تاريخ الإخوان المسلمون في الجزائر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تاريخ الإخوان المسلمون في الجزائر

إعداد: ويكيبيديا الإخوان المسلمين

مقدمة

علم الجزائر 2.jpg

الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية تقع في شمال غرب القارة الأفريقية، يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط ومن الشّرق تونس وليبيا ومن الجنوب مالي والنيجر ومن الغرب المغرب والصحراء الغربية وموريتانيا.وتسمى بلد المليون ونصف المليون شهيد نسبة لعدد شهداء ثورة التحرير الوطني التي دامت 7 سنوات ونصف، وتعتبر الجزائر ثاني أكبر بلد أفريقي وعربي من حيث المساحة بعد السودان ، والحادي عشر عالميا.

ولقد احتلت فرنسا الجزائر في 14 محرم 1246هـ الموافق 5 يوليو 1830م ، ولقد تذرعت فرنسا بحجة واهية، وهى أن حاكم الجزائر الملقب بداي الجزائر «الداي هو منصب عسكري يوازي قائد العسكر» واسمه «حسين باشا» قد لطم سفير فرنسا بمروحة ورقية صغيرة في يده، عندما اعتدى هذا السفير عليه بالقول وأهانه في قصره متعمدًا ليستفزه، لتكون ذريعة للهجوم.

وبالفعل تذرعت فرنسا بهذه الحجة وهجمت بأسطول ضخم عليه أربعون ألف مقاتل على سواحل الجزائر ، واحتلتها وظلت الجزائر تحت نير الاحتلال الفرنسي أكثر من مائة وخمسين سنة.


موقف الإمام البنا والإخوان من الجزائر

لقد كان للإخوان موقف ثابت مع كل شعوب العالم الإسلامي وهي مد يد العون للحركات التحررية من أجل الوحدة والتخلص من الاستعمار سواء في مصر أو في البلاد الإسلامية الأخرى.

ولقد احتضن المركز العام جميع قادة هذه الحركات أمثال الفضيل الورتلاني ، والحبيب بورقيبة ، والأمير مختار الجزائري ، ومحيي الدين القليبي وغيرهم، وفي ذلك يقول الأستاذ عبد الحكيم عابدين :

"بدأنا نستقبل شخصيات شمال إفريقيا، وبدأنا نقدمها للخطابة في دار الإخوان المسلمين والتحدث في الدار عن قضاياهم في مركز الإخوان المسلمين ، وهو أعلى منبر يسمع منه صوت الإسلام ، فكان القادم من ليبيا ومن تونس ومن الجزائر ومن المغرب".

وعقد الإخوان المؤتمرات من أجل التنديد بما يحدث لهذه الشعوب من قبل المحتل، كما فتحوا صحفهم أمام الكتاب ليدلوا كل واحد بدلوه في هذا الإطار حتى إن الإخوان خصصوا عددا كاملا للحديث عن مأساة المغرب العربي خاصة مشكلة الجزائر والمغرب (انظر جريدة النذير، العدد (21)، السنة الأولى، 23شعبان 1357ه- 17أكتوبر 1938م)، (ومجلة الإخوان المسلمين ، العدد (38)، السنة الثانية، 10رجب 1363ه- 1يوليو 1944م ، عدد خاص عن الجزائر).

كما كتب الإخوان كثيرا من المقالات تندد بالاحتلال الفرنسي لدول المغرب العربي من ذلك مقال للأستاذ عبد المنعم خلاف بعنوان: "الجناح الأيسر للعروبة"، ويتحدث فيه عن أهمية هذه المنطقة بالنسبة للعروبة والإسلام ، ومقال: "مراكش وقضيتها العادلة" ، وهو يوضح تاريخ القضية وعدالتها ويطلب مؤازرة الشعوب العربية في طلب الاستقلال، ومثله في نفس الموضوع مقال: "مراكش والاستقلال" ، وكذلك مقال بعنوان: "قضية الجزائر وجريدة التيمس اللندنية"، وآخر بعنوان: "الرد على تصريح الجنرال كاترو" بخصوص فرنسة مسلمي الجزائر ، ومقال المرشد العام بعنوان: "المغرب المجاهد منتصر بإذن الله"، ومقال آخر في نفس الموضوع بعنوان: "قضية تونس"، وفي مقال آخر يستعرض تاريخ بطولات الآباء في الجهاد ضد المحتلين، من ذلك مقال بعنوان: "من أبطال الإسلام : الأمير عبد الكريم الريفي، والأمير عبدالقادر الجزائري" لكاتبه محمد شريف سعيد.

