دور الإخوان في إصلاح المجتمع ومحاربة البدع

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
دور الإخوان في إصلاح المجتمع ومحاربة البدع

بقلم: عبده مصطفى دسوقي


مقدمة

الإمام الشهيد حسن البنا

استمرارًا للجهود التي بذلها الإخوان في محاربة الفساد وإصلاح المجتمع، نتحدَّث حول جهودهم في محاربة البدع، والتي انتشرت وسط المجتمع المصري وخلَّفتها العادات والتقاليد القديمة والإيمان بالخرافات، وقد غزاها المستعمر ليستمر الشعب على تخلُّفه ولا يلتفت لما يقوم به من تدمير لكيان الدولة.

غير أن الإخوان نظروا إلى هذا الشعب على أنهم جزءٌ لا يتجزَّأ منهم، وأن حريته من حريتهم، وتقدُّمه من تقدُّمهم، وفي ذلك يقول الإمام البنا: "ونحب كذلك أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا، وأنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب فداءً لعزتهم إن كان فيها الفداء، وأن تزهق ثمنًا لمجدهم وكرامتهم ودينهم وآمالهم إن كان فيها الغناء، وما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التي استبدَّت بقلوبنا، وملكت علينا مشاعرنا، فأَقْضت مضاجعنا، وأسالت مدامعنا، وإنه لعزيز علينا جَدُّ عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذلة، أو نرضى بالهوان، أو نستكين لليأس، فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا، فنحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب، ولن نكون عليكم يومًا من الأيام".

محاربة البدع

انطلق الإخوان في محاربة البدع من مبدأ عقائدي؛ حيث نظروا إلى هذه البدع أن لا أصلَ لها في الإسلام، وأنها من خرافات البشر؛ فقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "منْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْهُ فَلا هَادِيَ لَهُ، إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلُّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ"، وانطلاقًا من الأصل الحادي عشر الذي ربى الإمام البنا عليه الإخوان في رسالة التعاليم؛ حيث يقول: "وكل بدعة في دين الله لا أصلَ لها استحسنها الناس بأهوائهم، سواءٌ بالزيادة فيه أو بالنقص منه.. ضلالةٌ تجب محاربتها والقضاء عليها بأفضل الوسائل التي لا تؤدي إلى ما هو شرٌّ منها"، من هذا الفهم انطلق الإخوان يحاربون هذه البدع.

ولقد جاء في لائحة جمعية الإخوان المسلمين المعدَّلة سنة 1351هـ/ 1932م.

مادة (1): هذه هي اللائحة الداخلية لجماعة الإخوان المسلمين، وهي تُتِمُّ قانونهم الإداري وتوضِّح مجمله، وهي القسم الثاني من منهجهم الأساسي، وموادها في قوة مواد القانون تمامًا.

مادة (2): أهم الفضائل الإسلامية التي يتربَّى عليها الإخوان ما يأتي:

تصحيح العقيدة الإسلامية، والتوبة إلى الله من المعصية، والاجتهاد في الطاعة وفق السنة مع مجانبة البدعة، والإقبال على تعلُّم العلم الإسلامي، والتعبُّد بتلاوة القرآن، والمأثور من أقوال الرسول- صلى الله عليه وسلم- وأفعاله.

كما كانت قرارات مؤتمر جمعيات الإخوان المسلمين بمنطقة البحر الصغير:

تكوين لجان عديدة لإصلاح الحال الاجتماعية من جميع الوجوه، كل في دائرته، وتناول البحث مهمة اللجان الآتية:

1- لجنة الحج.

2- لجنة الزكاة.

3- لجنة محاربة البدع والخرافات.

جهودهم قبل الحرب العالمية الثانية

حارب الإخوان البدع والعادات الفاسدة التي كانت منتشرةً في المجتمع، وقد نجحت الجماعة في محاربة العادات الفاسدة والخرافات التي ابتدعها الشعب، كالزار، وخروج النساء خلف الجنائز، وغيرها.

