الصبر فى المحن هو عنوان الفرج

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الصبر فى المحن هو عنوان الفرج
الصبر.jpg

الشيخ راشد الغنوشي

للتصرف ليس وفق املاءات الشهوات، وانما وفق المروءات والامثولات والطموحات والاهداف العلى التي يؤمن بها الفاعل.

إن الصبر تبعا لذلك هو كما ذكر أبو حامد (خاصية الإنس ولا يتصور ذلك في البهائم والملائكة.

إنه الصفة التي بها فارق الإنسان البهائم في قمع الشهوات، وذلك هو باعث الدين مقابل باعث الهوى والشهوة، والحرب بينهما سجال. فالصبر عبارة عن ثبات باعث الدين مؤيدا من الملائكة الناصرين لحزب الله، في مقابلة باعث الشهوة المؤيد من الشياطين) {الإحياء ص63 و 64 } وذلك ما يجعل أكثر أخلاق الإيمان ومسالك الحضارة جملة داخلة في الصبر، فلا منزلة من منازل الدين، ولا رتبة من رتب العلم والحضارة والشرف، يمكن أن تنال دون ضبط للشهوات، توفيرا لطاقة توظف في نيل رتبة وتحقيق تقدم والظفر بنصر في أي مجال من مجالات الحضارة. فعلى قدر صبرك ترتفع منزلتك في الدنيا والآخرة فردا وجماعة.

لأن الإمامة في الدين أو في أي مجال من النشاط الحضاري إنما تنال بالصبر.

قال تعالى (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين كما ذكر شيخ الاسلام {تهذيب مدارج السالكين ص352} وفي الحديث {إنما النصر مع الصبر}[نفس المصدر] وعرف ابن القيم الصبر بأنه (حبس النفس عن الجزع والتسخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش)[نفس المصدر] وهو في الحقيقة أوسع من ذلك لأنه ليس مجرد حبس النفس عن اعتقادات باطلة، وخواطر وظنون فاسدة، ومسالك منكرة، فذلك هوالجانب السلبي من الصبر، وهو النفي المتضمن في الشطر الأول من الشهادة {لاإله }،

وهو على أهميته عدم لا وجود، والوجود أهم من العدم، ولذلك تضمن الصبرثلاثة أنواع :صبر عن معصية الله اجتنابا لما حرم الله، وصبر على طاعة الله اتيانا لما أمر الله به، وهو الوجه الإثباتي من الشهادة {إلا الله} ومعه قسم ثالث الصبر مع الله، أي على ما يمتحنك به. والنوعان الأولان كما ذكر صاحب المدارج من كسب الإنسان، أنتهاء عما حرم الله، وحملا لنفسه على الواجبات من عقائد وعبدات ومعاملات. بينما النوع الثالث لا كسب للعبد فيه، ولذلك كان النوعان الأولان أرفع مقاما، لأنهما أكثر مشقة على النفس، ولأن حريته فيهما أكبر، بينما مجال حريته في الصنف الثالث أقل، ولذلك كان صبر يوسف كما لاحظ شيخ الإسلام عن مطاوعة امرأة العزيز أكمل من صبره على القاء اخوته له في الجب وبيعه بثمن بخس، فإن هذه أمورا جرت عليه دون اختياره فليس له فيها من اختيار، بينما استعصاؤه على امرأة العزيز وكل دواعي الإستجابة متوفرة، من شبابه وشدة حسنها، وخلو المكان وكونها سيدته وهي الداعية، وكونه غريبا لا يخشى على سمعته، ناهيك عن توعدها له بالسجن والصغار. ومع كل هذه الدواعي صبر اختيارا وإيثارا لما عند الله.

فما أعظمه من شاب وما أعظم صبره، فأين من هذا صبره في الجب على ما لا ليس من كسبه.

ومع ذلك فالصبر على أداء الطاعات في الإعتقادات والمجاهدات لنصرة الحق في أنفسنا وفي محيطنا أكمل من الصبر على اجتناب المحرمات وأفضل، فإن مصلحة فعل الطاعة أحب الى الشارع من مصلحة ترك المعصية.

ومفسدة عدم الطاعة أبغض اليه سبحانه من مفسدة وجود المعصية {نفس المصدر{ ص354و353 } إن بذل المال والجهد في عمارة مسجد ومدرسة ومؤسسة إعلامية واقتصادية اسلامية وتنمية فنون اسلامية، أفضل من الصبر على هدم خمارة وماخور ومحاربة أدوات تضليلية، لأنه إذا جاء الحق زهق الباطل.

