام وفي بيان ثان صدر طبعا باسم عدد أقل من النقابات هذه المرة أدانت لجنة العمل النقابي شدة مشاركة القوات المصرية في الحرب على العراق ودعت إلى عودة الجيش على الفور وقد ساهم عصام العريان . الأمين العام السابق لنقابة الأطباء في صياغة البيان وهو يعتقد أنه شكل نقطة تحول ( أو القشة التي قصمت ظهر البعير ) في العلاقات بين مبارك والإخوان المسلمين فاستنادا إلى العريان :" أنا أري أن البيان الثاني كانت هو القشة التي قصمت ظهر البعير فعندما اجتمعنا في نقابة الأطباء لكتابة البيان .

صغناه بطريقة استفزازية جدا وعندئذ قلت بأن النظام قال في نفسه ," هذا يكفي " لقد تجاوزت النقابات حدودها " وهذه الحدود أو ما يعتبرها النظام خطوطا حمراء هي : الجيش والسياسة الخارجية للدولة ".

وسرعان ما أصبح الموقعون على البيان ضحايا حملة منظمة لتشويه سمعتهم صاغتها وسائل الإعلام والمسئولون الناقدون مثل يوسف وإلى كمال الشاذلي الذين اتهموا الإخوان بـ " عدم الإخلاص " وبـ " الخيانة" وبتلقي أموال من صدام . وأصبحت النقابات هي المحور الجديد لانتباه الأجهزة الأمنية وتدخلها وتعرض العشرات من الأعضاء الذين كان اغلبهم أعضاء في الحركة أيضا للمضايقة والاعتقال .

ومن ناحية أخري كانت الحركة ما تزال قادرة على الرغم من وحشية النظام في تعامله مع الإخوان على تعريض شريعة النظام الدينية للتساؤل , من خلال ما اعتبرته تحالف دولة مسلمة مع قوة كافرة ( هي الولايات المتحدة) ضد دولة مسلمة أخري ( العراق ) ولا شك في أن النظام انزعج من مثل هذه المقاربات ما اضطر الحزب الوطني الذي يترأسه مبارك إلى التأكيد أن " مصر ليست دولة علمانية وإنما هي دولة إسلامية , وإلى تقديم نفسه كممثل للفهم الصحيح للدين الإسلامي وبالتالي لا تناقض سياساته الدين كما يزعم ذلك معارضوه الإسلاميون وحتى آخر لحظة ظلت الشرعية الدينية مهمة بالنسبة إلى النظام ومع ذلك لم يكف الإخوان عن التسبب في مزيد من إزعاج النظام بتسييس شرعيتهم الاجتماعية كما تجلي بوضوح أكبر في حادثة الزلزال .

2- حادثة الزلزال

شكلت الهزة الأرضية التي طالت مصر في العام 1992 حدثا آخر لم يكشف للدولة عن مدي قوة الهيكل التنظيمي للإخوان وحسب بل أظهر كيف يمكن أن توظف تلك القوة سياسيا أيضا فمرة أخري وظف الإخوان مواردهم في النقابات فضلا عن مواردهم في التنظيم خارج سور النقابات في إنقاذ ضحايا الزلزال فقد استفاد الإخوان من وجودهم داخل نشيج المجتمع وفي المناطق الحضرية والريفية مع وجودهم في النقابات للتنسيق بين هذه المساحات والفضاءات لضمان نقل سريع وفاعل لمواد الإغاثة وتسخيرها في إنقاذ الضحايا والفضاءات الحضرية والريفية مع وجودهم في النقابات للتنسيق بين هذه المساحات والفضاءات لضمان نقل سريع وفاعل لمواد الإغاثة وتسخيرها في إنقاذ الضحايا وجري القيام بذلك بطريقة منسقة ومنظمة فاقت أداء الدولة نفسه واستنادا إلى عضو ناشط من الإخوان الذين كانوا مسئولين عن إيصال المساعدات من نقابة الأطباء إلى المناطق المتضررة كان تنفيذ العملية شبه مستحيل دون شبكة الاتصالات التي وفرها التنظيم :" كيف السبيل إلى الوصول إلى الضحايا لولا أن أعضاءنا الذين يقيمون في تلك المنطقة أعطونا فكرة عن حجم الأضرار؟ من خلال هؤلاء المعارف في الجماعة تمكنا من نقابة الأطباء من توزيع مساعداتنا المالية والعينية بطريقة مناسبة وإلا لما كنا سنعرف المحتاجين وماذا يحتاجون .

واستحوذ أداء الإخوان في أثناء الهزة الأرضية على الانتباه داخل مصر ولكن ما أزعج النظام أنه أستحوذ على الانتباه في الخارج أيضا فقد أشارت وسائل الإعلام الغربية إلى التباين بين نجاح الإسلاميين وفشل النظام في إنقاذ الضحايا واستخدمت ذلك في التلميح إلى إمكانية وصول الإسلاميين إلى السلطة في مصر وهذا النجاح, بالإضافة إلى الأخبار التي تحدثت عن اتصالات وحوار بين مسئولين أمريكيين وقيادة الإخوان المسلمين عمّق لا شك من مخاوف النظام وقد كان مبارك في زيارة إلى الصين لما وقع الزلزال فعاد إلى مصر على الفور ليس بالضرورة من أجل الإشراف أو تنسيق الجهود التي تبذلها الدولة وإنما لأنه بدا قلقا من اهتزاز وتشوه صورته في الخارج .

ولم تتفاقم مخاوف مبارك من التقارير الإخبارية التي كانت تذيعها محطة " سي. إن . إن " ومحطة " بي . بي. سي " وحسب . اللتان سلطتا الضوء على إنجازات الإسلاميين وعلى تأثيرهم المتنامي في المجتمع المصري بل مما اعتبره استغلال سياسيا من جانب الإخوان للزلزال ففي غمرة جهود عملهم الإغاثي رفع الإخوان على الخيام التي كانوا ينصبونها للمتضررين وعلى واجهات مقرات ومراكز الإغاثة شعار" الإسلام هو الحل" وهو الشعار الذي استخدمته الحركة خلال حملتها السياسية في انتخابات العام 1987 وقد انتقد أبو العلا ماشي مؤسس حزب الوسط الذي استقال من الإخوان وأصبح إسلاميا مستقلا استخدام الجماعة هذا الشعار في هذه الظروف لأنها أكدت وجهة النظر المشككة التي تقول إن الإخوان يستغلون المآسي في الإدلاء ببيانات سياسية غير مناسبة وليس أبو العلا من انتقد استخدام الشعار السياسي في أثناء حادثة الزلزال وإنما كان يشاركه العريان أيضا فيعتقد العريان أن النظام كان ربما سينظر بعين التقدير إلى الجهود الإغاثية التي بذلها الإخوان لو أن إسهامهم كان إنسانيا صامتا وغير مسيس وكدليل على ذلك أشار العريان الذي لعب دورا نشطا في جهود الإغاثة ( من خلال عضويته في نقابة الأطباء ) إلى محادثة جرت بينه وبين رئيس أمن القاهرة:" أكد لى رئيس أمن القاهرة أن الحكومة سعيدة بما نقوم به ( كإخوان مسلمين) وشجعني على الاستمرار في توزيع البطانيات وتوفير المأوي للناس ولكنه لم يكن سعيدا براياتنا وشعاراتنا السياسية الإسلام هو الحل " ووافقت نقابة الأطباء على إزالة الرايات ولكن من سوء الحظ أنه كان يأتي إخوان من خارج النقابة فيعيدون نصب الرايات مجددا "

لقد بدا للنظام أن الإخوان في النقابات يعملون كـ " حكومة ظل " أو كما قال أحمد النحاس وهو عضو في الإخوان وأمين صندوق نقابة المهندسين في الإسكندرية إن النقابات صارت هي " المتحدث السياسي " باسم الإخوان المسلمين ولم يقتصر هذا التصور للنقابات في أثناء حرب الخليج أو حادثة الزلزال وحسب بل في القضايا العامة الأخرى أيضا فحسب اعتراف النحاس :" بالفعل وفرت لنا النقابات فضاء أو منبرا سياسيا يحظي بشرعية قانونيو وموارد إعلامية فمن خلال هذه النقابات أمكننا نشر صحف يومية ومجلات كما نريد دون تعقيدات الحاجة إلى الحصول على رخصة لو أننا تقدمنا إليها كجماعة إخوان مسلمين وأقول إن هذه الامتيازات التي وفرتها لنا فضاءات النقابات هي التي جعلت النقابات تعمل كمتحدث سياسي لنا ثمانين بالمئة من الوقت " وقد عمل الإخوان على تفعيل الدور السياسي للنقابات كما قلت للتعويض عن غيابهم عن مجلس الشعب وربما عدم فاعلية مجلس الشعب كمؤسسة سياسية واستخدموا جميع الوسائل والموارد المتوفرة في النقابات لخلق حالة من الوعي السياسي بدلا من اللامبالاة السياسية التي كانت مستشرية بين أوساط طبقات المهنيين في بداية الثمانينيات استخدم الإخوان النقابات في عقد لقاءات ومؤتمرات جماهيرية لمناقشة الإصلاح السياسي خاصة بعد قرارهم بمقاطعة انتخابات مجلس الشعب وكان يدعي إلى هذه الملتقات ممثلون عن الأحزاب السياسية وعن قيادة تنظيم الجماعة وكانت نقابة الأطباء ( التي خاض بعض أعضائها النشطين الانتخابات البرلمانية والسابقة وانتخابات العام 1995 مرشحين عن الإخوان المسلمين ) توزع استبيانات شبيهة بما كان الإخوان يوزعونه في الجامعات ( راجع الفصل الرابع) ويطلب فيها من أعضاء النقابات التعليق على انتخابات العام 1990 واستخدمت حيثيات وظروف انتخابات العام1990 في عدد كبير من الاستبيانات التي وزعها الإخوان عل لمهنيين في النقابات كذريعة أو مدخل لإثارة قضايا سياسية عامة تشمل الإخوان المسلمين وحقوقهم الشرعية بالوجود القانوني ولولا النقابات وهي فضاءات تعترف بها الدولة ولما سمح للإخوان القانوني ولولا النقابات وهي فضاءات تعترف بها الدولة لما سمح للإخوان الذين يمثلون تنظيما محظورا بعقد مثل هذه المؤتمرات وتوزيع هذه الاستبيانات وهو تناقض مرة أخري استفز النظام وأزعجه .

وصحيح أن قوانين العمل النقابي تقر بالدور السياسي للنقابات وهو دور كان قائما قبل أن يسيطر الإخوان على النقابات وشاهدنا مثلا كيف لعبت نقابة المحامين التي كان يسيطر عليها القوميون في الثمانينيات دورا نشطا في معارضة اتفاقية السلام التي أبرمتها مصر مع إسرائيل ( راجع الفصل الثاني ) واستخدم القوميون النقابات كمنابر لتنظيم اللقاءات وعقد المؤتمرات حول هذه القضية وبناء على ذلك يرفض عصام حشيش وهو أخ بارز ف نقابة المهندسين , الفكرة التي تقول إن الحركة قامت بتسييس النقابات ويقول إن الإخوان استخدموا حقهم الدستوري في إثارة القضايا السياسية ومناقشتها كما كان عليه الحال في الماضي ولكن يبقي وجه الاختلاف في حالة نقابة المحامين والقوميين هو أن الإخوان الذين يسيطرون على النقابات ليست لهم شرعية قانونية وبالتالي ينظر النظام إلى أنشطتهم بحساسية أكبر ولا سيما أن الآراء بقدر ما كانت في أغلب الحالات إن لم يكن جميعها يعبر عن آراء التنظيم خارج سور النقابة .

ويضاف إلى ذلك أن العضوية المزدوجة للإخوان في النقابات وفي تنظيم الجماعة أدت إلى حالة من الغموض في عقلية كثير من الإخوان لدور النقابات الحقيقي وتعترف دراسة داخلية غير منشورة كتبها عضو معروف في الإخوان ورفعها إلى قيادة الحركة بوجود خلط واضح في ذهن الإخوان بين العمل التنظيمي والعمل النقابي واستشهدت دراسته ( التي حصلت على نسخة منها ) بأمثلة كثيرة لإثبات ذلك فاستنادا إلى الدراسة أغلب الموظفين – الذين تم توظيفهم في النقابات التي يسيطر عليها الإخوان – هم أصلا أعضاء إلى جماعة الإخوان (ب) يستخدم تنظيم الجماعة النقابات كأمكنة لعقد اللقاءات الخاصة بالتنظيم ولا علاقة لها بعمل النقابة ( ج) يجني أصحاب الشركات من الإخوان أرباحا من معارض بيع السلع المعمرة التي تنظمها النقابات ( تحت سيطرة الإخوان) (د) غالبا ما يكون الضيوف المتحدثين في ملتقيات النقابة من الإخوان بصرف النظر ما إذا كانوا مؤهلين للحديث عن القضية المطروحة , أيا كانت.

وعلى رغم أن محمود عبد المقصود لم يطلع على هذه الدراسة وهو عضو في الإخوان والأمين لعام لنقابة الصيادلة فهو يوافق على ما ورد فيها ولكنه يعترف بخلاف عصام حشيش من المهندسين أن التنظيم لعب دورا في تسييس النقابات بما يتماشي وأجندته الخاصة وأن هذا كان أحد الأسباب الرئيسية التي أثارت غضب مبارك شخصيا .

وكشفت أماني قنديل أنه في أعقاب الدور السياسي الذي لعبه الإخوان في أثناء حرب الخليج وفي أثناء حادثة الزلزال والسقوط المفاجئ لنقابة المحامين في يد التنظيم في العام 1992 طلب منها مسئول أمني رفيع المنصب في الحكومة المصرية كتابة تقرير سري عن الإخوان المسلمين وعن استراتيجياتهم التي يستخدمونها في التأثير في النقابات وحسب أماني قنديل :" من الواضح أن النظام لم يكن يعرف شيئا عما يجري داخل النقابات لكنه شعر بالانزعاج والحيرة بسبب قدرة الإسلاميين على تأمين أغلبية في انتخاباتهم داخل النقابات حاولت في تقريري الذي رفعته إلى النظام تحديد آليات التأثير التي يملكها الإخوان وشرح السبب الذي جعل منهم قوة شرعية في النقابات ".

وعلى رغم أن قنديل رفضت بالطبع أن تعطيني نسخة من دراستها الخاصة ولم ترغب حتي في الكشف عما ورد في تقريرها بالتفصيل إلا أنها قالت لي عن النتائج التي توصلت إليها في الدراسة وهي : أولا , كان الإخوان أذكياء في الاستفادة من النقابات كفضاءات ومنابر فاعلة في المجتمع ويبدو من خلال هيكلهم التنظيمي كبديل مغر لنظام سياسي ضعيف وغير عادل ينكر وجودهم وثانيا كان الإخوان قادرين على التعامل مع هموم الطبقتين الدنيا والوسطي بجدارة وثالثا قاموا بالتفاعل مع هاتين الطبقتين بطريقة تتميز بقدر عال من الحرفية والتنظيم .

وبعد مرور عام على كتابة هذا التقرير أصدرت الحكومة قانونا حمل الرقم 100 في لعام 1993 زعم بأنه يهدف إلى ضمان الديمقراطية في الانتخابات النقابية وإلى منع " أقلية منظمة ( في إشارة إلى الإخوان ) من الانتصار على الآخرين الأغلبية لصامتة واشترط القانون لكي تكون الانتخابات شرعية أن يشارك في التصويت 50 بالمئة على الأقل من الأعضاء في الانتخابات وإذا تدنت نسبة التصويت عن الـ 50 بالمئة فتعاد الانتخابات وتكفي عندئذ نسبة 33 بالمئة من المصوتين لضمان صلاحية الانتخابات وف يحال لم تصل نسبة التصويت في الجولة الثانية إلى 33 بالمئة فعندئذ تخضع النقابة لإشراف مسئولين تقوم الحكومة بتعيينهم في مجلس إدارة النقابة إلى حين إجراء انتخابات جديدة . ولضمان نزاهة الانتخابات قرر القانون أن الانتخابات ستتم تحت إشراف القضاء وطبعا فإن القانون جاء ردا واضحا على الفوز غير المتوقع الذي حققه لإخوان في انتخابات نقابة المحامين في العام 1992 وبعد سيطرتهم على 199 فرعا للنقابة في المحافظات الأخرى ورغبة من النظام في وضع حد لمزيد من السيطرة .

رابعا : عقد التحديات : الدولة في صراع مع الجماعة الإسلامية

اتسم عقد التسعينيات ( مقارنة بالثمانينيات ) بأنه عقد التحديات والتحول إلى فترة مضطربة جدا للرئيس مبارك فقد تزامنت الظروف الاقتصادية الصعبة مع تفاقم خطر الجماعات الإسلامية وقد أضرت أعمال العنف ضد الأجانب بالعائدات المتأتية من السياحة والأشد خطورة أنها استهدفت أيضا مسئولين رفيعي المستوي وعلى رأسهم مبارك نفسه واستنادا إلى هالة مصطفي وهي خبيرة في التيارات الإسلامية في مصر فقد شكل الإسلاميون المسلحون التحدي الأكبر لاستقرار البلاد على الصعيدين السياسي والاجتماعي في تلك الفترة .

واستنادا إلى تقرير شبه رسمي فقد شهد العام 1990 وحده 51 حالة تصادم بين الإسلاميين والأمن راح ضحيتها أكثر من 115 قتيلا من الطرفين وتزامنت حادثة اغتيال الإسلاميين للكاتب فرج فودة في العام 1992 وكان ناقدا عنيفا لهم مع تزايد خطر الإسلاميين في الجزائر ومع اغتيال الرئيس الجزائري ( الراحل) محمد يوضياف . وكانت هذه الحادثة بمثابة صدمة شخصية جعلت مبارك باعترافه هو " محطما" وفي السنة التالية شهدت مصر محاولتي اغتيال فاشلتين استهدفتا مسئولين رفيعين هما وزير الإعلام وقتها صفوت الشريف , ووزير الداخلية حسن الألفي الذي خلف زكي بدر .

وسرت تكهنات حول الأسباب التي جعلت عقد التسعينيات يشهد هذا التزايد الاستثنائي في أعمال العنف وعزت بعض الصحف شبه الرسمية مثل صحيفة الجمهورية ذلك التزايد إلى إقالة وزير الداخلية زكي بدر في العام 1990 الذي اعتبرته أنه كان شخصا قادرا على كبح عنف الجماعات الإسلامية إلا أن آخرين مثل الباحث حسن السيد عزوا تزايد أعمال العنف إلى انحسار شرعية النظام في المجتمع المصري وجادل السيد أن أعمال العنف الاجتماعي والديني كانت بمثابة مؤشر حاد على خيبة الأمل والإحباط العام من أداء النظام الذي فشل في تلبية حاجات الناس وهذا العنف المتزايد الموجه ضد الدولة وضد مسؤوليتها أثار ردا متشددا من النظام انعكست آثاره على المجتمع بوجه عام وقد اتضحت علاقة النظام المتوترة بالمجتمع وبالإسلاميين عموما – بمن فيهم المعتدلين من تعامل أجهزة الأمن مع الجامعات سواء على مستوي اتحادات الطلبة أو نوادي أعضاء هيئة التدريس .

قمع الاتحادات الطلابية

ينبغي أن يفهم قمع الاتحادات الطلابية في سياق قمع النظام للنقابات نفسه إذ استخدم الإخوان أيضا الفضاء الجامعي كما, فعلوا في النقابات كمنابر سياسية لانتقاد مواقف النظام ففي أثناء حرب الخليج مثلا انضمت الجامعات إلى النقابات وإلى هيئات التدريس في الجامعات وبتنسيق كل من تنظيم الجماعة في تنظيم تظاهرات للاحتجاج على الحرب التي شنت على العراق وعلى مشاركة القوات المصرية في التحالف وجري توزيع استبيانات على الطلبة في جامعة الإسكندرية مثلا وطلب منهم فيها الإدلاء بتعليقاتهم حول القرار الذي اتخذته الحكومة المصرية بإرسال قواتها إلى الخليج وحول الأسباب التي تقف خلف وجود الولايات المتحدة في الخليج وكيفية تصورهم للوجود الإسرائيلي والأمريكي في المنطقة .

كما استخدمت الاستبيانات في مناقشة قضايا سياسية أخري ففي أثناء الانتفاضة التي اندلعت في العام 1987 وفي الأعوام التي تلته جري تعبئة الطلاب بهدف تحدي الجهود المصرية لإقامة سلام في المنطقة واستخدام الإخوان الجامعات فضاء في إثارة الاهتمام بالقضية الفلسطينية وتم توزيع استبيان عن فلسطين في جامعة القاهرة جاء فيه أنه محاولة لمسح آراء الطلاب في الجامعة " حول قضية شغلت بال لعالم منذ سنين طويلة وسيعكس الاستبيان .. آراء الطلاب الذين يمثلون الجيل المثقف ومستقبل بلدنا الحبيب" وهنا أيضا طلب من الطلاب التعليق على أسئلة مثل " هل تهتم بالقضية الفلسطينية " ؟ و" كيف أثرت الانتفاضة من وجهة نظرك نحو القضية الفلسطينية؟" وما هو دور المواطن المصري في ما يختص بالقضية الفلسطينية فضلا عن الانتفاضة ؟"

وبالإضافة إلى ما تقدم استخدم التنظيم الفضاء الجامعي في تعبئة الطلاب الذين يحق لهم التصويت من أجل دعم مرشحي الإخوان في الانتخابات البرلمانية فحصل الطلاب في جامعة القاهرة على استبيانات تسألهم أن يختاروا من القائمة التي ضمت التحالف الإسلامي وحزب التجمع اسم الحزب الذي سيصوتون له في انتخابات العام 1987 واختار 60 بالمئة من أصل ألفي طالب حينها التحالف الإسلامي بوصفه خيارهم المفضل واعترف حلمي الجزار الرئيس السابق لاتحاد الطلاب في جامعة القاهرة أن نتائج هذا الاستبيان نتائج الاستبيانات المشابهة التي وزعت في الجامعات الأخرى كانت تصل إلى المكتب السياسي في التنظيم فيدرسها ويستفيد منها وهو يؤكد ما أشرت إليه سابقا حول هيكلية التنظيم التنسيق بين أقسامه المنتشرة داخل نسيج المجتمع المصري ( راجع الفصل الرابع ) وقد جذبت مثل هذه الأنشطة الطلابية انتباه الأجهزة الأمنية على نحو متزايد وزادت من تدخلها في الشؤون الخاصة في الجامعة وأصبح استخدام الغاز المسيل للدموع الأسلوب المتبع دائما لصد التظاهرات الطلابية في التسعينيات وبات الطلاب الناشطون يخضعون لرقابة مشددة وتم حظر النشاطات التي كانت تعتبر استنادا إلى جمال محمد وهو عضو في الإخوان وأحد قادة الطلاب في جامعة القاهرة لغاية العام 1995 سياسية بطبيعتها ( مثل عقد المؤتمرات وإقامة المعارض , وتعليق الملصقات )

وشاركت إدارة الجامعة أيضا في الحملة التي شنها الأمن للتضييق على أنشطة الإخوان الطلابية فبدأت بتطبيق سياسة جديدة قصد منها إضعاف استقلالية الاتحادات الطلابية وتقييد حريتها في تنظيم الأنشطة واستخدمت في القيام بذلك وسائل مختلفة شملت طرح ما صار يعرف بالريادة الطلابية اشترطت هذه السياسة على اتحاد الطلبة أن يتقدم بطلب إذن مكتوب إلى إدارة الجامعة كي يؤخذ موافقتها على أى ناشط نريد أن تقوم به وبالإضافة إلى ذلك أعطت الإدارة لنفسها حق الإشراف على أنشطة معينة والتدخل لمنعها اذا اقتضت الضرورة وبالاشتراك مع وزارة الشباب الرياضة ساعدت الجامعات أيضا على الترويج لمجموعة طلابية لمنافسة الإخوان وهي ما غرفت باسم " حورس " ( نسبة إلى إله فرعوني قديم) وجري تقديم دعم وتمويل بمبالغ كبيرة للطلبة هذه المجموعة للقيام بأنشطة اجتماعية لجذب الطلبة بعيدا عن أنشطة الإخوان إلا أن " حوس " فشلت في إيجاد أثر قوي بين الطلبة لأنها لم تكن قادرة على توفير الخدمات نفسها التي يوفرها الاتحاد ولأنها كانت أكثر ميولا إلى التركيز على الأنشطة الترفيهية ( رحلات وحفلات موسيقية ) لم ترق لكافة شرائح الطلبة كما أن سمعة " حورس " تشوهت لكونها واجهة طلابية شاع أنها ممّولة من الحكومة فضلا عن شائعات سرت على نطاق واسع بأن القائمين على ط حورس " اساؤوا استخدام ميزانية المجموعة الطلابية وبدءا من منتصف التسعينيات اعتري " حورس " ضعف متزايد نتيجة للنزاعات الداخلية ولرحيل راعيها الرئيسي عبد المنعم عمارة وزير الشباب والرياضة عن الحكومة فانتهت " حورس " بنهايته "

وبدأ الجهاز الأمني كذلك بزيادة وتيرة تدخلاته في الحملات الانتخابية وفي نتائج انتخابات الاتحاد في محاولة لمنع الإخوان من تحقيق مزيد من المكاسب الانتخابية في الجامعة وفي حين أنه اقتصر على شطب أسماء المرشحين الإسلاميين في الانتخابات التي كانت تجري في الثمانينيات بدأ في التسعينيات بشطب أسماء كافة المرشحين باستثناء أسماء الطلبة المرشحين الذين توافق عليهم إدارة الجامعة باعتبارهم موالين للنظام وكما لو لم يكن ذلك كافيا تواصلت عمليات إزعاج مرشحي التيار الإسلامي ( الإخوان ) واعتقالهم من الجامعة أو من بيوتهم وعلى الرغم من أن هذا ما كان يحدث في جامعة القاهرة بصورة متقطعة منذ العام 1992 إلا أنه بعد العام 1995 صارت ممارسة منتظمة كل عام وفي كل موسم انتخابي .

كما كان يجري ضد المرشحين المحتملين والناخبين ومنعهم من المشاركة في الحملات الانتخابية عبر إطلاق التهديدات الشفهية والعملية إلى درجة أن رجال الأمن كانوا يذهبون إلى منازل المرشحين قبل خوض الانتخابات فسوف تعطل دراستهم في الجامعة ويفصلون وكان يجري اعتقال المرشحين الذين لم تردعهم هذه التهديدات من بداية السنة الدراسية ليطلق سراحهم قبل أيام قلائل من امتحانات نصف السنة وإذا رسبوا في الامتحانات بعد ذلك كان يتوقع منهم إعادة دراسة مقررات السنة بأكملها والأسلوب القمعي الآخر كان إعلان الجامعة عن اليوم الذي يصادف أنه يوم إجراء للانتخابات على أنه يوم إجازة بحيث تغلق الجامعة أبوابها ويلزم الطلاب منازلهم ولا يشاركون في الانتخابات وفي لحالات التي يكون إقبال الطلاب فيها أدني من النصاب القانوني الذي تحدده اللائحة الطلابية فإنه يحق لرئيس الجامعة تعيين أعضاء من الاتحاد الطلابي بنفسه ومن دون انتخابات ولم يكن موقف الأجهزة الأمنية من ألإخوان في هيئات التدريس في الجامعات مختلفا كثيرا عن تعاطيهم مع الاتحادات الطلابية .

قمع هيئات التدريس

كما ذكرت . لم يكن موقف الأجهزة الأمنية من الإخوان في نوادي أعضاء هيئة التدريس مختلفا عن طريقة تعاملهم مع الإخوان في الاتحادات الطلابية ففي أسيوط والإسكندرية الزقازيق تحل المجالس المنتخبة لهيئات التدريس في هذه الجامعات وتعيين أعضاء أكثر موالاة للنظام وعندما يتبين أن تنفيذ هذا الإجراء ( أى حل المجلس المنتخب ) أمر صعب كما كان الحال في جامعة المنصورة وجامعة قناة السويس تتجه إدارة الجامعة إلى تشكيل نواد غير رسمية تدعمها الحكومة كي تنافس نادي هيئة لتدريس المنتخب وكان يجري تأخير إجراء الانتخابات بشكل متكرر وتكون النتيجة هي تعيين مجلس جديد يكون مواليا للحكومة وبالإضافة إلى ذلك فقد حرمت إدارة الجامعة نادي أعضاء هيئة التدريس من حقه السابق في انتخاب عمداء الكليات وأصبح اختيار العمداء يتم بالتعيين من إدارة الجامعة وليس عن طريق الانتخاب .

وسأتناول في ما تبقي من الفصل لحالة الاقتصادية في بداية التسعينات ومساعي النظام في تعزيز استقرار البلد من خلال الإصلاح الاقتصادي الذي هدد مصير العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع وابرز طبقة جديدة من المنتفعين وهي طبقة رجال الأعمال كما شملت إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي قام بها النظام تصفية بقية الكيانات الاقتصادية الإسلامية التي كانت تدعم وتمول أنشطة الإخوان .

خامسا : الإصلاح الاقتصادي

شرع النظام المصري في التسعينيات في إصلاح اقتصادي أكثر جدية من فترة الثمانينيات على رغم أن بعض المحليين مثل لوفغرين وحريق محقون في المجادلة بأنه وجدت مظاهر من الإصلاحات الهيكلية منذ منتصف الثمانينات .

أداء النظام في الميدان الاقتصادي

ولدي مناقشة أداء النظام في الميدان الاقتصادي خلال التسعينيات ينبغي أن تميز بين إنجازات النظام على المستوي الاقتصادي الكلي وإنجازاته على المستوي الاقتصادي الجزئي فقط اتفاقيات النظام مع صندوق النقد الدولي ومع البنك العالمي في العام 1991 معينة بإصلاحات هيكلية في الاقتصاد المصري الكلي وأمور تتعلق بالتقليل من اختلال التوازن في الميزانية وف التعاملات المالية الخارجية ومعدلات الفائدة معدل الصرف وسندات الخزينة والضرائب لعامة على المبيعات وهنا يمكن القول إنه على هذا الصعيد من الإصلاحات في الاقتصاد الكلي أحرز النظام بعض التقدم بالفعل ففي أثناء السنوات السبع التي تلت بدء الإصلاحات التي تم الاتفاق عليها في لعام 1991 تراجع معدل التضخم من 20 بالمئة إلى 4 بالمئة وارتفعت قيمة الجنية المصري وارتفع حجم الاحتياطات من العملة الأجنبية من 6 مليارات دولار إلى 20 مليار دولار وانخفض العجز في الميزانية من 15 بالمئة إلى نحو 1,3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمال وقد ساعد هذا التقدم مصر على الاستفادة من عروض تقسيط الديون المتنوعة التي وفرها صندوق النقد الدولي ومن الإعفاءات التدريجية عن ديونها الخارجية كما يعود جزء من هذا التقدم إلى المكافآت السخية التي حصلن عليها مصر نتيجة لدعمها لحرب الخليج على رغم أنه سرعان ما طغي على هذه المكاسب تراجع التحويلات لخارجية على إثر عودة أعداد كبيرة من المصريين الذين كانوا يعملون في الخليج وفي العراق .

ولكن على رغم ذلك بقي النظام عاجزا عن ترجمة هذا التقدم في الاقتصاد الكلي إلى نجاح على مستوي الاقتصادي الجزئي الأكثر ارتباطا بلقمة العيش والظروف الحياتية للمصريين العاديين وبخاصة أولئك الذين يعتمدون على القطاع العام والذين وقعوا بلا شك ضحية تآكله واستنادا إلى دراسة ممولة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ارتفع معدل الفقر في المناطق الحضرية وفي المناطق الريفية في مصر من 20,7 بالمئة في العام 19901991 إلى 44,3 بالمئة في العام 19951996 وهذا يعني أنه في النصف الأول من عقد التسعينيات أصبحت شريحة أكبر من السكان تعيش دون مستوي الفقر وهو تطور كان يحدث بالتوازي مع ما كانت الدولة تحققه على مستوي إصلاحاتها الهيكلية , فقد ارتفع عدد الإضرابات عن العمل من 13 إضرابا في العام 1990 إلى 40 إضرابا في العام 1993 وارتفع عدد التظاهرات خلال الفترة ذاتها من 30 تظاهرة إلى 40 تظاهرة هذا بالإضافة إلى تصاعد عمليات العنف والأشكال الأخرى للقلاقل الاجتماعية وهو يشير إلى أن شرعية النظام باتت محل تساؤل ولا سيما أن هذه الشرعية لم يسعفها على المدي القصير التقدم الذي يحرزه النظام على المستوي الاقتصادي الكلي كما ذكرت ( زاد معدل الإضرابات في 2005 -2007 على معدلات الإضرابات في التسعينيات بكثير راجع الفصل السابع )

وكان النظام واعيا العلاقة بين شرعية وقدرته على المحافظة على عقده الاجتماعي مع المجتمع وبخاصة مع الطبقات الفقيرة على عكس ما يقال من أن النظام لا يكترث بالفقراء فالنظام مهما كان ظل يهتم باستقراره وظل يدرك أن قدرته على استيعاب غضب الشرائح البسيطة هو رقم مهم في معادلة استقراره ( يبالغ بعض المحللين في التعويل على الدعم الخارجي وحده تفسيرا لعملية الحفاظ على بقاء النظام ) وعندما التقيت بخالد منير وهو صحافي مصري لديه صلات مع الدوائر الرسمية ومع المعارضة في مكتبه في مقر صحيفة الحياة بالقاهرة شدد على أن المسئولين الحكوميين اعتراهم خوف شديد" ممن أسماهم بالحرافيش وهم الذين يعيشون في فقر مدقع ولا يجدون عملا , ولا يجدون مأوي ويعيشون في المقابر وعبر منير عن اعتقاده بأن النظام لن يذعن للضغوط التي يمارسها صندوق النقد الدولي إذا كانت تهدد استقراره:" ربما تتخلي الدولة في حالة مصر عنك وعني لكنها لن تتخلي عن وجودها وربما تذعن للضغوط في القضايا الدولية لكنها لن تذعن في القضايا المحلية التي ستؤدي إلى حالة مواجهة مع المصريين فالنظام يذعن لصندوق النقد الدولي فقط عندما يعتقد بأن استقراره لن يهتز إذا قام بذلك .

وهذا يعني أن مبارك لن يذعن للدعم الخارجي وحده إذا كان الدعم يهدد على المدي البعيد استقراره الداخلي بين أوساط الشعب ويؤكد وجهة النظر هذه دنسيس سوليفان الذي يجادل بأن خوف الدولة من الاضطرابات الاجتماعية يعد أحد الأسباب التي تجعل النظام يفكر دائما باستقراره السياسي بدلا من التفكير بإجراء إصلاحات هيكلية في الاقتصاد ولهذا السبب لم يكن الإصلاح الاقتصادي في التسعينيات جذريا 0 أى 100 بالمئة ) خوفا من تداعيات ذلك على الرغم مما كان يقوله النظام ليطمئن به المنظمات الدولية ( صندوق النقد) والمستثمرين الأجانب ففي العام 1992 أعلنت حكومة مبارك أنها ستبيع على مدي السنوات الخمس الممتدة بين العامين 1992 , 1997 الأرصدة أو الأسهم التي تملكها الحكومة في 74 شركة ولكن في ما يتعلق بالقطاع العام , , لم تحدث عمليات خصخصة جدية من الناحية الفعلية إلا بعد العام 1995 .

ومع ذلك من المهم أن ندرك أن الزيادة في عمليات الخصخصة لم تكن تعني انسحاب الدولة تماما من المجتمع فاستنادا إلى مارات تير تروف الذي زودني بأعداد الشركات التي شملتها الخصخصة فإنه على الرغم من تشجيع القطاع الخاص على المشاركة في إدارة القطاع العام وتطويره بقي أغلب حصص الملكية في يد الدولة ولكن يمكن المجادلة أيضا بأن خصخصة القطاع العام أضعف دور الدولة في تقديم الخدمات الاجتماعية والذي كان قد اعتراه الضعف أصلا منذ منتصف الثمانينات بسبب أزمة النقط وسوء إدارة القطاع العام ومع ذلك ظلال التسعينيات حريصا على شرعيته وذلك باتخاذه إجراءات ( وإن شكلية ) تسكن من الاستياء الشعبي من تأثير الإصلاح الاقتصادي وتأكل العقد الاجتماعي .

الإجراءات المسكنة

أكد الخطاب السياسي للنظام – المحل على الأقل – أن الإصلاح الاقتصادي لن يكون على حساب الدور الاجتماعي للدولة التي ستواصل دعم المحرومين والخريجين العاطلين عن العمل وأولئك الذين يعتمدون على القطاع العام وظلت حريصة على التخفيف من حدة الآثار السلبية للإصلاح الاقتصادي في شرائح المستفيدين من خدماتها عبر مرافقها الحكومية والقطاع العام فطرحت مثلا سلسلة من برامج الدعم وتمويل المشاريع للشباب والخرجين وتدريبهم على اكتساب مهارات جديدة ومن ضمن البرامج التي طرحتها الحكومة برنامج الصندوق الاجتماعي بميزانية 600 مليون دولار وبرنامج الصندوق الاجتماعي للتنمية بميزانية 613 مليون دولار وبرنامج الصندوق الاجتماعي للأعمال العامة الذي يقدم قروضا لدعم المشاريع الصغيرة في المناطق الريفية واتخذت الحكومة سياسة تشجيع الشباب والخريجين للحصول على قروض حسنة للبدء في مشاريع صغيرة أو الحصول على ما يصل إلى خمسة فدادين من أرضاي المناطق التي تم تعميرها حديثا واستصلاحها بدعم حكومي .

كما ساهم برنامج الصندوق الاجتماعي في تغطية جزء من تكاليف ونفقات خدمات المرافق العامة في مناطق الريف والقرى والنجوع ( مثل تزويدها بشبكات المياه , والصرف الصحي , والكهرباء ) التي كانت الدولة قد أهملتها في فترة الثمانينات وإضافة إلى جميع ذلك قامت وزارة التأمين الاجتماعي والشؤون الاجتماعية بتقديم مساعدات بسيطة لكن مهمة للفقراء وحصل أبناء هذه الشريحة على تعليم مجاني وعلى فرص للانضمام إلى برامج محو الأمية من قبل وزارة التعليم وعلى رعاية صحية مجانية في العيادات المحلية وفي المستشفيات العامة من قبل وزارة الصحة كما حصلوا أيضا على دعم للحاجات الأساسية من الخبز والطحين والسكر من وزارة التجارة والتموين ومنحتهم لحكومة الحق بالحصول على مساعدات لاستصلاح الأراضي الريفية بدعم من وزارة الزراعة .

وعلى الرغم من أن هذه الصناديق الاجتماعية هدفت إلى التخفيف من وطأة الإصلاحات إلا أنها في الواقع لم تفعل الكثير لتحسين صورة النظام فمع وجود هذه البرامج وصناديق الإعانة استمرت الظروف المعيشية بالتدهور وارتفع معدل البطالة من 8,6 بالمئة في العام 1990 إلى 11,3 بالمئة في العام 1995 فيما بقيت معاشات موظفين الحكومة على حالها على الرغم من غلاء الأسعار وعلى الرغم من مشاريع استصلاح الأراضي الزراعية والريفية التي رعتها لدولة استمرت الحكومة تولي أهمية أكبر في الإنفاق على تحديث المراكز العمرانية والحضرية في القاهرة والإسكندرية لجذب المستثمرين الأجانب والسياح فعلي الرغم من اهتمام النظام بالمحافظة على ما تبقي من عقده الاجتماعي مع الطبقات الفقيرة والمتوسطة إلا أن اهتمامه بالإصلاحات الهيكلية التي ترضي صندوق النقد وتجذب المستثمرين الأجانب والسياح ظل في مرتبة أعلي .

وكما عمل النظام في سياق إصلاحاته الهيكلية التي أفسحت المجال لبروز فئة رجال الأعمال في السياسة كما في الاقتصاد المصري عمل في الوقت نفسه على التضييق على الكثير من إنجازات الإخوان ( وإن كانت جزئية ) في المجالات الاقتصادية .

التضييق على إنجازات الإخوان المسلمين

استغل الإخوان إخفاقات النظام واستفادوا من انسحاب الدولة الجزئي – الذي فرضته الإصلاحات الاقتصادية – لتوسيع دورهم الخدمي وتعزيز عقدهم الاجتماعي مع الناس فبالإضافة إلى الإنجازات التي حققوها في النقابات .


حقق الإخوان أيضا انجازات على مستوي الرعاية الاجتماعية داخل الأحياء السكنية وفي مناطق الحضر والريف على السواء وارتفعت مثلا نسبة المنظمات والهيئات الخيرية التي يسيطرون عليها من 35 بالمئة في منصف الثمانينيات إلى 43 بالمئة في لعم 1991 ولم يمانع النظام مبدئيا في تزايد أعداد هذه الجمعيات لخيرية طالما أنها تعوض الناس عن تراجع خدمات الحكومة وانسحاب دور الدولة والأهم من ذلك طالما أنها ظلت تعمل بصمت ومن دون تسييس خدماتها كما حصل مع النقابات ولكن الإخوان لم يكن لديهم الاستعداد للقيام بما ارتضته الدولة ونما وظفوا الفضاءات التي سيطروا عليها بصرف النظر عما إذا كان طبيعتها تسمح بذلك في توجيه انتقادات سياسية لاذعة إلى إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي تقوم بها الدولة .

وواصل الإخوان الجهر بانتقاداتهم للإصلاحات الاقتصادية والتحذير بشدة من خطط الحكومة لبيع القطاع العام المستثمرين أجانب ( غربيين) وأصرّ المرشد السابق مأمون الهضيبي على انه إذا سمحت الحكومة للأجانب بشراء الشركات المصرية فإنها ملزمة على الأقل باطلاع الشعب على أسماء هذه الشركات الأجنبية ( وعلى هويات أصحابها ) لطمأنة المصريين على استقلالهم الوطني وشكك عصام العريان في نزاهة واستقلالية صندوق الدولي والبنك العالمي اللذين يري أنهما يخضعان لهيمنة الولايات المتحدة ورغبتها في ضم مصر إلى السوق العالمية دونما اعتبار لخصوصيات الثقافة والاقتصاد المحلي وحذر شهاب الدين وهو صحافي من الإخوان في كتابه الذي ناقش فيه خصخصة القطاع العام من النتائج التي ستعود على الدولة وعلى المجتمع من جزاء خصخصة قطاعات الصحة والإسكان والتعليم .

وقد انزعج النظام من الصوت الزاعق للإخوان إزاء الميدان الاقتصادي وشن حملة أمنية استهدفت الكيانات الاقتصادية للجماعة أو لبعض أعضائها المستنفذين وفي شباط / فبراير 1992 أغارت أجهزة المخابرات على شركة " سلسبيل " للكومبيوتر واعتقلت صاحبيها حسن مالك وخيرت الشاطر ( وهو عضو رفيع في التنظيم وعضو سابق في مجلس إدارة البنك الدولي الإسلامي للاستثمار ) ووجهت الاتهامات إلى الاثنين بأنهما ينتميان غلى جماعة سرية ويعقدان اجتماعات خاصة داخل الشركة للتخطيط لقلب نظام الحكم .

