الجماعة الاسلامية ومستقبل التغيير في باكستان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الجماعة الاسلامية ومستقبل التغيير في باكستان
قاضى حسين احمد.jpg

أرسل إلينا الباحث الأستاذ نواف العباسي دراسة قيمة عن الوضع في شبه القارة الهندية شملت كثيرا من الجوانب التي يسأل عنها الناس في بلادنا العربية، وسوف ننشرها فيما يلي على شكل حلقات. إدارة موقع طوبى للشام


إن المتابع للوضع الباكستاني يدرك بدون أي صعوبة أو حاجة الى البحث والتدقيق أن باكستان تسير في نفق مظلم، وأنها أصبحت أو ستصبح عن قريب الدولة الفاشلة في المنطقة، رغم أنها دولة نووية وتمتلك القدرة التقنية لصناعات ستراتيجية، منها الصواريخ وصناعات السلاح وغير ذلك.

نظرة سريعة على الوضع تظهر ما يمكن إجماله في نقاط هي:

1. إن أصعب مشاكل باكستان على الاطلاق هي مشكلة التدخل الامريكي وتواجد القوات الامريكية في المنطقة ونفوذ أمريكا المسعور في باكستان .

1. وجود تمرد أهلي في مناطق القبائل وبعض المناطق الاخرى بسبب النفوذ الامريكي والتعاون الباكستاني مع الأمريكان ضد طالبنان أفغانستان، وتصدي الجيش الباكستاني لهذا التمرد خدمة الأمريكان، ومشاركة باكستانية فميا يسمى الحرب على الارهاب.

2. انعدام الأمن وضياع سلطة القانون وعدم فاعلية أجهزة تنفيذ القانون من شرطة وغيرها من المؤسسات وانتشار الرشوة في أوساطها.

3. الوضع الاقتصادي المتردي وازدياد حدة التضخم وغلاء أسعار المواد الاساسية وازدياد نسبة الفقر الى ما يقرب من 50% .

4. ضعف الحكومة وعدم كفاءتها وتشكيلها من مجموعة من الوزراء المرتشين المقربين من شيخ المرتشين رئيس الجمهورية آصف علي زرداري، الذين أظهرت مداولات المحكمة الدستورية تورطهم في قضايا فساد ورشوة وصلت الى ما يقرب من 165 بلايين روبية باكستانية.

5. عدم وجود حزب قوي جماهيري يتولى قيادة وتوجيه الجماهير للعمل لمصلحة البلد.

6. الأعمال الارهابية والجرائم والسرقة التي انتشرت في ضوء ما يواجهه البلد من تمرد وحرب داخلية.

7. فقدان الهوية التي تأسس باكستان من أجلها عام 1947 م، وهي أن باكستان أنشئ ليكون دولة اسلامية ووطن للمسلمين.

8. وجود تمرد انفصالي في مقاطعة بلوجستان سببته عقود من سياسات الحرمان وترك المقاطعة بدون تطوير، ونهب خيراتها ومعادنها من قبل الحكومة الفدرالية.

9. الفرقة والشحناء والاغتيالات والقتل الذي يحدث وبصورة متكررة بين السنة والشيعة والذي بدأ بعد الشحن الايراني للشيعة عالميا وخاصة في باكستان.

10.مشكلة المهاجرين الافغان والتي لم تجد طريقها لحل عادل وانساني بعد اربعة عقود من بدئها ، والتي تكلف باكستان الكثير أمنيا واقتصاديا؛ فلا يزال ما يقرب من ثلاثة ملايين افغاني يعيشون في باكستان على أمل العودة عندما تستقر أوضاع بلدهم.

11. مشكلة كشمير والتي كانت سببا لحربين بين الهند وباكستان.

ترى من يقوى على حل المعضل الباكستاني في ضوء هذا الكم الهائل من المشاكل العويصة؟.

تعتبر مشكلة تشتت الاحزاب الاسلامية وتلك الوطنية التي تدافع عن هوية باكستان من اهم مشاكل باكستان السياسية بعد التدخل والنفوذ الأمريكي، هناك كم هائل من الاحزاب والجماعات الاسلامية ولكن للاسف لا توجد مظلة سياسية توحدها ولا أهداف مشتركة تربطها رغم أن الجميع يدعي حماية الاسلام والدفاع عن باكستان الدولة الاسلامية التي انشئت لتكون وطنا للمسلمين.

