حول اعتقال صدام وما يجري في فلسطين وقضية الحجاب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حول اعتقال صدام وما يجري في فلسطين وقضية الحجاب

بقلم:المستشار محمد المأمون الهضيبي

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه،

وبعد:

فالحق تبارك وتعالى يقول:

﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(آل عمران: 26)، تلك الآية الكريمة التي يقرؤها الإخوان في شتى بقاع الأرض، عند غروب شمس كل يوم في ورد الرابطة، الذي يذكرهم بحقيقة أخوتهم، وجلال اعتقادهم في عظمة خالقهم، وأنه ما من شيء يحدث في كونه إلا بإذنه، وقد ملك نواصي عباده، فكلهم خاضع لسننه في خلقه، وأقداره في ملكه، تلك السنن التي أمرنا الله تعالى بدوام تدبرها والاعتبار بها.

سقوط "صدام"

لقد جاء الإعلان عن اعتقال "صدام حسين" بيد القوات الأمريكية، وإظهاره في وسائل الإعلام على النحو من الإذلال والمهانة، لتحقيق المقاصد الأمريكية والصهيونية التي استهدفت إرسال رسالة لا لبس فيها إلى العالم كله بأن أمريكا هى القطب الأوحد، والآمر الناهي، والسيد المطاع، وأنها تفعل ما تريد، وأنه لا يوجد في هذا العالم من يقف دون أهدافها ومراميها، فهي القوة والقانون والشرعية، وما سوى ذلك من مواثيق وأعراف وقوانين دولية وحقوق إنسان لا قيمة ولا وزن له.

وهي رسالة أيضًا إلى الحكام العرب، مقصود بها إخافتهم وتهديدهم وإهانتهم.. فقد كان "صدام حسين" واحدًا منهم على مدى ما يقرب من ربع قرن، وقد استخدمته أمريكا لتحقيق مخططاتها في المنطقة في حالات عديدة لا تخفى على أحد؛ فاضطهد المخالفين من شعبه، وبدد أموال دولته، وزاد من فرقة المسلمين.. ومع كل ما سبق لم تتورع أمريكا عن التضحية به في الوقت المناسب، وكأنها تقول للحكام العرب:

إن هذا هو مصير كل من يقف أمام مشروعها، أو لا يذعن إذعانًا كاملاً لمطالبها ورغباتها في السيطرة والهيمنة، واستنزاف ثرواته وموارده، فضلاً عن ضمان الأمن الكامل لدولتها، وتحقيق مشروعها في إقامة الكيان الصهيوني من الفرات إلى النيل.

لقد غدا أمام حكامنا أحد سبيلين

1- إما التنفيذ الكامل لمطالب أمريكا، والمشاركة المطلقة في خططها لتشكيل شرق أوسط جديد- حسبما صرح أركان النظام الأمريكي- يحقق الأمان الكامل للكيان الصهيوني، والتفوق المطلق له.

2- وإما الانحياز لشعوبهم، وإدراك أنها- بعد الله تعالى- مصدر قوتهم الحقيقية، وليس الانصياع لأعداء الأمة، الذين لا يُرضي غرورهم ولا مطامعهم شيءٌ.

لقد آن الأوان- بحق- لإحداث مصالحة تاريخية كبرى بين الحكام المسلمين وشعوبهم، يكونون بها يدًا واحدة، وصفًّا متلاحمًا؛ حيث ينبغى أن يكون الحاكمون تعبيرًا صادقًا عن رغبات أمتهم، وترجمة أمينة لهويتها الإسلامية وثوابتها، وقيمها وأصالتها، ويجب في تلك الحال أن يفسح المجال أمام الشعوب لتنعم بحريتها الحقيقية، وترسم سياستها المنبثقة من عقيدتها ورؤيتها.

على أن فريقًا من حكامنا يبالغ في خطئه حين يتصور أن مزيدًا من إرضاء أمريكا سوف ينجيه ويبقيه بعيدًا عن دائرة الخطر، التي تتسع يومًا بعد آخر.

ولقد أسفنا لما أعلنه حكام ليبيا من تخليهم المطلق عن بعض مشاريعهم للتسلح دون مقابل؛ استجابة للمساعي الأمريكية والصهيونية التي تستهدف أن يظل الكيان الصهيوني]] هو الوحيد في المنطقة، الذي يمتلك ترسانة ضخمة من أسلحة الدمار الشامل على رأسها السلاح النووي..