ثم إن الصبر على طاعته والصبر عن معصيته أكمل من الصبر على أقداره: فصبر يوسف عن المعصية، وصبره حتى عن مباح رآى فيه نزولا عن رتبة الكمال، فرفض قبول عفو الملك عنه والخروج من السجن قبل أن تظهر براءته على رؤوس الأشهاد، إذ الموقف الأول وهو مباح قد يقتضيه شكرا للظالم، بينما الموقف الثاني يجعله مستحقا لإن يعتذر له، ومن نفس القبيل كان صبر ابراهيم ونوح وموسى وعيسى وخاتمهم أكمل الناس صبرا على ما لحقهم من أذى قومهم باختيار منهم عليهم السلام، سبيلا للدعوة الى الله، وتحدي موازين طغيان وضلال أقوامهم، فكان أكمل من صبر أيوب على ما ابتلي به من أسقام ليس له فيها حيلة. ومن الصنف الأول صبرابراهيم وابنه اسماعيل على إنفاذ أمر الله بالذبح، كان أكمل من صبر يعقوب على فقد يوسف عليه السلام {المصدر السابق بتصرف}.

العون على الصبر:

و لا شك أنه مما هو معين على الصبر بكل أصنافه استحضار العاقبة وحسن المثوبة. ومعلوم أن استحضار الغاية ميزة الإنسان على البهائم ، الانسان كائن مستقبلي لا يتحدد سلوكه وفق حاجات الحاضر وحسب، بل يمتزج في سلوكه الزمن كله ماضيا وحاضرا ومستقبلا، غير أنه كلما ارتقت في الإنسانية منزلته، تغلبت في ضبط سلوكه حسابات العواقب أي دواعي المستقبل، شأن الزارع يضع في الأرض فسيلة قد لا تثمر قبل مرور السنين الطوال، وقد لا يدركها أصلا. وشأن طالب العلم الذي يقاوم ضغوط الحاضر لطلب الراحة أو الشغل التافه، ولكنه يصبر أي يقاوم، رهانا على المستقبل المشرق.

وهكذا يعظم الصبر بقدر ما تعظم الغايات .{على قدر أهل العزم تأتي العزائم} فكيف إذا كانت الغاية مرضاة مالك الملك، والفوز بالنعيم المقيم والنجاة من العذاب، مع انتظار لمحبوبات تنال في العاجلة؟ لا شك أن الصبر سيكون أعظم.(فاصبر صبرا جميلا، إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا) المعارج 4 ومما يعين على الصبر في المحن استحضار مصدرها أنها من الله (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها .

إن ذلك على الله يسير، لكي لاتأسوا على مافاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم) الحديد 22، وكذا استحضار عظيم الأجر لمن صبر، فلم يتسخط ولم يهرب مهرولا، وكذا استحضار نعم الله عليه ومحاولة تعدادها، ومقارنة مصيبته بأعظم منها كان يمكن أن تحل به، لولا لطف الله به. وكلما قارنا سنجد دائما مصابين أعظم منا مصيبة، إن لم يكن في البدن والولد والمال، ففيما هو أعظم من ذلك في الدين.

ومما يهون المصائب استحضار الفرج القريب، والتبشير به، ومحاولة تلمح الفجر من وراء سدوف الظلام، استنانا بالأعظم صبرا في مصيبة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي كان يرى رأي العين يوم بدر، وهو في قلة من أصحابه مصارع زعماء الشرك، وكان يرى يوم الخندق إذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، مدائن كسرى وقصور الروم تفتح أمام جيوشه، وعلى غراره كان يرى مجاهدوا افغانستان وصواريخ سكود تزلزل جبالهم، انهيار امبراطورية الإلحاد، وغزو المجاهدين لمدنها، وهو ما رأيناه بعد قليل في الشيشان، ونراه اليوم في داغستان بل في موسكو ذاتها.

