رحلتي مع الإخوان المسلمين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
رحلتي مع الإخوان المسلمين


كتاب للأستاذ / أبو الفتوح عفيفي

إهداء

• إلى فلسطين الحبيبة

• إلى المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم

• إلى الانتفاضة المباركة التي تسير على درب الجهاد وتقاوم المغتصب الصهيوني حتى يطهر ثرى فلسطين من دنسه

• إلى محمد الدرة وإيمان حجو.... وكل شهيد فلسطيني

• إلى وفاء إدريس أول استشهادية تروي أرض فلسطين بدمائها الطاهرة

• إلى الاستشهاديين الذين يقدمون أرواحهم الزكية رخيصة في سبيل الله ونصرة دينه فأذهلوا العالم بقنابلهم البشرية وأصابوا عدوهم برعب لا مثيل له

• إلى شهدائكم وشهداء إخوانكم من جماعة الإخوان المسلمين على أرض فلسطين المباركة

سنسير على دربكم نتلمس خطاكم، وستظل دماؤنا وأرواحنا فداء لك يا أقصانا. يا قدسنا. يا بلادنا الحبيبة. وسيأتي صلاح الدين يرفع رايتك يا زهرة المدائن.

أبو الفتوح عفيفي

تقديم بقلم المستشار محمد المأمون الهضيبي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

وبعد

فهذه رسالة: رحلتي مع الإخوان المسلمين للأخ الفاضل أبو الفتوح عفيفي ، هو يتحدث في هذه الرسالة عن رحلته المباركة مع الإخوان المسلمين ، رحلته الموصولة بهذا الحق، في رحاب الجماعة التي رفعت لواء الحق، وجاهدت في سبيل الله.

وفي بدايات القرن العشرين، كان على العالم الإسلام ي أن يواجه تحديات غير مسبوقة في تاريخه كله، فقد استطاع اليهود أن يتموا مؤامرتهم ويسقطوا الخلافة، ويفرقوا أمه الإسلام ، ويفتح الطريق أمامهم إلى قلب العالم الإسلام ي فلسطين ، والمسجد الأقصى، ولقد كان المسلمون –رغم ضعفهم- في هذه الفترة، يعتبرون الخلافة رمزًا لهم، يستظلون تحت لوائها، زهاء ثلاثة عشر قرنًا.

وشاءت إرادة الله تعالى أن تقوم دعوة الإخوان المسلمين في هذا الظرف الشائك، والمنعطف الخطير، فكانت بلسمًا وأملا، وعلامة مضيئة على الطريق، وإنذار لأعداء الله بأن الإسلام لا يموت، لأنه دين الله الخالد، الذي تكفل بحفظه ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9] ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [الصف: 8].

لقد انطلقت دعوة الإخوان بقيادة مؤسسها الإمام الشهيد حسن البنا –رحمه الله- ومعه قليل من الرجال الأبرار الأوفياء، لم تلبث غير سنوات حتى أشتد عودها، وترسخت جذورها، وامتدت فروعها، ودنت قطوفها، واستطاعت أن تصمد أمام كل المعوقات، واستعصت إلى اليوم وإلى ما شاء الله على جميع محاولات الاحتواء، وخرجت من كل المحن الطاحنة مرفوعة الهامة, وقدمت وما زالت تقدم قوافل الشهداء، من أغلى وأعز أبنائها، الذين تشرفوا بحملها. إنهم كما وصفهم الحق سبحانه ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا﴾ [الأحزاب: 23].

إن دعوة الإسلام التي يحمل لواءها الإخوان المسلمون لم تعد جهاد جيل واحد، بل هي بحمد الله نتاج جهاد متواصل، وعمل أجيال متعددة, يشارك فيها الشباب مع الشيوخ، والمرأة مع الرجل، الكل يحمل الأمانة, ويربط حاضره ومستقبله وماله وولده بهذه الدعوة.

الكل يحاول أن يفهم أن يحقق في حياته قول الحق تبارك وتعالى في سورة التوبة ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: 24].

والمؤلف حفظه الله تحدث في هذه الرسالة عن جهاد الإخوان في فلسطين ، وعن سعي الإمام البنا شهيد فلسطين في إعداد الرجال والسلاح لمقاومة الصهيونية والوقوف أمام الزحف اليهودي، كما أشار إلى معسكرات التدريب التي يعد فيها المجاهدون لتحرير المسجد الأقصى، وأشار إلى المعارك التي خاضها شباب الإخوان ، ومدى رعب اليهود من هؤلاء الرجال، ثم تحدث عن جهاد الإخوان في القناة ضد الإنجليز، وأشار إلى الموقف العجيب للسلطات من الإخوان المجاهدين، وكيف كانت المكافآت والجوائز التي وزعت عليهم, إنه الاعتقال، ووضع المجاهدين في السجون ورميهم بالتهم, وتلفيق الأدلة, لو أد حركة المقامة.

ولقد ظل المؤلف مع إخوانه في سجون عبد الناصر سبعة عشر عامًا كلها تعذيب، وابتلاء بدون حساب، وكانت الطاعة لله وذكره والصبر الجميل والاحتساب، والأمل في نصر الله, وهي الوسائل التي عاش عليها المجاهدون في السجون والمعتقلات.

إنها محنة واختبار ليجزي الله الصادقين بصدقهم، وهي الأمل في نصر الله ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ [يوسف: 110] إننا نرى بشائر يقظة المسلمين ونهضتهم، ونرى الصحوة الإسلامية في العالم كله, ونرى ازدياد وعي الشعوب الإسلامية, ومشاركتها في قضايا المسلمين المتعددة, مما يؤكد على أن المستقبل للإسلام بإذن الله وذلك من خلال بذل الجهد والجهاد والعرق والدماء والدموع، والبذل والعطاء والتبليغ.

وجزى الله الأخ أبو الفتوح عفيفي على ما قدم, ونسأل الله أن يكون في ميزان حسناته يوم الدين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.... والحمد لله رب العالمين.

ظة المسلمين ونهضتهم، ونرى الصحوة الإسلامية في العالم كله, ونرى ازدياد وعي الشعوب الإسلامية, ومشاركتها في قضايا المسلمين المتعددة, مما يؤكد على أن المستقبل للإسلام بإذن الله وذلك من خلال بذل الجهد والجهاد والعرق والدماء والدموع، والبذل والعطاء والتبليغ.

وجزى الله الأخ أبو الفتوح عفيفي على ما قدم, ونسأل الله أن يكون في ميزان حسناته يوم الدين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.... والحمد لله رب العالمين.

محمد المأمون الهضيبي

المقدمة

هذه ليست مذكرات, كمذكرات الزعماء والمشاهير, وإنما هي شهادة للتاريخ، لجماعة جاهد أبناؤها في سبيل الله وتحرير أوطانهم فصاروا مادة للحديث عن التضحية والإخلاص، والتجرد لقيم الدين وأعرافه. لقد كتب الكثير من جماعة الإخوان المسلمين , الأعداء والأصدقاء، فمنهم من أنصف ومنهم من أجحف، إلا أن الحقيقة الباقية التي لا مراء فيها, أن الإخوان المسلمين كان لهم قصب السبق في مجالدة الأعداء، في فلسطين وفي القناة , وقد أبلوا بلاًء حسنًا في كلتا الجبهتين, وقدموا العديد من الشهداء الذين صارت دماؤهم غذاءً يروي شجرة الشهادة والبذل من أجل تحرير بلاد المسلمين.

ولو لم تكن هناك مؤامرات لصارت الحال غير الحال التي نحن علينها الآن, لكنه قدر الله, فنحمده سبحانه على كل حال. وإنا لن نحزن لما أصاب أمتنا ويصيبها. ولكن نبذل الجهد ونفرغ الطاقة, كما علمنا قائدنا الأول محمد صلى الله عليه وسلم وكما سار على نهجه إمامنا ومرشدنا الإمام حسن البنا عليه رضوان الله، فإن حياتنا مرصودة لخدمة هذا الدين, وأرواحنا نبذلها لله رخيصة, واثقين من استرداد الثمن جنة عرضها السموات والأرض, وسوف يبقي حالنا هكذا ما دامت فينا عين تطرف وقلب ينبض.... والحمد لله رب العالمين.

إن هذا الكتاب ليس مذكرات، كما أسلفت، ولكنه استرجاع للذاكرة, لما عايشته ورأيته بنفسي, أي أنها حكاية العبد الفقير إلى الله مع الصحبة الصالحة من رجال الإخوان المسلمين , منذ تعرفي عليهم في (كفر وهب) بالمنوفية , وخروجي معهم مجاهدًا في كل من فلسطين والقناة , مرورًا بعضويتي لمجلس الشعب على قائمة التيار الإسلامي.... وحتى الآن.

ولا يفوتني هنا أن أشكر الصحفي الشاب النابه الأستاذ أحمد إبراهيم الصحفي بجريدة (جريدة آفاق عربية) الذي ساعدني في إخراج هذه الذكريات إلى النور وصياغتها في شكلها الحالي. فله مني كل تقدير. والله نسأل أن ينفع القارئ العزيز بهذه الكلمات، وأن يثبت قلوبنا على الإيمان, وأن يحشرنا مع النبي وحزبه, وأن يختم لنا بالباقيات الصالحات .... اللهم آمين.

أبو الفتوح عفيفي

كفر وهب

(كفر وهب) وهو اسم قريتي التابعة لمركز قويسنا بمحافظة المنوفية , وهي قرية صغيرة تبعد عن قويسنا قرابة ثلاثة كيلو مترات جنوبًا, ويعمل سكانها بالزراعة, ويرتبطون فيها بينهم بعلاقات قرابة ونسب، فتعدادهم قليل ولذلك كانت القرية أشبه بأسرة واحدة، وبفضل الله كانت روح التدين تسري بالفطرة في نفوس أبناء القرية.

وقد ولدت بها في الأول من مايو سنة 1929 م ونشأت في أسرة متدينة، فوالدي رحمه الله تعلم في الأزهر حتى حصل على الشهادة الإعدادية, وكان إمامًا لمسجد القرية الوحيد حتى الآن، بالإضافة إلى كونه شيخًا للبلد, وقد حظي بمكانة كبيرة في (كفر وهب)، فقد كان يفي فيما يعرضه عليه أهالي البلدة من مسائل دينية ودنيوية, وكانت القرية ترضي بحكمة في أية خلافات.

أما والدتي فقد كانت ربة بيت، وقد توفيت عليها رحمة الله سنة 1948 ، والغريب في الأمر أنني لم أبلغ بوفاتها, فعندما عدت من فلسطين بعد غياب أكثر من عام وقد كنت مشتاقًا لرؤيتها لم أجدها في البيت ولقد كان رحيلها دون رؤيتي لها منذ فترة كبيرة صدمة لي جعلتني أغيب عن البيت قرابة شهر، فلم أكن أتخيل أن أعود من فلسطين ولا أجد أمي, ومازلت أذكر أنه في أحد الأيام وأثناء وجودي مع بعض إخواني في فلسطين وقبل عودتي إلى مصر أنني بكيت كثيرًا فسألوني ما بك؟ فقلت لهم: «والدتي توفاها الله»، فهونوا على الأمر فقالوا هذه مخاوف لا أساس لها فلا تفكر في الأمر. وشاء الله أن يكون ما خطر في قلبي واقعًا، فعليها وعلى أمهات المسلمين رضوان الله ورحماته.

ضمت أسرتي أيضًا أختًا وأخوين هما عبد العزيز رحمه الله، وكان مزارعًا لا يشغله سوى العمل في الحقل وطاعة الله, والثاني هو أخي رشدي وقد توفاه الله أيضًا وكان رفيقي في المسير مع الإخوان المسلمين .

كان من عادة والدي أن يوقظني وإخوتي لصلاة الفجر ثم تناول الإفطار لننطلق بعدها لمدارسنا, حيث حصلت على الشهادة الابتدائية من مدرسة القرية التي كان ناظرها الحاج عشماوي سليمان وهو أحد الإخوان المسلمين .

عرفت الإمام البنا منذ الصغر

في أحد الأيام طلب مني الناظر، كما طلب من غيري من التلاميذ، أن أخبر والدي بقدوم الشيخ حسن البنا إلى قوسنا لإلقاء درس بعد صلاة العصر في المسجد, وكان ذلك أول معرفتي بهذا الرجل، فقد أسرعت على الفور بإخبار الوالد والذي سُر بسماع ذلك, وقد طلبت منه أن يصطحبني إلى المسجد لحضور درس الشيخ حسن البنا الذي شهد جموعًا من الناس حرصت على التوافد للمسجد، وشعرت وقتها بسرور المصلين بمقدم الإمام وثنائهم عليه, وسألت والدي بعد انتهاء درس الشيخ: لماذا لم تحضره معنا إلى البيت؟ فقد كان من عادتنا أن يتم استضافة الشيوخ في أحد المنازل وتقديم واجب الضيافة لهم, ولكن والدي أخبرني أن الإمام سيسافر إلى القاهرة لأنه يعمل بالتدريس وليس لديه وقت، فقد نذر حياته للدعوة في سبيل الله.

وقد دُهشت من قول والدي لأنني أول مرة أجد شخصًا يجمع بين الخطابة والتدريس، فخطيب المسجد لم يكن يمارس عملاً آخر، وكان ذلك بداية إعجابي بالإمام البنا عليه رحمة الله, وتمنيت في نفسي أن يكون معلمي في المدرسة وأن أرتبط به...... وشاء الله أن يحقق لي ذلك.

الرحيل إلى القاهرة

بعد حصولي على الشهادة الابتدائية من قويسنا، رحلت عن قريتي، فلم يكن لي شغف لممارس ة أعمال الفلاحة رحلت للقاهرة رغم صغر سني حيث كنت في الخامسة عشرة من عمري، وقد عملت في الجمعية التعاونية للبترول، وكان مقرها في ميدان باب اللوق.

لقد شاهدت في العاصمة, العديد من اللافتات الانتخابية والحزبية, ورأيت لافتات ترفع شعارات غير التي أعرفها، أثارت انتباهي مثل «الله غايتنا والرسول زعيمنا» ولم أكن أعرف من ينتهج هذا الطريق، كما أن أبي كان يحب لي البعد عن أمور السياسة وكان يرفض هو نفسه الانضمام إلى الأحزاب حيث كان يعتقد أنها تعمل لمصلحتها وليس لمصلحة البلد، ولذلك فقد نقل إلى هذه الرؤية الأمر الذي جعلني أعتقد أن هذه الدعاية الجديدة هي لأحزاب تسعى لدخول البرلمان ولكنها تخاطب الناخبين من منطلق إسلامي.