كما عمل الإخوان على فضح جرائم الاحتلال ضد المواطنين العزل، ومن ذلك مقال كتبه الأستاذ الفضيل الورتلاني بعنوان: "المأساة الخطيرة في إفريقية الشمالية... أيها العرب هل ترضون بانسلاخ 25 مليونًا من قوميتكم؟" يوضح حقيقة تجنيس 80 ألفًا من صفوة الجزائريين بالجنسية الفرنسية.

كما ساعد الإخوان في إنشاء العديد من الهيئات المنادية بتحرير الشمال الإفريقي ومنها:

1-جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية:

وقد تألفت هذه الجبهة للدفاع عن قضية إفريقيا الشمالية، والعمل على الاشتراك في جامعة الدول العربية، وتشكلت من الشيخ محمد الخضر حسين عضو مجمع اللغة العربية رئيسًا، والأمير مختار الجزائري رئيس اللجنة العليا للدفاع عن الجزائر سكرتيرًا عامًّا، وآخرين في منصب السكرتير المساعد، والسكرتير المالي، ومستشارين، وأعضاء، وانتخب بالإجماع للتمثيل والاستشارة في جامعة الدول العربية فضيلة الشيخ محمد الخضر حسين والأستاذ الورتلاني ، وعضو ثالث عن مراكش كمفوضين في الجامعة، والأستاذ نجيب بك مراد والدكتور العبادي كمستشارين، وكانت اللجنة في أول أمرها تتخذ من دار الإخوان مقرًا لها، حتى كثر عدد المنتمين إليها فاتخذت لها مقرًا مستقلاً، لكن ظلت دار الإخوان ومنبرها الملاذ الآمن لأعضائها، وكان يقوم بتمويلها الأمير مختار الجزائري ، وزوج ابنته الثري الحاج يوسف بامية ، وكان من كبار الأغنياء في مدينة يافا بفلسطين.

وقد كان للجبهة وأفرادها جهود كبيرة في تعريف العرب والمصريين بقضيتهم، وقد أفسحت لهم مجلات الإخوان مكانًا كبيرًا ينشرون فيه قضيتهم، ويعرفون بعدالة مطالبهم للناس، ومن عناوين هذه المقالات: "الجزائر العربية تستغيث من اعتداء الفرنسيين" للفضيل الورتلاني ، كما كتب أيضا مقال بعنوان: "المآساة الخطيرة في إفريقية الشمالية".

2-اللجنة العليا للدفاع عن الجزائر

فقد نشرت جريدة الإخوان المسلمين في عدد خاص تحت عنوان: "الجزائر العربية" أخبار تشكيل هذه اللجنة، حيث تشكلت هذه اللجنة بعد اجتماع كبير عقد في دار الشبان المسلمين ، حضره لفيف من رجال البلاد العربية، وقد أجمع رأيهم على تأليف لجنة عليا تضم أربعة وثلاثين عضوًا للدفاع عن قضية الجزائر ، وتألفت هيئة تنفيذية لها من حضرات الأميرمختار الجزائري رئيسًا، والأستاذ الفضيل الورتلاني سكرتيرًا، والأستاذ محمد عبدالمنعم إبراهيم أمينًا للصندوق، والدكتور محمد عبدالسلام العيادي ، ويعقوب الخوري عضوين، وكان ضمن الأعضاء الإمام الشهيد حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين ، والأستاذمحب الدين الخطيب ، والسيد عبد الله الوزيري صهر الإمام يحيى ملك اليمن، وغيرهم.

وقد قدمت اللجنة مذكرة إلى حكومات البلاد العربية التي انضمت لميثاق الأطلنطي بشأن حالة العرب في الجزائر ، ثم أصدرت اللجنة بيانًا عن قضية الجزائر ، عرضت فيه تاريخ جهاد شعبها الطويل ضد المحتلين، ثم عرضت مطالبها التي تتلخص في: الحصول على استقلالها، ووقف محاولة فرنسة الجزائريين، وإطلاق سراح المسجونين، وإجراء انتخابات حرة لوضع دستور للبلاد، واعتبار اللغة العربية هي لغة البلاد الرسمية، وتنظيم جيش جزائري، ورد أوقاف المسلمين التي صادرها الفرنسيون لأربابها الشرعيين.

