الإصلاح الاجتماعي عند البنا (محاربة الفساد- الحلقة الأولى)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإصلاح الاجتماعي عند البنا (محاربة الفساد- الحلقة الأولى)

إعداد: طارق عبد الرحمن


انتهينا في الحلقات السابقة من الحديث عن نظرات في التربية والتعليم للإمامحسن البنا، وفي هذه الحلقة نتناول فصلاً جديدًا من فصول الإصلاح الاجتماعي لدى الإمام المجدد، وهو: محاربة الفساد.


أضرار المقامرة، ومشروع ساحل الفيروز

الإمام حسن البنا

محاضرة ألقاها في نادي جمعية الشبان المسلمين، مساء السبت الماضي، حضرةُ الأستاذ المخلص العمل لله والفضيلة والإصلاح حسن أفندي أحمد البنا


بسم الله الرحمن الرحيم

.. المحمود جلَّ جلاله.. والمصلَّى عليه محمد وآله.. والمدعوُّ له الوطن ورجاله.

سادتي الفضلاء..

بالأمس كنا نتمنَّى أن يهيِّئ الله لنا تلك الأمة التي تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتُعين على نوائب الحق، وتكون مثابةً (2) لتلك القلوب الخافقة؛ إشفاقًا على الدين والفضيلة، ورابطةً لتلك الأرواح التي تهفو إلى الحق والاستقامة عن طريقه، واليوم نحمد الله سبحانه؛ إذ حقَّق تلك الأماني في "جمعية الشبان المسلمين"، وجعلها رمزًا لتلك النهضة الدينية، وإني لأراها أفصحَ معبِّرٍ عن عواطف الداعين إلى الله، ومحقق لما يرجوه المصلحون الحقيقيون لهذه الأمة، والله نسأل أن يمدها بروحه ويؤيدها بتوفيقه.


سيتناول كلامنا الليلة إن شاء الله موضوع "أضرار المقامرة"، وهو موضوع حدا بي إلى اختياره- على جفافه- أمورٌ: أولها مشروع ساحل الفيروز الذي تكلمَت عنه الجرائد في هذه الأسابيع، ذلك إلى ما نُشر من تصريح الحكومة بفرع "للتيرو" بمصيف رأس البر، إلى ما نُشر أيضًا من ضبط محالّ للقمار كانت تضمُّ كثيرًا من الموظفين وذوي المكانة بالأقصر، إلى ما نُشِر من أن حكومة لبنان عَيَّنت مفتشين للتفتيش عن أماكن المقامرة، وما أذاعه مكاتب المقطم الإسكندري اليوم عن سرقة 13 ألف جنيه من محل معروف من محال البورصة، مدفوعًا إلى ذلك بجريمة المقامرة..


كل هذه الحوادث حرَّكتني إلى أن أتكلم عن بعض أضرار القمار بين شبابنا، وعلى مسمع الشبان المسلمين، لا لأنهاهم، بل ليَنْهَوا غيرَهم، وسيدور كلامنا إن شاء الله حول النقط الآتية:


الدوافع النفسية إلى القمار، أضراره الخلقية، أضراره الصحية، أضراره المالية، أضراره الاجتماعية، أضراره الدينية، المشروع الجديد وخطره، واجب الأمة نحوه، الوقاية ضد القمار.


الدوافع النفسية إلى القمار

يقول النفسيون: إن كل عمل من أعمال الإنسان نتيجةَ ميل خاص وغريزة معينة تدخل في تكوين النفس الأساسي؛ فإن كان هذا الميل صالحًا وهذه الغريزة مهذَّبة كان العمل شريفًا نافعًا، وبالعكس إذا كان هذا الميل وضيعًا والغريزة إلى الحيوانية الأولى أقرب منها إلى الإنسانية، كان العمل دنيئًا ضارًّا كثيرًا ما يدفع صاحبه إلى الهلاك والإجرام، مثال ذلك أن الإحسان إلى الفقير عمل شريف؛ لأنه ينبعث عن غريزة الرحمة وهي غريزة إنسانية شريفة، والسرقة عمل حقير؛ لأنه ينبعث عن غريزة الطمع والشَّره، وهي غريزة حيوانية ممقوتة.


وإذا علمنا ذلك فما هي الدوافع التي تدفع إلى المقامرة؟!


اللاعب أيها السادة يبتدئ اللعب مدفوعًا بغريزة الأثَرَة والطمع، ويستمر في لعبه متأثرًا بغريزة حب القهر والغلبة، ويعاود اللعب مسوقًا بغريزة حب الانتقام، وكل هذه الغرائز سافلةٌ وضيعةٌ، لا تمتُّ إلى الشرف بصلة، ولا تعرف لها الإنسانية رسمًا، فاللاعب في كل أدواره خاضعٌ لدافعٍ وضيعٍ، فعملُه لذلك وضيعٌ، يدفعه إلى الهلاك وإلى الجريمة، ويقتل في نفسه عواطف الإنسانية والشرف


وكل قانون يُبيح المقامرة أو يعترف بها قانون خاطئ؛ لأنه يشجِّع الرذيلة ويقتل الفضائل في نفوس الأمة التي ترضاه، وأين الأثرة والشَّرَه من الإيثار والإحسان؟! وأين القهر والغلبة من التعاون والتناصر؟! وأين الانتقام من العفو والتسامح؟! تلك أدنى مراتب الحيوان، وهذه عليا مدارج الإنسان، ولما كانت تلك الغرائز متأصلةً في نفس الإنسان- وقليل من يُعنَى بتهذيبها ومجاهدتها- كان القمار قديمًا في تاريخ البشر، وإن اختلفت أنواعه وتعددت وسائله، ولكنه لم يكن منتشرًا في أي أمة من الأمم السابقة انتشاره وفظاعته في هذه الأيام؛ حيث تعدَّد لعبه وتنوَّعت أساليبه في أسماء خلابة ضخمة، وقصور مشيدة فخمة، وقد بذل مديرو هذه الأماكن مهارةً فائقةً في صيد النقود وإغواء النفوس، ونَصَبوا لكل قطعة نقدية شَرَكًا يناسبها فلا ينجو القرش ولا الجنيه حتى تعمَّ البلوى كبيرَ الأمة وصغيرَها.


