روح تسكن المحراب.. أحمد العسال في ذمة الله

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
روح تسكن المحراب.. أحمد العسال في ذمة الله
خالد فهمى.jpg

بقلم: د. خالد فهمي

في صباح يوم السبت الثامن والعشرين من شهر رجب سنة 1431هـ، الموافق للعاشر من شهر يوليو سنة 2010 م، رحل العالم الزاهد الدكتور أحمد العسال أحد أئمة الدعوة الإسلامية المعاصرة بعد جهاد فكري ودعوي وحركي ممتد.

و أحمد العسال - رحمه الله تعالى- كان رجلاً زاهدًا ومتواضعًا جدًّا، ولم يمنعه زهده ولا تواضعه أن يعمل للأمة الإسلامية بما هي كيان عالمي تحوطه وترعاه وتجمع شمله عقيدة واحدة، وفكرة واحدة.

رحل هناك في الإسكندرية ، وشُيِّع إلى مثواه الأخير في مدينة السادس من أكتوبر بعد أن صلى عليه في أشهر مساجدها مسجد القارئ الراحل الشيخ الحصري رحمه الله.

وهذه الورقة/ المرثية تطمح وهي تكتب ورقة الوداع الأخير أن تقف لتستجلي عددًا من الملامح الحية للراحل الكريم، داعيةً المولى سبحانه وتعالى أن يتغمده في الصالحين من خلال ما يلي:

(1) أحمد العسال .. حدود الموقع الفكري والدعوي

يوشك الذين يعرفون الراحل الكريم أن يتوقفوا أمام محاور ثلاثة مهمة تحكم سيطرتها على صورة شخصيته الفريدة، فقد كان العسال أزهريًّا صحب عددًا من الأئمة الأزهريين المعاصرين، والتحم معهم في عددٍ من أنشطة الحركة الطلابية على ما يحكي رفيق عمره الدكتور يوسف القرضاوي في مذكراته ابن القرية والكتاب.

ثم كان العسال لندنيًّا بما حازه من درجة الدكتوراه من إنجلترا ثم كان أستاذًا جامعيًّا في عددٍ من الجامعات العربية، ولا سيما في المملكة العربية السعودية ، وكان من أوائل من اضطلع بتعريف الدوائر الأكاديمية العربية بمبادئ الاقتصاد الإسلامي، وكتابه في الاقتصاد الإسلامي الذي كان من أوائل أدبيات هذا الفرع الشاهد على عطاء الصحوة الإسلامية- دليل على ما أقرره.

ثم اختتم حياته العملية والعلمية مديرًا أو رئيسًا للجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد. وهذه المحطات الأربع تركت ملامح بارزة لوجه أحمد العسال في الأوساط الفكرية الإسلامية يمكن إجمالها فيما يلي:

أ- شهرته عالمًا وداعيةً وأكاديميًّا بارزًا معروفًا بمنزلته الإسلامية التي تجاوزت الحدود والإقليمية لتغطي الجغرافية الإسلامية كلها.

ب- تقدير دوره الوطني والقومي؛ وهو الأمر الذي تجلى في عودته إلى مصر وإيثاره البقاء فيها بعد إنجاز مهمته العلمية والدعوية في الخارج.

ج- استمرار قيامه بعبء الدعوة إلى الله تعالى بقلمه وحركته، وتقديره لأعلام المفكرين الدعاة، وقد كنت شاهدًا على اشتراكه في فعاليات المؤتمر التكريمي الذي أقامه مركز الإعلام العربي بالقاهرة للاحتفال بعطاء الدكتور حسن الشافعي رئيسًا للجلسة الأولى في هذه الفعاليات من نحو عامين فقط.

صحيح أن العسال كان يؤثر البقاء في الظل بعيدًا عن الأضواء التي فتنت الكثيرين، لكنه لم يكن يصمت أمام أمر يرى فيه خطرًا أو بعض خطر على الفكرة الإسلامية، وهو ما يتجلى مثلاً في اتصاله بالأستاذ فهمي هويدي مثلاً عندما بدا من بعض الكتابات محاولات لإعلاء تقدير منجز أتاتورك في تركيا ليقرر أن الأمة طالما أضيرت من جرائم أتاتورك، يقول فهمي هويدي: "وأبرز الذين اتصلوا بي العالم الزاهد الدكتور أحمد العسال ".

هذا الاستمرار في الدفاع عن دين الله تعالى والدعوة إليه دليلٌ على ما ينبغي أن يفهم من زهده الإيجابي غير الانعزالي.