ثم توالت أعمال اللجنة ونشاطاتها، وكانت دار الإخوان المسلمين مفتحة الأبواب لاستقبال وفودها، ومندوبيها، وزوارها واجتماعاتها، ومن فوق منبرهم وقف رجالها يعرفون بقضيتهم ويدعون إلى مساندتها والعمل من أجلها، وكذلك أفسحت مجلة الإخوان المكان لمقالات أعضائها، حتى بلغ عدد صفحات أحد الردود على تصريح للجنرال كاترو الفرنسي القائل فيه: إن الجزائر جزء من فرنسا، بلغت عدد صفحات الرد ما يقرب من سبع صفحات من المجلة.

كما ألف الإخوان قسم الاتصال بالعالم الإسلامي ليستوعب أفراد الجاليات الإسلامية الموجودة في مصر وليعمل على اتخاذ إجراءات عملية نحو هذه البلاد.

ولقد أرسل قسم الاتصال بالعالم الإسلامي بمذكرة لأمين الجامعة العربية يحثه فيها على اتخاذ إجراءات محددة لمساعدة الجزائر ومراكش على التحرر من الاحتلال تتمثل في:

1- تقديم مساعدات مادية وأدبية لثوار الجزائر.

2- اشتراك أبناء هذه البلدان في اللجان الفرعية على قدم المساواة مع أبناء البلاد العربية الأخرى.

3- تعيين طائفة من أبناء هذه البلاد في المناصب الرئيسية في إدارة الجامعة.

4- اشتراكهم في مكتبي الدعاية بلندن وواشنطن.

وختمت المذكرة بقولهم: "وطلبنا هذا ليس فيه ما يعسر تنفيذه على الجامعة العربية من هذه الساعة، وذلك أقل ما نشعر به هؤلاء الإخوان المجاهدين من عواطفنا نحوهم وصلتنا بهم؛ لنحبط تلك الدعاية الواسعة العريضة التي يحاول بها الفرنسيون إقامة سدود بيننا وبين خمس وعشرين مليونًا من إخواننا في العروبة والإسلام ، وصرف وجوههم نحو الفرنسة.

ولم يقتصر نشاط القسم على المذكرات المؤكدة على النصح والإرشاد أو الاستنكار، بل تعدى ذلك إلى عقد المؤتمرات، والتي دُعي إليها مندوبو الهيئات العربية والإسلامية ولفيف من أبناء الأقطار الشقيقة عبر اجتماع عام لبحث قضايا طرابلس وتونس والجزائر ومراكش وفلسطين آنذاك، وموقف دول الحلفاء منها، ولقد نشرت مجلة الإخوان تفاصيل هذا الاجتماع تحت عنوان: "مؤتمر الهيئات العربية والإسلامية في دار الإخوان"، والذي حضره سعادة عبد المجيد إبراهيم صالح باشا مع وفد كبير من أعضاء الاتحاد العربي، ومندوبي جمعيات الشبان المسلمين والوحدة العربية، والهداية الإسلامية، وجبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، وحبيب بورقيبة زعيم تونس ، وأبناء الجاليات العربية والإسلامية بمصر، كما نشرت مجلة الإخوان تفاصيله قائلة: "وقد افتتح الاجتماع الأستاذ توفيق الشاوي -مندوب قسم الاتصال بالعالم الإسلامي، ثم تحدث ممثلو ليبيا منوهين باتحاد أبناء طرابلس وبرقة واجتماع كلمتهم على وحدة القطر الليبي واستقلاله وانضمامه إلى الجامعة العربية.

ثم ألقى الأستاذ الفضيل الورتلاني كلمة حركت المشاعر وأدمت القلوب وأثارت عاصفة من الاشمئزاز والسخط على الأفعال الوحشية الهمجية التي يرتكبها الفرنسيون في الجزائر ومراكش وتونس من تقتيل وتعذيب واضطهاد واستباحة الأعراض والأرزاق والأرواح وخنق للحريات، حتى أصبح شمال إفريقيا وقد ضرب عليه الحصار من كل جانب، وأصبح ثلاثون مليونًا من العرب في سجن دونه سجن الباستيل، ثم تحدث الأستاذ الحبيب بورقيبة فتدفق حديثه قويًّا مدويًا، بينما وقف سعادة عبد الحميد باشا إبراهيم معقبًا على الحبيب بورقيبة ومعتذرًا عن تقصير المسلمين تجاه إخوانهم في شمال إفريقيا؛ لأنهم جميعًا غرقى، وختم كلمته ببشرى للمسلمين جميعًا؛ لأن المستقبل لن يكون إلا لهم.