أكثر هذه الاحزاب صغيرة ومتقوقعة في مراكزها، وكانت ولازالت تقود حربا في السيطرة على المساجد لكي تستطيع جذب حفنة من المصلين الذين ممكن أن يحسبوا فيما بعد على الطائفة أو المذهب أو الآراء الخاصة بذلك الحزب وتلك الجماعة، لقد تحولت معركة الهوية الى معركة الطائفة والحزب وبذلك ضاعت المعركة الحقيقة التي هي اسلمة باكستان وتطويره والرقي به ليكون مركز جذب اسلامي في منطقة أغلبها من الهندوس والبوذيين.

بين هذه الجماعات والاحزاب تقف الجماعة الاسلامية بصلابة وتكافح لوحدها من اجل هوية باكستان واسلاميته، فهي الجماعة الوحيدة التي لم تستدرج الى معارك جانبية ومصالح حزبية طائفية بل كان همها الأمة ومصائبها وما تواجهه من محن وصراع مع النفوذ الهندي والامريكي، اضافة الى اهتمامها بهموم الأمة الاسلامية الكبيرة في المشرق والمغرب.

لقد حمل الاستاذ المودودي يرحمه الله هموم الأمة مبكرا فقد بدأ مبكرا في العمل الاسلامي بالانضمام الى جمعية علماء الهند في 1922 ، ثم لما وجد أنه لا جدوى من بقائه فيها تركها وأصدر مجلة ترجمان القرآن عام 1935 م لتنوير المسلمين في شبه القارة الهندية والتي لا زالت تصدر بشكل دوري كل شهر.

أسس يرحمه الله الجماعة الاسلامية عندما رأى ضرورة التجديد لما كانت تعانيه شبه القارة الهندية والعالم الاسلامي من انحطاط فكري وخيم؛ فقد أبدع في نداء التجديد باصدار مجموعة من الكتب تتراوح بين التوحيد وبيانه مثل المصطلحات الاربعة وبين ما يهتم بحاضر العالم الاسلامي وشؤونهم.

نستطيع أن نحدد ثلاث مراحل مرت بها الجماعة الاسلامية بقيادة الاستاذ المودودي يرحمه الله هذه المراحل هي:

  • البداية كانت حركة تجديد اسلامي
  • التحول الى حزب سياسي اسلامي في شبه القارة الهندية
  • التحول الى الاهتمام بشؤون باكستان بعد تأسيس باكستان.

ليس في خطة بحثي هذا أن اتكلم عن تاريخ الجماعة الاسلامية بقدر ما استلهم من ذلك التاريخ امكانية تصدي الجماعة الاسلامية للمشاكل والقضايا التي تحيط بمستقبل باكستان كدولة موحدة واسلامية، ولكن أحب هنا أن القي نظرة على اسلوب الجماعة وتعاملها مع القضايا المصيرية التي مرت بها خلال عقود سياستها المنصرمة:

1. تأسست الجماعة الاسلامية عام 1941م كحركة نخبوية لسبب وجيه أن الاستاذ المودودي يرحمه الله كان أول ما يهدف من تأسيسه الحركة هو الاصلاح، ولا شك أن الاصلاح يحتاج الى نخبة اصلاحية تقوى على القيام بهذه المهمة الصعبة، رغم أن الاستاذ يرحمه الله كان يؤمن بتحريك الجماهير.

2. ربما تكون الجماعة هي الحزب السياسي الوحيد في باكستان الذي بدأ مبكرا على أساس من الشورى والانتخابات داخل الجماعة لإيمانها بأهمية الشورى والديمقراطية في الحياة الحزبية والحياة السياسية وهذا يجعلها أقرب من غيرها الى وضوح الشفافية ومعرفة عامة الجماهير باساليبها وسياستها.

3. لم تهتم الجماعة كثيرا بقضية الاقطاعيين وحلها حلا عادلا يحقق العدالة الاجتماعية للفقراء، وكانت لينة في سياستها الفكرية مع هؤلاء، رغم أنهم يمثلون مشكلة عويصة وصعبة تحول دون تحقق العدالة الاجتماعية وتكافئ الفرص في بلد قائم على الاقتصاد الزراعي ؛ فالاقطاعيون يملكون نسبة كبيرة من الارض الزراعية الباكستانية وهم عائلات محدودة قد منحهم الاستعمار البريطاني كل هذه الاراضي مقابل ما كانوا يؤدونه من خدمات خيانية للبريطانيين.