ومن العادات والبدع التي تصدَّى لها الإخوان ما يحدث في يوم شمِّ النسيم من خروج الشبان والشابات والأسر من كل الطبقات، فيخرجون للحدائق على تبرُّجٍ وزينةٍ، وفي تهتُّكٍ وخلاعةٍ، ويسرفون إسرافًا كبيرًا في تعاطي الخمور والمسكرات، فكم من جرائم تُرتكب، وأعراض تنتهك، وموبقات تُستحَلُّ؛ وذلك ليس من الدين ولا المروءة ولا مصلحة الأمة؛ فهو ضياع للدين والشرف والمال والفضيلة.

وقد طالب الإخوان الحكومة بوضع قانون في ذلك بالتشديد في الرقابة وصيانة الآداب العامة في الشوارع والطرقات والحدائق والخلوات.

كما قام الإخوان في شُعَبهم بجهودٍ مشكورةٍ في توعية الناس بالمخالفات التي كانت تُرتَكب في هذا اليوم ودعوتهم بعدم الاحتفال به بمنع نسائهم وبناتهم من الخروج في هذا اليوم.

ففي السويس قام الإخوان بتوجيه نداء للشعب السويسي هذا نصه:

"أيها المسلمون.. مزَّقت نساؤنا وبناتنا ثيابَ الحشمة، وانحطَّت المرأة المسلمة إلى حدٍّ تنتحب معه الفضيلة وتنهار له صروح الأخلاق النبيلة؛ وما ذلك إلا لأن أخلاقنا مريضة، وإرادتنا واهنة، وسلطاننا في الحكم على عائلاتنا غزته الخيبة وعمَّه الفساد وسادته الفوضى والضياع، وليس من الدين ولا المروءة ولا العقل ولا المصلحة أن تخرج بناتنا ونساؤنا في يوم "شم النسيم"؛ ذلك اليوم الذي تُرتَكَب فيه أنواع المنكرات سرًّا وعلانيةً؛ فحيثما سرت رأيت الشبان والشيب في الحدائق وعلى ضفافِ الأنهار وتحت ظلال الأشجار، وبين عبير الأزهار ليلة هذا اليوم ونهاره، وقد اختلط الحابل بالنابل، وهناك يرتفع الحياء، وتُفقد الغيرة، وتُهتك الحرمات، ويُضيَّع الشرف، ويُسلب العفاف، فقبَّح الله مَن لا يغار.

أيها المسلم الغيور.. لا تطلق العنان لزوجك فتجمح بك طويلاً، على أنك إن أرخيت حبلها فترًا جذبتك مترًا، وإن كبحتها وشددت يدك عليها ملكتها، فعليك أن تأمر زوجك وبناتك على الاعتصام بالدين، وتجبرهن على البُعْد عن التبرُّج والخلاعة، وبذلك تبني أسرتك بناءً دينيًّا صالحًا، وإلا فسيدركنا الوقت الذي نرى فيه الزوجة حليلةً وخليلةً، وهنا تنصبُّ علينا اللعنات، وننحطُّ إلى أسفل الدرجات.

أيها المسلمون.. تأمل جمعية الإخوان أن ترى في قوتكم وشجاعتكم وغيرتكم وتمسككم بدينكم في يوم "شم النسيم"؛ هذا اليوم الخطر على الأخلاق؛ ما يجعلكم تنتصرون بعزمكم وإرادتكم على ألا يخرج أحد ممن استرعاكم الله إياهم في هذا اليوم الذي يغمره الفجور، وهنا تكونون قد أديتم واجبكم نحو دينكم ووطنكم وأمتكم، ألا قد بلغت.. اللهم اشهد.

نائب الإخوان المسلمين بالسويس

عفيفي الشافعي عطوة

ومن العادات التي كانت منتشرةً في القطر المصري في طول العام الاحتفال بموالد الأولياء، وقد كان يرتكب فيها بعض ضعاف النفوس المنكرات، وقد هال الإمام البنا ما رآه في بعض ليالي المولد الحسيني بالقاهرة، فكتب يقول تحت عنوان: "مشاهدات من مولد الإمام الحسين رضي الله عنه" يقول: أما أنَّ حبَّ أهل البيت- رضوان الله عليهم- فريضةٌ من فرائض الإسلام وعاطفة يستلزمها الإيمان نقول: "لا غبارَ عليه وأمره يستشعره كل من استشعر فضل جدهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على الناس كافة.

