البنا والقضية الفلسطينية (الحلقة الرابعة)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
البنا والقضية الفلسطينية (4)


إعداد:أ.طارق عبد الرحمن

بعد المجهود الكبير الذي بذله الإمام البنا بشأن قضية فلسطين، وحديثه عن صناعة الموت، نتناول في هذه الحلقة صورة المذكرة المقدمة للسفير البريطاني بشأن فلسطين ومفتيها الأكبر، والتي جاء فيها:

صورة المذكرة التي قُدِّمت للسفير البريطاني بشأن فلسطين ومفتيها الأكبر

الإمام حسن البنا بين د. مصطفي السباعي وعمر بهاء الدين الأمير في فلسطين

سعادة السفير البريطاني بمصر..

إن الإخوان المسلمين الذين يؤمنون بأن قضية فلسطين هي قضية الإسلام والعروبة، ليعجبون من التناقض في تصريحات وزير المستعمرات البريطانية؛ إذ بينما يصرح في جلسة مجلس العموم في 7/12/1938 بأمر الحكومة البريطانية في اختيار ممثلي عرب فلسطين، يصرِّح في جلسة 14/12/1938 بأنه مصر على عدم توجيه الدعوة لسماحة المفتي، وليس من شك أن هذا تدخُّلٌ صريحٌ يرمي إلى الحيلولة بين زعيم فلسطين الأوحد، وبين حضور المؤتمر الذي سيتناول قضية القطر الشقيق المجاهد.

لقد استفتت الحكومة البريطانية الشعبَ الفلسطيني في هذا الشأن تحت سيف الأحكام العسكرية، فكانت نتيجة الاستفتاء أن أعلن العرب- مسلمين ومسيحيين- أنهم يضعون ثقتهم التامة في سماحة زعيمهم المفتي الأكبر، ولن يتنازل المسلمون عامةً وأبناء فلسطين خاصةً عن ذلك الرأي الذي اتفق عليه إجماعهم.

إن هذا الموقف الشاذ الذي يقفه وزير المستعمرات إلى جانب المواقف التي وقفها من قبل متحيزًا للصهيونية، ومتحاملاً على العرب، ومناوئًا لمطالبهم العادلة المشروعة، ليثير مخاوف الإخوان المسلمين، ويحملهم على المطالبة بعدم تولية أعمال مؤتمر فلسطين وإسناد رئاسته إلى المستر "شمبرلن"؛ ليعمل على حل هذه القضية بما يقتضيه العدل والإنصاف.

إن عرب فلسطين قد سطَّروا جدارتهم للحرية الكاملة لا بحقوقهم المشروعة فحسب، ولكن بدماءٍ زكيةٍ أراقها شهداؤهم وأرواحٍ طاهرةٍ بذلها شبابهم.

إن هذا الشباب الأبيَّ قد أعلن كلمته في حزمٍ وقوةٍ، ولن يثنيَه عن تنفيذ إرادته عسفٌ أو اضطهادٌ أو تنكيلٌ، والإخوان المسلمون يقفون في المحنة القاسية التي تجتازها فلسطين إلى جانب إخوانهم عرب القطر المجاهد، فإن أنصفتهم الحكومة البريطانية فذاك، وإلا فسيبذلون أرواحهم وأموالهم في سبيل بقاء كل شبرٍ من فلسطين إسلاميًّا عربيًّا حتى يرث الأرض ومن عليها.

ونرجو أن ترفعوا هذه المذكرة لحكومتكم.

من فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمينإلى رفعة رئيس الوزراء

حضرةَ صاحب المقام الرفيع/ محمد محمود باشا- رئيس الحكومة المصرية..

أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأُصلي وأُسلم على سيدنا محمد عبده ورسوله وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعد..

فقد نشرت الصحف نصَّ الكتاب الأبيض الذي أصدرته الحكومة الإنجليزية عن فلسطين، وقرأ الإخوان المسلمون ذلك الكتاب المشئوم في ألمٍ واستنكارٍ وقوةٍ.. أما الألم فلتلك النكبات المتلاحقة التي تحل بفلسطين الأبية المجاهدة، ذلك الجزء العزيز الغالي من الوطن الإسلامي العام، وأما الاستنكار فلذلك التحدي الصريح لشعور المسلمين، وتلك الإهانة القاسية لزعمائهم ورؤساء حكوماتهم، ولقد كانت للحكومة المصرية من هذه الإهانة الحظُّ الأوفر؛ إذ ساهمت في محادثات لندن والقاهرة بأكبر نصيب، وأما الثورة فسأكون- يا صاحب المقام الرفيع- صريحًا معكم في بيانها إلى أبعد حدود الصراحة:

منذ قامت الثورة الإسلامية بفلسطين والإخوان المسلمون يساهمون مع جنود تلك الثورة الرائعة الكريمة بأموالهم، وإن قلَّت جهودكم، وإن انحصرت في نطاقٍ ضيِّق، وكنا نحاول دائمًا أن نهدِّئ من ثائرتهم، آملين أن تصل الحكومات العربية إلى حلٍّ لقضية الإسلام والعروبة يحقق للمسلمين آمالهم وللعرب حقوقهم.