وادعت الأجهزة الأمنية بأنها عثرت على أقراص تحتوي على خطة مفصلة للاستيلاء على البلاد وإقامة دولة إسلامية أطلق على الخطة التي احتوت عليها الأقراص اسم " خطة التمكين " وهي تشرح الطرق لتي تمكن الحركة من إحكام سيطرتها على الدولة وعلى المجتمع وكيفية مواصلة اختراق مؤسسات الدولة والنقابات ووجدت أيضا وثائق تتعلق بموقف الإخوان من " الآخرين " بما في ذلك النظام والأقباط والأحزاب السياسية وجماعات الضغط والحركات الإسلامية واليهود والولايات المتحدة , ولو وضعنا هذه الخطة جانبا نجد أن مخاوف النظام تفاقمت عندما اكتشف في وقت لاحق ان شركة " سلسبيل" باعت عددا من أجهزة الكومبيوتر للجيش ولأجهزة المخابرات وتحولت قضية شركة " سلسبيل" إلى مبرر كي يشن النظام حملة أكثر تنظيما على المشاريع الاقتصادية التي يديرها إسلاميون والتي وفقا للدعاية التي بثها النظام لم تكن أكثر من واجهات لأنشطة عسكرية تستهدف إسقاط النظام.

وأوقفت الحكومة تعاملها مع خالد عودة رجل الأعمال الإخواني من أسيوط من خلال وقف مشروع " كساء العاملين بالدولة " الذي كان مصنع عودة ينتج منه ملابس الموظفين العاملين في القطاع الحكومي ( راجع الفصل الثالث ) ولم يؤد انتهاء المشروع الذي كانت تدعمه وزارة التموين إلى إفلاس المصنع وإقفاله وحسب بل أدي أيضا إلى خسارة العمال لوظائفهم في المصنع وعندما اشتكي عودة شخصيا إلى الرئيس مما حصل قيل لم تعد مسئولة كما كانت في الماضي عن توفير ملابس بأسعار مدعومة لموظفي القطاع العام .

واتهم عودة مبارك بأنه " كذب " ( والتعبير له ) على المصريين عندما وعد في الثمانينيات بأنه لن يبيع القطاع العام ولا سيما تلك الشركات التي تحقق أرباحا مثل مشروع " مساء العاملين بالدولة" الذي كان يأتي بعائدات جيدة للقطاع العام ويعتقد عودة أن مشاريعه التجارية تضررت هي الأخرى نتيجة سوء إدارة الاقتصاد المصري فخلال الثمانينيات وبمباركة من الدولة ازدهرت مصانعه لكن أوضاعها تدهورت ف التسعينيات لنقص القوة العاملة في مصانعه إما بسبب الخوف من مضايقه الأجهزة الأمنية أو بسبب الركود الذي خلفته الإصلاحات الاقتصادية ففي مصنع " البنيان المرصوص" للطوب انخفض عدد العاملين من 100 عامل في العام 1988 إلى 25 عاملا فقط في العام 1991 وانخفض عدد العاملين في مصنع " الفتح" للأخشاب من 120 عاملا إلى 50 عاملا في الفترة نفسها أيضا وأقفل مصنع " البلاط " للمنسوجات أبوابه في العام 1991 وكان يعمل فيه في العام 1988 حوالي 100 وذلك بسبب وقف الحكومة لمشروع " كساء العاملين بالدولة" الذي أشرت إليه .

وإلى جانب تقلص عدد العاملين في مصانع عودة فقد تعرض بعضهم أيضا لمزيد من المضايقات من الشرطة عندما قرر عودة خوض انتخابات مجلس الشعب في العام 2000 مرشحا عن محافظة أسيوط وعندما التقيت بعودة في منزله بالقاهرة تحدث باستياء عن تجاربه المريرة مع قوي الأمن في أسيوط خلال حملته الانتخابية قائلا :" اعتقلت الأجهزة الأمنية 26 عاملا في أحد مصانعي ووضعتهم في السجن حتى يوم بعد إجراء الانتخابات لأنهم كانوا يساعدونني في الحملة وجري اعتقال آخرين مما كانوا يعلقون الملصقات على الجدران يوزعون المناشير وقد شعر أغلب العاملين بالخوف بالطبع بحيث إنهم لم يتخلوا عن مساعدتي في حملتي وحسب بل ترك بعضهم العمل في المصنع أيضا ".

واستهدفت الأجهزة الأمنية عودة وعملت على مضايقته وعرقلة جهوده الاقتصادية في توسيع مشاريعه وتمثلت احدي الإجراءات التي اتبعت معه ومع رجال أعمال آخرين من الإخوان بعرقلتهم وأحيانا بحرمانهم من الحصول على الرخص المطلوبة من السجل لتجاري لتأسيس مشروع جديد لقد كان عقد التسعينيات بالتأكيد هو عقد التضييق على الإخوان على الصعيد كافة وقد تجلي ذلك أكثر بحلول منتصف التسعينيات كما سنري في الفصل السادس .

خلاصة

شهد مستهل التسعينيات بداية قصة الصراع بين الإخوان المسلمين ومبارك ولا سيما على شرعية الإنجاز ولم يأت سياق التصادم من فراغ وإنما سرعت من وتيرته تطورات وعوامل محلية وخارجية وتفاعل النظام مع تلك التطورات من خلال مجموعة سياسات جديدة أهمها التخلي عن سياسة احتواء المعارضة السياسية وصياغة تحالفات جديدة مع فئة رجال الأعمال وكانت حصيلة ذلك مجلس شعب ضعيف ( قاطعت انتخاباته المعارضة ) في العام 1990 وتوقيع اتفاقية جديدة مع صندوق النقد الدولي في العام 1991 وأحكم النظام قبضته الأمنية على المجتمع وعلى فضاءات المعارضة واعتمد أكثر من ذي قبل على سياسة القمع لمواجهة أعمال عنف الجماعات الإسلامية ولم ينس وسط مواجهته للتيارات الإسلامية المتشددة أن يلتمس شرعية دينية من مؤسستي الأزهر ودار الإفتاء المصرية واقتصاديا وفي الوقت نفسه الذي خضع فيه النظام لضغوط صندوق النقد واصل مبارك في خطاباته التصريح بأن ما يقوم به من إصلاحات هيكلية في الاقتصاد المصري لا يعني تخلي الدولة عن دورها الاجتماعي وطرح إجراءات مسكنة لإثبات ذلك ( برنامج صندوق الرعاية الاجتماعية مثلا )

إلا أن أهم تحد واجه النظام في مستهل التسعينيات وحول العلاقة من مهادنة إلى تصادم كان ما حققه الإخوان من شرعية اجتماعية اتخذت صيغة سياسية حادة أزعجت مبارك شخصيا واستطاع الإخوان بفضل كفاءة هيكلهم التنظيمي وسيطرتهم على فضاءات الطبقة الوسطي من طلبة ( اتحادات الطلبة ) ومهنين النقابات من بناء عقد اجتماعي بديل من العقد الاجتماعي التاريخي بين الدولة والمجتمع الذي كان يتعرض للتآكل بسبب إصلاحات النظام الاقتصادية ثم أسفرت أحداث مثل حرب الخليج والزلزال إلى التعبير عن العقد الاجتماعي الإخواني بخطاب سياسي سعي إلى ممارسة ضغط على النظام إزاء رفضه منح شرعية قانونية للجماعة .

وقد أسفرت الممارسات الإخوانية التي اعتبرها النظام تحديا سافرا له إلى مصادرة الوجود الإخواني من الفضاءات التي سمح بها النظام في الثمانينات وربما أضعفت إجراءات المصادرة هذه من الوجود الإخواني بالفعل ولكن التضييق الأمني على الفضاءات السياسية والاجتماعية والاقتصادية قلص من شعبية النظام في الوقت نفسه وزاد من أزمته في تعزيز شرعيته وهي أزمة ازدادت بروزا في منتصف التسعينيات عندما وصل صراع النظام مع الإخوان إلى قمته بتحويل قيادات تنظيم الجماعة إلى محاكمات عسكرية كما سنري في الفصل السادس .

الفصل السادس

تصفية نفوذ الإخوان المسلمين (19952000)

إن علاقة الإخوان المسلمين بالأنظمة المصرية عادة ما اتبعت نمطا دوريا بدأ بالتعايش والمهادنة وانتهت بمواجهة وصدام و علاقة الإخوان بنظام مبارك لم تشد عن هذا النمط فبدأت بالتهادن في الثمانينيات وانتهت بالصدام في التسعينيات , ويمكن القول أيضا إن ذروة الصدام كانت في العام 1995 عندما قرر النظام لأول مرة اعتقال مئات من الإخوان من أعمار ومناطق ومحافظات مختلفة وتحويل بعضهم على المحاكم العسكرية وهي كما قلت إجراء غير مسبوق سوي في عهد عبد الناصر لما قام بتحويل مجموعة من أعضاء الحركة على محاكمات عسكرية في العام 1965 انتهت بإعدام المنظر الفكري والحركي للجماعة سيد قطب .

وقد شهد منتصف التسعينيات مجموعة أحداث جعلت النظام يتصرف بعصبية شديدة وبطريقة خارجة عن السيطرة أحيانا , من ذلك مثلا أن الانتخابات البرلمانية لمجلس الشعب في العام 1995 التي قرر الإخوان المشاركة فيها بعدد كبير نسبيا بلغ 170 مرشحا خاضوا الانتخابات كأفراد مستقلين ( وليس ضمن قوائم حزبية) وعلى الرغم من القانون الرقم 100 – السئ السمعة 0 لسنة 1993 الذي أريد منه التضييق على استمرار صعود الإخوان إلى مجالس إدارة النقابات فقد واصل الإسلاميون ترسيخ وجودهم في هذه الفضاءات وغيرها ولذلك كان احتمال تحقيق حالة الصعود نفسها ولكن إلى مجلس الشعب هذه المرة بمثابة كابوس للنظام وإلى جانب ذلك استمر قلق النظام أيضا من التصاعد المستمر لعمليات العنف التي بدأت في منتصف التسعينيات اتسعت ضمن قواعد وشبكات خارج مصر في دول مثل السودان واليمن وأفغانستان واستهدفت حياة مبارك نفسه في السنة نفسه (1995) فيما كان في زيارة إلى أثيوبيا .

اقتصاديا فشل رجال الأعمال ( شريحة المتحالفين الجدد) في دورهم الذي كان يتطلع إليه النظام في التخفيف من الآثار السلبية للإصلاحات الاقتصادية ما ترتب عليه تزايد حالة السخط الشعبي من هذه الشريحة , ومن النظام المتحالف معها وإزاء هذه التطورات في الميادين السياسية ( انتخابات مجلس الشعب ) والاجتماعية ( تزايد أعمال العنف ) والاقتصادية ( تدهور الأوضاع المعيشية ) ظل النظام مهتما بشرعيته إلا أنه أخذ يتصرف إزاءها بعصبية فلبت سياسة القمع على سياسة التفاوض – وهي حالة عمقت في النهاية مما أسميته بـ " أزمة الشرعية لدي النظام " ( ذكرته في لمقدمة وسيتضح أمثر في هذا الفصل ) .

وكما فعلت في الفصول السابقة سأتناول الميدان السياسي في الفترة من العام 1995 إلى العام 2000 وكيف تفاعل فيه النظام والإخوان في سعي كل منهما لتعزيز شرعيته .

أولا : مبارك وانتخابات العام 1995

اتسمت انتخابات العام 1995 بمشاركة ملحوظة من المرشحين المستقلين صنف عدد كبير منهم بانتمائه إلى فئة رجال الأعمال وأشارت التقديرات الرسمية إلى مشاركة أكثر من 4000 مرشح في المنافسة على مقاعد مجلس الشعب التي يبلغ عددها 444 منهم 439 مرشحا من الحزب الوطني ( الحاكم ) و181 مرشحا من حزب الوفد الجديد , و107 مرشحين من حزب العمل وانتمي الباقون إما إلى أحزاب صغيرة أو ترشحوا كمستقلين. وبالإضافة إلى هذا العدد الكبير من المرشحين من المستقلين ومن رجال الأعمال غابت عن الانتخابات التحالفات السياسية التي برزت في انتخابات العامين 1984, 1987 وهذا ما أكد ضعف الأحزاب السياسية المصرية وبروز قوي جديدة أكثر فاعلية بكلمة واحدة لقد غلب على انتخابات العام 1995 الاقتصادي على السياسي .

ومع هذه التغيرات أحرز الحزب الوطني نصرا مريحا بحصوله على 417 مقعدا في مقابل 6 لحزب الوفد الجديد و5 مقاعد لحزب التجمع ومن بين 170 مرشحا ينتمون إلى الإخوان لم تستطع الحركة بسبب تضييق النظام سوي من الحصول على مقعد واحد فقط ( خسرته بعد ذلك بناء على أن النائب البرلماني ينتمي إلى جماعة محظورة ) وعلى الرغم من حقيقة أن الحزب الوطني احتل 94 بالمئة من المقاعد – وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالانتخابات السابقة – إلا أن قاعدته الشعبية تراجعت بدرجة كبيرة فقد حصل الحزب بداية على 317 مقعدا فقط شكلت 81 بالمئة من المقاعد في مجلس الشعب ( مقارنة مثلا بنسبة 78 بالمئة في انتخابات العام 1987, 87 بالمئة في انتخابات العام 1984) ولكن أضيف 100 مقعد لصالح الحزب الحاكم لاحقا عندما قرر بعض النواب المستقلين وغالبيتهم من رجال الأعمال , الانضمام إلى الحزب الوطني لحصد ا أمكنهم من مكتسبات من وراء عضويتهم في حزب النظام , ويشير هذا التراجع الابتدائي في دعم الحزب الوطني إلى خيبة أمل الناس من النظام مقارنة بمستهل الثمانينيات .

زد على ذلك أنه بخلاف الانتخابات السابقة التي هدف النظام من ورائها إلى تأمين السيطرة على مجلس الشعب بطريقة ذكية , فإن انتخابات العام 1995 شهدت أسوأ التدخلات وأكثرها قمعا لمنع المعارضة من الفوز فإلى جانب المئات الذين تعرضوا لمضايقات من رجال الشرطة وقوات الأمن قتل 51 شخصا على الأقل خلال عملية التصويت التي دامت يومين ( لقي 28 منهم مصرعه برصاص الشرطة وأصيب حوالي 878 بجروح) وابرز مستوي العنف تزايد مشاعر العدائية بين الدولة والمجتمع وانعدام الثقة بين الدولة والعارضة السياسية التي قاطعت انتخابات لعام 1990 ( راجع الفصل الخامس ) كما جاء عنف الدوائر الأمنية ردا على إعلان الإخوان أنهم سيخوضون الانتخابات بمائة وسبعين مرشحا لأنهم لو تركوا يخوضون المعركة الانتخابية بحرية فسيكون فوزهم أمرا شبه مؤكد ( كذا تصور النظام 9 وسيتجاوز تأثيرهم في مجلس الشعب في العام 1995 تأثيرهم في العام 1987.

وبالإضافة إلى ما تقدم أريد من مجلس الشعب في العام 1995 ترشيح مبارك لفترة رئاسية رابعة في العام 1999, وخشي النظام من أنه في حال سيطر الإخوان على أكثر من ثلث المقاعد في مجلس لشعب ( أى على نحو 140 مقعدا) فسيكون في مقدورهم عندئذ إعاقة ترشيح مبارك على اعتبار أنهم سبق أن صوتوا ضد ترشيحه لفترة ولاية ثالثة في العام 1993 كما أن عددا كبيرا من الإسلاميين تحت قيادة التحالف الإسلامي وبدعم من حزب الوفد سيطعنون في القوانين القمعية مثل قانون الطوارئ الذي جري تمديد العمل به في العام 1997 والعام 2000 وقانون الصحافة للعام 1995 الذي يفرض غرامات شديدة على الصحف في حال نشرت ما تعتبره السلطات معلومات كاذبة .

وعلى الرغم من إشراف وزارة العدل على الانتخابات وهو تطور دأبت المعارضة على المطالبة به طوال سنوات فإن وزارة الداخلية تمكنت من التدخل في سير عمليات التصويت وأسقطت كافة مرشحي الإخوان المائة والسبعين عدا مرشح واحد ( جري تجريده من عضويته في مجلس الشعب كما سبق أن أشرت على أساس أنه ينتمي إلى تنظيم محظور ) وجري اعتقال مرشحين مثل عصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح سرعان ما أعلنوا عن نيتهم لخوض الانتخابان وجري تقديمهم إلى المحاكم العسكرية بناء على عضويتهم في تنظيم سري وأدانت المنظمات القومية والدولية المدافعة عن حقوق الإنسان تحويل مدنيين إلى محاكم عسكرية لم يفعلوا شيئا سوي معارضة الحكومة في آراء ومواقف سياسية وسعت شخصيات لديها اتصالات مع النظام ومع الإخوان إلى التوفيق بين الطرفين وإلى إقناع النظام بوقف المحاكمات العسكرية في حال وافق الإخوان على تقليص عدد مرشحيهم الذي اعتبره النظام رقما مستفزا ( 170 مرشحا ) وكان كمال أبو المج وهو عضو سابق في الإخوان ويتمتع بعلاقات جيدة مع النظام أيضا أحد هذه الشخصيات وقد التقيت بأبي المجد مرات في جيدة مع النظام أيضا أحد هذه الشخصيات وقد التقيت بأبي المجد مرات في مكتبة بالقاهرة وتحدث عن الجهود التي بذلها لإقناع الرئيس مبارك بوقف محاكمات الإخوان في مقابل التوصل إلى صفقة سياسية مع الحركة :" ذكرت لمبارك أن الإخوان كانوا فعلا على استعداد لخفض عدد مرشحيهم من 170 مرشحا إلى ما يصل إلى 10 مرشحين فقط واستبعاد أسماء مثيرة للجدل بالنسبة إلى النظام من قائمة مشرحي الجماعة مثل مأمون الهضيبي ومختار نوح وسيف الإسلام حسن البنا وذلك في مقابل أن يلغي النظام المحاكمات العسكرية ولكن جهودي أخفقت بسبب مؤولين معينين مثل صفوت الشريف وزير الإعلام حينئذ الذي سرب للصحافة فكرة الصفقة قبل أن تبدأ بالتبلور ".

ويعتقد أبو المجد أن مبارك رأي في الإسلاميين تهديدا لقيادته وخشي من سيناريو شبيه بما حدث في الجزائر مع جبهة الإنقاذ الإسلامية يمكن أن يؤدي فوز الإخوان فيه إلى تحويل مصر إلى إيران ثانية وأكد وجهة النظر هذه مكرم محمد أحمد رئيس تحرير مجلة المصور ويتمتع بصلات وثيقة مع مبارك فقد أكد مكرم كذلك على خوف النظام من الإخوان وعلى قلقه من تداعيات شعبيتهم " الإخوان منظمون للغاية ويتمتعون بشعبية واسعة جدا وفي حال خاضوا الانتخابات فسوف يفوزون على الحزب الديمقراطي الوطني بسهولة وهناك تيار داخل النظام يري أن الإخوان يشكلون التهديد السياسي الأكبر لمبارك ويخشي من أن ما حصل في الجزائر ( في العام 1992 ) يمكن أن يحصل في مصر ( العام 1995) .

لذلك سأتناول تفاعل الإخوان مع إصرار النظام على إقصائهم من انتخابات العام 1995 وهو إصرار ستري تصاعد وتيرته في الانتخابات التالية أيضا ( راجع العامين 2000 , 2205 في الفصل السابع ) .

منع الإخوان المسلمين من دخول البرلمان ( 1995)

كان نزول الإخوان بـ 170 مرشحا في انتخابات العام 1995 ( بعد مقاطعة انتخابات العام 1990 ) صدمة للنظام كما أنه بالإضافة إلى هؤلاء المرشحين الـ 170 الذين عزموا على خوض الانتخابات كمستقلين خاض عدد آخر من المرشحين الإخوان الانتخابات بالتحالف مع حزب الوفد ما عزز من استفزاز النظام وتعزيز مخاوفه من أن الجماعة تهدف إلى زيادة نفوذها السياسي والتشريعي في مجلس الشعب وكانت شعبية الحركة أخذة في التنامي بعد النجاحات التي حققها أعضاؤها في النقابات بسبب أنشطتهم الخدمية المنظمة وذات الكفاءة العالية بالمقارنة مع الخدمات التي تقدمها الدولة ولم تقتصر خدمات الجماعة على أعضاء بالمقارنة مع الخدمات التي تقدمها الدولة ولم تقتصر خدمات الجماعة على أعضاء النقابات فقط وإنما امتدت إلى عوام الناس في الحياء السكنية الفقيرة والمتوسطة والرقية من خلال الجمعيات الخيرية والعيادات والمدارس والمصانع ومحلات السوبر ماركت التي يشرف عليها الإخوان كـ " آفاق مشتركة " للاستقطاب وفضاءات لاكتساب الشعبية ( أ الشرعية ) وتعبئة الجماهير أضف إلى ذلك أن وجودهم المتسمر في المساجد المحلية ومشاركتهم أبناء المجتمع في مناسباتهم الأفراح والعزاء زاد من شعبية مرشحي الإخوان بدرجة كبيرة ويعتقد خالد منير صحافي في الحياة أن أغلب الدعم الذي تمتع به الإخوان يرجع إلى أن " الشعب يجدهم متي ما احتاج إليهم في حياته اليومي وليس في مراسم الحملات الانتخابية فقط " وأشار منير قائلا " لدينا في مصر من نسميهم بـ " نواب الخدمات" وهؤلاء هم أعضاء البرلمان الذين لا يفوزون في الانتخابات بالضرورة لأن لديهم مشاريع سياسية جيدة – فالكثير منهم لا يعرف شيئا عن السياسة أساسا – وإنما بسبب توفيرهم خدمات للناخبين ومشاركتهم هموم مجتمعهم وهذا ما يجعلهم يتمتعون بشعبية واسعة ويرغب الناس في التصويت لهم , بصرف النظر عما إذا خاضوا الانتخابات كأعضاء صمن قائمة حزبية أو كمستقلين ".

وإزاء شعبية الإخوان المتزايدة تدخلت دوائر أمنية بقسوة في انتخابات العام 1995 , وقامت باعتقال وتحويل أعضاء " مفصليين" وفاعلين في التنظيم إلى محاكم عسكرية في محاولة غير مسبوقة في عهد الرئيس مبارك لشل حركة الجماعة وتصف نفوذها المقلق .

تأثير المحاكم العسكرية

قام النظام في العام 1995 باعتقال عدد من الأفراد تضمن 95 عضوا فاعلا في الجماعة وحولهم إلى محاكمات عسكرية وقد شملت قائمة المحاكمين عسكريا عصام العريان الأمين العام السابق لنقابة الأطباء ومحمد حبيب رئيس هيئة التدريس في جامعة أسيوط وخيرت الشاطر صاحب شركة " سلسبيل " للكومبيوتر , وعبد المنعم أبو الفتوح الأمين العام السابق لاتحاد الأطباء العرب ومحمود عزت الأساتذة الجامعي وعبد الوهاب شرف الدين , وهو رجل أعمال وبالإضافة غلى مناصبهم العامة فإن معظم المعتقلين يحتلون مناصب رفيعة في الحركة وكانوا مسئولين عن مكاتب وأقسام داخل هيكل التنظيم فعلي سبيل المثال كان عصام لعريان عضوا في مكتب الإرشاد وكان في السابق عضوا في قسم الطلاب قسم النقابات المهنية وكان حبيب عضوا في مكتب الإرشاد ومسئولا أيضا عن قسم هيئات التدريس في الجامعات في حين كان الشاطر عضوا في مكتب الإرشاد ومسئولا عن قسم التخطيط ( حبيب والشاطر هما الآن نائبان للمرشد العام مهدي عاكف )

وقد وجهت المحاكمات العسكرية ضربة قوية إلى التنظيم وشكلت نقطة تحول في الصراع مع النظام وأثرت في تصورات الإخوان والكثير من مواقفهم خلال التسعينيات وربما العقد الذي تلاها وافترض أغلب الإخوان في المرحلة الأولي من الاعتقالات والمحاكمات في العام 1995 أن مبارك لن يمضي في هذه الخطوة إلى نهايتها ( أى حكم المحكمة بالسجن لسنوات ) ويخاطر بالتالي بتشويه صورته داخل مصر وخارجها وإنما سيتدخل ويعفو عن المتهمين ما إن تنتهي الانتخابات ولكن سرعان ما أدرك الإخوان أنهم كانوا مخطئين في افتراضهم حيث أدين أغلب الأشخاص الذين مثلوا أمام المحاكم العسكرية وسجنوا لفترات تراوحت ما بين ثلاث وخمس سنوات ( بعضهم مع الأشغال الشاقة ) وهو ما أكد أن نوايا النظام باتت في الحقيقة أوسع من مجرد منع الإخوان من خوض الانتخابات .

وفي أعقاب إصدار الأحكام العسكرية طلب التنظيم من القسم السياسي داخل الجماعة عمل دراسات وإطلاعه على ما يعتقد أنها الأسباب التي أدت إلى تغيير النظام موقفه من الحركة وعلى الخيارات المتاحة أمام الإخوان للمحافظة على وجودهم في ظل الظروف السلطوية التي سادت في التسعينيات .

ولقد تمكنت من الالتقاء في أثناء زيارتي لمصر في العام 2001 بعبد المنعم سليم جبارة ( الراحل ) وكان عضوا في مكتب الإرشاد ومسئولا أيضا عن المكتب السياسي وعرض على بارة في شقة في منطقة الجيزة حيث كان أعضاء من القسم السياسي يلتقون ويديرون نشاطاتهم التقارير الأسبوعية والتعليقات المتعلقة بالشؤون السياسية الحالية التي أعدها القسم ووزعها على أعضاء التنظيم وعكست أغلب تلك التقارير موقف الإخوان من التطورات لحالية على رغم أنه لم يكن يجري الإعلان عن وجهات النظر هذه دائما في خطابهم للناس والصحافة وافق جبارة على إطلاعي على بعض الدراسات التي أعدها القسم الخاصة بموضوع وأبلغني جبارة أن الوثائق والدراسات الأكثر أهمية صادرتها الأجهزة الأمنية في أثناء حملة الاعتقالات والبحث عن معلومات تتعلق بالتنظيم ولذلك لم ير ضررا في نشر بعض من هذه الدراسات لأغراض هذا الكتاب شريطة حذف أسماء الأشخاص المنتمين إلى التنظيم وتفاصيل أخري حساسة .

وسأعرض في القسم التالي بعض ما جاء في هذه الوثائق التي لم يكن يراد نشرها السياسي وتقييم الأسباب التي قادت إلى المواجهة كما يراها القسم السياسي ف التنظيم والخيارات المطروحة وتعني الوثائق الأربع التي أناقشها هنا بنظام مبارك وبعلاقاته مع الإخوان ولذلك فهو يوفر للباحثين المهتمين بدراسة العلاقة بين الدولة والمجتمع في الوطن العربي بعض الرؤي المفيدة خاصة في ما يتعلق بطريقة الإسلاميين عموما في التفكير وتناقش الوثائق أيضا دور الغرب وإسرائيل في المواجهة بين مبارك والإخوان وأذكر بأن هذه الوثائق خاصة وبالتالي تكمن قيمتها في أن بعض الآراء الموجودة فيها لا يتم التعبير عنها أمام الناس وفي الصحافة وأؤكد أن الأفكار والبيانات المذكورة في هذه الوثائق لا تعكس بالضرورة الآراء الرسمية للتنظيم ولكنها تكشف عن ملاحظات وآراء أعضاء القسم السياسي الذين كتبوها ويمكن القول في الوقت نفسه إنه قد جري تدوالها بين كبار الأعضاء في التنظيم بما في ذلك قيادته وبالتالي أثرت حتما في تصورات وآراء الإخوان ولو دون وعي وقد أوردت النصوص الكاملة لهذه الوثائق ( وتنشر لأول مرة ) في ملحق هذا الكتاب .

الإخوان المسلمون يكشفون أسرارهم

وفي ما يلي عرض بأهم الأفكار والتصورات التي وردت في الوثائق الداخلية للإخوان والتي كتبها أعضاء القسم السياسي بعد اعتقالات العام 1995 الشهيرة وطبقا للوثيقة فإنه ربما أمكن القول إن المواجهة بين مبارك والإخوان كانت هي النتيجة المتوقعة بسبب عدم قدرة النظام على تحمل وجود حركة قوية ومنظمة وشعبية ومنافسة مثل الإخوان واستنادا إلى هذه الوثائق فإن نظام مبارك لم يكن أكثر من امتداد لنظامي عبد الناصر والسادات وجميعها أنظمة ظلت في جوهر تعاملها مع المنافس أو الغريم عسكرية وإن تزيت بلباس مدني .

وطبقا للوثيقة نفسها فإنه يمكن اعتبار النظام المصري ملكيا , وليس جمهوريا من حيث إن من يخلف القيادة السياسية ينحصر في من ينتمي إلى المؤسسة العسكرية كما أن النظام اعتمد العلمانية كأيديولوجية وسياسة الحكم محاولا إبقاء الدين بعيدا عن التأثير في سلطته وعن المجتمع من خلال خطة تدريجية تعتمد على وسائل الإعلام وعلى التعليم وعلى السيطرة على المؤسسة التشريعية ويمكن اعتبار اعتماد النظام الكلي على سياسة الملاحقة والقمع مؤشرا على ضعفه الداخلي وعلى تدهوره في حين كان يعتبر مبارك " مترددا وغير حاسم " بإيثاره التعامل مع المشكلات على مراحل بدلا من أن يتعامل معها دفعة واحدة – حسب تعبير احدي الوثائق كما ينظر إليه على أنه يحظي بدعم من قبل قوي دولية وإقليمية للإسلاميين وبمقمع الإخوان أثبت مبارك للولايات المتحدة أن نظامه مسيطر على الوضع الداخلي وأن المصالح الأمريكية في مصر وفي المنطقة غير معرضة للخطر ( بالطبع كتبت الوثيقة قبل أحداث 11 أيلول / سبتمبر 2001 )

ولكن على الرغم من السمات الاستبدادية للنظام والدعم الذي يتلقاه من الخارج ما يزال الإخوان يملكون استنادا إلى ما جاء في الوثائق قوي معينة تجعلهم خصما قويا للنظام السمة الأولي – حسب احدي الوثائق – هي هيكلية التنظيم التي يبقي من الصعب كشفها أو اختراقها والسمة الثانية هي القاعدة الشعبية الواسعة من الاتصالات والمعارف التي تخدم كدرع يحميهم من النظام والسمة الثالثة هي القدر على تعبئة الجماهير .

وحددت الوثائق التطورات التي هيأت السياق لحدوث المواجهة بين النظام والإخوان وتشمل هذه التطورات القرار الذي اتخذه الإخوان بمقاطعة الانتخابات في العام 1990 وموقفهم من حرب الخليج في العام 1991 وسيطرتهم على نقابة المحامين في العام 1992 ورفضهم دعم ترشيح مبارك لفترة ولاية ثالثة في العام 1993 , ولكن السبب الرئيسي الذي دفع النظام إلى مواجهة الإخوان كان العام 1993 ولكن السبب الرئيسي الذي دفع النظام إلى مواجهة الإخوان كان انشغاله بشعبية وإصرار الإخوان على منافسة النظام في الميدان السياسي على الرغم من مخاطر رد استبدادي " اثبت أغلب الأحداث أن النظام في الفترة المتبقية له في الحكم لن يمنح الإخوان الشرعية التي ستمكنهم من إحكام سيطرتهم على المؤسسات الاجتماعية ( النقابات , والاتحادات وهيئات التدريس ) لكن احدي نتائج إصرارهم على المشاركة السياسية وهي المشاركة التي أريد منها إثبات وجودهم هي تركيز ثقلهم حيث تكمن قوة النظام 0 أى مجلس الشعب ) وهو ما يؤدي إلى الاحتكاك السياسي مع النظام ومن ثم إلى قمعه ".

واعترفت احدي الوثائق بأن الإخوان سيسوا الفضاءات التي سيطروا عليها بما في ذلك النقابات والجامعات وهو تسييس جاء نتيجة تصور مشترك بينهم وبين النظام بأن المعركة بين الاثنين قائمة على أن فوز أحد الطرفين ينبغي أن يكون على حساب خسارة الآخر وان الهزيمة لا ينبغي أن يقبل بها أى من الطرفين وهذا يعني أن الإخوان والنظام لديهما التصور نفسه بأن المعادلة بينهما هي صفرية المجموع وأن فوز أحدهما يعني بالضرورة خسارة الآخر ( فلا محل للتفاوض ) .

ثانيا : استراتيجيات للمستقبل

خياران للتعامل

بدا أن هناك خيارين متوفرين منذ البداية للإخوان في تعاملاتهم مع النظام حسب إحدى الوثائق : إما أن تلجأ الحركة إلى العنف وتفقد بمصداقيتها الشعبية التي ميزتها من المتطرفين أو أن تمارس سياسة ضبط النفس وتنتهج مسارا هادئا إلى أن تمر عاصفة القمع التي تتعرض لها من النظام وجرت التوصية بالخيار الثاني وإن حذرت الوثيقة من أن ذلك لا يعني بالضرورة السلبية المطلقة من الجماعة تجاه ما يحصل لها وتنصح الوثيقة قيادة الجماعة أولا بتجنب الدخول في منافسة مع النظام في الفضاءات التي أعتقد النظام أنها ملك حصري له لأن ذلك يستفزه ويستعديه وبالمقابل ينبغي على الحركة التركيز على الفضاءات التي يكون حضور النظام فيها اقل بروزا كما في المجتمع والنوادي والجمعيات ( مثل جمعيات رجال الأعمال ,والنوادي المتخصصة وبيوت الشباب , والكشافة والجمعيات النسائية , والحرفيين والعمال , والمزارعين , وما إلى ذلك ) وفضاءات المجتمع المدني عموما بدلا من التركيز على مجلس الشعب فقط وثانيا , ينبغي عليهم المحافظة على سيطرتهم الحالية على النقابات عبر زيادة التركيز على تقديم الخدمات المهنية والتقليل من التركيز على القضايا ذات البعد السياسي وإن كانت تحمل هما قوميا .. وثالثا , ينبغي على الجماعة إجراء مراجعة جادة ونقدية شاملة للمسائل والقضايا المتعلقة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل التنظيمية داخل الجماعة أيضا .

وناقشت الوثائق القضايا المختلفة المتعلقة بالعوامل القومية والإقليمية والدولية التي ساهمت في وقوع المواجهة بين النظام والإخوان لكن اللافت هو الرد على عنف الدولة ويميل المحللون ودارسو الحركات الإسلامية في الوطن العربي إلى الافتراض بأن عنف الدولة تجاه الإسلاميين يدفع في العادة إلى عنف مقابل . لكن ذلك لم يحدث في حالة الإخوان . والمفاجئ أن المحاولات التي بذلن لتأسيس أحزاب سياسية مثل تجربة حزبي " الأمل " و" الوسط" تقبل بشرعية مجلس الشعب وترغب في المشاركة السياسية جاءت خلال عقد التسعينيات وهو العقد الذي شهد ذروة القمع الذي مارسته الدولة ضد الإسلاميين وقد كان الإخوان حريصين على عدم الانجرار إلى العنف بما أن النظام يملك وسائل قمعية قوية ولأن ذلك سيلحق الضرر بسمعتهم الشعبية بوصفهم حركة تخلت عن العنف بلا رجعية وسبق أن عاني المخضرمون من الإخوان في الماضي مثل لمرشد الراحل مصطفي مشهور الذي كان عضوا في التنظيم الخاص من عواقب المشاركة في نشاطات عنيفة وبالتالي لم يكونوا على استعداد للسماح بحصول ذلك مرة أخري خاصة أنه لا يمكن المقارنة بين نظام مبارك وإن يكن استبداديا بشمولية عبد الناصر .

وقد زرت مصطفي مشهور في شقته في القاهرة قبل شهور قليلة من وفاته وأكد لى في تلك المقابلة أن الإخوان ظلوا ضد استخدام العنف واستشهد بحادثة وقعت في أثناء انتخابات العام 2000 عندما جري توبيخ شاب من الإخوان توبيخا شديدا لحمله مسدسا كان ينوي استخدامه ضد رجل شرطة اعتدي عليه وتظهر الحادثة ماذا يمكن أن يحدث من عواقب وخيمة عندما تتجاوز الدولة حدودها في القمع ولكن الحادثة تثبت أيضا دور قيادة الإخوان في منع الردود غير المناسبة وأكدت احدي الوثائق أن الأجهزة الأمنية كانت متأكدة تماما من عدم حيازة الإخوان أسلحة , ما يفسر عدم لجوء النظام إلى العنف مع قادة الإخوان لما كانوا يعتقلون ويستجوبون . وقد رد مشهور بصراحة على اتهامات النظام بأن للإخوان صلات مع الجماعات الإسلامية مثل الجهاد والجماعة الإسلامية والمدهش أن وزير داخلية ( سابق ) في عهد الرئيس مبارك أكد عدم وجود صلة بين الإخوان والإسلاميين الذين يؤمنون بالعنف على عكس ما كان يصرح به لما كان في منصبه وفي لقاء خاص مع الوزير قال إن عمليات التحقيق التي كانت تجري مع المعتقلين الإسلاميين لم تشر إلى وجود رابط مع الجماعات الإرهابية وأضاف الوزير السابق الذي وافق على لقائي شريطة عدم ذكر اسمه :" الأمر الذي يميز الإخوان هو أنهم حركة إسلامية ليست دينية وحسب بل سياسة أيضا فالإخوان منظمون جيدا ونشطون في السياسة وهذا أمر لا يمكن للنظام أن يسمح به لا تنسوا أننا نعيش في دولة استبدادية لا في دولة ديمقراطية حقيقية."

وقد تطرقت وثائق القسم السياسي في الجماعة إلى ظاهرة استخدام النقابات المهنية كمنابر سياسية ناطقة باسم الإخوان وما إذا كانت الحركة ستستمر في توظيف النقابات توظيفا سياسيا في السنوات التالية؟ وهو تساؤل سأحاول الإجابة عنه عند تناول تفاعل الجماعة في الميدان الاجتماعي .

النظام والمجتمع

شهد منتصف التسعينيات مزيدا من التدهور في علاقات الدولة بالمجتمع وهو ما تجلي في الموقف القمعي الذي تبناه النظام من المجتمع المدني ومن حزبه الصحافة ففي العام 1995 أصدر مجلس الشعب الذي يسيطر عليه الحزب الوطني القانون رقم ( 93) الذي فرض غرامات كبيرة وعقوبات شديدو ( يمكن أن تصل إلى السجن لمدة خمس سنوات فضلا عن دفع غرامة تساوي 20000 جنه مصري ) على أية صحيفة تنشر أخبارا غير دقيقة أو معلومات كاذبة تضر بالمصلحة العامة وقد أغضب هذا القانون المعارضة والصحافيين وأطلق عليه الأشخاص الذين يعملون لدي الصحافة التي تملكها الدولة اسم " قانون اغتيال الصحافة " أجبر مبارك على إلغائه بعد صدوره بسنه .

وواصل المتطرفون استهداف الدولة وكبار المسئولين فيها سواء داخل مصر أو خارجها واستنادا إلى المنظمة المصرية لحقوق الإنسان المستقلة قتل حوالي 333 شخصا خلال الشهور العشرة الأول من العام 1995 في أعمال العنف السياسي في صعيد مصر وبخاصة في محافظات المنيا وأسيوط وقنا وفي حزيران / يونيو 1995 حدثت محاولة اغتيال مبارك في أديس أباب , وادعت المسؤولية عن تنفيذها منظمة أطلقت على نفسها " طلائع الفتح الإسلامي " التي تمثل الجناح العسكري لجماعة الجهاد وفي تشرين الثاني / نوفمبر تعرضت السفارة المصرية في إسلام أباد لهجوم أدي إلى مقتل 15 شخصا على الأقل وإصابة 70 آخرين بجروح واستنادا إلى نبيل عبد الفتاح وهو محلل سياسي وخبير في الشؤون الإسلامية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية زادت هذه الأحداث من استياء النظام الذي لم يعد يميز بدءا من تلك الفترة فصاعدا بين الإسلاميين " الراديكاليين " والإسلاميين المعتدلين كما كان يفعل في الثمانينيات.

وعلى لنقيض من الوضع الذي ساد في الثمانينيات بدأ مبارك الآن بتأكيد الشبه بين الإخوان المسلمون والجهاد وتحدث عن " تقسيم الأدوار بين الإخوان والمتطرفين " وصعد النظام حملته ضد الإخوان في الجامعات وأكثر من ذلك في النقابات المهنية ففي شباط / فبراير 1995 أدخل النظام تعديلات جديدة على القانون رقم ( 100) للعام 1993 ومنحت هذه التعديلات مزيدا من الصلاحيات للقضاة في الإشراف على الانتخابات النقابية فضلا عن حق إسقاط ترشيح المرشحين بعد أن أخفق القانون في منع الإخوان من الفوز في النقابات وعندما فشلت التعديلات أيضا في أداء الغرض المطلوب تدخل وزير الداخلية وأوقف الانتخابات النقابية على أساس أن المرشحين الإسلاميين ينتمون إلى حركة محظورة وهذا ما حصل لعصام العريان في نقابة الأطباء في العام 1995 ولسيف الإسلام حسن البنا في نقابة المحامين في العام 1996.

وكانت تفاعلات الإخوان في النقابات واستفزاز النظام بسببها دافعا لإثارة نقاش داخلي في صفوف الجماعة – كما دلت وثيقة القسم السياسي الخاصة عما إذا كانت الحركة أحسنت إلى النقابات أم أساءت إليها بتحويلها إلى منابر سياسية ؟

نقابات مهنية أم منابر سياسية ؟

بالإضافة إلى الاعتقالات التي طالب الإخوان في نقابتي الأطباء والمحامين وفي أعقاب دعوي قضائية تتعلق بمخالفات مالية وضعت نقابة المهندسين أيضا تحت إشراف القضاة إلى حين تحديد موعد آخر لانتخابات مجلس إدارتها ولكن الإخوان الذين رفضوا الامتثال لحكم المحكمة وعندما اقتحمت قوات الأمن النقابة لفرض تنفيذ الحكم وعلقت مجلس الإدارة رفع المجلس الذي يسيطر عليه الإخوان دعوي قضائية ضد شخص مبارك ردا على هذا التعليق وأثبتت الاعتقالات والمحاكمات التي شملت أعضاء في نقابات الأطباء والمحامين والمهندسين أن المواجهة مع النظام لم تكن ترتبط ببساطة بالانتخابات البرلمانية للعام 1995 وإنما بالتأثير الواسع للإخوان في السياسة وفي المجتمع ككل .

كما أن الأحداث التي وقعت في نقابة المهندسين أظهرت أنه لم يكن في نية الإخوان التنازل بسهولة عن لمكتسبات التي حققوها خلال فترة المصالحة التي تبناها النظام وجاء ذلك منسجما مع الاقتراح الذي ورد في احدي الوثائق والذي يقول غنه " ينبغي ألا تتخلي ( الحركة) عن مراكز تأثيرها ما لم تكن متأكدة من أن الخسائر التي ستنجم عن الاحتفاظ بهذه المراكز تفوق المكاسب " وإنه على حد تعبير الوثيقة ينبغي أن تهدف الحركة إلى استعادة المواقع التي خسرتها ولكن بروح وأساليب جديدة وبطرق عمل تختلف عن الطرق السابقة وعكست هذه التطورات الأجواء السائدة داخل قيادة الحركة التي أكدت أنه ينبغي ألا يكف الإخوان عن مواصلة إحراز تقدم على صعيد بناء نفوذهم في الميدان السياسي وفي المجتمع وعلى أن يصروا بالمقابل على محاولة زيادة توسيع ذلك التأثير وفي وثيقة داخلية خاصة وغير منشورة مدح المرشد السابق مصطفي مشهور الشرعية الاجتماعية للإخوان وشدد على أهمية المحافظة عليها وجاء في عبارات مشهور : أصبحت نشاطاتنا معروفة بسبب زيادة نشاطنا العام ولأننا أصبحنا منفتحين على قطاعات المجتمع من خلال الجبهات المؤثرة مثل النقابات والاتحادات والجمعيات الشعبية والمجالس المحلية وأصبح المجتمع على دراية بهذا الناشط وبنوايانا المخلصة في السعي إلى إرضاء الله عبر الإخوان مشغولين في تطوير الشرعية الاجتماعية من خلال تقديم خدمات مثل الرعاية الصحية والسكن . ولم يدركوا أن تقديم هذه الخدمات لن يكون سهلا دون تعاون من جانب أجهزة الدولة ووزارتي الصحة والإسكان وهو الأمر الذي عارضته الحركة وهذا يعني انه سيكون مستحيلا في ظل هذه الظروف مواصلة الإخوان خدمة جماهيرهم المهنية مع المشاركة في الوقت نفسه في عملية تسييس للعمل النقابي يثير غضب النظام .

