العدالة التركي.. النجاح في اختبارات القوة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
العدالة التركي.. النجاح في اختبارات القوة
شعبية حزب العدالة والتنمية.jpg


كتب- أحمد التلاوي:

اختبارات عديدة مرَّت بها حكومة حزب العدالة والتنمية التركي خلال الفترة الأخيرة، على مختلف المستويات الداخلية والخارجية، وبمرونة كبيرة في السياسات وحرفية عالية في التخطيط والقرار استطاعت الحكومة اجتياز تلك الاختبارات تحت قيادة رجب طيب أردوغان؛ الذي رفع شعار "المهنية خير عاصم".

مشكلات اقتصادية وأخرى أمنية غير السياسية اجتازها بنجاح حزب العدالة وحكومته خلال الأسابيع الأخيرة؛ وذلك بفضل المواءمة ما بين مختلف اعتبارات الأمن القومي والمصلحة التركية العليا، مع الحفاظ على ثوابت الحزب صاحب التوجهات الإسلامية، والمضيِّ قُدُمًا في محاولة استرجاع هوية تركيا.

مكاسب خارجية

أحدث هذه الانتصارات ما حققته حكومة العدالة خلال القمة الأخيرة لحلف شمال الأطلنطي (الناتو) في مدينة ستراسبورج الفرنسية؛ عندما رفضت تركيا- إحدى أهم بلدان الحلف- اختيار رئيس الوزراء الدانماركي السابق أندرياس فوج راسموسن لمنصب الأمين العام للحلف محلَّ الهولندي ياب دي هوب شايفر.

وكان لأردوغان ثلاثة تحفظاتٍ رئيسة على راسموسن وسياساته، وهي:

- موقف راسموسن من أزمة الرسوم المسيئة للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم؛ التي فجَّرتها صحيفة الـ(يلاندز بوستن) الدانماركية في العام 2005 م، وتبعتها صحف نرويجية وأوروبية أخرى في العام 2005 م، حينما اعتبر راسموسن خلال رئاسته للوزراء أنَّ نشرها حرية تعبير.

- احتضان الدانمارك قناةً تلفزيونيةً تؤيد حزب العمال الكردستاني المصنَّف أوروبيًّا كحركةٍ إرهابيةٍ.

- معارضة راسموسن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي صراحةً.

وكانت قمة الحلف في فرنسا- وهي تأتي في الذكرى الستين لتأسيسه- قد تبنَّت مبدأ ضرورة خروج الحلف بمواقفَ تعطي صورةً سياسيةً وإعلاميةً أمام العالم، تقوم بأنَّ أعضاء الحزب أكثر تضامنًا ووحدةً في الرأي أكثر من أي وقتٍ مضى، ولم يكن من المسموح لأحد الخروج على هذا الإجماع، خصوصًا في قضيتَيْ أفغانستان وخلافة شايفر والعلاقات مع روسيا، خصوصًا في أول قمةٍ للحلف يحضرها الرئيس الأمريكي باراك أوباما.

ولذلك مارست الولايات المتحدة وإيطاليا ضغوطًا على تركيا للتراجع عن قرارها، فما كان من أردوغان إلا أنْ وافق على اختيار راسموسن أمينًا عامًّا، مع تحويل الموقف برمَّته كالعادة لمصلحة بلاده العليا؛ حيث انتزع منصب نائب الأمين العام للحلف لصالح أحد المسئولين العسكريين الأتراك.

وذلك مع تطبيق لائحة الحلف التي تعطي المناصب العليا للدول الأعضاء بحسب مشاركتها في قوة الحلف وفي دعم قواعده حول العالم، وهو في صالح تركيا التي تعتبر إحدى أكبر البلدان الأعضاء في حلف الأطلنطي مشاركةً في هذا الإطار.

حجاب العلمانية

شعبية حزب العدالة والتمنية التركى فى تزايد مستمر.jpg

شعبية حزب العدالة والتنمية التركي في تزايد مستمر

النجاح الأكبر الذي أحرزه حزب العدالة والتنمية مؤخرًا أنه حمَل حزب الشعب الجمهوري العلماني العتيد، مؤسس الجمهورية التركية العلمانية، على تغيير اتجاهاته السياسية بمقدار مائة وثمانين درجة، وبدا ذلك واضحًا في بضعة قراراتٍ تبنَّتها قيادة الحزب قبيل أشهر من الانتخابات البلدية الأخيرة التي جرت أواخر مارس الماضي.