لم يشغلني الأمر كثيرًا، وعدت للقرية في إجازة قصيرة, فالتقيت بأخي رشدي وصديق آخر اسمه محمد عمر من نفس بلدتنا, واللذين عرضا علي الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين ، فرفضت تمامًا، وحاولا إقناعي بأنهم يتمسكون بكتاب الله ويعملون على تطبيق أحكامه، فرددت عليهما بأن هذا سبيلهم للوصول إلى سدة الحكم وبعد ذلك سيتركونه!

وبعد جدل ونقاش معهما سألت عن قائد تلك الجماعة فاجبراني أنه الأستاذ حسن البنا .

تذكرت ذلك الشيخ الذي يعمل بالتدريس ويخطب في الناس، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وقد نذر نفسه للدعوة في سبيل الله في مختلف أنحاء القطر –كما أخبرني والدي... وكان تحولي عن موقفي تمامًا بعدما علمت أن هذا الرجل هو الذي يقود تلك الجماعة, فطلبت من أخي الانضمام إليهم.... فدلني على الطريق.

شعبة الإخوان

كنت أسكن مع أناس من (كفر وهب) في شارع الترعة البولاقية بشبرا مصر ، فبحثت عن شعبة الإخوان بالمنطقة وتقدمت إليهم للانضمام خلف راية هذا الرجل الصالح الإمام البنا رحمه الله.

وكان لشعبة الإخوان لافتة معلقة على مقرها حيث كان للإخوان آنذاك شُعب كثيرة مشهرة رسميًا ومنتشرة في مختلف أنحاء البلاد، وكانت الشعبة تضم جماعات الأسر والكشافة والتمثيل، وتخرج منها عادة صفوف الجوالة تحمل شارات الإخوان تتجول في القاهرة وتقوم بحملات توعية للمواطنين لمواجهة مرض الكوليرا الذي كان منشرا في ذلك الوقت.

كما كان شباب الإخوان يزورون المرضى في المستشفيات, وتقوم فرق منهم بتمريضهم، هذا بالإضافة إلى المحافظ على حضور مجالس العلم وحفظ القرآن الكريم ومدارسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فدعوة الإخوان لم تكن تغفل في تربيتها لأفرادها أي جانب ينشئ المسلم الصحيح الذي إن وجُد فقد وجُدت معه أسباب النجاح.

داومت على الإخوان على حضور درس فضيلة المرشد العام بعد صلاة المغرب في المركز العام بالحلمية والذي كانت تفد إليه وفود من كل شُعب الإخوان تنهل من عطاء هذا الرجل الذي كان مهمومًا بأحوال وقضايا الأمة الإسلامية ولا يشغله عن دعوته شاغل وهو ما اعتدناه مع مرشدي الإخوان جميعًا رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.

كان حديث الثلاثاء زاد كل أخ من الإخوان يستعين به للسير في هذا الطريق رافعًا راية «الله غايتنا والرسول زعيمنا والقرآن دستورنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا».

المقاومة

حرص الإخوان المسلمون على بث روح العداء ضد المحتل الإنجليزي، وأشعلوا روح المقاومة في نفوس الشعب المصري ضد الاستعمار، حتى صغار السن منا كانوا شغوفين بمواجهة جنود الاحتلال.

ولم تصل هذه المواجهات وقتئذ إلى استخدام السلاح، ولكن كنا نخرج في مظاهرات ضدهم، وأردنا أن نعبر ذات مرة عن غضبتنا تجاه المستعمر فقمنا بتجميع أكبر قد من الكتب باللغة الإنجليزية عند شارع خلوصي في دوران شبرا وأشعلنا فيها النيران وكان البوليس المصري يحاول تفريقنا حتى لا نشتبك مع الإنجليز فأجواء البلاد كانت معبأة ضد الاستعمار والمظاهرات مستمرة وقد عمل الإخوان على نشر الوعي بالقضية بين الشعب وضرورة مواجهة المحتل.

كانت البلاد تتمتع آنذاك بهامش من الحرية والديمقراطية، فلم تكن هناك محاكم استثنائية أو اعتقالات عشوائية بالصورة التي نراها الآن وكان إذا حدث وتم اعتقال بعض المتظاهرين كان المركز العام للإخوان يتحرك للتفاهم مع الأجهزة الأمنية للإفراج عنهم.

جهاد الإخوان المسلمين في فلسطين

لا شك أن أجواء في الثلاثينيات والأربعنيات مكنت الإمام البنا من تعبئة الجماهير لنصرة فلسطين ، ولا ينكر أحد دور الإخوان في حشد الأمة لمواجهة الخطر الصهيوني، فقد كان المظاهرات مشتعلة في القطر المصري كله؛ تنطلق من الأزهر الشريف الذي كان وقتها حاملاً لواء المقاومة وكان مدافعًا عن الإسلام والمسلمين.

كان الإمام البنا يخطب في جموع المتظاهرين بالأزهر ومعه أحمد حسين وصالح حرب والشيخ عبد المعز عبد الستار والحاج أمين الحسيني مفتي القدس الذي كان يدعو الأمة للجهاد وإنقاذ فلسطين من اليهود.

وظلت تعبئة الشعب المصري والأمة بأسرها مستمرة طيلة فترة الثلاثينيات والأربعينيات، ومن مظاهرات حاشدة إلى جمع التبرعات لمساندة الشعب الفلسطيني وإمداده بالسلاح وإرسال المتطوعين عن طريق سوريا للانضمام إلى كتائب الشهيد عز الدين القسام، ومقاطعة البضائع اليهودية والإنجليزية.... وغيرها من أساليب المقاومة.

ولقد حمل الإخوان المسلمون على عاتقهم منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا واجب نصرة إخوانهم في فلسطين ، مضحين بكل غال وثمين...

حتى جاء يوم 29/ 11/1947 م حيث أعلنت الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين بين العرب واليهود، وهو ما يعني الاعتراف بالكيان الصهيوني، وكان ذلك بمثابة الشرارة التي أشعلت انتفاضة الشعب المصري وفي مقدمة الإخوان المسلمون ، فأعلن الإمام البنا أن الإخوان قد تبرعوا بدماء عشرة آلاف متطوع للاستشهاد في سبيل الله في فلسطين .

وتدفق الآلاف من شباب الإخوان من جميع المحافظات على المركز العام في الحلمية لتسجيل أسمائهم ضمن المتطوعين للجهاد في فلسطين وبعد ضغوط من الشارع المصري وجامعة الدول العربية والإخوان المسلمين ، وافقت الحكومة على فتح معسكر للتدريب في «الهايكستب» شرق القاهرة .

ودونت بحمد الله أسمي ضمن قوائم المتطوعين، كان عمري آنذاك (19عامًا) فروح الجهاد وحب الاستشهاد قد سرت في شباب الأمة وليس ذلك غريبًا فهم أمل النصر، وها هم اليوم في فلسطين الحبيبة يكبدون العدو الصهيوني خسائر فادحة ويبثون الرعب في قلوب المستوطنين بعملياتهم الاستشهادية الرائعة.

كان شباب مصر خير أجناد الأرض –كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم للجهاد،فتوافدوا من القرى والمدن، وبدأ الإخوان يعدون الكتائب المنطلقة لتحرير فلسطين .

رسبت في الكشف الطبي

أخذت أتردد على المركز العام, وأجري أطباء الإخوان كشوفًا طبية علينا، إلا أن الحكومة طالبت بإجراء كشوف أخرى في مكان يعرف باسم (النضارة) وقد كنت ضمن مجموعة ضمت مائتي فرد تم توقيع الكشف الطبي عليهم, وبدأ إعلان الأسماء التي تمت إجازتها، وفوجئت بأنه تم استبعادي حيث رسبت في الكشف بسبب ضعف نظري, فسقطت على الأرض منهارًا ومنخرطًا في البكاء لحرماني من الجهاد وأخذ الإخوان يشدون من أزري ويقولون لي «لقد فعلت ما عليك» حتى جاء رئيس لجنة الكشف وتعاطف معي وسمح بضمي للمجاهدين وأعلن ذلك على الملأ، فطرت فرحًا وتبادل إخواني التهاني معي.

وقد نشرت الصحف (الأهرام والمصري والكتلة الوفد ية والأخبار وجريدة جريدة الإخوان المسلمين اليومية) أسماء المتطوعين والتعليمات الموجهة إليهم بالتجمع في ميدان العباسية تمهيدًا لنقلهم إلى معسكرات التدريب.

بعد التجمع في إدارة التجنيد بالعباسية في شهر مارس من عام 1948 حملتنا سيارات القوات المسلحة إلى معسكر الهايكستب للتدريب على حمل السلاح وفنون القتال، وتراوحت أعمال أعداد كبيرة من المتطوعين بين 14و 20عامًا, فحب الجهاد تعدى حدود كل شيء، فكنت ترى الفلاحين يبيعون مواشيهم للتبرع بأثمانها والنساء كانت تتبرع بحليها من أجل فلسطين , وكان للإخوان دور بارز في إعداد مختلف فئات الشعب لهذا الموقف.

رحلنا إلى معسكرات التدريب، إلا أنه في الطريق وعند مطار فاروق (القاهرة حاليًا) انقلبت السيارة التي كنا نستقلها ووجدت نفسي في المستشفى حيث أصبت بارتجاج في المخ ومكثت أكثر من خمسة عشر يومًا شفاني الله بعدها واستبشرت خيرًا بما حدث فقد وقع في نفسي أن الشهادة قادمة وبوادرها ظهرت من أول الطريق!

طلبت إذنًا للخروج من المستشفى فرفض مديرها ونقل لي رسالة الإمام البنا الذي جاء لزيارتنا بعد الحادث وأوصى بأن من يتم شفائه يقوم على خدمة إخوانه المصابين، فلبيت الأمر رغم شوقي لمعاودة السير إلى فلسطين , وبقيت مع إخواني حتى خرجت مع مجموعة منهم وتوجهنا إلى المركز العام وقابلت الإمام البنا لأخبره برغبتي في الذهاب، فوافق رحمه الله, واتفق مع الأستاذ سعد الوليلي (السكرتير الخاص للمرشد) أن يلحقني بسيارة الجيش التي يستقلها المتطوعون في ميدان العباسية في الصباح الباكر.

أسباب تأخر حسن الجمل

وكان معي عدد ممن تأخروا عن اللحاق بالمتطوعين، أذكر منهم الأخ حسن الجمل رحمه الله وكان عمره 17عامًا وسألته عن أسباب تأخره فأخبرني أن والده حبسه في غرفته حيث كان يحبه كثيرًا ويخشى ألا يراه بعد ذلك إذا ذهب إلى فلسطين ، ولكنه استعطف والدته كثيرًا حتى فتحت له الباب، فانطلق للانضمام إلى معسكر التدريب، رحمه الله، فقد عرفت فيه الصدق والتفاني في الدعوة وحسن الخلق والفهم الصحيح وحب الجهاد والإخلاص لله (ص).

كان قائد معسكر التدريب البكباشي حسين أحمد مصطفى ، حيث كان ضباط الجيش يقومون بالإشراف على المتطوعين. والحق أقول أنهم كانوا من خيرة القادة وإيمانًا وكفاءة وبقينا على هذه الحال مدة شهرين اتسمت حياتنا خلالها بالجد والحماس. وأذكر (شاويشا) اسمه أحمد فراج اندهش لحماسي الزائد في التدريب فسألني لماذا كل هذا ؟!

فقلت له إننا جئنا للذهاب لتحرير فلسطين وليس لشيء آخر.

الغريب أن والدي بعدما علم بنبأ إصابتي جاء لزيارتي في المعسكر للاطمئنان عليّ وطلب مني الحصول على إجازة قصيرة لرؤية والدتي, وما زلت أذكر أنه بالرغم من خوف أسرتي علىّ إلا أنها لم تقف عائقًا بيني وبين الجهاد ، فلم يحاول أحد أن يثنيني عن التطوع أو يثبط همتي ولقد رفض والدي عودتي عندما عرض عليه الحاج عشماوي سليمان –وكان من كبار الإخوان - ذلك, وكان والدي يقول لأمي رحمها الله: ماذا تريدين من عودته؟! هل تضيعين ثوابنا؟ ليتني أستطيع أنا الذهاب.

كان هذا شعور معظم الآباء، فهم فخورون بأبنائهم المتطوعين للجهاد من أجل فلسطين , ويزداد فخرهم إذا استشهدوا في سبيل الله... فهل هناك أعظم شرفًا من نيل الشهادة. رزقنا الله وإياكم إياها. تدريبات قتالية

تدربنا في المعسكر على جميع الأسلحة الخفيفة وبعض حركات المقاومة والمواجهة وجهًا لوجه، بالإضافة إلى فنون الكر والفر والزحف والاشتباك وعمليات القتال والدوريات الليلية واستعمال المواد المتفجرة وغيرها من التدريبات الشاقة المكثفة ليلاً ونهارًا, حتى وصلنا في خلال شهرين إلى المستوى المطلوب من الاستعداد لمحاربة الصهاينة ، فكما يقول الله تعالى ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال: 60].

والحمد لله تفوقت في لتدريب حتى جاء البكباشي محمد زكريا الورداني ليتولى قيادة مجموعة من المتطوعين كنت ضمنها, حيث اصطحبنا في عدة سيارات مدنية انطلقت بنا حتى وصلنا مدينة العريش في شهر أبريل من عام 1948 م حيث مكثنا بها لمدة أسبوع واصلنا خلاله التدريبات القتالية.

وقد أجرى القائد أحمد عبد العزيز أحمد المتطوعين في حرب فلسطين اتصالات بقيادة الجيش المصري في العريش للحصول على العتاد المطلوب ولتسهيل عبور المتطوعين إلى فلسطين حيث تم العبور ليلاً في يوم 28 أبريل 1948 عن طريق خطوط السكة الحديدية حتى نتفادى الطرق التي كان الإنجليز يرصدونها للحيلولة دون عبور أحد إلى فلسطين .