ولم تعترض الدراسة الداخلية على تولي النقابات دورا سياسيا ولكن شريطة أن يعكس هذا الدور مصالح واهتمامات الشريحة الأوسع وليس أجندة واهتمامات أعضاء التنظيم وميزت الوثيقة بين المستويات العليا والمستويات الدنيا من السياسة وقالت إن الإخوان خدموا بالفعل الطبقة الوسطي من المهنيين في النقابات فقط لما ركزوا على المستويات الدنيا من السياسة ( كالصحة , والإسكان) وعملت كـ " جماعة ضغط " عبر حشد التأييد للإصلاحات في قطاعات الإسكان والصناعة والتعليم ولا يعني هذا أن المطلوب من الإخوان في النقابات أن يتخلوا عن المستويات الدنيا من السياسة ( المواقف من القضايا القومية والإقليمية والعالمية المختلفة ) شريطة أن يمثل هذا الاهتمام مصلحة أعضاء النقابة وليس مصلحة أعضاء التنظيم وحسب وينبغي للإخوان الاعتراف بأن محاولاتهم الهادفة إلى إحداث تغيير من خارج أجهزة الدولة سيكون مصيرها الفشل حسب الوثيقة لأن الدولة تبقي هي المسيطر على المؤسسات والمنظمات الرئيسية في المجتمع ويمكنها التدخل في أى وقت وخلصت الدراسة إلى أن المواجهة ويمكنها التدخل في أى وقت وخلصت الدراسة إلى أن المواجهة مع الدولة تقع كلما استبعد الإخوان دور الدولة أو تصرفوا كما لو كانوا مستقلين أو اعتمدوا على شرعيتهم ( غير الرسمية ) كمصدر للقوة في منازلة النظام أو تحدي سلطته .

سأتناول في ما يلي تفاعلات النظام الإخوان في الميدان الاقتصادي في منتصف التسعينيات بحسب مسعي كل منهما لتعزيز شكل من أشكال الشرعية أبدأ بالدعم الذي منحه النظام لفئة رجال الأعمال علها تسد الفراغ الذي خلفه انسحاب الدولة نتيجة لإجراءات الخصخصة .

الخصخصة

راهن لنظام منذ مطلع التسعينيات على الإصلاح الاقتصادي ( والخصخصة) في تكريس شرعيته غذ كان من المؤمل أن يسفر الإصلاح في هيكل الدولة عن تحقيق رفاهية اقتصادية تطال الطبقات الدنيا على المدى الطويل لم تعد الشرعية القانونية هي " الشكل المهيمن " في مواقف النظام في التسعينيات بقدر ما كانت شرعية الإنجاز ولكن الإنجاز هنا ليس من خلال توطيد العقد الاجتماعي دولة الرعاية والرفاهية التي كانت على أيام عبد الناصر ولكن من خلال تقوية القطاع الخاص الذي بدا أكثر كفاءة من القطاع العام المتآكل وهذا التحول ربما يفسر لماذا قلل النظام من اعتماده على مهادنة الأحزاب السياسية كما فعل في الثمانينيات ( لما راهن على شرعية قانونية – راجع الفصل الثاني ) وزاد من اعتماده على فئة رجال الأعمال ( علها تدعم سعيه إلى شرعية الإنجاز بالتعريف الجديد للكلمة ) .

أمكل مبارك في أن يؤدي التحرر الاقتصادي على المدى الطويل إلى التخفيف من المآسي التي نتجت من ترهل العقد الاجتماعي للنظام وإلى دعم دور القطاع الخاص الذي بدأ مؤيدوه بإثبات حضورهم الملحوظ في الميدان السياسي كما رأينا في انتخابات العام 1995 فضلا عن الميدان الاقتصادي وبالتالي في حين أن النظام تصالح مع المعارضة السياسة في الثمانينيات لكي يدعم شرعيته نجد ان الصعوبات الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية الدينية في التسعينيات دفعته إلى زيادة التركيز على عوامل التحرر الاقتصادي .

تحالف النظام مع رجال الأعمال

بدأ بروز رجال الأعمال مع سياسة الانفتاح التي دشنها السادات في منتصف السبعينيات ونمت هذه الشريحة في الثمانينيات مع جهود مبارك لعزيز الاستقرار الاقتصادي بالتشجيع على الاستثمار وتصدير المنتجات المصرية إلى الخارج وخلال التسعينيات استغل رجال الأعمال التحول نحو الإصلاحات ( الهيكلية ) لتحقيق مزيد من المكتسبات الاقتصادية واستغلوا القانون الانتخابي للعام 1990 الخاص بالترشح الفردي ( وليس ضمن قوائم حزبية ) في زيادة نفوذهم السياسي وفي خوض انتخابات العام 1990 التي قاطعتها الأحزاب السياسية وأصبح وجود رجال الأعمال في مجلس الشعب أكثر وضوحا في العام 1995 عندما احتلوا 71 مقعدا مقارنة بمقاعدهم في مجلس الشعب في العام 1990 (31 مقعدا) ومجلس الشعب في العام 1987 ( 14 مقعدا فقط) .

واستنادا غلى المكاوي اختارت فئة رجال الأعمال خلال عقد التسعينيات بين القبول بالوضع الراهن دعم النظام أو تبني موقف المعارضة والمطالبة بالتحرر السياسي طريقا إلى التحرر الاقتصادي ويبدو أن معظم رجال الأعمال الذين خاضوا انتخابات لعام 1995 كانوا من الذين اختاروا موالاة النظام ( الحزب الوطني ) وتقول دراسة أخري إن فئة رجال الأعمال ليست واحدة وإنما هي منقسمة إلى تيارات وأجنحة ومنها تيار قومي أو محافظ تمحور تقليديا حول غرفة التجارة المصرية وهناك تيار أكثر ليبرالية على علاقة جيدة بغرفة التجارة الأمريكية ولجنة رجال الأعمال المصرية ولجنة رجال الأعمال المصرية – الأمريكية ولجنة رجال الأعمال المصرية – الفرنسية ولكن يصرف النظر عن طريقة التقسيم فإن النظام سعي في النهاية إلى استرضاء التيار الذي اعتبره أكثر إذعانا واستعدادا لتحقيق أجندته السياسة والاقتصادية ففي ما يتعلق بالأجندة السياسية نجد أن رجال الأعمال ( ولا سيما ذات الميول الليبرالية ) دعموا جهود النظام في إحلال السلام في المنطقة والتقوا مثلا في العام 1995 بالسفير الإسرائيلي كي يشرحوا له مدي الصعوبة التي يواجهونها في إقامة مشاريع اقتصادية في تل أبيب في الوقت الذي يواصل فيه الإسرائيليون اعتقال الفلسطينيين وقتلهم وكان وفد من اتحاد الصناعات الإسرائيلية يمثل 14 صناعة مختلفة داخل إسرائيل قد زار نظيره في مصر في العام 1994 لمناقشة الآفاق المستقبلية للتعاون الاقتصادي وبعد ذلك بعدة شهور , زار وفد من اتحاد الصناعات المصرية إسرائيل أيضا لمناقشة حالة جمود العلاقات العربية – الإسرائيلية وتأثيرها في الاستثمار الإقليمي .

وفي ما يتعلق بالأجندة الاقتصادية اعتمد النظام على الحضور القوي لرجال الأعمال في مجلس الشعب للمساعدة في صياغة قوانين جديدة تتعلق بالاستثمار والضرائب , والتي من شأنها أن تسهل عملية التحول إلى الخصخصة وفي الوقت نفسه سهلت الحكومة منح القروض لرجال الأعمال , والتي كانت تسحب من بنوك القطاع العام ودون ضمانات في بعض الأحيان كما استخدم النظام بعضا من كبار رجال الأعمال المصريين ممن لديهم صلات مع المنظمات الغربية والمؤسسات المالية كوسطاء بين الدولة والاستثمار الأجنبي على أمل أن تعوض العائدات الأجنبية على تقلص القطاع العام , وتساعد الخريجين العاطلين عن العمل على العثور على وظائف في قطاعات أخري , وبالتالي برز دور اجتماعي معين تضمن مساعدة الدولة في جهودها الهادفة إلى إعادة تعريف عقدها الاجتماعي دون المخاطر بشرعيتها لقد توقع النظام من رجال الأعمال كما قلت أن يلعب هذا الدور الجديد في إنقاذ الدولة بالإضافة إلى أدواره الاقتصادية والسياسية التقليدية .

ولكن الصورة العامة التي ارتسمت في أذهان الناس عن رجال الأعمال لم تكن كما كانت في تصور النظام فكثير من الناس لا يرون رجال الأعمال سوي أنهم فاسدون ولا يبالون حقيقة بمشكلات المجتمع ولا للمسؤوليات الاجتماعية المنوطة بهم وعزز هذا التصور الشعبي رواج فضائح في الصحافة عن رجال أعمال تورطوا في صفقات مريبة شمل بعضها الاتجار بالأسلحة وبالمخدرات كما جرد أربعة من رجال الأعمال من عضويتهم في مجلس الشعب الذي انتخب في العام 1995 لأنهم حوكموا في قضايا ترتبط بالفساد واستنادا إلى أماني قنديل التي كتبت أيضا عن دور رجال الأعمال في السياسة المصرية " هناك رأي عام معارض لرجال الأعمال في مصر وينظر إليهم على نطاق واسع بأنهم ليسوا أكثر من طفيليات فاسدة تتغذي على الدعم الحكومي وعلى الامتيازات وهم للم يفعلوا شيء لإفادة الحكومة وبدأ النظام في نهاية المطاف بإدارك أنهم لن يوفروا له أى شئ مفيد "

وقد سهل النظام في البداية حصول بعض رجال الأعمال على دعم مالي ضخم على شكل قروض بالملايين من دون ضمانات ( مثل رامي لكح , العضو السئ السمعة في البرلمان ) والذين فروا من البلاد على الفور وقد أثارت سرقة مليارات الجنيهات المصرية والدولارات الأمريكية من البنوك التابعة للقطاع العام غضب العديد من المواطنين المصريين العاديين وإحباطهم وبخاصة عندما حظي هذا الفساد بحماية مسئولين كبار في الحكومة بمن فيهم نجلي الرئيس اللذين أقحما نفسيهما في صفقات تجارية لمجرد تحصيل عمولات ضخمة ومع ذلك تكاثر قصص رجال الأعمال الفاسدين بملء الصفحات في صحف المعارضة كشف مصدر مطلع لديه صلات مع دوائر المال أن مبارك عقد اجتماعا خاصا مع كبار رجال الأعمال في منتصف التسعينيات عبر فيه عن غضبه الشديد مما سمعه وقرأه وحذرهم من التداعيات الاجتماعية المترتبة على تورط بعضهم في الفساد واستنادا إلى ذلك المصدر :" كان مبارك في حالة غضب شديد وحذر مجموعة رجال الأعمال النافذين من قنبلة الغضب الشعبي وقال لهم : سيعبر الشعب عن غضبه في يوم من الأيام ضدكم وضد الثورة التي جمعتموها وسيحطمون سياراتكم المرسيدس السوداء المكلفة التي تصطف في الخارج إذا لم تتوخوا الحذر وربما لن تتمكنوا وقتئذ من شراء الدراجات الهوائية لتركبوها "

وتعتقد أماني قنديل أن التحالف بين النظام ورجال الأعمال كان فشلا على صعيد الأهداف الاجتماعية ومع بداية الألفية الجديدة اعتري الضعف هذا التحالف بعد أن أدرك النظام أن رجال الأعمال ليسوا قادرين على تحقيق ما كان متوقعا منهم .

استهداف أموال الإخوان المسلمين

فيحين عمل النظام على تسهيل أعمال حلفائه من رجال الأعمال الليبراليين استمر في تصعيد مواجهته مع الإخوان المسلمين ومع مواردهم المالية وأشير إلى أنه من بيم الأربع قضيا المرفوعة ضد الإخوان في المحاكمات العسكرية رفعت واحدة كان لها بعد اقتصادي فقد اتهم النظام عبد الوهاب شرف الدين بأن لديه اتصالات مع جماعات إسلامية متطرفة داخل مصر وخارجها وصدر عليه حكم بالسجن ثلاث سنوات كان شرف الدين رجل أعمال من الإخوان وصاحب شركة ضخمة للاستيراد والتصدير تعمل في السويس فضلا عن عدة مؤسسات أخري في القاهرة وكان العضو الوحيد من الإخوان الذي يحاكم إلى جانب عضوين من الجهاد الإسلامي كطريقة لإثبات علاقته بالإرهاب وفي الواقع كانت المحاكمة جزءا من مخطط لردع رجال الأعمال الإسلاميين ولإضعاف مواردهم المالية التي اعتقد النظام أنها تستخدم في تمويل الحملات الانتخابية التي ينظمها مرشحو الحركة ( سنري تبلور هذا المخطط في اعتقالات رجال الأعمال الإخوان في العامين 2006 , 2007 انظر الفصل السابع ) .

لم يكن رجال الأعمال الإسلاميون محل استهداف أثناء الانتخابات البرلمانية في 1995 لكن الاستهداف بدا واضحا في انتخابات العام 2000 عندما تمكنت الحركة من إيصال 17 من مرشحيها إلى مجلس الشعب واستنادا إلى خيرت الشاطر صاحب شركة " سلسبيل" للكومبيوتر حددت الأجهزة الأمنية نحوا من 900 شركة رأت أنها تعود للإخوان واشتبهت في أنها وفرت الأموال لمرشحيها في أثناء الحملات الانتخابية في العام 2000 وغالبا ما كان يتعرض أصحاب هذه الشركات للمضايقة والتهديد بمصادرة ثرواتهم في حال قدموا الدعم المالي للحملات السياسية التي أصبحت تكلفتها عالية في التسعينيات .

ولكن لم تتأثر جميع شركات أعضاء الإخوان الخاصة بمواجهة النظام مع الجماعة لأسباب مختلفة :

أ‌- بالاستناد إلى التقدير التقريبي للشاطر كانت أرصدة المؤسسات التي يملكها إسلاميون تساوي أقل من 300 مليون جنيه مصري خلال عقد التسعينيات ولذلك اعتبر تأثيرها السياسي محدودا بالمقارنة مع الأرصدة المجتمعة لشركات التوظيف في الثمانينيات التي وصلت إلى مليارات من الجنيهات المصرية .

ب‌- إذا عزم النظام على مصادرة الشركات التجارية التي يملكها إسلاميون أيا كانت التبريرات فهذا سيثني الأجانب في نهاية الأمر عن الاستثمار في بلد يرون أنه غير مستقر أو معاد لتوسع القطاع الخاص .

ت‌- في ظل الظروف السائدة لمرتبطة بالخصخصة وتفكيك القطاع العام ساعدت الشركات التي يملكها إسلاميون على توظيف مئات المصريين الذين كانوا سيصبحون عاطلين عن العمل ومهمشين لولا ذلك .

ويبدو أن النظام كان مستعدا في حالة النقابات فقط على إغضاب الطبقات الوسطي في النقابة التي تأثرت من إقصاء الإخوان بزوال الخدمات التي كانوا يقدمونها ففي أعقاب استبعاد الإخوان من مجالس الإدارة توقف العديد من الخدمات , أو تدهورت أوضاعها نتيجة للتراجع التدريجي في حجم العائدات التي كانت تدعم هذه الخدمات وعلى سبيل المثال كان تمويل برنامج الرعاية الصحية الخاص بنقابة المهندسين يأتي من اشتراكات أعضاء النقابة ومن أرباح المعارض مثل معارض السلع المعمرة ومع تجميد نفوذ الإخوان لم تعد هذه المعارض تقام بالكفاءة نفسها ( واستنادا إلى الشاطر الذي كان عضوا نشطا في نقابة المهندسين وكان يشارك أيضا في تنظيم معارض بيع السلع المعمرة وضل متوسط الأرباح الناتجة من بيع الأدوات المنزلية إلى 100 مليون جنيه مصري في العام ولكن عندما تدخل النظام وفرض حلفاءه على مجلس الإدارة لم تعد تحقق المبيعات أرباحا تزيد على 5 ملايين جنيه مصري ) وبالتالي تراجعت أرباحها ولم تعد تقوي على تمويل برامج الرعاية لأعضاء النقابة .

وعلى رغم أن رواية الشاطر قد تكون متحيزة إلى الجماعة غير أن أحمد حسن وهو باحث مستقل وقد ركزت دراسته على دور الإخوان في النقابات وفي نقابة المهندسين تحديدا أكد التأثير السلبي لرحيل الإخوان في عائدات النقابة وأقر حسن أنه بعد انقضاء سنوات معدودة على غياب الإخوان عن نقابة المهندسين بدأت العائدات بالتراجع توقفت الخدمات التي كانت تقدم إلى الأعضاء وهذا ما ينطبق أيضا على مشروع تمويل المعسرين الذي كان يوفر مساعدات مالية وقروضا دون فائدة للمهندسين فقد كان هذا المشروع مثلا يتمتع بشعبية كبيرة إلى درجة أنه خلال الفترة التي سيطر فيها الإخوان على النقابة ارتفع عدد المستفيدين منه من 1068 في العام 1988 وهو عام انطلاقه هذا المشروع إلى 4000 في العم 1994 , وبعد أن تم وضع النقابة تحت إشراف قضائي في العام 1996 , كانت طلبات الحصول على مساعدة من المشروع ترفض لأنه لم يعد يتوفر للمشروع ميزانية كافية ,

ولم يتأثر أعضاء النقابات برحيل الإخوان فحسب وإنما تأثر التنظيم ماليا من التضييق المستمر على الجماعة فعلاوة على تغطية مصاريف المحامين والغرامات والكفالات , الخاصة بمئات المعتقلين الإخوان , كان يتوقع من التنظيم تولية مسؤولية رعاية أسر عشرات المعتقلين ممن يخضعون للمحاكمات وطوال فترة سجنهم ويؤكد صلاح عبد المقصود وكان على علاقة وثيقة بتسليم مساعدات التنظيم المالية إلى عوائل المعتقلين أن التنظيم كان مسئولا أساسيا عن تلبية الحاجات المالية لعائلة المدعي عليهم طوال فترة سجنهم " احتاجت عائلات الإخوان المعتقلين إلى رعاية اجتماعية وصحية , وإلى مساعدات مالية منتظمة وكان التنظيم يوقر قسما كبيرا من هذه النفقات , وكان ذلك إجراء متبعا من قبل التنظيم متى عاني أعضاؤه مضايقات النظام أو في حال ادخلوا السجن ففي أثناء غياب الوالد يصبح لتنظيم لمعيل الجديد للعائلة . غير أن محاكم العام 1995 كانت بمثابة حالة خاصة لأن أعداد المعتقلين والمسجونين كان كبيرا وهذا ما فرض أعباء مالية إضافية بالتأكيد على التنظيم الذي كان عليه في نهاية المطاف أن يعتمد على موارده المحدودة .

ومن خلال هذه الموارد المحدودة كان يتم دفع اشتراكات منتظمة من قبل آلاف الأعضاء في التنظيم فضلا عن التبرعات التي كانت تأتي من الخارج وبسبب هل النظام بالتنظيم وبعدد الأعضاء الذين ينتمون إليه لم يتمكن من منع هذه الاشتراكات لكنه أعاق بطريقة أو بأخرى التبرعات التي كانت تأتيه من الخارج فقد استغل النظام المصري دوره في حرب الخليج ( العام 1991 ) في ممارسة ضغط على أغلب الدول الخليجية لوقف تبرعاتها للإخوان وبناء على ذلك فرضت حكومة الإمارات العربية المتحدة مثلا قيودا مشددة على المنظمات الإسلامية التي كانت تعرف بانتمائها وصلاتها مع الإخوان وفي الكويت كانت العملية أسهل بكثير على اعتبار أن الحكومة الكويتية والمنظمات الإسلامية المحلية غضبت من المواقف الذي اتخذه الإخوان في مصر في أثناء الحرب وكان الأثرياء الكويتيون على استعداد تلقائي للنأي بأنفسهم عن الظهور بمظهر من يدعم الحركة في مصر .

وأوقف النظام بعد سنة من الحرب ونتيجة للأداء المسيس للإخوان في أثناء حادثة الزلزال في العام 1992 , التبرعات التي كانت تمر عبر النقابات إلى الضحايا وكان ذلك خبرا سيئا بالنسبة إلى الإخوان على صعيد عائدات النقابات أيضا وفي سياق ذلك أجبر المصريون على إيداع تبرعاتهم في حسابات حكومية وليس في حسابات النقابات ذات الدور الإغاثي ( نقابة الأطباء مثلا) وأعيقت التبرعات التي كانت تأتي من الخارج نتيجة للقيود التي فرضتها الحكومة على النقابات وقال لي مصدر مطلع إنه تعين استلام التبرعات التي كانت تأتي من الخليج بوسائل نقل غير مباشرة كما تصاعدت الضغوط المصرية على الدول الخليجية في أعقاب محاكمات العام 1995 وحظي النظام بدعم إقليمي ودولي بالتأكيد في أعقاب الأعمال الإرهابية التي وقعت في 11 أيلول / سبتمبر 2001 للتنكيل أكثر بالجماعة ( كما حصل في العامين 2006 , 2007 , راجع الفصل السابع ).

خلاصة

شهدت الفترة التي امتدت بين عامي 1995 , 2000 اعتمادا أكبر من جانب النظام على القمع وهو ما انعكس على موقفه من السياسة ومن المجتمع وشهدت انتخابات العام 1995 أعنف أعمال عنف ومواجهات مع الأجهزة الأمنية بالمقارنة بالأعوام 1984 , 1978 , 1990 واحد الأسباب التي تقف وراء ذلك هو أنه كان يتقع من مجلس الشعب الذي تم انتخابه في العام 1990 ترشيح مبارك لفترة ولاية ثالثة في العام 1995 وأراد النظام الذي أقصي المعارضة في العام 1990 أن يؤمن ترشيحا سهلا .

وشكل التحول نحو القمع رد النظام على التهديد المتزايد من جانب المتطرفين الإسلاميين الذي استهدفوا حياة مبارك وهو في طريقه لزيارة أثيوبيا في العام 1995 , وفي أعقبا المحاولة الفاشلة أصبح موقف النظام من الإسلاميين وحشيا غير مميز فاعتقل وحاكم أعضاء قياديين في الإخوان المسلمين الذين بات ينظر إلهم لاحقا على أن لهم صلة بالتطرف وأنهم يسعون إلى زعزعة استقرار الحكومة وقرر أغلب الذين قدموا إلى المحاكمة خوض انتخابات العام 1995 لكنهم تعرضوا للاعتقال .

وجاءت السياسات القمعية للنظام ردا على التأثير السياسي والاجتماعي المتنامي للإخوان فقد حصل الإخوان على شرعية اجتماعية في النقابات وفي الجامعات وبدأوا بتوظيفها سياسيا كما تجلي في محاولة تشكيل حزب سياسي في العام 1996 وكان لتقديم الإخوان إلى محاكم عسكرية أثر كبير في قدرتهم على التوسع في المجتمع كما أثر أيضا في وجهات نظرهم حيال النظام وفي استراتيجياتهم في المستقبل. وقد جري التعبير عن بعض وجهات النظر في هذه وثائق داخلية غير منشورة تقدمت مناقشتها وقد تضمنت هذه الوثائق آراء سلبية في النظام لكنها حذرت من أنه ينبغي ألا يجر ذلك الحركة إلى العنف . وأكدت الوثائق على أهمية الاستمرار في تقديم الخدمات الاجتماعية لشرائح مختلفة في المجتمع لكن على ألا يتم تسييس هذه الخدمات تجنبا لاستعداء النظام .

واعتماد النظام على اقمع لم يكن يعني أن الشرعية أصبحت قليلة القيمة , إذ ظل مبارك مهتما برأي المصريين في حكمه ولكنه أعاد صياغة شكل الشرعية الذي سعي إليه فتوقف عن الاعتماد على الشرعية القانونية ( الناشئة عن التعددية الحزبية والتسامح مع المعارضة ) وبات يراها نابعة من الوعود بالإصلاح الاقتصادي وبناء على ذلك أمل مبارك في أن يرفع الإصلاح الاقتصادي في النهاية الظلم الناشئ عن ترهل العقد الاجتماعي للنظام وتحقيق إنجاز ما واعتمد النظام على رجال الأعمال في دعم شرعيته ولكن التحالف بين الدولة ورجال الأعمال فشل في إخراج النظام من أزمته كما أن الخصخصة وأن نجحت إلى حد ما في تحسين الاقتصاد الكلي في مصر فقد فشلت بالتأكيد في تحسين مستوي معيشة أغلب المصريين .

الفصل السابع

الحياة الأخيرة تقنين الصراع ( 2000 -2007)

شهدت السنوات السبع الأولي منذ العام 2000 وحتى العام 2007 , أحداثا مهمة أسفرت عن نقاط تحول في معادلة الصراع بين الإخوان والنظام فمن جانب فرضت تفجيرات أيلول / سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة استراتيجية جديدة في المنطقة غلبت عامل الأمن على الإصلاح السياسي ما انعكس سلبا على علاقة الأنظمة السلطوية والإسلاميين وفي حالة مصر وفإن الصعود السياسي المفاجئ لحركة الإخوان وبالتوازي مع نجاحات مماثلة حققها الإسلاميون في بلدان عربية وإسلامية أخري ( الأراضي الفلسطينية وتركيا مثلا ) وسيطرتهم على حوالي 60 بالمئة من مقاعد مجلس الشعب في انتخابات العام 2005 أدخل مشاعر ذعر غير مسبوقة لدي النظام دفعته إلى إتباع استراتيجية ما وصفه أحد المحليين بـ ط الإقصاء المقنن " وفيما فرضت أجواء الفوز الساحق للإخوان خشية متزايدة من احتمال تكرار السيناريو الجزائري في العام 1991 والفلسطيني في العام 2006 , في الحالة المصرية فإن السنوات الأخيرة من بداية الألفية الثانية كانت تمر بسياق آخر له علاقة برأس النظام نفسه فالرئيس حسين مبارك بلغ 79 سنة وحالته الصحية باتت محل تساؤل مستمر بين المصريين والمراقبين ما دفع بمراكز القوي مختلفة منها نجل الرئيس جمال مبارك والدائرة الملتفة حوله والقوات المسلحة والحزب الوطني إلى التدخل في صياغة مرحلة انتقالية للنظام بعد رحيل مبارك وقد تضافرت عوامل تخلي أمريكا عن أجندتها الإصلاحية وتنامي نفوذ الإخوان السياسي في المشهد المصري والترتيب لمرحلة انتقالية تعقب رحيل مبارك في إعادة صياغة معادلة الصراع بين الإخوان والنظام صياغة جديدة تمظهرت في بالتعديلات الدستورية في العام 2007 وفيما كانت مساعي النظام منذ التسعينيات تسعي إلى إعاقة الجماعة من دون أن تشل حركتها تماما ( كما رأينا في الفصل السادس ) فإنها منذ العام 2007 بدأت في تقنين صراعها مع الجماعة "وتقعيد" عملية إقصائها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا . إنها آخر مراحل الصراع التي سيشهدها الإخوان في نظام مبارك قبل البدء في علاقة جديدة مع النظام المصري التالي .

أولا : انتخابات العام 2000

سجلت انتخابات مجلس الشعب في العام 2000 سابقة سياسية فريدة وهي جرت تحت إشراف قضائي كامل وهو تطور غير مسبوق منذ تجربة التعددية الحزبية في العام 1976 واتسمت الانتخابات بدرجة عالية من النزاهة لم تشهدها الانتخابات السابقة وأفرزت بالتالي مجلسا عكس بصورة أوضح تضاريس الحياة السياسية في مصر فمن جانب أظهرت النتائج تراجع شعبية الحزب الوطني ( الحاكم) وبقية الأحزاب السياسية المعارضة فيما تصاعدت شعبية التيار الإسلامي والمستقلين من جانب آخر .

فبالنسبة إلى الحزب الوطني لم يفز من مرشحيه الرسميين الـ 443 سوي 172 نائبا ( مقارنة بـ317 نائبا في العام 1995) أى أنه خسر 145 مقعدا في مجلس العام 2000 اما بقية الأحزاب المعارضة فإن نتائجها لم تكن أمثر طموحا , حيث احتل حزب الوفد 7 مقاعد والتجمع 6 مقاعد وهو عدد ضئيل جدا مقارنة بعدد مقاعد المجلس ( 444) وعدد مرشحي الحزبين ( 270 للوفد و57 للتجمع) وبالنسبة إلى النواب المستقيلين فإنه احتلوا المركز الأول في الحصول على أكبر عدد من مقاعد المجلس ما أكد ظاهرة الجمود السياسي . للحالة الحزبية في مصر وحيوية ثقافة العمل السياسي الفردي فقد حصد المستقلون قبل انضمام بعضهم إلى الحزب الوطني كما هي العادة بعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات 232 مقعدا أى أكثر من نصف مقاعد المجلس ومن بين هؤلاء المستقلين تمكن الإخوان المسلمون من أن يشاركوا في الانتخابات بـ 75 مرشحا , فاز منهم 17 نائبا ( مقارنة بنائب واحد في العام 1995) ما مكن الجماعة من أن تتصدر المركز الثالث بعد المستقلين والحزب الوطني في سياق الانتخابات العالية الشفافية نسبيا .

وعلى الرغم من استمرار هيمنة الحزب الحاكم على المجلس إلا أن النتائج مثل\ت صدمة للنظام فقد سقط عدد غير متوقع من قياداته المخضرمة التي ترشحت في دوائر ظلت تحتكر الفوز فيها لسنات طويلة ما عزز الانطباع بوجود رغبة شعبية متصاعدة في التغيير والمفارقة أن رغبة الناخبين في التغيير لم تقتصر على أعضاء الحزب الحاكم وإنما على أعضاء أحزاب المعارضة أيضا .

الإخوان المسلمون في انتخابات العام 2000

خاض الإخوان المسلمون الانتخابات كمستقلين وليس متحالفين مع الأحزاب كما جري في السابق بتحالفهم مع كل من حزبي " الوفد " في العام 1984 والعمل في العام 1987 ولئن أفسح النظام الانتخابي الفرصة لقوة غير شرعية للمشاركة في الانتخابات فإن الجماعة تعاملت بمسؤولية وحذر مع هذه الفرصة كي لا تعطي السلطة مبررا لتقويضها فقد قصر الإخوان مرشحيهم على 75 مرشحا, مقارنة بـ 170 في العام 1995 تجنبا لاستفزاز السلطة وتجنبوا النزول بشعارات مفرطة في التحيز الأيديولوجي كـ " الإسلام هو الحل " تضفي على المرشحين " المستقلين " شبهة الانتماء إلى تنظيم سري , وتؤسس ذريعة لاعتقالهم ولم تذر الحملات الانتخابية للمرشحين بمركزية من تنظيم الجماعة وإنما تركت لكل مرشح الحرية في صياغة شعاره وبرنامجه حسب مصلحة واهتمامات دائرته وعلى رغم الإشراف القضائي والسماح للإخوان بالتسلل إلى اللعبة الديمقراطية كمستقلين إلا أن انتخابات العام 2000 شهدت كغيرها من الانتخابات السابقة عمليات عنف أمني ضد مرشحي الجماعة ومؤيديهم لعرقلة وصول المقترعين إلى اللجان والعنف خلال فترة الانتخابات سمة منتظمة في الحياة السياسية المصرية تستهدف قوي المعارضة عموما والإخوان على الأخص باعتبارهم منافسين شرسين للنظام واستطاعت الجماعة على رغم عنف الدولة أن تحصد 17 مقعدا في مجلس الشعب واحتلت بذلك المركز الأول كأكبر كتلة برلمانية معارضة واعتبر المرشد السابق للجماعة مأمون الهضيبي الفوز " إنجازا غير مسبوق للجماعة لا يوازيه إلا فوز الجماعة في انتخابات العام 1987 بـ 36 مقعدا " وعزت ورقة داخلية للإخوان فوزهم إلى أسباب تتعلق بالإشراف القضائي والأداء التنظيمي للجماعة وشعبية أعضائها في لعمل الاجتماعي إضافة إلى ما أتاحته التكنولوجيا الحديثة مثل الانترنت والهاتف النقال من هوامش دعائية خارجة عن سيطرة الدولة .

واتسم أداء نواب الإخوان الـ 17 بالفعالية داخل المجلس باستخدامهم الوسائل الرقابية المتاحة , وعلى الغم من أن بعض النواب ترشح على أساس شعبيته أو عصبيته الأسرية في دائرته من دون أن تكون له بالضرورة أية خبرة سياسية غير أن المكتب السياسي داخل تنظيم الجماعة كان يعقد دورات سياسية للنواب في القضايا التي تثار وكيفية إثارتها داخل المجلس بمهنية وقانونية وتمكن المكتب السياسي من أداء مهمته في التدريب من خلال ما تراكمه أعضاء الجماعة من خبرة سياسية بمشاركتهم ف المجالس السابقة .

وطبقا لتقرير أصدره مجلس الشعب عن أداء نواب مجلس الشعب كان مجلس العام 2000 من أكثر المجالس التي شهدت استجوابات ( 53 استجوابا ) قدم الإخوان منها 11 استجوابا ( مقارنة بـ4 استجوابات للوفد و6 للتجمع ) وشملت استجوابات الإخوان قضايا الديون والفساد في الجهاز المصرفي وفي الأغذية وفي شركات القطاع لخاص التي تحتكر الخدمات العامة ( مثل شركات الهواتف النقالة ) وداخل قطاعات الدولة ( مثل وزارة الزراعة ) وما يدور داخل أقسام الشرطة من تعذيب إضافة إلى القضايا اليومية الخاصة بارتفاع الأسعار , وسوء خدمات الدولة وفي ما يتعلق بالقضايا لخارجية انتهز النواب اندلاع الانتفاضة ونشوب مجازر داخل الأراضي المحتلة للضغط على الحكومة بقطع علاقتها مع إسرائيل , واحتلال الولايات المتحدة للعراق ومطالبة النظام تجمد عقته مع أمريكا .

ثانيا انتخابات العام 2005

جاءت انتخابات العام 2005 في سياق الحراك السياسي الذي أفرزته بيئة الانتخابات الرئاسية في العام نفسه تصاعد حركات الرفض لترشيح الرئيس مبارك نفسه لولاية رابعة وتزامنت أيضا مع تزايد الضغوط الأمريكية على النظام لتحقيق مستوي أعلى من النزاهة السياسية في التعامل مع المعارضة , بما في ذلك الإخوان وعلى الرغم من أن نتائج الانتخابات ضنت استمرار سيطرة الحزب الوطني ( الحاكم) على مجلس الشعب بأغلبية مريحة إلا أن نزاهة الانتخابات ولا سيما في جولتيها الأولي والثانية أسفرت عن تصاعد غير متوقع للإخوان بـ 88 مقعدا ( مقارنة بـ 17 مقعدا في انتخابات العام 2000) فيما حصلت بقية أحزاب المعارضة على 12 مقعدا فقط ( 6 مقاعد لـ " الوفد" ومقعدين لـ " التجمع " وبتصدر الإخوان كتلة المعارضة للنظام وتزامن ذلك مع فوز حركة " حماس " في الانتخابات الفلسطينية بدأت مرحلة جديدة من الصدام بين الدولة والجماعة وتمظهرت بوضوح في تحويل قيادات مالية وسياسية في الحركة إلى محاكمات عسكرية وإجراء تعديلات دستورية في العام 2007 تمنع مستقبلا تكرار ما حدث في انتخابات العام 2005 .

وفي هذه الانتخابات فإن الحزب الوطني لم يكن يمر بأحسن ظروفه فعل رغم مساعي الإصلاح التي قادها بنجل الرئيس جمال مبارك داخل الحزب فإن الصراعات ( بين الحرس القديم ) ومجموعة الشباب ) داخل الحزب على النفور والانشقاقات المتكررة ورغبة المصريين في التغيير جميعها عوامل أثرت سلبيا في أداء الحزب في منافسته الانتخابية واستمر مسلسل تقلص سيطرة الحزب على مقاعد مجلس الشعب بفوز 141 مرشحا في العام 2005 ( مقارنة بـ 172 مرشحا في العام 2000 ) فيما عزا باحثون تراجع أداء الحزب إلى ضعف بنيته التنظيمية وغياب معايير في اختيار المرشحين وإدارة متدنية للحملة الانتخابية وتوحد الحزب مع الدولة بصورة منفرة .

والنفور من تداخل الحزب مع الدولة لم يقتصر على فشل الدولة وبالتالي الحزب الوطني ( الحاكم) في تلبية الحاجات الرئيسية لدي الناس من وظائف وتعليم وعلاج وإصلاح اقتصادي وسياسي وإنما بالعنف الذي مارسته الدولة ضد الشعب نفسه في الانتخابات من خلال التدخل الأمني لصالح الحزب الوطني ما عمق حالة النفور الشعبي تجاه الحزب وأسفرت آليات " البلطجية " ( تعبير مصري يشير إلى استخدام أصحاب سوابق إجرامية في الاعتداء على الناس والتحرش بالناخبين ) والحصار الأمني للجان الانتخابية ومنع الناخبين من الوصول إلى اللجنة للتصويت وتعويق عمل القضاة إلى تزايد حالة الاستياء الشعبي من الدولة ومن الحزب الحاكم تلقائيا ويمكن بالتالي قراءة نتائج تراجع الحزب الوطني إضافة إلى تقلص شرعية الدولة الإنجازية إلى تصاعد عنف الدولة ضد المواطنين ما ولد كراهية متزايدة نحو حزب الدولة نفسه .

الإخوان المسلمون في انتخابات العام 2005

العنف ظاهرة سائدة في الانتخابات المصرية لكنها في انتخابات العام 2005 وخلال الجولة الثالثة تحديدا بلغت حدا دمويا " أشبه بحرب بين قوات الأمن والأهالي المصريين نتيجة صدمة النظام بما حققه الإخوان المسلمون من فوز غير متوقع , فقد خاض الإخوان الانتخابات بـ 161 مرشحا – ضعف عدد مرشحيهم في انتخابات العام 200 وفاز منهم 88 مرشحا ما أصاب النظام بالصدمة وعزز حالة الصراع بين الدولة والجماعة فقد تمت انتخابات الدوائر على ثلاث مراحل حصلت الجماعة في المرحلة الأولي على 34 مقعدا ( مقارنة بـ 68 للحزب الوطني ) وفي المرحلة الثانية حصلت على 42 مقعدا ( مقارنة بت 40 للحزب الوطني 9 وفي المرحلة الثالثة حصلت لى 12 مقعدا ( مقارنة بـ 37 للحزب الوطني ) كانت نتيجة الفوز النهائية للإخوان في ظل تراجع مقاعد لحزب الوطني وبقية أحزاب المعارضة التي حصدت مجتمعة 12 مقعدا فقط مدهشة للجميع بمن فيهم الإخوان أنفسهم فعلي حد قول نائب مرشد الجماعة محمد حبيب " لم نكن نتوقع هذا الإقبال الجماهيري في الانتخابات ولم نكن نتوقع أن يستبسل القضاة في الدفاع عن صناديق الانتخابات حتى إن بعض القضاة انكسرت ذراعه بعضهم أهين وشتم فلم نكن نتوقع كل هذا , ولما كانوا يسألوني في الفضائيات عن عدد من سيفوز من المرشحين كنت أقول في حدود 50- 60 على الأقصى وكان هذا العدد بناء على خبرتنا السابقة في التعامل مع النظام وبحجم درجة التزوير التي ستتم فمثلا إذا حصل تزوير بنسبة 90 بالمقلة فسيفوز لى 10 مرشحين ولو حصل تزوير بنسبة 80 بالمئة فسيفوز لو 15 عضوا وهكذا "

وأكدت نتيجة الانتخابات ترسخ شرعية الإخوان الواقعية حيث " استغلت الجماعة وجودها بتقديم السلع والخدمات للمواطنين بأسعار محدودة الأمر الذي جعلها مهيأة لحصد آلاف الأصوات بمجرد إجراء انتخابات حرة ونزيهة وعزز شرعية الإخوان عاملان :

أ‌- اهتزاز شرعية النظام بسبب تراجع أدائه الاقتصادي والاجتماعي وتمكن الإخوان من تقديم خدمات بديلة .

ب‌- قوة تنظيم الجماعة التي مكنت الحركة من تقديم خدماتها بفعالية .

ت‌- ولا يعني هذا إلغاء عوامل أخري مثل خطاب الجماعة الديني الجاذب او التصويت لبعض نواب الإخوان في القرى والريف بدوافع عصبية وعائلية إلا أنه في ظل تدهور الوضع الاقتصادي وغياب الحاجات الأساسية عن المواطن تظل عملية تقديم خدمات فعلية وفي إطار منظم أهم رقم في معادلة شرعية الإخوان في مصر .

ثالث : التعديلات الدستورية وتداعياتها

تزامن صعود الإخوان المفاجئ إلى مجلس الشعب بـ 88 نائبا مع تطورات محلية وإقليمية ودولية بالنظام إلى إستراتيجية " تفنين " إقصاء الإخوان عن الحياة السياسية ومن خلال التعديلات الدستورية التي اقترحها الرئيس مبارك وأقرها مجلس الشعب في آذار / مارس 2007 فمحليا يمر النظام بفترة انتقالية يمهد فيها لما بعد الرئيس مبارك الذي بلغ 79 سنة وهي مرحلة معقدة تتداخل في صياغتها مراكز قوي مختلفة تشمل الرئيس ونجله و الدوائر المحيطة به والقوات المسلحة والحزب الوطني وإقليميا فإن نجاح " حماس " في انتخابات المجلس التشريعي بأغلبية المقاعد ( 76 ن أصل 132 مقعدا ) ووصولها إلى السلطة الفلسطينية أخاف النظام من إمكانية حدوث سيناريو مشابه في الحالة المصرية في حال تنامي نفوذ الإخوان في مجلس الشعب في الانتخابات المقبلة ودوليا تخلت الولايات المتحدة عن أجندتها حول الإصلاح السياسي في المنطقة العربية بحلول العام 2006 وتبنت أجندة التحالف مع الأنظمة السلطوية لمواجهة الإرهاب ولا سيما بعد تنامي نجاحات الإسلاميين في الانتخابات .

وحسب عمرو حمزواي فقد هدف النظام من التعديلات الدستورية إلى تضييق مساحة المشاركة السياسية للإخوان والحيلولة دون تشكل جبهة موحدة للمعارضة تضم الإسلاميين العلمانيين وصياغة أدوات دستورية تضمن سيطرته على نتائج الانتخابات سواء الرئاسية أو البرلمانية أو المحلية وعلى الرغم من أن التعديلات الدستورية ستضيق على حركة الإخوان سياسيا إلا أن الجماعة تعتقد أنها لن تطال شرعيتها الواقعية في المجتمع المصري .