وعلى صعيد الصبرمع الله في المحن: فلربما يكون الحظ منه عند البعض هو الأقل لأسباب قد يكون منها الأساس التعليمي الحداثي العلماني وضعف العنصر الديني في البيئة، وذلك رغم ما يمكن تسجيله من عناصر إيجابية في هذا التكوين على صعيد فشو الروح النقدية والتحرر من التعصب والتقليد والتهيؤ لقبول التجديد، إلأ أن ذلك ربما يكون قد أضعف جوهرا أساسيا في الإعتقاد، ألا وهو التسليم لله فيما مضى، والتوكل على الله بعد العزم فيما تستقبل، وهوما يفسر قوة الإنشداد الى الماضي، وشدة التحسر والأسى على ما فات، وعدم طيب النفس وسكينتها لما قد قضى به الله، بينما كان الوقوف عنده لإنتزاع العبرة منه، ثم المضي الى المستقبل عبر الفعل الجاد في الحاضر هو الرشد. ومما يفيد في هذا المجال تأمل سورة آل عمران، وما كتبه أطباء النفوس كابن القيم والغزالي (مع قدر من التحفظ من الغلو مع هذا الاخير).

وقد يحسن أن نختم هذه التأملات بما روي عن صحابية جليلة كيف واجهت محنتها في فقد طفلها الوحيد. قالت السيدة الرميصاء أم سليم : توفي ابن لي وزوجي أبو طلحة غائب، فقمت فسجيته في ناحية من البيت، فقدم أبو طلحة فقمت فهيأت له افطاره، فجعل يأكل فقال كيف الصبي ؟ قلت بأحسن حال بحمد الله، لم يكن منذ اشتكى بأسكن منه الليلة. ثم تصنعت له أحسن ما كنت أتصنع له قبل ذلك، حتى أصاب مني حاجته. ثم قلت : ألا تعجب من جيراننا ؟ قال مالهم ؟ قلت: أعيروا عارية، فلما طلبت منهم واسترجعت جزعوا، فقال بئسما صنعوا ! قلت هذا ابنك، كان عارية من الله تعالى، وإن الله قد قبضه إليه، فحمد الله واسترجع، ثم غدا على رسول صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال (اللهم بارك لهما في ليلتهما) قال راوي الحديث: فقد رأيت لهم بعد ذلك في المسجد سبعة، كلهم قد قرءوا القرآن.

وروى جابر أنه عليه السلام قال: رأيتني دخلت الجنة، فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة.{روي في الصحيحين}.

والخلاصة من كل ذلك، أنه لا ينال مطب ذو بال من مطالب الدنيا والاخرة، دون صبرأي مشقة ومكابدة ومعاناة وتجرع للمرو حتى العلقم. وأنه كما أن كثيرا من حلو الأطعمة مورث لمضاعفات وعلل مزمنة، بينما الأطعمة غير المستساغة يغلب عليها النفع، كذلك الجنة طريقها محفوف بما تكره النفس من تكاليف الطاعة، وفطم النفس عن كثير من محبوباتها، وما ذلك إلا الصبر.

إن الصبر ليس بحال موقف السلب والجمود والعطالة والإستكانة لحكم الواقع، بل هو موقف إيجابي، موقف الثورة والرفض والمقاومة والعناد والصمود، لا سيما عندما تكون موازين القوى مختلة لصالح العدو، فيكون موقف الصبر ليس طلب المسالمة الذليلة للظفر بأي شيء (فلا تهنوا وتدعو الى السلم وأنتم الأعلون، والله معكم ولن يتركم أعمالكم ) محمد 35، وإنما المقاومة والمرابطة والصمود، والمحاولة الدؤوبة التي لا تفتر لتغيير موازين القوة، فيضطر العدو للجنوح للسلم (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله). ذلك هو الصبر الجميل: الصبر الفاعل، لا يزهد في أي عمل مهما بدا ضئيلا (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) مريم 25، وفي الحديث {لاتحقر من المعروف شي

الواثق الصبرالمستبشر، الواثق بأن نصر الله آت لا ريب فيه.

(فاصبر صبرا جميلا) المعارج 4. قال شيخ الإسلام:هو الذي لا شكوى فيه ولا معه. وقيل هو تعويد النفس الهجوم على المكاره. إنه الصبر على الطلب وهو عنوان الظفر.

والصبر في المحن وهو عنوان الفرج.

(فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم) الأحقاف 35، (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين) البقرة 155 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المصدر

للمزيد عن الشيخ راشد الغنوشي

مؤلفات وكتابات الشيخ راشد الغنوشي

.

أقرأ-أيضًا.png

مفات متعلقة

مقالات متعلقة

أخبار متعلقة

ألبوم صور الشيخ

وصلات فيديو

تابع وصلات فيديو

.

أقرأ-أيضًا.png
ملف الإخوان في تونس

.