وبالفعل أوقفنا السيارات فوق فلنكات القضبان ودفعناها بالأيدي دون إدارة الموتورات حتى لا يكتشفنا جنود الاحتلال, وأثناء السير حدثت بلبلة واعتقدنا أن اليهود قد كشفوا تحركاتنا وسيهاجموننا، فانطلقت بسلاحي بحثا عن أي صهيوني فقد كنت أتوق لمواجهتهم, ولكن لم يكن اعتقادنا في محله, فقد نادى القائد أحمد عبد العزيز محذرًا إياي من التحرك دون إذن، لكنه قدّر حماستي ويقظتي واصطحبني معه في سيارته الجيب الخضراء حتى وصلنا إلى مشارف (خان يونس) واستقبلنا أهلها بكل ترحاب وانتهاج داعين الله لنا بالنصر على اليهود وتنكيس رايتهم على أرض فلسطين .

معركة كفار ديروم

عسكرنا في مدرسة بخان يونس لعدة أيام, قمنا خلالها بدوريات استكشافيه لرصد المستعمرات اليهودية، وانشغلنا برصد مستعمرة «كفار ديروم» بدير البلح، وهي بلدة تتحكم في الطريق بين خان يونس وغزة, وكانت محصنة بصورة قوية جدًا حيث كانت أشبه بمعسكرات حرب ذات أبراج حراسة عالية.

وقد قررت القيادة خوض معركة ضد اليهود في هذه المستعمرة, كما قررت أن تبدأ خطة الهجوم على «كفار ديروم» في الثالثة قبيل الثالث عشر من مايو ، بقصف مدفعي لمدة عشر دقائق. وكان قائد المدفعية هو الملازم كمال الدين حسين .

وكان من المقرر أيضًا أن يبدأ عقب القصف تحرك مجموعة التفجير إلى الأسلاك الشائكة المحيطة بالمستعمرة لعمل فتحات بها يعقبه اقتحام شامل تحت ستار النيران.

والحقيقة أن خبرات المتطوعين بتحصينات المستعمرة كانت محدودة, فقد كنا نظن في بادئ الأمر أن قصف المدفعية سينسف كفار ديروم، ولكن اليهود كما قال عنهم المولى عز وجل ﴿لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ﴾ [الحشر: 14]وبالفعل لم تتأثر تحصينات المستعمرة بقذائف المدفعية, بالإضافة إلى أننا وقعنا في خطأ فادح عند تنفيذ الخطة, حيث تأخرت المدفعية في إطلاق قذائفها لتغطية الهجوم ولم تكن أهداف القصف داخل المستعمرة محددة بدقة قبل بدء المعركة ولذلك لم يحقق القصف هدفه المنشود وفق الخطة الموضوعة, وبدأ الاقتحام متأخرا وقد انبثق أول ضوء للنهار, وانهمرت النيرات علينا من خنادق اليهود تحصد أرواح المجاهدين في خسارة فادحة تكبدناها خلال هذا الهجوم بلغت حصيلتها 46 مجاهدًا وإصابة 39 آخرين منهم الأخ الشهيد عمر عثمان بلال وهو من إخوان الأسكندرية وقد ضرب أروح الأمثلة في التضحية في سبيل الله حيث ألقي بجسده الطاهر فوق الأسلاك الشائكة الملغمة ليفتح ثغرة لإخوانه لاقتحام المستعمرة فتمزق جسده أشلاًء في عملية استشهادية يعجب لها المرء، ولكنها التجارة الرابحة مع الله كما يقول سبحانه في محكم كتابه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَ‍قًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 111] ونتيجة لفشل الهجوم اضطر القائد أحمد عبد العزيز إلى إصدار أوامره بالانسحاب بعد أن خسرنا عددًا كبيرًا ما بين شهيد وجريح تم دفنهم في مقابر الشهداء بغزة.

ومن الموافق التي أذكرها, موقف الأخ حسن علي العناني من نفس بلدتي «كفر وهب» والذي أرسل ولديه عبد الوكيل ومحمد للجهاد في فلسطين , وقد أصيب الأخ محمد أثناء المعركة وبدأ ينزف بشدة فاستغاث بشقيقه عبد الوكيل الذي اندفع لنقذه فانهمرت عليه رصاصات الغدر الصهيوني فاستشهد وأخوه في الحال، وقد أقام الإخوان حفل تأبين لهما فقام الرجل وقال «لا أقبل فيهما عزاء ومن يتقدم إلى فليهنئني لأنهم أحياء, ولا عزاء في الأحياء, وقرأ قوله: ﴿ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: 169].

وجاءه الأستاذ البنا ليقدم التعازي إليه فقال له «بل أعزيك أنا لأنك فقدت أثنين من رجالك, أما أنت فتهنئني لأنني قدمت هدية لله وقبلها مني»!!

فقد شاهد الرجل الصالح رؤيا صالحة, رأى ولديه يجلسان في الجنة، وقد تحققت بفضل الله رؤيته وصار أبا الشهيدين, معيدًا للأذهان السيرة العطرة لصحابة محمد صلى الله عليه وسلم وتصحياتهم العظيمة. ون آياته سبحانه وتعالى التي عشناها آنذاك وتدعو المسلم للتفكر في عظيم قدرة الله، أن قنابل الأعداء كانت تُلقى علينا فلا تنفجر, أو نتفجر فتتسبب في حفرة كبيرة يخرج منها الماء دون أ، تصيب أحدًا من الإخوان , كما أذكر أن جسد الشهيد الأخ علي إسماعيل الفيومي من منطقة (بين السرايات) بالقاهرة لم يمسسه شيء رغم مرور 15يومًا على استشهاده!!

وعذرًا فالذاكرة تخونني الآن فلا أذكر أسماء شهداء معركة كفار ديروم، ولذلك عدت إلى رواية أخي حسن الجمل رحمه الله مستعينًا بما ذكره من أسماء هؤلاء الشهداء نذكرهم هنا تقديرًا لجهادهم وبطولاتهم وهم:

1- محمد محمد كرم حسين.

2- محمد عثمان بدر.

3- هارون عبد العزيز حسان.

4- محمود عبد العزيز حسان.

5- محمد حسن العناني.

6- عبد الوكيل حسن العناني.

7- نور الدين الغزالي.

8- رشاد محمد مرسي.

9- محمد كامل بيومي.

10- على متولي خليل.

11- محمد حسن علي.

12- جميل أنوار الأعسر.

13- محمد عثمان عبد الله.

14- محمود إبراهيم السيد.

15- محمد مختار حمزة.

16- محمد إبراهيم رضيه.

17- أحمد محمد السيد.

18- علي حسن بركات.

19- أمين محمود سليمان.

20- زين العابدين عوض الله محمد.

21- محمود شعبان.

22- مصطفى حسن المزين.

23- عبد الحميد حسنين.

24- حسن صالح أبو عيسى الكواكبي.

25- سيد فرج السيد.

26- عبد العزيز إسماعيل.

27- فتحي محمود مراد.

28- محمد عبد الجليل عبد الله.

29- عبد الظاهر سليمان.

30- عبد السميع قنديل.

31- عبد الرازق أبو السعود.

32- مصطفى شديد.

33- حماد الدين أحمد إدريس.

34- جابر عبد الجواد.

35- مصطفى عبد المطلب عبد الحميد.

36- عدلي محمود شيش.

والباقون يعلمهم الله, وهنيئا لهم جميعًا، ولقد تمنيت أن أكون منهم ويكفي وعد النبي صلى الله عليه وسلم: «للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفقة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها, ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين من أقربائه» رواه الترمذي وابن ماجة.

وقد أ صبت برصاصة في يدي اليمنى أثناء الهجوم على المستعمرة، ولم أسمع بأوامر الانسحاب من المعركة وظللت مختبئًا في موقعي حتى الليل مصطنعًا الموت ثم تحاملت على نفسي وأخذت أزحف بحذر حتى تواريت بعيدًا عم مرمى النيران, والتقيت بأخ لا أذكر اسمه الآن انطلق معي حتى دخلنا بلدة (دير البلح) نطلب من أهلها العون فأطعمونا وسقونا، وقام صاحب البيت الذي استضافنا وكان يعمل بالتمريض بتضميد جراحنا.

وفي الصباح واصلنا السير حتى وصلنا إلى (خان يونس) حيث يوجد معسكرنا, فوجدت اسمي مدونًا في قوائم الشهداء وفوجئ إخواني بأنني الشهيد الحي..... لأنني مازلت على قيد الحياة.

ومكثت في (خان يونس) حتى شفي ذراعي، وبعدها أُرسلت ومجموعة من المتطوعين إلى منطقة (العوجة).

معارك عسلوج

لم أكن حتى ذلك الحين منضمًا إلى قوات الإخوان المسلمين في معسكر البريج بغزة، وكنت ضمن مجموعة متطوعين مصريين, مع آخرين من جنسيات عربية مختلفة تم إرسالنا إلى بلدة العوجة ومنها تحركنا إلى قرية العسلوج وكان قائد المعسكر هو اليوزباشى عبد المنعم عبد الرؤوف... وهو رجل شجاع ذو خلق, يتفانى في عمله... وقد أخذنا مواقعنا معه على جبل يسمى (الشريف) وأنا في دورية الحراسة ذات يوم سمعت أصوات تحركات قريبة من المعسكر فوجهت تحذيرًا لبقية الأفراد لكنهم تلقوا الأمر بلا مبالاة فلم يخطر في أذهانهم أن اليهود قادمون لمهاجمة المعسكر, وللعلم كنت الوحيد بين هذه المجموعة من الإخوان المسلمين , وسعيت لإنقاذ الموقف ولكن محاولاتي باءت بالفشل، فقد استطاع اليهود تطويقنا، وانهالت نيرانهم علينا، ونجحوا في وقت قصير في احتلال المعسكر بعدما انسحب معظم أفراده, وخسرنا مخزنًا كبيرًا للذخيرة كان بحوزتنا, واضطررت للانسحاب أيضًا فالأسر كان مصيري المحتوم لو أني بقيت, وقد توقعت أن تخترق جسدي رصاصة في أية لحظة ولكن جعل الله على أبصارهم غشاوة فقد ظنوا أنني يهودي فتوقفوا عن إطلاق النار نحوي.

كانت قوات المتطوعين قد تم توزيعها على خان يونس وبئر سبع والعوجة والعسلوج لتأمين دخول الجيش المصري ، ولذلك فقدت الكثير من قوتها وقد حاربت بجانب السودانيين والليبيين والسعوديين ولكن لم أجد أشجع أو أكثر تنظيمًا من الإخوان المسلمين , وهذا لا يعني أنني أقلل من جهد الآخرين, ولكنها الحقيقة كما عايشتها, فلم يكن مجاهدو الإخوان يستسلمون أو ينسحبون من مواجهة عدوهم والذي يشهد لهم قبل الصديق ببسالتهم وجرأتهم في أرض المعركة حتى قال موشي ديان –وزير الدفاع الصهيوني- «إننا لا قبل لنا بمواجهة الإخوان لأنهم يريدون أن يموتوا»....

واستطاع اليهود الاستيلاء على العسلوج من أيدي المتطوعين، وكنت الوحيد من الإخوان في هذه المعركة كما قلت, وبالتالي فلم تكن الغاية واضحة عند بعضهم ولم يدركوا طبيعة الصراع مع اليهود، ولذا كان الوهن يدب في صفوفهم, فانسحبوا من العسلوج. وقد عقد القائد أحمد عبد العزيز مجلسًا عسكريًا للتحقيق فيما حدث, وقد حاول الكثير من المتطوعين إثنائي عن الشهادة ضدهم والإقرار بانسحابهم فرفضت.... ولكن لم يتم استدعائي للإدلاء بشهادتي.

اقتحام رامات رحيل

استمر تواجدي مع المتطوعين في بيت لحم ناحية القدس بالقرب من مستعمرة يهودية تسمى (رامات رحيل) وقعت بها مناوشات كثيرة بيننا وبين الصهاينة حيث كانت مهمتنا هي منع يهود المستعمرة من تهديد بين جالا وبيت ساحور وصور باهر، ولذلك فمنا بهجوم على رامات رحيل شارك فيه أخي حسن الجمل رحمه الله, تم الهجوم تحت قصف مدفعي مكثف للمستعمرة, حيث اقتحم المتطوعون بقيادة الأخ أحمد لبيب الترجمان حصون العدو مكبرين: الله أكبر ولله الحمد, وكان الأخ لبيب قد تولى قيادة قوات الإخوان في صور باهر بعد الأخ محمود عبده الذي أصيب وسافر إلى القاهرة للعلاج.

حاول اليهود استرداد المستعمرة مرة أخرى نظرًا لأهميتها في تموين المستعمرات اليهودية الأخرى حيث كانت غنية بالماشية وتوافر الغذاء, ولذلك كانت غنائمنا كثيرة من هذه المعركة التي فشل اليهود في حسمها لصالحهم بسبب استبسال المتطوعين وصدهم لهجمات العدو حتى وصلت تعزيزات عسكرية من القيادة دعمت خطوط الدفاع عن المستعمرة وحالت دون سيطرة العصابات اليهودية عليها مرة أخرى.

وأذكر بعد هذه المعركة أن الأخ أحمد لبيب الترجمان حاول ضمي إلى كتيبة الإخوان في صور باهر فطلبت منه أن يستأذن لي من اليوزباشى معروف الحضري قائدي في المعسكر الذي رفض ذلك تمامًا.

ومن الموقف التي أذكرها عن الأخ معروف الحضري , وكان من ضباط الإخوان ، أنه أصيب بنزلة شُعبية حادة تم نقله على أثرها لمستشفى قريب من مستعمرة يهودية, حيث قمنا بحراسته وتأمينه أثناء تلقيه العلاج تحسبًا لأي هجوم يهودي على المستشفى.

وللعلم فقد أسر اليهود معروف الحضري بعد ذلك أثناء حصار الفالوا ولكن عاملوه معاملة كريمة حتى تم الإفراج عنه ضمن تبادل الأسرى بين الجانبين, واعتقل عام 1954 في عهد عبد الناصر وعومل معاملة قاسية وتعرض لإهانات كبيرة!

لم تشغلنا المعارك عن أداء الصلوات في المسجد الأقصى, فقد كنا نتناوب كل يوم جمعة على الذهاب للقدس, فالصلاة في المسجد الأقصى تعدل أجر خمسمائة صلاة فيما سواه.