برنامج الحزب السياسي

إزاء محاولة النظام إقصاء الإخوان من اللعبة السياسية ومحاولة الجماعة كسر الحصار الذي فرضته لتعديلات الدستورية أعلن مرشد الجماعة مهدي عاكف عن نية الحركة تأسيس حزب سياسي , طرحت " القراءة الأولي " منه إعلاميا في أب / أغسطس 2007 من دون أن تسلم رسميا إلى لجنة الأحزاب وبالطبع فإن نية الإخوان في تأسيس حزب سياسي ليست جديدة وإنما تعود إلى الثمانينيات بإلهام من المرشد الراحل عمر التلمساني , وبعد أن حسمت الجماعة موقفها التاريخي السلبي من الحزبية ومشاركتها السياسية الناجحة في انتخابات العامين 1984 , 1987 كما لم يكن حديث الإخوان في العام 2007 عن وجود برنامج شامل لحزبهم المنشود سابقة فقد سبقته على الأقل خمسة مشاريع حزبية للجماعة "الشورى" في العام 1987 والإصلاح في العام 1991 ,"الأمل " في العام 1994 و" الوسط" في العام 1996 ولا يمكن فهم أبعاد الحزب السياسي المطروح للإخوان بمعزل عن السياق والظروف التي أحاطت بمشاريعهم الحزبية الماضية فباستثناء قصة مشروع حزب " الشورى" فإن الأحزاب الأخرى جاءت في عقد التسعينيات وهي بداية صدام الجماعة مع نظام حسني مبارك ومحاولة الإخوان البحث عن فضاءات لتقنين وجودهم فحزب " الأمل " مثلا " بسبب تضييق النظام على النقابات المهنية التي سيطر عليها الإخوان " و" الوسط " بعد المحاكمات العسكرية في العام 1995 وإعلان عاكف عن الحزب في نيسان / أبريل 2007 جاء في أعقاب حادثة طلبة الأزهر في كانون الأول / ديسمبر ن العام 2006 رغبة في " تخفيف الضغط الأمني على الإخوان والخروج من المأزق السياسي مع الدولة .

وواضح أن طرح برنامج الحزب يأتي في سياق مسعي الجماعة إلى فك الحصار الأمني عنها الحصول على اعتراف قانوني ولكن ليس بالضرورة من خلال حصولها على ترخيص فوري من لجنة الأحزاب فمن جانب هناك قناعة داخل الإخوان بأن نظام مبارك لن يقبل الاعتراف بالجماعة سواء تقدمت بحزب أم لا ومن جانب آخر هناك قناعة بأن طرح الحزب يمكن أن يؤدي مهام أخري غير الحصول على ترخيص لجنة الأحزاب يمكنها أن تخلق رأيا عاما يمهد لقبول الإخوان سياسيا بعد رحيل نظام مبارك وهذه القناعة الثانية تفسر لماذا قررت الجماعة أن تعلن عن حزبها السياسي في العام 2007 ولا تعلن عن مشاريع أحزابها الماضية .

إن المشاريع الحزبية الإخوانية في الثمانينيات والتسعينات يجب أن نفهم ضمن سياقين :

أ‌- أنها ردة فعل جيل نقابي يريد أن يوائم بين تمدده في المجتمع وانتمائه إلى تنظيم يريد من المجتمع أن يعرف أن له مشروعا سياسيا سلميا .

ب‌- أنها تعبر عن رؤية قيادة تسيطر على الملف السياسي , وتري أن فتح الملف سيعرضها إلى مزيد من التضييق من النظام .

ت‌- لقد صيغت المشاريع الحزبية السابقة للإخوان تحت قيادة الراحل مأمون الهضيبي الذي احتكر الملف السياسي للجماعة منذ عام 1986 وكان الهضيبي يعتقد أن الظروف السياسية منذ بداية التسعينيات بتزايد أعمال العنف في مصر ستجعل الدولة لا تسمح بقيام حزب سياسي للإخوان وفيما لو تم تقديم الحزب إلى لجنة الأحزاب فإن اللجنة سترفضه وتقفل الباب أمام الحركة للحصول على شرعية سياسية إلا أن جيل السبعينيات داخل الجماعة الذي أحتك بأطياف من شرائح المجتمع وحقق نجاحات داخل مؤسسات المجتمع المدني كانت له رؤية مغايرة بعضهم كان يعتقد أنه يمكن تمويه النظام والتقدم بحزب يبد مستقلا وحالما يرخص له فإن الجماعة يمكنها أن تنضوي تحته وهي قصة حزب " الأمل " أما البعض الآخر فيبدو أنه كان متفائلا بجدوى أن يجرب تقديم حزب إخواني إلى لجنة الأحزاب من دون إذن من قيادة الجماعة وأبو أسفر عن فصله من التنظيم وهي قصة مؤسسي حزب " الوسط" وفيما كان يري جيل السبعينيات أن إعلان الجماعة عن حزب سياسي يمكن أن يكسر الطوق الأمني عن التنظيم ويقوض جدلية النظام بأن الإخوان يعملون بسرية وتحت الأرض ولا يملكون مشروعا سياسيا شاملا , كان الهضيبي يري أن الوقت ليس ملائما لاتخاذ هذه الخطوة وأن الطوق الأمني سيضيق ولن يتسع .

ث‌- وتغيرت ظروف الإخوان برحيل مأمون الهضيبي ومجئ مهدي عاكف خلفا له في العام 2004 والفوز بـ 88 مقعدا في انتخابات العام 2005 , ووجود حراك شعبي أفرزه ترشح الرئيس مبارك لولاية رابعة والتعديلات الدستورية في العام 2007 اختلف عاكف عن الهضيبي في إدارته للملف السياسي وكان أهم تحول هو أن شخصا بعينه لم يعد مسئولا عن هذا الملف وبالتالي لم يعد هناك " ناطق رسمي " للجماعة وهي الصفة التي كان الهضيبي يحتكرها :" مأمون الهضيبي كمستشار وقاضي اجل بتاع حسابات دقيقة وكان حذرا زيادة عن اللزوم وهو معاه الملف السياسي من أيام حامد أبو النصر ولم يكن يسمح لغيرة أن يتكلم ولذلك كان الإخوان لا يكاد عندهم متحدثون لأنه كان هو المتحدث أنا غير هذا أنا من أول يوم قلت لجميع الإخوان الحق في الحديث ع الإخوان في الفضائيات وغيرها ولما أحد يخطأ نصحح له فالإخوان كثرت وكبرت ولا يجوز أنه واحد فقط هو اللي يعبر عنها ".

وفيما كان لدي الهضيبي الاستعداد لتأجيل موضوع الحزب إلى حين رحيل نظام مبارك فإن عاكف والدائرة التي حوله مثل محمد حبيب وعبد المنعم أبو الفتوح وعصام العريان يرون بأن مبررات التأجيل لم تعد موجودة في ضوء تزايد نفوذ الجماعة في الشارع المصري مقابل شيخوخة النظام وفيما كان الهضيبي بخلفيته القانونية والمتحفظة أحيانا يري أن التهدئة ستجنب الجماعة المزيد من الضربات الأمنية على النقيض يمكن أن تفشل محاصرة الجماعة الأهم من الفروقات الشخصية بين المرشدين الهضيبي وعاكف هي الظروف السياسية التي تمر بها مصر والمنطقة التي يبدو أنها أعطت الإخوان في الألفية الثانية الجرأة في تجاوز ما كان الهضيبي يعتبره خطأ أحمر في الثمانينيات والتسعينيات فالضغط الأمريكي على الأنظمة العربية لمزيد من الدمقرطة وانتهاز المعارضة شيخوخة الأنظمة والنزول إلى الشارع للتعبير عن أرائها ( نموذج حركة " كفاية" وفوز الإسلاميين في فلسطين ( حماس) ومصر ( الإخوان) واليمن والكويت والانفتاح العام الذي أفرزته الفضائيات والإنترنت هي تحولات لم تعد توائمها ثقافة التحفظ والتهدئة فحسب عاكف :" الجو العالمي اليوم لا يجوز لنا أن نقبل منهم ( النظام) ما كان يحدث لنا في الثمانينيات التسعينات في تلك الفترة لم يكن هناك فضائيات وأيام الحاج مصطفي مشهور احتملنا كثيرا على أساس أن أحدا لا يعرف ما جري لنا وكنا نقول خلاص نحتمل أما الآن فلا نقبل إلا الرفض واقع العالم الآن تغير , الجو العالمي جو منفتح ونري المظاهرات تطلع ضد بوش في أمريكا وبلير في لندن وكل بلد أصبح له وضع غير ما كان في التسعينيات .

ومحليا فإن فوز الإخوان بـ 88 مقعدا في انتخابات العام 2007 فرض خطابا سياسيا جديدا بين أقطاب المعارضة في مصر إسلاميين وعلمانيين بحيث أصبح الحديث عن رؤية الإخوان السياسية للإصلاح جزءا مهما منه وبالتالي لم يكن المقصود المباشر من طرح الإخوان للبرنامج السياسي هو موضوع الحصول على ترخيص لجنة الأحزاب حيث إن هناك إيمانا داخل التنظيم بأن هذا الأمر أقرب إلى المستحيل ولا سيما في ظل النظام الراهن وبعد التعديلات الدستورية وإنما استجابة للتساؤلات السياسية غير الحكومية والشعبية عن توجهات الإخوان ومواقفهم من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية العام وحسب تعبير العريان فإن طرح البرنامج الحزبي للإخوان أصبح ملحا لعدة أسباب :" الحزب بالنسبة إلينا لا يعني مجرد الترخيص وإنما يعني توضيح رؤيتنا ويعني علاقات حزبية قضية الحزب السياسي للإخوان أصبحت قضية مطروحة بين النخب والتيارات الحزبية وهي أنه لماذا لا يكون للإخوان حزب ؟ وهناك أسئلة مطروحة على الإخوان من المجتمع الدولي : ماذا سنفعلون إزاء كذا وما هو موقفكم من كذا ؟ والسبب الآخر أن طرح الحزب الآن هو الخروج من مأزق الانسداد السياسي الانفراج قد يأتي في أى وقت من الأوقات وقد يأتي انفراج ديمقراطي فلماذا لا يتكون مستعدا من البداية ولا تنتظر فتداهمك الأحداث وتفكر عندئذ ماذا تفعل ؟

إن الإخوان يستهدفون من طرح برنامجهم الحزبي استهداف النخبة في المجتمع وليس السلطة أو لجنة الأحزاب غير المستقلة عن الدولة واستهداف جبهة المعارضة التي اتسعت في السنوات الأخيرة بسبب سياسات النظام والبناء السياسي على شعبية الجماعة في الشارع المصري وبأمل الإخوان في أن يراكموا رأيا عاما تعبر عنه النخبة غير الإخواني وتنضم إلى الضغط بمطالبة السلطة بالاعتراف بالحركة في حال حصول انفراج ديمقراطي بعد رحيل النظام الحالي .

العلاقة بين الحزب والتنظيم

أثار موضوع الحزب السياسي للإخوان تساؤلات شكلية عن طبيعة العلاقة بين الحزب السياسي وتنظيم الجماعة مستقبلا ويدور جدل داخل الحركة لم يحسم بعد عن الآلية التي سيدار به تنظيمان مختلفان بطبيعتهما البنيوية أحدهما الحزب سياسي ومعلن والآخر الجماعة ديني وسري ولكل هيكليه وأعضاؤه ودوره وجمهوره من جانب هناك أقلية صغيرة يكاد يمثلها عبد المنعم أبو الفتوح تري أن " يتحول تنظيم الإخوان المسلمين في مص إلى حزب الإخوان المسلمين ويصبح مرشد الإخوان المسلمين هو رئيس هذا الحزب ومكتب الإرشاد هو المكتب لسياسي لهذا الحزب وشعب الإخوان المسلمين في المحافظات هي فروع هذا الحزب فيما تري الأغلبية ويعبر عن صوتها عصام العريان أن تكون صبغية تنسيقية بين الحزب والجماعة شبيهة بتجربة الإخوان السياسية في الأردن فيما لا يكتفي مستقلون بأن تكون الجماعة والحزب مستقلين بعلاقة تنسيقية فحسب وإنما " يكون لكل منهما استقلالية ذاتية كاملة وليس مجرد استقلال ذاتي شكلي "

برنامج الحزب

وزعت الجماعة برنامجها الحزبي على دائرة محدودة من المثقفين ما أثار انتقاد البعض الذي كان يتوقع أن تعلن الحركة عن برنامجها في مؤتمر صحافي عام تمام كما حصل مع مبادرة الإصلاح في العام 2004 بحيث يطلع الشعب مباشرة على البرنامج باعتبار الشعب حسب تعبير الحزب هو مصدر السلطات " وصاحب الحق الأصيل في اختيار حاكمه ونوابه إلا أن أهم ما أثار انتقاد شريحة أوسع كان موقف الحزب من تولي الأقباط منصب الولاية العامة في الدولة أى رئاسة الجمهورية وحصر ذلك بالمسلمين فقط ولما التقيت العريان في نيسان / أبريل 2007 أى قبل توزيع " القراءة الأولي " من برنامج الحزب بخمسة أشهر سألته عما إذا كان البرنامج ينص على أن يكون رئيس الدولة مسلما فأجاب : إلى الآن لم نحدد , وهذه مسألة محل جدل داخل الجماعة وأن يكون الرئيس مسلما أمر وقاع فلماذا تنص عليها أصلا ونثير بها جدلا ؟" وهو ما دل على أن المسألة كانت محل جدل داخل الجماعة وأن العريان كان من الذين يرون عدم طرحها لأنها تحصيل حاصل إن صح التعبير و على الرغم من أن المسودة الأولي للحزب وزعت على عدد من المصفقين في آب / أغسطس 2007 إلا أنني حصلت على نسخة من المسودة من المكتب السياسي للجماعة في نيسيان / أبريل 2007 خلال زيارتي الميدانية لمصر لإجراء هذا البحث وبالفعل لم يشر برنامج الحزب الذي وزع في أيلول / سبتمبر وفي الجدول الرقم ( 7-1) مقارنة بين نص برنامج نيسان / أبريل ( الذي وزعته الجماعة في آب / أغسطس ) ونص " القراءة الأولي الذي ى وزعته في أيلول / سبتمبر تحت عنوان الدولة المدنية "

مقارنة بين مسودة برنامج الحزب ونص " القراءة الأولي"

المسودة الأول للحزب(أغسطس 2007)

دولة مدنية : الدولة الإسلامية هي دولة مدنية وتعني لنا أن الوظائف والأدوار الأساسية يقوم بها مواطنون منتخبون تحقيقا للإرادة الشعبية والشعب مصدر السلطات وصولا إلى حفظ أمن المجتمع وفي الدولة المدنية تنشأ علاقة بين الدولة والأمة تقوم على الاعتماد المتبادل " لتحقيق المصلحة العليا للمجتمع , وتعظيم المجال المشترك بينهما, فالشعب الناهض ليس بديلا من الدولة ولا مزاحما لها وإنما متكامل معها ونعتبر دورها مصدرا من مصادر قوة الأمة بما توفره من مؤسسات أهلية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري وبما تتيحه من مجالات تحرك أمام المواطنين كما أن الأمة مصدر من مصادر قوة الدولة بما تتحمله من أعباء وخدمات وبهذا المعني يكون العمل الأهلي أحدا أهم أليات تحقيق التكامل بين الشعب والدولة ضمن إطار تعاوني لا تسمح فيه للدولة بالتضخم بحجة توفير الخدمات العامة كما لا تتلاشي فيه سلطة الدولة أو تضعف وإنما حاضرة وقوية في حدود وظائفها الأساسية لضمان الحد اللائق لمعيشة الإنسانية"

نص " القراءة الأولي " للحزب (سبتمبر 2007)

دولة مدنية : الدولة الإسلامية هي دولة مدنية بالضرورة لأن الوظائف فيها أساس توليها الكفاءة والخبرة الفنية المتخصصة والأدوار السياسية يقوم بها مواطنون منتخبون تحقيقا للإرادة الشعبية الحقيقية والشعب مصدر السلطات وصولا إلى حفظ أمن المجتمع إذ تنشا علاقة بين السلطة والشعب تقوم على التكامل والتكافل لتحقيق المصلحة العليا للمجتمع .. وللدولة وظائف دينية أساسية فهي مسئولة عن حماية وحراسة الدين والدولة الإسلامية يكون عليها حماية غير المسلم في عقيدته وعبادته ودور عبادته وغيرها ويكون عليها وجود ما يعترض الممارسة الإسلامية من العابدة والدعوة والحج وغيرها وتلك الوظائف الدينية تتمثل في رئيس الدولة أو رئيس الوزراء طبقا للنظام السياسي القائم ولهذا نري أن رئيس الدولة أو رئيس الوزراء طبقا للنظام السياسي القائم عليها واجبات تتعارض مع عقيدة غير المسلم مما يجعل غير المسلم التي لا تلزم غير المسلم بواجب يتعارض مع عقيدته كما أن قرار الحرب يمثل قرارا شرعيا أى يجب أن يقوم على المقاصد والأسس التي حددتها الشريعة الإسلامية مما يجعل رئيس الدولة أو رئيس الوزراء طبقا للنظام استيفاء الجانب الشرعي لقيام الحرب وهو بهذا يكون عليه واجب شرعي يلتزم به .

رابعا : النقابات

بحلول العام 2000 وحتى الآن لم تعد النقابات المهنية تحظي بالصيت الذي حظيت به منذ منتصف الثمانينيات وحتى التسعينيات وإن ظل الإخوان يهيمنون على نقابات الأطباء والمحامين والعلميين . فقد أسفر إلغاء الانتخابات منذ العام 1990 عن تجميد فاعلية الإخوان في العمل النقابي وأصيب أكثرهم بحالة الفتور التي نتجت من طول فترة بقائهم كأعضاء في مجلس إدارة النقابة وحسب د. محمد فودة وهو قيادي إخواني وعضو مجلس غدارة نقابة طب الأسنان :" أنا آخر مرة انتخبت فيها كانت سنة 90 وأنا ما زلت عضوا في مجلس النقابة حتى الآن , أى 17 سنة متصلة غير الفترات السابقة فطبعا الفتور دبّ في الكثير من الموجودين في النقابات لأن الأشخاص لم تتغير ولا يوجد دماء جديدة والناس الفعالون في النقابة قليلون جدا الآن لأن اهتمامات الأشخاص تغيرت وأنا اهتماماتي على مستوي مجلس النقابة ليس بالضرورة ستظل كما هي طول مدة وجودي في النقابة بالتأكيد عدم وجود انتخابات أصاب العمل النقابي بالجمود "

وانعكست حالة الفتور على تراجع دور النقابات في الحراك السياسي الذي مرت به مصر منذ العام 2004 فلم يكن لها دور في انتخابات العام 2005 أو في التعديل الدستوري للعام 2007 ولم تعد نقابة الأطباء التي تحوي قيادات نشطة في التنظيم تلعب أدوارا حيوية كالدور الذي مارسته في حادثة زلزال 1992 " بسبب موت بعضهم وسفر بعضهم إلى الخارج وبعضهم أصبح كبيرا في السن وغير قادر على العطاء " وحسب أبو الفتوح , فإن النظام لم يخرج الإخوان من النقابات وإنا جمد فاعليتهم بإلغائه الانتخابات على الرغم من أن أنشطة الجماعة الخدمية لم تتوقف إلا أنها لم تعد تتمتع بالحيوية والمبادرة نفسها اللتين كانت تتميز بهما في الثمانينيات وقد سعي الإخوان في بعض النقابات مقل نقابة الأطباء إلى رفع قضايا على الدولة لإلزامها بإجراء الانتخابات النقابية وحسب أبو الفتوح مرة أخري حكمت المحكمة لصالح إجراء انتخابات إلا أن الدولة رفضت تطبيق الحكم .

فيما يعتقد محمد حبيب أنه لا يمكن التعميم في حالة النقابات وأنه لك نقابة ظروفها وان هناك عوائق أخري غير مجرد تضييق النظام وحالة الفتور التي أصابت الإخوان في بعض النقابات ففي نقابة العلميين التي تحظي بوجود إخواني قوي , لا تستطيع النقابة أن تقدم خدمات ذات مغزي لأعضائها من علاج وتكافل ومعاشات بسبب ميزانية النقابة وضعف الموارد المالية من الاشتراكات .

وتعتقد الحركة أنها فقدت فضاء مهما من فضاءات المجتمع المدني في مصر إلا أنها لا تعتقد أنها فقدت شرعيتها بين الطبقتين المتوسطة والدنيا بسبب وجودها الحيوي في فضاءات أخري لا تستطيع الدولة تقويضها كالجمعيات الخيرية والمدارس ومراكز العلاج في الأحياء السكنية ومن خلال تقديم أنشطة خدمية ومجتمعية في الأحياء ومن خلال فضاءات غير تابعة للدولة مثل المساجد يراكم الإخوان " شرعية واقعية " تعوض , ولو نسبيا عن فقدان شرعية خدماتهم النقابية ويتجلي ذلك بوضوح في فترة الانتخابات البرلمانية بالتصويت لمرشحي الحركة لدوافع مصلحية – خدمية أو عصبية – قبلية ( كما في الصعيد ) أو لإفشال الحزب الحاكم .

خامسا : الحركة الطلابية

ظل الإخوان داخل الجامعة يتمتعون بنسبة من الحركة لم تتوفر للجماعة في فضاءات المجتمع الأخرى على رغم تصعيد الصراع مع النظام وانعكس ذلك على الحراك السياسي للطلبة ولا سيما في الفترة من العام 2004 إلى العام 2007 وعلى تطور أنشطتهم لخدمية بحلول العام 2000 ما عزز من شرعية الجماعة في الواقع المصري وبخصوص الأنشطة الخدمية فقد ظلت الخدمات التي تلبي الحاجات التقليدية للطلبة من طباعة مذكرات دراسية ودورات تقوية وإقامة معارض كتب وملابس وأدوات مختبرات بأسعار مدعومة مستمرة وإن اتسمت بمهنية أكبر استهدفت دائرة أوسع من الطلبة غير المؤدلجين بمن فيهم الأقباط وسعت جامعات مثل الإسكندرية والمنيا إلى تطوعي خدمة تسفير حافلات خاصة ( بأسعار رمزية ) للطلبة الذين يسكنون مناطق بعيدة إلا أن الخدمة توقفت بسبب تدخلات الأمن .

واستمرت الخدمات تتجاوب مع احتياطات الطلبة بمعني أن القواعد الطلابية هي التي كانت تحدد طبيعة الخدمات التي تحتاج إليها وليست قيادة العمل الطلابي ( كما كانت " الجماعة الإسلامية " تدير خدماتها في السبعينيات واستمر الإخوان يلتمسون احتياجات الطلبة عبر توزيع استبيانات الرأي , التي تطورت هي الأخرى وأصبحت أقل تسييسا وأكثر مقارنة لمشاكل الطلبة في الألفية الثانية وشكل الإخوان ما أسموه بـ " اللجنة الخدمية للطلاب " لترتيب وإدارة الأعمال لخدمية التي سيقومون بتقديمها على مدار السنة الدراسية وشملت احدي الخدمات تقديم استشارات نفسية واجتماعية للطلبة وهي خدمة لم تكن موجودة في السنوات الماضية .

منذ نهاية التسعينيات وبداية العقد الجديد انتشرت في مصر ولا سيما بين طلبة المدارس والجامعات ظاهرة " الزواج العرفي ؟ وإزاءها وزع الإخوان استبيانات رأي بين الطلبة لمعرفة حجم المشكلة وطبقا لعبد المنعم محمود أحد طلبة جامعة الإسكندرية كانت استجابة الطلبة مفاجئة :" وزعنا حوالي 25 ألف نسخة من الإستبيان بين طلبة جامعة الإسكندرية ( تضم اكثر من 100 ألف طالب ) واكتشفنا أن هناك حالات زواج عرفي كثيرة بين الطلبة والطالبات حتي في كليات لم نكن أن نتوقع أن يكون فيها هذه الظاهرة وهي كليات الطب والهندسة :جاءتنا طالبات يقلن إحنا واقعين في المشكلة وشوفوا لنا حل " لدرجة أننا عثرنا على المأذون الذي بيعقد بين الطلبة الزواج العرفي بدأنا ندرك أننا لمسنا قضية خطيرة وأننا يجب أن نعمل شيئا لمساعدة هؤلاء الطلبة ".

واستعانت اللجنة الخدمية في جامعة الإسكندرية بمتخصصين من خارج الجامعة , لتقديم استشارات نفسية واجتماعية لهؤلاء الطلبة وكانت خدمات هؤلاء المتخصصين مثل د. عمرو أبو خليل , رئيس اتحاد عام الجامعات سابقا تقدم بصورة تطوعية ودون مقابل مادي , ومن المواضيع التي أثارتها اللجنة الطلابية في العام 2004 موضوع الحب لصلته بظاهرة الزواج العرفي " وهو موضوع لم تكن الحركة الإسلامية تثيره في السنوات السابقة أو تناولته بأسلوب ديني ووعظي بحت وعملت اللجنة على تأهيل أعضائها لطرح هذا الموضوع على الطلبة بالعقلية التي يستوعبها عموم الطلبة وليس من منطلق ثنائية حلال / حرام التقليدية في الخطاب الديني . يقول محمود :" لما أكلم الطالب العادي في الصف الإخوان عن الحب سيقول لى :" حب إيه , ما ينفعش طبعا , لأنه حرام , لأنه حرام .. فأنا كنت لازم أهيأه وأقول له : أنت ستتعامل مع عقليات ثانية , وأنه في شئ اسمه اتصال إنساني لأن البشر مختلفين وكان بيحصل لهم دورات تأهيل في فترة الصيف علشان يكونوا مستعدين للتعامل مع شريحة الطلبة الواسعة مع بداية العام الدراسي بالشكل الذي يفهمه الطلبة وليس بالشكل الذي تثقفت عليه أنا "

ويمكن القول إن أهم ما ميز خدمات الإخوان في الجامعة أنها كانت اجتماعية وليست دينية بالمعني الأيديولوجي والوعظي ما جعلها سائدة بين الطلبة الأقباط وغير المنتمين دينيا أو سياسيا إلى الإخوان ومن جانب آخر فإن الخدمات كانت حساسة تجاه ما تريده الشريحة لطلابية وليس ما تحتمه " أجندة " الجماعة السياسية والدينية ولا سيما أن قيادة التنظيم ظلت تمارس إدارة لا مركزية على الوجود الإخواني داخل الفضاء الجامعي باعتبار طبيعة الشريحة ونسبة الحرية التي تتمتع بها هذه الشريحة مقارنة بسواه خارج الحرم الجامعي .

تجميد الانتخابات الطلابية

من المؤكد أن إلغاء انتخابات النقابات المهنية أسفر في المحصلة عن تجميد فاعلية الإخوان المسلمين داخل هذه المؤسسات لكنه لم يقصها عن شريحة أخري لم تقل أهمية عن شريحة المهنيين من الطبقة المتوسطة وهي شريحة الطلابية في الجامعات ولئن كان صعود الإخوان إلى النقابات فترة الثمانينيات ( راجع الفصل الثالث ) كان هو التطور الذي استحوذ على اهتمام الدارسين عن الحركة باعتبار تزايد نفوذهم وحيوية أنشطتهم الخدمية لشريحة مهمة من المجتمع فإنه يمكن القول إنه بدءا من العام 2000, يمن اعتبار أن نفوذ الإخوان المتصاعد داخل الجامعات هو التطور الجدير بالاهتمام في المرحلة التالية إلى جانب دراسة نفوذهم المتزايد في البرلمان وما حادثة طلاب جامعة الأزهر التي اندلعت في العام 2006 سوي أحد تجليات تزايد أهمية الفضاء الجامعي كحلية للصراع بين الإخوان والدولة وهي حلبة كانت كامنة في الثمانينيات لحساب الفضاء النقابي الأكثر جلبة وصيتا .

وإذا كان إلغاء الانتخابات النقابية أسفر عن ضمور روح المبادرة والحيوية لدي أعضاء مجلس نقابة الإخوان فإن إقصاء الأمن للإخوان عن المشاركة في انتخابات اتحادات الطلبة كان له نتيجة عكسية إذ زاد من حيوية حراك الطلبة الجماعة داخل الفضاء الجامعي بصورة لم تشهدها الثمانينات ذروة حيوية الإخوان النقابية مؤسسة في النهاية حكومية أو شبه حكومية تعتمد على موارد الدولة في تقديم خدماتها إلى الأعضاء ومن خلال الوزارات المعنية بطبيعة كل نقابة مهنية وغالبية أعضاء النقابات أو شريحة مهمة منهم تعمل في مؤسسات الدولة بالتالي حرية الحراك السياسي والخدمي ليست مطلقة ويمن تجميدها أو عرقلتها من خلال قوانين تؤثر في المحصلة في أداء العمل النقابي وأما الجامعات فهي مؤسسة حكومية أيضا لكن بطبيعتها غير ملتصقة بالدولة والسور الذي يحيط بالفضاء الجامعي يسمح بدرجة أكبر من الحرية طالما انحصر داخل السور ولم يخرج إلى بقية فضاءات المجتمع .

من جانب أخر فإن الشريحة الطلابية نفسها تختلف جوهريا عن شريحة المهنيين كون الأولي شريحة نشطة بطبيعة الفئة العمرية التي تنتمي إليها ( من 17 إلى 20 سنة) وبالتالي لا تتأثر حيوتها بما إذا كانت هناك انتخابات دورية أو لا كما في حالة النقابات إضافة إلى أن محدودية المدة التي يقضيه الطلبة في الجامعات ( متوسطها 4 سنوات ) هي بحد ذاتها آلية تضمن استمرار حيوية هذه الشريحة المتجددة وعدم ترهلها بمرور سنوات طويلة كما في حالة شريحة المهنيين في النقالات .

كما إن ثقافة الصحبة وعصبية المجموعة التي يعززها الانتماء والحاجة إلى تنظيم مشترك يسبغ على أعضائها شعورا بالتميز من الآخرين ويمنحهم هوية ورؤية للتفاعل مع الميحط المعقد الذين يعيشون وسطه جميعها عناصر تحفيزية للحراك داخل الجامعة يختلف عن الحراك الإخواني داخل النقابات وبسبب اختلاف شريحة الطلاب عن شريحة المهنيين العمل الجامعي عن العمل النقابي فإنه من غير المستبعد أن تسفر أجواء القمع التي استخدمها الدولة ضد الإخوان في النقابات عن النتيجة نفسها في الجامعات بل على العكس ستفرز المزيد من الحراك والتفاعل كما دلت على ذلك أحداث طلبة الأزهر .

بحلول لعام 2000 لم تعد هناك انتخابات نزيهة داخل الجامعات في مصر وإنما اتخذت انتخابات اتحاد الطلبة إجراء شكليا يهدف إلى إنجاح مجموعات طلابية موالية للحزب الوطني وغلق الفرصة أمام طلبة الإخوان للمنافسة وعلى الرغم من أن هذه الممارسات كانت تحدث في التسعينيات إلا أنه من بداية العام 1998 وصاعدا فقدت انتخابات اتحادات الطلبة قيمتها أصبحت مجرد حدث رمزي يعرف الجميع نتائجه مسبقا وعلى الرغم من أن الإخوان ظلوا يسيطرون على كليات القمة في الجامعات المهمة مثل كليتي الطب والهندسة ( بسبب أعدادهم الكبيرة ) إلا أن الأمن نجح بالفعل في إقصاء الإخوان عن قيادة اتحادات الجامعة الممثلة للكليات بحيث لم يعودوا يسيطرون على الاتحاد في جامعات القاهرة والإسكندرية والمنيا وأسيوط والزقازيق كما كانوا منذ منتصف الثمانينات ومستهل التسعينيات . وبحلول العقد الجديد بدأت إدارة الجامعة بالتعاون مع الأمن الموجود باستمرار داخل الحرم الجامعي في تكثيف وسائل عرقلتها لمشاركة الإخوان في انتخابات اتحاد الطلبة ففي التسعينيات كان توقيت فتح باب الترشيح معلنا وكانت الجامعة تراهن على قدرة الأمن في منع وصول طلبة الإخوان ومؤيديهم إلى صناديق الاقتراع عن طريق استخدام أعمال العنف والبلطجية الطلابية ضدهم ولما لم تفلح تلك الوسيلة أمام إصرار طلبة الإخوان على المشاركة وتمكن بعضهم من الفوز لجأت إدارة الجامعة إلى وسيلة جديدة وهي عدم الإعلان عن فتح باب الترشيح وعمل الانتخابات بصورة سرية أو مفاجئة , وهي تفضي في النهاية إلى نجاح مجموعات طلابية موالية مثل تنظيم" حورس " عن طريق التزكية بحجة عدم وجود مرشحين منافسين ونتيجة هذه الوسائل فإنه بداية من العام 2002 لم يعد للإخوان وجود في اتحادات الطلاب وهو تطور غير مسبوق .

ويبدو أن النظام اعتقد أنه بإقصاء الإخوان عن اتحاد الطلاب قد جمد أنشطتهم داخل الجامعات كما حصل مع النقابات إلا أن اختلاف الشريحة الطلابية عن الشريحة النقابية وإن كانت الشريحتان تنتميان إلى التنظيم نفسه برهن على عكس ذلك فإزاء سياسة الإقصاء صاغ طلبة الإخوان إجراءين للرد على عملية التجميد والإقصاء : أولهما إعلان الطلبة عن انتمائهم إلى حركة الإخوان المسلمين " المحظور" والعمل داخل الحرم الجامعي تحت هذا المسمي وليس تحت مسمي " التيار الإسلامي " كما في السابق وثانيهما الإعلان عن انتخابات ما أسموه ب " الاتحاد الحر" بحيث يكون موازيا لاتحاد الطلبة " غير الحر" باعتباره واقعا سيطرة إدارة الجامعة وأمن الدولة .

تخلي طلبة الإخوان عن مسمي " التيار الإسلامي " الذي كانوا يعملون به في الجامعة منذ الثمانينات وبدأوا منذ العام 2005 يعملون تحت مسمي طلبة " الإخوان المسلمين مباشرة وبالطبع فإن التحول لم يكن مجرد لفظ وإنما كا استجابة للحالة التي تمر بها الحركة في علاقتها مع السلطة ففي الثمانينات ومع وجود منافسة طلابية بين " الإخوان " و" الجماعة الإسلامية " كان الإخوان حريصين على أن يميزوا أنفسهم من " الجماعة الإسلامية " المتشددة ووجدوا أن مسمي " الجماعة الإسلامية " الذي عرفت به الحركة الطلابية في نهاية السبعينيات يحدث خلطا في الأذهان ويعرض الإخوان للإحراج فغيروا الاسم في منتصف الثمانينيات إلى " التيار الإسلامي " وبالتأكيد فإن أجواء منتصف الثمانينات لم تكن تسمح للجماعة أن تتحول من مسمي " الجماعة الإسلامية" إلى مسمي " الإخوان المسلمين " نقلة واحدة لاعتبارات تتعلق بحجم الحركة وعلاقتها بالدولة وما حتم عليها أن تتجنب استفزاز النظام والتفرغ للاستقطاب وإعادة بناء التنظيم

وبحلول العام 2000 فإن الظروف بدت ملائمة كي يغير طلبة الجماعة أسمهم من " التيار الإسلامي " إلى " الإخوان المسلمين " صراحة فقد اتسع نفوذ الحركة سياسيا واجتماعيا مقابل ضمور جماعات العنف وتحول بعضها إلى المصالحة مع النظام وتزامن ذلك مع وجود مرشد الجماعة مهدي عاكف الذي تبني سياسة أقل احتراسا من سياسة سلفه التلمساني وأبو النصر ومشهور والهضيبي إضافة إلى ظروف لحراك السياسي العام ضد النظام المترهل يسبب سياسة ط توريث الحكم " وجميعها عناصر تفاعلت داخل الحرم الجامعي وأفرزت أجواء بين الطلبة تدفع باتجاه التصعيد أو على الأقل التوقف عن ثقافة تلقي اللكمات .

وشعر النظام بانزعاج إزاء التسمية الجديدة أسفر عن تحقيقات مع طلبة الإخوان انتهي بعضها بعقوبة الفصل ونزع أية لوحات حائط يكتب عليها " طلاب الإخوان المسلمين " فيما شهدت جامعات مقايضة الأمن بإعطاء الطلبة حرية القيام بأنشطتهم الجامعية مقابل تخليهم عن اسم " الإخوان المسلمين " والعودة إلى العمل تحت اسم " التيار الإسلامي ط وهي مقايضة شبيهة بما جري في أعقاب زلزال 1992 بسماح الأمن للإخوان بالعمل الإغاثي مقابل تخليهم عن استخدام شعار " الإسلام هو الحل" الذي كانت تضعه الجماعة على واجهة خيماتها الإغاثية .

وأما الإجراء الثاني فكان الدعوة إلى انتخابات " اتحاد طلبة حر " يكون بديلا من اتحاد طلبة الجامعة الذي تسيطر عليه الإدارة ورجال الأمن وهو إجراء أزعج النظام لأنه كسر احتكار الجامعة في إدارة العملية الانتخابية ودعا الطلبة إلى انتخابات موازية يرف عليها مستقلون من أعضاء هيئة التدريس وبدأت الدعوة إلى انتخابات " الاتحاد لحر " في العام 2006 " بإدارة طلبة الإخوان وبمشاركة طلابية وصلت إلى 60 بالمئة وهي نسبة كبيرة مقارنة بمن يشاركون في انتخابات اتحاد الطلبة التقليدي وكانت نسبة مشاركة الطلبة عالية في جامعات الصعيد مثل المنيا وبني سويف , والفيوم , وأسيوط على غير ما كان متوقعا باعتبارها معقلا لـ " الجماعة الإسلامية" ونظرا إلى الوجود الأمني المكثف وتطورت فكرة " الاتحاد الحر " في العام 2007 إلى " الاتحاد العام الحر لجامعات مصر " يمثل الاتحادات الطلابية الحرة في الجامعات كما في اللائحة الطلابية التي ألغاها السادات في العام 1979 . وطبقا لمحمود وهو ناشط طلابي سابق من جامعة الإسكندرية :" كانت هذه هي أول مرة يكون فيها اتحاد عام يمثل طلاب مصر منذ إلغاء لائحة العام 1979 وفي هذه السنة ( 2007) انتخب أول رئيس عام للإتحاد عمرو حامد من اتحاد طلبة جامعة القاهرة وله نائب , وأمانة عامة, وأمين عام مساعد من جامعة المنصورة بانتخابات تمت أمام الكاميرات في نقابة المحامين وبوجود إعلامي واسع وبإشراف أعضاء هيئات التدريس وعمرو حامد من الإخوان لكن الطلبة في الاتحاد ليسوا بالضرورة من الإخوان والانتخابات مفتوحة لجميع الطلبة إخوان وغير إخوان المهم أننا كنا نريد أن نكسر حاجز الخوف والسلبية لدي الطلبة ونعمل حراكا سياسيا في الجامعة يرفض تزوير الانتخابات كنا نريد أن نعود الطلبة على رفض التزييف في الانتخابات علشان لما يتخرج ويطلع بره سور الجامعة يرفض التزييف السياسي في انتخابات مجلس الشعب أيضا "

حادثة طلبة الأزهر

أسفر تشكيل " الاتحاد الحر " والاتحاد العام الحر لجامعات مصر " عن تزايد إجراءات فصل الطلية الذين شاركوا في الانتخابات بصرف النظر عن انتماءاتهم وطال الفصل عددا كبيرا من طلبة الإخوان في جامعة الأزهر تحديدا باعتبار وجودهم القوي فيها وقرر الطلبة المفصولون من جامعة الأزهر القيام باعتصام يسبقه عرض تمثيلي شبيه بالعرض الذي يقومون به من أجل دعم الانتفاضة الفلسطينية لجذب انتباه وسائل الإعلام لقضيتهم وقال محمود أحد الإعلاميين الذين دعاهم طلبة الأزهر لحضور العرض :" اتصلوا بي وقالوا لي إنهم سيعملون عرضا رياضيا قبل الاعتصام المناهض لسياسة الفصل لم أستوعب معني العرض الرياضي " فقلت للذي دعاني واسمه عبد الرحمن , لماذا العرض الرياضي ؟ قال حتى نجذب أكبر عدد من الكاميرات كان هذا بالنسبة إليهم هو الهدف من العرض والذي حضر الاعتصام من وسائل الإعلام مجرد جريدة واحدة فقط هي المصري اليوم وهي الجريدة التي صورت الحدث على أنه ملشيات عسكرية وليس عرضا لم يقولا ذلك , لا شك في فكرة الطلبة للتعبير عن غضبهم كانت شاذة ونحن كإخوان كنا نقول إن فكرتهم كانت شاذة , ولكن السياق السياسي الذي كانت تمر به البلد أيضا هو الذي جعل النظام يتبع سياسة تصيد الأخطاء للتصعيد ضد الجماعة .

ويضغط من مكتب الطلاب في تنظيم الإخوان الذي يعتبر محمود أحد أعضائه أصدر طلبة الأزهر بيانا اعتذروا فيه عن الوسيلة التي لجأوا إليها للتعبير عن غضبهم ومعللين :" إن ما دفعا إلى إجراء هذا العرض التمثيلي هو ناتج من شعورنا بأن أحدا لا يسمع صوتنا , ولا يتحرك من أجل المطالبة بحريتنا داخل الجامعة " ولم تنشر الصحف الموالية للنظام البيان فيما قام الأمن بمداهمات ليلية مسلحة لمدينة " أبراج الصفا " التي يسكنها طلبة الأزهر من الإخوان وألقي القبض على 180 طاليا ويرجع متخصص في شؤون الحركات الإسلامية التحرك الأمني إلى لغة التحريض والاستعداء لتي روجت لها صحف مدعومة من " الحزب الوطني " مثل صحيفتي روز اليوسف ونهضة مصر . ولم تطل مداهمات الاعتقال طلبة الأزهر فحسب وإنما وسع النظام دائة التصعيد فألقي القبض على رجال أعمال وقيادات في الإخوان شملت نائب المرشد العام خيرت الشاطر وحولتهم إلى محاكمة عسكرية على ذمة أحداث قضية الأزهر .

الحراك السياسي الطلابي

شهدت مصر منذ العام 2004 حراكا سياسيا غير مسبوق بدأ كردة فعل شعبية رافضة لرغبة الرئيس مبارك في تمديد رئاسته لفترة رابعة واستمرت في تصاعد بانتخابات العام 2005 والتعديلات الدستورية في العام 2007 وانعكس الحراك على نخبة المثقفين بتأسيس حركة " كفاية " التي ابتكرت ثقافة إنزال الناس إلى الشوارع بمسيرات سلمية فيما انعكس الحراك داخل الفضاء الجامعي أيضا ففي العام 2005 بدأ طلبة الإخوان حملة " معا للإصلاح" بمشاركة تيارات طلابية اشتراكية ومستقلة وانطلقت الحملة باسم الإخوان من جامعة القاهرة بمسيرة شارك فيها طلاب الحركة من جماعات أخري . وركزت " معا للإصلاح" على هموم الطلبة وأهمها ضرورة إعادة اللائحة الطلابية التي ألغاها السادات في العام 1979 وقدمت نموذجا محدثا للائحة الطلابية أكدت فيه ضرورة حرية العمل الطلابي ونزاهة الانتخابات الطلابية وعودة " الاتحاد العام لطلاب مصر" وشملت كذلك الحديث عن الفساد في مصر ولا سيما في التعليم :" مدرجات الجامعة قديمة ومهترئة والمختبرات غير معدة إعدادا يتيح أن تطبق عمليا ما نتعلمه والجو العام فاسد فلا يمكن أن نحرز تقدما في دراستنا طالما نفتقد الحرية .

