جماعة الإخوان الحتمية التاريخية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
جماعة الإخوان الحتمية التاريخية


بتصرف من بحث للكاتب د. عماد حسين محمد – أستاذ التاريخ المعاصر

مجلة المسلم المعاصر - العدد 131 - الثلاثاء-31 آذار - مارس 2009

المبحث الأول: تحدي المرحلة

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول كثير من المؤرخين أن قانون التحدي والاستجابة هو أحد أهم محركات التاريخ في كافة العصور، ومن ثم من الاهمية أن نحاول أن نفهم من خلاله حركة التاريخ الإسلامي، وخاصة في القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث عانت الأمة الإسلامية من تحديات في كل مقدراتها السياسية والفكرية والاجتماعية، بل والعقائدية كذلك.

ثم تأتي مرحلة حسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين لتفعيل كثير من أفكار مدرسة المنار بين الناس وليس بين الصفوة، وتحويل مدرسة المنار الفكرية لحالة مدرسة شعبية، فتجذرت المدرسة في العالم الإسلامي، وتحولت لاستحقاقات تطالب بها الشعوب، ومن ثم فقد تحولت أفكار المنار من حالة رد فعل واستجابة لتحديات، لحالة فعل تمثل حالة تحدي في ذاتها لواقع يصنعه الغرب على الأرض الإسلامية.

أوضاع العالم الإسلامي (في الربع الأول من القرن العشرين)

منذ القرن السابع عشر تعرض العالم الإسلامي برمته للخطر الخارجي في صورة أعتى مما عرف في أي وقت مضى، فلقد عادت أوروبا مزودة بحضارة وقوة جديدة لتطوق العالم الإسلامي، وبدأ العالم الإسلامي يتهاوى ركنا بعد ركن ويتداعى بصورة غير مسبوقة.

وقد بدأ الغزو الاستعماري للعالم الإسلامي بالجنوب الشرقي، فسقطت جزر الهند الشرقية (إندونيسيا) في القرن السابع عشر، وضاعت الهند ما بين القرنين السابع عشر والثامن عشر، وكذلك الملايو، ومع القرن التاسع عشر جاء دور الشمال الأفريقي ممثلا في العالم العربي، فسقطت الجزائر وتونس ومصر والسودان، وفي نفس الوقت كانت روسيا القيصرية تتوغل في الدول الإسلامية الآسيوية حتى القوقاز وتخوم إيران، ومن الجنوب كانت دول أوروبا الغربية تكتسح الدول الإفريقية الإسلامية في تكالبها المشهور.

ولم تحمل السنوات الأولى من القرن العشرين خيرا للعالم الإسلامي، فقد شهدت هذه الفترة تسوية العديد من المنازعات بين الدول الاستعمارية، فكان الاتفاق الإيطالي الفرنسي في 10 يوليو 1902م، والذي كان بمثابة الضوء الأخضر لإيطاليا لتتقدم تجاه طرابلس الغرب وبرقة، وتم الاتفاق الودي في 8 أبريل 1904م والذي كان أساسه تبادل مصر والمغرب وتسوية كل الخلافات الاستعمارية بين بريطانيا وفرنسا، ثم التسوية التي قامت بها بريطانيا مع روسيا في أغسطس 1907م بما يتعلق بفارس وأفغانستان والتبت.

بييررنوفان، تاريخ العلاقات الدولية 1805-1914م، دار المعارف، القاهرة، 1980، ترجمة دكتور جلال يحييونتيجة للاتفاقيات الاستعمارية في هذه الفترة، تضيع ليبيا ومراكش والشام والعراق، وما لم يقع في قبضة الاستعمار من العالم الإسلامي خضع لضغوطه ونفوذه، بينما تقلص الإسلام في البلقان حتى كاد ينحسر عنه تماما.

ومن كشف الخسائر هذا يتضح أن العالم الإسلامي بأجمعه قد سقط تحت طرقات الاستعمار عدا شمال اليمن وقلب الجزيرة العربية، لا لأنه مهد الإسلام بقدر ما كان لفقره، وكذلك تستثني هضبتا إيران والأناضول ولو أنهما لم ينجوا من مناطق النفوذ والتقسيم

ومن هنا فقد كان التحدي بالنسبة للعالم الإسلامي مسألة حياة أو موت، وأعاد إلى الأذهان ذكرى الحروب الصليبية، ولم يحاول الاستعمار الأوروبي من جانبه أن ينكر هذا، ابتداء من اللنبي في القدس حين أعلن أنه "الآن انتهت الحروب الصليبية"، إلى جورو في دمشق حين أطلق شماتته المعروفة "لقد عدنا يا صلاح الدين"

وكان رد الفعل الطبيعي أن تلتهب الحماسة الدينية حتى تصبح النبرة الإسلامية والدعوة لوحدة المسلمين هي الشعار المضطرم في طول العالم الإسلامي وعرضه، وصار تخندق حركات التحرر والكفاح وراء خط الدفاع الأخير – وهو الإسلام- أمرًا بديهيا، لا سيما وأن الإسلام نفسه كعقيدة تعرض حينذاك لحملات غير مسبوقة من التشهير والقذف من جانب المستشرقين وغير المستشرقين. جمال حمدان، العالم الإسلامي المعاصر، كتاب الهلال، القاهرة، 1993

وقد كان أثر هذه الأوضاع في نفس الإمام المؤسس حسن البنا بالغا، حيث يقول رحمه الله ، في المؤتمر الخامس لجماعة الإخوان المسلمين عام 1939 ثم كانت في مصر وغيرها من بلدان العالم الإسلامي حوادث ألهبت نفسي وأهاجت كوامن الشجن في قلبي، ولفتت نظري إلى وجوب الجد والعمل، وسلوك طريق التكوين بعد التنبيه، والتأسيس بعد التدريس...

وقد حدد رحمه الله في موقف الجماعة من هذه الأوضاع فيقول "نعتقد أن كل دولة اعتدت على أوطان الإسلام دولة ظالمة لابد أن تكف عدوانها ولابد من أن يعد المسلمون أنفسهم ويعملون متساندين على التخلص من نيرها".

ومن ثم فقد طالب أفراد الجماعة

"أن تبينوه للناس، وأن تعلموهم أن الإسلام لا يرضى من أبنائه بأقل من الحرية والاستقلال فضلا عن السيادة وإعلان الجهاد، ولو كلفهم ذلك الدم والمال، فالموت خير من هذه الحياة، حياة العبودية والرق والاستذلال..." حسن البنا، مجموعة الرسائل، دار الشهاب، بيروت - ص 150 - 184

أثر انتشار المظاهر الغربية في المجتمع المصري

انتشار الفكر الغربي

كان تدفق الأفكار الغربية إلى الثقافة والفكر السائد في مصر موجَها إلى حد كبير في الفترة الأولى من نشاط حركة الاقتباس عن الغرب، وهي فترة محمد علي (1805-1848م)، وقد بدأت بالتركيز على النظم العسكرية والعلوم التطبيقية بصورة أساسية

ولكن تدريجيا نشطت حركة الترجمة التي عملت على نقل أفكار المجتمع الغربي بالشكل الذي أوضحها وفسرها الأوروبيون ذاتهم، وكذلك كان انتقال بعض الشوام إلى مصر واستحداثهم لأساليب مثل الصحافة الحرة والمسرح وغيرها في نقل أفكار الغرب ونقد الأوضاع القائمة أثره الفعال في العقلية المصرية

وقد سارت مسيرة التغيير بشكل توفيقي دون صدام لفترة ولكن اختلطت المسألة مع وقوع مصر تحت نير الاحتلال البريطاني، فكان الاختلاط بين التوفيق الفكري، وبين الحس الوطني ومقاومة العدوان الأجنبي، بحيث أن ناتج هذه المؤثرات مس كلا الشكلين

لذا عانت الحياة الفكرية في مصر من وجود تيارين أحدهما يصر على الحفاظ على الشكل التراثي رافضا للعدوان الغربي فكريا وعسكريا، وآخر ارتبط بالفكر الغربي ورأي أن العقلية التقليدية هي سبب الوقوع في قبضة الاحتلال، لذا رأى نبذها واستبدال العقلية الغربية المنتصرة بها.

فتحت مصر أبوابها للفكر الغربي بعد أن تأسست الجامعة المصرية عام (1908) وذلك من خلال مدرسيها الأجانب والمناهج الغربية التي تدرس فيها، وبذلك ازدهرت الثقافة المصرية التي عرفت تشارلز داروين، ونيتشه، وأوجست كونت، والقصاصين الروس، ودعاة المذهب النفعي، وكذلك فرويد وجوستاف لوبون من مفكري فرنسا المعاصرين فضلا عن قدمائهم من أمثال روسووفولتير ومونتيسيكو.

وكانت ثورة 1919م، وما تبعها من أحداث انتهت بصدور دستور 1923م، من خلال اللجنة الثلاثية، وما استقر من نظام سياسي من مجالس نيابية ونظام انتخاب وأحزاب بداية لفترة تاريخية جديدة، كما أنها كانت إعلانا لانتقال النظام السياسي قلبا وقالبا للشكل المقرر في الغرب، وكان ذلك بعد أن انتقل كل من النظام العام للتعليم ومناهجه، والنظام القانوني أيضًا للشكل المستقر في الفكر الأوروبي الغربي.

فمن المراجعة لأعضاء لجنة الدستور يلاحظ خلو اللجنة من أصحاب التوجه الإسلامي اللهم إلا شيخ الأزهر وآخر هو الشيخ محمد خيرت في مقابل بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية وكان إشراكهما أقرب إلى التقليد الرسمي لا تعبيرا عما يمثله أي منهما من توجه.

(عبد الرحمن الرافعي، في أعقاب الثورة المصرية – مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1951جـ 1 صـ 62، طارق البشري المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية الهيئة العامة للكتاب، القاهرة 1980م، صـ17)

وبدا واضحا أن مصادر جديدة للوعي تكونت واستقرت، فأصبح المصري يتلقى ثقافته من نظام تعليمي لا يرتبط بالشكل الديني مثلما كان في السابق، وصارت الصحافة تقدم له الوجه السياسي للأمة، وهي تعرض المشاكل والحلول في الأغلب من منظور لا يرتبط بالدين من قريب أو بعيد، وظهر زعماء يدين لهم المصري أينما كان بالولاء، هؤلاء الزعماء ارتبطوا بالفكر الأوروبي وأصبح سعيهم يتجه إلى تمثل القيم والأساليب الأوروبية بشكل واضح.

على الرغم من انسحاب الفكر الإسلامي من الساحة المصرية، والمد المستمر للفكر الغربي، لم يكن هناك صدام واضح على السطح، لكن أنصار الفكر الغربي بدءوا يتحولون إلى مهاجمة "الإسلامي" بشكل سافر، سواء في نظمه أو عقائده، فكان كتاب "اليوم والغد" لسلامة موسى وكتاب "الخلافة وسلطة الأمة" الذي ترجمه عن التركية متصرف اللاذقية السابق عبد الغني سني، ثم كان كتاب الشيخ علي عبد الرازق، "الإسلام وأصول الحكم" وهو محور معركة مازالت أحبار المطابع تسيل فيها حتى الآن

وكذلك كتاب طه حسين "في الشعر الجاهلي" الذي كان محاضرات ألقاها على طلبة السنة الأولى في كلية الآداب خلال عام دراسي سابق على تاريخ صدوره في عام 1926م، وهكذا بدا واضحا لأصحاب الاتجاه الإسلامي أن عملية التحول غير مقصود بها تطوير نظم حديثة بقديمة أو فتح آفاق جديدة للمجتمع من خلال استحداث أو بالأدق استبدال أساليب الإدارة والحكم والتعليم التي صارت غير قادرة على الاستجابة للمتغيرات الجديدة المطلوبة زرعها في المجتمع، بل صار المطلوب – سواء بوعي أو بلا وعي - القضاء على تراث الأمة وعقيدتها.