ظللت بمدينة بنت لحم لعدة أيام حتى حصلت على إجازة أنا وبعض المتطوعين, ونزلنا إلى خان يونس, وفي هذه الأثناء وقعت بئر سبع في أيدي اليهود وتم حصار الفالوجا, ولم نستطيع بالتالي العودة إلى بيت لحم, فانضممنا إلى متطوعي الإخوان في غزة.

معسكر البريج

كانت قوات الإخوان بقيادة العالم الأزهر ي الجليل الشيخ محمد فرغلي (رئيس الإخوان بالإسماعيلية وعضو مكتب الإرشاد) والأخ المجاهد الأستاذ كامل الشريف (وزير الأوقاف الأردني بعد ذلك) والأستاذ (حسن دوح ).

وقد عسكرت في معسكر البريج بغزة بعد جلاء القوات البريطانية عنه, وقد حاولت العصابات اليهودية السيطرة عليه لكن الإخوان بعد معارك استطاعوا انتزاعه منهم.

وقد شهدت أرض فلسطين الحبيبة صولات وجولات مجاهدي الإخوان المسلمين , وما زالت بطولاتهم في صور باهر والتبة 86 وغيرها خير شاهد على بسالتهم وتضحياتهم المجيدة.

نسيت أن أذكر أن كتائب الإخوان قد سبقت الجيوش العربية في الدخول إلى فلسطين , وخاضت معارك شرسة ضد الصهاينة وقع أغلبها بعد قرار حكومة محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الوزراء وقتئذ بحل جماعة الإخوان المسلمين ومصادرة ممتلكاتها وذلك في الثامن من ديسمبر 1948 م.

وقد جاءنا الخبر من اللواء فؤاد صادق قائد الجيش المصري في فلسطين الذي سأل: ماذا أنتم فاعلون؟

فطلب الإخوان مهلة ثلاثة أيام للبت في الأمر، واستطعنا إجراء اتصالات بالإمام البنا فبعث إلينا: «إن قضيتكم فلسطين , وما دام اليهود على أرضها فمهمتكم لم تنته ولا تشغلوا أنفسكم بما يحدث في مصر »!!

كان موقف البنا تاريخيًا ورده قويًا على من يشكك في إخلاص الإخوان لقضايا أمتهم ووطنهم, فرغم الصدمة والحزن الذي انتاب مجاهدي الإخوان بسبب قرار حل جماعتهم الذي رآه البعض طعنة في الظهر من خونة أشعلوا حملات الاعتقال لأعضاء الإخوان المسلمين وزجوا بهم في السجون والمعتقلات, لكنهم برغم كل هذا لم يواجهوا سلاحهم إلا نحو عدوهم الأول.

وما سمعته بأذني ورأيته بعيني ولم يذكره الأخ كامل الشريف في مذكراته, وربما لم تسعفه الظروف آنذاك لنشرها؟ أن اللواء فؤاد صادق ومعه الرئيس الراحل محمد نجيب وبعض قيادات الجيش المصري جاءوا للقاء الإخوان في المسجد بمعسكرهم في البريج وسأل فؤاد صادق قيادات الإخوان عن موقفهم, مؤكدًا لهم أن الميدان في حاجة للإخوان وأن الواحد منهم يساوي كتيبة كاملة قائلاً لنا : «إبقوا معنا» وكررها مرارًا.

وهذا بسبب أن هذا الرجل كان يدرك حقيقة قوة الإخوان ومدى بسالتهم وصمودهم في المعارك ورعب اليهود من كتائبهم.

ورد الأخ حسن دوح آنذاك قائلا: «ما دمت تعتبرنا كذلك فلنا ثلاثة مطالب:

أولها: أننا خرجنا باسم الإخوان المسلمين وسنظل كذلك فإذا حُلت الجماعة في مصر فلن تحل هنا.

وثانيها: ألا تتأثر بسياسة النقراشي .

وثالثها: أن تتم استشارتنا في المعارك التي تخوضها.

فلا شك أن ثمة مخاوف كانت لدينا من أن يتم استدراجنا لمعركة لا نعرف حقيقتها وتتم تصفيتنا, فقرار حل الجماعة في مصر كانت تفوح منه رائحة الغدر والخيانة, ولذلك طرحنا الشرط الثالث عليه, وكان الرجل ذكيًا، فطمأننا وقال: ستبقون كما جئتم إخوانًا لنا, وأوضاعكم لن تتغير، ولا تخشوا أي تأثير عليّ من قبل الحكومة, أما بالنسبة للشرط الثالث فأنا في حاجة ماسة لكم ولست بهذا السوء كي أتخلص منكم.

ولم يبدأ فؤاد صادق أي اعتراض على شروطنا, واشتركت كتائب الإخوان مع الجيش فيما بعد في العديد من المعارك, ولا يخفى علي أحد حينذاك أن بوادر الانهيار والوهن بدأت تدب في صفوف الجيش الذي انسحب من مواقع عديدة وتعرض لمطاردات من قبل اليهود, وكانت معركتا العريش والتبة 86 من أشرس ما خاضه الإخوان ضد اليهود بعد قرار حل جماعتهم.

معركة التبة 86

كانت من أهم المعارك التي خاضها الإخوان , حيث جاءت عقب قرار حل الجماعة في ديسمبر عام 1948 واعتقال الحكومة قيادات وزعماء الإخوان وعلى رأسهم المجاهد الشيخ محمد فرغلي قائد قوات الإخوان المسلمين في فلسطين والذي عاد إلى القاهرة لحشد مزيد من متطوعي الإخوان لدعم جبهة الجيش المصر ي الذي منى بهزائم متتالية منها ما حدث في التبة 86 التي تقع على بعد حوالي 2كيلو متر شرقي الطريق الرئيس بين غزة ورفح.


وقد انتهز العدو فرصة الهدنة والتي كانت وبالاً على الجيوش العربية بينما استغلها اليهود في دعم خطوطهم وتقوية صفوفهم ففوجئ الجيش المصري بهجوم على التبة مساء يوم 22من ديسمبر مدعومًا بقصف عنيف استطاعوا على أثره اقتحام التبة والسيطرة عليها, فاستنجد قادة الجيش بالإخوان في معسكرهم بالبريج, ورغم ما كان يخيم على مجاهدي الإخوان من حزن بسبب حل جماعتهم وإحساسهم بالغدر والخيانة إلا أنهم ضربوا أروع الأمثلة في إعلاء مصلحة الوطن فوق أي اعتبار, وسطروا للتاريخ أن فلسطين هي قضيتهم الأولى وأن دماءهم فداء لها, وأن غايتهم هي إرضاء رب العالمين وليس الوصول إلى جاه أو سلطان أو تحقيق مكاسب سياسية.

وعكس ما توقع الجيش تقد مجاهد الإخوان وروح الإيمان تملأ قلوبهم وروحهم المعنوية ترتفع ثقة في أن نصر الله آت لا محالة.

وانطلق الأخ كامل الشريف ومعه مجموعة منا, واستقبلنا جنود الجيش بالهتاف: (جاء رجال الله... جاء رجال السماء).

وبدأ التخطيط لاسترداد التبة من أيدي اليهود, وتقدم الإخوان تحت ستار من النيران الكثيفة لاقتحام مواقع العدو واحتلال خنادقه.

وقد تمت الاستعانة بمصفحات ودبابات الجيش للاحتماء بها أثناء التقدم نحو التبة، واستطاع الإخوان الصمود وقد انهمرت عليهم نيران العدو وتمكنوا من إسكات عدة مواقع تنطلق منها هذه النيران, وسيطرت مجموعات منهم على بعض خنادق التبة, الأمر الذي مهد للجيش لكي يقوم بهجوم شامل مضاد دمر تحصينات العدو الذي اضطر للتقهقر بعد تساقط العشرات من أفراده مخلفًا وراءه العديد من الأسلحة والذخائر. والأهم من ذلك أنه تم إنزال الهزيمة به واسترداد التبة ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى حيث كان العدو باحتلاله وسيطرته عليها يقطع شريان الإمدادات للقوات المصرية ويطوقها تمامًا.

وقد استشهد في معركة التبة خمسة من قوة الإخوان منهم الشهيد حسن العزازي من إخوان العريش، والشهيد سيد محمد منصور من إخوان الشرقية والأخ عبد الحميد بسيوني خطاب من إخوان الغربية وقد استشهد الأخيران بسبب ذعر قائد دبابة كانا يحتميان خلفها حيث انهالت نيران الأعداء عليه فارتبك واضطربت عجلة القيادة في يده فتراجع بدبابته للوراء فدهس جسدي الشهيدين عليهما رحمة الله؛ فقد جاهدوا في سبيله وبذلا دماءهما الطاهرة على أرض فلسطين الحبيبة، تقبلهم الله في الشهداء وأماتنا على ما ماتا عليه... آمين.

والحقيقة أن فؤاد صادق كان يخبر دوماً محمود فهمي محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الحكومة بحقيقة الموقف على الجبهة, وينقل له ما يشاهده من بطولات ومواقف مجيدة للإخوان في فلسطين . وقد أصر على منح شهادة الجدار الذهبي لفدائي الإخوان تقديرًا لصمودهم وبسالتهم في المعارك, وقبل أن يكون ذلك وسام شرف على صدور الإخوان , كان شهادة حق كشفت الظلم الذي تعرضوا له بحل جماعتهم واعتقال قادتهم.

الله أكبر ولله الحمد

وأذكر في هذا الصدد أنه تم استدعاؤنا ذات مرة كنجدة لقوات الجيش المصري, حيث طلب توفيق مجاهد قائد المنطقة من الأخر كامل الشريف ، التحرك بكتيبة من الإخوان لإنقاذ (العوجة) من السقوط في أيدي الصهاينة وتقديم الدعم لقوة من الجيش انطلقت منذ ثلاث أيام لأداء المهمة. بالفعل تحرك 35أخًا على رأسهم كامل الشريف وحسن دوح و فوزي فارس ، وفوجئنا أن القوة التي أرسلها الجيش تختبئ للأسف بعيدًا عن العوجة وترفض الاشتباك مع العدو، بل والأغرب من ذلك أنهم رفضوا إعطاءنا ما معهم من أسلحة كدعم لنا لأداء المهمة!!

.. وكانت النتيجة أن احتل اليهود مناطق عديدة، وبدأوا في التقدم بسرعة نحونا، وهو اضطر الأخ كامل الشريف إلى العودة للقيادة لإطلاعها على تطورات الموقف، والمطالبة بتعزيز المقاومة, وقد ذهبت معه وقدمت اقتراحًا لتوفيق مجاهد قائد منطقة العريش مؤكدًا له أن الجيش المصري إذا أخذ به فسوف ينتصر...

كان الاقتراح هو ترديد قوات الجيش لصيحة الله أكبر ولله الحمد عند أي هجوم على اليهود حتى يظنوا أنهم كتائب الإخوان المسلمين فيقع الرعب في قلوبهم ويفرون من مواقعهم بإذن الله.

ولكن توفيق مجاهد اعتقد أنني أمزح!! رغم أنني بالفعل كنت أقول الصدق, فكتائب الإخوان كانت توفر الحماية للجيش المصري الذي كان يعاني ضعفًا واسترخاء بسبب أسابيع الهدنة التي كانت تعقد بين الجانبين ويستغلها الصهاينة في تسليح أنفسهم. وكان اليهود يدركون من واقع معاركهم مع الإخوان أنهم يطلبون الموت والاستشهاد في سبيل الله, وكانت صيحة الله أكبر ولله الحمد كفيلة بقذف الرعب في قلوبهم مصداقًا لقوله تعالى: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾[الأنفال: 12]بينما هم على الجانب آخر كما قال الله تعالى عنهم ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾[البقرة: 96].

وكان الإمام البنا رحمه الله قد طلب من الحكومة أن يخوض الإخوان حرب عصابات ضد اليهود دون دخول الجيش، وبالتالي فليس علينا أي التزام بمعاهدات أو قرارات دولية, فإن انتصرنا عليهم –كما قال لهم- فهذا ما نبتغيه من الله، ولئن هزمونا وقتلونا فقد أراحكم الله منا. ولكن قوبل طلبه بالرفض!

وقد حاول الإمام البنا إرسال عشرة آلاف متطوع آخرين للجهاد في فلسطين ولكن النقراشي باشا رئيس الوزراء رفض أيضًا، فما لبثت أن سقطت العوجة في يد اليهود وتقهقر الجيش المصري في مشهد غريب، وبدأ اليهود يطاردون فلوله، وكأن حديث النبي صلى الله عليه وسلم تحقق على أرض الواقع «يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها –قالوا أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله قال بل كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة منكم من صدور أعدائكم وليقذفن في قلوبكم الوهن قيل وما الوهن يا رسول الله، قال حب الدنيا وكراهية الموت» صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ورغم ما كان من أمر الجيش المصري, إلا أن الأخ كامل الشريف أصدر أوامره لمجاهدي الإخوان بالعمل على إعاقة تقدم اليهود حتى يتمكن الجيش من الانسحاب دون تكبد خسائر.

اكتفى اليهود بما حققوه من انتصار وتوقفوا عن مطاردة قوات الجيش المصري الذي عسكر خلف تبة من التباب، بينما أقام الإخوان خطًا دفاعيًا أمام معسكره في مكان يسمه(سد الرفعة) يقع بين العريش وأحد الطرق المؤدية لمدينة الإسماعيلية .

وقرر كامل الشريف الذهاب لمقر قيادة الإخوان في غزة للتشاور في بعض الأمور وترك أمر القيادة للأخ حسن دوح الذي ظل متمسكًا بعدم الانسحاب رغم ما بدر من الجيش من تخاذل وتقهقر.

وحدث ما توقعناه, فقد استأنف اليهود هجومهم، وبدأت قوات الجيش في الانسحاب مرة أخرى من العريش رغم محاولاتنا المستميتة لإثنائهم عن ذلك وبث روح الجهاد والمقاومة في نفوسهم, وباءت محاولاتنا بالفشل وقلت لإخواني ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا﴾[التوبة: 47].

لن تسقط وفيها إخوان مسلمون

وتقدمت قوات العدو في اتجاهنا مدججة بالدبابات والعربات المصفحة وبأعداد كبيرة وكأنهم سيواجهون جيشًا بالفعل رغم أننا كنا 35 رجلاً فقط لا نملك شيئاً مما يملكون، سوى بعض الأسلحة الخفيفة، فالمعركة غير متكافئة بالمرة سواء في العدد أو في العتاد وهي بكل المقاييس العسكرية محسومة لهم قبل أن تبدأ ولا شك أن للقائد دوره في مثل هذه المواقف والأزمات, فقد رفع الأخ حسن دوح رحمه الله سلاحه ومصحفه ونادى فينا أن عاهدوا الله على عدم الانسحاب، فلن تسقط العريش إلا على عدم الانسحاب، فلن تسقط العريش إلا على أشلائنا، وأضاف: «لن تسقط وفيها إخوان مسلمون».

