رسالة إلى ملوك وأمراء ورؤساء العرب تطالب بقمة عاجلة لمواجهة خطر داهم

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
رسالة إلى ملوك وأمراء ورؤساء العرب تطالب بقمة عاجلة لمواجهة خطر داهم

بقلم: المستشارمحمد المأمون الهضيبي المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين

أصحاب الجلالة والسمو والفخامة الملوك والأمراء والرؤساء العرب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

تجتاز الأمة أدق وأخطر مرحلة في تاريخها المعاصر.. فالخطر الداهم يحدق بها من كل صوب مستهدفًا وجودها ومصيرها وعقيدتها وأرضها.. متمثلاً في هذه الحشود الضخمة من الجيوش وأسلحة التدمير والقتل والإبادة تتدفق على وطننا بشكل متواصل، تصاحبه تصريحات الحرب تنطلق متتابعة من العاصمة الأمريكية، تؤكد على توجيه ضربة عسكرية مروّعة للعراق، كما تواكبها تصريحات لمسئولين أيضًا في الإدارة الأمريكية تؤكد أن الحرب المروعة على العراق تسعى لإعادة ترتيب وتنظيم للعراق، وإقامة حكم عسكري أمريكي فيه، بما يعني فرض السيطرة الأمريكية على العراق وشعبه وموارده وبتروله وثرواته مع تجزيء وتفتيت وحدة أرضه، بل هي مقدمة لإعادة ترتيب وتنظيم المنطقة - على حد قول وزير الخارجية الأمريكي- بما يخدم ويحقق المصالح الأمريكية، وهذا وذاك يعني:

  • أن الشعب العراقي العربي المسلم الذي عانى ويعاني من حصار مضروب حوله على مدى سنوات طوال يحول بينه وبين الحصول على أبسط وسائل الحياة والتواصل، سيتعرض لحرب إبادة وتصفية سيدفع وحده ثمنها الفادح من تدمير ما بقي من مدنه وقراه، ومن مئات الألوف من الأرواح التي سيجري إزهاقها، وأنهار الدماء التي سيجري سفكها.

إضافة إلى مصادرة حقه في الحياة والأمن.. وحقه في أرضه ودياره التي سيجري تفتيتها وتجزئتها مع الاستيلاء على بتروله وثرواته.

  • ومن المؤكد أن هذه الحرب المدمرة لن تقف عند العراق.. بل سيكون العراق شبه المحاصر الأعزل بدايةً لحروب ستشمل كافة دول العرب والمسلمين، لتدفع الشعوب والحكام ثمنها خسارة رهيبة، مع تعرض الأوطان للتفتيت والتجزيء، ومصادرة حق الأمة في الاستقلال والحرية والأمن، ثم الخضوع لسيطرة أجنبية جديدة أعلنت في أكثر من مناسبة أنها لن تدخر جهدًا لتقويض عقيدتنا، وإزالة هويتنا وأصالتنا، وتغيير مناهجنا التعليمية.
  • كما تتمثل خطورة الحرب التي تسعى أمريكا لشنها على العراق في تصفية القضية الفلسطينية، فالمجازر الوحشية التي ينصبها العدو الصهيوني للشعب الفلسطيني الأعزل في الضفة وغزة، والحصار الخانق الذي يفرضه حوله مع القصف الإجرامي لأفراده ومدنه وقراه وأرضه ومصادر رزقه، تتواصل وتزداد وحشية، كما تصاحبها تصريحات صهيونية تؤكد أن الكيان الصهيوني يستغل وسيستغل أجواء الحرب على العراق لتصفية الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة، من خلال الذبح والمجازر أو من خلال دفعه للهجرة لتفريغ أرضه ودياره وإغلاق ملف القضية، وإفساح الساحة للعدو الصهيوني كي يقيم وطنه القومي ومشروعه على أشلائنا وأطلالنا.

لا نحسب أن هناك من ينظر إلى قضية العراق على أنها قضية نظام الحكم فيه، ولكن على أنها قضية الشعب العراقي الشقيق المحاصر الذي يتعرض للدمار والتدمير، ويتعرض وطنه للتخريب والتجزيء، وأيضًا قضية شعوبنا وأوطاننا التي تنتظر دورها لتتعرض لنفس الحرب الشرسة، وتواجه سفك الدماء، واحتلال الديار، وتجزيء وتفتيت الأوطان، ودعم عدو صهيوني في مصادرته لحق شعب عربي مسلم في الحياة وفي أرضه، وفتح الباب أمامه لهدم مقدساته وإقامة مشروعه الصهيوني على حساب جميع الشعوب العربية والإسلامية.

يا أصحاب الجلالة والسمو والفخامة:

في هذه الظروف والأجواء العصيبة التي تمر بها أمتكم.. والخطر يدق أبوابها والعدو يتربص بها.. يصبح انعقاد قمة طارئة فورية لملوكها وأمرائها ورؤسائها أكثر من حتمي وضروري، قمة تملك إرادتها وقرارها الفاعل.. ولها أسبقيتها وأولويتها مع ما سواها من قيم أو لقاءات.. قمة تتوحد فيها الجهود والإرادات والقرارات.. تسمو وتعلو وترتفع فيها القلوب والنفوس فوق المصالح الذاتية، متجردة لما فيه صالح الأمة..