وفي نهاية الاجتماع اتخذ المؤتمرون القرارات التالية:

أولاً: تأييد الشعب الليبي وزعمائه فيما يطالبون به من الاستقلال والوحدة للقطر الليبي والانضمام إلى الجامعة العربية.

ثانيًا: استنكار أعمال الاعتداء الوحشية التي ترتكبها فرنسا في بلاد تونس ومراكش من تقتيل وتخريب وزج للأحرار في السجون ، وخنق للحريات، وإباحة للأعراض والأرزاق والأرواح، وكذلك ما تفعله أسبانيا في منطقتها بمراكش.

ثالثًا: إنذار فرنسا بأن العالم العربي والإسلامي قد مل تكرار الاحتجاجات والاستنكارات، وأنه إذا لم ينته أسلوبها الوحشي الذي لا يعترف بأقل الحقوق الإنسانية نحو هؤلاء المنكوبين بحكمها فإن غضبه لن يقتصر على المقاطعة الاقتصادية والثقافية.

رابعًا: تحميل حكومتي إنجلترا وأمريكا بصفة خاصة، ودول الحلفاء بصفة عامة تبعة ما يحدث من فرنسا في شمال إفريقيا من الأعمال الوحشية، وإن الضمير العربي ليفزع إليهما لنجدة هذه البشرية المعذبة بأقصى أنواع العذاب تحت النير الفرنسي والأسباني.

خامسًا: الإعلان عن إرادة العالم العربي والإسلامي في قضية فلسطين بعدم قبول أي قرار لا يتفق مع حقوق عرب فلسطين ، وأي قرار يتعارض مع حق العرب سيقابل بكل وسائل المقاومة.

سادسًا: تأليف لجنة دائمة من مندوبي الهيئات العربية والإسلامية بمصر للسهر على قضايا هذه الأقطار الشقيقة، واتخاذ الوسائل اللازمة لتنفيذ كل ما يتخذ من قرارات بشأنها، والعمل على إنارة الرأي العام العربي والإسلامي بقضايا هذه الأقطار العزيزة.

كما عقد الإخوان المسلمون المؤتمرات والاحتفالات الدعوية والدينية والصحفية، عقدوا كذلك الحفلات الوطنية التي تهتم بقضايا العالم الإسلامي من بينها ذلك المؤتمر الذي أقامه المركز العام للإخوان المسلمين بخصوص ذكرى العدوان الفرنسي الأليم على الجزائر المجاهدة في 5 يوليو 1830م وذلك في شهر يوليو عام 1947م الموافق 1366هـ.

وبدأ الحفل بآيات الذكر الحكيم ثم صعد إلى المنبر فضيلة الأستاذ البنا وقال:

الإمام حسن البنا

هكذا أيها الإخوان ترون أن القلوب متزاورة متآزرة مهما نأت الدار، مجتمعة لا في درس وخطب بل في مشاعر فتكون تلك الجموع التي تجاهد في سبيل الحق.

إن الوطنية المثالية أن تعمل لخير الناس جميعًا فإنما الناس أمة واحدة وفي هذه الأيام ظهرت هذه الوطنية الإنسانية التي يعمل فيها الفرد لخير جنسه.

إن الحرية أم الخير والعبودية أم الخبائث والعبودية تعلم النفاق والغش والمحاباة التي تمسخ الإنسانية من أساسها.

وتكلم الأستاذ الشاذلي مكي سكرتير حزب الشعب الجزائري فقال: إن الجزائر كانت سيدة البحر الأبيض المتوسط وكان لها على فرنسا 27 مليونًا من الفرنكات فهاجمت الجزائر متذرعة بذلك.

وفي نهاية الحفل اتخذ المجتمعون بدار المركز العام للإخوان المسلمين وعلى رأسهم زعماء المغرب بخصوص ذكرى العدوان الفرنسي الأليم على الجزائر المجاهدة في 5 يوليو 1830م القرارات الآتية:

1- يستنكر المجتمعون السياسية الفرنسية الغاشمة في الجزائر العربية وسائر بلاد المغرب العربي ويطالبون الدول العربية بإنذار فرنسا بمقاطعتها سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا إن لم تعدل من سياستها الاستعمارية مع رفع الأمر إلى الهيئات الدولية وتحديد يوم للمغرب لإظهار تضامن العرب في قضية المغرب وكفاحه من أجل الاستقلال والحرية.