رفعنا أسلحتنا معاهدين على الموت في سبيل الله فهو أسمى أمانينا, وانطلقت ألسنتنا وقلوبنا تسأل الله الثبات والنثر وأن يمدنا بجند من ملائكته، فلا قبل لنا بمواجهة عدو يمكنه أن يسحقنا بدباباته ويدمرنا بقذائفه, ولكن إرادة الله كانت أقوى وأغلب, فقد أطلق أحد الإخوان طلقة أصابت جنزير دبابة فقطعته فتوقف طابور دبابات العدو وقذف الله الرعب في قلوبهم وكأن الله استجاب لدعائنا وأرسل إلينا أحد جنوده يقاتل معنا ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ﴾ [المدثر: 29].

لم نكن نصدق ما حدث, فالعدو توقف عن الزحف, وبدأت قواته في الانسحاب والتقهقر, وانطلقت قلوب وحناجر الإخوان تهتف الله أكبر ولله الحمد.

﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 249] فلم يكن أحد منا يتخيل أن ننقذ نحن العريش من السقوط حتى أن بعضنا من ذهوله لما حدث كان يكرر سؤاله: هل انسحبوا؟! غير مصدق ما حدث فقد كان ذلك آية من آيات الله ونصر من عنده سبحانه ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: 126]وما زلت حتى الآن أشعر بحلاوة الثبات في معركة العريش وحقا ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾[إبراهيم: 27].

ولحظات استشعار النصر يتنزل من السماء، وملائكة الرحمن تقاتل معنا, فقد كنا ضعفاء ولكن أعزنا الله.

وصلت أنباء معركة العريش للواء فؤاد صادق قائد الجيش المصري وأخبره قادته المنسحبون من الجيش أن ألف جندي يهودي و100 دبابة و200مصفحة تتقدم صوب العريش وكان ضرب من الجنون من وجهة نظرهم التورط في معركة مع العدو هي خاسرة بالتأكيد, ولكن كامل الشريف أخبر فؤاد صادق بأنه إذا كان ما يقول رجاله صحيح فإن 35رجلاً من الإخوان صدوا الهجوم وحدهم.

كان تقدم اليهود في هذه المعركة يعني توغلهم في الأرض المصر ية حتى مدينة الإسماعيلية وباقي مدن القناة , وقد استطاع الإخوان تطهير مساحات كبيرة من الأرض المصر ية ومواقع عديدة داخل فلسطين من الوجود الصهيوني، وكان يتم عقب تحريرها تسليمها للجيش المصري.

وتعد معركة العريش من أشرس المعارك التي خضناها ضد اليهود الذين كثفوا من هجماتهم على مواقع الجيش المصري ظنا منهم أن كتائب الإخوان المسلمين قد رحلت إلى مصر بعد صور قرار حلها، ولكن خاب ظنهم ونُكست رايتهم بفضل الله في معركة العريش التي كانت آخر ما شاركت من معارك في فلسطين .

استشهاد البطل أحمد عبد العزيز

من الأحداث التي مرت بنا في فلسطين استشهاد البطل أحمد عبد العزيز ، قائد المتطوعين، الذي أذاق اليهود الكثير بفدائيته ومعاركه الباسلة, فقد كان حقًا قائدًا مخلصًا لدينه ولأمته.

وكان ذلك هو سبب التخلص منه، فقد سافر إلى القاهرة والتقى بالمرشد العام الأستاذ حسن البنا يوم 20من يونيو، وجاء الخبر أنه بايع الإمام البنا , وقد تسرب الأمر بين قيادات الجيش.

ومما روُى عن استشهاده أنه حضر مفاوضات في القدس بني الجيش المصري ومسئولين يهود في منزل المندوب السامي البريطاني، وبعد الاجتماع انطلق إلى غزة ليلاً بسيارته ليبلغ محمد علي المواوي الذي كان قائدًا للجيش المصري قبل فؤاد صادق بنتائج المفاوضات, ويقال إنه تم إيقافه في الطريق ولم يعرف كلمة سر الليل... فتم إطلاق النار عليه, ولكن هذه الرواية شكك فيها معظم المتطوعين، فقد كانت هناك مخاوف لدى قادة الجيش من توجهات أحمد عبد العزيز بعد لقائه بالبنا وأحاديثه المستمرة عن ضرورة تحرير مصر من الاستعمار وحكم المستبدين، ولذلك توقع له البعض هذا المصير. وقد كان أمراً محزنًا للغاية أن يتم اغتيال بطل مصري كثيرًا ما أرهق أعداء الله, تغمده الله برحمته, وأسكنه فسيح جناته, وقد أقيم له نصب تذكاري في مدافن الشهداء ببيت لحم وتسلم بعده مقاليد الأمور البكباشي محمد عبد الجواد طبالة .

حصاد الفالوجا

أيضًا من المواقف البطولية التي تحسب لمجاهدي الإخوان في فلسطين ما حدث من حصار اليهود لمعسكر الجيش المصري في الفالوجا والذي كان يضم حوالي خمسة آلاف جندي, ولم تستطع طائرات الجيش تموين القوات المحاصرة لشراسة مدفعية العدو، وعجزت مختلف تشكيلات الجيش عن القيام بهذه المهمة، ولذلك لجأت القيادة إلى متطوعي الإخوان ، وتم تكليف الإخوان الموجودين في صور باهر باختراق الحصار وإمداد المحاصرين بالمؤن والأغذية رغم أن المهمة بلا شك كانت محفوفة بالمخاطر, إلا أن جرأة وشجاعة مجموعة الإخوان ومنهم الأخ حسن الجمل لم تأبه لذلك, واستطاعت الوصول إلى ثغرة للنفاذ منها إلى القوات المحاصرة التي كان فيها جمال عبد الناصر وزكريا محيي الدين وتوصيل ثلاثة قوافل من الجمال محملة بالمؤن والذخيرة لإخواننا من الجيش المصري دون تكبد أية خسائر مع العدو أو الاصطدام به, إلا أن اليوزباشي معروف الحضري وقع في الأسر في المرة الثالثة, وظل كذلك حتى تم تبادل الأسرى فأفرج عنه وهو أحد أعضاء تنظيم الضباط الأحرار, ولكن عبد الناصر أمر باعتقاله عام 1954 حيث قضى في السجن الحربي عامين تعرض خلالهما للتعذيب وفي محنة 1965 عذب عذابًا شديدًا على يد شمس بدران وصدر ضده حكم بخمسة عشر عامًا سجنًا, وقد توفاه الله بعد خروجه رحمه الله رحمة واسعة.

استشهاد الإمام البنا

عرفنا بنبأ اغتيال الإمام البنا ونحن في فلسطين , أي في مواجهة العدو وجها لوجه، بينما تتوالى الطعنات ف ظهورنا بدءًا من إصدار حكومة النقراشي باشا قرارها بحل جماعة الإخوان المسلمين ومصادرة ممتلكاتها ثم اعتقال أفرادها وقياداتها, وأخيرًا اغتيال مرشدها وإمامها الأستاذ حسن البنا في الثاني عشر من فبراير 1949 ، وهو ما أصابنا بصدمة كبيرة, فبكي الإخوان وبكي معهم الشعب الفلسطين ي والمتطوعون, وتقدمت قيادات الجيش المصر ي بالتعازي للإخوان في رحيل هذا القائد الذي حمل مسئولية تحقيق حلم تحرير فلسطين على عاتقه هو وجماعته، فاغتالته أيدي الغدر بمؤامرة صهيونية غريبة لتظل دماؤه شاهدة على تواطؤ الأنظمة العربية وخيانتها لقضايا الأمة, وكيد الأعداء وذيولهم لدعوة حسن البنا الذي ظل أتباعه شمعة النور التي تضيء للأمة وهي تتخبط بين مناهج وأفكار غريبة علمانية وتتعرض لمؤامرات صهيونية, وهم لا يألون جهدًا في إخراجها من الظلمات إلى النور, وما زال أبناؤها في فلسطين هم نبض الجهاد والاستشهاد، ورغم ذلك يتعرضون في الداخل والخارج للزج في السجون والمعتقلات وتوجه إليهم أقذر وأحقر التهم ?يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ? [التوبة:32].

قرية مجاهد

يذكر الفضل لأهل الفضل، فقرية (حوض نجيح) التابعة لمركز ههيا بمحافظ الشرقية لها كل تقدير في حرب فلسطين والقناة ، وتستحق أن يطلق عليها لقب القرية المجاهدة, فقد شارك خمسة وعشرون من أبنائها الإخوان ضمن المتطوعين في حرب اليهود، بينما يقوم خمسة وعشرون مثلهم من أبناء القرية بزراعة أراضيهم ورعاية مصالحهم, وعندما تحصل المجموعة الأولى على إجازة يقوم الآخرون بشغل مواقعهم في ساحة المعركة, وهكذا كان يتبادل إخوة حوض نجيح الأدوار وعلى رأسهم المرحوم الأخ سيد شراقي الفلاح الشهيد الذي قاد كتيبة الفلاحين أروع الأمثلة في النضال والكفاح دون الحاجة لشهادات أو مؤهلات علمية, سوى الضمير الحي والإيمان اليقظ والحس الوطني الجارف وحب الاستشهاد في سبيل الله, وما أعظمها من مؤهلات تعجز الكثيرون عن نيلها. وقد كان للأخ سيد شراقي ما تمناه فاستشهد وهو يزحف على أرض التدريب بقرية (تل بسطة) بالشرقية ليضع وسامًا على صدر كل فلاح مصرى.

جهاد الإخوان في القناة

رغم ما حدث للإخوان المسلمين بعد حرب فلسطين ، إلا أنهم أعدوا العدة ليسطروا صفحة مشرقة يذكرها التاريخ دومًا لنضالهم ضد الاستعمار الإنجليزي وجهادهم لتحرير تراب الوطن وتحقيق حلم المصريين في الاستقلال التام, لتؤكد جماعة الإخوان المسلمين لكل منكر وجاحد دورها في أنها نبض الأمة وروحها... ولم لا؟!

فروح الجهاد والاستشهاد تسري في عروق ودماء أبنائها, وملاحم كتائبها البطولية ماثلة أما الجميع في فلسطين والقناة , وما زال مداد نبضها مستمرًا... إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

فرغم محنة الإخوان الأولى بعد حرب فلسطين وقد أثخنتهم الجراح بعد حل جماعتهم واغتال مرشدهم وتجميد أنشطتهم ومصادرة ممتلكاتهم واعتقال أفرادهم واتهامهم بالإرهاب والإجرام، وفوق ذلك ألمهم وحزنهم الأكبر لعدم تحرير القدس من أيدي اليهود بسبب انعقاد الهدنة بين الطرفين وسحب الدول العربية جيوشها لتكتمل نكبة 1948 ويغتصب الصهاينة فلسطين -إلا أنهم عادوا ليلبوا نداء الجهاد ويهبوا لنصرة الوطن حيث ألغت حكومة الوفد معاهدة 1936 مع بريطانيا, أعلن ذلك مصطفى النحاس رئيس الوزراء آنذاك يوم الثامن من أكتوبر عام 1951، وكان هذا يعني الحرب ضد الاستعمار البريطاني, وهذا يستلزم معالجة الجبهة الداخلية وتعبئة الجماهير للوقوف خلف الحكومة ضد أعدائها.

وقد سرى الحماس يفعل قرار النحاس، وبات الجميع يطالب بالحرب لإرغام الإنجليز على الجلاء.

سعت حكومة الوفد بالفعل لتنشيط الحركة الوطنية في البلاد فاتخذت إجراءات للتخفيف من الضغوط المفروضة على الإخوان والإفراج عنهم, وكان فؤاد سراج الدين هو وزير الداخلية آنذاك، وبدأت إقامة معسكرات المتطوعين والفدائيين لإطلاق حرب استنزاف الإنجليز في القناة .

وكعهد الإخوان دومًا، أقوياء بدعوتهم لا يهابون الموت في سبيل الله، قررت الجماعة وعلى رأسها المرشد العام المستشار حسن الهضيبي رضي الله عنه وأرضاه، دخول معركة القناة , وتم تكليف الأخ كامل الشريف أحد قادة الإخوان المسلمين في حرب فلسطين بقيادة كتائب المجاهدين في القناة , وبدأ الإخوان في حشد وتنظيم الصفوف وفتح معسكرات التدريب والتي انضم إليها طلاب الجامعات المصر ية للإعداد لحرب عصابات طويلة الأمد ضد المعسكرات الإنجليزية في السويس وبورسعيد التل الكبير والقنطرة والإسماعيلية , بينما على جانب آخر سير الإخوان المظاهرات تجوب شوارع القاهرة ومختلف المدن ضد الاحتلال، وأشعلوا حملة مقاطعة لمعسكرات الإنجليز وفرضوا حصارًا مشددًا عليها يحول دون تدفق المواد الغذائية واستمرار تعامل التجار معهم واشتعال العمال المصر يين لديهم عبر حملة توعية بين مختلف فئات الشعب من خلال المساجد وخطب الجمعة ووسائل الإعلام لشحذ همم المقاومة للعدو، فالحرب يجب أن تكون اقتصادية وإعلامية وعسكرية وعلى غيرها من الأصعدة لشل حركة العدو وإظهار عجزه.

أما فيما يتعلق بالعمليات الفدائية فقد تم استدعائي ذات يوم من قبل الإخوان ومعي الأستاذ على نعمان والأخ حسن الجمل وعبد الرحمن البنان وفوزي فارس وحسن عبد الغني ومحمد علي سليم, واجتمعنا في منزل الأستاذ جمال فوزي حيث أخبرنا الأستاذ كامل الشريف بالمهام الموكولة إلينا في حرب القناة .

وفي اليوم التالي تم اللقاء في ميدان رمسيس, حيث تقرر التحرك لمدينة الزقازيق بالشرقية , وكان معنا حقيبة كبيرة مليئة بالسلاح لم يعرف محتواها, وقد نزلنا في لوكاندة اسمها «لوكاندة الشمس» وتولت مجموعة أخرى نقل السلاح إلى منطقة (أبو حماد).