أضرار القمار الخلقية

يعرِّفون "الخُلُق" بأنها ملكة نفسية تصدر عنها الأعمال، فإذا كانت تأمر بالخير وتصدر عنها الفضائل سُمِّيت خلقًا فاضلاً شريفًا، وإذا كانت تأمر بالمنكر وتصدر عنها الرذيلة سُمِّيت خلقًا دنيئًا وضيعًا، وكل عمل من أعمال الإنسان كما أنه يصدر عن هذه الملكات يؤثر فيها كذلك، فمن الأعمال ما يزيد الخلق الطيب قوةً ويُضعِف الخلق الخبيث فيسمَّى لذلك بالعمل الصالح، ومنها ما يؤثر عكس ذلك فيقتل الخلق الطيب ويظهر عليه الخبيث فيسمَّى عملاً غير صالح.


والقمار- أيها السادة- يُميت في نفس اللاعب أعزَّ الفضائل، ويقضي على أخص صفاته ومواهبه، فهو سوسةُ الخلق ومستقرُّ الرذيلة، ولنضرب الأمثلة على ذلك بإيجاز واختصار:


1- ذلك الذي يكسب في المقامرة ما معنى كسبه؟! أليس معناه أنه مدَّ يده إلى جيب صديقه أو قريبه أو أحد من يعرف فاختلس منه نقوده التي كدَّ فيها وتعب، دون أن يعوضه عنها شيئًا، وتركه يتحرَّق غيظًا ويتلوَّى كمدًا وهو ضاحك السن قرير العين لأنه فاز وكسب؟! هو في هذه الحالة لصٌّ ووحشٌ، إن لم يكن في عرف القانون ففي عرف الحقيقة.. لص لأنه أخذ غير حقه بدون مقابل، بل شرٌّ من لص؛ لأن اللص يعتدي على غير أهله وأصدقائه، وكثيرًا ما يكون مضطَّرًّا إلى هذا العدوان، ووحشٌ؛ لأنه يُسرُّ بحزن غيره، ويفرح بكمد سواه، ويحيا بموت غيره، فأين عواطف الأناس من نفس هذا المجرم الأثيم؟! وكلما تكرر عمله كلما مرن على الشر.


2- تربية الأحقاد والضغائن، فمن ذا الذي يرى غيره يتمتع بما له بدون كدٍّ ثم لا يحنق عليه ولا يضمر له أشدَّ البغضاء وأفظع الشحناء؟ وحسبكم بذلك قضاءً على الفضيلة والشرف!!.


3- تَعوُّد الزور والكذب والمغالطة، وذلك نتيجة طبيعية لما يريده الخاسر من المدافعة عن نفسه، ويريد الكاسب من تأييد كسبه.


4- تعود الكسل وإضاعة الوقت سُدًى، والاتكال على ما في يد الغير، والاعتماد على الصدفة؛ إذ يضيِّع المقامر معظم وقته على المائدة، ويعتمد على كسب ما في يد غيره، وفي ذلك القضاء على فضيلة الاعتماد على النفس، وفضيلة النشاط والعمل، وفضيلة تثمير الوقت، والذي يمعن النظر يرى أن هذه الفضائل هي أساس رقيّ الأمم وتقدمها، وما ظهرت علينا أمم أوروبا إلا لأنها قدَّرتها حق قدرها.


5- ما تولِّده الخسائر المتوالية في نفس الخاسر من اليأس والقنوط والتبرُّم بالحياة، وكم سمعنا بانتحار الخاسر على موائد القمار؛ لأنهم فضلوا الموت على حياة الفاقة والسقوط، ولا حياة مع اليأس، ولا فضيلة تدفع إلى العمل كالأمل.


6- سقوط مركز المقامر الأدبي، ويتبع ذلك فقدان الثقة به، وكم من موظف كبير ووجيه محترم، سقطت هيبته بين أهله وذويه وبين مرءوسيه، واستخزى أمام أقل منه؛ لأنه عُرف بينهم بالمقامرة، والمركز الأدبي حاجز من أمنع الحواجز عن الشر.


7- ما يستدعيه القمار من الموبقات الأخرى، فالرذائل مزلق إذا انحدرت القدم في أوله هوى إلى قراره، أو هو سلسلةٌ إذا أمسك أحد بأول حلقاتها جذبته إلى غيرها حتى يستقصيَها حلقةً حلقةً؛ ولذلك قيل: "إياك والكأس الأولى".


والقمار رذيلة تستتبع غيرها وتدعو إلى سواها، ولا سيما الشراب، فقد قال النفسيون: إن من دواعي تعاطي المخدرات شعور الإنسان بألم نفسي على أثر عمل يثير توبيخ الضمير، فيحاول الإنسان أن يغيب هذا الشعور المؤلم، فيلجأ إلى التخدير، والمقامر إن كسب أغراه المال، وإن خسر حَزَبَه (3) الضيق، فهو واقع بين مخالب الرذيلة على كلتا الحالتين.


8- تعوُّد إهمال الحقوق والواجبات الدينية والدنيوية، فالمقامر يستغرق كل وقته منهمكًا في اللعب، لا يفكر في واجب، ولا يعمل لمهم، ولا يهتم بأي شيء.