ومن أجل ذلك يكون تأجيل قمة هي أكثر من حتمية وضرورية- للاختلاف حول موعد للانعقاد، أو للانشغال بقمم أخرى غير عربية، أو بسبب خلافات مازالت تشق الصف وتبعثر الجهود- أمرًا يحزن ويقلق الأمة.

إن الأجواء والظروف خطيرة.. الأمة فيها على مستوى الشعوب والحكام والأوطان والعقيدة بين خيارين:

إما أن تكون أو لا تكون.. وإذا كانت المسئولية العظيمة الملقاة على كواهلكم تحتم اليوم النهوض بها وأداءها على الوجه المأمول والمطلوب إبراءً للذمة، وأداء للأمانة، ولمواجهة تبعاتها أمام شعوبكم وأمام تاريخ لا يرحم، فإن أخطر من ذلك وأعظم هو مواجهة تبعاتها أمام رب جبار لا يغفل في يوم حسابه عسير وشديد، خاصةً وأن الأمة تملك إمكاناتها وطاقاتها.. ولديها أوراقها ووسائلها وسبلها التي تستطيع بها ومن خلالها أن تصد الهجمة، وتحسم المواجهة حين يكون الصدق في الوقفة، والإخلاص في النية، مع توطيد الصلة والثقة والرابطة بينكم وبين شعوبكم، وإزالة ما بينكم وبينها من جفوات؛ كسبًا لدعم وتأييد شعوبكم، مع إحكام الصلات فيما بينكم وإنهاء ما بينكم من خلافات، مع التوكل خالصًا على الله عز وجل، وهو القائل عز وجل: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) (الطلاق: من الآية3)، ولتمتثلوا قول ربكم في محكم آياته:

(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف:4).

لقد أعلنت الشعوب عن انحيازها لشعب العراق، وهي تملك إيمانها.. وطاقات الإيمان:

التضحية والبذل في نفوس وقلوب أبنائها لا تنفد .. كما أعلنت رفضها للكيان الصهيوني، وتعاطفها واستعدادها لدعم الشعب الفلسطيني الشقيق، ورفضها لكل سيطرة أو هيمنة أجنبية.

والأمة التي تملك الإيمان.. والاستعداد للبذل والتضحية بالنفس والمال.. ولها تاريخها العريق في مواجهة العدوان ودحره، ومن ثم فأحرى بها ومن حقها أن تسترد حقها في المشاركة في القرار.. وتنهض بتبعات تنفيذ ذلك القرار على مستوى وفي ساحة المواجهة، لأن الأمر يتعلق بمصيرها.. ووجودها.. وعقيدتها وهويتها ودورها في الحياة.

ولا يستقيم مع متطلبات هجمة شرسة فرضت على الأمة.. وصار مفروضًا عليها شرعيًا أن تواجهها بكل ما تملك.. أن عواصم العالم حتى تلك التي أعلنت حكوماتها انحيازها للعدوان الأمريكي الوشيك على العراق صارت مدنها وساحاتها وشوارعها تعج بالمظاهرات الحاشدة الهادرة، تعلن رفضها للحرب الأمريكية على العراق.. وبينما يحال بين شعوب الأمة العربية والإسلامية والإعلان عن رفضها.. واستنكارها، وتأكيد تصميمها على المواجهة.. وتحشد جحافل الأجهزة الأمنية..؛ لكبت غضبة الشعوب.. وقهرها حتى تحول بينها وبين إبداء انحيازها لقضاياها وحقوقها.. ورفضها للعدوان الأمريكي الصهيوني على أوطانها.. وهو أمر يشكل أبلغ المخاطر حين تنفلت معايير وضمانات الحكمة..

وينقلب إلى معارك داخلية في شوارع وساحات عواصمنا.. لا يدفع ثمنها إلا من حركوا الأجهزة الأمنية لتقمع الشعوب التي يحال بينها وبين إعلان الرفض والغضب... والتي من حقها أن ترفع كافة القيود والقوانين والمحاكم الاستثنائية الجائرة التي تكبل حريتها.. وتقيد حركتها.. وتصادر حقها في الأمن والحرية، وهما حق فطري منحه الله لعباده.. لا تجوز مصادرته أو الانتقاص منه أو الاعتداء عليه.. ويكون واجب الحكومات وأجهزتها الأمنية هو تأكيد حمايته..

إن من مقتضيات المواجهة التي باتت مفروضة عليكم وعلى شعوبكم أن تفسح الساحة وتتاح الفرصة للشعوب كي تمارس حقها في الغضب والرفض، واستعدادها للتضحية والبذل، ولتقف خلفكم مؤيدة مدعمة، وهي تنتظر في ترقب قرارًا حاسمًا منكم برفض الحرب الأمريكية على العراق.. وإعلانكم في حزم رفض أي محاولات أمريكية تحاول الضغط كي تحظى بأي شكل من أشكال الدعم العربي والإسلامي.. أو استخدام أي أرض أو مياه عربية لضرب شعب العراق.