عملية التل الكبير

تنوعت عملياتنا ضد الإنجليز بين نصب الكمائن وإلقاء القنابل على سياراتهم ونسف القطارات ومخازن الأسلحة التابعة لهم.

وقمنا عقب وصولنا إلى (أبو حماد) بعمليات استكشاف لمعسكرات الإنجليز هناك, وكان أشهرها (معسكر العباسية) ويوجد بالقرب من شريد السكة الحديد.

وقد تم تكليفي بالقيام بعملية استطلاع ليلية حول المعسكر، فاتفقت مع عامل البلوك واسمه (أمين الجدع) وهو خال الدكتور أحمد الملط وكيل الإخوان –رحمه الله- على مرافقته في نوبتجية عمله منذ الخامسة مساءً وحتى الصباح الباكر، وارتديت زي عامل في السكة الحديد واستطعت عبر التواجد معه استكشاف المنطقة جيدًا وجمع أكبر قدر من المعلومات المهمة حول قوة المعسكر وتحصيناته والتي على أساسها تم وضع خطة الهجوم على الإنجليز في التل الكبير... وهي العملية التي قام بها طلاب الجامعات المصرية وكان من المفترض أن أشارك فيها حيث كنت على دراية كبيرة بالمنطقة، ولكن صدرت تعليمات لي مع الأخ كامل الشريف بالتحرك للقنطرة للانضمام إلى الإخوان هناك وكان علىّ السمع والطاعة رغم حزني لعدم المشاركة في هذه المعركة التي وقعت يوم 12/ 1/ 1952 حيث تمكن طلبة الإخوان المسلمين من تفجير قطار إنجليزي محمل بالجنود والأسلحة في عملية بطولية كبيرة أفردتها الصحف البريطانية.

وحاصر الإنجليز بقوات كبيرة منطقة الحادث لتطويق منفذيه، واستمر شباب الإخوان في إطلاق نيرانهم رافضين الاستسلام حتى نفذت ذخيرتهم وصعدت أرواحهم إلى بارئها, وكان من شهداء تلك المعركة الأخ الشهيد أحمد المنسي والأخ الشهيد عمر شاهين من طلاب جامعة القاهرة التي خرج طلابها لوداع شهيدين كانا رمزًا لنضال الشباب، فعمرهما الذي لم يتجاوز العشرين لم يكن حائلاً دون حمل راية الجهاد والاستشهاد في سبيل الله, يعيدان بذلك للأذهان بطولات مصعب بن عمير ومعاذ بن جبل وأسامة بن زيد وغيرهم من شباب محمد صلى الله عليه وسلم تقبلها الله في الشهداء وجعلهما نبراسًا لطلاب جامعتهم وغيرها من جامعات مصر .

واستمرت عملياتنا تستهدف الجنود الإنجليز حيث كان يتم استدراجهم للخروج من معسكراتهم عن طريق قطع كابلات التليفونات أو تفجير مواسير المياه الأمر الذي يضطرهم للخروج لإصلاحها وبالتالي يصبحون صيدًا سهلا لمقاتلينا، حيث نصبنا لهم أكثر من كمين ناجح تكبدوا فيها خسائر فادحة في دقائق معدودة, فقد كانت الحرب كرًا وفرًا وعملياتنا تنفذ بدقة وسرعة ويتم الانسحاب بعدها إلى القرى المجاوزة ومنها «عزبة الجبل» حيث كنا نتمركز بها ولنا بها مخزن للسلاح، وكان من الصعب على القوات الإنجليزية الاستمرار في مطاردتنا داخل القرى فهي تخشى أن تقع في كمائن أخرى تم نصبها.

وأذكر أن الأخ محمود عبده رحمه الله وكان يقود المتطوعين من الإخوان في القناة أصدر تعليمات صريحة بعدم تنفيذ أية عمليات عسكرية في النهار مهما كانت مضمونة النتائج وذلك لتجنيب أهالي القرى المحيطة حملات التمشيط والتفتيش الإنجليزية وحرمانًا للعدو من استغلال ضوء النهار في مطاردة مجاهدي الإخوان .

ولذلك بدأ التخطيط لتنفيذ عمليات ليلية تؤدي نفس الغرض؛ من استنزاف العدو وبث الرعب في صفوفه وشهد طريق يعرف باسم «طريق المعاهدة» إحدى هذه العمليات ضد قوات الحراسة التي تؤمن معسكرات الإنجليز، فقد تم استهداف فرقة إنجليزية كانت تقود دبابتين على هذا الطريق ولإطلاق النار عليهما كان لابد أن يتم ذلك من مسافة قريبة لضمان إصابتها حيث كانتا تسيران بشكل متواز، وشاء الله أنه كلما اقتربتا منا كانتا تقتربان من بعضهما، ولم يعد يفصل بينهما سوى مسافة قصيرة فانهمرت نيراننا وقنابلنا اليدوية من كل اتجاه تحصد جنود العدو وتدمر دباباتهم قبل وصول النجدة التي استغاثوا بها.

نسف قطار إنجليزي

من أهم العمليات التي قام الإخوان بها في القناة , نسف قطار إنجليزي محمل بالجنود والأسلحة والذخائر كان قادمًا من بورسعيد إلى الإسماعيلية وكان من الصعب تحديد مواعيد وصول القطارات الإنجليزية، فقد كان الإنجليز يتعمدون تسيير قطار مصري وآخر إنجليزي دون تحديد مواعيدهما إلا بفترة قصيرة كما كان الإنجليز يضعون عربتي بضاعة أمام جرار القطار تحسبًا لوجود أية ألغام ناسفة على القضبان.

ولذلك تطلبت هذه العلمية بالتحديد تحركات مختلفة ودراسة جيدة من المجموعة المكلفة بأداء المهمة لخطط تنفيذها.

وقد ظللت لفترة ومعي الأخ كامل الشريف نراق حركة القطارات لرصد كل صغيرة وكبيرة؛ عن مواعيد مرورها وعدد عرباتها وطبيعة ما تنقله.

وتقرر بعد الإعداد والتخطيط نسف القطار بأكمله؛ بتلغيم أسفل شريط القضبان بعبوات ناسفة, وكان من المفترض أن يقوم شخص بعملية التفجير عن قرب, وهو ما يعني أن حياته محفوفة بالخطر ،وقد لا ينجو من العملية. ونال شرف التنفيذ الأخ عبد الرحمن البنان «أطال الله في عمره» والذي دلنا قبل تحركه على من نبلغه نبأ استشهاده, فالإخوان كانوا وما يزالون على أتم استعداد لتقديم أرواحهم رخيصة من أجل مصر وكل بلد مسلم، فموت أحدنا رغم أنه عزيز علينا لكنه يهون في سبيل تطهير ديارنا من دنس المستعمر ودع الإخوان أخاهم عبد الرحمن البنان ، فربما لا يرونه مرة أخرى! وانطلقوا بعيدًا عن موقع القطار لأن الإنجليز سيمشطون المنطقة بأكملها عقب التفجير.

وصل القطار الإنجليزي إلى منطقة الألغام يجر (25) عربة محملة بالمؤن والأسلحة الجنود حتى إذا حانت لحظة التنفيذ ضغط الأخ عبد الرحمن –وكان على مسافة خمسين مترًا تقريبًا من الهدف- على زر المولد الكهربي المتصل بالألغام الناسفة فانفجر القطار وانقلبت عرباته على طريق القناة بعد أن تحطمت واشتعلت النيران فيها، وتكبد العدو في هذه العملية خسائر فادحة, في العدد والعتاد، وتعطل مرور قطاراته على خطوط السكك الحديدية حيث تكررت عمليات نسفها, وأصيبت شبكة مواصلات العدو بالشلل والرعب من تفجيرات الإخوان .

والمفاجأة أن الأخ عبد الرحمن عاد إلى إخوانه سالمًا غانمًا حيث تخفي وسط المياه في ترعة صغيرة بعيدًا عن أعين الإنجليز حتى استطاع الوصول إلى إحدى القرى والتي استقبله أهلها حيث طلب منهم تغيير ملابسه ورفض المبيت عندهم، فاحتمالات قدوم الإنجليز لتفتيش القرية قوي، ثم طلب منهم الذهاب إلى عزبة اسمها (البياضية) تبعد عن الطريق، فسار ليلا ممتطيًا حمارًا حصل عليه من أبناء القرية التي استطافته.

وحكي لنا عبد الرحمن البنان بعد عودته أنه نام على ظهر الحمار وفجأة توقف به في الطريق فاستيقظ فوجد نفسه أمام بيت (عميرة) وهو أحد الإخوان وقد شارك معنا في الأعمال الفدائية وحكم عليه بعشر سنوات في عهد عبد الناصر .

وقد سُر الإخوان كثيرًا لنجاة أخيهم عبد الرحمن ونجاحه بفضل الله في تنفيذ العملية دون أن نتكبد أية خسائر سوى استشهاد رجل كان يصطاد في القناة أطلق الإنجليز النار عليه عقب وقوع العملية التي أحدثت صدى كبيرًا، واعترفت إذاعة لندن بأنها عملية جريئة ومنظمة وأن عصابات الإخوان المسلمين –على حد زعمها- قد دخلت المعركة بقوة ضد القوات البريطانية.

تفجير مخازن الإنجليز

وتوالت عمليات الإخوان القوية والجريئة ضد المحتل ولم يماثلهم أحد في ذلك (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)[المطففين: 26]فقد استطاع ثلاثة من الإخوان وهم الأخ عبد الملك الشافعي والأخ خطاب سيد خطاب والأخ إسماعيل عبد النبي، وقد شاركوا في حرب فلسطين , تنفيذ واحدة من أكبر العلميات الفدائية, حيث خططوا لنسف مخازن أبو سلطان التي كانت أكبر قاعدة عسكرية تحوى أسلحة وذخائر للجيش الإنجليزي. ورغم تحصيناتها المنيعة وأبراج حراستها العالية إلا أن فدائيي الإخوان تمكنوا من قطع الأسلاك الشائكة حول المنطقة والنفاذ إلى مخازن العدو ووضع أصابع الديناميت بالقرب منها ثم إشعال فتيلها فانطلق انفجار هائل أشعل مخازن الذخيرة ودمرها تدميرا.

ونجا بحمد الله منفذو العملية دون أن يصيبهم أذى، بعد أن قذف الله الرعب والفزع في قلوب الإنجليز. ومن العمليات التي لم أعايشها ولكني سمعت عنها محاولة تفجير إحدى البواخر أو الناقلات البريطانية عند عبورها في قناة السويس لتوجيه ضربة قوية إلى بريطانيا التي كانت تفتخر أمام العالم بأن حامية القناة والملاحة بها, وتم تجهيز لغم مائي يطفو على عمق قريب من سطح الماء لإصابة الهدف المطلوب، إلا أنه بعد الاستعداد الجيد للتفجير أوقف الأخ الضابط صلاح شادي تنفيذ العملية رغم إصرار البعض على تنفيذها، والسبب ورود معلومات إليه بأن السفينة المستهدفة تحمل أطفالاً على متنها.

توالي الأحداث

ما أروية ليس رصدًا لما جرى من أحداث بشكل كامل ولكنه هو ما عايشته في فلسطين والقناة وما بعد ذلك من أحداث.

وكما ذكرت سلفًا فقد استشهد الإمام البنا عام 1949 ونحن في فلسطين ، وبدأت الاعتقالات في صفوف الإخوان وقد حذرنا اللواء فؤاد صادق قائد الجيش المصري من النزول إلى القاهرة لأنه سيتم اعتقالنا كان الرجل يحترم الإخوان ويقدر دورهم، ولذلك حرص ألا يمسنا سوء، وبقينا بالفعل في رفح لمدة ستة شهور عوملنا خلالها معاملة كريمة, ثم انتقلنا إلى العريش، ثم عدنا بعد ذلك إلى القاهرة للمشاركة في حرب الفدائيين ضد الإنجليز في القناة عامي 1951و 1952 لا سيما وأن حكومة الوفد اتخذت إجراءات للتخفيف عن الإخوان ، وأوقف فؤاد سراج الدين وزير الداخلية في حكومة النحاس حملات الاعتقال الموجهة لهم, وكان ذلك من أجل توحيد الجبهة الداخلية لمواجهة الاستعمار البريطاني ولا يخفى على أحد أن رفع لواء الوطنية وغيرها من الشعارات لن يجدي كثيرًا إذا لم يتم تدعيم ذلك بالروح الإسلامية فهي أقدر وأقوى وأمتن من غيرها، فلا تقتلعها العواصف والفتن, ولذلك كان دخول الإخوان المعركة شيئًا ضروريًا لدى كل عاقل يدرك طبيعة الصراع بين الحق والباطل.

وقد توالت الأحداث بعد ذلك، فقد رقع حادث 25 يناير 1952 حيث ارتكب الاحتلال مذبحة ضد قوات الشرطة المصرية في محافظة الإسماعيلية , وصار ذلك اليوم عيدًا للشرطة وفي يوليو من نفس العام اندلعت ثورة يوليو, كما تعرضت القاهر للحريق بتدبير الإنجليز وهو ما عرف باسم ( حريق القاهرة ) وذلك لإقاف المقاومة المسلحة ضدهم وتوجيه ضربة قوية للشعب المصري وتمت الإطاحة بحكومة الوفد .

ثم تولى على ماهر رئاسة الحكومة, وبدأ العمل لوأد حركة المقاومة, إلا أنه فشل في ذلك، واضطرت الحكومة، البريطانية إلى الانسحاب من مصر وعقد اتفاقية الجلاء والتي كان للإخوان دور كبير في إجبار المستعمر على التوقيع عليها.

حادث المنشية

في الأيام الأخيرة من عام 1954 كنت مقيمًا بالقاهرة , وكثيرًا ما كانت تتم لقاءات بيني وبين الأستاذ إبراهيم الطيب والأستاذ يوسف طلعت النقاش في أمور الدعوة وأحوال البلاد.

وإذا بنا نفاجأ في أحد الأيام بمحاولة الاغتيال المزعومة للزعيم جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالأسكندرية , وقد أصابني الأمر بالغضب واعتقدت في بداية الأمر أنه تم التخطيط للحادث من وراء ظهورنا ودون استشارة الإخوان لا ينتهجون مثل هذه الأساليب، ولذلك أحس الأخ يوسف طلعت بما يدور في نفسي واستنكاري لما حدث، فأقسم له بالله العظيم أنه لا يعلم شيئًا على الإطلاق عن هذا الحادث، وأن الإخوان فوجئوا به مثل غيرهم.