2- إرسال برقية إلى سكرتير هيئة الأمم المتحدة للاحتجاج على تصرفات فرنسا الاستعمارية الغاشمة حيال المغرب العربي والتي تهدد الأمن الدولي في حوض البحر الأبيض المتوسط فضلاً عن مناقضتها لأحكام ميثاق الهيئة والحريات الأربع.

إرسال برقية إلى الزعيم الحاج أحمد مصالي،تأييدًا للروابط المتينة التي تربط الجزائر بسائر الأقطار العربية والإسلامية وتجديدًا لعهد الجهاد ومواصلة الكفاح حتى يتحقق لهذه الأقطار جميعًا الحرية والاستقلال.

ولقد حاول الإخوان إيجاد لبنات إخوانية من أهل إفريقيا الشمالية يحملون فكر الإخوان ويعملون به، وينشرونه بين الناس، غير أن المحتل الفرنسي كان بالمرصاد لهذه المحاولات والقضاء عليها وعلة من يتبناه في وقت مبكر، بالإضافة لذلك انشغال أهل هذه البلاد بالجهاد ضد المحتل الفرنسي الغاشم، وكثرة ما يعانيه شعبها من الآلام والطغيان.

وقد كتب أحد الإخوان شعرا بعدما كثرت وعود شارل ديجول للجزائريين بالاستقلال لكنها كانت هباء في أكثرها قال فيها:

هذي الجزائر تلقى من مكايده

جزاء إعطائه للنصر فرسانا

كانت مثابة إسعاد للجنته

فما رأت عقب الإحسان إحسانا

استصغر الغرب من كانوا أئمته

ومن يديهم جنى علمًا وعرفانا

فيا بني الشرق هبّوا من رقادكم

يضيع من لم يكن في الدهر يقظانا

أنتم بنو المجد والأجيال شاهدة

فجددوا الشرق أخلاقًا وعمرانا

انتشار الفكر الإخواني بالجزائر

لقد انتشر الفكر الإخواني في الجزائر على يد الوافدين إلى البلاد من مصر وسوريا والذين تربوا في مدرسة الإخوان حيث استطاعوا أن يتركوا بصمات في شعب هذه البلاد.

يقول الأستاذ عبدالرحمن سعيدي (نائب رئيس حركة مجتمع السلم المكلف بالدعوة والثقافة والتربية عن تيار الإخوان المسلمين في الجزائر) في حوار مع صحيفة الخبر الأسبـوعي، العدد 374 بتاريخ 29 أبريل 2006م: الفكر الإخواني كان منتشرا في العالم الإسلامي مع مطلع الأربعينيات حيث كانت معظم الدول العربية والإسلامية تحت الاحتلال والاستعمار وكان فكر الإخوان من مقاصده في شقه السياسي يدعو إلى الاستقلال والتحرر من كل سلطان أجنبي، فتواصل الإخوان برؤيتهم الفكرية والسياسية مع مختلف القوى السياسية والثقافية في العالم العربي الإسلامي التي كانت تناضل من أجل استقلال بلدانها وتحرير أوطانها من منطلق المرجعية الإسلامية وحسب معلوماتي التاريخية المستندة على شهادات لشخصيات في الجزائر وخارجها أن جماعة الإخوان المسلمين كانت تتواصل بدعمها السياسي والمادي واحتضانها لبعض الشخصيات الثورية الجزائرية وعلاقاتها المتواصلة مع الحركة الوطنية وجمعية العلماء المسلمين حيث أن الإخوان لهم مساهمات في دعم الثورة الجزائرية وكان بعض قادة الحركة الوطنية يجتمعون ويلتقون في المقر العام للإخوان المسلمين في القاهرة وكان فضيلة الأستاذ الفضيل الورتلاني رحمه الله الذي كان يخلف الإمام المرشد حسن البنا في بعض دروسه ويعمل بالتنسيق مع الإخوان في قضايا الأمة الإسلامية وضل فكر الإخوان قائم وعرف تواصل وانتشار بعد الاستقلال من خلال التواصل الثقافي والتعليمي بين الجزائر ومصر خاصة البعثات العلمية التي كانت تفد على الجزائر بموجب دعم ومساندة استقلال الجزائر فكان هناك تواصل وتلاقح بين الفكر الإسلامي الإصلاحي الوطني الجزائري الذي كان من رواده ودعاته فضيلة الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله وبقايا قيادات جمعية العلماء المسلمين وعملاق الفكر الأستاذ مالك بن نبي والفكر الإسلامي الإخواني فتعزز الفكر الإخواني في الجزائر بهذا البعد من خلال الأسس الفكرية المتمثلة في تصحيح فهم الإسلام عند الأمة وإبعاده عن مفاهيم الخرافة والتقاليد البالية والتطرف والغلو واعتماد الاعتدال والوسطية ومن الأسس تحصين هوية المجتمع ضد التيارات الفكرية والسياسية التي تكرس مفهوم التبعية للاستعمار وتغريب المجتمع وبتر انتمائه العربي الإسلامي والعمل على توحيد الجهود الإصلاحية داخل المجتمع في الجانب السياسي والاجتماعي والتربوي والثقافي من خلال بناء الفرد الصالح والأسرة الصالحة والمجتمع الصالح والدولة الصالحة القوية ليتحقق الدور الحضاري من خلال السيادة والشهادة والأستاذية في العالم واستطاع الشيخ محفوظ نحناح أن ينشئ من هذا التلاقح والتواصل حركة في المجتمع تعيش قضاياه وتتعاطى مع تطوراته بمرحلية وموضوعية وواقعية مجتنبا الصدامية معتمدا على العلاقات البنائية.