هل مما يرضي الإمام الحسين- رضي الله عنه- ويدل على محبتكم إياه وتعلقكم به أن يختلط النساء بالرجال هذا الاختلاط الشائن ويزدحموا هذا الازدحام المعيب الذي يؤدي إلى العبث والاجتراء حول مشهده وأمام ضريحه؟! وهل مما يرضيه ويدخل السرور عليه أن تقام باسمه وفي الاحتفال بذكراه تلك السوق الفاجرة سوق الفحشاء والمنكر، فتنصب الخيام التي لا تضم بين جدرانها إلا خليعةً وماجنًا؛ يقضون الليل في طبل وزمر وخمر وقمر ورقص وخلاعة يتندَّى منه جبين الفضيلة ويحمرُّ له وجه الشريعة ويستجلب سخط الله وغضبه؟! وهل مما يرضيه ويسرُّه أن يتخذ الأخدان من أوقات هذا المولد مواعيد للخلوات؛ حيث يتسع الفضا، ويتلهَّى الرقباء وتنبسط الرمال وتدنو الآمال؟! وهل مما يرضيه ويسرُّه أن تقام هذه الحِلق من الذاكرين فيحرِّفون أسماء الله ويغيِّرون ويبدِّلون ويخرجون الأذكار بالطبل والطار والناي والمزمار وإنشاد المواويل والأشعار؟!.

يا قومنا.. كونوا محبين صادقين أو اتركوا هذا الادعاء لمَن هم أوْلى به منكم". لذلك حارب الإخوان هذه المنكرات والموبقات التي كانت تُرتكب في موالد الأولياء التي كانت منتشرةً في أنحاء مصر، وحملوا على ولاة الأمور الذين سمحوا للعاهرات الوجود في الاحتفال بمولد العارفين، وما حدث كذلك من إباحة الزنا والخمر والميسر في مثل هذه الاحتفالات.

وكتب أحمد محمد المدني نائب جمعية الإخوان المسلمين بميت مرجا سلسيل دقهلية مقالاً بعنوان: "هل حاربنا المنكرات؟" جاء فيه: "يحزنني ويحزن كل مسلم أن يرى البدع منتشرةً في بلادنا الإسلامية انتشارًا شوَّه رونق تمدين ديننا الحنيف، أقول ذلك وأمامي من تلك البدع ألوان عتيقة كثيرة، وأزياء حديثة شتى".

ولقد تقدَّم المرشد العام لشيخ الأزهر بعريضةٍ عندما اعتزم تكوين لجنة لبحث البدع والخلافات في الدين، وهذا نصها: "حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر.. نحمد إليكم الله لا إله إلا هو، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وحماة شرعه إلى يوم الدين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..

فقد كان من أسعد الأنباء اعتزام فضيلتكم بالاشتراك مع وزارة الأوقاف تأليف لجنة علمية إسلامية تبحث مواضيع البدع والخلافات لتقف الناس على رأي صحيح ناضج يتفق مع روح الدين ونصوصه يتبعه الناس ويرتفع به الخلاف وتمتنع به الخصومة.

ولقد أحببنا أن نكتب إلى فضيلتكم لنُشِيرَ إلى هذه الهمة الموفَّقة، ولنهنئَ بهذا العزم المبرر، ولندليَ ببعض ملاحظاتنا حول هذه الفكرة:

أولاً: حبذا لو فكَّر فضيلة الأستاذ الأكبر في أن تتضمن هذه اللجنة الموقرة أكبر ما يمكن من العناصر المختلفة؛ ليكون في اتفاقها القضاء التام على المبتدعات والخلافات، فيكون هناك مندوب عن الصوفية بمعرفة دارهم الرسمية، ومندوب عن السبكية بمعرفة جمعيتهم وشيخهم، ومندوبون عن الجماعات الإسلامية التي ترى المشيخة أهليتها لذلك، ونحن نعلم ما يعترض تنفيذ هذا المقترح من عقبات يرجع معظمها إلى المزاج التكويني الخاص برجال هذه الفرق، ولكننا مع هذا نعتقد أن روح الإخلاص والألم من الفُرْقة والشعور بضرورة الوحدة وحكمة أعضاء اللجنة وهمة فضيلة الأستاذ، سيكون لذلك كله الأثر في توحيد القلوب وتوجيهها نحو الغاية إن شاء الله.