ألم تكن الحكمة ومصلحة الأمة تقتضى أن يكون ذلك التنازل ضمن اتفاق يشمل جميع دول المنطقة بما فيها الكيان الصهيوني؛ حتى لا تبقى أمتنا مهددة بما يدمر أرضها ويبيد شعوبها بغير رادع محتمل؟!

وقد كان المثير أيضًا أن تكون الشخصية الظاهرة في التفاوض من الجانب الليبي هي ابن العقيد القذافي؛ وهو ما يعزز المخاوف والظنون من دخول دول عديدة في المنطقة دائرة توريث الحكم، ومصادرة حق الأمة في اختيار قياداتها المستقبلية.. على أننا نؤكد أن الزهو الأمريكي المفتعل باعتقال "صدام" لن يُخفي حقيقة المأزق الذي يواجهه المشروع الأمريكي الصهيوني في العراق و فلسطين.. فالمقاومة في العراق ما زالت مستمرة، ولن يخضع شعبنا هناك، كما لم تخضع شعوب كثيرة لإملاءات الاستعمار وغروره على مدار التاريخ.

القضية الفلسطينية

وما تزال المقاومة في فلسطين مستمرة رغم الجرائم الصهيونية التي تفجع ضمير الأحرار في العالم كل يوم، ورغم التأييد الأمريكي المتواصل لتلك الجرائم، والصمت الدولي إزاءها، ولقد كان آخر حلقات ذلك التواطؤ الأمريكي تلك الموافقة المؤسفة على خطاب "شارون"- رئيس الوزراء الصهيوني- الذي يهدد فيه شعبنا في فلسطين باتخاذ إجراءات من جانب واحد لإنهاء القضية إذا لم تحقق السلطة الفلسطينية مراده من القضاء على الفصائل المجاهدة هناك؛ وهو ما يعني دخول الساحة الفلسطينية في حرب أهلية، لن تخدم سوى مصالح الصهاينة.

ونعود فنؤكد مجددًا على ضرورة الحفاظ على وحدة الفصائل الفلسطينية، فهى السبيل لمواجهة خطط ومؤامرات المشروع (الصهيوني- الأمريكي)، ومن الضروري أيضًا أن تحتفظ الفصائل الفلسطينية بسلاحها في أيديها؛ لأنها الضمان الأكيد ضد القضية والاغتيالات والمجازر الوحشية التي ترتكبها عصابات بني صهيون في حق شعب فلسطين.

إن المقاومة الفلسطينية الباسلة لا تدافع فقط عن أرض العروبة والإسلام- أرض فلسطين ومقدساتها- ولكنها تدافع عن كرامة الأمة وشرفها، ومن ثم فدعمها ماديًّا ومعنويًّا من الفرائض الكبرى علينا جميعًا، خاصة في هذه المرحلة.

لقد نجحت الانتفاضة المباركة في تكبيد المحتل الصهيوني خسائر كبيرة في الأرواح، واستطاعت أن تزعزع أمنه واستقراره الذي وعده به "شارون"، ونجحت في أن تلحق بالاقتصاد الصهيوني هزائم كبيرة، وأن تُوقِف تدفق الهجرة إلى فلسطين المحتلة، وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ (النساء: 104).

حول قضية الحجاب

ثم ظهرت قضية المشروع الفرنسي بمنع الفتيات المسلمات من ارتداء الحجاب في المدارس، وارتفع الصخب حولها إعلاميًّا وعالميًّا، وهي في حقيقتها: ليست معاداة للحجاب في حد ذاته، بل هي معاداة للإسلام ذاته، وبالتالي معاداة لأهله.. والعداء للإسلام وأهله: أمر شاع، وارتفعت فيه الأصوات، واستخدمت فيه وفي الترويج له أحدث الآليات.

ونود هنا أن نوضح الأمور التالية:

أولاً الحجاب جزء من الزي؛ أي اللباس الذي فرضه الله على المرأة المسلمة، وذلك بالنصوص الشرعية المقدسة من الكتاب المقدس لدى المسلمين؛ وهو القرآن الكريم، وكذلك السنة النبوية، المصدر الثاني للتشريع الإسلامي؛ حيث يقول ربنا سبحانه وتعالي: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (الأحزاب: 59).