4. عدم اهتمامها المتميز بالفقراء وخدمة عوام الناس جعل غيرها من الأحزاب يخطف شعارا براقا أولى به الاسلاميون هو ( روتي ، كبرا أور مكان ) أي الكفاح من اجل ضمان الطعام والملبس والمسكن للشعب الباكستاني ، هذا الشعار الذي رفعه حزب الشعب في السبعينات واستطاع أن يتوغل جماهيريا وأن يصبح حزبا شعبيا وأن يستحوذ على أغلبية المقاعد في البرلمان القومي الباكستاني.

5. علاقة الجماعة مع ضياء الحق وتأييده في بداية انقلابه على ذو الفقار علي بوتو رئيس الوزراء المنتخب ورئيس حزب الشعب أضرت كثيرا بالجماعة الاسلامية، لحقيقة بسيطة هي أن الحكم العسكري مهما يقدم في بلد ديمقراطي لن يكون مقبولا ومن يتعاون معه يوصم بعدائه للديمقراطية والحرية، والحقيقة ليس كذلك مع الجماعة الاسلامية ، ولكن من باب أخف الضررين وأهون الشرين والمصالح المرسلة التي لها باب واسع في الفقه؛ ارتأت الجماعة الاسلامية التعاون مع النظام العسكري من أجل تحصيل مكاسب للاسلام والنظام الاسلامي التي تناضل الجماعة لاقامته في البلد.

والحقيقة الثانية أن ضياء الحق نفسه كان بسيط الفهم للاسلام رغم أنه كان محبا له، ولذلك لم يستطع أن يقيم نظاما اسلاميا عادلا يرضي الجماعة الاسلامية وغيرها من الاحزاب الاسلامية.

6. لم تحسم الجماعة الاسلامية وغيرها من الاحزاب الاسلامية مسألة اسلامية دولة باكستان ؛ فهل نظرية باكستان قامت لتأسيس دولة اسلامية للمسلمين، أم دولة علمانية ووطن قومي للمسلمين؟ وما معنى الشعار الذي ينادى به على استحياء ( باكستان كا مطلب كيا ..... لا إله إلا الله ). هل الدولة الاسلامية بنظام اسلامي يوافق عليه العلماء هو ما كان يطمح اليه محمد علي جناح في كفاحه لاقامة باكستان ؟ ما مدى البعد الاسلامي وتأصيله في نظرية باكستان ؟ هذه التساؤلات وغيرها والتي تستحق أن يعقد لها الندوات والتوثيق الذي لا يتبادر اليه الشك، وتقام لها المرجعية التوثيقية من مراكز البحث والدراسات والمؤتمرات لكي تشهر ويعلم بها ويعرفها الباكستانيون.

ولكن للأسف لم يبذل مثل هذا الجهد التوضيحي؛ مما ترك عامة الشعب الباكستاني حائر بين الاسلام والعلمانية، رغم أن الكفاح الذي بذله محمد على جناج ومن معه من مؤسسي باكستان كان إتماما واستمرارا لجهد الفيلسوف الشاعر محمد اقبال يرحمه الله.

7. اشتهرت الجماعة بقدرتها على تسيير مظاهرات واقامة اجتماعات عامة ضد سياسات الحكومة، وهذا يعطي انطباعا عاما بقبول سياسة الجماعة الاسلامية جماهيريا، فقد كان للجماعة دور عظيم في اسقاط ذو الفقار علي بوتو وحكومة حزب الشعب التي كان يرأسها عام 1977 م بسبب دكتاتوريته وسياساته التغريبية والعلمانية، ولكن تبقى مسألة مدى استفادة الجماعة الاسلامية من ذلك الجهد الذي بذلته في سياسة التغيير والأسلمة التي تنادي بها.

نخبوية الجماعة الاسلامية :

لعل من أكبر معوقات انتشار الجماعة الاسلامية جماهيريا وامتدادها شعبيا هي نخبويتها، فعضو الجماعة عليه أن يقضي الأعوام الطوال يعمل ويشارك في برامج الجماعة لكي ينال شرف العضوية ليسمى ( ركن ) في الجماعة.