وإزاء هذه الصورة كان الإمام حسن البنا من الشباب الذين اصطدموا بما أسماه "مظاهر التحلل والبعد عن الأخلاق الإسلامية"

الإمام حسن البنا

وكذلك

"ما كان ينشر في بعض الجرائد من أمور تتنافى مع التعاليم الإسلامية ومن جهل بين العامة بأحكام الدين، ثم يصف حالة التحلل الفكري التي أصابت المجتمع القاهري بعد الحرب العالمية الأولي "اشتد تيار موجه نحو التحلل في النفوس وفي الآراء والأفكار باسم التحرر العقلي، ثم في المسالك والأخلاق والأعمال باسم التحرر الشخصي فكانت موجة إلحاد وإباحية قوية جارفة طاغية لا يثبت أمامها شيء".

وعن الجامعة المصرية يقول

"وكان للبحث الجامعي والحياة الجامعية حينذاك في رؤوس الكثيرين صورة غريبة، مضمونها أن الجامعة لن تكون جامعة علمانية إلا إذا ثارت على الدين وحاربت التقاليد الاجتماعية المستمدة منه، واندفعت وراء التفكير المادي المنقول عن الغرب بحذافيره وعرف أساتذتها وطلابها بالتحلل والإنطلاق من كل القيود"،

ويصف الحالة الفكرية

"وظهرت كتب وجرائد ومجلات كل ما فيها ينضح بهذا التفكير الذي لا هدف له إلا إضعاف أثر أي دين أو القضاء عليه في نفوس الشعب لينعم بالحرية الحقيقية فكريا وعمليا في زعم هؤلاء الكتاب والمؤلفين وجهزت "صالونات" في كثير من الدور الكبيرة الخاصة في القاهرة يتطارح فيها زوارها مثل هذه الأفكار، ويعملون بعد ذلك على نشرها في الشباب في مختلف الأوساط"،

وكان لا بد من رد من جانب المعسكر الإسلامي على حد تعبيره، ونفث بهذا الهم لبعض من كان يتردد عليهم من أمثال محب الدين الخطيب والشيخ الدجوي ومازال بهم حتى توصلوا لإصدار مجلة "الفتح" الإسلامية، ومع ذلك لم ير الإمام حسن البنا في ذلك أمرًا شافيا وكافيا فكان تحركه هو بعد ذلك لتكوين جماعة "الإخوان المسلمون". حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، زكريا سليمان بيومي المرجع السابق، صـ60-64

المظاهر الغربية في الجانب الاجتماعي

تغير وجه مصر من الناحية الاجتماعية خلال القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين تغيرا جذريا، فمنذ الصدمة التي تلقاها النظام الاجتماعي على يد الحملة الفرنسية حيث كان قبلها نظاما مستقرًا في شكله تسيطر عليه صفوة عسكرية ممثلة في المماليك

بدأ هذا الشكل في الزوال تدريجيا مع قيام محمد علي بمذبحة القلعة، ثم استيلائه على الأوقاف المخصصة للمشايخ وترتيب رواتب لهم، وإنشائه التعليم المدني بجوار التعليم الأزهري، وإدخاله المشروعات الصناعية الكبيرة، فأوجد طبقة العمال بجوار الفلاحين وطوائف الحرفيين في الشكل القديم

وكانت حركة التمصير لكافة مؤسسات الدولة من الجيش إلى الوظائف الرئاسية بالمحليات حتى وصل المصريون لمنصب مديري المديريات، وكذلك توليهم القضاء منذ عام 1855م، ودخول الأقباط إلى نسيج المجتمع دون تمايز عن سائر أفراد، فكان إسقاط الجزية عن أتباع الأديان الأخرى عام 1855، وتدريجيا بدأ دخولهم إلى كافة المؤسسات

فدخلوا الجيش وتولوا القضاء ودخلوا إلى المجالس النيابية، وإقرار قبول أبنائهم بالمدارس الأميرية، وتوافق ذلك مع التوسع في إرسالهم بالبعثات العلمية بشكل أوسع من ذي قبل،كان لهذه المتغيرات المتتابعة أثرها في إعادة تشكيل المجتمع، سواء من حيث طبقاته أو علاقاته الاجتماعية بشكل لم يحدث بمصر منذ عدة قرون.

ثم تعرضت مصر بعد الحرب العالمية الأولي لمؤثرات ذات تأثير مباشر على تقاليد المجتمع، فقد وفدت مع الجيوش الأجنبية مجموعات غير قليلة من أجناس أخرى تخصصت في الترفيه عن الجنود، وباسم الترفيه انتشرت بارات الخمر ونوادي القمار ودور البغاء، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها ورحل الجنود الأجانب، استمرت وسائل الترفيه منتشرة في أنحاء مصر تعمل عملها بين طبقات المجتمع المصري وذلك لاختفاء العنصر الذي قامت من أجله.

ومن جانب آخر جذبت هذه الجيوش عددًا كبيرا من الفلاحين للعمل معهم في المدن، فحدث نوع من الهجرة الداخلية للعمل بصورة أو بأخرى مع هذه الجيوش، ومع انتهاء الحرب تحول قدر غير قليل منهم إلى نطاق العمل فاتسعت بالتالي الطبقة العمالية، وعاد البعض للريف، ولكن كانوا جميعا قد تأثروا بالجنود الأجانب وأساليبهم في الترفيه عن أنفسهم، فنقلوه بدورهم لمن انضموا إليهم سواء من العمال أو الفلاحين.

وعلى مستوى الطبقة الثرية (الأعيان)، كان الاتجاه لمحاكاة المجتمعات الأوروبية، من الاختلاط بين الجنسين والاحتفال برأس السنة الميلادية، واتباع الأساليب الغربية في المأكل والملبس وحتى في معاملة كل جنس للجنس الآخر، وصار من لا يتقن هذه الأساليب متهم بالتخلف والرجعية، ودعم ذلك بدء رسوخ قدم السينما المصرية التي شجعت هذا الاتجاه ورسخته في المجتمع بسبب الإقبال الجماهيري عليها.

وقد عبّر الإمام حسن البنا عن هذه المتغيرات بقوله

"وفي هذه الفترة التي قضيتها بالقاهرة اشتد تيار موجة التحلل في النفوس والآراء والأفكار باسم التحرر العقلي، ثم في المسالك والأخلاق والأعمال باسم التحرر الشخصي، فكانت موجة إلحاد وإباحية قوية جارفة طاغية.."

وقد زاد من إدراك الإمام البنا بأثر هذه المتغيرات احتكاكهمبكرا مع البعثات التبشيرية، حينما نزلت إحدى هذه البعثات ببلدته المحمودية واستقرت بها، وعملت على التبشير بالمسيحية في ظل التطبيب وتعليم التطريز وإيواء الصبية من بنين وبنات، فكوّن البنا مع آخرين جمعية الحصافية الخيرية "لتعمل على مكافحتها وإبطال دعواها إلى المسيحية".

ولدراسة استجابة الجماعة للتحديات السابق ذكرها،كان لابد من دراسة استجابة مؤسسها لها، وذلك من حيث أن قيام الجماعة ومسيرتها في مراحلها الأولى ارتبطت به شخصيا، ومن ثم فلا مناص – في ظل واحدية التأسيس والقيادة والتوجيه - أن تدرس المؤثرات التي انفرد بها الامام، ودفعت به للقيام بتأسيس الجماعة، والسير به في خصوصية وتميز عن سائر التجمعات المعروفة في هذا الوقت.

ومن جانب آخر، إن وصف البناء الفكري لجماعة الإخوان المسلمين بشكل نظري أو طرح محدد المعالم من خلال كتابات رجالها وحسب، قد يكون شكلا غير دقيق من أشكال التوصيف، وهذا لأن الجماعة لم ترتض لنفسها منذ البداية أن تكون جماعة فكرية، فتتفرغ للتنظير الفكري، كما لم تقنع بأن تنفذ أفكار الآخرين دون أن تضعها في إطارها الخاص بها، والإصرار على خاصية التميز الفكري والحركي عما عداها، لذا وجب البحث فيهما معا بما يحقق ما يمكن من مصداقية التوصيف.

أولا: الإطار المرجعي لفكر جماعة الإخوان المسلمين

يكاد يجمع كل من كتب عن الجماعة على وصفها أنها "حركة إسلامية" وهذا هو الوصف الذي حرصت الجماعة على ترسيخه حتى صار مسلمة بديهية عند الأكثر الأعم من الباحثين، وقد كان هذا الوصف الذي أصر عليه الإمام المؤسس في كتاباته، وكذلك كتابها ومفكروها، ولكن يتبقى التعريف بمضمون هذا الوصف الذي ميزالجماعة عن غيرها.

يصف الإمام المؤسس دعوة الإخوان بقوله "دعوتنا دعوة أجمع ما توصف به أنها إسلامية"، وهذا ما تم إقراره في قانونها ونظامها الأساسي في مختلف المراحل، فنرى في بيان جماعة الإخوان عام 1937م تحت عنوان نظام الجمعية: "ولجمعية الإخوان المسلمين نظام إداري خاص بها أقرب ما يشبه به أنه مدرسة شعبية عامة منهجها كتاب الله ومبادئ الإسلام الصحيح"، بيان موجز للإخوان المسلمين، مجلة جريدة الإخوان الأسبوعية العدد (4)، السنة الخامسة 1356هـ/ 1937م.

وكذلك القانون الأساسي للجماعة والذي تم إقراره بصورة نهائية في 21 مايو 1948م، وفيه "مادة (2) – الإخوان المسلمون هيئة إسلامية جامعة تعمل لتحقيق الأغراض التي جاء من أجلها الإسلام الحنيف". وقد حرص الإمام المؤسس على تحديد ما هو مفهوم الإسلام الذي تريد أن تتحاكم إليه الجماعة؟

كما لم يترك رحمه الله مناسبة إلا وأكد فيها هذا المفهوم، حيث يقول:

"نعتقد أن الإسلام معنى شامل ينتظم شؤون الحياة جميعا، ويفتي في كل شأن منها ويضع له نظاما محكما دقيقًا"، ويوجه اللوم لهؤلاء الذين تمسكوا بجزء من الإسلام وصوروه على أنه الدين كله، أو نصوا على الاحتراز من جانب من جوانبه، مثل الطرق الصوفية والجمعيات الإسلامية مثل جمعية الشبان المسلمين، التي نصت مع غيرها من الجمعيات الإسلامية على أنه لا شأن لهم بالسياسة

بل إن الإمام حسن البنا استخدم تعبير "إسلام الإخوان المسلمين" وذلك ليضع إطار فهم الإخوان له الذي يميزه عن الجمعيات الأخرى، والطرق الصوفية، وغيرهم من أنصار المجتزئين من الإسلام أو المضيفين إليه ما ليس منه، ويضعه في صدر مبادئه التي يلتزم بها أعضاء الجماعة، وأول بند في ركن الفهم في رسالة التعاليم، خلاصته هو الأخذ بالإسلام كله دون اجتزاء أو احتراز.

وقد حددت الجماعة المصادر الأساسية التي يتم فهم الإسلام من خلالها في النظر مباشرة إلى الأصول الأولى،فكان القرآن الكريم هو الكتاب الجامع المحدد لفهم الجماعة، جمع الله فيه أصول العقائد وأسس المصالح الاجتماعية، وكليات الشرائع الدنيوية، ويفهم القرآن الكريم طبقا لقواعد اللغة العربية من غير تكلف ولا تعسف، ثم سنة رسول اللهصلى الله عليه وسلمفهي مبينة الكتاب وشارحته، ويرجع في فهم السنة النبوية إلى رجال الحديث الثقات.