ووقت الإنسان- أيها السادة- مهما اتسع ولا سيما في هذا العصر لا يفي بمطالب الإنسان، فهو إن فرغ من عمله الرسمي فوراءه عمل اجتماعي، فإن فرغ منه فأمامه واجب ديني، فإن فرغ منه فأمامه واجب إنساني: من عيادة مريض، إلى زيارة صديق، إلى مواساة بائس، فإن أدى كل ذلك فأمامه واجب أسرته: من إرضاء زوجته، إلى تربية أولاده، وقد يستغرق أحد هذه الواجبات معظم الوقت أو كله، وحرامٌ على من وراءه كل ذلك أن يضيِّع وقته عابثًا لاهيًا لا يحسب لشيء حسابًا.


سُئلتُ مرةً عن المقامرة بدون عِوَض ما حكمها شرعًا؟! فقلت: الحرمة، فقال السائل: ولِمَ؟! أليس التحريم إنما جاء للعوض؟! فعرضت عليه هذه الواجبات واحدًا واحدًا، وقلت له: ألست تعترف بأن كل هذه الأمور واجب عليك أداؤها وضياعها حرام؟ فقال: نعم؛ فقلت له: ألست ترى- إن كنت منصفًا- أن اللعب مهما كان مضيعٌ لها؟! فقال: نعم، فقلت: أليس ما يستتبع الحرام يَحرُم؟ فقال: أسلمت وجهي لله رب العالمين.


وفي الحديث- أيها السادة-: "إن الله يحب معالى الأمور ويكره سفسافها" (4)، والنفس الكبيرة ترقى إلى عظائم الأمور ولا تنحطُّ إلى درجة العبث، وهذا أبو الطيب (5) دعاه شرف نفسه إلى أن يقول:


وما العشق إلا غِرَّةٌ وطماعةٌ

يُعرِّض قلبٌ نفسه فيصابُ

وللخود منِّي ساعةٌ ثم بيننا

فلاةٌ إلى غير اللقاء تُجابُ

وللسر مني موضعٌ لا يناله

صديقٌ ولا يفضي إليه شرابُ

وغيرُ فؤادي للغواني رَميَّةٌ

وغير بناني للرخاخ ركابُ

أعزُّ مكان في الدُّنا سرج سابح

وخير جليس في الزمان كتابُ


فهو يربأ بفؤاده أن يكون هدفَ الغانيات، ويدَّخره لمعالي الأمور، ويربأ ببنانه أن يكون ركابًا لرخ الشطرنج، ويبقيه للعمل النافع المجيد.


الأضرار الاجتماعية

الاجتماع- أيها السادة- يراد به تعاون بني الإنسان وتعاطفهم، ذلك التعاون الغريزي المركب في طبع الإنسان، والذي به قضاء لوازمه وحاجياته وحفظ حقوقه الطبيعية والمدنية، وكل شيء يكون من شأنه تقوية هذه الرابطة والانتفاع بها يسمَّى عملاً اجتماعيًّا مفيدًا، وكل عمل يكون من شأنه إضعافها وعدم الانتفاع منها يسمَّى عملاً اجتماعيًّا ضارًّا، والقمار من هذا الأخير، وبيان ذلك بالأمثلة الآتية:


1- رأينا مما تقدم كيف أن القمار مفسدٌ للخلق الصالح الذي هو مدار تعاطف الناس ومحبتهم، مولد للشحناء والبغضاء التي تجعل التعاون على المنافع محالاً، فأي ضرر بالاجتماع أكبر من إفساد الصلات والروابط، ووقف حركة التعاون الضرورى للبشر؟!


2- الدعوة إلى الجريمة والاعتداء، فقد علمنا ما ينجم عن القمار من حقد النفوس وغلها؛ مما يثير في كثير من النفوس الحفائظ والغيظ، فيدعوها إلى الإجرام، ذلك إلى أن الولع بالقمار كافٍ وحده لدفع بعض النفوس في سبيل الجريمة والسرقة؛ إذ يحتال المقامر لجلب المال من حله ومن غير حله، وكم سمعنا أن موظفًا اختلس المال الذي تحت يده، وإذا فتشنا عن السبب الحقيقي وجدناه عدم استقامة هذا البائس، وما حادث موظف البريد عنا ببعيد!!


3- الأسرة أيها السادة نواة الاجتماع، وأقوى مظاهره، وأشد العوامل في صلاحه أو فساده، والقمار خطر عظيم على بناء الأسرة، وقضاء مبرم على سعادتها وهناءتها، فهو يدفع الزوج إلى سلب زوجه كل ما تمتلك، وإلى أن يبخل عليها بما ينفق أضعافه على مائدة القمار، وإلى إهمال أبنائه الليل والنهار، فلا يقوِّم أخلاقهم، ولا يقيم فسادهم، ولا يُشعِرهم حنان الأبوة وعطف الوالد، إلى ترك زوجه طول الليل فريدةً مستوحشةً، تندب بؤسها، وتبكي سعادتها، ولسان حالها يقول: تطاول هذا الليل وازورَّ جانبه (8).


وقالوا: إن رجلاً تعوَّد المقامرة حتى أتت على جميع ما يملك وتملك زوجه، فمدَّ يده إلى حلي بناته، فأعطته زوجه إياه في علبة صغيرة، ولما فتحها ليبيع ما فيها وجد في أسفلها بطاقة مكتوبًا عليها بخط زوجته: "يا هذا، إنك حين تبيع هذا الحلي تبيع مستقبل بناتك وتقضي عليهن، فانظر ما أنت صانع!"، ويظهر أن الرجل كانت لا تزال له بقيةٌ من حياة الضمير، فهاج بنفسه حنان الوالد، فثاب إلى رشده ورجع عن عادته، ومن لك بمثل هذا!


ومن هنا- أيها السادة- كان القمار خطيرًا على الأمة؛ لأنه يقطع صلات المودَّة فيها، خطرًا على الحكومة؛ لأنه يُثير الجريمة التى تحاربها، خطرًا على الأسرة؛ لأنه يصدِّع بناءها ويهدم كيانها، وتلك أصول الاجتماع، فهو خطرٌ على الاجتماع من جميع نواحيه.