ولقد شجَّعنا على انتهاج سبيل التهدئة ما كنتم تصرحون به رفعتكم من أن مصلحة القطر الإسلامي الشقيق تقتضي سَيْرَ المفاوضات في جوٍّ هادئٍ، ولقد كنا متوقعين- برغم ذلك- طوال تلك الفترة العصيبة من أن الإنجليز واليهود لن يفهموا إلا لغةً واحدةً، هي لغة الثورة والقوة والدم، ولكنا تحاشينا أن نتعجل الحوادث؛ حتى لا يكون لأحد حجةٌ علينا إن اضطرتنا الحوادث فيما بعد إلى أن نسلك السبيل الذي ترضاه ضمائرنا.

والآن وقد جاهر الإنجليز واليهود في كل أنحاء العالم، حتى يهود أمريكا التي تتخذ الحياد شعارًا لها في كل مشاكل العالم.. الآن وقد جاهر الإنجليز واليهود المسلمين بالعداء، أصبح لزامًا على كل أخ مسلم أن يؤدي واجبه بما يرضي الله ورسوله، وبما يحفظ للإسلام كرامته وللدين قداسته، ولذلك الجزء الطاهر من الوطن الإسلامي حريته

يا صاحب المقام الرفيع..

إن الدماء التي خضَّبت أرض فلسطين.. إن آلاف الشهداء الذين ضحُّوا بأنفسهم في سبيل المثل الإسلامي الأعلى.. إن شباب العرب الذين أرسل بهم الإنجليز إلى المشانق مئاتٍ إثر مئات.. إن الشيوخ الذين أنزل بهم المستعمرون ألوانًا وحشيةً من التعذيب الذي أعاد إلى الأذهان صور محاكم التفتيش في أسوأ عهودها.

المسجد الأقصى الذي انتُهكَت حرمته واعتدى الجنود الإنجليز على قداسته.. إن كرامة زعماء المسلمين وملوكهم وأمرائهم الذين تدخَّلوا في هذه القضية، فلم يُسمَع لهم مشورةٌ، ولم يُطَع لهم قولٌ، بل كرامتكم أنتم شخصيًّا وقد كنتم محل أمل كبير في ذلك.

إن كل أولئك ليهيب بكل مسلمٍ أن أبذل في سبيل الله ما وهبك الحق- تبارك وتعالى- من روحٍ ومالٍ؛ لتكون جديرًا بالاسم الذي تحمل، وباللواء الذي ترفع، وبالزعيم الذي أنت به مؤمن، ويجعل من الواجب على الحكومة المصرية- وقد لحقت بها تلك الإهانة البالغة- أن تحافظ على كرامتها، وكرامتها من كرامة الشعب.

وليس يكفي أن تعلن أنها لا توصي أبناء فلسطين بقبول الكتاب الأبيض؛ فهناك وسائلُ كثيرةٌ أقلُّها استقالة الحكومة حتى لا تتعاون مع الإنجليز في الوقت الذي تلعب فيه السياسة الإنجليزية ببقعةٍ غاليةٍ من الوطن الإسلامي العزيز.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمينإلى سعادة السفير البريطاني

سعادة السفير البريطاني بمصر.. بمناسبة صدور الكتاب الأبيض عن فلسطين، أُلفتُ نظر سعادتكم إلى هذه الحقائق، راجيًا رفعها باسم الإخوان المسلمين إلى حكومتكم:

أولاً-

إن هذا الكتاب يقضي على آمال العرب والمسلمين، ولا يحقق شيئًا من أمانيهم، وهو خداعٌ مكشوفٌ ظاهرٌ، ولعبةٌ سياسيةٌ سخيفةٌ، ما كان ينتظر أن تصدر عن السياسة الإنجليزية المعروفة بعمقها ودقتها.

ثانيًا-

إن إنجلترا بهذه السياسة الملتوية المترددة قد قضت على كل أملٍ في صداقة العرب والمسلمين لها، وعلى كل ما كان لها من ثقةٍ في نفوسهم.