ثانيًا: نرجو أن تُعنَى اللجنة أول ما تُعنَى بتوضيح القواعد الأصولية وتقريرها تقريرًا متفقًا عليه فيما بين أعضائها؛ إذ إن هذه الأصول ستقوم مقام الحكم في مقام الخلاف، فترد الحائر وتهدي الضال وتقرب مسافة الخلاف وتقصِّر طريق البحث، ومثال ذلك العناية بتعريف البدعة وتحديدها وبيان أنواعها، وحكم البدعة الإضافية والتركية والفوارق بين هذه النواحي، وناحية المصالح المرسلة واجتهاد الإمام وإلى أي حد يؤخذ به.. وهكذا.

أثناء الحرب وبعدها

لقد اعتنى الإخوان بالريف كعنايتهم بالحضر؛ لتفشِّي البدع والخرافات بكثرة عمَّا في المدن، فأشاروا إلى انتشار العادات السيئة والخرافات في الريف، وأن الريفي لا يعرف حق أمته ولا يعلم عن الشئون العامة لبلاده شيئًا مما يؤدي إلى استغلال الزعماء لهؤلاء الناس.

وكان للإخوان انتشار في مجال الجمعيات الدينية، مثل الجمعية الشرعية بالقاهرة، وأنصار السنة بالإسكندرية، وكانوا يشتركون معهم في محاربة البدع والمنكرات ونشر السنة وإحياء العادات والقيم الإسلامية والسنن.

لقد هاجم الإخوان كلَّ مَن ادَّعى أنه يشفي المرضى واستغلال الدين في خداع الفقراء، وناشدوا وزارتَي الأوقاف والشئون الاجتماعية التصديَ لذلك، كما كتب الشيخ عبد السلام أبو النجا سرحان يوضِّح أن الموالد في هذا الزمان أصبحت مكانًا للفسق والفجور، وميدانًا للهو والمجون، وسوقًا لبيع الأعراض، وما اختلفت الموالد في زمن الإمام البنا عما يحدثنا في زماننا نحن هذه الأيام.

ولم يكتفِ الإخوان بذلك، بل ندَّدوا بالعادات السيئة التي خلَّفها الزمان، مثل عادة الثأر التي تُزهق الأرواح وتورث العداوة والبغضاء، وبَّينوا جرمها في الإسلام، وأن الإسلام كفل حق القتيل في القصاص، وأنه بيد الحاكم العادل وليس الأمر متروكًا لتقدير الأفراد، وإلا لأصبح كل فرد حاكمًا يحكم بما يمليه عليه هواه.

وكتب الأستاذ محمد لبيب البوهي عدة مقالات تحت عنوان "تجارب مع الناس" ذكر فيها العادات السيئة التي استشرت في المجتمع وذكر علاجها، كما كتب الأستاذ عبد الحليم الوشاحي سلسلةً مقالات بعنوان "في الطريق"، عالج فيها أيضًا هذه العادات والبدع.

لقد جاهد الإخوان في كل شُعْبة من شُعَبهم على محاربة هذه البدع التي استشرت في المجتمع وأصبحت تشغله عن دوره في التصدي للمحتل وأعوانه.


المراجع

1- طالع مجلة الإخوان المسلمين من عام 1933 حتى 1937.

2- مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية من 1943 حتى 1948م.

3- جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار النشر والتوزيع الإسلامية.

4- زكريا سليمان بيومي: الإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية في الحياة السياسية، مكتبة وهبة- 1412هـ / 1991م.

إقرأ أيضا

للمزيد عن دور الإخوان في الإصلاح

كتب متعلقة

من رسائل الإمام حسن البنا

ملفات وأبحاث متعلقة

مقالات متعلقة

الإصلاح السياسي:

الإصلاح الإجتماعي ومحاربة الفساد:

تابع مقالات متعلقة

رؤية الإمام البنا لنهضة الأمة

قضايا المرأة والأسرة:

الإخوان وإصلاح التعليم:

موقف الإخوان من الوطنية:

متفرقات:

أحداث في صور

.