أما التراث الفكري والفقهي، فقد تحفظت تجاهه، ففي مجال النظم الإسلامية اعتبرتها آراء تحمل لون العصور التي أوجدتها والشعوب التي عاصرتها، لذا وجب على الأمة أن تعود في فهم الإسلام إلى فهم الصحابة والتابعين الأوائل، وأن تقف الأمة عند هذه الحدود حتى لا تقيد الأمة نفسها بغير ما يقيدها الله به، وتلتزم لون عصر لا يتفق مع عصرنا

وعلى هذا الوجه فإن الإخوان يرون أن الإسلام كدين جاء لكل الشعوب والأزمان، جاء أكمل وأسمى من أن يعرض لجزئيات هذه الحياة وخصوصا في تفريعات الحياة الدنيوية البحتة، إنما يضع القواعد الكلية لكل شأن من الشؤون

أما بالنسبة للأفراد، فإن الجماعة تدعو إلى فتح باب النظر في أدلة الأحكام لمن توفرت فيه القدرة العلمية، وهي بذلك تنادي بالاجتهاد ولكن بشروطه المعتبرة عند أهل التخصص، وحتى لا تقع الأمة في الفوضى الفقهية ألزمت كل من ليس له قدرة الاجتهاد أن يتبع إماما من أئمة الفقه، اتباعا مبصرا، فيتعرف ما استطاع من الأدلة التي أدت إلى الحكم عند إمامه

وبعد ذلك كله تقرر الجماعة قاعدة "نعتقد أن الإجماع على أمر واحد في فروع الدين مطلب مستحيل، بل هو يتنافى مع طبيعة الدين" .. واستكمالا لهذا الاعتقاد يقررون "والخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سببا في التفرق في الدين، ولا يؤدي إلى خصومة ولا بغضاء ولكل مجتهد أجره" .

والإخوان يرون أن هناك اعتبارا يجب النظر إليه بجانب استكمال القدرة العلمية للوصول إلى درجة الاجتهاد، فيوجهون الأنظار لما أبداه الإسلام من عناية بعلاج النفس الإنسانية، وهي مصدر النظم ومادة التفكير والتصوير، فعمل على زجرها عن الجور والعدوان وتطهيرها من الهوى والغرض وهدايتها إلى الكمال والفضيلة، وقد كانت النفوس التي صاغها الإسلام في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلممثالا يحتذى، ولهذا فإن طبيعة الإسلام تساير العصور والأمم ولا تأبي أبدًا الاستفادة من كل نظام صالح لا يتعارض مع قواعده الكلية وأصوله العامة.

وفي ظل هذه المرجعية الفكرية، كان دأب الإمام المؤسس أن يضبط ألفاظ الخطاب الإخواني في هذا الإطار، وكان يقظا لاختلاف المفاهيم في الساحة الفكرية فيقول

"قد تتحدث إلى كثير من الناس في موضوعات مختلفة فتعتقد انك قد أوضحت كل الإيضاح وأبنت كل الإبانة، وإنك لم تدع سبيلا إلى الكشف عما في نفسك إلا سلكتها، حتى تركت من تحدثهم على المحجة البيضاء وجعلت لهم ما تريد بحديثك من الحقائق كفلق الصبح أو كالشمس في رابعة النهار كما يقولون، وما أشد دهشتك بعد قليل حين ينكشف لك أن القوم لم يفهموا عنك ولم يدركوا قولك".

ويذكر رحمه الله أن السبب في ذلك إما أن المقياس مختلف بين الأطراف المتحاورة أو أن القول في ذاته ملتبس غامض وإن اعتقد صاحبه أنه واضح مكشوف، وبالرغم من أن الإمام جعلالمقياس هو القرآن الكريم والميزان هو الإسلام، فإنه أمام ظاهرة أن الحياة الثقافية المصرية في تلك الفترة قد تلبست بروح الثقافة الأوروبية، وكانت مقاييسها جد مختلفة، بل قد نصل إلى القول أن المقياس نفسه – وليس القول فقط- الذي التزم به الإخوان غامض على كثير من المثقفين المصريين في هذه الفترة، فإن هذا الوضع أيضا لم يكن خافيا على المؤسس

حيث يقول

"يستخدمون الألفاظ التي تداولها المؤرخون لمسميات ذلك العصر – عصر النهضة الأوروبية – فيقولون رجال الدين والسلطة الروحية...، ولعل هذا اللبس اللفظي هو الذي جعلهم يتورطون في تشبيه النظم الإسلامية بغيرها من النظم وواجبنا أن نرفع عن أعينهم حجاب الوهم، ونوضح لهم هذا العبث اللفظي، وخداع العناوين التي وضعها مؤرخو أوروبا لذلك العهد
وأمام ذلك حاولت الجماعة أن تصل إلى تصورات فكرية مشتركة مع الأفكار الأخرى، هذا من ناحية، وفي نفس الوقت أن تعيد تقديم الإسلام مستخدمة الألفاظ والمصطلحات السائدة، وذلك بعد أن تحدد مدلول هذا اللفظ بما لا يتنافى مع إطارها المرجعي.

الثوابت الفكرية وأهداف جماعة الإخوان

المقصود من الثوابت هو الأطر الفكرية التي اعتمدتها الجماعة للتعامل مع المواقف المختلفة لكل مجال من المجالات التي شاركت فيها بنشاط أو رأي، أما الأهداف فهي التي اجتهدت الجماعة للوصول إليها، سواء بوضع المناهج والخطط العملية لذلك، أو أرجأت ذلك إلى حين.

أولا: الثوابت في البناء الفكري

الإمام حسن البنا في أول دعوته

مجال الفكر والثقافة:

أدركت الجماعة منذ البداية خطورة هذا المجال، سواء على مستوى الفكر الإسلامي المعاصر أو مستوى الهوية الثقافية للأمة، فعلى مستوى الفكر الإسلامي وجهت الجماعة جهدها إلى نفي نقاط الخلاف في الأمور الفرعية، والترويج لقاعدة "نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه"، وقد اجتهدت الجماعة في وضع صياغات توفيقية في الأمور التي اختلفت فيها التجمعات الإسلامية الموجودة بمصر

فقد نشرت الجماعة هذه الصياغات تحت عنوان "آراء واقتراحات مرفوعة إلى شيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء وإلى رجال الجماعات الإسلامية والفكر الإسلامي"، وذلك في أغسطس عام 1942 في مجلة الإخوان المسلمين النصف شهرية، ثم اعتمدت في تربية أعضاء الجماعة تحت اسم "الأصول العشرين" ووضعت بكاملها في رسالة التعاليم تحت ركن الفهم، وفيها محاولة غير مسبوقة في مضمار التوفيق بين الصوفية والجمعيات الإسلامية من أمثال الجمعية الشرعية وأنصار السنة المحمدية ورجال الأزهر

وقد نجحت هذه المحاولة في جذب عناصر من هذه الاتجاهات، بالإضافة إلى إيجاد علاقة تعاون مع بعض الممثلين لهذه الاتجاهات مثلما كان مع الجمعية الشرعية والشبان المسلمين، ومع الأزهر في بعض الأوقات، وكذلك مع بعض الطرق الصوفية.

وفي مضمار الفكر الإسلامي - أيضًا - عملت الجماعة على فض الاشتباك بين السنة والشيعة، فاشتركت في تأسيس جمعية التقريب بين المذاهب، وقد كان على رأسها أحد علماء الشيعةهو الشيخ تقي الدين قمي من علماء الشيعة بإيران.

كما فتحت الجماعة الباب لبعض علماء الشيعة للكتابة في مجلات الإخوان، وإن كانت هذه المحاولة لم تلق نفس القدر من النجاح، إلا أنها أوجدت صلة وثيقة بين الشيعة الإثنا عشرية والإباضية والزيدية وبين الجماعة، وقد التقى الإمام حسن البنا في مكة بآية الله كاشاني عام 1948م، ودار بينهما حوارات عديدة وكان الاتفاق أن يلتقيا في العام التالي لولا اغتيال الإمام الشهيد.

وحول علاقات الإخوان بالإباضية ورأى الإمام البنا فيهم انظر – مجلة الشباب – من أدب الخوارج - العددان الرابع والخامس من السنة الأولى مارس 1948 .وقد كان الإطار الفكري الذي كان نبعا لممارسات الجماعة هو ضرورة التوحد في مواجهة الأخطار المحيطة بالأمة، فإن كان ذلك بعيد المنال فلا أقل من التعاون الوثيق في ظلال قاعدة التعاون في المتفق عليه المذكورة أنفا.

وفي ظل المرجعية الفكرية للإسلام، كان مطلب الجماعة الدائم أن تسود الفكرة الإسلامية حتى تؤثر في كل الأوضاع وتصبغها بصبغة الإسلام، وأن يكون منهج التفكير استقلاليا يعتمد على أساس الإسلام، فعقيدته ونظمه ولغته وحضارته هي ميراث الأمة وصبغتها، فلغتها عربية، وأسماؤها إسلامية، والأزهر أقدم جامعة في قلبها تحوطه وترعاه،

وعلى صعيد آخر رأت الجماعة أن الإسلام ألزم العقل البشري نمطا مستحدثا في التفكير، يجمع بين الإيمان بالغيب والانتفاع بالعقل، وذلك لأن بني الإنسان يعيشون في عالمين فعلا لا في عالم واحد، فالإسلام يقرر حقيقة العالم الغيبـي، ويوضح صلة الإنسان بالله رب الكائنات جميعا، وبالحياة الآخرة بعد هذه الحياة، ويجعل الإيمان بالله أساس صلاح النفس

ويصف ذلك العالم الغيبـي المجهول وصفا يقربه إلى الأذهان ولا يتنافى مع بديهيات العقول، وهو مع هذا يقرر فضل هذا العالم المادي وما فيه من خير للناس لو عمروه بالحق وانتفعوا به في حدود الخير، ويدعو إلى النظر السليم في ملكوت السماوات والأرض، ويعتبر هذا النظر أقرب إلى معرفة الله (حسن البنادعوتنا في طور جديد)

وبناء على هذا الفهم، يصبح التعارض بين الشرع والعقل مستبعد، وإن حدث فالقاعدة المعيارية قائمة في فكر الجماعة وهي إنه لن تصطدم حقيقة علمية صحيحة بقاعدة شرعية ثابتة، ويؤول المظنون منهما ليتفق مع القطعي، فإن كانا ظنيين فالنظر الشرعي أولى بالاتباع حتى يثبت العقلي أو ينهار.

وفي ضوء هذا الفهم كذلك نظر الإمام المؤسس إلى حركة التاريخ وصعود وهبوط الحضارات، واعتبر أن مهذه الحركة لا تخرج عن كونها سنة من سنن الله في حياة الأمم، فقد كانت قيادة الدنيا في وقت ما شرقية بحتة، ثم صارت بعد ظهور اليونان والرومان غربية، ثم نقلتها النبوات الموسوية والعيسوية والمحمدية إلى الشرق مرة ثانية، ثم غفا الشرق غفوته الكبرى ونهض الغرب نهضته الحديثة، وورث الغرب القيادة العالمية،ولكنه بدأ يجور ويطغى، ومن ثم لم يبق إلا أن تمتد يد شرقية لتنهض بالأمة تحت راية القرآن، وتتسلم قيادة العالم من جديد

وقد استدل الإمام المؤسس من دراسته هذه، لأسباب حدوث التداول، فالأمة تقوى متى حددت غايتها وعرفت مثلها الأعلى، ورسمت منهاجها وصممت على الوصول إلى الغاية وتنفيذ المنهاج ومحاكاة المثل الأعلى مهما كلفها ذلك من تضحيات، وهذه الشروط لا تتعلق بدين الأمة أو جنسها، ومن ثم متى نسيت أمة غايتها، وضلت عن منهاجها، وتجاهلت مثلها الأعلى

وآثرت الإغراق في الترف والمتعة والقعود عن الواجب، فإنها لا تزال تضعف حتى تتجدد أو تبيد، وفي الإسلام غناء لهذه الأمة، ففيه تتوفر شروط النهضة ورصيد التجربة التاريخية، بالإضافة إلى أنه صار جزءا من وجدان الأمة.