ففي نوفمبر الماضي 2008 م ثارت في تركيا نقاشات حادَّة على إثر دعوةٍ وجَّهها رئيس حزب الشعب في مدينة إستانبول جورسال تكين للسماح بارتداء الحجاب في الجامعات التركية، والتي جاءت بالتزامن مع موافقة رئيس الحزب دينيز بايكال على منح عضوية الحزب لعدد من النساء المحجبات.

واعتبر كثير من المعلِّقين هذه الخطوة "خروجًا عن نهج الحزب" الأتاتوركي المعروف بتمسكه الشديد بمبادئ العلمانية، ورفض أي مظاهر إسلامية في الجمهورية التركية.

بعد ذلك وفي فبراير الماضي اتخذ حزب الشعب قرارًا "ثوريًّا" بفتح فصولٍ خاصة لتحفيظ وتعليم القرآن الكريم؛ بدعوى تقديم التفسير الصحيح لكتاب الله.

وقد فسَّر المراقبون هذا العمل بأنه محاولة لاستباق موعد الاستحقاق الانتخابي البلدي الذي جرى في التاسع والعشرين من مارس الماضي، واكتساب أرضيةٍ وسط الناخبين ذوي التوجهات الإسلامية، ممن ساعدوا على الصعود السياسي ل حزب العدالة والتنمية ، وكانوا العمود الفِقَري له منذ مطلع الألفية الجديدة.

وفي حقيقة الأمر حتى لو كان حزب الشعب التركي قد حقق مكاسبَ في الانتخابات الأخيرة على حساب العدالة والتنمية؛ فإنَّ نتائج الانتخابات البلدية تصب في مصلحة أردوغان وحكومته وحزبه على النحو التالي:

- أنَّ الانتخابات أثبتت مصداقيَّة فهم العدالة والتنمية للشعب التركي؛ فحينما عمد حزب الشعب لتقليد التوجهات الخاصة بالعدالة والتنمية؛ استطاع الخروج من زنزانته السياسية التي دخلها بعد وفاة زعيمه السابق المحنَّك بولنت أجاويد الذي هُزِم سياسيًّا أمام أردوغان في انتخابات العام 2002م، وهو ما يُحسب للعدالة والتنمية وليس لحزب الشعب بالأساس، فالشعب حقَّق تقدمًا عندما تبنَّى رؤى حزب العدالة.

- خرج الحزب من الانتخابات البلدية حاصلاً على نسبةٍ تتراوح بين 39%: 40% من إجمالي الأصوات، وهو وإن كان أقل من سقف طموحات أردوغان كما عبَّر هو قبل الانتخابات إلا أنَّه في النهاية كان تفويضًا شعبيًّا مهمًّا له وللحكومة في شأن الاستمرار في سياساته التي بدأها قبل ما يقرب من عشرة أعوامٍ، عندما كان أردوغان يشغل منصب عمدة إستانبول.

الأكراد

الملف الثاني الذي كان لحكومة العدالة والتنمية دور كبير في ترتيبه بالشكل الذي يحافظ على سلامة الأمن القومي للبلاد من دون التورُّط في مغامراتٍ عسكريةٍ؛ كان ملف حزب العمال الكردستاني، الذي يسعى للانفصال بجنوب تركيا وجنوب شرقه، ضمن مشروع إقليمي للأكراد في إيران وسوريا والعراق لتكوين دولةٍ خاصةٍ بهم.

وكانت الزيارة التي قام بها الرئيس التركي عبد الله جول شريك درب أردوغان في السياسة والحياة العامة إلى العراق قبل أقل من أسبوعَيْن معلَمًا مهمًّا على الذكاء السياسي؛ الذي يتمتع به طاقم السياسة الخارجية والأمن القومي في الحكومة والحزب الحاكم في تركيا.

فأعداء الحزب في الداخل والخارج سعَوا إلى تفجير ملف الأمن في الجنوب قبيل الانتخابات، وراهنوا على اتجاه الحكومة إلى خوض عمليةٍ عسكريةٍ كبيرةٍ في المناطق الكردية لإخماد التمرد؛ سعيًّا منها لتصور أنَّ ذلك من شأنه تدعيم شعبيتها داخليًّا، والتي اهتزت قليلاً بسبب تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية، وخصوصًا في الجانب الاجتماعي المتعلق بمستوى الرفاه الاقتصادي للمواطن التركي.