ووظف الإخوان الحرية النسبية للحركة داخل الفضاء الجامعي لتعبئة الطلبة للمشاركة السياسية ودعم الجماعة في انتخاباتها البرلمانية في العامين 2000 و2005 ( كما في الفترات الانتخابية السابقة ) استغل الطلبة على حائط الحرم الجامعي مساحة متاحة لتعليق صور مرشحي الجماعة وتوزيع برنامجهم الانتخابي وحث الطلبة على التصويت لهم . وراهن طلبة الإخوان على إمكانية دفع الطلبة إلى دعم مرشحيهم السياسيين على اعتبار أنهم ينتمون إلى التيار نفسه الذي تستفيد الطلبة من خدماته داخل الجامعة فيما استفادوا أيضا من تدهور شعبية الحزب الوطني لحث طلبة أقباط على التصويت لهم " في زملاء لنا مسيحيين قالوا لنا إحنا أعطينا صوتنا للإخوان نكاية في الحزب ( الوطني ) الفاسد " وامتدت جهود طلبة الجماعة التعبوية إلى خارج السور أيضا إذ قاموا بتوزيع برامج مرشحيهم في المدن الجامعية ( مساكن الطلبة ) أرشدوا من يحق له التصويت ( 18 سنة فما فوق غالبا في سنته الجامعية الثانية بما يتوجب عليه فعله للإدلاء بصوته بدءا من الذهاب إلى قسم الشرطة لاستخراج بطاقة انتخابية وانتهاء بإرشاده إلى مقر لجنة التصويت في منطقة سكنه .

وشملت حملات الطلبة حملة " نرفض " إزاء التعديلات الدستورية في العام 2007 من خلال توزيع منشورات داخل الجامعة وهو ما لا تستطيع الجماعة القيام به خارج سور الجامعة وارتكزت الحملة على رفض : إقصاء الحريات واستبعاد القضاة عن العملية الانتخابية وفصل الدين عن الدولة وبدراسة أداء الحركة الطلابية منذ العام 2000 وحتى التعديلات الدستورية في العام 2007 فإنه يمكن الخروج بمجموعة استنتاجات :

أ‌- اتسمت الشريحة الطلابية بحيوية وحراك تفوق حالة الكمون التي طالت أعضاء الحركة في النقابات وقلنا إن ذلك ارتبط بطبيعة المرحلة العمرية وطبيعة القضاء الجامعي .

ب‌- تطور الخطاب الإخواني داخل الجامعة نحو مزيد من العمل مع من هم خارج التنظيم بما في ذلك الأقباط سواء على مستوي صياغة الخدمات الطلابية أو التعبئة السياسية .

ت‌- الانتقال بالعمل الطلابي من مظلة " التيار الإسلامي " إلى " الإخوان المسلمين وهو تطور يتوازي مع حالة الحراك التي تمر بها مصر منذ العام 2004 وحتى الآن وإصرار الجماعة على إثبات وجودها رغم استمرار الدولة على عدم الاعتراف بشرعيتها .

سادسا: نوادي أعضاء هيئة التدريس

مقارنة بالحركة الطلابية نجح النظام في إقصاء الإخوان عن سيطرتهم على نوادي أعضاء هيئة التدريس , وعلى الرغم من أن أعضاء هيئة التدريس يشاطرون الشرطة الطلابية الفضاء الجامعي ذاته , بما فيه من حرية نسبية إلا أنهم في المحصلة موظفون في الجامعة , ولا يحظون بالقدرة نفسها على الحركة والمناورة ولذلك فإن مآل الإخوان في نوادي أعضاء هيئة التدريس كان شبيه بمآلهم في النقابات فباستثناء " نادي أعضاء هيئة التدريس " في جامعة القاهرة تمت تصفية الإخوان من بقية نوادي الجامعات بحلول العام 2007 .

في التسعينيات حاول النظام دعم مرشحيه للفوز في انتخابات مجلس إدارة النوادي إلا أن محاولاته باءت بالفشل فلجأ في النهاية إلى تشكيل نواد بديلة تسعي إلى توفير الخدمات نفسها التي يوفرها الإخوان أطلقوا عليها اسم " نوادي الجامعة ولأول مرة أصبح هناك في آن واحد في جامعة أسيوط مثلا " نادي هيئة تدريس جامعة أسيوط الذي يسيطر عليه الإخوان من خلال انتخابات دورية ونادي جامعة أسيوط" الذي يسيطر عليه الحزب الوطني وبوجود " نادي الجامعة " الذي أقطعته الدولة أرضا بمنشآت مجهزة وميزانية ثابتة كانت الدولة من خلال رئيس الجامعة ومجلس إدارة الجامعة تضع العراقيل القانونية والأمنية أمام نوادي أعضاء هيئة التدريس " الشرعية" ما جمدها نهائيا .

وفقد الإخوان مع النقابات مظلة قانونية أخري كانوا يعملون تحتها ولم يستطع مدعوم " الحزب الوطني " أن يؤدوا الخدمات نفسها التي كانت تؤديها الجماعة لأعضاء النادي ما أعاد نوادي الجامعة إلى حالة الكمون التي كانت عليه في بداية الثمانينات .

سابعا : المال في صراع النظام مع الإخوان

في كانون الأول / ديسمبر 2006 شن النظام حملة اعتقالات طالت رجال أعمال في الجماعة بتهمة " غسيل الأموال " وحولهم إل محاكمات عسكرية في نيسان / أبريل 2007 ما أثار الجدل حول البعد المالي في الصراع بين الإخوان والنظام . وربما فيما كان مفهوما تحويل القيادات الوسطي في الجماعة إلى محاكمات عسكرية , وربما فيما كان مفهوما تحويل القيادات الوسطي في الجماعة إلى محاكمات عسكرية في العام 1995 باعتبارها مثلت مفاصل حركة الجماعة في لفضاء النقابي والبرلماني فإن استهداف رجال المال بعد ذلك بـ 12 سنة يمثل مرحلة متطورة في الصراع لم تتضح دوافعها بعد ويمكن بالعموم القول إن تزايد نفوذ الحركة سياسيا وشعبيا ووصول الإسلاميين إلى السلطة في بعض الدول المجاورة حالة " حماس " تحديدا ونجاح الإسلاميين في الانتخابات التشريعية في مصر والكويت والبحرين , والمغرب وتحالف أمريكا مع الأنظمة السلطوية بعد أحداث أيلول / سبتمبر في مقاومة الإرهاب جميعها شكلت عوامل متوازية لدوافع .

النظام ضد الحركة ولكن يظل السؤال مطروحا : لماذا استهداف مال الإخوان الآن ؟

يعتقد ضياء رشوان أن استهداف مال الإخوان هو من باب " تجريب الأمن لوسيلة جديدة في تقليص نفوذ الحركة " بعد فشل وسائله السابقة التي شملت الاعتقال والمحاكمة والتشويه الإعلامي وبحكم رشوان على هذه الاستراتيجية الأمنية بالفشل لاعتقاده أن نفوذ الإخوان لا يمكن في مواردهم المالية وإنما في قوة بنيتهم التنظيمية والتزام الأعضاء بأهداف الجماعة ويري أن موارد الجماعة المالية ليست بالضخامة التي يصورها الإعلام الحكومي المصري وأن تكاليف أنشطتها تتم بجهود فردية من أعضائها .

وتربط قيادات استهداف مال الإخوان بفوزهم غير المتوقع بـ 88 مقعدا في انتخابات العام 2005 ومحاولة النظام " تجفيف منابع الدعم المالي لحملات الانتخابية باعتقال أعضاء التمويل في الجماعة وتحويلهم إلى محاكمات عسكرية ولفهم العلاقة بين المال وصعود الإخوان السياسي أشير إلى مصادر التمويل الرئيسية لدي الجماعة , وهي:

1- دور رجال الأعمال داخل مصر .

2- دور الإخوان المصريين خارج مصر .

3- اشتراكات أفراد الجماعة , وتطوعهم لدعم الحملات الانتخابية .

بالنسبة إلى دور رجال ألأعمال ( مثل عبد الرحمن سعودي في المقاولات وحسن مالك الذي يمتلك أكثر من شركة وشريكة خيرت الشاطر ) فإنهم يقدمون دعما ماليا مها للجماعة في فترة حملاتها الانتخابية هذا سوي الاشتراكات التي يدفعونها بانتظام باعتبار عضويتهم وهي نسبة محدودة بـ 10 بالمئة من دخلهم ويدفع الإخوان الذين يعملون في الخليج وليبيا اشتراكات شهرية منتظمة تزيد نسبتها في فترة الانتخابات وفي هذا الوقت يظل عدد أعضاء الإخوان في مصر غير معلن إلا أنه يبلغ مئات الآلاف وهؤلاء يدفعون اشتراكات تدعم أنشطة الجماعة وفيما لم يكن دور رجال الأعمال في دعم أنشطة الحركة جديدا إلا أن استهدافهم في العام 2007 تحديدا كان بسبب تنامي دورهم في انتخابات العام 2004 مقارنة بانتخابات العامين 1995 , 2000 فقد اتسمت انتخابات العام 2005 بالكلفة المالية الباهظة على دعاية المرشحين المصريين الذين خاضوا انتخابات العام 2005 وصلت إلى 5 مليارات جنيه, وهي أربعة أضعاف نفقات انتخابات العام 2000 وأنه فيما بلغ متوسط ما أنفقه المرشح الواحد في العام 2000 حوالي 375 ألف جنيه فإنه وصل إلى مليون جنيه في العام 2005 وأن كلفة المقعد الواحد من مقاعد مجلس الشعب الـ 444 وصلت إلى 12 مليون جنيه وحسب هذه التقديرات افترض الأمن أن الإخوان أنفقوا أكثر من 300 مليون جنيه لدعم مرشحيهم الـ 161 وأن رجال الأعمال كانوا الممول الرئيسي لهذه النفقات ما سلط الأضواء الأمنية عليهم .

وفيما يري العريان أن إنفاق الإخوان على حملاتهم الانتخابية لا يبرر اعتقال الأمن لرجال الأعمال ما داموا يمولون أنشطة سلمية فإن مصادر إخوانية ومستقلة تشكك في صحة الـ 300 مليون كرقم مشيرة إلى أنه تم تحديده قياسا على ما أنفقه مرشحو الحزب الوطني ما أكد أن الإخوان هم خصم منافس للنظام وحسب عبد المنعم أبو الفتوح القيادي في الجماعة " أنا قابلت أحد القيادات الأمنية في وزارة الداخلية وقال لى أنتم صرفتم أكثر من 300 مليون جنيه على انتخابات مجلس الشعب هذا أزعجنا فقلت له أنا أعرف من أين أتيت بهذا الرقم أنت سألت أحد أعضاء الحزب الوطني المرشحين في انتخابات العام 2005 كم صرف على دائرته فقال لك صرف 2 مليون جنيه على الدعاية فقلت إن الإخوان نزلوا بـ 161 مرشحا و161 ×2 مليون = 322 مليون جنيه وهذا رقم ضخم فيسألني من أين حصلتم على هذه الأموال ؟"

ويقدر أبو الفتوح أن مجموع ما أنفقه الإخوان على حملتهم الانتخابية في العام 2005 لا يتجاوز 10 ملايين جنيه لأن " 90 بالمئة من الجهد الذي يبذله المرشح في دائرته مبني على تطوع بقية أعضاء الجماعة في الدائرة لدعم حملته " ويقارن أبو الفتوح بين نفقات مرشح الإخوان ومرشح الحزب الوطني قائلا : مرشح الحزب الوطني صرف 2 مليون بالفعل , لأنه عندما يأتي يعمل يافطة انتخابية بتكلفة 100 جنيه واللي يعلقها له يأخذ 200 جنيه واللي يعدلها بعد أن تعلقت بأخذ 100 جنيه واللي يطلع يربط الحبل المقطوع يأخذ 100 جنيه فلما يعمل يافطة واحدة في دائرته بتكلفة 2000 جنيه فلما يشوف عدد اليفط والأكل للناس المندوبين بيلاقي نفسه صرف مبالغ كثيرة أما مرشح الإخوان فالذي يكتب له اليافطة متطوع والذي يعلق متطوع والذي يأتي بالقماش متطوع نحن نصرف لا أقول لا نصرف لكن ليس ببذخ مرشح الحزب الوطني الذي يصرف 2مليون .

الهيكل المالي للإخوان المسلمين

لفهم تداعيات اعتقال رجال الأعمال على قوة الجماعة وما إذا كان اعتقالهم سيحسم الصراع لصالح النظام لابد من تسليط الضوء على الهيكل المالي للإخوان وتحديد حجم نفوذ رجال المال نسبة إلى بنية التنظيم ودينامية الحركة في المجتمع المصري :

أ‌- هناك خط فاصل بين ما تملكه الجماعة من ميزانية تابعة للتنظيم وما يملكه أعضاؤها من رأس مال خاص بهم ومن المهم في أى تحليل عدم الخلط بين الاثنين .

ب‌- منذ حل الإخوان ومصادرة ممتلكاتهم في العام 1954 حرصت الجماعة على ألا يكون لها مشاريع مملوكة لها وأن تعتمد في تمويل أنشطتها على اشتراكات الأعضاء وما تتلقاه من دعم من شرائح في المجتمع نتيجة شرعيتها الاجتماعية .

ج – تدير الجماعة أنشطتها العامة بما فيها حملات الدعاية في فترة الانتخابات من خلال نوعين من الأنفاق :

إنفاق مركزي يتم من خلال صندوق التنظيم في القاهرة إنفاق غير مركزي يتم من خلال صندوق شعب وفروع التنظيم في بقية المناطق والمحافظات وفيما قد يؤثر اعتقال رجال الأعمال في نفقات الجماعة المركزية فإنه بالتأكيد لن يؤثر في نفقات الجماعة غير المركزية .

وتعطي النفقات المركزية عند الإخوان نشاطين أساسيين هما حفل إفطار رمضان الذي تقيمه الجماعة سنويا وحملات الدعاية الانتخابية في بعض المحافظات الكبيرة مثل القاهرة والإسكندرية وحسب ضياء رشوان الذي درس هذين النشاطين عن قرب , فإن دور رجال الأعمال فيه مهم ولكن ليس بالحجم نفسه الذي تقترضه الدوائر الأمنية :" الأنشطة المركزية للإخوان نشاطين لا ثالث لهما : النشاط الأول حفل الإفطار السنوي الذي يعمله الإخوان وهذا حسب التقديرات الأمنية هذه السنة ( 2007) وطبقا للفواتير 225 ألف جنيه وهذا مبلغ يدفعه واحد ونصف غني يعني أحد رجال الأعمال الإخوان البسطاء والنشاط الثاني هو الانتخابات والانتخابات لا تحدث كل يوم وإنما كل 5 سنوات وليس كل الدوائر تنفق مثل بعضها في المدن مثل القاهرة والإسكندرية التكلفة عالية وأما في الريف فالنفقات ممكن تكون 100/1 مما ينفق في القاهرة .

وأما بقية أنشطة الجماعة في المناطق المختلفة فإن تغطية نفقاتها يتم من خلال صندوق الشعبة وهي حصيلة اشتراكات أعضاء الشعبة أو من خلال مؤسسات اجتماعية تسيطر عليها الجماعة أو تبرعات من أفراد المجتمع مستفيدين من خدمات الإخوان ومرة أخري يشرح رشوان طبيعة النفقات غير المركزية " الإخوان في شعبة من الشعب يتحركون بأكثر من طريقة أولا هو عنده مصروفات خاصة بالتنظيم من اشتراكات الشعبة أو الأسرة ثم الإخوان ينشطون أيضا في جمعيات أهلية والإخوان لديهم مئات الجمعيات سواء لهم أو هم شركاء في مجالس إدارتها وهي جمعيات كلها قانونية وفقا لقانون اسمه قانون الجمعيات الأهلية في مصر والتبرع لها بيتم من خلال أفراد بيدفعوا للجمعيات وبالتالي هو ( الإخوان 9 لما يحب يعمل مشروع بيعمله من خلال جمعية أهلية وليس من خلال أموال خاصة بالإخوان وبالنسبة إلى حملات الدعاية الانتخابية في الريف , والصعيد , والأقاليم , فأنت لا تنفق عليها تقريبا مثل المدن الكبيرة مثل القاهرة والإسكندرية لأن الأمر يتعلق بمساهمات تطوعية من أقربائك وأهل دائرتك ومن العيب اجتماعيا أنك تأخذ فلوس وبالتالي ما يقال من أن الإخوان أنفقوا نصف مليار على الانتخابات .. هذا كلام فارغ ..

نفوذ رجال الأعمال

إن اللامركزية في حركة التنظيم واعتماد الإخوان على اشتراكات وتطوع أعضائها وتوظيف الجمعيات الأهلية التي تسيطر عليها تجعل نفوذ رجال الأعمال على دينامية الجماعة محدودا بالتالي أثر اعتقالهم محدودا في معادلة الصراع مع النظام ومن جانب آخر فإنه لا يزال غير واضح حجم رأس المال لدي رجال الأعمال ونسبة ما يصل من هذا الحجم إلى الإخوان كتنظيم فهناك تضارب في الأرقام الخاصة بثروة رجال الأعمال الإخوان وهناك خلط بين قيمة رأس مال مشاريعهم والأرباح الحقيقية من وراء هذه المشاريع .

فحسب تقارير صحافية ونقلا عن محاضر التحقيق مع المعتقلين فإن مجموع استثمارات الإخوان يتراوح ما بين 7 إلى 20 مليار جنيه ويبلغ حجم استثمارات عبد الرحمن سعودي مثلا أحد رجال أعمال الإخوان وصاحب شركة التنمية العمرانية والجيزة الطبية وسلسلة محلات " سعودي " 300مليون جنيه فيما تبلغ استثمارات حسن مالك أكثر من 250 مليون جنيه ومن جانب آخر فإن مصادر في الجماعة تعتقد أن الحملة الإعلامية التي شنتها الدولة لتشويه صورة الإخوان بالغت في توصيف نفوذ رجال الأعمال لتبرير اعتقالهم وتحويلهم إلى محاكمات عسكرية مشيرة إلى أن الاستثمارات الحقيقية لرجال الأعمال محدودة وأن دعمهم المالي للتنظيم محدود أيضا فحسب بدر محمد بدر " حسب خبرتي على مدي 30 سنة داخل الإخوان لا أجد شركة من شركات رجال الأعمال دعمت العمل الإخواني كما يفترض البعض بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية في مصر وضعف السيولة وقسوة الضرائب والفساد " ويدلل بدر بعبد الرحمن سعودي أحد رجال الأعمال الذين طالتهم الاعتقالات بنموذج على ما يقول " شركة مثل شركة عبد الرحمن سعودي وهي من شركات المقاولات أنا شخصيا توسطت لدي المدير المالي في الشركة لصرف مستحقات ظلت لأكثر من تسعة أشه لأحد المهندسين العاملين فيها لأنه هذه الشركات تتعامل مع الدولة هنا وهناك فأحيانا تأخذ هذه الأموال وتعاني هذه الشركات من تراكم الديون بما فيها الفوائد ولا تكاد تجد شركة تقول إن لديها فوائض وهذا وضع اقتصادي عام يعرفه كل مصري وأنا أؤكد هذا الكلام بحكم قربي منهم .

وفيما تقدر ثروة رجال الأعمال الإخوان بمئات الملايين فليس من الواضح ما إذا كانت هذه الأرقام تعبر عن رأس المال المجمد في أراض وأبنية ( مصانع وشركات .. الخ) أو عن الأرباح السائلة أو عن كليهما معا وفي ظل تدني الأوضاع الاقتصادية في مصر وسوء مناخ الاستثمار الأجنبي وضعف القدرة الشرائية فإن حركة المال السائلة من رجال الأعمال إلى الجماعة لدعم أنشطتها السياسية يبدو أنه ليس بالحجم الذي تشير إليه وسائل إعلام النظام كما إن البنية اللامركزية في الهيكل المال للإخوان تجعل دينامية الحركة في دوائر المحافظات والأقاليم ذاتية ومستقلة عن أموال رجال الأعمال . ومن جانب آخر ليس من الواضح الآثار المباشرة لاعتقال رجال الأعمال في اقتصاد الدولة أخذا في الاعتبار محدودية أرباح شركات الإخوان إلا أن الآثار غير المباشرة سلبية من ناحيتين:

أ‌- من ناحية أن اعتقال رجال أعمال يتعامل بعضهم مع شركات أجنبية يخلق مناخا طاردا لرأس المال الأجنبي الذي تحتاج إليه الدولة لتعزيز شرعيتها الاقتصادية وقالت دراسة لهيئة سوق المال المصرية إن استهداف رجال أعمال أدي إلى بعض رسائل سلبية إلى الخارج عن مناخ الاستثمار داخل مصر فحسب حسن مالك مثلا , رجل أعمال إخواني معروف :" قبل اعتقالي كنت قد تعاقدت مع شركة أجنبية ( تركية ) كبري للاستثمار في مصر واتفقت معها على إقامة مصنع ضخمن لصناعة وتصدير الأثاث للخارج وبعد انهاء جميع الموافقات وتخصيص الأرض اللازمة للمصنع تم اعتقالي فأنهت الشركة تعاقدها وخرجت من مصر . وأضافت هيئة سوق المال أن التصعيد الأمني قد يؤدي إلى انتكاسة في أداء البورصة بعدما شاع خروج 21 مليار جنيه ( حوالي 3,3 مليار دولار) من السوق المالية المحلية .

ب‌- من ناحية أن استهداف رجال أعمال الإخوان يسفر عن طرد مئات الموظفين الذين يعملون في مصانعهم ما يفاقم من مشكلة البطالة المتزايدة في مصر ويأتي ذلك في وقت تواجه فيه الدولة استياء عماليا من تردي أوضاعها المالية وبيع القطاع العام وتنامي سياسة الخصخصة.. وهذه تمثل معضلة للنظام فهو في الوقت الذي يريد أ، يقلم أظافر الجماعة المالية من خلال تصفية استثمارات أعضائها , فإنه يقوض قضاء عاما يوفر من دونه سيكون عاطلا وغاضبا على الدولة ولما التقيت خيرت الشاطر نائب المرشد ورجل الأعمال في العام 2002 استبعد أن يضرب النظام الكيانات الاقتصادية الإخوانية للدور الاجتماعي الذي تقوم به في التوظيف وقال :

النهاردة الوضع لا يحتمل إنه النظام يأتي ويضربني وأنا عندي 250 واحد يشتغلون في الشركة , ومسئولين تحت الرصد الأمني , ويشوف كيف تمشي , وفلوسها أين تتحرك ويتابع حسابتها في البنوك وسلط عليها بتوع الضرائب ويضيق عليها إداريا وليس اقتصاديا فأنا ألمس من النظام إنه حريص إنه لا يعمل مشاكل ف الكيانات الاقتصادية اللي موجودة بغض النظر عن توجهها "

غير أن استهداف رجال أعمال الإخوان وضرب كياناتهم الاقتصادية العام 2007 دلا على أن النظام وصل إلى مرحلة متقدمة من الخوف جعلته في النهاية يقايض شرعيته الاجتماعية بأمنه واستمرار بقائه السياسي .

خاتمة الفصل السابع

لقد شهدت السنوات الأولي من العقد الأول للألفية الثالثة من العام 2000 إلى العام 2007 تحديدا تطورات محلية وإقليمية ودولية مهمة لم تغير جذريا من معادلة الصراع التي حكمت علاقة الإخوان بالنظام المصري بداية من العام 1990 لكنها بالتأكيد أعطت المعادلة أبعادا جديدة فقد مرت علاقة الإخوان بالنظام بمرحلتين رئيسيتين حكمهما بحث كل من الجماعة ونظام مبارك عن الشرعية .

المرحلة الأولي 1981 -1990: اتسمت بالاستيعاب وكان تسامح النظام مع الإخوان جزءا من مساعي مبارك إلى تعزيز شرعيته بالتصالح مع المجتمع بعد ظروف توتر العلاقة بين الدولة والمجتمع في السنوات الأخيرة لحكم السادات واستفادت الجماعة من توجه النظام واقتنصت فرصة الإفساح لتأسيس شرعيتها الواقعية من خلال إعادة بناء تنظيم قوي انحل منذ الخمسينيات وخدمات عبر مؤسسات المجتمع المدني والأهلي للطبقات الفاعلة في المجتمع .

المرحلة الثانية 1990 -2000: اتسمت بالصراع وتحجيم امتداد الجماعة بالقمع في استراتيجية جديدة للحفاظ على أمن النظام مقابل تنامي شرعية الجماعة الواقعية في النقابات والجامعات والمجتمع وإن افتقدت الشرعية القانونية وتعتبر السنوات التالية وحتى الآن امتدادا للمرحلة الثانية مع تنوع في دينامية الصراع وفيما قننت التعديلات الدستورية في العام 2007 معادلة الصراع بين النظام والإخوان ,فإن الجدل مثار بقوة فيما إذا كانت المعادلة ستمتد إلى ما بعد نظام مبارك الجديد أم ستبدأ بمجئ نظام جديد يضفي معادلة التسامح والاستيعاب التي حكمت علاقة الإخوان بالنظام المصري في سنوات حكمه الأولي كما حدث مع السادات ومبارك وعندما يكون الإفساح للجماعة جزءا من محاولة النظام الجديد تأسيس شرعيته ؟

ولفهم أبعاد التطورات الجديدة في علاقة الصراع بين النظام والإخوان نتناول التغيرات في الأجواء العامة في مصر والعالم والتغيرات داخل النظام وداخل الإخوان وأثر جميع هذه التحولات في مستقبل علاقة الدولة والمجتمع في مصر

أجواء الانفتاح العام

شهدت السنوات الأخيرة تطورا هائلا في تكنولوجيا المعلومات أضعف من قبضة الأنظمة السلطوية في التحكم بما تراه وتسمعه شعوبها ولم تعد تكنولوجيا المعلومات منحصرة في القنوات الفضائية ( قناة لجزيرة كحالة ) وإنما في الفضاءات الجديدة التي وفتها شبكة الإنترنت مثل المدونات التي أتاحت للمواطنين ولأول مرة ان يساهموا في إرسال المعلومة والتعبير عنها وليس فقط أن يكونوا مستقبلين لها هذه الطفرة والوفرة في المعلومات أسفرت ضمن عوامل أخري عن حيوية وحراك سياسي واجتماعي في مصر والعديد من الدول العربية لم يشهد لهما مثيل من قبل ولم تكن الأحزاب السياسية التقليدية هي التي تقود هذا الحراك وإنما جبهات أوسع من المعارضين والحقوقيين والصحافيين وشرائح من الطبقات المتوسطة ومراكز حقوق الإنسان الوطنية التي تطالب بإصلاحات جذرية تطال النظام والأحزاب السياسية المعارضة معا وفي حالة مصر فإن حركة " كفاية " تعتبر نموذجا عاكسا للحراك الشعبي المعبر عن الأجواء الجديدة ولا شك في أن الحراك السياسي لم تحفزه ظروف مصر المحلية ورغبة النظام في تجيد ولاية رئيس الجمهورية لولاية رابعة فحسب وإنما الظروف الإقليمية والدولية بعد أحداث أيلول / سبتمبر 2001 التي أسفرت عن هيمنة الولايات المتحدة على الوطن العربي باحتلال العراق وفرض مشروع الشرق الأوسط الكبير بعضوية إسرائيل ولم يقتصر الحراك على مؤتمرات وبيانات تنديد وإنما في غير سابقة حديثة نزل إلى الشارع على شكل تظاهرات ومسيرات شعبية استفادت من أجواء الانفتاح العام رغم مضايقة الأمن .

تحولات النظام

لم يعد خافيا أن النظام المصري الذي يتمثل في شخص الرئيس يمر بمرحلة شيخوخة تنذر بنهاية وشيكة وقد ساهم شعور الناس بالقلق من مستقبل النظام في تحفيزهم على النزول إلى الشارع في مطالبة بالإصلاح بقيادة " كفاية " و" الإخوان" الذين كانوا ينأون عن استخدام الشارع فضاء للتعبير عن آرائهم قبل سنوات وعلى الرغم من الحديث الشائع عن إمكانية توريث الحكم لجمال , نجل الرئيس مبارك إلا أنه بات واضحا أن هناك مراكز قوي أخري تتصارع على وراثة السلطة تشمل القوات المسلحة , وبسبب هيمنة شخص الرئيس على السلطة في مصر وضعف ثقافة المؤسسات وتداخل السلطات وغياب شعبية الحزب الوطني ( الحاكم) فإن شرعية النظام حضورا أو غيابا , قوة أو ضعفا مرتبطة بشخص الرئيس النظام , وهذا يعني أن النظام الجديد سيواجه تحدي تأسيس شرعية جديدة لنفسه مستقلة عن النظام الذي سبقه .

وتمر دورة حياة النظام السياسي المصري في عملية تعزيز شرعيته بمحطات تبدأ وتنتهي بمحطة أسميتها " أزمة الشرعية حيث يواجه النظام في مستهل مجيئه تحدي بناء شرعية أو مقبولية لدي الشعب ويبدأ بإجراءات تهدف إلى رفع رصيده الشعبي وتحقيق مصالحه مع المجتمع فيصدر عفوا عن السياسيين الذين اعتقلهم النظام السابق في أواخر دورته ويفسح عن فضاءات تسمح بحراك مجتمعي محدود لكنه لحوظ وقد رأينا هذا الإجراء واضحا في بداية عهد الرئيس مبارك عندما أطلق سراح الذين اعتقلهم السادات في أيلول / سبتمبر 1981 وأفسح مجالا للمعارضة السياسية في المشاركة في انتخابات العامين 1984, 1987.

وتقتنص قوي لمعارضة ولا سيما القوي المحجوبة عن الشرعية والإخوان تحديدا وجود هذه الفضاءات لتأسيس شرعيتها الذاتية التي تتناسب تناسبا عكسيا مع شرعية النظام وبمرور الوقت يجد النظام نفسه وهو يدخل محطة جديدة أسميتها " مأزق شرعية " فإن الفضاءات نفسها توظف لتعزيز شرعية خصومه وتضعف على المدي البعيد شرعية النظام وبدلا من أن يؤدي هذا إلى " تنافس شريف " بين النظام ومنافسيه لتحقيق الأحسن للشعب كما يحصل في الأنظمة الديمقراطية فإن النظام السلطوي يختار الحسم الأمني للخروج من مأزقه ويقوض الفضاءات التي أفسح لها في مستهل مجيئه وقد راينا هذا الإجراء واضحا في منتصف عهد الرئيس مبارك عندما همش الفضاءات النقابية والطلابية والسياسية واستهدف الإخوان باعتقالهم وتحويلهم إلى محاكمات عسكرية في التسعينيات .

وفيما تحجم الإجراءات الأمنية من نفوذ الإخوان إلى حين فإنها تعصف بالفضاءات المجتمعية وتحرم الشعب من خدمات أهلية لن تستطيع الدولة أن تعوضها له أو تقدمها بالجودة والتكلفة نفسهما ما يفضي في النهاية إلى تفاقم التوتر بين الدولة والمجتمع متجاوزا دائرة الصراع بين النظام والإخوان وتتزامن علاقة التوتر مع ترهل أجهزة الدولة وشيخوخة شخص الرئيس ودخول النظام في دورة الفناء حسب التعبير الخلدوني أو إلى محطته الثالثة التي بدأ منها وانتهي إليها وهي ط أزمة الشرعية " وهي المرحلة التي بمر بها نظام مبارك حاليا .

وستمثل " أزمة الشرعية " التي انتهي إليها نظام مبارك المحطة الأول في دورة حياة النظام الوريث أيا كان إلا أن محطة " مأزق الشرعية" بالنسبة إلى النظام الجديد ستكون أعمق لأن الإخوان في عمليتهم الموازية لتعزيز شرعيتهم لن يبدأوا من مربع الصفر نفسه الذي سيبدأ منه النظام وإنما سيستكملون من مرحلة متقدمة بدأوها منذ الثمانينيات فعلي عكس دورة حياة النظام السياسي التي تبدأ مع مجئ شخص جديد على رأس السلطة فإن شرعية الإخوان لا تنطلق من شخص المرشد وإنما من قوة التنظيم نفسه وقدرته على التوغل في نسيج المجتمع بخدماته ويسبب هذه المرحلة المتقدمة التي حققها الإخوان طوال العشرين سنة الماضية من عمر نظام مبارك وبسبب الحراك السياسي الشعبي الذي أصبح الإخوان طرفا فيه فإنه سيكون صعبا جدا على أى نظام جديد أن يبدأ دورته الحياتية بتحقيق مصالحه مع المجتمع من دون أن يمر ذلك بمصالحه مع الإخوان أولا.

إن حركة الإخوان اليوم ليست كالحركة في الثمانينات مجرد جماعة دينية تطالب بأن يكون الإسلام هو الحل " وإنما استطاعت في السنوات الأخيرة أن تنفتح على المجتمع بكافة شرائحه وأن تصبح رقما فاعلا مندمجا في معادلة الجبهة الوطنية المعارضة للنظام وبالتالي فإن أية محاولة مستقبلية من النظام لإقصائها ستكون أشبه بعملية جراحية حرجة احتمالات النجاح فيها ضئيلة جدا فما يراد استئصاله صار في الحقيقة متوغلا في نسيج وشرايين جسد المجتمع المصري ذاته وأى نظام جديد يسعي إلى أن ينتقل من محطة " أزمة الشرعية " فإنه لن يخاطر منذ البداية بإجراء هذه العملية الجراحية الحرجة لأنها لأم تعد تتعلق باستئصال الإخوان وحدهم وإنما باستئصال أنسجة حية من المجتمع نفسه .

تحولات الإخوان

كما أن النظام المصري مر بتحولات فإن الإخوان المسلمون أيضا مروا بتحولات في السنوات الماضية فلم تعد الحركة جماعة منعزلة على هامش الطيف السياسي والاجتماعي بحيث يستطيع النظام أن يقصيها بسهولة وهدوء فالحركة منذ قيادة عمر التلمساني أعادت بناء تنظيمها بناء محكما ليس فقط على مستوي استقطاب الأعضاء وزيادة أعدادهم وإنما نوعيا من خلال استحداث مكاتب وتخصصات جديدة داخل الجماعة تخدم على شرائح المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقد ساهمت في ذلك عقلية مرشد الجماعة التلمساني وجيل السبعينيات الذي انخرط بسهولة في العمل الاجتماعي الخدمي سواء على مستوي النقابات أو نوادي أعضاء هيئات التدريس واتحاد الطلبة في الجامعة أو الجمعيات الأهلية في الأحياء والمدن .

وظلت عقلية ضرورة الاندماج في المجتمع راسخة إلى درجة أن تغيير سياسة النظام تجاه الحركة وتحويل قياداتها الوسيطة إلى محاكمات عسكرية في التسعينيات لم يهز قناعة أعضائها في منهجية الجماعة السلمية أو يدفعهم باتجاه التشدد والعزلة ( كما حصل مع سيد قطب وجماعته في الستينيات ) وإنما دفعهم إلى توسيع شبكة الاندماج كإستراتيجية لمقاومة تعسف النظام وكانت ضربات التسعينيات نقطة تحول في سلوك الجماعة باتجاه مزيد من التفاعل مع بقية مؤسسات الدولة والمجتمع إلى حد يعوض الجماعة عن فقدان مشروعيتها القانونية ويحولها واقعيا إلى رقم مهم في معادلة أية جبهة وطنية معارضة وقد أشارت وثيقة داخلية أعدها القسم السياسي في الجماعة حول استراتيجية الإخوان بعد المحاكمات العسكرية في العام 1995 إلى ضرورة " اتخاذا خطوات لتكوين قاعدة شعبية للجماعة ورأي عام مساند لها "وأن أنشطة الحركة يجب أن لا تركز على فئة معينة وإنما تتسع لتشمل رجال الأعمال والمرأة والعمال والفلاحين .

وفيما كانت الجماعة تتبع سياسة الحذر والحيطة تحت قيادة المرشد السابق مأمون الهضيبي فإن وجود المرشد الحالي مهدي عاكف ودائرة جيل السبعينيات حوله , وتزامنا مع أجواء الانفتاح التي أشرنا إليها والحراك السياسي في الشارع المصري جميعها عوامل عززت من استراتيجية الجماعة لتحقيق مزيد من التمدد ليس بالضرورة على مستوي زيادة عدد أعضائها وإنما مستوي توسيع شبكة علاقاتها بأطياف المجتمع الفاعلة واتضحت معالم استراتيجية الإخوان في مبادرة الإصلاح في العام 2004 ونزول الإخوان إلى الشارع بالتعاون مع حركة " كفاية " وطرح برنامج الحزب السياسي ليس إلى لجنة الأحزاب وإنما إلى نخبة المجتمع للنقاش والمراجعة .

وفيما تعتمد دورة حياة النظام السياسي في معادلة بناء وتعزيز شرعيته على شخص الرئيس فإن دورة حياة جماعة الإخوان تعتمد على قدرة التنظيم في البناء على إنجازاته السابقة التي لا تتوقف على شخص المرشد أو على أفراد بعينهم وفيما يبدأ شخص الرئيس الجديد من مربع الصفر ومن محطة " أزمة الشرعية " في رحلته لتحقيق المقبولية فإن الجماعة لا تبدأ من المريع نفسه برحيل مرشد ومجئ آخر وإنما تستكمل مسيرتها من مربعات متقدمة والمربع الحالي للجماعة أصبح بفعل استراتيجية الإخوان متداخلا مع نسيج المجتمع بصورة سيصعب على النظام استهداف الحركة من دون أن يسفر ذلك إلى إحداث نوع من الالتهاب في جسد المجتمع المصري وتوتر في علاقة النظام الجديد بالشعب وبالتالي سيكون من المستحيل أن تتم أية مصالحة بين الدولة والمجتمع من دون أن يؤثر ذلك في المجتمع المصري ككل .

النظام والإخوان والولايات المتحدة

سببت أحداث 11 أيلول / سبتمبر 2001 هزة عنيفة أربكت الولايات المتحدة في سياستها تجاه منطقة الوطن العربي ومصر تحديد فمن جانب شنت أمريكا حربا على العراق في العام 2003 وبررت ذلك على أنه تأسيس لنموذج بلد عربي ديمقراطي سيحتذي به في بقية دول المنطقة وعولت أمريكا على مصر أن تقود موجة التغيير الديمقراطي في المنطقة لكنها من جانب مناقض تحالفت مع الأنظمة السلطوية لما اتضح أن نتيجة إجراء انتخابات نزيهة سيفضي إلى فوز الإسلاميين في فلسطين والأردن والمغرب والبحرين ومصر ويبدو أن نجاح " حماس " في الانتخابات التشريعية في العام 2006 مثل نقطة تحول بالنسبة إلى الولايات المتحدة ونقلة من أجندة الضغط للإصلاح السياسي إلى أجندة تكريس الأمن لمقاومة الإرهاب .

وانعكست النقلة الأمريكية بين الأجندتين المتناقضتين على أجواء الانتخابات المصرية في العام 2005 إذ اتسمت المرحلتان الأولي والثانية بالشفافية النسبية التي أسفرت عن فوز الإخوان بـ 34 مقعدا , 42 مقعدا على الترتيب فيما اتسمت المرحلة بالتدخل الأمني والتزوير ما قلص فوز الإخوان بنيلهم 12 مقعدا وساد تحليل أن النقلة الأمريكية انعكست كذلك على الانتخابات الأردنية في العام 2007 التي شهدت إقصاء لجبهة العمل الإسلامي الواجهة السياسية للإخوان المسلمين في الأردن .

إلا أن الدراسة تجادل بأن الأجندتين الإصلاح السياسي وضمان أمن مصالح الولايات المتحدة في المنطقة ليستا متناقضتين تماما كما قد يتهيأ للإدارة الأمريكية وأنه بإمكانها الجمع بينهما فالضغط على النظام المصري للمبادرة بإصلاحات سياسية لا يقضي إلى أن ترفض الحكومة المصرية التعاون مع أمريكا لتحقيق مصالحها في المنطقة كما دلت على ذلك مؤشرات سابقة وأن أمام الولايات المتحدة فرصة فريدة يجب أن تقتنصها مع النظام المصري الجديد وهي حثه على الإصلاح السياسي كمرحلة ضرورية لتحقيق استقراره وأن أية إصلاحات سياسية يجب أن تستوعب قوي المعارضة وعلى رأسها الإخوان المسلمين باعتبار نفوذها في الشارع المصري والتزامها بآليات العمل السلمي ومن المفارقة أن تدرك الولايات المتحدة أن الاستمرار في إقصاء الإخوان عن العمل السياسي لن يكون سوي مسئول عن تنامي نفوذ الجماعة في الشارع لأنها عندئذ ستركز على أنشطتها الاجتماعية التي ستكسب لها مزيدا من الأنصار والمؤيدين .

خاتمة

الهدف من هذا الكتاب هو تفحص الديناميات التي صاغت علاقات مبارك بالإخوان المسلمين وتحليلها وكذلك العوامل التي كانت المسئولة عن التغير في خصائص هذه العلاقة في الفترة الواقعي بين العامين 1982 , 2000 مرت هذه العلاقة في مرحلتين متميزتين حيث كانت الأولي الواقعة بين العامين 1981 و1990 فترة تصالح وتسامح فيما كانت المرحلة الثانية الممتدة بين العامين 1990 و2007 فترة مواجهة وقمع وهي المرحلة التي صاغ فيها سعي الطرفين إلى الشرعية ديناميات العلاقة بينهما سعي كل من مبارك والإخوان المسلمين إلى اكتساب الشرعية للمحافظة على بقائه ولم تتغير سياسة النظام تجاه الحركة إلا بعد أن بدأت شرعية الإخوان المسلمين بتهديد شرعية مبارك .

كان المراد من التركيز على الشرعية تأكيد أهمية هذا المفهوم حتى عندما يحلل المرء مواقف النظم السلطوية مثل نظام مبارك فعلي الرغم من اعتماد النظام المصري على القمع فقد شعر بالحاجة إلى مقياس للشرعية لمساعدته على المحافظة على الاستقرار وكان لهذا الاهتمام تأثير بارز في تصرفاته تجاه منافسيه والأمر نفسه يسري على منافسي النظام إذ كانوا يأملون في البقاء والعمل تحت حكم استبدادي بل ربما كانوا أشد حرصا منه على الحصول على شكل من أشكال الشرعية وبخاصة الشرعية التي تستند إلى اعتراف الدولة .

شددت في الفصل الأول على أهمية الشرعية ف ينظر النظم الاستبدادية مثل نظام عبد الناصر حيث تجلي الاعتماد على أنماط الشرعية بقدر ما تجلي اعتماده على القمع في العقد الاجتماعي الاعتباطي تم طرح هذا العقد الذي بني على مبادلة الخدمات المدعومة من قبل الحكومة بالإذعان السياسي بطريقة ترضي أبناء الطبقات الدنيا الذين ربما كانوا ستحولون إلى معارضين للدولة لولا ذلك لكن السادات زاد من الاعتماد على نمطي الشرعية التقليدية والمنطقية وهما النمطان اللذان استخدمهما الإخوان وأديا في وقت لاحق بعد فترة قصيرة من التوافق الضمني إلى بروز توتر بينهم وبين النظام .