(2) حركة العسال ضابطها هموم الأمة لا جراح الذات

والمتأمل لحركة العسال رحمه الله وكتاباته وحواراته مع الآخرين التي حملت عددًا من المراجعات والردود يقف على أمر مهم في فقه الدعوة الإسلامية سار عليه الراحل الكريم يمكن تلخيصه في العبارة التي تصدرت عنوانًا هنا لتكون موجزًا يلخص رؤيته، ويوثق طبيعة موقفه بهموم الأمة، وبقضية رفعتها وتقدمها ورقيها.

ومراجعة حواره مع فهمي هويدي مثلاً حول أتاتورك تركز على أمرين هما:

1- تعداد ما ارتكبه أتاتورك بحق الإسلام.

2- تعداد ما ارتكبه أتاتورك بحق المسلمين.

كان هويدي في مقاله "درس في الموازنات" سعيدًا بفارق ما ظهر من أمرٍ مهم يتعلق بإعادة تقييم منجز عبد الناصر؛ ما يؤكد أن العسال كان يتحرك بفقه دعوي يحمل عنوانًا مهمًّا هو أن جراح الذات ليست عاملاً محوريًّا.

ضبط حركة الداعية الإسلامي

لقد اصطلى العسال وكثير من إخوانه أبناء حركة الإخوان المسلمين بنيران عبد الناصر، لكن هذه الجراح لم تكن المحرك الفاعل في مراجعات العسال لفهمي هويدي أو غيره، وهو بعض ما ورثته الحركة الإسلامية المعاصرة من ميراث النبوة الكريم الذي يظهر تعاليًا ظاهرًا على جراح الذات في لحظات التمكين بعد فتح مكة مثلاً.

لقد كان مفهومًا أن يتحرك العسال في بعض مراجعاته لما دعا إليه فهمي هويدي (لو حدث) بوحي من جراح الذات التي نكأها عبد الناصر، لكن شيئًا من ذلك لم يكن، وهو الأمر الذي يرقى بتجربة العسال الفكرية والدعوية، وتقترب بمنهجه من الدائرة السنية السلفية بمعناها المتابع للسلوك النبوي الكريم نحو خصومه في فترات التمكين.

الدعوة قيام بحق الله ولو خالفت طبيعة النفس وما تهواه، لقد أجمع كل الذين عرفوا الراحل المرحوم الدكتور أحمد العسال أنه يؤثر العزلة، ويحب الابتعاد عن الأضواء، ويهوى الزهد، وهو ما يبدو أنه كان طبيعة خلقية مستقرة، لكن هذا الإيثار للظل بما هو سجية لم يمنعه من الحركة للإسهام قدر طاقته في الدفاع عن دين الله والدعوة إليه، وهو ما يدلل على أن مخالفة هذه الطبيعة أو الجبلة أو السجية المؤثرة للابتعاد عن أجواء الشهرة والأضواء عندما يفرض الواجب الدعوي الخروج من دوائر الظل والسعي والاتصال والكتابة والحوار والمراجعة.

وهو منطلق دال على أن الدوران مع متطلبات الدعوة لا حول حظوظ النفس هو الأصل الحاكم لعمل الداعية، وهو أمر يعكس وعيًا حقيقيًّا بطبيعة الفكرة الإيمانية، وهو بعض ما يمكن استنباطه من شهرة أبي بكر الصديق في مواجهة المرتدين مع ملاحظة رقة قلبه، وخفوت صوته من آثار هذه الرقة، وهو ما يفسر لنا كذلك لين عمر في غير ما موقف من تاريخ الإسلام حتى قيل له يومًا: "أجبار في الجاهلية، خوار في الإسلام يا عمر"!.

المسألة هي الدوران مع واجبات الدعوة والدفاع عن الله ودينه ورسوله صلى الله عليه وسلم والقيام بعبء البلاغ عن الله تعالى، يستوي في ذلك موافقة هذا الدوران لطبيعة النفس أو عاندها وخالف هواها.

لقد كان أحمد العسال عالمًا دينيًّا مهمومًا بعالمية الفكرة الإسلامية عاملاً لها، يؤذيه أن يشوش عليها أو على رموزها.

كان مؤثرًا للصمت والزهد والبعد هناك في الظل إلا أن يشعر بمخاطر تتهدد الفكرة أو الحركة الإسلامية، فيكسر صمته ويقطع عزلته.

رحل واحد من العلماء الربانيين، والدعاة الكرام، وصورته البريئة الزاهدة الهادئة باقية بيننا. رحل جسم طالما براه الصمت وهده التعبد، وأنحفه زهد ظاهر، وبقيت روحه تحلق في محراب الدعوة إلى الله، رحم الله العسال وأكرم نزله في أعز جوار.


المصدر

للمزيد عن الدكتور أحمد العسال

وصلات داخلية

كتب متعلقة

متعلقات أخري

مقالات بقلمه

مقالات متعلقة

تابع مقالات متعلقة

أخبار متعلقة

محاضرات صوتية للشيخ

وصلات فيديو