ويقول الأستاذ رياض حاوي:

من الصعب تحديد تاريخ رسمي للبداية الفعلية لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين في الجزائر غير أن حدثا سياسيا بارزا وهو مناقشة ميثاق 1976 أظهر للسطح تنظيم ناشئ يسمى الموحدون، وقد أصدر بيانا بعنوان إلى أين يا بومدين؟

يقول الأستاذ الشهيد محمد بوسليماني رحمه الله في شهادة تاريخية نادرة عن هذه المرحلة: "في سنة 1975 ظهر ما نسميه في الجزائر بقانون الثورة الزراعية، وهذا بدأ سنة 1971 وقانون الأسرة فتحركت الجماعة لتظهر للمجتمع الجزائري الأخطاء وتظهر للمجتمع الجزائري بأن هناك مؤامرة على الأسرة ليست بالطريقة المباشرة وإنما بالطريقة القانونية، وكان بعد ذلك مباشرة انتخابات الميثاق والدستور، هذا الميثاق والدستور الذي استطعنا أن نكشف أن الذي صنعه والأيادي التي كتبته، والفكر الذي صنع له الحدث لا علاقة له بالإسلام ، ولا علاقة له حتى بالجزائر وفيه عناصر من الممكن من أصل يهودي، لأننا حصلنا بعد ذلك على ست رسائل شكر من جون بولسات أعتقد أنه كان المدير العام لحركة الشباب الشيوعي في أوروبا أو حاجة من هذا القبيل، وكانت له علاقة وطيدة ولا أقول طيبة بينه وبين بومدين، فبعثت لبومدين ست رسائل تهنئة على نجاح المواد الدستورية في الجزائر التي عملت على نشر وعلى تكريس الفكر الشيوعي.

في هذه الفترة تحركت الحركة ببيان أذكر منه بعض النقاط وهذا لأول مرة في الجزائر تعرض هذه الوثيقة في مؤتمر حركة حماس ، والأيام القادمة من الممكن نعرض أيضا وثائق تاريخية للحركة في الجزائر. البيان الذي دعونا فيه الشعب الجزائري المسلم إلى رفض نص عريضالميثاق والتمرد على النظام الحاكم، والمطالبة بتطبيق الإسلام شريعة ومنهاجا، وشاركنا في المعارضة بعض الرجال الذين كانوا على قيد الحياة من جمعية علماء المسلمين الجزائريين، ألخصه في نقاط:

- لا للاشتراكية.

- لا للشيوعية المتسترة وراء القمصان الخضراء.

- لا للدكتاتورية البروليتارية.

- لا للصراع الطبقي والإلحاد.

- لا للعضوية السياسية والتشريعية والقضائية والتنفيذية.

- لا للميثاق الذي كتبته أيادي معروفة بخيانتها وولائها للشيوعية.

- لا للميثاق الذي جيء به لتثبيت نظام غير شرعي.

- نعم للإسلام عقيدة وشريعة.

- نعم للإسلام منهج حياة.

- نعم للإسلام دستورا نظاما واقتصادا.

- نعم للإسلام حقوقا وواجبات ومحاسبة.

- نعم للإسلام شوري.

- نعم للإسلام عدالة.

- نعم للإسلام وحدة.

- نعم للإسلام أخوة.