كما حرص الإمام البنا على تحديد موقف الجماعة، من التجديد في الأدب العربي، وقد أكد في هذا الخصوص أن التطوير والتجديد ضرورة في ضوء تطور الأمة، ويجب أن يتلاءم مع روح العصر ويستفيد من تجارب الأمم العصرية، ولكن هذا لا يعني بحال ما أخذ به المحدثون من الإسراف في التقليد للغرب، سواء ما تستر بحرية البحث والفكر ليهدم العقائد وقواعد الأخلاق، أو الزراية بالإسلام وتراثهم الأدبي

ففي هذا المنحى هدم لا تجديد، ومن ثم اقترح أسسا يسير عليها التجديد، وذلك أن يكون الابتكار في المعاني والموضوعات، بحيث يرتبط الأدب بالحياة وخدمة الأخلاق الفاضلة، وتمجيد السلف، ويكون الأدب بذلك صلة بين العقول والعواطف ورابطة بين الشعوب الناطقة بالعربية.

أما في مجال الفنون، فالفن عند الإخوان هو الذي يصور جمال هذا الوجود، والفنان هو المخلوق الحساس والمرآة الصافية التي تنعكس عليها آمال هذا الوجود وآلامه، ومن ثم فإن للفن رسالة سامية سواء من خلال لوحة، أو قطعة موسيقية أو قصة سينمائية أو مسرحية، فهو يؤدي رسالة تهذيبية تهدي إلى البر والهدي، ولا يكفي أن يكون ترجمان الحاضر بل هو يرسم صورة المستقبل المنشود، ويسمو بالإنسانية إلى أفقها الأعلى

أما دعوى "الفن للفن" أو "الجمهور يريد" أو حرية الفن ر" في التعبير بلا ضوابط أو قيود"، فكل هذا مستورد من صورة الفن في الغرب، والفن لا بد أن يرتبط بالبيئة وبأخلاق مجتمعه وقيمه، فدور الفن والفنان يجب أن يكون خلاف دورهما في أوروبا، والدور المنوط بهما هو بعث الأمة وإحيائها، وزفرة الفنان الملهم الذي يئن أو يبتسم لأداء رسالة الفن تكتب لفنه الخلود

(حسين محمد يوسف: مقال الفنون الجميلة والإسلام، مجلة التدبير، العدد (32)، السنة الأولى 1357هـ/1938م، عبد العزيز كامل : مقال الإسلام كدعوة عالمية – الفن – مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (149)، 1366هـ/ 1947م، أحمد أنس الحجاجي: مقال هذه الفنون في السينما والإذاعة والأغاني، جريدة الإخوان المسلمين، العدد (2) السنة الأولى 1946.)

المجال الاجتماعي:

في هذا المجال لابد من الإجابة على عدة أسئلة، منها يتكون الإطار الفكري للمجال الاجتماعي في رؤية الدعوة التي حددتها.

أولا: ما هو مفهوم المجتمع ؟ هل هو المجتمع المصري؟ أم العربي؟ أم الإسلامي؟

نظرت الجماعة دوما إلى التقسيمات السياسية الحديثة في عالمنا العربي والإسلامي على أنها صنيعة مؤامرة استعمارية، ومن ثم كان خطابها متوجها إلى الأمة المصرية باعتبارها الدائرة الأقرب في إطار عملها الوطني ، وأن العالم العربي هو مستقر الحضارة الإسلامية، وأن "ذل العرب ذل للإسلام"، والعالم العربي في فهم الجماعة هو كل الشعوب الناطقة بالعربية،

وقد استخدم الإمام المؤسس لفظ الشرق كمرادف لمفهوم العالم الإسلامي الذين من أكد واجباتها (الجماعة) التواصل معه ومناصر قضاياه وإحياء وتنمية وتقوية الشعور بمفهوم الأمة الواجدة، وهو شعور "القومية الإسلامية" ، فالإسلام جنسية ووطن في رؤية وفكر الدعوة.

ثانيا: ما هو موقف الجماعة من هذا المجتمع؟ وما هو موقف الجماعة من غير المسلمين الذين يعيشون فيه من أبنائه أو من الأجانب؟

انطلاقا من توصيف الجماعة للواقع المجتمعي الذي كان وما زال سائدا إلى حد ما، من أن المجتمع في واد، وتعاليم الإسلامية في واد آخر، سواء في القوانين أو العادات أو البيوت، وأن كثيرا من مظاهر الحياة تتجه بعيدًا عن التعاليم السماوي

وبالرغم من هذا الواقع،فقد حرصت الجماعة على ضبط المصطلحات في وصف ذلك، فكان قول الإمام المؤسس "الفرق بيننا وبين قومنا بعد اتفاقنا في الإيمان بهذا المبدأ (يقصد العمل لنصرة الإسلام والالتزام به) أنه عندهم إيمان مخدر نائم في نفوسهم.." أما عند الجماعة "إنه إيمان ملتهب مشتعل قوى يقظ في نفوس الإخوان المسلمين"

لذلك فكان قول الإخوان دائما:

"لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان أو نستكين لليأس، فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا، فنحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب ولن نكون عليكم يوما من الأيام".

وحتى لا يتم ترك أي باب للتأويل أو الفهم الخاطئ، تم النص في أصول فهم الإسلام لدي الدعوة على "لا نكفر مسلما أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاها وأدى الفرائض برأي أو معصية – إلا إن أقر بكلمة الكفر أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن، أو فسر على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر".

أما غير المسلمين في المجتمع فيصف د. عماد حسين محمد – أستاذ التاريخ المعاصر فهم وطريقة تعامل الجماعة معهم بالقول

" إلتزم الإخوان معهم أسلوب حسن المعاملة، وضم حسن البنا ثلاثة من أقباط مصر لهيئة سياسية استشارية كونها للجماعة، وحاولوا أن يقنعوا الجميع أن الإخوان ملتزمون بالقاعدة القرآنية ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾.
وعملوا على إسكات بعض الكتاب المسيحيين الذين طعنوا في الجماعة وشككوا في أفكارها بمراسلة بطريرك الأقباط ليعمل على إسكات الفتنة (رسالة من الجماعة إلى بطريرك الأقباط، الإخوان المسلمين اليومية 14 مايو 1946 – العدد (8) السنة الأولى)، كما فتحوا صفحات مجلاتهم للمسيحيين يكتبون فيها ردًا على الطاعنين
وإن كان الأمر لم يخل من بعض المقالات الإخوانية المستفزة التي تذكر بالحروب الصليبية، أو تشير إلى إسلام أحد النصارى بعد مقارنته بين الأديان، ولا يعتقد الباحث أن الجماعة استطاعت أن تزيل الشكوك الكامنة في صدور المسيحيين المصريين أو غير المصريين، وليس ذلك بسبب الخوف من قواعد في الشريعة الإسلامية، أو مبادئ إخوانية، ولكن الرصيد التاريخي هو العامل الأساسي في هذه الشكوك".(انتهى) .

ثالثا: موقف الإخوان من العرف العام والتقاليد الاجتماعية.

وجدت الجماعة - في بداية بناء مشروعها - أمامها ظاهرة أن كثيرا من مظاهر الحياة الاجتماعية قد تغيرت، وان الطبقة التي ينتمي لها كبار رجال الدولة وموظفيها تتجه في عاداتها ومظاهر حياتها اتجاها أوروبيا، وأبناؤهم في مدارس " الإرساليات الأجنبية أو ما شابه"، وأنهم وزراء وحكام المستقبل، والشعب ينظر إلى هؤلاء ويقتدي بهم، وكل هذا يمثل احتلالا اجتماعيا هو أشد في تأثيره من الاحتلال العسكري، وذلك لأن الأخير لابد زائل طال الزمن أو قصر، أما الأول فقد أنبت و ترعرع في نفوسنا وأرواحنا

وفي مواجهة ذلك أخذت الجماعة في معالجة هذه الظاهرة فكريا اولا، بتفنيد اساسها بتقرير مبدأ أن "العرف الخاطئ لا يغير حقائق الألفاظ الشرعية، بل يجب التأكد من المعاني المقصود بها، والوقوف عندها، كما يجب الاحتراز من الخداع اللفظي في كل نواحي الدنيا والدين، فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء"

وأن هذا المبدأ ينسحب أيضًا على كافة المظاهر الاجتماعية، سواء كانت وافدة أو موروثة، وعلى ذلك يجب على الأمة أن تعمل على أن تكون كل المظاهر الاجتماعية مما يتفق وآداب الدين ويساير تشريع الإسلام وأوامره.

ثانيا:أسباب تدهور أوضاع العالم الإسلامي في فكر الإخوان المسلمين

الإمام البنا يبين للناس في إحدي المظاهرات

أمام الحالة التي كانت عليها الأمة الإسلامية بصفة، فقد حرص الإمام المؤسس - بعد دراسات عميقة ومتشعبة - على تحديد الأسباب التي أدت إلى تدهور أوضاع العالم الإسلامي – بما فيه مصر بطبيعة الحال

في العوامل التالية:

‌#الخلافات السياسية والعصبية وتنازع الرياسة والجاه. ‌#الخلافات الدينية والمذهبية والإنصراف عن الدين كعقائد وأعمال إلى ألفاظ ومصطلحات ميتة، والولع بالجدال والمناظرات وإهمال كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلموالجمود والتعصب للأراء. ‌#الإنغماس في ألوان الترف والنعيم، والإقبال على المتعة والشهوات. ‌# انتقال السلطة والرياسة إلى غير العرب من الفرس والديلم تارة، والمماليك والأتراك تارة أخرى، وهم لم يتذوقوا طعم الإسلام الصحيح لصعوبة إدراكهم لمعانيه. ‌#إهمال العلوم العملية والمعارف الكونية وصرف الأوقات وتضييع الجهود في فلسفات نظرية عقيمة وعلوم خيالية سقيمة.

  1. غرور الحكام بسلطانهم والانخداع بقوتهم وإهمال النظر في التطور الاجتماعي للأمم من غيرهم حتى سبقتهم في الاستعداد وأخذتهم على غرة.

‌#الانخداع بدسائس المتملقين من خصومهم والإعجاب بأعمالهم ومظاهر حياتهم والاندفاع في تقليدهم فيما يضر ولا ينفع.

وإضافة إلى هذه الأسباب فقد طغت في الامة بعض الظواهر التي لازمت سيطرة المدنية الغربية الحديثة على مجتمعات العالم الإسلامي وأبرزها:

  1. الإلحاد والشك في الله، وإنكار الروح ونسيان الجزاء الأخروى والوقوف عند حدود الكون المادي المحسوس.
  2. الإباحية والتهافت على اللذة، وإشباع الشهوات والإغراق في الموبقات إغراقا يحطم الأجسام والعقول، ويقضى على نظام الأسر في المجتمع.
  3. الأثرة في الأفراد، فكل إنسان لا يريد إلا خير نفسه، وفي الطبقات، فكل طبقة تتعالى عمن سواها وتود أن تحظى بالمغانم دونها، وفي الشعوب، فكل أمة تتعصب لجنسها وتنتقض غيرها وتحاول أن تلتهم من هي أضعف منها.
  4. الربا والاعتراف بشرعيته واعتباره قاعدة التعامل، والتفنن في صوره وضروبه، وتعمقه بين الدول والأفراد.