وتأكد فيما بعد أن حادث المنشية كان ملفقًا للإخوان للزج بهم في السجون والمعتقلات، ولم تكن أحداثه منطقية بالمرة, فالإخوان الذين أتقنوا فنون الحرب والقتال في فلسطين والقناة ليس من المقنع أن ينفذوا عملية اغتيال لزعيم مثل عبد الناصر بإطلاق رصاصة أو رصاصتين عليه من مسافة بعيدة وقد تمرسوا في فن نصب الأكمنة والفخاخ.

ولذلك لم يستطع أحد أن يثبت تورط الإخوان في هذا الحادث الذي كان مقدمة لمحنة جديدة للإخوان المسلمين.

اعتقال

انطلقت حملة واسعة من عبد الناصر وزبانيته لاعتقال أفراد الإخوان والزج بهم في السجون سنوات وسنوات وممارس ة أبشع أنواع التعذيب والاضطهاد ضدهم بشكل يندي له الجبين وسيظل وصمة عار في تاريخ الزعيم خالد الذكر.

بعد حادث المنشية عدت إلى البيت في (كفر وهب) فعلمت أنني مطلوب القبض علي فلم أمكث فيه، وظللت متخفيًا لمدة خمسة عشر يومًا حتى تم اعتقالي في أحد شوارع القاهرة وترحيلي إلى قسم مصر الجديدة، حيث تعرضت للإهانة والتعذيب لاستنطاقي والحصول على معلومات بشأن مكان أسلحة الإخوان ، ولكن لم يكن لدي فكرة عن ذلك تمامًا فلم يصدقوني واستمروا في تعذيبي حتى رحلوني إلى السجن الحربي –عفا الله الجميع من دخوله فداخله بالفعل مفقود وخارجه مولود، فهو يقدم كافة أصناف التعذيب بدون حساب، وكان ذلك أبرز سمات زبانيته غفر الله لهم.

خلف القضبان

(سبعة عشر عامًا) كانت هي رحلتي خلف القضبان، ومنذ عام 1954 وحتى عام 1971 ، في معتقلات عبد الناصر , ما زالت أحداثها عالقة في ذهني تفضح الظلم والطغيان الذي تعرض له الإخوان المسلمون ، وما زالت دماء من استشهدوا منهم تطوق أعناق الظالمين إلى يوم الدين.

وصلت للسجن الحربي في الثانية صباحًا حيث تم اقتيادنا إلى زنزاناته وبات كل منا ليلته.

وفي الصباح بدأ السجان ينادي أسماءنا بينما الضرب بالكرابيج ينهال على أجسادنا بلا ذنب اقترفناه... وهكذا كان برنامج كل يوم من التاسعة صباحًا وحتى الثانية بعد الظهر، يذوق كل منا ما أسميناه «وردية تعذيب» تُمارس خلالها كافة أصناف الإذلال والإيذاء, فالسجن الحربي كان أشبة بسلخانة بشرية نذوق فيها كل أنواع التعذيب ونحن عرايا لا نرتدي سوى السراويل؛ وتيم تحت وطأة ما نعانيه إجبارنا على الاعتراف بالاشتراك في حادث المنشية وبالانضمام إلى تنظيمات سرية.. وغيرها من التهم الملفقة.

وبعد انتهاء (الوردية الأولى) كان الإخوان يرجعون إلى زنازينهم يضمدون جراح بعضهم ويتلمسون جلودهم التي ألهبتها السياط ويطمئنون قلوبهم بذكر الله ويشدون من أزر بعضهم بترديد قول الله تعالى (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[التوبة:51]. وكلمات نبينا محمد صلوات ربي وسلامه عليه لعبد الله بن عباس رضي الله عنه «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك»

وفي الخامسة مساًء من كل يوم كان يأتي موعد (دورية التعذيب الثانية) ولا حول ولا قوة إلا بالله، حيث كان الإخوان يتعرضون لانتهاكات زبانية عبد الناصر ....وما يجدي الصراخ!

كان لكل دوره في التعذيب وكان زبانية الظالم يتطوعون لإذلالنا وإهانتنا، وكأنهم والله يتنافسون في الخير!!

لقد لفظ الكثير من الإخوان أنفاسه تحت وطأة التعذيب، أذكر منهم الأخ أحمد شعلان والأخ محمد عواد والأخ زكريا البشلول وآخرين استشهدوا في سبيل الله، عليهم رضوان الله جميعًا.

ذات يوم قررت إدارة السجون الحربي تجميع الإخوان في ساحة السجن لتسجيل أسمائهم طبقًا للترتيب الأبجدي، وكان ذلك تخفيف من الله ?، فقد التقى الإخوان سويًا وأخذوا يتبادلون الابتسامات الصادقة والنظرات الحانية, ورغم قسوة ما تعرضوا له فكنت ترى هذا يشد على يديك ويقول لك «محنة وهتعدي» وآخر يقول «شد حيلك» وثالث يقول «كلمة عند الله مآسي».

وإذا بالأخ رشاد المنسي يقف قائلاً: يا إخواني عليكم بذكر الله وليردد كل منا «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وأفوض أمري إلى الله، وحسبي الله ونعم الوكيل، وأستغفر الله العظيم» وانتظروا الفرج من الله.

كانت كلماته بردًا وسلامًا وطمأنينة لقلوبنا، وحقًا فكما يقول المولى (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد:8].

إن ما حدث كان ثباتًا من الله ? للإخوان في محنتهم وتخفيفًا لهم مما هم فيه، وقد داومت على ترديد تلك الأدعية بالليل والنهار طيلة سبعة عشر عامًا.

كانت التحقيقات تتوالى معنا تحت ضغوط مستمرة لاستخلاص أية معلومات يمكن أن تفيدهم, رغم أن معظم الإخوان صاروا في المعتقلات ولم يعد لهم وجود حقيقي في الخارج, ثم إن الأمر كله قد صار لعبد الناصر وحاشيته، إلا أن الظالم دائمًا يخشى دائمًا صوت الحق ويعمل ألف حساب لأهله.

ومن الطرائف التي حدثت معي، أنني قد استدعيت أكثر من مرة للتحقيق، وأذكر ما حدث في إحداها بيني وبين أحد ضباط المخابرات ويدعى (محمد نصير) حيث بدأ في استجوابي بمكتبه, فطلبت منه من يضمد جراحي فسبني وانهال على بالضرب، ثم ما لبث أن أمر بإحضار من يقدم لي الإسعافات الأولية، وزاد من كرمه أن طلب لي «كوب شاي».

الغريب أن العسكري الذي أحضر الشاي همس في أذني قائلاً «هيضربوكم بعد ما تشربوا» فقلت له سواء شربنا أم لم نشرب هيضربونا!! ولنا مدة لم نشرب خلالها شاي أو أي مشروب ساخن ... وحاول الضابط المذكور استخلاص ما يريده خلال ثلاثة أيام كانت مدة التحقيق معي، ولكنه فشل وأمر بإعادتي إلى زنزانتي.

لم أمكث سوى ربع ساعة حتى جاء من يستدعيني لمقابلة ضابط أخر يدعى «إبراهيم عبد السلام»حاول معي أيضًا للحصول على أية معلومات، وكان من عادتهم أن تستمر التحقيق لمدة يومين أو ثلاثة كنوع من الضغط على أعصابنا للاعتراف بما يريدونه لإدانتنا.

فشل إذا هو الآخر في الحصول على ما يريد، وتم ترحيلي إلى سجن القلعة الذي قضيت فيه مع إخواني أيامًا قاسية, حيث تم حبس كل منا في زنزانة فردية تملؤها المياه، فضلاً عن قلة الطعام وآلام الجراح التي أحدثها التعذيب في أجسادنا، وفوق ذلك كله استمرار وجبات الاعتداء علينا ونحن معصوبو الأعين.

ما تعرضنا له طيلة الفترة الماضية كان قبل مثولنا أمام المحكمة التي أصدرت أحكامها علىّ بالسجن لمدة خمسة عشر عامًا، كما حكمت على إخواني أيضًا دون ذنب اقترفناه.

انتقلنا بعد ذلك إلى سجن ليمان طرة، فواصلنا العمل به في تكسير الحجارة, وهو أمر غاية في المشقة حيث كان يتم إلزامنا بملء ست سيارات يوميًا، وإلا تعرضنا للتعذيب والتنكيل.

معسكر إخواني

لم يستمر اعتقالي كثيرًا في ليمان طرة, فقد رحلوني ومائة من الإخوان إلى سجن الواحات الخارجة, وكان أشبه بمعسكر في الصحراء، حققنا خلاله استفادة كبيرة, وتتلمذنا فيه على يد إخوة لنا علماء وأطباء ومهندسين، فكان السجن أشبه بمدرسة نتلقى فيها دروس الفقه والسيرة والتفسير والحديث وغيرها من العلوم على يد نخبة كريمة من الأساتذة أذكر منهم الأستاذ عمر التلمساني، والأستاذ أحمد شريت، والدكتور كمال خليفة, والدكتور حسين كمال الدين, والدكتور خميس حميدة, جزاهم الله عنا خير الجزاء ورحمهم رحمة واسعة.

ومن رحمة الله وفضله أن رزقنا سبحانه في أوائل الستينيات بمأمور للسجن اسمه (محمود عرابي) وهو رجل طيب القلب ذو خلق حميد، كان يعامل الإخوان معاملة كريمة, واجتمع بنا ذات مرة وأخبرنا أن المسئولين طلبوا منه كتابة تقرير عن الإخوان المعتقلين ورصد أقوالهم واعترافاتهم فاتفق الرجل معنا على إعطائنا مهلة أسبوع حتى يفكر كل أخ فيما سيدلي به من أقوال!.

قضيت في سجن الواحات ثلاث سنوات كانت أقرب كما قلت إلى معسكر إخواني رائع، ورغم قلة الزيارات فقد زارنا الأخ الأستاذ محمد حامد أبو النصر –رحمه الله- والأستاذ صلاح شادي.

وتم نقلي بعد ذلك إلى سجن المحاريق لمدة شهرين فقط، وكان حمزة البسيوني ومحمود خليل أحد ضباط الثورة يأتيان للتفتيش على السجون ومتابعة تعذيب الإخوان !.

نسيت أن أقول أن دليلي إلى طريق الإخوان كان رفيقي خلف الأسوار، فأخي رشدي –رحمه الله- اعتقل معي بعد أحداث المنشية وحُكم عليه بعشر سنوات، ثم أفرج عنه وأعيد اعتقاله في قضية تنظيم 65 ولم يخرج إلا في عام 1971 ، والطريف أنه كان يلقب ب«ملك السجون» حيث تشعبت علاقاته مع حرس السجن، واستطاع بذلك التخفيف عن إخوانه وتذليل الكثير من العقبات التي كانت تقابلهم داخل المعتقل.

وقد توفاه الله منذ عامين رحمه الله رحمة واسعة وجزاه عنا خير الجزاء... اللهم آمين.

تنظيم 65

رغم كوننا في السجن نؤدي الأحكام المفروضة علينا، إذ بالظالمين يقتادون أربعة عشر أخًا من الإخوان كنت أحدهم متهمين إيانا بالاشتراك في تنظيم 65 ، وأذكر منهم:

- الأستاذ أحمد شريت.

- الأستاذ عبد العظيم همام.

- الأستاذ حسن عليان.

- الأستاذ حسن عبد الرحيم.

- الأستاذ بدر عبد اللطيف.

- الأستاذ عبد المنعم سليم جبارة.

- الأستاذ محمد مهدي عاكف.

وكانت التهم الموجهة إلينا ملفقة تمامًا، فكيف ونحن خلف الأسوار يتم اتهامنا بالانضمام إلى تنظيم خارجي، ولكنها إرادة الله أن يفضح الظلم والظالمين الذين استمروا في غيهم وبهتانهم, فأصدر عبد الناصر وزبانيته قراراً باعتقال من سبق اعتقاله فتم إعادة المفرج عنهم إلى السجون حيث حُكم على بعضهم بالسجن مدى الحياة!!.

شهادة أمام القاضي

بعد المحاريق رحُلت إلى سجن قناة لعدة سنوات، ثم عدت إلى مزرعة طرة, فزبانية عبد الناصر كانوا حريصين على أن نطوف بسجونهم والتي ستشهد عليهم يوم القيامة بإذن الله فقد أذاقوا الإخوان الكثير.

بعد خروجي من السجن عام 1971 في بداية حكم السادات، أذكر أنني استُدعيت للشهادة في إحدى القضايا، وعندما أقسمت أمام القاضي أن أقول الحق وجدت نفسي أسرد له ما حدث وما ذقناه في القلعة وطرة والواحات والمحاريق والحربي...

قلت: وما رأيناه لا يوصف يا سيدي القاضي، فهو صورة من أحداث يوم القيامة.

أناس يأخذون كتابهم بأيمانهم يدخلون بها الجنة فيما مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأناس يأخذون كتابهم بشمائلهم يدخلون بها النار، وفيها أيضًا مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر....

وأضفت: فهكذا فعل حمزة البسيوني معنا، فكأنه أعطى كل منا كتابه بشماله يدخل بها ناره! أ ذاقه الله ناره يوم القيامة, هب القاضي واقفًا من هول ما سمعه مني وقال لي: الله معكم وسيعوض عليكم، وخرج الكثيرون من ساحة المحكمة وأعينهم تذرف بالدمع.

فما شهده الإخوان في سجون عبد الناصر أبشع بكثير مما ترويه ألسنة وتصفه الكلمات، ولذلك كانت نكسة 1967 عقابًا من الله للنظام الحاكم وفضيحة للظالمين، وآية من الله تثبت أن الباطل لا ينصر أبدًا مهما تأله وتجبر.... فدولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة.

من الليمان إلى البرلمان

بعد سبعة عشر عامًا خلف الأسوار، خرجت لأواجه متاعب الحياة ولا أملك من حطام الدنيا أية أموال أو سكن أو عمل ... أو حتى ملابس، وكذلك كان حال الكثير من الإخوان بعد الإفراج عهم، فقد باعوا أنفسهم لله ولم يكونوا يبتغون سوى رضاه، فلم يكن يشغل تفكيرهم حيازة مال أو شيء من زينة الحياة الدنيا وزخرفها، فأجمل سنوات عمرهم ونضارة شبابهم ذهبت تحت وطأة التعذيب والتنكيل، فخرجوا وهم لا يحملون من الدنيا سوى كل زهد في متاعها ولكن الله لطيف بعباده يرزق من يشاء بغير حساب ?وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ?[إبراهيم: 34].