ثالثًا-

إنه لم يخفَ علينا ولا على كثير من العارفين بحقائق الأمور أن الحكومة البريطانية قد تقهقرت بغير انتظامٍ في كثيرٍ من النقاط التي سلَّمت بها ووعدت بتحقيقها في مؤتمر لندن وفي محادثات القاهرة، ولكنها أمام الدعايات الصهيونية والتهديدات الأمريكية قد فرَّطت في الشرف (4) البريطاني، كما فرَّطت فيه من قبل أمام وعود الملك حسين- مكماهون.

رابعًا-

إن الشعوب الإسلامية إذا انفجر غضبها وأعلنت خصومتها لإنجلترا فلن تكون هي الملومة في ذلك، ولكن السياسة الإنجليزية هي التي ستدفعها إلى هذه الخطة دفعًا، ومن الهراء الذي لا قيمةَ له أن تُنسَب ثورتها وخصومتها إلى الدعايات الأجنبية والتأثير الأجنبي وغير ذلك من الأكاذيب، فلعل الحكومة البريطانية هي أعرف من غيرها بما بين المسلم وأخيه المسلم من روابط العقيدة والروح والصلة في كل حال، ذلك إلى صلة الجوار واللغة والمصالح المشتركة التي تجعل فلسطين ومصر وطنًا واحدًا في الحقيقة.

لهذا فنحن نرفض هذه المقترحات الجائرة، ونحتجُّ عليها بكل شدة، ونعلن تضامننا التام مع إخواننا الفلسطينيين في جهادهم حتى ينالوا حقهم تضامنًا كاملاً غيرَ منقوصٍ.

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام

2 ربيع الثاني سنة 1358

حضرة صاحب السعادة السفير البريطاني بمصر

بعد التحية..

أحب أن أحيط سعادتكم علمًا بأن حملة وزير المستعمرات بالحكومة البريطانية في مجلس العموم على سماحة المفتي الأكبر يعتبرها الإخوان المسلمون- وهم في هذا يعبِّرون عن شعور العالم الإسلامي كله- حملةً جائرةً ظالمةً ليس فيها شيء من الحقيقة.

إن سماحة المفتي الأكبر- وهو زعيم فلسطين المجاهد- لم يفعل إلا ما يفعله كل وطني غيور مؤمن بحق بلاده ووطنه في الحرية والاستقلال، بل مؤمن بأن بريطانيا مدينةٌ لهذه البلاد بالذات بحكم وعودها الكثيرة بهذه الحرية كاملةً غيرَ منقوصةٍ، وهو في كل مواقفه إنما يقوم بالواجب المفروض عليه لأمته وبلاده ودينه، والعالم الإسلامي كله يشكر له جهاده، ويُعجَب بمواقفه هذه المشرفة، وإن منعه من دخول بلاده ظلمٌ وإجحافٌ لا يرضى به عربي ولا مسلم واحد.

نحب أن تعلم الحكومة البريطانية- إن لم تكن تعلم- أن سماحة المفتي الأكبر فضلاً عن أنه زعيم بلاده؛ فهو كذلك من أكبر الشخصيات الإسلامية المحفوفة بمحبة المسلمين وتوقيرهم وإجلالهم في العالم كله لا في فلسطين وحدها؛ فموقف العداء منه عداءٌ من إنجلترا لكافة المسلمين، وتحديها لسماحته تحدٍّ صريحٌ للعالم الإسلامي لا يمكن معه أن تتحسن العلائق بين بريطانيا والشعوب المسلمة.

فنحن نحتجُّ على ما جاء في حديث وزير المستعمرات ضد سماحة المفتي الأكبر من أخطاء، ونحتجُّ على تقرير منع سماحته من دخول فلسطين، ونطلب من الحكومة البريطانية أن تعدِّل موقفها من الزعيم المجاهد وصحبه الأخيار ومن عرب فلسطين؛ فاتِّباع الحق أولى من الجري وراء الأباطيل.

وتفضلوا بقبول احترامي

في 27 رجب

إلى الإخوان المسلمين

أيها الإخوان..

بين هذه التنقلات الدائمة في مدن الصعيد المبارك وقراه، أذكركم من كل قلبي بيوم فلسطين يوم 27 رجب.

فلسطين الباسلة المجاهدة الشهيدة تدعوكم بلسان المسجد الأقصى المبارك، وبلسان الشهداء من أبنائها المجاهدين، وبلسان أراملها الطاهرات، وأطفالها الأبرياء الذين جنت عليهم القوة الغاشمة والجبروت الظالم، فأصبحوا ولا عائل لهم ولا سند، وبلسان هذا العدوان الصارخ من الصهيونيين شُذَّاذ الآفاق وحثالة الشعوب، وبلسان الأخوة الإسلامية التي تجعل من المسلمين جسمًا واحدًا؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.