الأضرار المالية

المال- أيها السادة- مادة الحياة، وقوام المشروعات النافعة، واعتزاز الأمم، وبخاصة في هذه العصور المادية إنما ينبني على ثروتها وشرفها بالأغنياء فيها، هذه الولايات المتحدة إنما تقود العالم بأموالها، وتُدير دفته الاقتصادية بأصحاب الأعمال والملايين من أهلها، والقمار عفريت الثروات وخراب البيوت، وأمامنا المشاهِد والحوادث:

1- فكم من ثريٍّ عظيم كان غنيَّ قومه، وسيدَ عشيرته، ساقه القضاء إلى المائدة الخضراء، فأتت على ثروته، لا تدع منها ذهبًا ولا فضة، ولولا حرمة البؤس والموت لسردْنا أسماء كثير من العظماء الذين طبع القمار حياتهم بطبائع الشقاء.


2- وكم من شاب تركه أبواه يتقلب في أعطاف النعيم، ويمرح في بحبوحة (9) الثراء، والتفَّ حوله سماسرة السوء ورسل الفقر، فساقوه إلى المقمر؛ حيث فقد شرفه وأمواله، ووقع فريسة المرابين والدائنين، ثم انفضوا عنه وتركوه ملومًا محسورًا، بين براثن البؤس ومخالب الفقر، وعلى نفسها جنت براقش (10).


3- وكم من موظف يرتع في رغد العيش، سعيدًا بأسرته وأبنائه، مغتبطًا بنعمة الله عليه، وما هو إلا أن يسوقه القدر المتاح، إلى المقمر المجتاح، فيستنفذ مرتبه ومثله معه، ويدع أبناءه يتضوَّرون (11) جوعًا ويتضاغون (12) ألمًا، ويرقبون آخر الشهر كما يرقب السجين مدته، فإذا جاء ما ينتظرون طار عائلهم بأمنيتهم إلى حيث يسد بها دينه أو يرضى منها شهوة نفسه، ثم يعود إليهم صفر اليدين مقطب الجبين، فلا يجد أمامه إلا زوجةً باكيةً وأبناءً بائسين.


4- وكم من سيدة ذهبت إلى "التيرو" وما شاكله من بيوت الوبال وبالوعات المال، مثقلة بحليها، باشة الوجه، وما هو إلا جولة أو جولتان ثم تعود إلى منزلها تندب الحظ والحلي والشرف والسمعة، وكذلك شأن المقامرة لا تشبع ولا تقنع، تحطم الأخضر واليابس، وتلتهم الأبيض والأصفر، ثم تقول: هل من مزيد!


ولو أن هذه الأموال التي تذهب هباءً منثورًا أُنفقت في سبيل المشروعات النافعة لآوت كثيرًا من عاطلي الأمة وأحداثها الذين لا يجدون ملجأً، ولخففت جمَّ المصائب والآلام عن المنكوبين الذين لا يرون مسليًا، ولكن هو الشيطان لعنه الله ﴿قَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾ (النساء: من الآية 118).


الأضرار الصحية

لو علم المقامر ما يجنيه على صحته وبدنه بهذا اللعب، لما أجاز لنفسه أن يغشَّها بقوله: أروِّح عن نفسي من عناء العمل والكد، فما أبعد الحقيقة من هذا الزعم!! وأعرق هذا الخيال في الوهم!! فالمقامر يجني على بدنه من حيث لا يشعر، ويقامر بصحته وهو لا يدري، وإلى حضراتكم أسباب ذلك:


1- قرر الأطباء أن الإنسان إذا أفرط في السهر، وحرم نفسه راحة النوم، ودام الحال على ذلك مدةً اختلَّت أجهزة الجسم، وأدَّى ذلك إلى فقر الدم واصفرار الوجه، وقال جالينوس (13): "إن أكثر ضرر السهر يقع على القلب والدماغ والرئتين"، وهذه هي الأعضاء المهمة، فلو لحق أحدها ضرر تداعت قوى الجسم وهلك، وإليه الإشارة بقول الرسول- صلى الله عليه وسلم- لابن عمر ينهاه عن طول السهر: "إنك إن فعلت خوصت عينك ونفهت نفسك" (14)، والأطباء المحدثون لا يقولون بغير هذا، والمشاهَد أن الإنسان إذا أفرط في السهر بعض ليالٍ- ولو قبل الامتحان مثلاً- ظهرت أعراض ذلك السهر في وجهه، وعدم النوم نوع من أقسى أنواع العذاب، عذب به ديميوس مغتال لويس الخامس عشر (15) بعد الكي وذوب الرصاص والزيت، فقال قبيل موته: "إن حرمان النوم كان أفظع ما لقي من أنواع العذاب"، وإليه الإشارة بالآية الكريمة: ﴿وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ﴾ (الانفطار: 14- 16)، ولأحد الأدباء المحدثين:

إياك والسهر الذي

يودي بجسمك والحواس

واجعل له حدًّا به

تبني الجسوم على أساس

وإذا سهرت فلا تكن

ما بين ندمان وكاس

فيضيع عقلك في الضلا

ل وتذهب الكأس النعاس


ولا شك أن المقامر يمنعه لهوُه بالمقامرة وتأثرُه بالكسب أو الخسارة راحةَ النوم، فهو يقضي الليل على المائدة واجمًا متأثرًا نادمًا متحسِّرًا، ثم لا يألف النوم عينه نهارًا إلا غرارًا (16) وباستمرار ذلك ينهار بناء جسمه، ويذوي غصن شبابه، ويختل نظام صحته.