ولكن أردوغان وجول وفريق عملهما فَهِما أنَّ عمليةً من هذا النوع لن تكون في مصلحة أحد، كما أنَّ ذلك معناه نسف كل الجهود التي قامت بها حكومة العدالة والتنمية لتحسين علاقة الحكومة المركزية مع الأطراف الكردية، وكان المدخل تحسين حقوق الأكراد ومستوى معيشتهم؛ بما شمله ذلك من إقامة محطات تليفزيونية ناطقة باللغة التركية.

وكان الحل الأوفق هو زيارة جول للعراق؛ للتباحث مع الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق، وإلزام السلطات العراقية باتخاذ موقف واضح من تمركز عناصر من الحزب الكردستاني التركي في شمال العراق، واتخاذه منطلقًا للعمل في المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية لتركيا.

تصريحات نيجيرفان برزاني رئيس وزراء حكومة كردستان العراق بعد مباحثاته حول جول أثبتت مدى الذكاء السياسي الذي تتمتع به مؤسسة الحكم في أنقرة، فالاعتراف بوجود الحكومة الإقليمية الكردستانية في العراق كان أمرًا محظورًا بين الساسة الأتراك لمنع إحياء آمال الأكراد بإقامة دولةٍ لهم، ولذلك كانت هذه "التضحية" من تركيا بلقاء برزاني ذات ثمنٍ عالٍ.

فرئيس الوزراء الكردي العراقي قال عن المحادثات مع جول إنها "حسَّنت العلاقات بين الحكومة الإقليمية الكردستانية وتركيا إلى حدٍّ بعيد"، ورأى برزاني أنَّ اعتراف الأتراك بحكومته أهم من أيِّ شيءٍ آخر، بما في ذلك دعم كردستان العراق لحزب العمال التركي.

الشرق الأوسط

اردوغان والعلم.jpg

أردوغان لحظة خروجه من جلسات منتدى دافوس

كانت مواقف أردوغان والحكومة التركية إزاء ملف العدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة من القوة بحيث لم يتصور أحد ردًّا من جانب الصهاينة والأمريكيين سوى اغتيال أردوغان سياسيًّا، وتصفيته معنويًّا.

ف أردوغان وصف الكيان الصهيوني بالمجرم، وقياداته السياسية والعسكرية بأنها أكثر أهل الأرض درايةً بالقتل والدمار، وطالب بمعاقبة الكيان على جرائمه، وانسحب من قمة مؤتمر دافوس احتجاجًا على انحياز منصة المؤتمر للرئيس الصهيوني شيمون بيريز خلال مناقشة حول العدوان على غزة.

لكن الحكومة التركية امتصت هذه التداعيات، واستمرت حتى الآن في لعب أدوارها السياسية في الصراع بين العرب والفلسطينيين من جهة والكيان الصهيوني من جهة أخرى، كما استطاعت من قبل استغلال علاقاتها ومصداقيتها لدى مختلف الأطراف في الشرق الأوسط في قيادة مفاوضاتٍ غير مباشرةٍ بين سوريا والكيان الصهيوني، اعترف رئيس الوزراء الصهيوني السابق إيهود أولمرت أنَّها كادت أنْ تتمخَّض عن اتفاقٍ بين الطرفَيْن، قبل أنْ توقفها تركيا و سوريا على إثر العدوان الصهيوني الهمجي على قطاع غزة.

لم يستطع أردوغان وفريقه إنجاز ذلك إلا بثلاثة عواملٍ:

- الأول: امتلاك إرادة القرار، وما تتطلَّبه من استقرار واستقلال سياسيٍّ واقتصاديٍّ، وفي كافة عناصر القوة الشاملة للدولة.

- الثاني: حسن استغلال عوامل القوة الشاملة هذه التي تملكها الدولة التركية، بما في ذلك الموقع الجيوسياسي، وتاريخها في قيادة دولة الخلافة الإسلامية عبر حوالي خمسة قرونٍ من الزمان.

- وأخيرًا: حسن تقدير الموقف السياسي الإقليمي والدولي، ومدى حاجة مختلف الأطراف ل تركيا ، كلٌّ فيما يخصه.

دروس عديدة يجب على العرب والمسلمين أن يتعلموها من تجربة حزب العدالة والتنمية في الحكم، سواءٌ اتفقنا مع بعض أطروحاته أم اختلفنا، فنحن أمة مدعوَّة إلى طلب الحكمة أنَّى وَجَدَتْها!.

المصدر

للمزيد عن علاقة الإخوان بتركيا

وصلات داخلية

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

أعلام من تركيا

أخبار متعلقة

وصلات خارجية


وصلات فيديو