فلسطين الباسلة المجاهدة الشهيدة تدعوكم لتثبتوا وجودكم، ولتظهروا غضبكم، ولتقدموا مساعداتكم؛ حتى يعلم الغاصبون الطامعون أن المسلم لن ينسى أخاه، ولن يقصِّر في واجبه.

ابعثوا بالاحتجاجات الكتابية، وألِّفوا اللجان، اجمعوا الإعانات، تنازلوا عن النعيم والترف بها يومًا واحدًا في سبيل فلسطين، وابعثوا بما تقتصدونه وتجمعونه من الأهالي إلى "اللجنة المركزية لمساعدة فلسطين بدار الإخوان المسلمين"؛ لتُبعَث بالأموال المجموعة إلى الأرامل والأيتام من أبناء المجاهدين.

وإن اللجنة لتنتظر منكم بيانًا وافيًا بأسماء أعضاء لجان فلسطين الفرعية، وبالوسائل العملية الإيجابية التي ستساعدون بها إخوانكم المجاهدين في يوم الإسراء المبارك. احذروا أن تقصِّروا فتندموا أشدَّ الندم في الدنيا، وتسألون عن ذلك في الآخرة. وفَّق الله المسلمين لخيرهم، وتحرير أوطانهم، واستعادة مجدهم.

والله أكبر ولله الحمد

بمناسبة إعانة منكوبي فلسطين

مذكرة الإخوان المسلمين إلى رفعة رئيس الحكومة

حضرةَ صاحب المقام الرفيع/ علي ماهر باشا- رئيس الحكومة المصرية. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..

فقد قرأنا اليوم نبأ الإعانة التي قررتها الحكومة المصرية للأسر الفلسطينية، فشكرنا للحكومة أن تنبهت لهذا الواجب الذي تأخَّر به الزمن لديها كثيرًا، وقد كان من الحق على حكومة مصر- وهي التي تقدَّمت بالإعانات في كثيرٍ من المناسبات إلى شعوبٍ وجماعاتٍ لا تربطها بها أضعف الوشائج التي تربطها بعرب فلسطين- أن تكون في مقدمة من يمد يد المساعدة للمجاهدين، وعلى كل حال فهذا العمل من الحكومة المصرية لا يقابل بغير الشكران، فجزى الله العاملين خيرًا.

حبذا لو أسرعت الحكومة بإرسال المبلغ المقرر، وحققت ما وعدت به من إمداد أسر الإخوان المجاهدين بالأقوات والملابس، وأضافت ذلك العطف الأدبي على أبنائها بقبولهم في المدارس والمعاهد المصرية بالمجان، متى ثبت لها أن عائليهم قد استشهدوا في سبيل الله والوطن الإسلامي المحبوب.

وننتهز هذه الفرصة فنلفت نظر الحكومة المصرية إلى أمرين مهمين:

أولهما: أن تقرير الإعانة ليس أهم في الحقيقة من الإشراف على توزيعها توزيعًا يكفل وصولها إلى المستحقين لها من أبناء المجاهدين، وضمانًا لذلك يجب أن يكون هذا التوزيع بمعرفة الهيئات العربية الصميمة؛ كاللجنة العربية العليا، أو لجنة السيدات العربيات مثلاً، وأن يكون بعيدًا كل البعد عن تدخل الحكومة الفلسطينية وعن أيدي الخوارج ومطايا الاستعمار؛ حتى لا يفوت الغرض المقصود وتتسرب الإعانة إلى يد من لا يستحقها.

وثانيهما:

أن هذا المسعى الإنساني المشكور ليس هو كل شيء في القضية العربية؛ فإن الفلسطينيين الأمجاد ضحُّوا بالأموال والأرواح في سبيل غايةٍ سلمية معلومة، هي أن يصلوا إلى استقلالهم وحريتهم، وأن ينقذوا وطنهم من خطر الطغيان اليهودي الصهيوني، وقد شاركهم المسلمون والعرب في كل أقطار الدنيا هذا الشعور وأيَّدوهم فيه، وكان للحكومة المصرية- وكان لرفعتكم بالذات- نصيبٌ في هذا الجهاد المبرور.

وعلى هذا، فالمسعى السياسي لحل قضية فلسطين أهم بكثير من هذا المسعى الإنساني على جلاله ورحمته، ولعل الظروف الحالية هي أنسب الظروف لإعادة النظر في هذه القضية.