لقد أعلنت دول أوربية أنه ليس ثمة ما يدعو لشن حرب على العراق.. ومن ثم فالأمة تنتظر وتترقب قرارًا من قمة عربية فورية عاجلة، فأنتم أصحاب الشأن.. المستهدفون وشعوبكم من الحرب الأمريكية.. بأنكم ترفضون الحرب الأمريكية على العراق، خاصة وأنتم تملكون أسلحتكم النافذة.

متمثلة في إمكانات وطاقات أمة تقف وراءكم، صاحبة تاريخ وجهاد، يأبى إيمانها لها الرضوخ والاستسلام كما يأبى إلا العيش في عزة وكرامة مستقيمة مع ربها: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لايَعْلَمُونَ) (المنافقون: من الآية8).

إن أمتكم عاشت عزيزة الجانب، لا تعرف الخنوع ولا تقبل العدوان، ولم تسع ولم ترضخ لهيمنة، لم يتخذ عدو في شأنها أو في حقها قرارًا، ولكن ظلت هي صاحبة القرار.. على مدى قرون ظلت متمسكة بشريعة ربها، إيمانًا وفهمًا، وعملاً وجهادًا، عقيدة وشريعة ونظام حياة، وحين كان الابتعاد عن الكتاب والسنة والشريعة: كان التفرق والتشتت والتشرذم، وكان الاختلاف والخلاف، وكان الظلم والجور، ونفي وإقصاء الآخر، وكان قدوم الطامعين.. وحشد الأعداء لجيوشهم لتصادر وجودنا وأرضنا.

أصحاب الجلالة والسمو والفخامة

إنها مواجهة مفروضة عليكم وعلى أمتكم.. وقد تطول، ولكن النصر فيها مضمون إن شاء الله إذا عقدتم العزم على إصلاح الحال وتغيير الواقع، على كل الساحات والمجالات القيمية والأخلاقية والتعليمية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية.. وصلاح وإصلاح الحال والواقع اليوم سهل وميسور، إذا كان الالتزام بما انصلح به حال وواقع الأمة في أمسها.. حين التزمت كتاب ربها، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وتمسكت بقيم ومثل إسلامها فتساوى وتوحد صفها، وترسخت روابط الحب والأخوة بين حكامها وشعوبها. وسادت قيم العدل والمساواة والحرية والأمن في ربوعها.

إن الأمة تطلب حقًا مقررًا لها، مقدسًا عندها، عزيزًا عليها، إنها تطلب الحرية والأمن، وتطلب الوحدة والارتباط والتجمع خاصة وحدتها من صنع الإله، قررها القرآن، وأكدها الإيمان، ومهدت لها طبيعة أرضها، فهي أبقى على الزمن الباقي من الزمن، وتطلب أن يفسح لها المجال بين الأمم كي تقول كلمتها وهي الحق، وتملك إرادتها وقرارها ولها الحق، وتبلغ رسالتها وأنها الخير، لتساهم في بناء العالم على العدل والإنصاف والمساواة والأمن والحرية، لا بغي ولا عدوان ولا سيطرة ولا هيمنة، ولذلك فهي تؤمن أعمق الإيمان أنها ستفوز وستنتصر؛ لأنها على الحق ويحدوها الأمل في ربها، وقد وعدها ربها وعدًا لن يخلف: أن ينتصر العباد المؤمنون وغيرهم بتأييده ما جاهدوا في سبيله، واستقاموا على الحق الذي رسم لها، وصدق سبحانه وهو القائل: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ) (غافر:51)، (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: من الآية40)، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف: من الآية21).

إن الله لم يشترط على الأمة المستقيمة على أمره، الملتزمة بشريعته وسنة رسوله إلا أن تؤمن به وحده.. وتعتمد عليه وحده، وتلتزم أمره، وتجتنب نهيه، ثم تعد للذين يعتدون عليها ما استطاعت من قوة، وليس من اللازم أن تكون نظير قوتهم، إنما يراد ما استطاعت أن تحشده من إمكانات وطاقات، ثم ترجو بعد ذلك من ربها مالا يرجوه عدوها ?وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ? (الأنفال: من الآية60)، وصدق الله إذ يقول:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الصف:10-11)، وقوله تعالى: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: من الآية7).

المستشار/ محمد المأمون الهضيبي

المرشد العام للإخوان المسلمين

القاهرة: 20 من ذي الحجة 1423هـ

الموافق 21 /2 /2003م

للمزيد عن جهود الإخوان تجاه فلسطين وحرب 1948م

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

أحداث في صور

.

تابع أحداث في صور

وصلات فيديو

أقرأ-أيضًا.png
مرشدو الإخوان والقضية الفلسطينية
الإمام حسن البنا والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد حامد أبو النصر والقضية الفلسطينية

الأستاذ مصطفي مشهور والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد المأمون الهضيبي والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد مهدي عاكف والقضية الفلسطينية

تابع الأستاذ محمد مهدي عاكف والقضية الفلسطينية

الدكتور محمد بديع والقضية الفلسطينية