2- قرر الأطباء أن الجهود الفكرية والجسدية تثير الدورة الدموية، والحركة أيًّا كانت يلازمها احتراق الدم المارّ في جزئيات الأنسجة البدنية والأعصاب؛ عملاً بقاعدة "الاحتراق البطيء"، وإذا طالت هذه الحركة نفد الدم الصالح بالاحتراق، وازدادت الرواسب الفاسدة الناشئة عن هذا الاحتراق، وهذه الرواسب سمّ زعاف يمتصها الجسم فيستهدف للخطر، فيحس الإنسان حينئذ ما يسمَّى بالفتور أو الملل أو التعب، ويقول الأطباء: إن هذا الإحساس كصمام الأمن في الآلة البخارية، ينذر الإنسان بضرورة تعطيل العمل، والتماس الراحة بالبعد عن الضوضاء، والتروُّض في الهواء الطلق، والابتعاد عن الهواجس والمؤثرات، وإلا سعى في حتفه وعرض جسمه للتسمم، والمقامر تلهيه شواغل اللعب وترقب النتائج عن الإحساس بالتعب، فيستمر في عمله غير حاسب للراحة حسابًا حتى تتسمم عضلاته فيجني على صحته.


3- قرر الأطباء كذلك أن لمفاجأة المؤثرات النفسية وتواليها تأثيرًا عظيمًا على الجسم، سواءٌ في ذلك الحزن والسرور، فهي تهيِّج الدم وتثير الأعصاب، وقد يؤدي هذا التأثير إلى الصعق والغشية، بل إلى الموت.


يحدثنا التاريخ أن المتنبي لما طالت غيبته عن وطنه بعث إلى جدته يستقدمها إليه ببغداد، فقبَّلت كتابه وحُمَّتْ لساعتها، وماتت من شدة السرور؛ وذلك حيث يقول في رثائه إياها:

أتاها كتابي بعد يأسٍ وترحة

فماتت سرورًا ومتُّ بها غمًّا


ولا شك أن المقامر بين إحدى الحالتين: إما ربحٌ مفاجئٌ يثير كامن سروره، وإما خسارة تستدعي عظيم حزنه، فهو بينهما في مد وجزر وطي ونشر، وتعاقب المؤثرات له أثر مضاعف، فما يزال كذلك حتى يضطرب كيان نفسه ويختل ميزان حسه.


4- ذلك إلى المؤثرات الموضعية، ككثرة الجلاس، واحتباس الأنفاس، وفساد الهواء، وتخالف الأجواء، وفي ذلك البلاء المبين


الأضرار الدينية

الميسر- أيها السادة- جزء من تاريخ العرب الاجتماعي كانوا يلعبونه في جاهليتهم، يقصدون بلعبه العطف على الفقراء ومساعدة الضعفاء، فكان الكاسب لا يطعم ما يكسب، وإنما يفرقه على ضعفة قومه وفقراء عشيرته، ولذلك عدُّوه من مفاخرهم وذكروه بين مآثرهم، قال النمر بن تولب (17) يصف مجلس لعب وما ولَّده من الحقد في نفس الخاسر:

ولقد شهدت إذا القداح توحدت

وشهدت عند الليل موقد نارها


حتى إذا قسم النصيب وأصفقت

يده بجلدة ضرعها وحُوارها

ظهرت ندامته وهان بسخطه

سبًّا على مربوعها وعذارها


ويقول الأعشى ذاكرًا تفضلهم بكسب الميسر:

المطعمو الضيف إذا ما شتوا

والجاعلو القوت على الياسر


ويقول عمرو بن قبيصة أو ابن قميئة:


بأيديهم مقرومة ومغالق

يعود بأرزاق العيال منيحها


والمنيح: قِدْح من قداح الميسر عندهم.


ويقول عنترة مفتخرًا:

ربذ يداه بالقداح إذا شتا

هتاك غايات التجار ملوّم


ويقول النابغة في هذا المعنى:

إني أتمم أيساري وأمنحهم

من الأيادي وأكسو الجفنة الأدما


ولابن قتيبة الدينوري مؤلف جامع لأشتات أحوال العرب في "الميسر والقداح" وقد نشر في السنوات الأخيرة.


ولكن الإسلام رأى في أضرار القمار ما يقضي بتحريمه ولا توازيه تلك الغاية الشريفة غاية نفع الفقراء فسلك سبيل التدريج في هذا التحريم فنزلت الآية الكريمة: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ (البقرة: من الآية 219)، ثم نزلت بعد ذلك الآية الحاسمة آية التحريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ﴾ (المائدة: 90) الآية، والمتأمل في هذه الآية يرى أن النهي فيها جرى على أسلوب لم يعهده القرآن من قبل في منهياته من الحماسة والشدة والوعيد بأشنع الموبقات من الخمر وآثار الشرك، فذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ﴾ (المائدة: 90)، ثم وصفها بالرجس، ووصف هذا الرجس بأنه من عمل الشيطان، فزاده رجسًا إلى رجسه، فذلك قوله تعالى: ﴿رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ (المائدة: 90).


ثم طالب المؤمنين باجتناب هذا الرجس المضاعف، مبينًا لهم أن الفلاح موقوف على هذا الاجتناب فذلك قوله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (المائدة: 90)، ثم أخذ يعدد مساوئ هذه المناكر القبيحة، فبين أن ما ينجم عنها كله شيطاني؛ لأنه إرادة الشيطان، ورمز إلى الأضرار الاجتماعية بالعداوة والبغضاء، ورمز إلى إهمال الفروض والواجبات بالصد عن ذكر الله وعن الصلاة، فذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِى الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ﴾ (المائدة: 91)، ثم أراد تكرير النهى، وعدل عن صيغته إلى صيغة الاستفهام الإنكاري لما يفهم عنها من الإنكار الشديد والتوعيد والوعيد فذلك قوله تعالى: ﴿فَهَلْ أَنْتُم مُّنتَهُونَ﴾ (المائدة: 91)، ثم عدل بعد النهي إلى الأمر بالطاعة، مؤكدًا مكررًا لفظ الطاعة لله وللرسول، محذِّرًا لهم عواقب المخالفة فذلك قوله تعالى:﴿وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا﴾ (المائدة: 92)، ثم يبين لهم واجب الامتثال ولا حجة لهم في المخالفة، فذلك قوله تعالى: ﴿فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾ (المائدة: 92).