وليس عليكم- يا رفعة الرئيس- إلا أن تكاشفوا الساسة البريطانيين بوضوحٍ وجلاءٍ بحقيقة الموقف، وتطلبوا إليهم حل القضية الفلسطينية على هذه القواعد:

- إيقاف الهجرة اليهودية القانونية إيقافًا تامًا، وأخذ المهربين بأقصى الشدة؛ حتى تظل الغالبية في فلسطين عربيةً.

- العفو الشامل عن كلِّ المعتقلين والمبعدين والمجاهدين، والسماح بالعودة للمهاجرين، وفي مقدمتهم سماحة زعيم فلسطين المفتي الأكبر الحاج محمد أمين الحسيني، وإن أي مهاجر لا يرضى أن يعود إلى الوطن إلا إذا أعطي هذا الحق لسماحة المفتي.

- إظهار عطف الحكومة الفلسطينية على أسر المجاهدين بمنحهم الإعانات والتسهيلات التي تعوِّض عليهم بعض ما فقدوا من أرواح وأموال، وتضمن لهم الراحة في معيشتهم وظروف حياتهم.

- اعتراف الحكومة البريطانية باستقلال فلسطين عربيةً مسلمةً، والتعاقد معها تعاقدًا شريفًا على نحو ما حدث في مصر والعراق مثلاً.

ونحن نعتقد أنكم بذلك تقدمون لبريطانيا خدمةً جليلةً بقدر ما تخدمون عرب فلسطين؛ فالفائدة للطرفين معًا، ونعتقد كذلك أنكم إذا جليتم للساسة البريطانيين حقيقة شعور الشعب المصري- وهو بلا شك صورةٌ من شعور غيره من الشعوب الإسلامية- وأقنعتموهم بأن بريطانيا حين تفعل هذا تظفر إلى أبعد حدٍّ بالتأييد القلبي والعملي من الشعوب الإسلامية والعربية كلها، وتسد الباب على الطاعنين عليها، وتقدم بذلك دليلاً على أنها تُقدِّر العدالة والإنصاف، كان ذلك سببًا للعمل من جديد على إنصاف فلسطين الباسلة والاعتراف بحقوقها كاملةً.

وفقكم الله للخير ويسَّره على يديكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إلى السفير البريطاني

فخامة السفير البريطاني بالقاهرة.. صار من الحقائق المقررة التي لا تقبل الجدل ولا الشك أن الثورة العربية في فلسطين هي وحي الشعور الوطني المتَّقد في صدر كل عربي في فلسطين، ونتيجةٌ لتمسك العرب البواسل بحقوقهم الوطنية التي أيَّدها التاريخ، وأقرَّتهم عليها الحكومة البريطانية، وأكَّدتها لهم وعودها الكثيرة المتكررة.

وأن هذه الثورة بريئةٌ كل البراءة، بعيدةٌ كل البعد عن أن تكون صدًى لدعاية أجنبية أو متصلةً أقلَّ اتصالٍ بأية دولة تعادي الدولة البريطانية، وقد أثبتت الحوادث صدق ذلك، وأكَّده سماحة المفتي الأكبر زعيم فلسطين السيد محمد أمين الحسيني في خطابه للمندوب السامي، وأيَّده بيان المجاهدين النبلاء أنهم لن يكونوا طعنةً في ظهر بريطانيا

وأن القضية الفلسطينية ليست قضيةَ عرب فلسطين وحدهم، ولكنها في الحقيقة قضية كل مسلمٍ وكل عربي على وجه الأرض، وقد تجلَّى ذلك في تأييد كل المسلمين والعرب لها، ومطالبتهم في كل المناسبات والمؤتمرات بحلِّها.

ومهما كانت الحوادث كابتةً لهذا الشعور فإنها لا تُميته، ولكنها تزكيه وتزيده شدةً واشتعالاً؛ ليظهر في الوقت المناسب أقوى مما يظن الناس.

ولهذا كان أفضل عمل تثْبت به بريطانيا حسن نيتها تجاه الشعوب الإسلامية، وتؤكِّد به صداقتها لهم ومحالفتها معهم، أن تبادر بحل هذه القضية حلاًّ يحقق آمال المسلمين والعرب، وذلك بما يأتي:

الإمام الشهيد حسن البنا في مظاهرات فلسطين عام 1947

1- إيقاف الهجرة اليهودية القانونية إيقافًا تامًّا، وأخذ المهربين بأقصى شدة.