ولعل ذلك من تصورات وفلسفة السيد أبو الأعلى المودودي يرحمه الله لإرادته أن يكون أعضاء الجماعة ممن ميزوا ومحصوا وعرفوا بالعدل والاستقامة والتقوى والسلوك الاسلامي الرفيع والكفاءة في العمل الاسلامي. ورغم عظمة هذا التوجه وسموه إلا أنه أثر تأثيرا كبيرا على شعبية الجماعة، وهذا التأثير ربما تجمله النقاط التالية:

1. جعل الجماعة الاسلامية محدودة الجماهيرية ، نخبوية ، محصورة الاهتمام بقضايا الاسلام والفكر الاسلامي ، دون النظر الى قضايا الجماهير وعامة الشعب وشؤون حياتهم اليومية باعتبارها قضايا يمكن أن يتبناها الاسلام السياسي ويدافع عنها.

2. أوجد هذا التوجه النخبوي شعورا عند أعضاء الجماعة بنخبوية الجماعة وتميزها واهتمامها باجندة محددة دون غيرها مما ولد ما يشبه الاختصاص المهني في شعورهم ومواقفهم في كثير من القضايا.

3. ساهم هذا التوجه في ايجاد شعور عند الملتزمين العاملين ضمن برامج الجماعة بدوافع ايمانية سياسية أنهم لا أعتبار لهم لأنهم لم يرتقوا بعد الى مرتبة العضوية التي تؤهلهم لنيل الاهتمام والاسمتاع الى آرائهم من قبل قيادة الجماعة؛ مما جعلهم عرضة لدوافع ترك الجماعة الاسلامية والانخراط في أحزاب سياسية أخرى وجماعات اسلامية أخرى، فعدد من قيادات الاحزاب السياسية كانوا من الذين تربوا في محاضن الجماعة الاسلامية أو في تنظيمها الطلابي ( جمعية الطلبة الاسلامية ) من هذه الشخصيات السيد أحسن اقبال مسؤول الاعلام في حزب الرابطة الاسلامية ( مجموعة نواز شريف)، ومحمد علي دوراني الذي كان وزيرا للاعلام في حكومة مشرف ، الشيخ اسرار أحمد أمير التنظيم الاسلامي ، مخدوم جاويد هاشمي من كبار قادة حزب الرابطة الاسلامية ( مجموعة نواز شريف )، وغيرهم الكثيرفي مستويات أولية في التنظيمات والاحزاب.

ما أريد أن أنبه اليه في هذا الشأن وبدون اسهاب أن فلسفة النخبة المتبعة في أسس التنظيم في الجماعة الاسلامية تجعل الأخ الملتزم بفكر الجماعة والمؤمن بمبادئها ويعمل ضمن برامجها فترة طويلة دون أن يكتسب حق العضوية أو الركنية، هي التي جعلت كثيرا من من الشباب يتفلتون بالانظمام الى جماعات وأحزاب أخرى، حيث يجدون هناك الترحاب والقبول والبرامج التي تثبت شخصياتهم وتلبي طموحاتهم من خلال المسؤوليات والعمل الجماهيري.

4. في آخر زيارتي لي الى أخي الفاضل عبد الغفار عزيز في مكتبه في المنصورة تجاذبنا أطراف الحديث حول الظاهرة، وأبدى لي مشاعره وخطورة ما تمر به الجماعة في المعترك السياسي الباكستاني.

لقد كان إحساسي بعظم وخطر ظاهرة النخبة وأنا أصلي في مسجد المنصورة، فأغلب قيادات الجماعة الاسلامية هم من كبار السن – أطال الله أعمارهم ورزقهم العمل الصالح- ونادرا ما ترى في القيادة من الشباب الذي عرف في تراثنا الاسلامي بالحيوية والهمة العالية ودوره الرائد في الدفاع عن الاسلام، كما جاء في الأثر.

5. ضمن فكرة النخبة التي تنتهجها الجماعة الاسلامية ووفق هذه السياسة هناك العديد من القيادات المبدعة الذين يتولون مسؤوليات العمل الخدمي مثل رؤوساء البلديات والعمل العام ، سرعان ما يندثرون وتدفن انجازاتهم وابداعاتهم بمجرد انقضاء مدة خدماتهم لأنهم لا يجدون الحاضنة السياسة التي تظهر وتشهر ابداعاتهم ونزاهتهم وكفاءتهم وتحولها الى مكسب سياسي للجماعة بتقديمهم كقادة مرموقين على مستوى الوطن كله يستحقون التأييد والانتخاب من قبل طبقات الشعب الباكستاني.