البيان كان بإمضاء "الموحدون" ويحمل عنوان : إلى أين يا بومدين؟ كان هذا في سنة 1976 م".

مناقشات الميثاق الوطني في 1976 تشكل أول محطة سياسية في تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة في جزائر ما بعد الاستقلال، ويبدو أن الرؤى اختلفت بين إطاراتها الأولى في الموقف من الميثاق ومن مناقشته حيث أن شق من الحركة الإسلامية فضل أسلوب المشاركة الشعبية فيما يتاح من وسائل ومنابر وذلك من أجل مناقشة بنود الميثاق الوطني وإدخال ما ينبغي من التعديلات والارتقاء بالأسلوب الشعبي، بينما فضل محفوظ نحناح ومن معه أسلوب المعارضة العلنية التي أدت إلى الإعلان الرمزي عن وجود تنظيم "الموحدون"، والذي هو أقرب إلى تنظيم فرضه البيان من كونه تنظيما موجودا فعلا على أرض الواقع، ذلك أن البيان كان يحتاج إلى توقيع لينسب إلى جهة ما فإما أن يوقع باسم أفراد وهذا كانت تحول دونه أسباب أمنية ولذلك لجؤوا إلى خيار التوقيع باسم هيئة رمزية سميت "الموحدون" تماهيا مع حركة الموحدين بقيادة المهدي بن تومرت، مؤسس الدولة العريقة في شمال افريقيا.

وأيا كانت التفسيرات فإن تشكيلة "الموحدون" لم تستمر إذ سرعان ما تم اعتقال أبرز عناصرها وعلى رأسهم الشيخ الراحل محفوظ نحناح الذي حكم عليه بخمسة عشر سنة سجنا، بعدما لجا إلى أسلوب استعراضي بقطع أعمدة التلفون في منطقة البليدة تعبيرا عن احتجاج هذا التنظيم الناشئ على إقرار الميثاق الوطني وكذلك اعتقال الشيخ الشهيد محمد بوسليماني ، وكانت التهم تتراوح بين الإخلال بالأمن العام ومحاولة التدبير للانقلاب وتكوين جماعة محظورة.

ويضيف الأستاذ رياض:

نملك شهادات دقيقة وموثقة عن هذه المرحلة سوى ما ذكر أن الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله كان على صلة ببعض الأساتذة المدرسين من جماعة الإخوان المسلمين في البليدة وقاموا بتزكيته لدى القيادة المركزية لجماعة الإخوان التي بايعها أثناء أداء العمرة نفس السنة التي أعتقل فيها أي 1976 . وإن كان من الصعب توثيق هذه الرواية بشكل دقيق ذلك أن الباحث الكويتي الدكتور عبد الله النفيسي المطلع على شؤون جماعة الإخوان اعتبر المرحلة الفاصلة بين 1973 و 1977 هي مرحلة الفراغ التنظيمي، وأن التحرك الفعلي باتجاه الأقطار بدأت محاولاته الأولى في 1977 (حين كان محفوظ نحناح رحمه الله في السجن).

لكن الثابت أن تنظيم الإخوان المسلمين في الجزائر لم يتحرك بصفة فعلية إلا بعد إطلاق سراح الشيخين محفوظ نحناح ومحمد بوسليماني في 1980 بعفو شامل من الرئيس الشاذلي بن جديد. وبذلك يمكن القول أن التشكيل الفعلي لجماعة الإخوان المسلمين في الجزائر تأخر إلى مطلع الثمانينات، وتحدد بعض المصادر الشفوية الانطلاقة الرسمية لعمل محفوظ نحناح ومحمد بوسليماني تحت مضلة جماعة الإخوان المسلمين/جناح التنظيم الدولي بالتحديد بعد عودة الشيخ بوسليماني من تونس التي شارك فيها في أشغال مؤتمر حركة الاتجاه الإسلامي مطلع الثمانينات بقيادة الشيخ راشد الغنوشي وقد انتهز هذا الأخير فرصة وجود ضيوف جزائريين لحضور أشغال المؤتمر فعرض عليهم الارتباط الرسمي بتنظيم الإخوان الدولي ولقي الاستجابة من بعض الحاضرين من بينهم الشيخ محمد بوسليماني رحمه الله.