وقد أورث هذا كله في الأمم الإسلامية داء متشعب المناحي كثير الأعراض، فهي مصابة من ناحيتها السياسية بالاستعمار من جانب أعدائها، والحزبية والخصومة والفرقة من جانب أبنائها، وفي ناحيتها الاقتصادية بانتشار الربا بين كل طبقاتها، واستيلاء الشركات الأجنبية على مواردها وخيراتها، وهي مصابة من ناحيتها الفكرية بالفوضى والمروق، والإلحاد يهدم عقائدها ويحطم المثل العليا في نفوس أبنائها

وفي ناحيتها الاجتماعية بالإباحية في عاداتها وأخلاقها والتحلل من عقدة الفضائل الإنسانية التي ورثتها عن أسلافها، وبالتقليد الغربي يسري مناحي حياتها، وبالقوانين الوضعية التي لا تزجر مجرما ولا تؤدب معتديا ولا ترد ظالما، ولا تغني يوما من الأيام غناء القوانين السماوية، وبفوضى في سياسة التعليم والتربية تحول دون التوجيه الصحيح لنشئها ورجال مستقبلها وحملة أمانة النهوض بها، وفي ناحيتها النفسانية بيأس قاتل وخمول مميت وجبن فاضح وخنوثة فاشية تكف الأيدي عن البذل وتقف حجابا دون التضحية .

أما الإسلام فقد صار أمره مجرد مظاهر خادعة فالمساجد الشامخة لا يعمرها إلا الفقراء والعاجزون، وأيام تصام كل عام تكون موسما للتعطل والتبطل، والطعام والشراب ومظاهر فارغة من مسابح وملابس، ولحي ومراسم وطقوس وألفاظ وكلمات، وما لهذا نزل القرآن وأرسل رسول الإسلام.

وانتهت الجماعة في خلاصة دراستها في حينها إلى

" أن الحضارة الغربية بمبادئها المادية قد انتصرت على الحضارة الإسلامية بمبادئها الجامعة للروح والمادة معا في أرض الإسلام نفسه، وفي حرب ضروس ميدانها نفوس المسلمين وأرواحهم وعقائدهم وعقولهم، كما انتصرت في الميدان السياسي والعسكري ولا عجب في ذلك فإن مظاهر الحياة لا تتجزأ، والقوة قوة فيها جميعا، والضعف ضعف فيها جميعا كذلك، وإن كانت مبادئ الإسلام ظلت قوية جذابة في ذاتها، وستظل كذلك لأنها الحق، ولأنها من صنع الله ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.

وفي نظرة أكثر خصوصية، وصفت الجماعة - بعد دراسة الأوضاع حينذاك - الإخوان الحال في مصر بالعبارات الآتية:

"مطالبنا الوطنية لم نصل فيها إلى شيء، وروح الشعب المعنوية محطمة.. والشقاق والخلاف يملك نفوس القادة والزعماء.. والجهاز الإداري أفسدته المطامع الشخصية، وسوء التصرفات وضعف الأخلاق والمركزية القاتلة والإجراءات المعقدة.. والقانون قد ضعف سلطانه على النفوس والأوضاع لكثرة ما اقتحم عليه من تحليل واستثناءات..
واشتد الغلاء وكثر المتعطلون لقلة الأعمال وانخفض مستوى المعيشة إلى حد لا يكاد يتصوره إنسان، والأخلاق قد انتهى أمرها – أو كاد- وعصف بها الجهل والفقر.. وانتشرت الرذائل ومظاهر الانحلال الخلقي في كل مكان... والأفكار مبلبلة
ولهذا تنفذ لمصر كثير من المبادئ الجديدة تكافح في سبيل استيلائها على النفوس المصرية والقلوب المصرية أشد الكفاح.. فالشيوعية جادة في فرض تعاليمها على أبناء هذا المجتمع، والديمقراطية الاستعمارية الهزيلة تحاول من جانبها أن تقاوم هذا التيار، ويتوسطهم قوم دعوا للاشتراكية ويقف بين هؤلاء جميعا وبين أمتنا الإسلام العتيد".

وسبب هذا الوضع الذي صارت إليه مصر عند الجماعة – أن مصر تعرضت للغزو الأوروبي بجيوشه السياسية ثم العسكرية، ثم بقوانينه ونظمه ومدارسه ولغته وعلومه وفنونه، وإلى جانب ذلك بخمره ونسائه ومتعه وترفه وعاداته وتقاليده، ولم يجد الغزاة منا إلا صدورا رحبة وأدوات طيعة تقبل بلا تمييز، فبدلا من الوقوف عند الإفادة من المعرفة والعلوم وأسباب القوة، أسلمنا لهم قيادتنا وأهملنا عن جهل ديننا، فقدموا لنا الضار وحجبوا النافع من بضاعتهم وزاد من سوء الأمر تفرق الأمة شيعا وأحزابا، فلا نتبين هدفا ولا نجتمع على منهاج.  

المبحث الثاني :الاستجابة

أمام هذا الواقع الذي كانت عليه الأمة عامة ومصر والعالم العربي والإسلامي خاصة والذي مثل التحدي التاريخي الذي أوجب تكوين وتأسيس الجماعة لمواجهته ومعالجته والتغلب عليه وعلى آثاره وتداعياته، كان فضل الله على الإمام المؤسس أن وفقه سبحانه وتعالى إلى هذا التاسيس بعد الدرس والتدريس .

ثم كان الفضل الثاني في إلهام صاحب الأمر سبحانه وتعالى إلى المنهج الصحيح من إجل الإضطلاع بمسئولية هذا التحدي، وهو ما نعرض لأهم ملامحه بصورة موجزه في الصفحات التالية:

شروط النهضة (الاستجابة) عند الإخوان

استخدمت الجماعة مصطلح "النهضة بديلا عن " الإصلاح" في التعبير عن وسائل العلاج لهذا الوضع المتردي سواء للأمة الإسلامية أو الأمة المصرية، وقد وضعت الجماعة شروطا لازمة للنهضة وعلى رأسها عودة المسلمين إلى إسلامهم كما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلموهذا الأمر في ذاته هو جماع الشروط للنهوض بالأمة

وهي في إيجاز:

أولا: في الجانب المعنوي:

إعادة بناء ثقة الأمة بالله وبدينها وبنفسها في مواجهة طغيان موجة الانهزام أمام الحضارة المادية، وتوطيد الفضائل في النفوس وتربيتها على معاني الكفاح والصبر والتضحية، وأن نعرفها أن القوى (الغرب) لن يظل قويا، والضعيف (الشرق المسلم) لن يدوم ضعفه.

ثانيا: الجانب الفكري:

إطلاق العنان للعقل للتفكر في أسرار الكون وإدراك حقائقه وسنة الله فيه، وجعل القلب المؤمن والعقل المفكر صنوان، فالعقل الإنساني هو مناط التكليف الرباني وعماد العقيدة الإسلامية، ولكن يجب أن يظل العقل خاضعا لثوابت الشريعة، مقرا بقصوره أمام خالق الكون ومدبر الأمر فيه، وهذا عند الجماعة لا يوقف عجلة العلم بل يرشدها، والإسلام يجعل طلب العلم فريضة والأخذ بأسباب القوة العلمية واجب شرعي.
ومن جانب آخر نادت الجماعة بإعادة قراءة التراث ونقده (والتراث هو ما تركه السلف من مؤلفات في شتى العلوم من تفسير للقرآن الكريم وعلوم الحديث واللغة والأدب والتاريخ والتصوف والفقه وغيرها..)، وطالبت العلماء بأن يعملوا لإعادة صياغة الكتب القديمة وتصنيف الجديد الذي يفي بحاجة العصر، ومن هذا المنطلق تعتبر الجماعة أن من الشروط اللازمة للنهضة توحيد ثقافة الأمة، فلا يكون بعضها أزهريا تراثيا فقط وبعضها مدنيا غربيا بعيدًا عن الدين، فلابد من وضع صياغة واحدة مشتركة بين الثقافتين.

ثالثا: الجانب السياسي:

الاستقلال عن الاستعمار فلن يسمح الاستعمار، بأي محاولة للنهضة، لذا لا بد من مناجزته بكافة الوسائل، والاستقلال ليس مجرد إخراج عساكره من البلاد ولكن التخلص منه اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، ولتحقيق هذا لابد من وحدة الأمة، وزوال كافة عوامل الفرقة من حزبية أو عصبية، ولم شمل البلدان الإسلامية بالتدرج تحت قيادة واحدة
وهذه القيادة لابد أن تكون متمثلة لرسول الله صلى الله عليه وسلمواعية بدورها في إحياء الأمة، ومواصفات القائد أن يكون رجلا سليم الفطرة طيب النفس، ذكي الفؤاد، خلق لغيره لا نفسه، وأعد ليكون مصلحا كريما، فهو رقيق الحس رقيق الشعور ثائر العاطفة يقظ العقل بعيد الآمال كبير المطامع في الإصلاح، طموح إلى المجد، كل همه أن يكون نافعا لغيره أو أن يدفع الضرر عمن سواه، وأخيرًا عودة الحكم الإسلامي الصحيح للبلاد الإسلامية.

منهج التغيير في فكر الدعوة

يقول الدكتور عماد حسين محمد – أستاذ التاريخ المعاصر

" إن النتيجة الطبيعية لدراسة أفكار الجماعة وتصوراتها عما هو قائم في المجتمع المصري وما يجب أن يقوم فيه تقودنا إلى أن الجماعة تريد أمرًا أعمق من مجرد الإصلاح لبعض نواحي أو مجالات ترى فيها خللا، وأن الجماعة تريد أن تصل إلى شكل آخر للمجتمع وللدولة وللوضع الدولي للعالم الإسلامي، ولهذا يعتقد الباحث أن إطلاق وصف "التغيير" على خطة الجماعة بصورة عامة أدق من وصف "الإصلاح".

وفي السطور التالية نستعرض أوصاف المجتمع المنشود كما تحجث عنها الإمام المؤسس:

  1. إنهم أخوة متحابون، لأن كتاب الإسلام يناديهم ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.
  2. وهم متساوون في الحقوق والواجبات، لأن نبي الإسلام يقرر لهم "أنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى".
  3. وهم سعداء في بيوتهم وأسرهم، لأن دستور الإسلام حدد حقوق كل فرد من أفراد الأسرة وواجباته وبناها على العدل والإنصاف.
  4. وهم فاضلون في أخلاقهم أصحاء في أجسامهم، لأن رسولهم يناديهم في وضوح وجلاء "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "... والمؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف".
  5. وهم جادون في كسب عيشهم مهتمون بدراسة الكون الذي يحيط بهم يتمتعون بما أحل الله لهم من طيبات الحياة ومباهجها، لأن دينهم حبب إليهم الكسب والعمل، ونهاهم عن القعود والكسل، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما أكل أحد قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده".
  6. وهم منصفون في معاملاتهم لا يبغي بعضهم على بعض ولا يظلم أحد منهم أحد.
  7. وهم عارفون بحقوقهم واقفون عند حدودهم، لأن دينهم فصل واجب الحاكم والمحكوم، وبيَّن جزاء الظالم وحق المظلوم، وجعل لكلٍ حدًا يقف عنده ويقول الرسولصلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم".
  8. وهم مشتركون في الخيرات متعاونون على درء المؤذيات، بعضهم لبعض ظهير في اجتياز سبيل الحياة واحتمال ما يعترض الناس فيها من آمال وآلام، ويقولصلى الله عليه وسلم: "حب لأخيك ما تحب لنفسك وأكره له ما تكره لها".
  9. وهم بعد ذلك كله مستعدون لحماية أنفسهم ومبادئهم بعلمهم وقوتهم، مستعدون لأن يعلموا كل إنسان القيام بواجبه بالشدة إن لم يقبل اللين وبالقوة إن لم يرضخ للحق، وبالسيف والسنان إن أبي الحجة والبرهان.