فأي زجر أو تشديد، وأي نهي أو توعد، وأي تخويف أو تحذير بعد هذا النهي الصارخ والزجر المقنع والحجة البالغة، وكأنها كسف (27) من القوارع تساقط من السماء إلى الأرض، وصواعق غضب الله على المخالفين تلمع فى فم جبريل حين يبلغ محمدًا صلى الله عليه وسلم، وهو صوت الإرادة الإلهية المسموع دوَّى في أذن عمر رضي الله عنه، فصرخ قائلاً: "انتهينا يا رب".


وأي مؤمن تدوي في أذنه صيحة ربه فلا تأخذ قلبه الرجفة، ولا تهز جوانب نفسه الخشية، ولا يتملك فؤاده الفزع الأكبر، ومن يملك من الله شيئًا إن أراد أن يهلك من في الأرض جميعًا.


وكل ذلك النهي والوعيد- يا سادتي- في لعبة بسيطة لا يتجاوز وزر ربحها جزءًا من جزور، فكيف بما انتشر بيننا من مختلف اللعب ومتعدد الموبقات؟!


ولكأني بقائل يهمس لنفسه أو لجاره: وماذا عسى أن يبلغ هذا الحكم الديني وهذا الزجر القرآني من قلوب طال عليها الأمد فقست، وبعد عنها النور الإلهي فأظلمت؟! وذلك حق- أيها السادة- فقد أصبحت الموعظة لا تجدي فتيلاً، ولا الوازع الديني لا ينال من النفس إلا قليلاً، ولكن ذلك لا يمنعنا البيان لعل فيه تبصرةً وذكرى، ولا يسكتنا الإنذار بالوحي فلأن يمتثل المسلم أمر ربه أولى وأحرى.


وإلى حضارتكم الحادثة الآتية لنتبين منها مبلغ الفرق بيننا وبين سلفنا المجيد في التأثر بأمر الله والنزول على حكمه، والخوف من عقوبته، مع احتقار هذه الزواجر الدنيوية إلى الزواجر الأخروية: رجل من فرسان المسلمين وكبارهم أولع بالخمر في جاهليته حتى كان يقول:


إذا مت فادفني إلى جنب كرمة

تروي عظامي بعد موتي عروقها

ولا تدفنوني في الفلاة فإنني

أخاف إذا مت ألا أذوقها


وجاء الإسلام بتحريم أم الخبائث فانصاع لأمره ونزل على حكمه، ولكن عادة الشرب المتأصلة في نفسه أرغمته على أن يحتسي جرعةً يرد بها ظمأته، فجاء إلى أمير المؤمنين الفاروق مقرًّا بجريرته فحده، وتكرر الأمر فنفاه إلى القادسية وسجنه أميرها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.


وفي يوم القتال سمع صليل السيوف وصهيل الجياد، فهاجت نفسه إلى ميدان الجهاد، وهو الفارس لا يهدأ أو تقوم قيامة فيها الدماء على الدماء تصيب (28)، فعاهد زوجة الأمير (29) إن أعطته فرسًا وعدة ليعودن إن سلم، وإن استشهد فهي الأمنية، فأعطته ما طلب، فنفذ كالسهم مهللاً مكبرًا، ورآه سعد من منظرته فعرفه، ولما أن وضعت الحرب أوزارها عاد أدراجه إلى سجنه بعد أن أبلى بلاءً حسنًا لا يريد من الغنيمة إلا أن يرضى الله عنه.

استجوبه الأمير عما دفعه إلى مبارحة سجنه فقال: حب الجهاد والرغبة في الشهادة في سبيل الله، وعما دفعه إلى العودة بعد أن كان سبيل النجاة أمامه سهلاً ميسورًا؟! فأجاب: الوفاء بالعهد، فقد عاهدت ولا أغدر.


وسأله: ماذا ترى أن يكون جزاؤك؟ فأجاب: ليقضي الله أمرًا كان مفعولاً، أكبر الأمير هذه النفس المؤمنة فأمر بإطلاقه وحلف ألا يحده في الشراب.


وكان المنتظر بعد ذلك أن يمرح هذا الفارس في غيِّه ولكنه فعل غير ذلك، إنه فكر قليلاً ثم حلف على نفسه ألا يذوق الخمر وإن أدَّى ذلك إلى هلاكه، ولما سئل في ذلك أجاب هذا الجواب الذي تتجلَّى فيه قوة النفس الإسلامية وعظمتها ومبلغ إيمانها عند ربها؛ حيث قال: "كان جزائي أولاً تلك العقوبة الدنيوية وهي شيء لا أهتم له، فلما أن وكلت عقوبتي إلى الله فأنا أستحيي أن أبارزه بالعصيان ولا طاقة لي بغضبه وعذابه".


ذلك الفارس المعلم هو سيدنا أبو محجن الثقفي رضي الله عنه، وحيا ذلك الإيمان المكين والدين المتين.


فأين نحن أيها السادة من التأثر بكتاب الله ورهبة ما عنده والخوف مما لديه؟! أولئك قوم تملكتهم شهامة الإيمان فكانوا يستحيون ولا يخافون، أما نحن فنخاف ولا نستحي ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾ (الحديد: 16).


بعد ذلك أرسل الإمام البنا رسالةً لرئيس لجنة بحث موضوع البغاء محمد شاهين باشا، فماذا قال في هذه الرسالة؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.