وهنا أود أن أذكر بتجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا، لقد نجح الرجل الطيب أوردغان أولا في بلدية اسطنبول، فلما رأي الأتراك ذلك النجاح المبهر سلموه قيادة تركيا كلها ليأخذها الى بر الامان الاقتصادي والاجتماعي ويصنع لها مكانة مرموقة في المنطقة، لقد عرفوا فوارس القيادة فيه فسلموه زمامها.

6. إن الباحث ليدرك بعين البسيطة من خلال أرقام المنتمين الى الجماعة الاسلامية وعددهم 5 مليون شخص بينما عدد الأعضاء الذين حازوا على شرف الركنية لم يبلغ أكثر من 25000 عضو، يدرك وببساطة تأثير ظاهرة النخبوية في التنظيم وأنها تحجم الجماعة من عمل الكثير في حراكها السياسي رغم صعوبة الوضع الباكستاني وحاجة الناس وترقبهم وتشوفهم للتغيير. لقد قام الشيخ قاضي حسين أحمد أمير الجماعة الاسلامية السابق بحملة بدأها بكراجي وانتهت ببشاور سماها قافلة الدعوة والمحبة، وكان خلال هذه الحملة يدعو الى الاسلام ويبشر بعدالة النظام الاسلامي وصلاحيته لكل زمان ومكان ويسجل الراغبين في العمل للاسلام تحت مظلة الجماعة الاسلامية.

لقد كانت حملة رائعة ومباركة، تابعتها القنوات التلفزيونية ورصدتها وسائل الاعلام، ولكن على ما يبدو أن الجماهير التي انتمت الى الجماعة خلال تلك الحملة واجهت سياسة النخبة فتحجموا.

لقد كانت حملة الشيخ قاضي نقطة انطلاق جديدة في حياة الجماعة الاسلامية، ويذكر الفضل للشيخ قاضي على محاولاته للوحدة بين المسلمين وخاصة في باكستان ومحاولة مجابهة العلمنة والنفوذ الأمريكي والهندي في المنطقة بهذه الوحدة.

7. مما حد من جماهيرية الجماعة الاسلامية أيضا، هو أن العمل السياسي في باكستان يقوم على رؤوس من العوائل الغنية والاقطاعية، فنواز شريف بن ميان شريف الصناعي الباكستاني المعروف ، وبنظير بوتو هي بنت الاقطاعي الكبير ذو الفقار علي بوتو، التي قيل عن اقطاعية عائلتها أن الضابط الانجليزي كان يقول لسائقه: سأنام ، أيقظني عندما نصل الى نهاية أرض بوتو، وفي الجملة لا تكاد تجد قائدا سياسيا مشهورا ليس من هذه الطبقة، وفي العادة أن هؤلاء القادة يشترون الأصوات والأتباع بالمال والسلطة.

انجازات الجماعة الاسلامية الستراتيجية:

لعل الباحث في شؤون شبه القارة الهندية يدرك أهمية الجماعة الاسلامية في باكستان ودورهذه الحركة العملاق في الحفاظ على هوية المسلمين في وسط بحر متلاطم من الهندوس، وتقديم الاسلام السياسي كنموذج نظام صالح لحكم البلاد، والدفاع عنه كنظام يحل مشاكل البلد، ويبعده عن الانجرار وراء النفوذ الاجنبي الذي لا هم له سوى مصالحه.

في حقيقة الأمر أن انجازات الجماعة الاسلامية قد لا يمكن أحصاؤها في عجالة من بحث قصير، ولكن حسبي أن أجمل عدة انجازات ستراتيجية اثبتت أن الجماعة الاسلامية تملك دورا كبيرا في الحياة السياسية والعامة للبلد لا يمكن تجاهله، وأنها تمثل رقما صعبا أمام القوى العلمانية واللوبي الأمريكي في باكستان لا يمكن تجاوزه:

1. الحفاظ على هوية باكستان الاسلامية والجهاد من أجل اشهارها وتثتبيتها في نفوس العامة والدفاع عنها.