وقد اعترف وزير المستعمرات بما يبذل من جهود في سبيل تدفق اليهود على فلسطين، ولا يجهل المسلمون والعرب معنى هذا التدفق، وأن المقصود به غمر البلاد بهذا الطوفان الوبيء؛ حتى تصير الأغلبية يهوديةً، فيصبح لليهود بذلك السلطان، وهو ما لا يرضى به مسلم واحد.

2- العفو الشامل عن كلِّ المعتقلين والمبعدين والمجاهدين، والسماح بالعودة للمهاجرين، وفي مقدمتهم سماحة الزعيم الأوحد المفتي الأكبر الحاج "محمد أمين الحسيني"، ولن يرضى أي مهاجر أن يعود إلى الوطن إلا إذا أعطي هذا الحق لسماحة المفتي الزعيم

3- إظهار عطف الحكومة الفلسطينية على أسر المجاهدين؛ بمنحهم الإعانات والتسهيلات التي تعوِّض عليهم بعض ما فقدوا من أرواح وأموال، وتضمن لهم الراحة في معيشتهم وظروف حياتهم.

4- الاعتراف باستقلال فلسطين عربيةً مسلمةً، والتعاقد معها تعاقدًا شريفًا على نحو ما حدث بين بريطانيا والعراق ومصر مثلاً.

يرجو الإخوان المسلمون أن ترفعوا هذه الملاحظات إلى حكومتكم البريطانية، وأن تؤكِّدوا لها أن مصر والعراق والهند- بل كل بقعة فيها مسلم أو عربي- ترقب هذا الحل بفارغ الصبر، وأن بريطانيا حين تفعل ذلك تقدِّم للعالمين الإسلامي والعربي- بل للعام كله- البرهان العملي على أنها إنما تحارب في سبيل العدل والإنصاف، وتسد بذلك في وجه خصومها بابًا فسيحًا للطعن عليها والتشهير بها.

وبهذه الحلول وحدها يعود السلام إلى أرض السلام.

احتجاج الإخوان المسلمين

جناب المحترم وزير أمريكا المفوض بمصر..

لقد كان لتصريح الحزبين الجمهوري والديمقراطي بأمريكا الذي أذاعته الصحف حديثًا حول فلسطين، وتشجيع فكرة الوطن القومي للصهيونية دون قيدٍ ولا شرطٍ، وفتح باب الهجرة لليهود على مصراعيه- رنةَ أسًى واستنكارٍ، وصدى استياءٍ وارتياعٍ في جميع أرجاء العالم العربي والإسلامي.

ولا عجبَ، فإن قضية فلسطين ليست قضيةَ أهلها وحدهم، وإنما هي قضية مصر والعرب والإسلام، بل قضية عقيدة تهوي إليها النفوس، وتُزهق لها الأرواح، وهي كذلك قضية إنسانية تقوم على دعائم الحق والعدل، وتهتز لها مشاعر الإنسانية وتثور أحاسيسها.

وسواءٌ أكانت هذه التصريحات صيحاتٍ انتخابيةً عارضةً أم مقاصدَ حقيقيةً مدبرةً، فإننا- نحن الإخوان المسلمين- باسم الشعب المصري والشعوب الإسلامية لنرفع عقائرنا (10) محتجين على هذا التصريح المشئوم الذي تنادي به أمريكا اليوم، متحديةً به شعور أربعمائة مليون مسلم، ومتخطيةً ميثاق الأطلنطي وما ينطوي عليه من وعودٍ وعهودٍ، وآمالٍ وأحلامٍ.

وإن استهلالاً كهذا الاستهلال من دولة تفتتح عهدًا جديدًا لتوطيد صداقة بينها وبين دول الشرق، لنذيرٌ لصداقةٍ لا تلبث أن تموت قبل أن تولد، وهي موءودة لا شك إن ولدت.

إننا لا نريد هنا أن نعالج هذه القضية؛ فلعل الأمريكيين لا يجهلونها، ولعل أرض فلسطين التي لا تزال رطبةً بدم الشهداء العرب أصدع ردٍّ على أن مثل هذه الحلول التي تنادي بها أمريكا ليست حلولاً، وإنما هي تعقيدٌ واستفزازٌ وخلقٌ لمشاكل جديدة لا يعلم إلا الله عاقبتَها ومنتهاها.

وبعد.. فعلى الحكومة الأمريكية أن تعدِّل خطتها، وتكشف عن سياستها، وتستقيم مع منطقها الذي طالما تهتف به، ومنطق الحوادث والمصالح الذي يصرخ في آذانها، ويدوي في كل حين أن فلسطين للعرب وأن العرب لفلسطين.