وصلات داخلية

المراجع

(1) مجلة الفتح، العدد (105)، السنة الثالثة، 2 صفر 1347ه/ 19يوليو 1928م، ص (1) وما بعدها، واستكملت المقالة في العدد (106)، 9 صفر 1347ه/ 26 يوليو 1928م، ص (13) وما بعدها.


(2) المثابة: الموضع الذي يُثابُ إليه، أي: يُرْجَعُ إليه مرةً بعد أخرى (الصحاح، مادة: ثوب).


(3) َحَزَبَهُ أمرٌ، أي: أصابه. (الصحاح، مادة: حزب).


(4) أخرجه الطبراني في الأوسط، ح (3055)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة"، (4/168).


(5)المُتَنَبِّي (303-354ه/ 915-965م): أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي، أبو الطيب، الشاعر الحكيم، وأحد مفاخر الأدب العربي، له الأمثال السائرة والحكم البالغة المعاني المبتكرة، وُلد بالكوفة في محلة تسمَّى كندة، وإليها نسبته، ونشأ بالشام، ثم تنقل في البادية يطلب الأدب وعلم العربية وأيام الناس، قال الشعر صبيًّا، وتنبَّأ في بادية السماوة (بين الكوفة والشام) فتبعه كثيرون، وقبل أن يستفحل أمره خرج إليه لؤلؤ أمير حمص ونائب الإخشيد فأسَرَه وسجنه حتى تاب ورجع عن دعواه، وفد على سيف الدولة بن حمدان صاحب حلب فمدحه وحظي عنده، ومضى إلى مصر، فمدح كافور الإخشيدي، وطلب منه أن يوليه، فلم يولِّه كافور، فغضب أبو الطيب وانصرف يهجوه، قصد العراق وفارس، فمدح عضد الدولة بن بويه الديلمي في شيراز، عاد يريد بغداد فالكوفة، فعرض له فاتك بن أبي جهل الأسدي في الطريق بجماعة من أصحابه، ومع المتنبي جماعة أيضًا، فاقتتل الفريقان، فقتل أبو الطيب وابنه محسّد وغلامه مفلح بالنعمانية بالقرب من دير العاقول في الجانب الغربي من سواد بغداد، وفاتك هذا هو خال ضبة بن يزيد الأسدي العيني، الذي هجاه المتنبي بقصيدته البائية المعروفة، وهي من سقطات المتنبي (الموسوعة الشعرية).


(6)والخَوْدُ: الفتاة الحسنة الخَلق الشابة ما لم تصر نَصَفًا؛ وقيل: الجارية الناعمة، والجمع خَوْدات وخُود، بضم الخاء، مثل رمح لَدْن ورِماح لُدْن ولا فعل له (اللسان، مادة: خود).


(7) الرُّخُّ من أَداة الشطرنج، والجمع رِخاخ؛ الليث: الرُّخّ معرب من كلام العجم من أَدوات لُعْبَة لهم. (اللسان، مادة: رخخ).


(8) يُروَى هذا البيت عن امرأة في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، غاب عنها زوجها في الغزو فقالت أبياتًا، وسمعها عمر، فذهب عنها حتى أصبح فسأل عنها، فأُخبر أن زوجها غائب، فأجرى على المرأة نفقةً، وكتب أن يقفلوا زوجها، ومعنى ازورَّ: تباعد.


(9) تبحبح في الأمر: توسع فيه، من بحبوحة الدار وهي وسطها، وتبحبحت العرب في لغاتها: اتسعت فيها (أساس البلاغة، مادة: بحح).


(10) يضرب هذا المثل لمن أتاه الشر من نفسه.


(11) تَضَوَّرُ من شدّة الحُمَّى؛ أَي تَتَلَوَّى وتَضِجُّ وتَتَقَلَّبُ ظَهْرًا لبَطْنٍ (اللسان، مادة: ضور).


(12) رأَيت صِبْيانًا يتَضاغَوْنَ إذا تَباكَوْا، وضَغا يَضْغُو ضَغْوًا إذا صاحَ وضَجَّ (اللسان، مادة: ضغا).


(13) هو طبيب يوناني عاش في روما من 201-130ق. م.


(14) هذا الحديث أخرجه مسلم في "الصيام"، باب: "النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به..."، ح (1968)، ولكن بلفظ: "فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْنَاكَ وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ"، والحادثة وقعت مع عبد الله بن عمرو، خوصت، أي: غارت، نفهت، أي: تعبت وكلَّت.


(15) لويس الخامس عشر (1715-1774)، حكم فرنسا عن طريق الاستبداد؛ مما أدَّى لحدوث اضطرابات.


(16) أي: قليلاً.


(17) النمر بن تولب (?-14ه/ ?-635م): النمر بن تولب بن زهير بن أقيش، ينتهي نسبه إلى عوف بن وائل بن قيس بن عبد مناة، شاعر جاهلي أدرك الإسلام وهو كبير، فأسلم وعُد من الصحابة، وروى حديثًا عن الرسول، وكان له ولد يُدعى ربيعة، وأخ يدعى الحرث بن تولب (سيد مُعظَّم في قومه)، ونشأ بين قومه في بلاد نجد ثم نزلوا ما بين اليمامة وهجر، توفي في آخر خلافة أبي بكر الصديق، وما عرف له في المدح إلا قصيدة واحدة مدح فيها الرسول، وكذلك كان هجاؤه نادرًا، وكان شعره صادقًا، وألفاظه سهلة جميلة (الموسوعة الشعرية).


(18) في الديوان: شيئًا.