2. الاهتمام بقضية كشمير المحتلة واعتبارها قضية اساسية تهم كل الباكستانيين، ومحاولة الحصول على دعم العالم الاسلامي لقضية الكشميريين العادلة الذين يريدون الاستقلال عن الهند، وبيان الجرائم التي يرتكبها الهنود بحق الشعب الكشميري، وجعل قضية كشمير والدفاع عنها مطلب قومي للباكستانيين، وخطا أحمرا لا يمكن للحكومات الباكستانية المتعاقبة تجاوزه.

3. الاهتمام بقضية فلسطين وقضية المسجد الاقصى ومساعدة الشعب الفلسطيني في مسعاه للتحرير وتأسيس دولته الحرة على أرض فلسطين بمختلف الوسائل مثل المساعدات المالية والضغط على الحكومة لتأييد قضية فلسطين في المحافل الدولية وتسيير المظاهرات واقامة الاجتماعات الجماهيرية العامة تأييدا للقضية الفلسطينية. 4. الاهتمام المبكر بقضية أفغانستان والضغط على الساسة الباكستانيين والحكومة الباكستانية للاهتمام بقضية اللاجئين الأفغان، ومساعدة المجاهدين.

5. اقامة العشرات من المؤسسات التعليمية ومراكز البحث والدراسات ومعاهد تحفيظ القرآن والمدارس الاسلامية واشاعة التعليم الاسلامي في بلد يعتبر قطاع التعليم الخاص فيه ذو صبغة غربية في ظل اهمال الدولة لجانب التعليم الاساسي وتحويله الى قطاع خاص.

6. هناك العديد من المؤسسات الخاصة التي أقامها أشخاص أعضاء في الجماعة الاسلامية، ويعتبرون أن مؤسساتهم هي مؤسسات الجماعة الاسلامية فكريا ومنهجيا.

7. حماية البرنامج النووي الباكستاني باعتباره من برامج الأمة جمعاء، والتصدي لمن حاول المساس به من اللوبي الأمريكي في باكستان أو من القوى الاجنبية الاخرى وتوعية عامة الشعب الباكستاني بضرورة الدفاع عن البرامج والحفاظ عليه، وتحذير الحكام والسياسيين من التصرف بشأنه والتفاوض عليه مع الأمريكان والغربيين.

جماهيرية الجماعة الاسلامية:

إن فشل الأحزاب والجماعات الاسلامية أو ما يسمى هنا بالأحزاب الدينية في الانتخابات المتعاقبة رغم أنها تسلك كل المسالك الديقراطية والاساليب التي يحميها الدستور الباكستاني ظاهرة تستحق الدراسة ، بل البحوث العميقة المحكمة، وإني لأتمنى أن يتولى معهد الدراسات السياسية في اسلام آباد، التابع للجماعة Institute of Policy Study

الاسلامية والذي يرأسه البروفسور خورشيد أحمد نائب أمير الجماعة الاسلامية؛ أتمنى أن يتولى دراسة هذه الظاهرة الغريبة من خلال بحوث محكمة وندوات موسعة لكي يصل الى نتيجة ربما تكون عونا للجماعة الاسلامية وغيرها من الأحزاب الاسلامية لكي تغير أساليبها في الدعوة والسياسة في طريق عرضها للبديل الشرعي للحكم وهو شعار الاسلام هو الحل لمشاكل باكستان التي ما برحت تنادي به.

في دراسة أعدها مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أكسفورد أكد فيها المؤرخ الأمريكي يوجن روجان أن فوز الاسلاميين مؤكد في أي انتخابات حرة ونزيهة يمكن أن تجرى في البلاد العربية. إذن ما بال أخوتنا في باكستان لا يحصلون حتى على عشرة مقاعد في برلمان باكستان الوطني رغم أن الحرية والديمقراطية متاحة في هذا البلد والجماهير هي من يقرر مستقبل ونوع الحكم في اسلام آباد؟.

إنها ظاهرة محيرة ولكن لها أسبابها بالتأكيد. دعنا نقارن بين بلد غير عربي هو تركيا و باكستان لنرى كيف أن الحركة الاسلامية هناك استطاعت نهج ستراتيجية ناجحة للوصول الى الحكم، وقدمت حكما رشيدا وشفافا استطاع كسب حتى تأييد العلمانيين:

للمزيد عن الإخوان في باكستان

N.jpg

وصلات داخلية

كتب متعلقة

.

ملفات متعلقة

.

مقالات متعلقة

أخبار متعلقة

أعلام من باكستان

وصلات فيديو