ونرجو أن ترفعوا هذه المذكرة لحكومة واشنطن

وتفضلوا سعادتكم بقبول فائق الاحترام

أراضي فلسطين

حضرةَ صاحب السعادة/ الأمين العام لجامعة الدول العربية..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..

بمناسبة انعقاد اللجنة الاقتصادية والزراعية لجامعة الدول العربية، يسرُّنا- إذا أذنتم- أن نتقدم إلى سعادتكم وإلى حضرات السادة الأماثل أعضاء اللجنة الاقتصادية ببعض الملاحظات والمقترحات التي نعتقد أنها تُنير السبيل؛ ولعل بعضها- أو لعل كلها- موضعُ نظركم ومحلُّ دراستكم، وأنتم حملة لواء القضية العربية منذ القديم، فإن يكن ذلك فهو من جانبنا أداءٌ لبعض الواجب.

أولا- إن النظر في هذه القضية من شأنه أن يدعوَ إلى تمثيل فلسطين بأحد رجالاتها المعروفين؛ استكمالاً للناحية الشكلية للجنة ومظهرها الرسمي، وتجليةً لدقائق القضية الفلسطينية، وتمكينًا للجنة الموقرة- مع كل الثقة برجالها الأكارم- أن تنتهج الخطة المثلى في سياسة الإنقاذ، وإذا اعتذر باختلاف الأحزاب الفلسطينية، فقد كان في الوسع أن يُدعوا منفردين أو مجتمعين بصورةٍ غير رسميةٍ، ولسعادة أمين الجامعة العربية من مكانته الشخصية في البلاد العربية عامةً وفلسطين خاصةً ما يذلل كل ذلك.

ثانيًا- يُذاع أن تسرب الأراضي من العرب إلى اليهود إنما ينجم عن فقر الفلاح الفلسطيني، والذي نعتقد أنه لا يخفى عليكم أن حالة الفلاح الفلسطيني في جملتها حسنةٌ، بل أرقى بكثير من حالة الفلاح المصري، وإنما يقع الفلاح الفلسطيني تحت إغراءٍ شديدٍ من مال اليهود الذي يرفع سعر الفدان إلى خمسة أمثاله وعشرة أمثاله.

وهذه الحملة الصهيونية لا يمكن أن تقاومها الثروة المحلية ولا الوطنية الفلسطينية؛ لأن اليهود إنما يجهزون بذلك على الدرع الوحيدة التي تحمي حق العرب في استمساكهم بوطنهم.

وهم لذلك يستمدون الأموال بوفرةٍ، لا من يهود فلسطين فحسب- على سعة ذات يدهم- بل من المؤسسات والشركات الصهيونية في جميع أنحاء العالم؛ ولهذا نعتقد أن السبيل الوحيد لإنقاذ أراضي فلسطين أن يشعر العالم العربي كله بخطر المسئولية من تسرب أراضي فلسطين، هو أن تنشأ- مثلاً- شركةٌ عقاريةٌ عربيةٌ عالميةٌ، تشترك فيها الحكومات والأفراد، تُسمَّى بـ"شركة إنقاذ أراضي فلسطين لحساب العالم العربي"، وهذه المؤسسة العامة يكون لها وحدها التصرف في هذه الأراضي بيعًا أو تأجيرًا بالطريقة التي تجعل من المستحيل أن يتسرَّب دونمٌ واحدٌ منها إلى غير الأيدي العربية المؤتمنة عليها.

وختامًا تقبلوا تحياتنا

بعد ذلك قرر الحزب العربي الفلسطيني إضرابًا عامًّا في فلسطين يوم الجمعة 2 نوفمبر، ووجَّه الدعوة للدول العربية لمشاركتها في ذلك اليوم.. فماذا فعل الإخوان؟. هذا ما سنعرفه في المرة القادمة.

المراجع

(1) مجلة النذير، العدد (30)، السنة الأولى، 4 ذو القعدة 1357ه= 27 ديسمبر 1938م، ص(23).

(2) مجلة النذير، العدد (15)، السنة الثانية، 10 ربيع الثاني 1358ه= 30 مايو 1939م، ص(14-15).

(3) مجلة النذير، العدد (15)، السنة الثانية، 10 ربيع الثاني 1358ه= 30 مايو 1939م، ص (15)، وقد أعيد نشر هذا المقال في مجلة القلم الصريح، العدد (26/27) السنة الأولى، 12 ربيع الثاني 1358ه- 1 يونيه 1939م، ص(3).

(4) في الأصل: "الشريف".

(5) مجلة النادي، 5 جمادى الأولى 1358ه- 23 يونيو 1939م، ص (3).