وقد تمثل الإمام المؤسس في تحديد هذه الملامح، مجتمع المدينة "الحلم" في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما يؤكد أن الجماعة ليست مجرد حركة إصلاحية لبعض جوانب المجتمع ولكنها تسعى لتغيير الواقع بأسره من سلوكيات الأفراد إلى نظامه السياسي والقانوني.

والسؤال الذي فرض نفسه بناء على هذه الطبيعة هو موقف الجماعة من النظم التي لا ترى رؤيتهم أو لا تلتزم بالإسلام الذي ينادون به؟

يقول الدكتور عماد محمد

" لم يكشف الإخوان عن رأيهم صراحة في مبتدأ عهدهم، ثم أظهروا تدريجيا اعتراضهم على السياسات الحكومية، ثم أعلنوا في عام 1938م في رسالة المنهج "لا يؤيد الإخوان أية حكومة تقوم على أساس الحزبية وهم يعتقدون أن كل حكومة تقوم على غير الأصول والقواعد الإسلامية لا يرجى منها صلاح ولا تستحق تأييدًا ولا مناصرة، ولهذا يطالبون دائما بالتعديل الذي يحقق نظام الحكم الإسلامي بكل مظاهره، والإخوان مع هذا يرون من واجبهم التعاون مع الحكومة التي يأنسون منها استعدادًا صادقا لتأييد منهاجهم والعمل على تحقيقه"

وظل هذا موقف الدعوة في المرحلة التالية تم فيها استكمال عناصر القوة الذاتية والانتشار الجماهيري، اعلنت فيها الجماعة موقفها في النقاط التالية:

  1. اعتبار جميع الحكومات المصرية مقصرة في تنفيذ أحكام الإسلام وأحكام الدستور.
  2. العمل الدائب في سبيل تصحيح هذا الوضع الخاطئ بالطرق الدستورية.
  3. بذل النصيحة لها، في نقد ومعارضة نزيهة عن الغاية إذا أساءت، وفي تشجيع ومعاونة إذا أحسنت من غير ممالأة ولا تأييد حتى يتم التغيير المنشود

(راجع نحن والحكومات: سلسلة مقالات بجريدة الإخوان المسلمون اليومية وهذه الفقرة ورد بها أنها منقولة من رسالة المنهج – العدد51 - السنة الأولى 2 يوليو 1946.. )

ويضيف الدكتور محمد عماد ظلت

" الجماعة في نفس الوقت – ولكي تصل إلى التغيير المنشود – تربي أعضاءها بمنهاج شديد الصرامة قوامه الصوفية من الناحية الروحية، والعسكرية من الناحية النظامية (رسالة التعاليم)، وكان الأعضاء تتم صياغة شخصياتهم وفق هذا المنهاج بصورة متدرجة بحيث ينمو فيهم حب الطاعة للأوامر والشعور بأنها طريقهم إلى رضوان الله
كما حرص الإمام المؤسس على تربية أبناء الجماعة على التجرد والتضحية في سبيل أن يكون " الله غايتنا "
فيشرح مقتضى هذا النداء قائلا:
"إذا وقف المال حائلا دون هذه الغاية فإن الأخ المسلم الذي يهتف من قلبه "الله غايتنا" مستعد لبذل المال في سبيل الله، وإذا وقف الأهلون والأبناء حائلا دون هذه الغاية فإن الأخ المسلم الذي يهتف من قلبه "الله غايتنا" على أتم استعداد لمفارقة هؤلاء الأهل والأبناء في سبيل الله، لا بل لمجاهدتهم إن وقفوا في طريق دعوة الله
الأستاذ البنا بين إخوان يربيهم ويرشدهم
وإن نبت الأوطان بالأخ المسلم وقلاه أهلها وضايقوه في دينه وأخذوا عليه مسالك دعوته فهو مستعد لمفارقة هذه الأرض غير نادم عليها ولا آسف لفراقها في سبيل الله، وإذا ما احتاجت الدعوة يوما إلى الدماء قدم في سبيلها روحه ودمه، وما أرخصه في سبيلها من فداء"، (حسن البنا: في صميم الدعوة – الله غايتنا – مجلة النذير، العدد (27) السنة الأولى، 1357هـ- 1938 م)

وقد اسفرت جهود استطلاع الأحوال بدول العالم الإسلامي لتحقيق هذه الخطوة إلى الدولة التي يرون فيها "الملجأ المنيع والركن الشديد والخصوبة المأمولة"، عن قناعة راسخة بأن مصر – على علاتها - هي أصلح مكان لدعوة الإخوان ولانطلاقها ولتحقيق أهدافها.

يقول الدكتور عماد محمد

" أعلنت الجماعة عن موقفها الصريح في عام 1948، فيما أعلنته من معركة المصحف وهدفها الأول هو التميز أولا فلابد أن يمتاز أهل الحق من أهل الباطل... وما طال عمر الباطل إلا حين يمتزج به ستار من الحق أو يمتزج هو بعناصر من الحق "

ثم أعلنت الجماعة رؤيتها لمهمة ودور الدولة والحاكم

"إذا قصر الحاكم في حماية هذه الأحكام – أي الأحكام الإسلامية – لم يعد حاكما إسلاميا، وإذا أهملت شرائع الدولة هذه المهمة لم تعد دولة إسلامية، وإذا رضيت الجماعة أو الأمة الإسلامية بهذا الإهمال ووافقت عليه لم تعد هي الأخرى أمة إسلامية مهما ادعت ذلك بلسانها..."

حاشية " انظر دلالات التعبير بلفظ " إسلاميا وإسلامية وهكذا " (حسن البنا معركة المصحف: الإخوان المسلمين اليومية العدد (791) السنة الثالثة 1948م).

فالتبعة تقع على الحكام أولا والعلماء ثانيا والأئمة والهيئات أخيرًا، والسؤال الآخر الذي يحتاج إلى إجابة هو كيفية تغيير النظم الحاكمة للدولة؟

يجيب الدكتور عماد

" لا يمكن الاعتقاد أن الجماعة اعتمدت خطة للتغيير لا تتغير، ولكن الأرجح أنها غيرت من هذا المنهج في ضوء المتغيرات المحيطة بها والقوة التي توفرت لها، ولذا نرى أنها طوال السنين العشر الأولى من عمرها تعتمد أسلوب تغيير العرف العام، ومحاولة تكوين رأي عام يساند المطالب التي تتقدم بها الجماعة للحكومات والهيئات المختلفة

(هذه الخطة أعلنتها الجماعة ومؤسسها في كثير من الكتابات مثال:بيان جماعة الإخوان عام 1934 - حسن البنا: رسالة دعوتنا في طور جديد - عبد العزيز كامل: رسالة نحو جيل مسلم–أغسطس 1954).

وقد أوضح الإمام المؤسس خطوات الدعوة في ثلاث مراحل:

  1. التعريف: وهي مرحلة نشر الفكرة بين الناس، ونظام الدعوة في هذه المرحلة نظام الجمعيات الإدارية، ومهمتها العمل للخير العام ووسيلتها الوعظ والإرشاد تارة، وإقامة المنشآت النافعة تارة أخرى.
  2. التكوين: باستخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد وضم بعضها إلى بعض، ونظام الدعوة في هذه المرحلة صوفي بحت من الناحية الروحية وعسكري بحت من الناحية العملية.
  3. التنفيذ: والدعوة في هذه المرحلة جهاد لا هوادة معه، وعمل متواصل من أجل الوصول إلى الغاية.

ومنذ مؤتمر الجماعة الرابع عام 1937 في المنصورة وأسيوط قررت الجماعة أن يتميز أعضاء الجماعة في التجرد لعضويتها، بمعنى آخر أن يكون عضو الجماعة إخوانيا فقط ولا ينتمي إلى أي حزب أو هيئة أو جمعية أخرى سواء كانت قريبة من فكر الإخوان أو بعيدة، وأن يعمل أعضاء الجماعة على صياغة أنفسهم وبيوتهم وفق مبادئ الجماعة

وفقا لفقه النظر إلى فئات المجتمع أمامهم إلى ستة أصناف: مسلم مجاهد أو مسلم قاعد، أو مسلم آثم، وذمي معاهد، أو محايد أو محارب، ولكل واحد من هؤلاء حكمه في ميزان الإسلام، ويكون على أساسها الولاء والبراء.

وإجمالا يمكن القول أن إن خطه التغيير عند الجماعة مرت بالمراحل التالبة:

المرحلة الأولى:

العمل على تكوين رأي عام يناصر أفكار الجماعة ومبادئها، ويكون مساندًا للمطالب التي توجه بها الإخوان للحكومات على هيئة مشروعات إصلاحية، ومقترحات لإعادة بناء المجتمع المصري، وقد سارت الجماعة على هذا النهج حتى عام 1940 .

المرحلة الثانية:

هي الاستمرار في المرحلة الأولى ولكن يضاف إليها أمران

أولا: محاولة الوصول للمجلس التشريعي للمحاولة في تغيير النظم المخالفة لتصورات الجماعة بالطرق القانونية والدستورية، وقد حاولت الجماعة ذلك في عام 1942م وفي عام 1945م ولكن تم الحيلولة دون ذلك بسبب تدخل المحتل الإنجليزي
الأمر الثاني:ر كان بدء تكوين حهاز خاص يعمل على بذر الخوف في نفوس المحتل الإنجليزي وإرهابه بالدرجة الأولى وحماية الدعوة من أعدائها إجمالا.

المرحلة الثالثة:

وهي كما يوق الدكتور عماد محمد استثمار للانتشار الجماهيري لأفكار الجماعة، وذلك بدفع الجماهير للمطالبة بتطبيق مبادئ الإخوان، وإعادة تشكيل نظم البلاد وفق هذه المبادئ، وكانت البداية لذلك ما ورد في مقال إعلان معركة المصحف في مايو 1948م، واستخدام القوة المسلحة لمنع الإنجليز محاولة فرض إرادتهم على البلاد مثلما وقع في حادث 4 فبراير 1942م من قبل الإنجليز على حكومة الوفد في مصر

ويعتقد د. عماد محمد أن في هذا النسق يمكن فهم العبارة التي ترددت في أكثر من مكان أثناء حرب فلسطين من أن المعركة الحقيقية للمحاربين في فلسطين إنما هي في مصر ... (تقرير للمخابرات البريطانية بمكتبة جمال عبد الناصر بمنشية البكري رقم 659 لسنة 1948 وقد حصل عليه الباحث من د. جمال معوض شقرة المدرس بكلية الآداب جامعة عين شمس).

ومما سبق فإن استخدام الإخوان للقوة يعتبر أمرًا طبيعيا في ظل منهجهم، فهم يعلنون أن القوة شعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته ولكنهم يرون أنه قبل استخدامها يجب أولا تجميع مادتها في العقيدة والإيمان، والوحدة والارتباط، ثم الساعد والسلاح، ثم يجب أن تكون حسابات استخدامها دقيقة لتحقيق الهدف المنوط باستخدامها بأقل الأضرار، وهم عند استخدامها سيكونون صرحاء فسينذرون أولا، وينتظرون بعد ذلك ثم يتقدمون في كرامة وعزة ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح

وفي اعتقاد د. عماد محمد فإن معركة المصحف كما أعلنها الإخوان كانت هي النذير، وأن مقتل البنا وحل الجماعة واعتقال أفرادها كان رد النظام القائم على هذا الإنذار – أو هكذا يظن الباحث أن الإخوان فهموا –، وكان ترتيب استخدام القوة، سواء كان من صنع الجماعة أو بمشاركتهم أو بعلمهم، فقد كان لابد للجماعة أن تتجه صوب هدف التغيير الكامل لهذا النظام

وقد كان الشكل الذي تم في 23 يوليو 1952 هو أقرب الأشكال أو يكاد ينطبق على فلسفة الجماعة في استخدام القوة بشكل محدد وعدم اللجوء للثورة الهوجاء مثلما كان في الثورة الفرنسية والبلشفيه أو حتى المصرية في عام 1919م، لأنها من التجربة التاريخية – وهو الرصيد الذي تعامل الإخوان مع مفهوم الثورة من خلاله – تؤدي إلى تدمير البلاد، وإيذاء العباد، ونهايتها غير معلومة.