وما يمكن استخلاصه من شهادة الشيخ بوسليماني نفسه عندما يقول :"خرجنا من السجن وجدنا أن المد الإسلامي عبارة عن سيل" أن الحركة الإسلامية أخذت بعدها الشعبي والجماهيري قبل تبلور تنظيم الإخوان المسلمين الجزائري بشكله الذي ظهر به في أواسط الثمانينات، بفعل أن الرموز التاريخية لجماعة الإخوان في الجزائر (نحناح/بوسليماني) كانا في السجن طيلة مرحلة المد الأول للتيار الإسلامي وبفعل أن التنظيم الدولي للإخوان بقيادته المركزية في القاهرة والعملية في سويسرا بقيادة المرحوم سعيد رمضان لم يأخذ بعده العملي والتنظيمي المستقر إلا مع مطلع الثمانينات.

وأضاف: يصر الشيخ عبد الله جاب الله على أنه هو أول من رفع شعار الإخوان المسلمين في الجزائر ، وعلى حد تعبيره "نحن أول من عرف بهذا الاسم ومن سجن بسببه"، كانت علاقات الشيخ جاب الله وطيدة ببعض الأساتذة الإسلاميين من إخوان سوريا ، ولذلك عرف في بداياته الدعوية بتبنيه لأطروحة سيد قطب على المستوى الفكري وكتابات سعيد حوى (منظر الإخوان السوريين) على المستوى التنظيمي. لكن بروز خطاب جديد في أواسط الثمانينات يمثل الإخوان أيضا في وسط الجزائر (ما سمي آنذاك جماعة البليدة) بعد خروج محفوظ نحناح وبوسليماني من السجن أدى إلى حدوث تنافس بين الجناحين. في البداية اتجهت جهود الشيخ بوسليماني إلى توحيد الصفوف ولم جناحي الفكرة الواحدة، للخروج من أزمة الشرعية والتمثيل الرسمي للإخوان في الجزائر ، وكان من ثمار هذه الجهود أن حدثت مصاهرة بين الشيخ بوسليماني والشيخ عبد الله جاب الله تمهيدا للمصاهرة التنظيمية، لكن لأسباب هيكلية تتعلق بالأساس بتقسيم الأدوار وتحديد مفهوم "البيعة" وهل هناك بيعتان في تنظيم واحد؟ والاختلاف حول شروط ومواصفات زعيم التنظيم لم تتم هذه الوحدة التنظيمية.

وسرعان ما فقد الشيخ جاب الله الحق في التمثيل الرسمي للإخوان المسلمين حتى بعد اتصاله بالقاهرة وطلبه من قيادة التنظيم الدولي للإخوان مراجعة موقفها من الشخص الذي يمثلها في الجزائر ، وحسم التنظيم الدولي نهائيا الموقف لصالح محفوظ نحناح في 1985 -1986 ، وهي الفترة التي أصبح فيها الراحل محفوظ نحناح يتحرك رسميا تحت شعار الإخوان ويدعو لبيعة القيادة المركزية للجماعة في القاهرة .

حركة مجتمع السلم

تعتبر حركة مجتمع السلم أكثر الأحزاب الجزائرية تأثرا بالإخوان المسلمين وقد تأسست هذه الحركة سنة 1990 م أسسها الشيخ محفوظ نحناح -تحت اسم حركة المجتمع الإسلامي حمس - وهى حركة سياسية تصف نفسها بكونها شعبية إصلاحية شاملة، شعارها: العلم والعدل والعمل ... للمزيد حول حركة مجتمع السلم .

وهي الحركة التي تمثل الإخوان حاليا في الجزائر غير أنه بعد وفاة مؤسسها الشيخ محفوظ نحناح وتولي الشيخ أبو جرة سلطاني حدث انشقاق في الصف وخرج الشيخ عبدالمجيد المناصرة (والذي أصبح نائب رئيس حركة الدعوة والتغيير) عن الحركة وكون هو والشيخ مصطفى بلمهدي (رئيس الحركة) حركة الدعوة والتغيير في أبريل عام 2009 م.

المراجع

1- جمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

2- توفيق محمد الشاوي: "مذكرات نصف قرن من العمل الإسلامي" (1945-1995)، دار الشروق، الطبعة الأولى، 1998م .

3- مجلة الإخوان المسلمين ، العدد 72، السنة الثالثة، 28 شوال 1364- 4 أكتوبر 1945م .

للمزيد عن الإخوان في الجزائر

من أعلام الإخوان في الجزائر

وصلات داخلية

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

أخبار متعلقة

متعلقات أخرى

وصلات فيديو

.

.

تابع وصلات فيديو

حوارات مع قادة الإخوان بالجزائر
بيانات صادرة عن حركة مجتمع السلم

.