(19) الأعشى (?-7ه/ ?-628م): ميمون بن قيس بن جندل من بني قيس بن ثعلبة الوائلي، أبو بصير، المعروف بأعشى قيس، ويقال له: أعشى بكر بن وائل والأعشى الكبير، من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية، وأحد أصحاب المعلَّقات، كان كثير الوفود على الملوك من العرب، والفرس، غزير الشعر، يسلك فيه كلَّ مسلك، وليس أحدٌ ممن عرف قبله أكثر شعرًا منه، وكان يُغنَّى بشعره فسمِّي (صناجة العرب)، قال البغدادي: كان يفد على الملوك- ولا سيما ملوك فارس- فكثرت الألفاظ الفارسية في شعره، عاش عمرًا طويلاً وأدرك الإسلام ولم يسلم، ولقِّب بالأعشى لضعف بصره، وعمي في أواخر عمره، مولده ووفاته في قرية (منفوحة) باليمامة قرب مدينة الرياض، وفيها داره وبها قبره (الموسوعة الشعرية).


(20) في رواية: اللحم.


(21) عمرو بنِ قُمَيئَة (179-85 ق. ه/ 448-540م): عمرو بن قميئة بن ذريح بن سعد بن مالك الثعلبي البكري الوائلي النزاري. شاعر جاهلي مقدم، نشأ يتيمًا وأقام في الحيرة مدة وصحب حجرًا أبا امرئ القيس الشاعر، وخرج مع امرئ القيس في توجهه إلى قيصر فمات في الطريق، فكان يقال له: (الضائع)، وهو المراد بقول امرئ القيس:(بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه)، إلى آخر الأبيات (الموسوعة الشعرية).


(22) القِدْحُ بالكسر: السهم قبل أن يُراشَ ويُركَّب نصله، وقِدْحُ الميسرِ أيضًا، والجمع قِداحٌ وأقْداحٌ وأَقاديحٌ، والقَدَحُ: المِغرفة (الصحاح، مادة: قدح).


(23) عَنتَرَة بن شَدّاد (?-22 ق. ه/ ?-601م): عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد العبسي، أشهر فرسان العرب في الجاهلية ومن شعراء الطبقة الأولى، من أهل نجد، أمه حبشية اسمها زبيبة، سرى إليه السواد منها، وكان من أحسن العرب شيمة ومن أعزهم نفسًا، يوصف بالحلم على شدة بطشه، وفي شعره رقة وعذوبة. كان مغرمًا بابنة عمه عبلة، فقل أن تخلو له قصيدة من ذكرها. اجتمع في شبابه بامرئ القيس الشاعر، وشهد حرب داحس والغبراء، وعاش طويلاً، وقتله الأسد الرهيص أو جبار بن عمرو الطائي (الموسوعة الشعرية).


(24) النابِغَة الذُبياني [?-18 ق. ه/ ?-605م]: زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري، أبو أمامة. شاعر جاهلي من الطبقة الأولى، من أهل الحجاز، كانت تُضرب له قبة من جلد أحمر بسوق عكاظ، فتقصده الشعراء فتعرض عليه أشعارها. وكان الأعشى وحسان والخنساء ممن يعرض شعره على النابغة، كان حظيًّا عند النعمان بن المنذر، حتى شبَّب في قصيدة له بالمتجردة (زوجة النعمان) فغضب منه النعمان، ففر النابغة ووفد على الغسانيين بالشام، وغاب زمنًا، ثم رضي عنه النعمان فعاد إليه، شعره كثير، وكان أحسن شعراء العرب ديباجة، لا تكلف في شعره ولا حشو. عاش عمرًا طويلاً (الموسوعة الشعرية).


(25) في الديوان: مثنى.


(26) هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، وكنيته أبو محمد: من أئمة الأدب، ومن المصنفين الكثيرين، عاش بين عامي (213-276ه) (828-889)م، وُلد في بغداد وسكن الكوفة، ثم ولي قضاء الدينور مدة، فنسب إليها، وتوفي ببغداد.، وورد اسمه في دائرة المعارف الإسلامية محمد بن مسلم، أبو عبد الله، وأنه وُلد في الكوفة، فقيل له: الكوفي، كما قيل له: المروزي نسبة إلى مسقط رأس أبيه الدينوري، وذكر الزركلي لابن قتيبة أهم مصنفاته التي اشتغلها في حياته وهي: تأويل مختلف الحديث، وأدب الكاتب، والمعارف، والمعاني، وعيون الأخبار، والشعر والشعراء، والإمامة والسياسة، والأشربة، والرد على الشعوبية، وفضل العرب على العجم، والرحل والمنزل، والاشتقاق، ومشكل القرآن، والمشتبه بين الحديث والقرآن، والعرب وعلومها، والميسر والقداح، وتفسير غريب القرآن، والمسائل والأجوبة، والنبات، والألفاظ المغربة بالألقاب المعربة، وغريب الحديث (موقع الخليج).


(27) الكِسْفَةُ: القطعة من الشيء. يقال: أعطني كِسْفَةً من ثوبك؛ والجمع كِسْفٌ وكِسَفٌ. ويقال: الكِسْفُ والكِسْفَةُ واحدٌ. وقال الأخفش: من قرأ: "كِسْفًا من السماء" جعله واحدًا. ومن قرأ: "كِسَفًا" جعله جميعًا. (الصحاح، مادة: كسف).


(28) كذا بالأصل.


(29) هي سلمى بنت حفصة التيمية.


للمزيد عن دور الإخوان في الإصلاح

كتب متعلقة

من رسائل الإمام حسن البنا

ملفات وأبحاث متعلقة

مقالات متعلقة

الإصلاح السياسي:

الإصلاح الإجتماعي ومحاربة الفساد:

تابع مقالات متعلقة

رؤية الإمام البنا لنهضة الأمة

قضايا المرأة والأسرة:

الإخوان وإصلاح التعليم:

موقف الإخوان من الوطنية:

متفرقات:

أحداث في صور

.


للمزيد عن الإمام حسن البنا

Banna banner.jpg