مشروعات الجماعة للنهوض بالمجتمع المصري

قام بعض الباحثين بمعالجة هذا الموضوع من جوانب مختلفة، وقدموا فيه تصورات الجماعة حول المجالات المختلفة وكيفية النهوض بها، وسوف يعرض الباحث للمبادئ الأساسية التي اعتمد عليها الإخوان عند رسم تصوراتهم لكل مجال، مع ذكر المشروعات أو التصورات التي صارت جزءا من نظام المجتمع والدولة المصرية، والاقتصار على المجالين السياسي، والفكري الثقافي، بما يوضح الاستجابة الإخوانية لما تواجه من تحديات:

أولا: المجال السياسي

لم يحظ مجال من مجالات الفكر والنشاط الإخواني بالدراسة بمثل ما حظى به المجال السياسي، سواء من خصومهم أو مؤيديهم، أو من الإخوان أنفسهم، أو من الباحثين مصريين وغير مصريين، ولكن –في رأي الباحث – الدراسة التي نشرها الأستاذ إبراهيم زهمول في كتابه "الإخوان المسلمون – أوراق تاريخية" أجدرهم بالاهتمام وكذلك الدراسة التي نشرها الأستاذ إبراهيم البيومي غانم في دراسته لرسالة الماجستير وموضوعها "الفكر السياسي للإمام حسن البنا".

وأهمية الأولى أنه أظهر مشروع الدستور الإسلامي الذي وضعه الإخوان في عام 1952.

وقواعد الحكم عند الإخوان ثلاثة (وفقا للدستور المقترح) هي كالتالي:

أولا: مسؤولية الحاكم، فالحاكم مسؤول بين يدي الله وأمام الأمة، وهو أجير لهم وعامل لديهم فما هو إلا تعاقد بين الأمة والحاكم على رعاية المصالح العامة.
ثانيا: وحدة الأمة، فلا تصور الفرقة في الشؤون الجوهرية، أما الخلاف في الفروع فلا يضر، وما كان من المنصوص عليه فلا اجتهاد فيه، وما لا نص فيه فقرار ولي الأمر يجمع الأمة عليه.
ثالثا: احترام إرادة الأمة تتمثل في حقها في مراقبة حاكمها وحقها عليه أن يشاورها، ويعتبر مشروع الدستور هو التصور السياسي الكامل للجماعة.

أما الدراسة الثانية حول فكر حسن البنا السياسي، فقد حددت الدراسة الهوية السياسية للأمة، وبالتالي فهي وجهة نظر الجماعة في هذه القضية ومفهوم الدولة وشكلها من خلال 1030 مقال هي مجموع ما كتبه البنا بالإضافة لرسائله ومذكراته، وأهميتها أنها تابعت رد الجماعة ومرشدها على الشبهات التي أثيرت حول فكر الجماعة السياسي.

أما المشروعات التي تقدمت بها الجماعة وتحولت إلى واقع في نظام الدولة فهي:

  1. المطالبة بإلغاء دستور البلاد "مصر"، والعمل على وضع دستور جديد للبلاد، وقد بدأ هذا الاتجاه من إعلان معركة المصحف عام 1948، ثم بالإعلان الواضح في بيان الجماعة بعد قيام ثورة يوليو 1952، وذلك في 2 أغسطس 1952م، وقد تم إلغاء دستور البلاد في 10 ديسمبر 1952م، وتكوين لجنة وطنية لوضع مشروع دستور جديد في تاريخ لاحق عام 1953م.
  2. إلغاء الأحزاب والنظام الحزبي واستبدال هيئة قومية واحدة به تكون هي الهيئة السياسية الوحيدة في البلاد، وقد تم إلغاء الأحزاب وحلها في 17 يناير 1953، وقبل أن ينتهى هذا الشهر أعلن عن إنشاء هيئة التحرير في 23 يناير 1953م، وذلك كمنظمة سياسية بديلة للأحزاب السياسية.
  3. إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية، وقد كان هذا المطلب في غاية الوضوح في الدراسة التي نشرها الإخوان في أول ديسمبر 1952 تحت عنوان "أملكية أم جمهورية؟"، للدكتور محمد طه بدوي عضو الشعبة القانونية بالجماعة، وقد ألغيت الملكية وأعلنت الجمهورية في 18 يونيو 1953م.
  4. المطالبة بمحاكمة كل من تسبب في الفساد الذي انتشر في المجتمع، سواء كان بتسهيله للملك القيام بإفساد الحياة السياسية، أو كان ذلك بنفوذه السياسي أو استغلال النفوذ الوظيفي ممن تولوا مناصب عامة، وكان هذا المطلب في بيان الجماعة حول "الأوضاع الراهنة" – (مجلة الدعوة العدد (77) السنة الثانية) وقد صدر مرسوم قانون في 22 ديسمبر 1952 بمحاكمة المسؤولين عن استغلال النفوذ من الموظفين العموميين أو أعضاء البرلمان أو كل شخص كان مكلفا بخدمة عامة، والعقوبات هي الحرمان من الحقوق السياسية وتولى وظائف الشركات ورد الأموال، وهذه العقوبات هي عين ما طالب به الإخوان.
  5. بالنسبة لوضع مصر الدولي، كان موقف الإخوان أن مصر ليست مضطرة للانضمام لأي من الكتلتين سواء الشرقية أو الغربية، وقد كان ذلك على لسان حسن البنا، وكذلك المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي، وهو الأمر الذي حرصت عليه الجماعة طوال مسيرتها في نطاق العالم الإسلامي.. حيث كان بمطبوعات الجماعة الصحفية باب ثابت عن قضايا التحرر في العالم الإسلامي كما استضافت العديد من الشخصيات المعروفة في هذا الشأن (إبراهيم زهمول المرجع السابق، صـ274 – وما بعدها، محمد فتحي شعير: وسائل الإعلام المطبوعة دعوة الإخوان المسلمين صـ 433-437) ..انظر حديث الإمام حسن البنا مع المراسل الحربي الأمريكي بمجلة جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية يناير 1946، العدد (87)؛ حديث الاستاذ حسن الهضيبي حديث مع مجلة الجامعة العربية 28 فبراير 1952.
  6. كان من تأثير انتشار الإخوان أن تكونت جماعة "الأمة القبطية" في 11 سبتمبر عام 1952 وقد انتشرت بسرعة بين شباب القبط حتى بلغت عشرات الآلاف في مختلف أنحاء مصر، وقد أعلنت أن غرضها الاهتمام بالشئون الكنسية والقبط دون الدخول في الأمور السياسية، وقد انتهت الجماعة في أبريل 1954 بعد قيامها باختطاف البابا يوساب الثاني وإجباره على التنازل عن الكرسي البابوي ومحاولتهم استخدام العنف تجاه المسلمين.
  7. نستطيع أن نضيف لذلك موقف الحكومة من القضية الوطنية واستجابتها لمبدأ إلغاء المعاهدة 1936 ووقف المفاوضات وحمل السلاح في مواجهة الإنجليز وتنظيم حركة الفدائيين " جريدة الإخوان المسلمين اليومية السنة الأولى العدد (26) بتاريخ 2 يونيو 1946" وتم ذلك فيما بين الحكومة الوفدية والجماعة في عام 1951م، وذلك استجابة لما طالبت به الجماعة منذ عام 1946م في المؤتمر العام لرؤساء مراكز الجهاد.
  8. إلغاء البوليس السياسي (أو القسم المخصوص) وقد كان هذا أحد بنود إعلان الجماعة حول إصلاح الأوضاع الراهنة السابق الإشارة إليه، وقد تم الإلغاء بعد أيام قليلة من قيام الثورة، ولكن النظام الأمني للبلاد احتاج لإدارة بديلة تراقب نشاط الأجانب والنشاط الصهيوني وغيره، فتم تأسيس إدارة المباحث العامة في 19 أغسطس 1952.

ثانيا:المجال الفكري والثقافي

على الرغم من أهمية هذا الجانب فإن الباحث يعتقد أنه لم يفز بما يستحقه من الاهتمام، وقد كان أول من أشار إلى تميز الإخوان وتفردهم بمهاجمة الاستعمار الثقافي هو ريتشارد ميتشيل في الجزء الثاني من دراسته عن الإخوان ..

ريتشارد ميتشيل: أيديولوجية الإخوان المسلمين– ترجمة منى أنيس – عبد السلام رضوان وقد ذكر الإمام حسن البنا أن منابع الثقافة في مصر هي المدارس والنظام التعليمي والصحف والمطبوعات والسينما والمسرح والإذاعة اللاسلكية

كما ورد في أكثر من موضع في كتابات الجماعة على سبيل المثال:

  • مذكرة الإخوان إلى وزير المعارف وفضيلة شيخ الأزهر، مجلة النذير، العدد (6) السنة الثانية صفر 1358م.

وقد حددت الجماعة في هذه المذكرات أن التعامل مع هذه المنابع يكون بالصورة الآتية:

الصحف والمطبوعات والسينما والتمثيل والإذاعة، يجب أن تراقب كل هذه النواحي مراقبة فعالة منتجة، وينص القانون على عقوبات زاجرة ولتصادر الصحف الماجنة والخليعة، وتوضح مناهج الإذاعة بدقة وأحكام.

وأما المطبوعات ذات الصبغة الإسلامية سواء الصحفية منها أو الدراسات البحثية أو الكتب الفكرية الإسلامية فقد عملت الجماعة على تنشيط هذا الاتجاه بنفسها، فكانت الصحافة الإخوانية الشهرية والأسبوعية، والمرة الوحيدة التي كان للتيار الإسلامي صحيفة يومية كانت على يد جماعة الإخوان في عام 46 حتى 1948م

وقد قدم الإخوان مجموعة من الدراسات التي تعمل على شرح جوانب الفكرة الإسلامية بشكل معاصر، ومن أمثلة ذلك

  • مصر في عهد آدم، لبيب البوهي.

هذا بخلاف ترويجهم للكتابات الإسلامية للكتاب المعاصرين والقدماء والتي يرون فيها تعبيرا عن الإسلام الذي ينادون به، وقد قدم الأستاذ محمد فتحي شعير دراسة مستفيضة حول هذا بعنوان وسائل الإعلام المطبوعة في دعوة الإخوان المسلمين، هذا بخلاف ما وضعته الجماعة من برامج تثقيفية لأفرادها في مستوياتهم المختلفة

بدءًا من المجموعات الصغيرة في أسفل السلم التربوي الإخواني المعروفة بالأسر، وانتهاء بالدعاة المعتمدين للجماعة الذين نظمت لهم الجماعة "مدرسة الدعاة"، التي تطورت بعد ذلك إلى كلية الدعاة، وهذه المناهج كانت تتعامل مع ما يقرب من نصف مليون مصري كتقدير متوسط بين الإحصاءات المختلفة حول عدد أعضائها.