عندما وصل مبارك إلى السلطة في العام 1981 اهتم أيضا بإضفاء صبغة الشرعية على قيادته السياسية باستخدام كافة أنماط الشرعية المتوفرة وقد أوضحت في الفصل الثاني كيف أن مبارك طبق في الفترة الممتدة بين العامين 1981 و1984 سلسلة من السياسات التي هدفت إلى تعزيز شعبيته وتعزيز شرعية الإنجاز وشريته القانونية نبعث شرعيته الشعبية من سياسته الخارجية التي هدفت إلى التودد إلى المشاعر المصرية والعربية ( من ذلك أنه أبطأ مسيرة التطبيع مع إسرائيل واستأنف علاقاته الدول العربية ) ونبعت شرعيته القانونية من تشديده على حكم القانون وعلى حرية الصحافة ونبعت شرعية الإنجاز المرتبطة بالأداء الرعائي من المحافظة على العقد الاجتماعي الذي بناه عبد الناصر ومن التحسينات التي أدخلها على البنية التحتية في مصر كان مبارك مشغولا بإرساء استقرار الحكم في البلاد في أعقاب فترة شابها التوتر مع المجتمع والتي تسبب بها السادات ولم يكن على استعداد ف يتلك المرحلة للدخول في صراع غير مبرر مع أى من منافسيه باستثناء التطرف الإسلامي الذي شكل تهديدا مباشرا .

وكنتيجة لهذه المقاربة التصالحية حيث افترض مبارك أن تأثير حركة الإخوان باق تحت السيطرة طالما أن الحركة محظورة قانونا جري التسامح مع الإخوان من غير أن يتم الاعتراف بهم رسميا ومن جانبهم استغل الإخوان الذين أصبحوا حركة محظورة منذ العام 1954 تسامح مبارك وبدأوا بإعادة بناء التنظيم وتوسيع موارده وأصروا على الحصول على اعتراف رسمي وقد شكل ذلك عنصرا جوهريا في فهم الحركة وفي الحوافز التي دفعتها إلى تطوير مواقفها الدينية والاجتماعية والسياسية وهدفت من الفصل الثالث إظهار الصلة بين الشرعية وقرار الإخوان بالمشاركة في انتخابات العام 1984 وتشكيل تحالفات سياسة مع حزب الوفد الجديد العلماني وتعديل موقفهم المتشكك من المشاركة السياسية أو الحزبية .

أدي فشل الإخوان في تأمين شرعيتهم الرسمية من خلال المحاكم أو مجلس الشعب إلى سعي الكوادر الأصغر سنا إلى الشرعية بسلوك مسار آخر لا يعتمد على الدولة في تعزيز مصداقية الحركة ولكن يعتمد على المساحات الاجتماعية التي فتحها النظام وقد اكتسبا الحركة الشرعية في هذه المساحات نتيجة للخدمات الاجتماعية التي كانت تقدمها إلى الدوائر الانتخابية في الطبقات الدنيا لكن الحركة لم تر في الشرعية الاجتماعية بديلا من اعتراف الدولة وإنما وسيلة بديلة وتسدي إلى الحصول على هذا الاعتراف .

حصل مبارك من تعايشه مع معارضيه السياسيين في الانتخابات البرلمانية في العامين 1984 و1987 على مقياس للشرعية القانونية كما أنه لا مجال لإنكار أدائه على صعيد تطوير البنية التحتية للدولة حتى وإن كان متواضعا لكن هذه الإنجازات لم تكن في حد ذاتها كافية في نظر الطبقات الدنيا والفقراء الذين لم يشعر أغلبهم بتغير جوهري في حياتهم اليومية ويعود عجز النظام عن التصدي للهموم الشعبية الأوسع إلى جملة من العوامل منها أزمة النفط الدولية التي أثرت في العائدات النفطية وقناة السويس والسياحة وقد أعاقت هذه الأزمات وغيرها قدرة النظام على تقديم الخدمات الرعائية وبالتالي أضعفت شرعيته وهو ما تجلي في المآسي الشعبية وفي عودة ظهور الاضطرابات الاجتماعية الدينية .

واستخدم الإخوان المسلمون النقابات في بناء نموذج إسلامي للعقد الاجتماعي للدولة ونجحوا في الحصول على مقياس للشرعية الاجتماعية على الرغم من إنكار الدولة كما طال تأثير الحركة الجامعات والمناطق الحضرية وشركات التوظيف الإسلامية والبرلمان وهو ما كان سببا لإحراج النظام كما في تطوير الهياكل والأقسام والمكاتب الداخلية التي اهتمت بالطلاب والنقابات وأعضاء البرلمان واستغلت الحركة في وقت لاحق هياكل التنظيم في التنسيق بين القوي وتوحيدها في الساحات التي شغلتها الحركة وهو ما هدد الصلات النقاباتية للنظام وهي الصلات التي استغلها مبارك في السيطرة على حدود هذه الماسحات كما بينا ذلك في الفصل الرابع ومع الاقتراب من نهاية عقد المساحات كما بينا ذلك في الفصل لرابع ومع الاقتراب من نهاية عقد الثمانينيات واجه النظام ما أسميه مأزق الشرعية عندما تحولت الساحات التي كان النظام قد فتحها بغرض دعم شرعيته بشكل تدريجي إلى صدر تهديد لتلك الشرعية .

بلغ هذا المأزق ذروته في التسعينيات عندما بدأ الإخوان بتسييس شرعيتهم الاجتماعية المنظمة ويمكن رؤية ذلك في موقفهم من حرب الخليج في العام 1991 وفي أزمة الهزة الأرضية في العام 1992 وفي محاولتهم تشكيل أحزاب سياسية ( حزب الأمل في العام 1992 وفي محاولتهم تشكيل أحزاب سياسية ( حزب الأمل في العام 1992 وحزب الوسط في العام 1996) وفي هذا السياق استغلت الحركة النقابات المهنية في تعبئة جماهير الطبقة الدنيا وفي ممارسة الضغط على النظام لكي يمنحها الشرعية وبينا في الفصل الخامس كيف ان تسييس الشرعية أثار حفيظة النظام ودفعه إلى استخدام القمع ضد الإخوان المسلمين .

كما أن لجوء النظام إلى القمع التسعينيات جاء نتيجة لتطورات أخري أيضا مثل ارتفاع وتيرة العنف الإسلامي وزيادة لتذمر الاجتماعي وقد أدي هذان التطوران إلى جانب محاولة اغتيال مبارك في العام 1995 إلى تطرف السياسات التي يتبعها النظام وإلى زيادة اعتماده على الأجهزة الأمنية لكن ذلك لم يعني تغاضي النظام عن الاهتمام بشرعيته بل إن مقاربته في السعي إلى الشرعية هي التي تغيرت من ذلك أن مبارك سعي خلال التسعينيات إلى الشرعية بإطلاق وعود بالإصلاح الاقتصادي والخصخصة , بدلا من العد بالإصلاح السياسي والتوصل إلى تسوية مع منافسيه لقد توقع مبارك أن يؤدي التحرير الاقتصادي في نهاية المطاف إلى تقوية اقتصاد البلاد وهو ما سيؤدي إلى رفع المظالم التي نتجت من تفسخ عقده الاجتماعي .

بينا في الفصل السادس كيف أن التحول الدراماتيكي للنظام نحو الخصخصة في العام 1995 ربما يكون قد حقق نجاحا جزئيا في تحسين الاقتصاد الكلي ف يمصر لكنه لم يحسن مستوي معيشة أغلب المصريين وكان لذلك ارتباط جزئي بفشل تحالفه مع رجال الأعمال الذي لم ينعكس إيجابا على المجتمع المصري ككل كما ساهم اللجوء إلى القمع في التعامل مع الحركات الاجتماعية مثل الإخوان المسلمين في إضعاف المجتمع المدني في مصر في وقت كان الدور الرعائي للدولة آخذا في التقلص وهذا ما عمق بالتأكيد من أزمة الشرعية التي كان يعانيها النظام.

وأكد الفصل السابع طبيعة العلاقة التصادمية بين الإخوان والنظام وقد اتخذت درجات مقننة بعد التعديلات الدستورية في العام 2007 وبالتالي لم تحمل الفترة من 20002007 اختلافا نوعيا في محور العلاقة بين الإخوان والنظام عن منتصف التسعينات سوي أن النظام يمر الآن بآخر أيام حياته .

وفيما سيضطر النظام الجديد بعد رحيل مبارك إلى بناء شرعيته من الصفر كما فعل الرؤساء من قبل عبد الناصر والسادات وبالطبع مبارك فإن حركة الإخوان لن تبدأ من الصفر وستتابع الجماعة مراكمتها للشرعية الاجتماعية التي بدأتها منذ منتصف الثمانينات لأنها غير مرتبطة بشخص المرشد رئيس الجماعة وإنما بديمومة ونفوذ التنظيم نفسه وهذا سيضع النظام الجديد في مأزق حقيقي في كيفية التعامل مع حركة متجذرة اجتماعيا لن يكون من السهل إقصاؤها وإنما على العكس سيطلب الأمر ضرورة التعامل معها وربما استيعابها داخل العملية السياسية .

وعودة إلى العلاقة الراهنة بين مبارك والإخوان المسلين فإن الشكل أدناه هو بمثابة محاولة مبتكرة للتلخيص التطور في تلك العلاقة وفي سياق سعي وأحيانا صراع كل منهما على الشرعية .

يبين الشكل العلاقة التناوبية بين الإخوان المسلمين ونظام مبارك تولي مبارك السلطة في العام 1981 عندما كان النظام يعاني أزمة شعبية نتجت من التوترات اللاحقة التي تصاعدت بين السادات والمجتمع المصري وهذا ما حدا مبارك على فتح مساحات اقتصادية واجتماعية وسياسية لكي يثبت دعائم نظامه بدا أن هذه المساحات مستقلة ولكنها كانت خاضعة في الجوهر لسيطرة الارتباطات لنقاباتية للنظام وشغل الإخوان المسلمون الذين فشلوا في الحصول على اعتراف الدولة هذه الماسحات وسيطروا عليها في وقت لاحق وكان هدفهم تعبئة الناخبين المقصبين داخل هذه المساحات للضغط على النظام لكي يمنح الحركة اعترافه وتم التوصل إلى ذلك عن طريق بناء عقد اجتماعي إسلامي جاء موازيا للعقد الاجتماعي للدولة وشكل الاستخدام السياسي والمنظم للشرعية الاجتماعية التي جاءت ثمرة هذا العقد الاجتماعي السياسي والمنظم للشرعية الاجتماعية التي جاءت ثمرة هذا العقد الاجتماعي مأزق شرعية لمبارك الذي كان عليه أن يختار بين الإبقاء على هذه المساحات والمخاطرة بتآكل شرعيته وبين مصادره هذه المساحات عبر استخدام القمع غير أن لجوء الدولة إلى القمع فيما فشلت في السعي إلى الشرعية بطرق بديلة جدد أزمة الشرعية التي يعانيها النظام .

وتطمح الدراسة إلى أن تستفيد الأنظمة العربية من هذا النموذج كي تتجنب تكرار مآله القاتم, وتتحاشي تكرار حالة الاحتقان بينها وبين قوي المجتمع المدني وذلك لن يتحقق سوي بمزيد من إرساء ثقافة الحرية والديمقراطية في المجتمع .

الملاحق

الملحق الأول: الإخوان المسلمين والنظام المصري معادلات الصراع والبحث عن مسار

تمهيد

تعد الفترة الحالية من أقسي الفترات التي مرت بجماعة الإخوان المسلمين منذ ما يقرب من خمسة عشر عاما حيث تمكن الإخوان في خلال السنوات الماضية ( العقد الماضي ) من إثبات وجودهم في مؤسسات المجتمع وعلى الساحة على حد سواء إلى الدرجة التي أفزعت النظام وجعلته يضيق ذرعا بالنمو المتزايد للجماعة وانتشاها المستمر نتيجة إتباعها لسياسة معينة تستهدف التواجد في مؤسسات المجتمع خطوة بعد خطوة ( نقابة بعد نقابة – مؤسسة بعد مؤسسة ) ومن ثم لجأ النظام إلى أسلوب الضربات الوقائية من أجل تحجيم الجماعة 0 نفوذا ونشاطا وأفرادا ) إلى أقصي حد ..

لقد أدت السيطرة المتوالية للإخوان على النقابات ونوادي أعضاء هيئات التدريس في الجامعات والاتحادات الطلابية إلى وضع الإخوان في بؤرة الأحداث وجذب الأنظار إليهم باستمرار ثم جاءت الانتخابات البرلمانية للعام 1984 بالتحالف مع الوفد ثم للعام 1987 بالتحالف مع حزبي العمل والأحرار لتجعل من الإخوان المسلمين طرفا أساسيا في مجريات اللعبة السياسية في مصر نظرا إلى الدرجة العالية التي يمسك بها الإخوان بمقدرات قسم كبير من الشارع السياسي المصري والقدرة العالية للإخوان على التعبئة والحشد وإثارة القضايا بما يفوق قدرات اغلب الأطراف السياسية الفاعلة في النظام .

ثم جاءت محاولة الاغتيال الفاشلة للرئيس مبارك وشعور النظام بدنو أجله (وهو ما حدا كاتب سياسي كبير من وزن محمد حسنين هيكل على أن يتحدث عن ( شيخوخة النظام ) ليرفع النظام من معدل حالة البطش التي يتبعها منذ فترة طويلة .

وتعد حالة الهرم / الشيخوخة التي يحياها النظام في نظر كثير من المحليين السبب الأساسي في التشدد الذي يبديه في معاملة خصومه السياسيين بل تحويلهم أيضا – وهم المدنيون – إلى " محاكم عسكرية " بقرار مباشر من رئيس الجمهورية الذي دخل كطرف أساسي في " معادلات الصراع " بين الإخوان والنظام ممثلا في الأجهزة الأمنية من بعد ما كان يبدو للمراقب أن " معادلة السلطة " هي خارج دائرة " معادلة الصراع" وأن شخص الرئيس هو خارج دائرة الخلاف السياسي الدائر بين القوي السياسية المختلفة على اعتبار أنه – أى الرئيس – " رئيس كل المصريين ".

لذا فإن تداخل معادلات الصراع وعدم وجود " معادلة ضابطه ط لجعل التطورات تتحكم في عملية البحث عن مسار العلاقة بين طرفين أساسيين أحدهما يملك قدرات هائلة على البطش والآخر يملك قدرات مماثلة على التنظيم والحشد والتعبئة وإثارة الاهتمام يجعل من تلك المعادلات معارك صراعية لابد فيها من منتصر ومهزوم أيا كانت نسب النصر والهزيمة لكلا الطرفين .

أسئلة ومتطلبات

يطرح أحد الباحثين السؤال التالي : هل تأتي إجراءات النظام المصري ضد الإخوان المسلمين بدوافع محلية ذاتية لترسيخ هيمنة النظام وإضعاف مناوئية أم أنها خطوة أو حلقة ضمن برنامج المواجهة الإقليمية الدولية الشاملة للحركات الإسلامية باعتبارها كما تزعم القيادة العربية المصدر الرئيسي للتطرف والإرهاب والمهدد الأكبر للاستقرار في الشرق الأوسط والعالم كما أنها تمثل القوة التي تسعي إلى تقويض وضرب الأهداف الغربية وتعتبر مصر وإسرائيل من الدول الفاعلة في هذه المواجهة وقد حدد " الباحث" منطلقين لتناول الموضوع .

المنطلق الأول هو اعتبار الموضوع شأنا محليا لا يخرج عن كونه أحسن الشؤون الداخلية لمصر أفرزته كما يري عدد من الباحثين والمحليين – حركة التوتر والقلق التي تسود المناخ السياسي في مصر بفعل الفلسفة الاستبدادية التي يقوم عليها النظام الحاكم وأفرزته كذلك حركة النمو السياسي والاجتماعي المطردة للإخوان المسلمين على صعيد مصر التي جعلت قادتهم يؤكدون في أكثر من مناسبة أن الإخوان المسلمين هم القوة السياسية الرئيسية في لبلاد كما كثر في خطابهم الحديث عن المشاركة في الحياة السياسية وتقديم تصورات للإصلاح العام في البلاد.

وضمن هذا المنطلق يمكن الاستنتاج ما إذا كانت اعتقالات الإخوان وإحالتهم إلى محكمة عسكرية هي إجراءات يتخذها النظام الحاكم – كما يقول – حفاظا على أمن واستقرار مصر أم أنها إجراءات تعسفية محدودة ستمضي حتى النهاية تحقيقا لمصلحة النظام في مواجه خصومه ومناوئية أو أنها مناورة سياسية للضغط على الإخوان وإدخالهم في مساومات مع النظام حول قضايا وسياسات داخلية وخارجية محدودة ؟

أما المنطلق الثاني , فهو يربط ما يحدث إزاء الإخوان في مصر بالموقف الدولي إزاء الحركات الإسلامية وقضايا العنف والإرهاب كمقدمة للضغط على حركة الإخوان المسلمين بشكل عام بعد أن أصبحت من كبري القوي السياسية ف يعدد من البلدان كما في اليمن والأردن والكويت التي صارت تؤيد من توافق مع خطها من الحركات القطرية كما في الجزائر وباكستان وتركيا ويمكن ضمن هذا المنطلق أيضا استنتاج لتعيد ترتيب أوراقها بما يتفق مع توجهات السياسية الغربية والصهيونية الراهنة وطموحاتها المستقبلية أم أنها مواجهة تدريجية واسعة بدأت مراحلها منذ وقت مبكر في أعقاب حرب الخليج الثانية وف بمختلف الميادين ؟

وأيا كانت هذه المنطلقات التي نبغت منها تلك الحملة الأخيرة على الإخوان إلا أنه من المسلم به أن العوامل الداخلية – لاشك – تتفاعل مع العوامل الخارجية لتفرز لنا نمطا سياسيا معينا يجعل من الصعب الفصل بين العوامل الداخلية والخارجية .

لذا يمكن الاستعاضة عن معادلة الداخل – الخارج بالبحث عن المستويات المختلفة للقضية حيث تتمايز المستويات وإن كانت مع ذلك تتداخل وتتشابك المعادلة وهما الإخوان من ناحية , والنظام المصري من ناحية أخري .

تعادلات أزمة النظام السياسي المصري

يمكن تحديد مدخل الأزمة كمدخل تحليلي لدراسة التطورات الأخيرة لنمط سير العلاقات بين النظام المصري والإخوان وإقدام الأول على تقديم كثير من عناصر الإخوان الفاعلة – سواء داخل الجماعة أو داخل المجتمع – إلى المحاكمات العسكرية حيث يعاني النظام المصري – كغيره من الأنظمة العربية – العديد من الأزمات المجتمعية حتى صارت الفلسفة العامة لإدارة الدولة – كنظام سياسي ومجتمعي هي الإدارة بالأزمات ومن خلالها بل أحيانا كثيرة أيضا من خلال العمل على خلق الأزمة .

كما صاغ أحد الباحثين ( د. على درغام ) في دراسة له تحت عنوان " تناقضات النظام السياسي المصر : دراسة لأزمة الحكم والمعارضة السياسية في مصر" ألقيت في مؤتمر التحولات السياسية الحديث في الوطن العربي (ص183) معادلة الأزمة التي يعيشها النظام المصري على النحو التالي : سلطة حاكمة عاجزة عن وضع استراتيجية مجتمعية شاملة ومتكاملة أو على الأقل عاجزة عن ملاحقة الأحداث ووقف الانهيار الذي يحيط بها من كل جانب ومن ناحية أخري ) الطرف الآخر للمعادلة) قوي اجتماعية ضاغطة في سبيل الحصول على شرعية وجودها وتنظيمها السياسي وحركتها المستقلة بعيدا عن قيود السلطة بالإضافة إلى مطالبتها بمشاركة حقيقية وليست شكلية في عملية صنع القرار الذي يمس مصالحها دون إغفال قوي اجتماعية عقائدية لا تطالب بالمشاركة بل باستبدال النظام برمته ( وتقصد بالتحديد الجماعات الإسلامية خارج نطاق الإخوان المسلمين ) حيث يتفاعل طرفا المعادلة السابقة في إطار نفترض أنه " ديمقراطي " من المفروض أن يتم تعريف الضغوط الواقعة عليه تبعا لقواعد وعن طريق قنوات تحظي بقبول جميع أطراف للعبة وتتصف في الوقت نفسه بالمصداقية لدي الرأي العام .

لكن الواقع يشهد بالعكس بل يذهب في بعض الأحيان إلى نقيض " الديمقراطية " على طول الخط فيعود السؤال لكي يطرح نفسه وبشدة هل يستطيع النظام بتكوينه الواهن أن ينتج من داخله آليات جديدة تمكنه من السيطرة والتحكم في التفاعلات السياسية دون الإسراف في استخدام آليات القسر التقليدية ؟

إن لجوء النظام إلى " آلية " المحاكمات العسكرية اعتبارها الآلية الكبرى في إعادة الإمساك بأطراف جميع الخيوط في يده والتحكم فيها من بعيد يفرز لنا نتيجة من نوع آخر وهي أن المعركة ( الشاملة) التي تستهدف " الإبادة" على فرض إصرار النظام على دخول معركة من ذلك النوع واستجابة الإخوان استجابة معينة للدخول في معركة من هذا النوع تنتج لنا معادلة من النوع الصفري يكون الخاسر فيها خاسرا لكل شئ ويجني المنتصر ثمار النصر كاملة و على المهزوم أن يفارق حلبة الصراع ويمكن صياغة هذه المعادلة مع التركيز على طرفيها الأساسيين وافتراض حياد المجتمع واعتباره غير فاعل صحيح ما لم يزج به أحد الأطراف داخل حلبة الصراع أما القوي السياسية فلن تكون عونا للإخوان في معركة تحديد المصير : نظام مأزوم/ جماعة منظمة بدقة + طموح سياسي كبير ) = صفر

المجتمع – القوي السياسية الأخرى

ومن ثم يكون التركيز على الطرفين الأساسيين " البسط " مع استبعاد " المقام" وذلك عن طريق القراءة المتقابلة للطرفين واحتمالات استخدام كل طرف لقواه لكامنة والفعلية والمحتملة .

نقطة التحليل المركزية

نقطة التحليل المركزية في البحث عن إجابات لهذه التداعيات الأخيرة ( المحاكمات العسكرية ) تتلخص في السؤال التالي :

ماذا يهدف النظام من وراء تحويل الإخوان إلى محاكمات عسكرية ؟

س1: هل يهدف النظام إلى القضاء على جماعة الإخوان ( تنظيميا- أشخاصا)

من خلال معركة إبادة ؟

س2: هل يهدف النظام إلى الحد من نشاط الجماعة وتحجيم قدراتها في المجتمع من خلال معركة تحجيم ؟

مجمل تطورات الحياة السياسية في مصر في الفترة الأخيرة تستبعد تماما السؤال الأول لأسباب كثيرة :

1- منها ما هو خاص بالنظام المصري ذاته .

2- ومنها ما هو خاص بالإخوان ذاتهم ( كتجمع وفكر وحركة )

3- ومنها ما هو خاص بتطورات الوضع الدولي

4- ومنها ما هو خاص بدرجة نمو المجتمع المصري

• أما الذي هو خاص بذاتية النظام وطريقة تفاعلاته الداخلية فهو المرحلة المتقدمة من العمر التي تصل به إلى حد الشيخوخة ( على حد تعبير هيكل )وهذه الشيخوخة سلاح ذو حدين : أما حدة الأول فينبع من أن شيخوخته وهرمه يكرسان عدم ثقة النظام في نفسه وتزايد شككه في قدرته على البقاء في معركة النفس الطويل فتجعله يكيل الضربات أو اللكمات تلو الضربات لأنه يعرف أن الضربة التي لا تجهض قوة خصمه تماما قد تدفعه إلى الرد بشراسة بما قد يودي بحيان النظام نفسه .

أما الحد الثني فهو أن ضعف النظام لن يكمن من افتتاح مرحلة لمعركة قد لا يستطيع حسمها على المدي الطويل ( مع مراعاة مرحلة الشيخوخة وآثارها ) كما أن المعركة التي يشنها النظام على الجماعات الإسلامية التي حملت السلاح لم تنته بعد ويبدو أن كلا الطرفين مصر على مواصلة الشوط إلى نهايته لذا فمن العسير فتح جبهة جديدة واسعة وشاملة مع عدو ف يمثل وزن الإخوان وهو لم ينته بعد من المعركة الأولي .

• أما تلك العوامل التي ترتبط بذاتية الجماعة , والتي تحول بين النظام ودخول معركة الإبادة أو ( الاجتثاث) للإخوان فعديدة ولكنها أهمها :

المقدرة التنظيمية للإخوان المسلمين

لعل أبرز ما يميز الإخوان في تاريخهم الطويل هو ذلك التنظيم المحكم الذي يبدو مستعصيا على الاختراق من قبل النظام المصري وفي أشد مراحل العداء بينهم ومن ثم فإن إحكام التنظيم الإخواني يعد من عوامل قوته في إدارته للمعركة مع النظام 0 أيا كان نوع المعركة9 فالنظام عندما يتعامل مع خصم ( تاريخي ) كالإخوان لمسلمين ويعلم أنه لا يملك اختراقه ولا النفاذ إلى عمقه ولا معرفة ما يدور داخله من أسرار أو ترتيبات يدرك دون استمرار هذه الخاصية بالنسبة إلى جماعة الإخوان يعتبر في غاية الأهمية في تعاملها مع النظام .

شبكة علاقات اجتماعية ممتدة

في خلال العقد الماضي استطاع الإخوان بناء شبكة من العلاقات الاجتماعية الممتدة أضحت تمثل ولو إلى حد ما حائلا له شأنه بينهم وبين النظام وقد عملت تلك الشبكة بدورها كحائط ضد بين النظام وما يتمناه من اقتلاع للإخوان من عمقهم التاريخي وهو البعد المجتمعي في حركتهم ( وذلك في حالة الإجابة عن السؤال الأساسي بأن المعركة معركة إبادة ) أو أنها حالت بين النظام وما يريد من تحجيم ( ناشط ) الإخوان في المجتمع ( في حالة الإجابة عن السؤال أن المعركة معركة تحجيم وإجهاض ) .

إذا ومن هذا المنطلق فإن قوة الإخوان ليست في تنظيم الإخوان نفسه فحسب بل أيضا في ذلك الإطار أو السياج الذي أحاط ويحيط بالإخوان من أفراد ليست لهم صلة تنظيمية بالإخوان إلا أن الاتصال المباشر خلق لديهم نوعا من التعاطف والتأييد وهو ما يمكن تسميته برأي عام أو قاعدة شعبية من المهم توسيعها وترسيخها .

إن هذه الشبكة من العلاقات الاجتماعية هي التي تحول بين النظام وما يشتهي وهي تمثل حائلا يختلف قوة ومناعة حسب تانة وقوة الشبكة نفسها ونسيجها .

المقدرة العالية على التعبئة الحشد

أيضا لعل أهم ما يميز الإخوان كجماعة إسلامية تعمل داخل المجتمع المصري هي تلك القدرة العالية على التعبئة والحشد بما يفوق إمكانات أى جماعة أو حزب سياسي آخر في المجتمع بل أيضا في بعض الأحيان بما يفوق قدرة النظام ذاته وربما ظهرت تلك المقدرة على التعبئة والحشد لدي الجماعة أكبر من حجمها الحقيقي الأمر الذي يجعل حسابات النظام شديدة التعقيد في سعيه إلى اتباع خطوات معينة من شأنها الضغط علي الجماعة فالنظام يقوم بالضغط إلى حد معين لا يستطيع تجاوزه .

جهل النظام بالعمق الحقيقي للإخوان داخل المجتمع ( عددا, نفوذا مراكز تأثير)

إن معرفة العمق الحقيقي للإخوان داخل المجتمع تعد احدي المشكلات البيرة بالنسبة إلى النظام إذ كيف يتسني له فتح آفاق جديد لمعركة شاملة وهو لم يحط بعد بقدرات خصمه الحقيقية إن أول أبجديات إدارة الصراع هي تحديد عناصر المعركة بدقة ( الأرض – الأطراف – قوة كل طرف الفعلية والمحتملة – موقف الأطراف المحايدة – إذا حدثت تغيرات معينة تؤثر في سير المعركة - شبكة التحالفات – شبكة التنافسات - إمكانية تشكيل كتل أو جبهات فجأة ( اتحاد المواقف أو اتحاد المصالح ) الأعداء المحتملين – الأصدقاء المحتملين ) .

• أما الأسباب الخاصة بالوضع الدولي فتتلخص في أنه إذا كان الوضع الدولي لا يقبل بوصول الإسلاميين إلى السلطة خاصة في تلك البلدان ( الأعمدة) أو المحورية ذات التأثير في المنطقة إلا أن هناك تساؤلا عما إذا كان الوضع الدولي سيظل داعما للنظم الدكتاتورية والشمولية التي تلجأ إلى الاعتقالات وسبل التعذيب والتزييف أمام حركة حقوق الإنسان وأمام ما ترتب على سقوط الاتحاد السوفياتي .. وأمام الوضوح المستمر للحقائق على الساحة العربية بين المواطنين إضافة إلى التعاطف الدولي مع مسجوني الرأي هل سيستمر الدعم بالنسبة إلى هذه الأنظمة في هيمنتها على الإخوان كجماعة تعتمد الأسلوب السلمي في العمل والحركة ؟

• أما الأسباب الخاصة بدرجة نمو الوعي في المجتمع المصري فتتلخص في أن المجتمع المصري قد قطع شوطا كبيرا في درجة نمو الوعي ( حتى وإن بدا الشعب أو الجماهير لا تحرك ساكنا تجاه الأحداث – أى أحداث ) بما لا يسمح بالعودة إلى تلك العصور المظلمة في تاريخ الشعب المصري التي كممت فيها الأفواه ولم يعد هناك مطمع في تحويل أعداد هائلة من الشعب – ليسوا من أبناء الحركة الإسلامية – إلى أعداء محتملين وهم الذين كان النظام قد جاهد لسنوات جهادا مريرا أملا في تحييدهم وعدم جعلهم طرفا في المعركة بينه وبين الإسلاميين .

• القراءة المتقبلة لطرفي " معادلة الصراع"

لاشك في أن أى تحليل لمجمل الأوضاع القائمة وواقعها – في مجتمع ما – ينطلق من إمكانية القراءة الدقيقة لهذا الواقع وبقدر ما تكون القراءة " متأنية" بقدر ما تكو كاشفة للرؤية ومساعدة على سبر أغوار هذا الواقع المعين.

لكن هل ثمة قراءة للواقع المصري تركز على طرفي الصراع ( النظام والإخوان 9 في المجتمع المصري بحيث تكون هذه القراءة تكثيفا لدلالات الصراع بين الطرفين وانعكاسا للآثار في الواقع المصري .

النظام السياسي المصري

يبدو النظام وكأنه يتحرك في بيئة داخلية ( محلية) وبيئة خارجية ( دولية مواتية بالنسبة إليه في معركته مع الإخوان . هذه البيئة المواتية تتيح له حرية كبيرة في الضغط على الإخوان ( تنظيما – نشاطا – أفرادا – 9 مع ضمان عدم حدوث حركة احتجاج ذات تأثير واسع سواء في الداخل أو الخارج وليس ثمة قيود ( مباشرة ) تحول بين النظام وكسبه معركة تحجيم الإخوان في الوقت الحالي ولو إلى حد ما .

إن احدي الفرص المواتية للنظام المصري في صراعه مع الإخوان أنه يعمل في ظل ظروف دولية مواتية التحرك والضغط حيث صار الإسلام في نظر الغرب هو العدو ( البديل ) أو الجديد الذي يخشي الغرب قوته ويحذر من تناميه أو تحوله من قوة سياسية إلى "دولة" تقلب معادلات " التوازن " المستقر في المنطقة حتى إن كان هذا التوازن قام في أصله على الاحتلال .

كذلك يعمل النظام ويتحرك على أنه ط مدعوم " دوليا, فالحفاظ على نظام مبارك هو أحد أعمدة الاستقرار ومعادلاته في المنطقة أما من ناحية الظرف الداخلي أو الأجواء الداخلية فإنه يمكن ملاحظة أن :

• النظام آمن من ناحية الجماهير وليس ثمة ما يخشاه منها على الأقل من ناحية انتفاضة عامة .. وأيضا على الأقل في الوقت الراهن .

• لا يوجد مثقفون ذوو دور بارز يقفون في مواجهة النظام دفاعا عن حرية الرأي وحقوق الإنسان ( خاصة إذا كان هذا الإنسان إسلاميا ) .

• لا توجد معارضة حقيقية قوية وإن وجدت فهي تفتقد الإمكانيات والوسائل والفاعلية ولا تملك أكثر من حرية الصراخ على صفحات الصحف وهي حرية تقف عند حد معين لأن هناك خطوطا حمرا لا تستطيع المعارضة تجاوزها .

• يملك النظام أداة قمعية فتاكة ( شديدة البطش ) ممثلة في أجهزة الأمن على اختلافها مستوياتها .

• يملك النظام أداة إعلامية ( قمعية أيضا 9 تعمل على تزييف وعي الجماهير وصرفهم عن مشاكلهم الحقيقية بشتي السبل وفي الوقت نفسه يجرد النظام الآخرين من وسائل وسبل الإعلام الفاعلة .

• يدرك النظام عمق " الأزمة الشعبية" التي يعيشها مع زيادة معدل السخط الشعبي النتائج من تفاقم الأوضاع .

• مع ذلك يعلم النظام من خلال قدراته وإمكاناته القمعية وعدم التزامه بقانون أو تقاليد أن خصومه السياسيين ( خاصة الإسلاميين) لا يستطيعون تحريك الشارع أبعد من حدود معينة ( نزول الجيش إلى الشارع يحسم جميع النزاع )

• لذلك قا النظام بتلك الحملة التدريجية على الجماعة ممثلة في الاعتقالات ثم التحويل إلى محاكمات عسكرية على سبيل " الضرب الوقائي " الذي يهدف من خلاله إلى إجهاض أية ردود أفعال أو أية أعمال من شأنها هو استقراره أو زعزعة سلطته المستبدة وفي الوقت نفسه يتلافي مواجهة معارضة عامة .

• هناك عدة اعتبارات تشكل البنية الأساسية للعقلية التي يفكر فيها النظام وهي بمثابة الجذور التي تغذي بل تفزر سياساته من ذلك :

- يرفض النظام أن ينظر إلى أى فئة بشكل عام وإلى الإخوان بصفة خاصة على أساس كونها نظاما بديلا من الحكم .

- تؤمن الدولة بأن هيمنتها تنحصر في أن تصدر قرارات لا تعود عنها فالعودة عن القرار تنازل لا يقبله النظام الحالي ( مشكلة قانون الصحافة وما اعتبرته الدولة حينئذ سياسة " لى الذراع "

- إن التفاوض بمفهوم النظام الحاكم يعني الهزيمة أو بتعبير أخف يعني التنازل لذلك يمكن استخدام عبارات أخف وزنا عند بحث الأزمة

الإخوان المسلمون

• عمق شعبي كبير لم يجر توظيفه بعد في مستوي حجمه ووزنه ربما لأسباب تعود إلى طبيعة المرحلة وأيضا إلى طبيعة السياسة التي ينتهجها النظام إزاءه إلا أنه يمثل الرصيد الاستراتيجي للعمل الإسلامي ككل والعمل الإخواني بشكل خاص.

• أزمة المجتمع خانقة على كل المستويات وتدفع مختلف القوي إلى البحث عن حلول أو حل شامل يوقف تدهور المجتمع .

• ما زال الإخوان يملكون السبل للسيطرة على بعض النقابات المهنية ذات التأثير التي يمكن استخدام طاقاتها / إمكاناتها كإحدى أدوات الصراع الحادث إذا أعيد النظر في الخطط والسبل هذا ويمكن القول إن هناك محددين حسما اختيارات الإخوان في عملية التغيير هما : المراهنة على معادلة الآخر والمراهنة على الحل السلمي .

وداخل هذين الخيارين يعمل الإخوان المسلمون وأى تفكير في عملية إدارة الصراع يغفل هذين الشرطين لن يكون مأمون العواقب .

إلا أنه يحد من فعالية كل العناصر السابقة أمور منها :

- أن الإخوان لم يتمكنوا حتى الآن من إيجاد شبكة تحالفات سياسية يحركون فيها الحياة والفعالية بحيث تدعم تلك الشبكة من العلاقات الاجتماعية الممتدة حتى تتكامل الشبكتان ( السياسية والاجتماعية ) وتتناغمان في إخراج " عمل سياسي" له عمقه المجتمعي وأنصاره ومؤيدوه ( خارج الدائرة الإسلامية ) حتى إذا ما وجهت ضربات النظام وجهت إلى " كتل ط متحالفة تتقاسم المغارم ساعة العسر كما تقاسممت المغانم ساعة اليسر , لكن ما يحدث هو أن الضربات تصيب جماعة الإخوان وحدها .

- سيطرة سياسة الهيمنة عند بعض الجهات أو العناصر في الجماعة التي لا تقبل بالمشاركة أو لا تستطيع إدارة قيادة يشارك فيها الغير من جهة ثانية فإن القوي السياسية الأخري والأحزاب في حاجة إلى من يؤكد لها أن الإخوان المسلمين يأخذون بمبدأ المشاركة اقتناعا وتطبيقا .

- كذلك هناك إسراف سياسي تبديه بعض الجهات في الجماعة على ساحة المجتمع تجاه قضية المشاركة والزج بطاقة كاملة في كل عمل سياسي يأتي على حساب باقي الأنشطة في الجماعة وخاصة تلك الأنشطة التي تحتاج إلى هدوء حيث لا تؤتي أكلها إلا بعد حين وربما تتطرق بعض المفكرين إلى هذا الموضوع من زاوية أخري .

- يقول بعضهم عن توازن الممارسة السياسية والتربية الإيمانية " ودون التربية الإيمانية تنتج نفوس تفقه السياسة لكنها صلبة لا تعرف الرقة وقلوب ربما تجيد الفورات والثورات لكنها قاسية وربما نشأ التضارب بينهما ".

- أيضا لم يصل العمل السياسي في الجماعة إلى مستوي تحقيق إنجازات على المستوي السياسي العام الأمر الذي يولد عند البعض شعورا عاما بالإحباط الذي قد يفقد بجدوي الحل السلمي خاصة بعدما حسم النظام " خياره " بألا يكون الإخوان إحدي القوي والأطراف السياسية الفاعلة في " معادلات النظام " وإن حاولت أن تستمد شرعيتها من الاعتراف بها بحكم الأمر الواقع .

- إن أغلب الأحداث تثبت أن النظام – في ما تبقي له من عمر – لن يسمح أن يتدثر الإخوان بمظلات " شرعية " تسمح لهم بالسيطرة على مؤسسات المجتمع ( نقابات – اتحادات – نوادي هيئات تدريس ) إلا أن أحد تداعيات الإصرار الإخوان على المشاركة السياسية بكثافة ( محاولات إثبات وجود ) نتج منه أنهم يلقون بقوتهم في مواطن قوة النظام وهي مناطق الاحتكاك السياسي ذات الحساسية . العالية من قبل النظام الذي يصر على عدم القبول بالهزيمة فيعمل على إبعاد الإخوان من خلال استخدام قدراته الهائلة على الردع والقمع .

- إذا ما قام الإخوان بإعادة ترتيب الأوراق – في ظل هذه الظروف الحالية فمن المفترض أن تحكم ذلك قاعدة ( البعد عن منازلة النظام ف بمناطق الاحتكاك السياسي ) والقذف بالقوة في مواطن ضعف وعدم وجود النظام ( خاصة تلك الفراغات الهائلة التي عجزت الدولة أن تقوم بالعمل والوجود فيها بسبب تكلفتها العالية وعدم توفر المخصصات لأسباب معروفة وأيضا بسبب لتجاهل أو التغافل وعدم التجاوب مع مطالب الشعب واحتياجاته وعدم التقدير للأمانة التي يحملها النظام إذا فإعادة ترتيب الأوراق تفترض أن الاهتمام يجب أن يكون محددا في مجالات ويضاعف في مجالات اخري ومن أهم هذه المجالات التي يجب أن تأخذ حظا أوفر مجالات ( العمل الخيري – الخدمة الاجتماعية- الأعمال ذات الطابع الإنساني بصفة عامة ) .

- نحسب أن هذه قراءة متواضعة وسريعة لطرفي معادلة الصراع ربما تسهم في إيضاح صورة كل طرف ( ظروفه – إمكاناته ) ويمكن أن تساعد متخذي القرار عند الاختيار من بين البدائل المختلفة مما يرشد عملية الاختيار ذاتها وكذلك عند البحث عن مسار العلاقة بين الطرفين المتصارعين .

البحث عن المسار

- في ظل الظروف الحالية وهذه الهجمة الشرسة على جماعة الإخوان المسلمين التي تصاحبها معطيات داخلية ( محلية وخارجية ( دولية ) في غير صالح الإسلام ودعاته تنشغل الأذهان – بالبحث عن ثمة طريق تلتمسه لجماعة للحفاظ على المكاسب التي تحققت خلال السنوات الماضية أو لتقليل حجم الخسائر المتوقعة إلى أقصي حد في الفترة القادمة أو لاجتياز المرحلة دون صدام ومن ثم فإنه ثمة سؤالا يطرح نفسه هو : كيف يمكن محاورة نظام سياسي أوصد كل أبواب الحوار في وجه قوة شعبية مثل الإخوان المسلمين مع مراعاة أنه يعيش أزمة خانقة على معظم المستويات ( مرحلة الشيخوخة تجعل النظام يحاول أن يقبض على زمام الأمور بكلتا يديه ) ويخال أن أى بادرة تستهدف مكانه ومصيره ( يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو ) لاشك في أن الحملة التي يشنها النظام على جماعة الإخوان ستقوم بدور هو المحدد السياسي لاختيارات الإخوان وذلك بحكم الواقع .

أما بحكم " المنهج الفكري " فهناك أمور أيضا تعدو محددات لاختيارات الإخوان هي المراهنة على معادلة الآخر والمراهنة على الحل السلمي .

وفي ضوء هذه المحددات السابقة ما هي الخيارات / البدائل المفتوحة / المقترحة أمام الإخوان المسلمين في مواجهة تلك الحملة ؟ من الممكن - كما نحسب – وضع تلك البدائل المقترحة في شكل مجموعة من المسارات لكل منها إمكاناته المتاحة وشروط تحققه وأيضا نتائجه .

المسارا الأول : التصعيد

يوجه النظام ضرباته إلى الإخوان وهو يعلم سلفا مدي سلمية الحركة وضمن هذه الحدود فهو " آمن من ردود الفعل الهوجاء " إذ إنه يعلم أن الحركة قد حسمت خيارها لصالح المشروع السلمي في التغيير لذا فردود الأفعال مستبعدة تماما وإذا حدثت لظرف أو آخر ردود عنيفة فستكون بمثابة إنذار بقدوم النظام على حرب حقيقية يملك النظام – فيها – أن يطلق الرصاصة الأولي والكثير من الرصاص وإن كان غير واثق من حقيقة الطرف الذي سيطلق الرصاصة الأخيرة .