ويقول سبحانه للنبي- صلي الله عليه وسلم:﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ (النور: من الآية 31).

وقد نصَّت السنة الفعلية زمن النبي- صلى الله عليه وسلم- على وجوب الحجاب، وأكدتها عديد من الأحاديث النبوية الشريفة.

من ذلك نعرف أن زي المرأة المسلمة- ومنه حجابها- فريضة شرعية، وليس زينة تتحلى أو تتباهى أو تتفاخر بها، وليس لها- كذلك- أن تتخلى عنها، أو تتهاون فيها، وإلا صارت مرتكبة لمخالفة شرعية، يحاسبها عليها ربنا سبحانه، بل يعاقبها عليها؛ حيث إن هذه الفريضة مثل باقي فرائض الدين الإسلامي؛ كالصلاة، والزكاة، والصيام... إلخ. ومن المعلوم في الدين الإسلامي، ولدى كل أصحاب الفطر السليمة أنه "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".

لهذا.. كان مشروع الحكومة الفرنسية بمنع ارتداء المسلمات للحجاب في مدارس فرنسا مصادمًا ومخالفًا لما يلي:

أولاً: لمشاعر مليار ونصف مليار مسلم في مشارق الأرض ومغاربها. ثانيًا: لمبادئ الدين الإسلامي، الذي يفرض على أتباعه من النساء هذا الزي؛ صيانةً لهن من التكشف والتبذل. ثالثًا: للحرية الشخصية التي تقوم عليها علمانية فرنسا وبلاد الغرب، خاصة إذا كانت هذه الحرية الشخصية لا تضر الآخرين، ولا تتعارض مع قوانين البلاد.

رابعًا: للمواثيق الدولية، مثل: العهد الدولي، الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الموقَّع والمصدَق عليه من الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (2200) في ديسمبر 1966م، والذي بدأ تنفيذه في مارس 1976م، والذي ينص في المادة (18) منه علي:

1- لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل ذلك: حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد، وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم بمفرده، أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة. 2- لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.

3- لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده إلا للقيود التي يفرضها القانون، والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة، أو النظام العام، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية. خامسًا: كما أن ذلك المشروع بمنع الحجاب يتعارض مع علاقة فرنسا بشعوب العالم الإسلامي، التي أفزعها هذا القرار، الذي يمس عقيدتها، والذي يوحي بأن فرنسا بدأت تتنكب لمبادئها في صيانة الحريات.

وعلى ذلك، فإننا نهيب بحكومات العالم الإسلامي أن تهب لحماية دينها وشعائره من أن تعصف به التقلبات السياسية، التي بدأت تترى وتتفشى في الآونة الأخيرة؛ حتى لا يُحرم المسلمون في بلاد الغرب من العمل بأحكام دينهم، ويُفتن المسلمون في بلاد الإسلام بهذه الحملات، التي تهدف للنيل منهم، والتي صارت تغذيها- بكل أسف- بعض الأقلام في البلاد الإسلامية، بل بعض القرارات الحكومية التي تعاني منها بعض أقطارنا الإسلامية، وتضيِّق على نسائها المسلمات في ارتداء الحجاب تارة في المدارس والجامعات، وأخرى في الشوارع والمنتديات.

﴿وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾

المستشار/ محمد المأمون الهضيبي

المرشد العامللإخوان المسلمين

الخميس (30 من شوال 1424هـ= 24 من ديسمبر 2003م).


للمزيد عن جهود الإخوان تجاه فلسطين وحرب 1948م

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

أحداث في صور

.

تابع أحداث في صور

وصلات فيديو

أقرأ-أيضًا.png
مرشدو الإخوان والقضية الفلسطينية
الإمام حسن البنا والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد حامد أبو النصر والقضية الفلسطينية

الأستاذ مصطفي مشهور والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد المأمون الهضيبي والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد مهدي عاكف والقضية الفلسطينية

تابع الأستاذ محمد مهدي عاكف والقضية الفلسطينية

الدكتور محمد بديع والقضية الفلسطينية