أما المدارس والعملية التعليمية، فقد قامت الجماعة بتأسيس عدد كبير من المدارس في كثير من نواحي مصر، حاولوا فيها تطبيق آرائهم في العملية التعليمية من تقريب بين الثقافات الفاعلة في المجتمع، فهناك الثقافة الدينية بالمدارس الأزهرية، والثقافة المدنية بالمدارس الحكومية، والثقافة الغربية في المدارس الأجنبية

وكانت آراؤهم في هذا الشكل أنه يورث تشتتا في ثقافة الأمة وتنافرًا بين أبنائها، وكذلك يرون تشجيع الناحيتين العملية والاستقلالية ما أمكن والبعد عن النظريات المجردة، والتفريق بين البنين والبنات سواء في الأماكن التعليمية أو في المناهج الدراسية.

جريدة الإخوان المسلمين اليومية العدد (59) السنة الأولى، 11 يوليو 1946 وقد اجتهد الإخوان في تطبيق هذه التصورات من خلال مؤسساتهم التعليمية التي انتشرت مع ازدياد انتشار فروع الجماعة المسماة بالشُعَب والتي وصل تقديرها إلى أكثر من ألفي شُعْبَة، ونجحوا في جعل مادة الدين أساسية في جميع الصفوف الدراسية.

ومن جانب آخر أخذت الجماعة تستحث أصحاب التخصص في العلوم المختلفة على البحث الإسلامي، والبحث الإسلامي المقارن، وتأسيس جمعيات الدراسات مثل جمعيات الدراسات الإسلامية للاقتصاد والسياسة والمال بكلية التجارة بجامعة فؤاد الأول، واستضافتها في المركز العام، كذلك دعوة المتخصصين لإلقاء المحاضرات المتخصصة بالمركز العام للإخوان

ومن هذه المحاضرات:

  • الاقتصاد الإسلامي، دكتور محمد عبد الله العربي.
  • إصلاح القرية، دكتور محمد عبد الله العربي.
  • وسائل تنمية الثروة الزراعية، الدكتور محمد عبد الله الزوني.
  • الصناعات الكيماوية وأثرها في النهضة بثروة البلاد، الدكتور حسن إبراهيم بدوى.

كما تزايدت نسبة الرسائل العلمية في كلية الحقوق بجامعة فؤاد الأولى التي اتجهت إلى الدراسات المقارنة مع الشريعة الإسلامية منذ عام 1941. هذا بالإضافة إلى تنظيم مكتبات مفتوحة سواء لأعضاء الجماعة أو غيرهم في شعب الجماعة في أنحاء القطر.

البرامج الدراسية في جماعة الإخوان:

تنقسم البرامج الدراسية التي قررتها الجماعة لأعضائها إلى قسمين:

  1. برامج دراسية إجبارية لجميع الإخوان.
  2. برامج دراسية خاصة لإعداد دعاة الفكر الإخواني في المجتمع المصري.

أولا: البرامج الدراسية الإجبارية:

وقد أكدت الجماعة أنه لابد لكل عضو من دراسة منتظمة طويلة الأمد وعميقة الغور لمصادر الإسلام من القرآن والسنة النبوية والسيرة وهدى السلف، وأن يحرص على الإطلاع على القديم والحديث من الدراسات والمراجع بما يجعل صورة الحياة الإنسانية كما يريدها الإسلام واضحة في ذهنه

وحددوا المحاور الرئيسية لهذه الدراسة كما يلي:

  1. دراسات قرآنية، وتشمل أحكام التلاوة وأسباب النـزول، والتفسير.
  2. دراسات في الحديث النبوى، تشمل دراسة نصوص من أحاديث الرسولصلى الله عليه وسلموعلم مصطلح الحديث ورجاله (الجرح والتعديل) مع حفظ أربعين حديثا على الأقل.
  3. دراسة سيرة الرسول وتاريخ الصحابة والسلف وتاريخ الأمم والشعوب.
  4. دراسة رسالة في أصول العقائد، ورسالة في فروع الفقه وتاريخ التشريع الإسلامي بحيث يكون ملما بقواعد العقائد وفروع الأحكام وأسرار التشريع.
  5. دراسة قواعد اللغة العربية دراسة تمكنه من التحدث بها.
  6. دراسة واقع الحياة العملية، وتحليل عللها ونتائجها مع دراسة عميقة للمجتمعات الإسلامية ومشكلاتها، وأن يحرص العضو على تثقيف نفسه في الشئون العامة بحيث يكون قادرًا على الحكم عليها.
  7. أن يدرس التيارات المعادية للإسلام سواء فكريا أو سياسيًا مثل الماسونية والشيوعية والملل الحديثة مثل القاديانية والبهائية.
  8. أن يكون حريصا على الإكثار من المطالعة في رسائل الإخوان وصحفهم ونشراتهم.
  9. أن يتبحر في علمه وفنه ليكون قمة فيه.

ثانيا: البرامج الدراسية لإعداد دعاة الفكر الإخواني:

وهذه البرامج لا ينتسب إليها الأعضاء بذاتهم بل يجب ترشيحهم من خلال شعبهم ويوافق عليهم المركز العام، وهي تعمل على استكمال الإعداد العلمي لأشخاص يمثلون الجماعة أمام الشُعَب، ويشرحون فكر الجماعة له، ويكسبون له الأنصار والمؤيدين وكانت لائحة المنهاج الثقافي المنشورة في مارس 1940 بمجلة التعارف هي أول برنامج في هذا الإطار

وهي تدور في المواد الدراسية الآتية:

  1. القرآن، علومه وتفسيره.
  2. السنة وعلومها.
  3. العقائد والمذاهب الفكرية.

4#الفقه وأصوله، وتاريخ التشريع ورجاله.

  1. الفلسفة وعلم النفس والأخلاق والتربية.
  2. علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية مع دراسة تطبيقية على مصر.
  3. السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي ممتدًا حتى الوقت الحاضر.
  4. فن الخطابة علميا وعمليا.

وقد ضمت قائمة المراجع المصاحبة لهذه المواد 138 كتابا، يقرأ الفرد قدر طاقته منها ولكن بحد أدنى الإلمام بالملخص الوارد بمقدمة كل مادة، وكذلك ليس المطلوب الدراسة في كافة الفروع دفعة واحدة، ولكنه يتخير أربعة منها كحد أدنى للدراسة

وقد اعتمدت اللائحة بعض الملاحظات الأساسية للدراسة منها:

  • الدراسة ذاتية، بالإضافة لمحاضرات المرشد العام العامة والتي تتعلق بشرح بعض المواد، فهي تطبع وتوزع على الدارسين.
  • الاستفادة بمكتبة المركز العام، والعمل على استكمال مكتبات الشعب لتكون عونا للدارسين.
  • على الدارس أن يعمل على إعداد بحث في مادة يدرسها في هذا البحث يسجل الدارس خلاصة قراءاته في المراجع المذكورة بالمنهاج، وتتم مناقشته من خلال لجنة امتحان لمعرفة مقدرته على الاستنتاج والمقارنة.
  • الامتحان في النصف الثاني من أكتوبر، والمرشد العام هو رئيس لجنة الامتحان وهو الذي يعين الممتحنين في كل مادة.
  • القرآن والحديث يكون الامتحان بجانب البحث بطريقة الاستظهار الشفهي.
  • إذا نجح الطالب أخذ درجة علمية (ممتاز – جيد جدًا – جيد – متوسط) أو تعيد اللجنة إليه بحثه ليتقدم به في موعد لاحق، والمجازون يعتبرون من الدعاة الرسميين للإخوان.

اللائحة الداخلية للجماعة، مادة 5، 6

ويلاحظ على المراجع المعتمدة في اللائحة:

  1. أنها جمعت بين كتب التراث والكتب المعاصرة خاصة في العقيدة والأخلاق.
  2. اعتمدت على مجموعة من المؤلفات المترجمة خاصة في مجال الاجتماع، هذا وإن كان يدل على عدم رفض الإخوان للفكر الغربي بصورة مجملة، يدل أيضًا على خواء المكتبة العربية في هذا الوقت لدراسات في هذا المجال.
  3. الإحاطة ببعض الكتابات ذات الطابع التجديدي أو للكتاب المعروفين في هذا الاتجاه مثل محمد عبده والكواكبي.
  4. محاولة الإحاطة بأغلب العلوم النظرية المتاحة، وتأكيد البعد الإسلامي فيها جميعا.
  5. أما نظام الدراسة فكان ينمي الذاتية في القراءة والبحث، والمهارات الذاتية للأفراد من خلال الخطابة والكتابة للبحوث والاستظهار الشفهي للقرآن والحديث.

وقد تطورات المدارس التثقيفية الإخوانية داخل الجماعة، ونصت اللائحة الداخلية عام 1951 على أن ينشأ في دائرة كل مكتب إداري مدرسة للدعاة على الأقل، ويقوم قسم نشر الدعوة بوضع برامج لهذه المدارس ويكون المدرسون من بين الإخوان أو أصدقائهم من ذوي الكفايات العلمية

وقد كانت أول مدرسة للدعاة بالمركز العام في أبريل 1953م، وقد سارت على منهج قريب من لائحة المنهاج السابقة وكان نظام الدراسة يومين في الأسبوع في كل يوم محاضرتان، ومدة كل مرحلة ثلاثة أشهر، ويعقد امتحان في نهاية كل مرحلة، وكان يقوم بالتدريس فيها نخبة من ذوي الكفايات العلمية مثل سيد قطب، والشيخ محمد أبو زهرة، والشيخ عبد الوهاب خلاف، والشيخ سيد سابق، وسعيد رمضان، وعبد القادر عودة وغيرهم.

يضاف لما سبق أسلوب آخر اعتمدته الجماعة لإعداد مجموعات من الطلبة والعمال والموظفين إعدادًا سريعا، وذلك عن طريق تنظيم محاضرات علمية منتظمة ومركزة بالمركز العام، والهدف إعداد إخوان يستطيعون التعبير عن الأفكار الإسلامية لدى الإخوان في محيطهم، وكان موعد المحاضرات يوم الجمعة من كل أسبوع، وكان المحاضرون فيها غالبا هم ذات المدرسين في مدرسة الدعاة، وبعض الضيوف مثل د. عبد الله العربي، ود. يوسف موسى، ود. محمد ضياء الدين الريس، وهذا غير المحاضرات العلمية والثقافية العامة التي كانت تنظم من خلال أقسام الجماعة المختلفة.

من التطور السابق لنظم الدراسة وإعداد الدعاة عند الجماعة يمكن ملاحظة أن الإخوان لم يلتزموا بالمستوى الذي اعتمده المرشد الأول لممثلي فكر الجماعة أمام الجماهير، وهذا يعكس أن الجماعة اتجهت إلى التوسع الأفقي على حساب العمق الثقافي لأفرادها، وقد تزايد هذا الاتجاه في الفترة من نهاية عام 1951م إلى 1954م

وقد أثر هذا الأسلوب على مستوى تحقيق الجماعة لهدف "الفرد المسلم" مما سيؤثر بالتالي على سائر الأهداف، كما سمح هذا الوضع لأفكار جديدة أن تخترق النسيج الفكري للجماعة مما سيكون له أثره في المستقبل سواء على الإخوان أو التيارات الإسلامية في مصر.

انتهى بحمد الله تعالى استعراض الدراسة الأولى
ويليها بإذنه تعالى
استعراض الدراسة الثانية وهي بعنوان
جماعة الإخوان بين الفكرة والمشروع
والله أكبر ولله الحمد

للمزيد عن دور الإخوان في الإصلاح

كتب متعلقة

من رسائل الإمام حسن البنا

ملفات وأبحاث متعلقة

مقالات متعلقة

الإصلاح السياسي:

الإصلاح الإجتماعي ومحاربة الفساد:

تابع مقالات متعلقة

رؤية الإمام البنا لنهضة الأمة

قضايا المرأة والأسرة:

الإخوان وإصلاح التعليم:

موقف الإخوان من الوطنية:

متفرقات:

أحداث في صور

.