أيضا يثور تساؤل على نحو آخر : هل يملك لنظام الغارب الدخول في معركة ط مصير " هي في الأساس من حيث النفس الطويل والزمن ليس في صالحه ؟

كما إنه على الجانب الآخر يثور تساؤل آخر: هل يملك الإخوان الدخول في معركة عنيفة تهدم وتقوض أساس الأسلوب السلمي أو السياسة السلمية وتفقد الجماعة مصداقيتها التي اكتسبتها من إلحاحها على نجاعة ذلك الحل أو المشروع السلمي منذ ما يقرب من ربع قرن ؟

أيضا هل النظام التربوي لدي الإخوان الذي نشأ الجيل الحالي من الشباب عليه يؤهلهم للدخول في معركة من مثل هذا النوع ؟

كل ما سبق مع ملاحظة أن النظام " مدعوم" دوليا ومحافظ عليه من الخارج وأن هناك تداخلا بين الأبعاد الدولية والبعد الداخلي للدول في العالم الثالث يجعل المعركة بين الإخوان والنظام منوطة بالوضع الدولي الذي يدعم النظام بشكل مباشر ( وهذا على فرض خروج الجماهير من المعادلة وأنها معركة بين طرفين هما النظام والإخوان ) . كذلك يبدو أن الضغط على الإخوان متمثلا في الاعتقالات , ثم التحويل إلى محاكمات عسكرية يمكن كما يبدو اعتباره شركا نصب لجر الإخوان إلى دائرة العنف ( المفرغة وإن كان ذلك الكلام كثيرا ما يقدم كتفسير لذلك الموقف ( السلمي التام) الذي يبديه الإخوان تجاه ضربات النظام الموجهة إليهم .

لكن ينبغي التسليم أيضا بأن الموقف السلمي ليس هو الموقف الوحيد المتاح بل هناك إمكانية المواقف أخري ليست هي الانجرار إلى دائرة العنف المفرغة .

وليست هي السلبية التامة وكأن ما يحدث للإخوان يحدث لقوم آخرين في مجتمع آخر .

ويبقي دور البحث عن مسارات – مفتوحة – داخل مسار التصعيد الرسمي إن ظهر أو تواصل بما يخفف من عدد الضربات إلى أقل قدر ممكن حتى تمر تلك الفترة الباقية من عمر النظام ويشترط ان يوضع في الاعتبار أنه إذا كان الزمن يلعب لصالح الإخوان في معركة النفس الطويل إلا أنه يجب – مع ذلك – تقليل الخسائر والحفاظ على ما تحقق من مكاسب دون خوض غمار معارك شاملة على مختلف المستويات .

وتعد الخيارات المقترحة داخل مسار التصعيد لو جري أو أطل برأسه على الساحة عملية جراحية دقيقة داخل " مخ الإنسان " يتحرك فيها بين مجموعة من الأعصاب المتشابكة وأدني خطأ يكون له مخاطره وأخطاره على حياة صاحب الأعصاب .

المسار الثاني : البحث عن قنوات بديلة

لا شك في أن استحكام الأزمة بين الإخوان والنظام مردة إلى سيطرة عقلية الهيمنة عند النظام والامتداد لإثبات الشرعية عند الإخوان وهي تبدو في بعض الحالات أو الأحيان وكأنها نوع من الهيمنة وإلغاء الآخر وهي لا تقنع بمجرد المشاركة ثم مردها أيضا إلى الاحتكاك السياسي المباشر في مواقع يعتقد النظام أنها احتكار خاص على ممثليه ومن ثم فإن منازلة النظام بل إيقاع الهزيمة به على أرض يظنها أرضه ( ملعبه ) في أمر يطيش صوابه ويزيد الأمر اشتعالا وتلك التصريحات الكثيرة من قبل الإخوان بأنهم القوة السياسية الرئيسية في البلاد بل كثرة الحديث في خطابهم أيضا عن المشاركة في الحياة السياسية وتقديم تصوراتهم للإصلاح العام في البلاد كذلك تقديم بعض جهات الإخوان للإخوان كأنهم البديل المرتقب بالإضافة إلى الضغوط الخارجية على النظام كل ذلك يصب في تأجيج نيران المعركة مع الإخوان بشكل مباشر هذا بالإضافة إلى أجواء ما يسمي بالسلام وخططه وسياساته

أيضا إن التسييس الشديد الذي يمارسه الإخوان للمناطق التي تقع تحت أيديهم أو تحت سيطرتهم والزج بها في أتون المعركة كأدوات توظف في خدمة إدارة الصراع وذلك لغلبة العقل السياسي يجعل من المعركة مباراة صفرية لا يمكن القبول فيها بمبدأ الهزيمة ولو في جولة واحدة من جولات لمعركة حيث إن المباريات الصفرية لا تسمح للمهزوم بالبقاء داخل حلبة الصراع .

ومن ثم فلو عمل الإخوان داخل دائرة " الحلول الوسط" والبحث عن نقاط النقاء بينهم وبين كل الفرقاء السياسيين لكانت حدة الصراع أخف ولكانت النتائج حتى السلبية منها – أخف ضررا وإن كان ذلك يعود في أكثر الأحيان إلى أن الثقافة السياسية السائدة لدي كل أطراف الصراع واحدة وهي ثقافة لا تقنع بمجرد المشاركة ولا ترض عن هزيمة الآخر .

والخلاصة أنه في حالة انسداد الأفق السياسي كما حادث – وغياب أى فرص للحوار الالتقاء المباشر يكون العمل مركزا في البحث عن قنوات بديلة تكون حساسية النظام فيها أقل ومن ثم تخف حدة ملاحقته لها ومحاصرته إياها أو يحتاج إلى فترة أطول من الزمن لإعادة النظر في سياسته البحث عن مداخل للوجود .

المسار الثالث : مسار التهدئة

ينطلق هذا المسار من اعتبار تلك الحملة ( اعتقالات ثم تحويل إلى محاكمات عسكرية ) موجة عالية شديدة ستنكسر عليها كل مقاومة ومن ثم يفترض هذا المسار ضرورة خفض الرأس قليلا حتى تمر – تلك الموجة – وتنكسر حدتها مع ملاحظة أن الزمن ليس في صالحها حيث يعاني النظام أمراض وأزمات الشيخوخة .

ولنا في خطة المل التي اتبعها نجم الدين أريكان في تركيا قدوة حسنة لقد كان أربكان يصل – هو ورفاقه – إلى مواقع التأثير عن طريق البرلمان والوزارة ثم يقوم الانقلاب العسكري من أجل وقف نفوذ الحركة الإسلامية في المجتمع ومؤسسات السلطة ويلقي بأربكان ورفاقه في السجن ويأتي العسكريون بنظام آخر بأسماء " مدنية حتى لا يكون حكم العسكر مباشرا وسافرا ولإضافة شرعية جديدة بديلا للحكم الانقلابي ثم لا يبدي أربكان أو رفاقه أدني مقاومة عنيفة للنظام حتى فلا يكونون كمن بقوته في مواطن قوة النظام ولا ينازله في أرضه ( سلطة عسكرية اشمة تخشي على نفوذها لا ينبغي مقاومتها أو مواجهتها بالعنف أو الأعمال المسلحة ) ثم تمر السنوات القلائل فتحدث الانفراج السياسي ويطلق سراح المعتقلين والمسجونين ( أربكان ورفاقه ) ويستأنفون نشاطهم تحت اسم جديد ( حزب النظام الوطني عام 1970 حزب الخلاص الوطني عام 1972 حزب الرفاه عام 1983) ويعادون الوصول إلى مواقع التأثير مرة أخري وهكذا حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا .

إن دراسة "خطة للعمل " مثال " خطة أربكان " مع مراعاة الفروق بين المجتمعات والأنظمة السياسية ودرجة تطويرها قد تكون صالحة في وضع مثل الذي تمر فيه جماعة الإخوان في الوقت الحالي مع إعادة " فك وتركيب " الخطة وتكميل عناصرها من خطط تغييريه أخري بما يناسب المجتمع المصري وبما يساهم في بلورة " نظرية تغيير " تقوم على نطاقات نظرية قابلة للتطبيق , وتحمل من عناصر النجاح ما يجعل الخسائر عند حدها الأدني ضمن ضرورات الواقع المصري الراهن بمعطياته وبكل تعقيدات الأجواء المحطة بالحركة الإسلامية / الإخوان المسلمين والنظام السياسي المصري .

وأخيرا فهذه دعوة مفتوحة إلى البحث عن مسار أو مسارات جديدة للعلاقة بين الإخوان والنظام بما يتيح فهما أعمق للواقع والحركة والمجتمع والنظام ويلقي الأضواء على مسارات أفضل وأكثر أمنا وسلامة للعمل الإسلامي وإن كنا نود أن نعيد التركيز على بعض النقاط من وقاع التجارب التي جرت والت تجر الآن .

إن الأجواء بين الإخوان والنظام الحاكم وفي ظل ممارساته في الفترة الأخيرة أو السنوات الأخيرة تقتضي من جماعة الإخوان المسلمين إعادة النظر في العديد من الأساليب لتي جري استخدامها في الثمانينات وخاصة في ما يتعلق بالأنشطة والممارسات التي تدور في مجالات صار النظام يشعر فيها بالأخطار والحساسيات على مستوي الداخل والإحراج والاهتزاز على مستوي الخارج.

• إن السياسة السلمية التي تنتهجها الجماعة أكدت فعاليتها وجدواها وأنه ليس ثمة عدل في إلحاق اتهامات بها أو سعي التغيير فيها أو محاولات لجعلها السبب أو بعض السبب في ما يلحق بالجماعة من عنت يلمسه ويشاهده الكافة الأن .

• إن الأنشطة الدعوية التي تمارسها الجماعة يجب ألا يعتريها تبديل أو تغيير ولكن يجب أن يكون التعديل أو التجديد أو التغيير في السبل والوسائل ومدي العلنية ومدي السرية .

• إن البرامج التربوية في الجماعة يجب أن يعاد النظر فيها بين فترة واخري وأن يعتبر التركيز على تأكيد النفس والخلق والمثل وتعميق الإيمان أمام الله وتأصيل وترسيخ قيم التضحية والإيثار والعطاء والبذل والخوف من المحاسبة وتقدير مواقع ومواضع المسؤوليات من بين أهداف البرامج التربوية ذات الأهمية البالغة .

• أيضا توضيح الأمر بالتركيز على فقه الجماعة وفقه الدعوة والنظام والالتزام كما ينبغي دعم المعارف والإلمام بأوضاع وشؤون العصر وأحداثه وتطوراته وقواه ذات التأثير ومصادر الخطر فيه ومدي عدائها للإسلام والجماعة .

• التركيز على تنشيط العمل الدعوي في مجالات الأسر والقري ومجالات العمل والتجمعات وإعادة النظر في شؤون وآفاق الدعوة الفردية والقدوة حيث أنها من أخطر وسائل وسبل الدعوة وذلك بهدف التحديد والدعم والتخلص من السلبيات مع التنشيط وتحقيق الدعوة .

• التركيز على أهمية العمل الاجتماعي – الثقافي والصحي والتعليمي ( ومحو الأمية ) وذلك من خلال أساليب جديدة ووسائل تضمن الاستمرار وتحقق النتائج .

• اعتماد أسلوب التقويم في أى تجربة جرت أو أى عمل تجري ممارسته وذلك من أجل معرفة سلبياته وإيجابياته وقياس ووزن نتائجه.

• العمل الحثيث من أجل إيجاد قاعدة شعبية للجماعة ورأى عام يساندها مع السعي إلى تفعيل هذه القاعدة .

• إعادة النظر في تجربة النقابات بهدف تحديد السلبيات ووضع أساليب وسبل جديدة للتعامل مع انتخابها وقضاياها .

• إعادة النظر في العلاقة مع الأحزاب وقد يدخل في ذلك السعي إلى تنشيطها ولو بالقدر الذي جعل لحركتها أثرا كما تدخل في ذلك قضية الوجود الإخواني فيها بشكل مدروس ومحسوب وفاعل إن لك يكن في الوقت الحاضر فلعله يكون في المستقبل القريب .

• تنشيط عمل المرأة ووجودها على الساحة المصرية .

• رسم سياسة اقتصادية تستهدف إقامة برنامج للمشروعات الصغيرة تحت مسميات وفي إطارات تضمن لها الاستمرار والإنتاج المأمول.

• إعادة النظر في الوجود أو الوجود الخارجي حجمه ووزنه نشاطه فاعليته مقوماته سبل إصلاحه وتفعيله .

• وضوح الرؤية في التعامل مع اقباط مصر من خلال سياسة مدروسة واضحة أهدافها واضحة ركائزها ومعالمها واضحة أسانيدها الشرعية .

• وضوح الرؤية في التعامل مع الجماعات الإسلامية الفاعلة أو الموجودة على الساحة المحلية وخارجيا كذلك مع النظم الحاكمة التي ترفع الشعار الإسلامي وذلك من خلال مواقف موحدة لها أسانيدها الفقهية الواضحة .

• اعتماد التخصصات وتفعيل العمل من خلال أطرها 22/5 / 1996

الملحق الثاني: الأزمة الممتدة

علاقة النظام المصري بالإخوان المسلمين ( المظاهر , الأسباب , النتائج )

تبني الرؤية السياسية السلمية على أساس دراسة واقعية وموضوعية لكافة تطورات وتغيرات الحياة السياسية على كافة التصعد والمستويات ولما كانت معدلات التطور والتغير – في واقعنا الراهن – مقارنة بأية فترة زمنية سابقة – متسارعة متلاحقة بحيث يتعذر في غالب الأحيان – الإلمام بكافة جوانبها وتفصيلاتها فإنه من الأهمية بمكان لتحقيق فهم واقعي سليم لقضايا الحياة السياسية متابعة الخطوط الأساسية للتطورات والتغيرات وتحليل دوافعها وأسبابها سعيا إلى تشخيصها وفهمها كمقدمة معها بأسلوب علمي رصين .

نقطة البداية التي ننطلق منها في دراسة هذا الموضوع وتحليله هي : تصور نمط أو أنماط تطور العلاقة بين الأنظمة الحاكمة في المنطقة العربية والحركة الإسلامية والافتراض الأساسي الذي نحاول التحقق منه هو أن ثمة تطورات وتغيرات داخليا على مستوي بنية الأنظمة الحاكمة وسياساتها وأنماط تفاعلاتها وتحالفاتها وأيضا على المستوي الإقليمي في المنطقة العربية وعلى المستوي الدولي والعالمي – تسير او تدفع جميعها في اتجاه نمط أو " شكل معين " من أشكال العلاقة الصراعية مع الحركة الإسلامية – باختلاف في الدرجة من قطر إلى آخر ومن وقت إلى آخر .

ومن بديهات هذه الدراسة ومسلماتها أن الأنظمة الحاكمة في المنطقة العربية تمتلك – ربما وللمفارقة في هذا الموضوع دون من الموضوعات – إزاء الحركة الإسلامية ( وخاصة قطاعاتها الفاعلة ) إستراتيجية للتعامل والمواجهة على قدر من التكامل تنبثق منها أهدافها المرحلية ( وفي إطار محددي أو متغيري : الزمان والمكان ) كما إن لها أدوات وآليات ووسائل لتنفيذ هذه الأهداف وإنجاز تلك الاستراتيجية .

إن هذه العملية كلها تتم في إطار معقد من التوازنات السياسية والاجتماعية على الصعيد المحلي ( الخاص بكل فطر على حدة ) والتوازنات الإقليمية ( وخاصة في ضوء مسار التسوية السياسية مع الكيان الصهيوني وما يرتبط به من سيناريوهات إدماجه في المنطقة بل هيمنته عليها أيضا في إطار السوق الشرق أوسطية .. الخ) والتوازنات على الصعيد الدولي والساحة العالمية و(خصوصا في ضوء انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة على النظام الدولي الجديد )

وسوف يكون تركيزنا الأساسي على الحالة أو الأوضاع المصرية وذلك لأنها مجال احتكاكنا الاساسي والفعلي 0 على الأقل بالنسبة إلى كاتب الورقة – بالإضافة إلى اعتبارات أخري أكثر أهمية منها :

خصوصية " الدولة المصرية " و" النظام السياسي الحاكم " إذ إن الدولة المصرية من أقدم الدول المركزية في العالم – كما إنها أخضعت منذ فترة طويلة منذ عهد إسماعيل وحتى الآن – لنمط معين من التحديث والعلمنة والتغريب بكل ما يفرزه ذلك من آثار كما إن النظام الساسي الحاكم في مصر – وإن ارتدي الثياب المدنية – إلا أنه في جوهره نظام عسكري حتى إن بعض الباحثين يذهب إلى القول إن " مجلس قيادة الثورة " ما زال يحكم مصر إن كان بأشكال وتحت رايات مختلفة – كما إنه في جوهره أيضا نظام ملكي يتم التوارث فيه في إطار المؤسسة العسكرية .. كل ذلك ينبغي وضعه في الحسبان عند بحث علاقتنا به .

خصوصية وضع الحركات الإسلامية المصري ( الإخوان المسلمين أساسا ) فهي الحركة الاقدم مولدا ونشأة والمصدر أو الأصل الذي انتشرت فروعه في بقية البلدان هذا فضلا عن التأثيرات الفكرية والحركية – أحيانا – لمؤسس الحركة في مصر على الحركة خارجها والت ما تزال مستمرة بدرجة من الدرجات حتى الآن .

تقدم لنا الحالة المصرية في العلاقة بين النظام الحاكم والحركة تجربة ثرية بالدلالات من حيث قدمها الزمني وطبيعتها العامة وتأثيرتها في المنطقة في العلاقة بين الأنظمة القائمة فيها والحركة في بلدانها ومن حيث تأثيرتها سواء في السلطة الحاكمة أو في المجتمع المدني بوجه عام أو حتى في الحركة ذاتها ..

إن التركيز على الحركة الإسلامية المصرية ( الإخوان المسلمين أساسا ) ... لا يعني – خصوصا بصدد التطورات والتغيرات الحديثة – أن مظاهرها , أو أسبابها أو مسالك مواجهتها تنفرد بها الحالة المصرية فلا يبعد عن القارئ المتابع للأحداث طابع العمومية لها في المنطقة العربية فحتي تلك البلاد التي كان يروج الكثيرون وإلى وقت قريب أنها راعية الحركة الإسلامية ومصدر تمويلها كدويلات الخليج و والسعودية باتت تمارس مسلكي النظامين المصري والجزائري نفسهما في التعامل مع الحركة الإسلامية فيها , مع أنها نبت صغير لا خطر منه على الإطلاق في المدي المنظور : الاعتقالات الواسعة النطاق في المملكة العربية السعودية وعمليات الإبعاد المستمرة وعملية تسليم الفارين التي تقوم بها كما أن أساليب مواجهة الإسلاميين تكاد تكون واحدة ( ولا نبتعد كثيرا عن الواقع عندما تقرر أن بصمات أجهزة الأمن المصرية واضحة في هذه البلدان ) كما أن لخطاب السياسي والإعلامي المنتج حول الحركة الإسلامية في هذه البلدان ( المتطرفين , القلة المارقة , الإرهابيين ) يكاد يكون واحدا .. وبالتالي فإن الكثير من المظاهر والتفسيرات والتحليلات إضافة إلى التوصيات المقدمة في خاتمة الدراسة – التي تقدم للحالة المصرية , تصلح – بدرجة من الدرجات وبقدر من التجريد – للتطبيق على الحركة على المستوي العالمي ( التنظيم العالمي مع الأخذ في الاعتبار الخصوصيات في كل قطر ) .

التغيرات الحديثة في علاقة لنظام المصري بحركة الإخوان المسلمين – المظاهر دون الدخول في تفاصيل تاريخية عن العلاقة بين النظام المصري والإخوان المسلمين مع ثقل الخبرة التاريخية وأهمية اعتبارها في تأصيل العلاقة فهذا الأمر له موضع آخر غير أنه منذ تولي الرئيس مبارك ظلت العلاقة بين الطرفين ف يحدها من عدم الاعتراف والمحاصرة والإجهاض وإن كان يمكن أن نميز بين مرحلتين: الأولي تغلب عليها التفاعلات السلمية والثانية تغلب عليها التفاعلات الصراعية ... ويمكن حتى الآن ( دون أن ينفي ذلك أن هناك تداخلا بين النمطين )

ويمكن أن نرصد أهم المحطات الأساسية في كلا النوعين من التفاعلات:

التفاعلات السياسية السلمية

ومن أبرز محطاتها ف يالعلاقة بين النظام الحاكم والإخوان المسلمين :

أ‌- إدانة الإخوان المستمرة لاستخدام العنف والإرهاب .

ب‌- دخول الإخوان الانتخابات البرلمانية في الدورتين الأولي والثانية في فترة مبارك .

ت‌- دخول الإخوان انتخابات النقابات المهنية ونوادي هيئات التدريس ونجاحهم فيها ( ما عدا النجاح في انتخابات نقابة المحامين فهو يصنف كتفاعل صراعي تجاوز الخطوط الحمراء ) .

ث‌- إعلان الإخوان المسلمين – في إطار حزب العمل – تأييد إعادة انتخاب الرئيس مبارك لفترة ولاية ثانية .

التفاعلات السياسية الصراعية

أ‌- امتناع الإخوان المسلمين – مع القوي والأحزاب السياسية الأخري ما عدا التجمع – عن دخول الانتخابات البرلمانية .

ب‌- موقف الإخوان المسلمين من حرب الخليج الثانية ( غزو العراق الكويت ) وخصوصا الناحية الإعلامية وتحريك التظاهرات في الجامعة .

ت‌- إعلان الإخوان المسلمين عدم تأييدهم لإعادة ترشيح مبارك لفترة ولاية ثالثة في بيان شديد اللهجة .

ث‌- النجاح الكبير الذي أحرزه الإخوان المسلمون في انتخابات نقابة المحامين ( وهي نقابة حساسة باعتبارها من نقابات الرأي ) وسيطرتهم على مجلس النقابة .

ج‌- وقد استمرت حدة التفاعلات الصراعية في اتجاه تصعيد الأزمة مع الإخوان المسلمين ..

ح‌- كانت البداية في التركيز على وصف الجماعة في وسائل الإعلام ب" غير المشروعة " والمنحلة " و" غير الشرعية " والتلميح إلى علاقة مؤكدة بين الجماعة وجماعات العنف والإرهاب ( كما تسميها أجهزة الإعلام ) .

وفي هذا الإطار أكد الرئيس مبارك – في حديث نشر في جريدة الأهرام – تصميمه على منع قيام حزب إسلامي وقال بالنص  :" حتى لو كان الدستور نفسه يجيز ذلك فلن أسمح بقيام حزب ديني ف يمصر ".

وفي إجابة عن أسئلة صحفية وجهت إليه في مقابلة صحفية سئل الرئيس مبارك .

- هناك بعض الاقتراحات بالسماح للتيار الديني المعتدل , مثل الإخوان المسلمين بتأسيس حزب يواجه بالسماح للتيار الديني المعتدل مثل الإخوان المسلمين , بتأسيس حزب يواجه المتطرفين .. ما رأيكم؟ أجاب : لا يمكن القانون لا يسمح ولو فعلنا لطلع حزب للمسيحيين ودخلنا في صراع ديني .

- هل القانون يمنع الأحزاب الدينية ؟ أجاب : نعم , القانون واضح , وأنا أحترم القانون ولا أريد صراعات دينية بين الفئات المختلفة .

- وقد استمر الرئيس مبارك يؤكد المعني نفسه في أحاديثه الصحافية ولقاءاته حتى الآن وفي الحديث نفسه المشار إليه سابقا سئل الرئيس مبارك :

- ولكن الإخوان تسمح ببعض الأنشطة والتعبير ؟ فأجاب : مثل ماذا ؟ فأجيب : مثل صدور بيانات وتوزيعها بالفاكس وانتخاب مرشد فقال : لو أمسكت أمر غير قانوني فلن أتركه دون محاسبة .

- والجدير بالذكر أنه في أعقاب ذلك الحديث وأشباهه تم استدعاء المرحوم المرشد حامد أبو النصر لتحقيقات في النيابة حول إصداره بيانات تحمل توقيعات المرشد العام للإخوان المسلمين .

- إضافة إلي ذلك – كما سيأتي تفصيله في ما بعد – فإن الذين اعتقلوا وجهت إليهم تهمة " الانضمام إلى تنظيم غير مشروع " يناهض المبادئ الأساسية للدستور...".

وكان من المحطات الأساسية في التصعيد القانون الرقم ( 100) الموحد لتنظيم العمل النقابي ثم القانون الرقم ( 103) الذي قصد به اساسا النقابات المهنية التي يسيطر عليها التيار الإسلامي وجاء توقيت صدوره دلالة مهمة وواضحة بعد نجاح الإخوان المسلمين في نقابة المحامين وكذلك القانون رقم (971) لسنة 1992 ( المعروف إعلاميا بقانون الإرهاب 9 والخاص بتعديل بعض نصوص قوانين العقوبات والإجراءات النائية ا وإنشاء محاكم أمن الدولة وسرية الحسابات في البنوك والأسلحة والذخائر وكذلك التعديلات الخاصة بالأحزاب السياسية .. الخ .

وقد استمر التصعيد باتجاه التشويه الإعلامي ( سلسلة الأفلام والمسرحيات التي تتناول الإسلام والحركة بالتشويه لعائلة أيام المنيرة الإرهابي التائب ..الخ ) واستمرار سياسة تجفيف المنابع على الصعيد التعليمي ( عزل المدرسين الإسلاميين واعتقالهم قرار الحجاب في المدارس وتعديل نظام الفصل الدراسي الواحد إلى نظام الفصلين وقانون أعضاء هيئة التدريس وتعيين عمداء الكليات .. الخ)

وفي اتجاه استمرار التصعيد أيضا مع الإخوان كانت الضربات الأمنية الإجهاضية ( تحت غطاء قضية " سلسبيل " كل ستة أشهر تقريبا ... وانتقاء عناصر مؤثرة واعتقالها وأحيانا يمارس معهم قدر من التعذيب غير المبرر ( خصوصا في المحافظات ) بالتأكيد فإن هناك أهدافا ( سوف نوضحها في ما بعد ) من وراء هذه الضربات الأمنية الإجهاضية ... وربما كان اعتقال أ. إبراهيم شرف ومن بعده الحاج أحمد حسنين رسالة موجهة إلى قيادة الإخوان المسلمين بأنه يمكن تجاوز الحد الذي تم التعارف عليه في الفترة السابقة , وامتداد الاعتقال إلى مكتب الإرشاد ( إضافة إلى استدعاء المرشد ) ... لأن الجماعة تجاوزت الخطوط .. وأنه يمكن التلويح بضربة شاملة إذا اقتضي الأمر ذلك وأن الجماعة يجب أن تراجع سجل أعمالها وأنشطتها ..ثم جاءت إحالة أربع قضايا للإخوان إلى المحاكم العسكرية ثم إدانة 72 أخا بأحكام تراوحت بين 5 سنوات و3 سنوات .. ليبلغ التصعيد أشده ومنتهاه .

إن هذه التغييرات الحديثة في موقف نظام مبارك من الإخوان المسلمين جديرة بأن تثير التساؤل عن أسبابها ودوافعها .. وهل تعبر عن خط أصيل وإستراتيجية ثابتة للنظام المصري ... أم أنها تأتي كرد فعل على أحداث معينة رأي النظام المصري أنها تمثل خطرا على كيانه أو على بقائه واستمراره في السلطة والحكم ؟

باعتقادنا أن هذه التغيرات قادت إليها مجموعة من العوامل والمتغيرات المتشابكة التي تفاعلت معا وأنتجت لنا هذه المتغيرات على الصعيد الواقعي ؟...

هذه العوامل والمتغيرات منها ما يتعلق بطبيعة النظام الحاكم في مصر ( نظام مبارك) إستراتيجية تجاه الحركة الإسلامية – بشكل عام – ونمط تعامل الإخوان معه في الفترة الأخيرة موضع الدراسة ومنها ما يتعلق بطبيعة الإطار الإقليمي في المنطقة ومنه ما يتعلق بطبيعة الإطار الدولي ودور الولايات المتحدة الأمريكية .

فلنذكر هذه العوامل بشئ من التفاصيل ..

أولا : إستراتيجية النظام الحاكم تجاه حركة الإخوان المسلمين

لا يمكن فهم الاستراتيجية دون فهم الفلسفة الفكرية الكامنة خلفها والمنطلقات التي تنطلق منها فنظام مبارك – وهو في ذلك يمثل امتدادا لنظامي عبد الناصر والسادات – يعتمد العلمانية عمليا أساسا لحكمه , وهو يسعي إلى إبعاد الدين عن مجال التأثير في واقع السلطة وحتى واقع المجتمع – وفق خطة متدرجة تعتمد على أجهزة الإعلام , بالإضافة إلى التعليم – وعبر السيطرة على الأداة التشريعية .. وهو في هذا الصدد يلقي بثقله في صف " التغريب " بكافة مدارسة حتى الشاذة منها وفي سبيل تحقيق ذلك تم محاصرة " الدين ط وعزله تدريجيا عن توجيه مجالات الحياة في المجتمع المصري وحتى " الرموز الدينية " فإن النظام كثيرا ما يورطها في تأييد قضايا معينة تؤدي في التحليل الأخير إلى تحقيق غايات علمانية ....

ومن هنا فإن إستراتيجية النظام تجاه الجماعة والحركة هي " الحصار والتحجيم كمقدمة للتطويق والاستئصال "

والنظام يرمي من وراء تطبيق هذه الاستراتيجية إلى تحقيق عدة أهداف أساسية :

- التمسك بالسلطة السياسية , وبالبقاء في مقاعد الحكم لأطول فترة ممكنة دون حدوث أى تهديد جدي حقيقي لهيمنته وانفراده ..

- إبعاد أية حركة شعبية عن مجرد التفكير " و" الأمل" في الحصول على نصيب عادل من السلطة وتحقيق أهدافها .

- منع الحركة الإسلامية من التجدر الشعبي ووجود جمهور حقيقي لها في كافة طبقات الشعب المصري ومحاولة حصارها اجتماعيا .

- وضع خطوط حمر للحركة الإسلامية لا ينبغي لها أن تقترب منها بأي شكل من الأشكال ... تمثل قيودا حقيقية على حركتها وانتشارها .

- إعطاء ط المثل " و" النموذج" الدول أخري في المنطقة العربية في كيفية التعامل مع الحركة الإسلامية فيها وتقديم " العون" بهذا الصدد على كافة المستويات .

- إرضاء " الكيان الصهيوني " بصدد ما يطلق عليه مسار التسوية السياسية هذا النظام الذي يعد من أولي أولوياته " محاربة الأصولية الإسلامية " ويدعو كافة الأنظمة في المنطقة إلى التعاون معه في هذا الصدد .

البرهنة للقيادة الأمريكية في البيت الأبيض أن الأمور كلها ما زالت تحت السيطرة وأن المصالح الأمريكية في مصر بل في المنطقة كلها ايضا لن تتعرض لأى خطر يذكر .. وأن التخطيط في إطار هذه الاستراتيجية يسير بدرجة نجاح كبيرة بل مذهلة أيضا ف يغالب الأحيان ... ولتحقيق ذلك كما قلنا , يلجأ إلى عدد من الأدوات والمسالك نذكر منها على سبيل المثال :

الأداة التشريعية والقانونية

كما سبق أن رأينا لجأ النظام في مواجهة الجماعة إلى هذا السلاح باعتباره السهل فمن إنكار " مشروعية الجماعة " إلى " تجريم أية أنشطة" تقوم بها مهما كانت في إطار اللوائح ... إلى فرض أحكام الطوارئ وسن تشريعات مستمرة كمدخل لمواجهة الجماعة ... مما يشكل " انحرافا تشريعيا " حقيقيا .. ولا حاجة لنا إلى مزيد من التفصيل

الأداة الأمنية

يلجأ النظام في مواجهة الإخوان إلى سياسة " الضربات الأمنية الإجهاشية وفق خطة معينة موضوعية على فترات زمنية محددة كما سبق أن راينا إلا أننا يجب أن نتوقف بصدد هذه الأداة أمام سؤالين يطرحان بإلحاح , هما : - هل يلجأ النظام المصري إلى ضربة شاملة لحركة الإخوان .... على غرار الضربتين الشاملتين السابقتين في العامين 1945 , 1965؟

- ما هي محصلة الهجمة الأمنية – بوجه عام – أو ما هو تقييمنا لدور هذه الأداة في التعامل مع الإخوان المسلمين في الفترة الأخيرة ..؟

- في الإجابة عن التساؤل الأول حول مدي إمكانية توجيه ضربة شاملة إلى الإخوان المسلمين ف يمصر ؟ لا يمكن التنبؤ بذلك إلا في ضوء معرفة النقاط التالية :

أ‌- طبيعة أو شخصية القيادة السياسية بداية تختصر القيادة السياسية في الحالة المصرية في شخص الرئيس مبارك – وبتعبيره الشخصي " كل الخطر بين يديه " وبالتالي فإن " كل الأمور واضحة أمامه " وهو يصدد اتخاذ أى قرار .

وبالتالي فإن معرفة طبيعته وشخصيته تعد المقدمة الحقيقية لمعرفة كيفية اتخاذه قرارته ... وهل إمكانياته تؤهله لاتخاذ قرارات مصيرية أو حيوية أم لا ؟

تقول إحدي الدراسات حول الموضوع إن شخصيته مترددة وغير حاسمة وتميل إلى الحلول الوسط وإلى تأجيل لما شكل وترحيلها والتجزئة في مواجهتها البت فيها .. ويقولون إن تلك خصائص لصيقة به من النشأة والتربية العسكرية .. وإنه لا يتحرك لاتخاذ قرارات حيوية إلا حين يشعر أن وجوده هو ذاته أو مركزه قد يتعرض لتهديد حقيقي وخطير . ووفقا لهذا التحليل يستبعدون إمكانية إقدامه على اتخاذ قرار من هذا النوع ..

ب‌- المراهنة على نجاح سياسة الإصلاح الاقتصادي إن نظام مبارك يراهن على نجاح سياسة الإصلاح الاقتصادي في حل كثير من المشاكل التي يعانيها المجتمع المصري ويعتقد أن المشاكل الاقتصادية هي أحد أسباب ازدهار الحركة الإسلامية وأن معالجة هذه المشاكل هو ضرب للحركة في جذورها واصولها .

المراهنة على تفكيك حركة الإخوان

إن نظام مبارك يراهن على تفكيك الحركة وإشغالها بقضايا وجودها , وتأمين ذاتها ... من خلال الضربات بين الحركة والأنظمة ... بالإضافة إلى خلق الانشقاقات داخل جسد الحركة وتشويهها ولعا مسألة الوسط الأخير من أقوي الدلائل على ذلك .

ت‌- السماح بوجود هامش لجماعة الإخوان المسلمين إن النظام يسمح – موضوعيا – بوجود هامش لجماعة الإخوان المسلمين لا يؤثر في سير الواقع بدرجة ملموسة فالإجابة إذن عن هذا التساؤل هي أن النظام لا يمكن أن يقدم على ضربة شاملة على الأقل في ظل الظروف الحالية ..

أما في الإجابة عن التساؤل الثاني وتقييم مدي نجاح الضربات الأمنية الإجهاضية ...؟ فنلاحظ:

- إن أهم أوجه نجاح هذه الضربات يتمثل في الكم الهائل من المعلومات الذي حصلت عليها الأجهزة الأمنية من الإخوان بداية من قضية " سلسبيل " وحتى الآن... على حد تعبير البعض " فإن الأمن قد اكتشف معظم كوادر الإخوان والقيادات الوسطي ولديه معلومات تكفي على الأقل لمدة عشر سنوات مستقبلا ".

- الوجه الآخر للقضية أن جهاز الأمن متأكد الآن – نتيجة ما اكتشفه من أوراق وما أجراه من تحقيقا – من عدم وجود سلاح أو اختراق في المؤسسات الحساسة التي يخشي من اختراقها .. ولعل ذلك يبرز عدم استخدام العنف مع قيادات الإخوان عند اعتقالهم او التحقيق معهم في الآونة الأخيرة ..

الأداة الاتصالية والدعائية

قام النظام الحاكم في الفترة الماضية باستخدام كافة أدوات ووسائل الاتصال ( إذاعة صحافة , تلفاز , سينما , مسرح) وكذلك النظام التعليمي الخاضع له أساسا عبر سياسيتين متكاملتين في مواجهة الجماعة :

أ‌- سياسة التشويه والتخريب هي عبارة عن عمليات لهدم صورة معينة ذات طابع إيجابي لدي المجتمع عن الجماعة هذا من ناحية ومن ناحية أخري إرساء مجموعة من الإجراءات المتتالية لبناء ورسم صورة مخالفة ومناقضة للواقع الموضوعي ومحاولة غرسها وتسريبها إلى الوعي الجماعي لأفراد المجتمع العاديين عن الجماعة والحركة الإسلامية .

ب‌- سياسة تجفيف المنابع تتجه هذه السياسة إلى الفريق المتدين في المجتمع – الذي يمثل رصيد الحركة والجماعة مستقبلها – فتحرمها منه وتضربها به وهي تأخذ في مصر مسمي " إصلاح وتطوير النظام التعليمي " وتحديثه " وفي هذا الإطار تتم إعادة صياغة المناهج ومحاصرة كافة رموز الوجود الإسلامي في التعليم بالطبع ينقصنا كجماعة وحركة إسلامية أمران على درجة عالية من الأهمية :

(1) دراسة واقعية عملية تقيس مقدار ما أحدثه التشويه الإعلامي والسياسي على صورة وواقع لحركة الإسلامية في المجتمع .

(2) اعتماد خطة عملية وعلمية – في آن معا – وذلك لمواجهة " سياسات تجفيف المنابع ) خاصة في المجال التعليمي لما له من آثار خطيرة في المستقبل بالنسبة إلى الحركة والجماعة .

ينقلنا كل ما سبق إلى النقطة التالية فإذا كانت هذه هي استرتيجية وأهدافه وخططه فما هو البديل .. ما هو واقعنا .. ما هي أساليب المواجهة في المرحلة القادمة ؟

ثانيا: أساليب المواجهة ..... رؤية للمرحلة القادمة

1- ضرورة وجود إستراتيجية محددة أو سياسة محددة للجماعة للتعامل مع النظام السياسي الحاكم بحيث لا تستدرج إلى أن تكون تصرفاتها مجرد ردود افعال .


يجب أن تكون الخطوط الأساسية لهذه السياسة واضحة على الأقل إلى مستويات معينة داخل البناء التنظيمي للجماعة فوجود إستراتيجية للنظام لمحاصرة وتطويق الحركة – ولو كانت غير محكمة – وفي المقابل عدم وجود إستراتيجية للجماعة لإحباط تخطيط النظام ... يجعل الجماعة باستمرار في موقع " المفعول به ) وليس الفاعل .. وتتحول سلوكياتها وتصرفاتها إلى سلسلة من ردود لأفعال ..ولا يقتصر الأمر على وجود إستراتيجية على المدي الطويل وإنما على وجود أهداف مرحلية للتعامل مع لنظام السياسي ذات أفق زمني تفرغ في إطار خطط واضحة .. تتم متابعة تنفيذها أولا بأول باختصار شديد وبالتالي ضرورة وضع إطار عام للتحرك السياسي في الفترة القادمة يفرغ في أهداف وخطط .

2- لو افترضنا جدلا أنه تم وضع هذه الاستراتيجية وما ينبثق عنها من أهداف محددة وخطط مرحلية .... فإنها لكي توضع موضع التنفيذ العملي لابد من أن تثير المشكلة أو القضية التنظيمية داخل الجماعة ... وهذه لها عدة أبعاد تقتصر منها على ثلاثة فقط .

أ‌- مدي فعالية أجهز الجماعة الحالية في القيام بالمهام المنوطة بها ..

ب‌- النقص الكبير في وجود كوادر داخل الجماعة – سواء من ناحية الكم أو الكيف – فهناك قلة في الأعداد وتدهور في مستوي أو نوعية إعداد الأفراد سواء كان ذلك من النواحي الفكرية / التربوية أو من النواحي الحركية أو العمل لعام .

ت‌- ضرورة إعادة النظر باستمرار في الأدوات التنظيمية .

3- الناحية الأمنية لا ينبغي الاستهانة بقدرات جهاز الأمن وتحديثه في الفترة الأخيرة ووجود أجهزة قياس الرأس داخله كما أن هناك اختراقا للأجهزة الأمنية من الخارج وتعاونها من ناحية أخري مع هذا الخارج .

إن الحس الأمني ينبغي رفعه لدي قواعد الجماعة .

أ‌- عدم الإسراف في تسجيل وكتابة كل شئ .

ب‌- هناك قضايا حساسة ينبغي مراعاتها في الحديث لأنها تمثل خطوطا حمرا بالنسبة إلى النظام المصري :

- الاقتراب من المؤسسات السيادية

- حالات العصيان المدني .

- القضايا المتعلقة بالسلاح والتدريب العسكري .

- القضايا الخاصة بالفساد السياسي المالي داخل أسرة مبارك .

4- قضية التربية داخل الجماعة : إنها تكاد تكون أصل المشاكل في إطار جماعة الإخوان في الوقت الراهن , ولا بد من نظرة عملية متكاملة والجميع يلمس بوضوح التدهور في هذه الناحية فالأجيال الجديدة هي دون المستوي المطلوب عمليا وخلقيا وحركيا .

5- قضية التقييم والمراجعة: هي من القضايا البالغة الأهمية في إطار أى عمل تنظيمي فليس هناك إنجاز حقيقي أو تقدم إلى الأمام .. ما لم مراجعة وتقييم الأداء الأنشطة الفعلية أولا بأول , وهذا يستلزم :

- وجود جهات علمية مستقلة لتقييم الأداء والعمل الإخواني في الداخل والخارج .. ووضع التوصيات بصدد تطويره وعدم الاكتفاء في هذا الصدد بتقييم القائمين بالعمل او النشاط لما يقومون به ... هكذا ترشدنا الأصول العلمية إلى ذلك .

- وجود جهات علمية مسئولة للفصل في مسائل الخلاف داخل الصف الإخواني – درجات تقاضي وتستمع إلى الكل – نشير إلى ضرورة مراعاة العدالة والحكمة في آن معا في معالجة المشاكل الإدارية والتنظيمية الموجودة .. باختصار وجود جهاز للاستماع إلى الشكاوي وحل المشاكل المتراكمة .

ثالثا : قضية العلاقة بين الإخوان

- وبقية التيارات الإسلامية على الساحة هي قضية بالغة الحساسية – وعل درجة عالية من الأهمية في الوقت نفسه – الان ومستقبلا – لأنها تتعلق بمستقبل العمل الإخواني في مصر , والذين اختلطوا – في الفترة الأخيرة بهذه التيارات في السجون يلاحظون التالي :

1- أن هناك تفهما من هذه التيارات بل تقديرا لدور الإخوان أيضا مما يوحي بانكسار حدة موجة العداء التي كانت موجودة من قبل بالنسبة إلى الإخوان .

2- أن انتشار هذه الجماعات - بدرجة لا بأس بها – في فئات معينة ( كالحرفيين , والعمال والفلاحين ... الخ ) بل في مناطق معينة أيضا تكاد تكون مغلقة عليهم أمر يحتاج إلى دراسة .. وبحث لماذا تراجع وجود الإخوان في هذه الفئات وتلك المناطق ؟ لماذا عجز الإخوان عن إيجاد لغة دعوة وخطاب وتربية تجذب هؤلاء إلى صفوف الإخوان ولماذا لم ينجح الإخوان في إيجاد عناصر شابة ونشطة داخل هذه المناطق وتلك الفئات .. ولماذا ينحصر وجود الإخوان ف شرائح معينة من الطبقة الوسطي في المجتمع أمور كلها تحتاج إلى بحث ودراسة تحوطا للمستقبل .