(6) مجلة النذير، العدد (27)، السنة الثانية، 6 رجب 1358ه= 22 أغسطس 1939م، ص(10).

(7) مجلة النذير، العدد (35)، السنة الثانية، 10 رمضان 1358ه= 24 أكتوبر 1939م، ص(8-10).

(8) مجلة النذير، العدد (35)، السنة الثانية، 10 رمضان 1358ه= 24 أكتوبر 1939م، ص(9).

(9) مجلة الإخوان المسلمين، العدد (41)، السنة الثانية، 23 شعبان 1363ه= 12 أغسطس 1944م، ص(6).

(10) عَقِيرةُ الرجل: صوتُه إِذا غَنَّى أَو قَرَأَ أَو بَكى. وقيل: أَصله أَن رجلاً عُقِرَت رجلُه فوضع العَقِيرةَ على الصحيحة وبكَى عليها بأَعْلى صوته. فقيل: رفع عَقِيرَته، ثم كثر ذلك حتى صُيِّر الصوتُ بالغِنَاء عَقِيرة. قال الجوهري: قيل لكل مَن رفع صوته عَقِيرة ولم يقيَّد بالغناء. قال: والعَقِيرة الساقُ المقطوعة. قال الأَزهري: وقيل فيه: هو رجل أُصِيبَ عُضْوٌ من أَعضائه وله إِبلٌ اعتادت حُداءَه، فانتشرت عليه إِبلُه فرفع صوتَه بالأَنِينِ لِمَا أَصابه من العَقْرِ في بدنه فتسمَّعت إِبلُه فحَسِبْنه يَحْدو بها فاجتمعت إِليه، فقيل: لكل من رفع صوته بالغناء قد رفع عَقِيرته. (لسان العرب، مادة "عَقَرَ").

(11) الإخوان المسلمون، العدد (67)، السنة الثالثة، 15 رمضان 1364ه= 23 أغسطس 1945م، ص(13)، وقد قدَّمت المجلة المذكرة بما يلي: "أرسل قسم الاتصال بالعالم الإسلامي بالمركز العام للإخوان المسلمين المذكرة التالية إلى سعادة أمين عام الجامعة العربية، وقد تفضَّل سعادته فأولى المذكرة اهتمامه البالغ، وبادر بالرد الذي يسرنا أن نسجِّله على هذه الصفحة أيضًا، شاكرين لسعادته هذا الاهتمام، مثنين على همته وإن كان ذلك ليس غريبًا من مثله. على أننا ما زلنا نرى أن الأمر يحتاج إلى مزيدٍ من العناية وتضافر القوى؛ حتى تحقق آمال العرب والمسلمين في فلسطين". وقد ردَّ الأستاذ عبد الرحمن عزام- الأمين العام لجامعة الدول العربية- على رسالة الإمام البنا بالخطاب التالي:

جامعة الدول العربية- الأمانة العامة- القاهرة في 5 رمضان 1364هـ= 13 أغسطس 1945

عزيزي الأستاذ الشيخ حسن البنا..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..

وصلنا خطابُك الكريم، وعرفتُ ما به، وحوَّلته إلى رئيس اللجنة فخامة توفيق بك السويدي؛ للاطلاع عليه.

أما بخصوص دعوة مندوبين من فلسطين للجنة، فإنه نظرًا لظروف محلية في فلسطين رأت اللجنة مراعاةً لهذه الظروف أن ترسل عنها مندوبًا لمقابلتهم جميعًا وسؤالهم في كل ما خطر لها من الأسئلة، وعاد المندوب ببياناتٍ مفصَّلةٍ بآراء جميع الأحزاب وكثيرٍ من الخبراء، وقد استفادت اللجنة من ذلك عند وضعها لمشروعها.

نرجو الله أن يجعل فيه الخير وأن يحقق الآمال.

وتفضلوا وافر التحية

الأمين العام / عبد الرحمن عزام


للمزيد عن الإمام حسن البنا

Banna banner.jpg


للمزيد عن جهود الإخوان تجاه فلسطين وحرب 1948م

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

أحداث في صور

.

تابع أحداث في صور

وصلات فيديو

أقرأ-أيضًا.png
مرشدو الإخوان والقضية الفلسطينية
الإمام حسن البنا والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد حامد أبو النصر والقضية الفلسطينية

الأستاذ مصطفي مشهور والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد المأمون الهضيبي والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد مهدي عاكف والقضية الفلسطينية

تابع الأستاذ محمد مهدي عاكف والقضية الفلسطينية

الدكتور محمد بديع والقضية الفلسطينية