فكان بعد ما لاقاه الإخوان من محنة، منحة، بل والله كانت منحًا, فقد أتتهم الدنيا وهي راغمة ولم لا فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: «أن من جعل الآخرة أكبر همه ومبلغ علمه أتته الدنيا وهي راغمة وإن لم يردها».

صدر قرار جمهوري بعودة المعتقلين إلى أعمالهم التي كانوا يتولونها قبل الاعتقال. وعدت لاستلام عملي في جمعية البترول في بهتيم بشبرا, وكان مرتبي وقتئذ سبعة عشر جنيهًا ونصف الجنيه، حيث لم يتم حساب الفترة التي قضيتها في المعتقل, كانت لدي رغبة في العودة لموطني، فطلبت نقلي لفرع الجمعية في قويسنا، وهناك طرقت أبواب الرزق لمواجهة متطلبات الحياة التي لم أكن في حاجة إليها وأنا خلف الأسوار.

وشاء الله أن ألتقي بالأخ (حسن عبد المنعم ) وقد قضي معه خمسة عشرة عامًا في المعتقل، وكان معه الحاج عبد اللطيف الشريف، وإذا بهما يعرضان على العمل معهما بمرتب قيمته مائتي جنيه, بالإضافة إلى المكافآت والحوافز والبدلات. وبسط الله في رزقي، وبفضله وعظيم فضله اشتريت قطعة أرض أعانني الله على بنائها والإقامة فيها.

وقد تزوجت بحمد الله عقب خرجي من المحنة في عام 1972 وكان عمري وقتها 43عامًا من شقيقة أخ كان معتقلاً معي، وعوضني الله عما لاقيته، فلم أجد صعوبة في الزواج أو الحياة, ورزقني الله بخير أحسد نفسي عليه, ولله عندي أربعة أبناء وبنتان وولدان، بارك الله فيهم، فكانوا خير زينة لي في هذه الدنيا.

ثم جاءتني فرصة للعمل في مصنع الغزل والنسيج في قويسنا كنت أعرف صاحبه (الحاج محمد السعودي) من خلال بعض تجار الإخوان أثناء زيارتهم له في الأربعينيات، وقد ترقيت في العمل في هذا المصنع حتى وصلت إلى منصب مدير العلاقات العامة, وإذ بي أبلغ الستين من عمري في 1/5/1989 ، وانتظرت الخروج للمعاش ولكن شاءت إرادة الله أن مجلس إدارة المصنع يتخذ قرارًا بمد خدمتي واستمراري في العمل.

وظللت كذلك حتى رشحني الإخوان لخوض انتخابات مجلس الشعب عام 1987 م ووفقني الله للفوز بمقعد نائب دائرة المنوفية .

وقد ترشحت على قوائم حزب العمل ونال معي عضوية البرلمان كل من:

1- المستشار محمد المأمون الهضيبي (الجيزة).

2- الدكتور عصام العريان (الجيزة).

3- الأستاذ مختار نوح (القاهرة ).

4- الأستاذ محمد طوسون (المنيا).

5- الأستاذ محمد محفوظ حلمي (الغربية ).

6- الأستاذ لاشين أبو شنب (الغربية ).

7- الأستاذ عبد العظيم عبد المجيد المغربي (السويس).

8- الأستاذ حنفي فهيم عثمان (القاهرة ).

9- الأستاذ أحمد محمد البس (الغربية ).

10- الأستاذ محمد الشيتاتي (الغربية ).

11- الدكتور محمد سيد حبيب (أسيوط).

12- الأستاذ عز العرب فؤاد (القليوبية).

13- الأستاذ محمد حسين عيسى (الأسكندرية ).

14- الأستاذ محمد مهدي عاكف (القاهرة ).

15- الدكتور عبد الحي الفرماوي (القاهرة ).

16- الأستاذ حسن الجمل (القاهرة ).

17- الأستاذ محمد توفيق قاسم (القاهرة ).

18- الأستاذ مصطفى الورداني (الجيزة).

19- الحاج عبد العزيز العشري (الفيوم).

20- الأستاذ بسيوني إبراهيم السيد (الأسكندرية ).

21- الأستاذ بشير إبراهيم عثمان (البحيرة).

22- الأستاذ محمد على الديب (البحيرة).

23- الدكتور محمد فؤاد عبد المجيد (كفر الشيخ).

24- الشيخ محمد عبد السميع صقر (الغربية ).

25- الأستاذ إبراهيم أبو طالب (الشرقية ).

26- الأستاذ محمود نافع (الدقهلية).

27- الأستاذ إبراهيم حسن أبو سمرة (الدقهلية).

28- الأستاذ ياسين أحمد عبد العليم (بني سويف).

29- المهندس محي الدين أحمد عيسى (المنيا).

30- الأستاذ عبد الجابر عثمان محمد حسن (المنيا).

31- الأستاذ محمود على عبد الحكيم (المنيا).

32- الشيخ مصطفى رمضان محجوب (قنا).

33- الأستاذ عبد الرحمن الرصد (الشرقية ).

34- الأستاذ عبد الرزاق حسن (دمياط]]).

35- الدكتور حسن الحسيني (الشرقية ).

36- الأستاذ أحمد سيف الإسلام حسن البنا (القاهرة ).

ذكريات برلمانية

للأسف لم يمارس المجلس دورة الحقيقي، فكثير من الأعضاء كانوا مجرد شكل، لا يفعلون شيئاً سوى رفع أيديهم للموافقة عندما يطلب الدكتور محمد رفعت المحجوب رحمه الله، التصويت على قانون ما، ولكن نواب الإخوان كانوا ينسقون فيما بينهم قبل طرح أي قضية على المجلس، وتبنوا بقوة المطالبة بإطلاق الحريات وإلغاء قانون الطوارئ وحل مشاكل الناس.

علاقتي كانت طيبة بمختلف نواب البرلمان فلم أسب أو غيري من نواب الإخوان أي وزير أو مسئول أشيع عنه أنه يختلس أو يفعل كذا وكذا فهذا ليس من أخلاقنا.

كان ما يشغلنا هو قضاء مصالح الناخبين وخدمة دوائرنا، والحمد لله كنت موفقًا في ذلك، حيث حفظت دعاًء منذ الصغر على ظهر قلب ردده لي عمدة (كفر وهب) رحمه الله ونصحني بالاستعانة به عند قضاء مصلحة لأحد فيلبى الله مرادك تقول: (اللهم سخر لي قلب من أحوجتني إليه كما سخرت البحر لنبيك موسى. اللهم ألن لي قلب من أحوجتني إليه كما ألنت لنبيك داود الحديث. اللهم انصرني على من عاداني كما نصرت نبيك محمد صلى الله عليه وسلم).

وفي الحقيقة كنت أردد هذا الدعاء قبل أن أتقدم بأي طلب من أبناء قويسنا لإنهائه عند أي مسئول أو وزير، وأذكر أنني قدمت طلبًا إلى الدكتور أحمد فتحي سرور وكان وزيرًا للتعليم آنذاك، ورغم أن طابورًا من الأعضاء كان ينتظر الحصول على توقيعه إلا أنه وضع تأشيرته بمجرد أن وضعت أمامه الأوراق المطلوب توقيعها.

فالحمد لله أنني كنت أنجح في قضاء مصالح أبناء قويسنا بفضل هذا الدعاء.

حاول الإخوان إقناعي بالترشيح لدخول المجلس مرة ثانية, ولكنني رفضت، فصحتي لم تعد تساعدني والبرلمان يحتاج إلى من يتحرك كثيرًا لخدمة الناس، ولكنني أستطيع القول إنها كانت تجربة جيدة وناجحة لي في البرلمان ، وها هم نواب الإخوان في برلمان 2000 يثبتون أنهم حقًا من أبناء الوطن المخلصين الذين يتفانون في خدمة بلدهم وشعبهم... وآن للحكومة أن تدرك ذلك وتميز بين الصالح والطالح.

لقد شهد للإخوان، العدو قبل الصديق بحسن أدائهم وقوة مواقفهم ويبقى أن توفر الدولة عوامل الحيدة والنزاهة في أية انتخابات قادمة حتى يتسنى للناخبين اختيار من يعبر عن أحلامهم وطموحاتهم بصدق وأمانة.

جيل رباني

كان الإيمان العميق والثقة بالله وحب التضحية, هي مقومات هذا الجيل من الإخوان ، فالحرب ضد اليهود تحتاج لمن يحب الموت في سبيل الله، فإنما اليهود يخشون الحرب ويحرصون على الحياة, فإن حاربوا أناسًا مثلهم حريصين على دنياهم فسوف ينتصرون, أما إن حاربوا الإخوان ومن نهجهم فسوف يندحرون وينهزمون، ولذلك قال موشى ديان وزير الدفاع الصهيوني «إننا لا قبل لنا بمواجهة الإخوان لأنهم يريدون أن يموتوا» وذلك يجب أن نحارب اليهود بعقيدة راسخة, فكان يومنا والحمد لله يبدأ بقيام الليل وقراءة القرآن، وكان أحدنا يصلى بالبقرة، وآل عمران ركعتين فقط. ولم يكن بالتالي يشغلنا أمر من عبادة الله والاستعداد للقائه, حتى وإن كان هذا الأمر هو ملاقاة أعدائه، فالإيمان أساس النصر والله يقول (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم:47].

الانتفاضة

يهود اليوم هم يهود كل عصر, ولكن أتحدى أن يفجر يهودي نفسه كما يفعل الاستشهاديون الفلسطينيون، ولو وجد اليهود أمامهم رجالاً مؤمنين حقًا فسوف يملأ الرعب قلوبهم، فقوتهم إنما تكمن في ضعفنا نحن العرب والمسلمين، كما أننا نضخم من قوتهم رغم أنهم يتحصنون خلف دباباتهم، فلا بد أن نعد لحربهم ما استطعنا من قوة وأن نحاربهم بعقيدتنا وإيماننا وهو ما يمكننا من الانتصار عليهم وعلى أعوانهم فالنصر من عند الله: ?ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ?[محمد:7].

وليس هناك سلام بيننا وبين اليهود فلن تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود. أما قمم الشجب والاستنكار فليس لها قيمة, وللأسف فإن حكامنا يخشون أمريكا ويحرصون على عروشهم وكراسيهم، رغم أن الأولى بهم أن يخشوا الله، فاليوم فلسطين ثم العراق ، وسيأتي الدور علينا كما تقول الحكمة: (أكلت يوم أكل الثور الأبيض) ففلسطين هي خط الدفاع الأول لنا، وهو ما يستلزم منا التوحيد، ولو وجدت الولايات المتحدة مصالحها في خطر فسوف تتراجع وتنكسر, وقد كان لنا مثل في حربنا ضد الإنجليز فإنهم كانوا أصحاب إمبراطورية عظمى لكننا بفضل الله استطعنا في حرب القناة أن نقف ضدها ونكسر أنفها. فلماذا إذن يملأ الرعب قلوب حكامنا رغم أن الله يقذف في قلوب أعدائنا الرعب إذا صدقنا معه؟! (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ)[الأنفال: 12].

نحن للأسف نسينا أن الله سيكون معنا وأن النصر بيده إذا قمنا بحقه وأطعناه حق طاعته, وأغفلنا حقيقة مهمة وهي أن وعي الشعوب أفضل مما كان عليه الحال في زماننا، فالشارع العربي والإسلامي معبأ بالقضية, والمظاهرات عارمة, ولكن الأزمة تكمن في غياب الديمقراطية والحريات، فالحكام من ضعفهم لا يريدون للشعوب أن تتحرك أو تعبر عن رأيها إنك إن بحثت ستجد الآلاف المؤلفة يبغون الاستشهاد في سبيل الله, وسيفد المجاهدون من كل مكان إذا فُتح باب الجهاد , ولكن الحكام يخشون ذلك، فهم يمنعون جمع التبرعات ويحاكمون من يحاول عبور الحدود أو توصيل السلاح للشعب الفلسطيني، وليتهم يصمتون، فالصمت خير لهم.

وأحب من هذا المكان أن أنبه أن الإثم واقع على الجميع حيث نرى إخواننا يقُتلون ثم نتخاذل عن نصرتهم ولو بالوسائل الممكنة كطرد السفراء وقطع العلاقات مع العدو ومقاطعة بضائعه، فمن العار على حكامنا أن تجد فتاة صغيرة تفجر نفسها، في حيث يقفون هم صامتين يحولون بينها وبين الجهاد ، فوالله إني لأبكي عندما أشاهد ما يجري للفلسطينيين، ولو أتيحت لي الفرصة لمحاربة اليهود مرة أخرى لانطلقت ولو رغب أحد أبنائي في الذهاب لأرسلته، فقد كنت أتمنى أن أرزق الشهادة على أرض فلسطين ولكنها إرادة الله, ولابد أن نثق في نصره، وليختر كل منا الموتة التي تشرفه.

الحقيقة

لن يضيع شيء في ميزان المولى ?، فلم نحزن على السنوات التي ضاعت من عمرنا في غياهب السجون فإنما بفضل الله لم تضع، بل عوضنا الله بكرمه وفضله العظيم، وأقبلت الدنيا علينا بكل متاعها من مال وأولاد وجاه وسلطان, وأطال الله في أعمارنا وكأننا نعيش مرة أخرى سنوات شبابنا التي كانت في سبيل الله.

لقد سمع أخ فاضل –اتصل بي قريبًا ليهنئني بعيد الفطر المبارك- أصوات أطفال صغارا فسأل من يكونون؟ فأخبرته أنهم أحفادي، ووجدت نفسي أذكر له أن زبانية الظالم كانوا يهددوننا بأننا لن نرى الشمس مرة أخرى، وها نحن حتى الآن ترى أعيننا نور الله وتسمع آذاننا ضحكات أبناء أبنائنا... فإن هم الآن؟!

(لِلَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ)[الروم:4].

(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21]

(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ)[يونس: 107].

وأخيرا نفعني الله وإياكم بهذه المذكرات ... وجمعنا سويًا إخوانًا على سرر مقابلين.. اللهم آمين.