3- أن المستقبل – خصوصا بالنسبة إلى جيل الشباب والقيادات الوسطي من الإخوان – يحمل الكثير من الأمور ذات الدلالة :

أ‌- هناك جيل من هذه الجماعات تم تكوينه داخل السجون له خبرة ومشروعية تاريخية استمدها من المواجهة المستمرة مع النظام الحاكم .

ب‌- أن هذا الجيل نجح إلى حد كبير في إسقاط الحاجز النفسي في التعامل مع جهاز الأمن وابتكر العديد من الأساليب في التعامل معه مما يوحي بقدرة وكفاءة مستقبلية في التعامل مع النظام السياسي .

خلاصة: إن الجماعة في حاجة إلى تبني سياسة واضحة ومحددة تجاه الجماعات الإسلامية الموجودة على الساحة سواء تم الإعلان عنها أو خلافها أو لا .

وفي اعتقادنا أن النقاط أعلاه كفيلة بإحباط ولو جزء مهم من التخطيط الذي يقوم به النظام السياسي المصري .. ولمحاصرة العمل الإخواني وتهميشه .

الملحق الثالث: البعدان الدولي والإقليمي للأزمة

هناك حقيقتان أساسيتان تخصان أبعاد الأزمة

الحقيقة الأولي : إن التعامل مع الظاهرة الإسلامية بتعقيداتها وتنوعاتها منوط أساسا بالأنظمة المحلية في كل قطر عربي فالنظم والحكومات المحلية في بلداننا هي التي ترسم ملامح استراتجية التعامل مع الظاهرة الإسلامية وهذا ربما يفسر اختلاف طريقة تعامل الأنظمة مع الحركة الإسلامية حالة الأردن والجزائر والكويت مثال لقبول الحركة كطرف سعي إلى تحجيمه وتقليل تأثيره أما كل من النموذج المصري والتونسي والليبي عل سبيل المثال فهي نماذج الرفض للحركة الإسلامية غير المتقبل بوجودها .

وهذا الاختلاف لا ينفي بالطبع وجود حد أدني مشترك بين جميع الأنظمة العربية يتعلق أساسا بعدم استيعاب الحركة الإسلامية بشكل طبيعي في النظام والتضييق ومحاولة تقليص وجودها وفعاليتها .

الحقيقة الثانية : وإذا كان التعامل مع الظاهرة الإسلامية شأنا محليا أساسا أى يتعلق بالأنظمة الحالية فإستراتيجية التعامل المحلي تتم في ظل بيئة دولية وإقليمية معادية للحالة الإسلامية تستثمرها النظم المحلية في التعامل مع الظاهرة الإسلامية .

كما إن هذا الواقع الدولي والإقليمي الذي نعاصر يتسم بحالة السيولة الكاملة " و" إعادة الهيكلة" بمعني أنه في حالة تغير دائم ومستمر : لم تستقر أوضاعه بعد وهذا يجعله وضعا دوليا جديدا " وليس " نظاما دوليا جديدا لأنه ما يزال في مرحلة تشكيل وسيولة .

وهكذا فإن الأزمة القائمة بين الحكومة المصرية والإخوان لها أبعاد ثلاثة . بعد دولي وآخر إقليمي وثالث محلي وهذا لا ينفي التداخل بين البعاد الثلاثة كما سنري كما لا يمكن فهم حقيقة وكنة الأزمة إلا عبر هذه الأبعاد الثلاثة وبما أن البعد المحلي قد تناولناه مفصلا فسنسلط الضوء على البعدين الدولي والإقليمي للأزمة .

أولا : الأبعاد الدولية للأزمة

1- وضعية الإسلام على المستوي الدولي

لا يمكن تفهم وضع الإسلام على المستوي الدول دون بيان ملامح الحوار الواسع الدائر الآن في الغرب حول المستقبل فبعد انتهاء عصر القطبية وتحول الحرب الباردة إلى سلام بارد بدأ وضع دولي جديد تحكمه موازين قوي جديدة وفي ظل هذا التغير قام بعض الكتاب بطرح وجهات نظرهم وإيجاد مبررات جديدة لاستمرار السيطرة والفعالية الغربية وتأتي أهمية بعض هذه المقالات من جهة أن بعضها ( هانتنغتون في مقالة " صراع الحضارات " على صلة وثيقة بدائرة صنع القرار في الولايات المتحدة .

من هذه الأعمال كتاب نهاية لتاريخ لفوكوياما الذي أكد فيه سقوط الاتحاد السوفياتي وانتصار الغرب وكانت الرسالة التي حملها مضمون الكتاب إلى لعالم شماله وجنوبه مسلمين وغير مسلمين تقول :" لقد أصبح الغرب وقيمه قدركم المحتوم ولم يعد أمامكم إلا أن تكيفوا أمور حياتكم وسائر شؤونكم معه لأن أية محاولة للمقاومة ما هي إلا انتفاضة اليائس " ومن هذه الجهود أيضا أعمال بول كينيدي الذي يناقش إمكانية استمرار الولايات المتحدة في الهيمنة على العالم ( انظر كتابه قيام وسقوط القوي الكبري وكذلك كتاب الإعداد للقرن الواحد والعشرين ) .

إلا أن الأهم في ما نحن بصدده هو مقال " صدام الحضارات لهانتنغتون عالم السياسة الأمريكي الشهير الذي يعد مقاله جزءا من مشروع كبير يتم إجراؤه لصالح الإدارة الأمريكية .

يري هانتنغتون أن الصراع الدولي السابق ( الحروب العالمية والحرب الباردة كان صراعا بين أطراف غربية أى دخل الحضارة الغربية ذاتها واليوم بعد انتهاء هذه الصراعات وسيطرة الديمقراطية على الحضارة الغربية حان وقت سيطرة هذه الحضارة على العالم . ويري هانتنغتون " أنه بعد قيام الثورة الشيوعية 1917 بدأ صراع بين الشيوعية والفاشية والنازية وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى أوائل التسعينيات قامت الحرب الباردة بين الشيوعية والديمقراطية وسيواجه الغرب خلال محاولة نشر أفكاره عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وخلال سعيه للإبقاء لى تقدمه العسكري والمحافظة على مصالحه الاقتصادية بردود فعل من الحضارات المختلفة "

" وستبدأ هذه الصدامات – كما يري هانتغتون – عند خطوط التماس بين الحضارات ومناطق التداخل بينها وكما حددت الشعوب هدفها على أسس قيمته وثقافية وعرقية زاد لدي هذه الشعوب الشعور بالتنافس في ما بينها وبين غيرها وتتمثل الاختلافات الحضارية أو تتجسد وتتبلور في اختلافات سياسية يصل بعضها إلى صادمات بين تلك الحضارات والثقافات والأعراق بحكم خلفياتها التاريخية القديمة وأهدافها " ويري الكاتب " أن هذه الأمور ستتبلور في العقد الأخير من القرن العشرين وسوف تتضح في العقدين الأولين من القرن القادم .

وإذا تساءلنا عن مناطق التماس الحضاري المشار إليها سلفا نجد أنها كما يري كاتب المقال " تلك المناطق التي تقع بين شمال البحر الأبيض المتوسط وجنوبه وفي البلقان وشرق أوروبا ويمثل هذا الصدام ذلك الصراع في البوسنة والصراع في وسط أسيا في الجمهوريات افسلامية بين الآذريين والأرمن والروس والطاجيك والروس والشيشان أى مناطق التدخل الحضاري بين الإسلام والغرب ويغذي هذا الصدام بعض الاعتبارات الواقعية التي تتعلق بوضع المسلمين على المستوي العالمي :

أ‌- امتداد الإسلام والمسلمين على شكل حزام يكاد يقسم الكرة الأرضية كله بل إن امتداد الإسلام والمسلمين لم يعد قاصرا على هذا الحزام بل استطاع الوجود بشكل مؤثر داخل الغرب ذاته ( 4 ملايين مسلم في فرنسا 6 – 10 ملايين مسلم في الولايات المتحد)

ب‌- امتلاك الإسلام والمسلمين لقابليات تفعليا ضخمة سواء على المستوي الروحي والقيمي في مواجهة قيم الغرب ونموذجه الحياتي أو على مستوي الموارد البشرية والاقتصادية وخاصة أن الإسلام يطرح نمط حياة يتناقض تناقضا صارخا مع ما تطرحه الحضارة الغربية .

ت‌- هذه الإمكانيات وإن كانت كامنة الآن إلا أنه يمكن تفعليها في المستقبل لو جاءت القوة أو النظام السياسي الذي يستطيع أن يفعل ذلك بل إن هذه الإمكانيات قد جري تفعيلها من قبلنا ومن قبل الآخرين في بعض المواقف والفترات ( حرب رمضان 1973 – الجهاد الأفغاني – عمل إغاثي في كل مكان ) بعبارة أخري , فالحركة الإسلامية وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين استطاعت على مدار السنوات الماضية أن تفعل طاقات الأمة ف يعمل جهادي متسع على مدار السنوات الماضية أن تفعل طاقات الأمة ف يعمل جهادي متسع النطاق ( أفغانستان , حزب الله في لبنان سواء في مواجهة إسرائيل أو المارينز الأمريكي أو عمل مناهض للحكومة المستبدة المتسلطة ( مصر , اليمن الأردن , الكويت ) أو عمل إغاثي تستفيد منه الأمة ككل ( أفريقيا , الجمهوريات الإسلامية , البوسنة .. الخ) .

ث‌- هذه القدرة على تفعيل طاقات الأمة تجعل الإخوان المسلمين في بؤرة الاهتمام والتركيز المباشر من القوي المشغولة برصد أحوال الأمة الإسلامية وحصار أية إمكانية لصحوتها تلك الإمكانية التي تعني تقديمها لنموذج بديل ومناوئ للنموذج الحضاري السائد .

إذن فالقوي الغربية المهيمنة – بقيادة الولايات المتحدة – تري أنها في حالة مواجهة مع الإسلام وأن الإخوان المسلمين كطليعة حركة للأمة الإسلامية هم احدي القوي لرئيسية التي يتصدي لها الغرب في تلك المواجهة ولكي تتبين طبيعة هذه المواجهة بشكل أفضل ونحاول أن نلتمس انعكاسها على المواجهة الحالية التي تعيشها جماعة الإخوان المسلمين في مصر يستحسن التعرض بسرعة لبعض ملامح الرؤية الأمريكية للعالم وللمنطقة ولمصر مع التركيز على الجوانب ذات الصلة المباشرة بالإسلام والإسلاميين .

2- المنطلقات العامة للرؤية الأمريكية للعالم

تنطلق الرؤية الأمريكية للعالم من صورة معينة للنظام الذي تستهدفه أمريكا والذي يقوم على المقومات الآتية :

أ‌- نظام دولي ذو قطب واحد.

ب‌- قدر محدود من شركاء القطب القائد مع عدد من الأطراف الأضعف ( أوروبا وشرق أسيا ) في بعض الحالات .

ت‌- نزع أسلحة الدمار الشامل .

ث‌- التركيز على عدد من مناطق الاهتمام يأتي الشرق الأوسط وأمريكا الوسطي وأوروبا الشرقية على قمتها .

ج‌- فرض القرار الأمريكي على العالم بقوة السلاح إن لزم الأمر وتطوير قوي التدخل السريع التي كانت حرب الخليج أبرز تجلياتها .

ح‌- تبني عدو رئيسي للحضارة الغربية وللنظام الدولي وقد سنعرض أفكار هانتغتون في هذا الصدد ولا بأس من بعض التفصيل فقد كان من المفترض عقب انهيار الشيوعية أن يحل محلها الإسلام كعدو فكري يهدد القيم والمصالح الأمريكية وبالفعل أكد ذلك الرئيس الأسبق نيكسون في كتابه الفرصة السائحة وما تزال فئة كبيرة في الإدارة الأمريكية توافق على هذا التوجه وهذا الأمر لم يتغير خاصة بعد إجراءات الإدارة الأمريكية الشهيرة بمحاصرة المال الإسلامي في مصارف الولايات المتحدة وإجرائها لمحاربة "الإرهاب ط على المستوي العالمي غاية الأمر أن صناع القرار في الغرب وفي الإدارة الأمريكية ارتأوا أن التصريح بحتمية معاداة الإسلام ووضع الجماعات الإسلامية المختلفة المنتشرة في أنحاء العالم على رأس القائمة السوداء من شأنه أن يزيد من استثارة هذه الجماعات امتدادا إلى صحوة شعبية لا تريد الولايات المتحدة أن تعاديها دفعة واحدة لكل ذلك كان الحال الأمثل هو عدم التصريح بمعاداة الإسلام وجماعته , وبتعيين عدو آخر أسموه " عدم الإستقرار " أو / و " الإرهاب " أى أن عدو الولايات المتحدة أو بالأحري عدو النظام الدولي الجديد هو " عدم الإستقرار " أو " الإرهاب " الذي قد يلحق بهذا النظام ويضره من أية جهة والحقيقة أن هذا الأمر ليس إ إخفاء للهدف الحقيقي ولعل ذلك يبرز في كلام بريجنسكي الذي قال : " كانت التهديدات التي يتعرض لها الأمن الدولي تحددها من الناحية التقليدية العلاقات بين دولة ودولة وكانت هذه هي الحالة بصفة خاصة ف يالعصر الذي كانت فيه لدولة القومية في لوعاء الرئيسي للأعمال السياسية الحاسمة ولكن من المرجح في عصر نشوء الساسة العالمية العضوية أن التهديدات الرئيسة يمكن أن تنشأ من داخل الدول إما عن طريق المنازعات الاهلية أو بسبب تزايد استخدام التطور التكنولوجي في الأعمال الإرهابية"

3- منطقتنا في الرؤية الأمريكية

في النظام الدولي السابق حتى عام 1990 وجدت أنظمة إقليمية متعددة ولكن بعد عام 1990 ومع انفراد الولايات المتحدة بإدارة النظام العالمي أخذت هذه الدولة تحاول إعادة صياغة وهيكلة الأوضاع الإقليمية متخذة من البعد الاقتصادي أساسا لإعادة الهيكلة تلك وهي تعتمد في ذلك على عدد من المحاور العامة منها ما يتعلق مباشرة بمنطقتنا وهي :

أ‌- العمل على هدم النظم الإقليمية القديمة أو إذابتها في نظم جديدة تطمس شخصيتها الإقليمية السائدة ( النظام الشرق أوسطي بدلا من النظام الإقليمي العربي )

ب‌- إقامة ترتيبات إقليمية أقل إحكاما من الناحية التنظيمية وأدني في الأجل وأكثر غموضا في العقيدة السياسية من النظم السابقة .

ت‌- جعل الولايات المتحدة القاسم المشترك الأعظم داخل الترتيبات الإقليمية الجديدة إما بنسفها ( النافتا ) أو من خلال وكيل ( إسرائيلي في النظام الشرق أوسط لتكون أقرب إلى اعتبارها ترتيبات أمريكية .

وتقوم الرؤية الأمريكية للمنطقة على محاولة إقرار وفرض " النظام الشرق أوسطي " باعتباره إطار جديدا يحكم العلاقات بين الأطراف المختلفة في المنطقة وفي سبيل فرض وإقرار هذا النظام فإن الرؤية الأمريكية ترتكز على عدد من المرتكزات أهمها :

- وجود عسكري أمريكي في منطقة الخليج والسويس يصل إلى درجة الاحتلال

- منع و/ أو مقاومة قوة إقليمية مهيمنة ( غيران)

- دعم مطلق لإسرائيل .

ثانيا : الأبعاد الإقليمية للأزمة

1- المشروع الصهيوني

سبقت الإشارة إلى المشروع أوسطي وإلى أولويات الإدارة الأمريكية في الدعم المستمر لإسرائيل والحق أن المشروع الإسرائيلي في المنطقة يزحف حثيثا بمعدلات لم يسبق لها مثيل فمن ناحية سقطت المقاومة الرسمية الحكومية له سقوط ذريعا ومتهافتا كما بدت بوادر استسلام رسمي وأحيانا شعبي فلسطيني وخرج بعض شرائح النخب العربية اقتصادية وثقافية من جحورها ليعلن قبوله للمشروع الإسرائيلي واستعداده للانضواء تحته بل لقد تم تحريك آليات فعالة لدفع المشروع قدما منها المؤتمرات الاقتصادية في الدار البيضاء وعمان والقاهرة . لم يشد عن هذه الجوفة إلا القوميون ووزنهم السياسي والشعبي محدود والإسلاميون وفي طليعتهم الإخوان ويقف هؤلاء وقفة صلبة محتمين في مواقعهم الحصينة داخل شرائح الطبقة الوسطي ومستفيدين من واجهاتهم في مؤسسات المجتمع المدني لكي يوقظوا وعي الأمة الذي يعتمد المشروع الأمريكي تغييبه ولك يعرقلوا المشروع الإسرائيلي ويفضحوا طلائعه المحلية ويمنعوا نفاذه من شريحة النخبة إلى ما يليها من قوي المجتمع .

أما في فلسطين فحماس الملتحمة عضويا بجسم الإخوان وفكرهم فهي التعبير الشعبي الرمزي والجهادي عن رفض المشروع الإسرائيلي وتبني الموقف العقيدي الإسلامي إزاءه .

الإخوان إذن عقبة لا يستهان بها أمام مشروع زاحف ذي قوة دفع إقليمية كبيرة بل يمكن القول إنهم العقبة الوحيدة أمامه فليس من المستغرب إذن أن يلح الخطاب الإسرائيلي الرسمي خلال الفترة الماضية على ضرورة تعاون الحكومات العربية والإسرائيلية على ضرب هذا التيار وحصاره ( انظر كتاب محاربة الإرهاب لنتنياهو) .

2- إعادة هيكلة المنطقة

ملامح الصورة كما نتخيلها الآن هي أن هناك محاولات تحولت إلى قدر هائل من الإجراءات والسياسات والممارسات من أجل إعادة " هيكلية المنطقة " كلها اقتصاديا سياسيا واجتماعيا .. الخ مع تسارع إجراءات التغييب والتطويق لكل صوت معارض وفي مقدمته العمل الإسلامي فكرا وحركة :

أ‌- فعلي المستوي الاقتصادي وهو أهم المستويات قاطبة باعتبار أن مجمل السياسات الدولية والإقليمية كما قدمت بات جوهرها ومضمونها اقتصاديا .

على هذا المستوي تمت وما زالت تتم مجموعة من الإجراءات على المستوي الدولي ( مؤتمر برشلونة والشراكة الأوروبية – التنافس الأمريكي الأوروبي على السيطرة على مقدرات المنطقة – احتلال أمريكا لمنابع البترول في الخليج

وعلى المستوي الإقليمي ( مؤتمرات الرباط وعمان والقاهرة الخادمة للسوق الشرق أوسطية) هذه الإجراءات جميعها هدفها الأساسي إدماج اقتصاد المنطقة في الاقتصاد العالمي في ظل تقسيم دولي للعمل والإنتاج على استمرار النزيف المستمر والاستغلال الدائم لثروات المنطقة .

ب‌- وعلى المستوي السياسي : تسارعت الأحداث بعد أزمة الخليج الثانية لتبرز أطر وأوعية للإنتماء والولاء في المنطقة مغايرة بل متناقضة أيضا مع الأطر والأوعية التي كانت سائدة من قبل .

ت‌- وفي هذا الصدد طرح النظام الشرق اوسطي وتطرح الان البحر متوسطية كما تطرح العالمية وهذه الأطر أو تلك الأوعية ليست أطرأ سياسية وحسب وإنما هي أطر متكاملة من الإجراءات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .

ث‌- وعلى المستوي الثقافي : نجد تعدد الأدوات والأساليب المستخدمة لمحاولة فرض أو تسريب بديل قيمي وثقافي مخالف للقيم والثقافة الإسلامية في أوطاننا في هذا المستوي أصبح من الشائع الآن الهجوم على قيم الدين المجردة بعد أن كان الهجوم سابقا على رموزه وأشخاصه وممثليه .

ج‌- وعلى المستوي الاجتماعي فإن جميع هذه التطورات هدفها النهائي إيجاد نمط من الحياة بقيمه وسلوكه ونظرته إلى الحياة يحاكي أو يقترب من النمط الغربي في الحياة الذي تبذل محاولات دائبة لتدويله ونشره على المستوي العالمي .

هذه الإجراءات جميعا أو ما أسميناه " إعادة الهيكلة " هدفها إيجاد " واقع جديد" أو إحداث "نقلة نوعية " في الواقع الإقليمي بقيمه وأفكاره وسلوكه وثقافته الخ ومن مستلزمات ومقتضيات إعادة الهيكلة تغييب أى صوت معارض أو رافض لهذه السياسات سواء كانت دولا ( السودان وإيران ) أو حركات وبالطبع فنحن نقع ضمن القوائم التي تضم هذه الأصوات المعارضة بل نحن في الطليعة والمقدمة منها .

هكذا تتحدد ملامح استراتيجية التعامل معنا في " الحصار والتطويق في ظل تغيير الواقع بالكلية "

وهكذا تبرز المعضلة التي نواجهها في أن الواقع من حولنا يتغير بالكلية مما يفرض التفكير والحوار بشأن تطوير أدائنا للتعامل مع الواقع الجديد ولكن في ظل التضييق والحصار وعدم إدارك هذا التغير تبرز المعضلة :" التغيرات تعصف بالعالم والحصار يزداد من حولنا والثبات وحده لن ينجينا "

الملحق الرابع: السيناريوهات المستقبلية البديلة

( محاولة البحث عن مسار جديد في ضوء معادلات الأزمة بين النظام المصري والإخوان المسلمين )

المراقب السياسي لأحداث الحالة المصرية عامة – والظاهرة الإسلامية بالذات – لابد من أن يدرك أن الأزمة بين النظام المصري والإخوان المسلمين قد شهدت في الأعوام الأربعة الأخيرة " نقلة نوعية " ظهرت مؤشراها على الساحة وخرجت إلى " حيز العلنية " و" الإعلان " بعد أن ظلت لفترة طويلة من الزمن تعبيرا عن حالة من " الأزمة المكتومة " أو " الصراع الساكن " ... بشكل بدا للمحلل الخارجي أن هناك توافقا – غير مكتوب – بين الطرفين على مجموعة من القواعد والأساليب ومساحات الحركة المسموح بها وكذا الخطوط التي لا ينبغي تجاوزها ..

كما إن هناك " معادلة ضابطة للصراع " بين الطرفين تحول دون تفجره أو تصاعد بشكل خطير .. وفي هذه الفترة الأخير بدا أن هذه " المعادلة الضابطة" قد انهارت ودخل النظام المصري في نوع من المواجهة والصراع المكشوفين في مواجهة الجماعة بكل تداعيات هذا الأمر الذي ينطق به الواقع العملي .

ثمة سؤالان – على درجة عالية من الأهمية – يستحقان أن يطرحا على مائدة الحق ويرتبطان ببعضهما البعض ويؤدي كل منهما إلى الآخر ..

الأول يدور حول البحث في الأسباب التي أدت إلى انهيار هذه المعادلة الضابطة ووصول الأوضاع إلى هذه الضجرة من التفجير في مسار العلاقة بين الطرفين . الثاني: يدور حول تحديد مظاهر هذا التفجير في الصراع والأهم في هذا الصدد – هي دلالات هذه المظاهر وليس المظاهر بحد ذاتها .

بالطبع فإن هذه الورقة لن تتعرض – تفصيلا – للإجابة عن هذين التساؤلين الكبيرين إذ أن الإجابة الوافية عنهما تحتاج إلى دراسة تفصيلية – وهي علي كل الأحوال مطلوبة بشدة لكي تقوم ممارساتنا عمليا ونعرف طبيعة الأرض التي نقف أو نتحرك عليها – ولكن سنتعرض لمؤشرات الإجابة عنهما بالقدر الذي يخدم أهداف هذه الورقة ونقاط تركيزها المتمثلة في محاولة البحث عن مسار أو مسارات جديدة للحركة في إطار معطيات الواقع العملي والفعلي .

أولا: مظاهر تصاعد الأزمة ودلالتها

هناك الكثير من المظاهر التي تدل على هذه الأزمة وتصاعدها تتبدي أهميتها في دلالتها :

1- تصاعد الحملة الإعلامية والدعائية على الإخوان المسلمين وعلى المسلمين وعلى العمل الإسلامي عامة بل إن هذه لحملة ذهبت أشواطا بعيدة في مهاجمة ثوابت الإسلام ومبادئه الأساسية ذاتها .

وبالنسبة إلى الإخوان المسلمين , فإن تلك الحملة عمدت إلى التشويه المستمر للجماعة من خلال كافة وسائل الإعلام كما عمدت إلى الربط بين الجماعة وأحدا العنف والإرهاب رغم تأكيد الجماعة المستمر والمتكرر إدانة هذه المظاهر بقوة ووضوح والدلالة الواضحة لهذا الأمر هي أن السلطة الحاكمة التي تملك الإعلام وأجهزته تسلط أجهزة إعلامها ودعايتها على الإخوان كي تفقدهم الكثير من التعاطف الشعبي وتشوه صورتهم ولو في حدود قضايا وسائل معينة خصوصا إذا ما وضعنا إمكانيات السلطة الدعائية التي لا تقارن على الإطلاق بإمكانيات الجماعة وقد صدر قانون الأحزاب وقانون الصحافة لمحاصرتها إعلاميا ولحرمانها من وسيلة إعلامية تعبر بها عن رأيها وفكرها أو ترد من خلالها حملات الهجوم والافتراء أو تمارس عبرها دورها الدعوي .

2- تصفية تجربة العمل النقابي من خلال ضرب الوجود الإخواني فيها بالتدريج – وذلك عبر سن مجموعة من التشريعات المعيبة ووقف إجراء الانتخابات وفرض الحراسة عليها – والدلالة لهذه المسألة هي ضرورة معرفة الحدود الفاصلة بين العمل النقابي والسياسي ومراعاة طبيعة التركيبة والتوازنات السياسية في المجتمع وفي الممارسة السياسية وضرورة الفهم الواضح والدقيق لطبيعة النظام السياسي المصري وسياسته العملية تجاه الإخوان ..

3- حصار العمل السياسي الإخواني وضرب فعاليته ... والسعي إلى إنهاء وجوده الواقعي الفعلي وتجلي ذلك بصورة واضحة في آخر انتخابات برلمانية العام 1995 التي أسقطت النظام بالتزوير والإرهاب ووصلت إلى حد استخدام المصفحات في إغلاق لجان الانتخابات وتسويد البطاقات = جميع مرشحي الإخوان – حتى إن المرشح الوحيد للإخوان الذي نجح في حلوان قام النظام الحاكم مؤخرا بمحاولة إسقاط عضويته واتهامه بتشكيل أو إعادة تشكيل تنظيم الجماعة الإخوان والدلالة الواضحة لهذا الأمر هي أن النظام قد اتخذ قرارا فعليا بعدم السماح بأى تمثيل سياسي – سواء في البرلمان أو المجالس المحلية البلدية – للإخوان أو للاتجاه الإسلامي بوجه عام ..

4- محاولة حصار العمل الاجتماعي والخيري ( عبر الجمعيات الأهلية ) من خلال حل الجمعيات التابعة للإخوان أو فرض السيطرة الأمنية عليها خاصة تلك الجمعيات التابعة للإخوان أو فض السيطرة الأمنية عليها خاصة تلك الجمعيات التي تقدم خدمات متميزة لأهالي المنطقة الموجودة فيها وفي هذا الإطار قام النظام ببسط سيطرة جهازه الأمني على المساجد الأهلية ومصادرة الأنشطة الدعوية والاجتماعية الموجودة فيها والدلالة لهذا الأمر أن النظام يحاول تطبيق " سياسة تجفيف لمنابع " فالعمل الاجتماعي هو القاعدة الحقيقية أو الرصيد الذي يمكن أن يقوم في ظله النشاط السياسي الفعال بعد ذلك ..

5- قام النظام المصري بعملية اعتقالات دورية ومتكررة داخل صفوف الإخوان المسلمين تلازمت مع كل محاول للدخول أو المشاركة فى العملية الانتخابية أو مع النشاط المجتمعي العام .... وطالت التحقيقات والاعتقالات أعضاء في مكتب الإرشاد ذاته وكانت النقلة النوعية قبيل انتخابات العام 1995 , وما أعقبها من تقديم أربع قضايا للإخوان إلى المحاكمات العسكرية وكان ذلك بمثابة " نقلة نوعية" في علاقة الإخوان بالنظام المصري – على الأقل لم تحدث من قبل إلا في عهد عبد الناصر حيث كانت آخر محاكمات 1965 – والدلالة السياسية لهذا الأمر هي أن رئيس البلاد – وهو ممثل المؤسسة العسكرية قد أعلن عن دخوله طرفا في معادلة الصراع بين الإخوان المسلمين إذ هو الذي أصدر قرارا بتحويل " المدنيين" إلى محاكمة عسكرية .. وبالتالي أدخل المؤسسة العسكرية بشكل مباشر في مواجهة الإخوان وفي إطار صراع سياسي ومدني بكل ما لذلك الأمر من دلالات خطيرة يتعين الانتباه إليها .

ثانيا : عوامل الداخل والخارج

دون الدخول في التفاصيل , فإن هناك الكثير من العوامل يمكن إجمالها في مجموعتين تلخصهم معادلة " الخارج " و" الخارج" اللتان تتكاملان معا في صنع الأزمة المتصاعدة بين الإخوان المسلمين والنظام المصري على النحو التالي :

العوامل ذات الطبيعة الخارجية

أ‌- هناك تصميم على استمرارية منطق التسوية السياسية في المنطقة مع إسرائيل حتى لو قاد ذلك إلى التسليم الكامل بالهيئة الإسرائيلية على المنطقة وضياع كافة الحقوق العربية ويعد التيار الإسلامي – بكافة فصائله خاصة الإخوان المسلمين – هو القوة الشعبية الحقيقية التي تعترض وتعارض بجدية هذه التسوية وبالتالي لابد من محاصرته وتقليم أظافره ..

ب‌- وفي هذا الإطار نلاحظ وجود إطار دولي لا يمانع في التضييق على التيار الإسلامي ,وأحيانا قمعه ومنعه من الحصول على أى نصيب من السلطة أو المشاركة فيها ...وبالتالي فإن هناك حرية بل تشجيعا أيضا للنظام المصري في مواجهاته مع هذا التيار .. وفي الوقت نفسه هناك إطار إقليمي يتم في ظله التعاون بين الأنظمة العربية لمواجهة التيار الإسلامي والإخوان على وجه التحديد.

العوامل ذات الطبيعة الداخلية

أ‌- يمكن القول إن النظام السياسي المصري يمتلك استراتيجية تجاه العمل الإسلامي والإخواني فحواها ضرورة تجحيمه إلى أدني مستوي ممكن .. أو العودة به إلى مستوي ما كان عليه منذ سنوات ومن هنا يمكن نمط جميع السياسات التي يتبعها النظام تجاه الإخوان , ومنها السياسات التي اتبعها في الفترة الأخيرة التي تجسد عملية التصعيد .

ب‌- إن بعض السياسات التي اتبعها الإخوان في المشاركة السياسية وطرح رؤية الإخوان للإصلاح العام والتأكيد من قبل البعض أن الإخوان هم القوة الشعبية الأولي في البلاد والبديل الحقيقي المطروح للنظام الحاكم في ظل ضعف جميع البدائل ... هي من الأسباب التي تقلق بل تفزع النظام الحاكم .

ت‌- إن النظام وجد نفسه في وضع مفضوح .. فهو من خلال التزوير والإرهاب حشد أعوانه ومنتفعيه في مجلس الشعب , ولكنه بالنسبة إلى النقابات ونوادي هيئات التدريس الجامعية حيث لا يستطيع أن يزيف أو يرهب , لم يستطيع أن يثبت له وجودا أو يجد له أنصارا بل جاءت انتخاباتها لتؤكد انحيازها إلى جماعة الإخوان المسلمين الأمر الذي أدي إلى تناقض فضح النظام فهو يزعم انه صاحب الأغلبية في مجلس الشعب وإن كان معروفا ومشهورا أنها أغلبية حققها من خلال التزوير والقهر وفي الوقت نفسه لا وجود ولا أثر له في مجالس النقابات أو نوادي هيئات التدريس الجامعية الأمر الذي دفعه إلى إصدار قوانين لتعديل أسلوب وطريقة الانتخابات في هذه النقابات وحين فشلت القوانين المفصلة في تحقيق أهداف النظام .. جمد الأوضاع في النقابات .. وسعي إلى فرض الحراسات عليها بل استولي عليها أيضا من خلال أجهزة الأمن ..

ثالثا : مسارات المستقبل أمام الإخوان المسلمين

يتوقف فهم مسارات المستقبل على فهم طبيعة المعادلة التي تحكم علاقة النظام المصري بالإخوان المسلمين في الوقت الحالي وهما طرفا الصارع ... ويمكن تصور الأمر على النحو التالي.

- النظام المصري بتدهور قدراته وتكوينه الحالي. واحتكاره تقريبا لكل إمكانيات ومصادر القوة والقهر ..

- جماعة الإخوان بامتدادها الشعبي , ومقدرتها التنظيمية وقدرتها على التعبئة والحشد ... الخ مما يؤدي إلى دخوله في ما يشبه – في نظر فريق من المحللين والمتابعين – معادلة صفرية للصراع أى صراع مصير يكسب فيه طرف لصالحه كل شئ أو يخسر الطرف الآخر كل شئ .... وفي إطار هذا التصور تكون إزاء معادلة استئصالية يحاول فيها النظام المصري القضاء على الإخوان حركة وتنظيما وأفرادا .. الخ.

- فهل الوضع هو كذلك بالفعل ..؟ هل نحن أمام سلوك استئصالي وبالتالي معادلة صفرية للصراع أم أمام سلوك تحجيم وبالتالي معادلة غير صفرية للصراع ؟ بمعني ىخر هل النظام المصري – في الوقت الحالي – يهدف إلى القضاء على الإخوان المسلمين ( تنظيما وأشخاصا ) أم يهدف إلى تحجيم أو القضاء بدرجة من الدرجات على الحركة والنشاط والممارسات ؟؟

- الواقع يزكي أننا لسنا – في الوقت الحالي – إزاء معادلة غير صفرية للصراع أى أننا لسنا أمام سلوك حكومي يهدف إلى تحجيم النشاط والحركة والممارسة الإخوانية كما أننا لسنا إزاء سلوك استئصالي فعلي ومما يؤيد ما نذهب إليه:

1- أن النظام المصري رغم قسوته الظاهرية الشديدة يعاني أمراض الشيخوخة وتدهور قدراته الفعلية وبالتالي فإنه ليس مؤهلا لكي يدخل في صراع كهذا مع الإخوان المسلمين في الوقت الحالي .ز لا يضمن نتائجه النهائية بدقة ..

2- أن الصراع بين النظام المصري وجماعات العنف والإرهاب ما زال مستمرا ولأم يحسم بعد – على الأقل من الناحية الواقعية , وعلى ساحة المسرح المشتعل في جنوب البلاد – ومن الخطأ السياسي فتح جبهة جديدة – بعمق واستئصال – مع الإخوان حيث لا يمكن للنظام أن يضمن تداعيات الأحداث .

3- أن النظام المصري لديه تخوف حقيقي من الإخوان أحد مصادره الأساسية هو جهله الفعلي بواقع الإخوان في الكثير من المستويات – وأسبابه الانضباط والإحكام التنظيمي للإخوان بشكل استعصي على الاختراق أو معرفة ما يدور داخله لدقة شعبية الإخوان أو تجذرهم الشعبي في الواقع المصري قدرة الإخوان على التعبئة والحشد والتأييد ... الخ .

4- أن النظام الدولي – وإن كان يقبل باستئصال جماعات تدعو إلى العنف وتمارسه – فعلا نعتقد أنه يمكن ان يشجع على استئصال حركة شعبية سلمية تعلن أنها تؤمن بالعمل السياسي العلني – على الأقل من الناحية الظاهرية , فإن حركات وجماعات " حقوق الإنسان " يمكن أن تثير ضجة في هذه الحالة الاستئصالية .. وإن كان النظام الدولي لا يرفض ان تنتهج سياسات تحجم أو تحد من نشاط وفاعلية التيار الإسلامي المعتدل أو تقف عند مستوي أو نقطة مطلوبة ومرسومة .

5- أن الشعب المصري – الذي نجح بدرجات مختلفة في تحييده – وإبعاده عن معادلة الصراع نعتقد أنه لا يمكن أن يتقبل نوعا من السلوك النظامي الاستئصالي إزاء الإخوان المسلمين بسهولة , حيث إن درجة نمو الوعي المصري بالإضافة إلى اتساع شعبية الإخوان وتجذرهم المجتمعي ووزنهم الفعلي يمكن أن تحول دون أن يحدث في التسعينيات ما حدث في الستينيات .. خاصة في ظل أجواء وظروف يخيم فيها شبح كثير من الأزمات الحياتية فوق رؤوس الناس .. وهي أزمات صنعتها وتصنعها سياسة النظام الحالية .

وفي ضوء ذلك يمكننا أن نتحدث عن أربعة سيناريوهات أو مسارات على الأقل أمام جماعة الإخوان في الفترة القادمة للعمل الفعال .

أربعة سيناريوهات على الأقل أمام جماعة الإخوان للعمل الفعال

السيناريو الأول : التهدئة ووقف التصعيد

أثبتت الأحداث الأخيرة " قدرة الإخوان " على " امتصاص الضربات الأمنية الأخيرة " – رغم خطورتها , فالزمن يلعب لصالح الإخوان في معركة النفس الطويل وذلك من خلال واقع تعبر عنه معال بارزة منها : أ‌- لم ينجرف الإخوان – رغم ما حدث – إلى دائرة العنف المفرغة وحافظت الجماعة على الخيار السلمي غير العنيف للعمل الإخواني .

ب‌- لم يدخل الإخوان في مواجهة شاملة ومفتوحة مع النظام المصري – إزاء أية قضية من القضايا المثارة – في إدراك حقيقي لطبيعة المرحلة التي تعيشها الجماعة ..

ت‌- حاولت الجماعة قدر الإمكان – دون تفريط في الثوابت الأساسية لمواقفها – التعامل بأسلوب لبق ومرن حتى تمر " العاصفة العاتية " التي بلغت ذروتها بالمحاكمات العسكرية ونجحت – إلى حد كبير – في كسر حدتها حتى الآن .. وحافظت على " البناء التنظيمي " وتماسكه في مسألة حزب الوسط وما شابه من أخطاء تنظيمية ومن المنطقي الاستمرار في هذا السيناريو على المدى المنظور على الأقل حتى يحدث تغير في طبيعة النظام المصري وبنيته ..

السيناريو الثاني : البحث عن قنوات جديدة للممارسة والنشاط

الحركة الناضجة لا تلقي بقوتها في مواطن قوة النظام ولا تنازله على أرض – يعتقد أنها أرضه – في ظل موازين القوة الواقعة وبالتالي فإنها يمكن أن تبتعد عن " المناطق التي يعتقد النظام أنها " احتكاره " أو مخصصة" لأتباعه- خاصة أنه يتصرف بمنطق " الهيمنة " في إطار خوف شديد من أي اهتزاز في النظام .

فالابتعاد عن " مناطق الاحتكاك السياسي " وترك القنوات التي ترتفع درجة حساسية النظام الحاكم إزاءها , وخفض نبرة التصريحات التي تصور الجماعة كـ " بديل قائم" لنظام يتهاوي تطرح كلها تصورات عامة يمن من خلالها التركيز على المضي من خلال قنوات جديدة في الفراغات الهائلة الموجودة في حركة المجتمع والنظام التي يمكن تمثلها في الأتي :

أ‌- قوية الجوانب الإعلامية والدعوية بكافة الوسائل سواء بين أفراد الجماعة أو بين أفراد المجتمع وإنشاء الروابط في هذا المجال .

ب‌- التركيز على الجوانب والأعمال الاجتماعية والنشاط الأهلي غير الرسمي الذي يوسع من القاعدة الاجتماعية للإخوان ويوصل الجماعة بقطاعات المجتمع وفئاته .

ت‌- البحث عن نقاط التقاء مع مختلف القوي السياسية في المجتمع في القضايا الأمة والقومية مع دعم إطار التحالف مع حزب العمل ...

ث‌- الدخول في تجمعات النخب الصاعدة في المجتمع المصري – من خلال الوجود الفعال فيها – مثل أندية التدريس في الجامعات وتجمعات رجال الأعمال والأندية المتخصصة ..بيوت الشباب وأنديته الجوالة والكشافة على مستوي البلاد..

ج‌- إنشاء أو الوجود في الجمعيات النسائية أو تجمعات تنمية المجتمعات المحلية وأية روابط وتشكيلات مجتمعية..

وفي اعتقادنا أن هناك فرصا هائلة للعمل في المجتمع المصري لتغييره نحو الأفضل في أنحاء دعوتنا وفكرتنا .

السيناريو الثالث : الحافظ على المواقع الفعلية الموجودة

إن حركة أو جماعة ناضجة لا تتخلي عن مواقع أو مواطن وجودها الفعلية لتي تمارس من خلالها تأثيرها أو عملها التغييري إلا إذا أيقنت أن الخسائر التي تترتب على هذا الوجود أكبر من المكاسب التي تأتي من ورائه ..

ولقد كسب الإخوان في الفترة الماضية قنوات ومنابر 0 استولي النظام على معظمها وهمش فعالية البقية الباقية – وفي سبيل ذلك فإنه في سبيل الحفاظ على هذه المواقع يمكن إتباع التالي :

أ‌- التركيز على الأبعاد المهنية والخدمية في هذه القنوات بشكل أساسي وتقديم " خدمات ط حقيقة لجموع المستفيدين منها مع تعميق وتمتين الروابط والصلات معهم .

ب‌- الابتعاد عن تسييس هذه المواقع في هذه المرحلة بأية صورة من الصور لأن ما نتصوره أحيانا قضايا قومية – في ظل الأفق السياسي للنظام لا يعتبره كذلك فعليا فنضطر إلى الدخول في مواجهات .

ت‌- محاولة استعادة المواضع التي فقدناها ولكن بروح جديدة وأيضا بأساليب جديدة وبمنهج للعمل مختلف عن الفترة الماضية بكل ما فيها ..

السيناريو الرابع : الاتجاه نحو الداخل والمراجعة الداخلية

ج‌- لعل من أهم دروس هذه الفترة – المحنة – أنها أبرزت رغم إيجابياتها عددا منالسلبيات التي تحتاج إلى إعادة النظر وافصلاح الداخلي ... الأمر الذي يدعو إلى :

ح‌- أ- إصلاح سياسي على مستوي النظرة السياسية الاستراتيجية للعمل الإخواني وعلى مستوي التخطيط المرحلي .. وعلى مستوي البناء الداخلي ذاته لمواجهة المرحلة الراهنة والقادمة .

خ‌- إصلاح اقتصادي في إطار عملية بيع وتحويل للمجتمع المصري إلى مجتمع آخر ويتعين أن يتضح موقعنا بصراحة ووضوح في ظل ما يجري فعليا .

د‌- إصلاح تربوي واجتماعي في مناهج وأساليب وطرق تكويننا عبر الانفتاح على الأساليب الجديدة وتطوير ما لدينا فعليا من أجل توسيع الصف وتمتين القاعدة .

ذ‌- إصلاح إداري وتنظيمي بكل ما يتضمنه هذا المعني من دلالات لتلافي أى احتمالات للجمود أو النزعات المختلفة ..

إن هذه السيناريوهات والمسارات متكاملة في رسم صورة تقريبية للعمل في الفترة القادمة نأمل أن تكون على درجة من التفصيل في خطط وبرامج للتنفيذ .