السير في طريق الوهم .. إلى متى ؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
السير في طريق الوهم .. إلى متى ؟

بقلم : الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

منذ انطلاقة ما يسمّى زوراً و بهتاناً بالعملية السلمية و نحن نعايش نفس اللعبة ، الصهاينة يخادعون المفاوض الفلسطيني ، و المفاوض الفلسطيني يجد نفسه مرغماً على اعتبار ما يقدّمه الجانب الصهيوني للشعب الفلسطيني إنجازاً سياسياً رغم يقينه أنه لا يعدو الخداع بعينه .

في بداية الأمر كان المفاوض الفلسطيني يظن أنه قادر على أن يحقّق شيئاً يمكن أن يسمّيه إنجازاً سياسياً مقنعاً للشعب الفلسطيني ، أي أن المفاوض الفلسطيني في البداية قد وقع فعلاً في شرك الخداع الصهيوني ، و لا أشك أنه كان وقتها واثقاً و مطمئناً إلى سلامة المسيرة التي اعتمدها لبلوغ أهدافه المتواضعة التي اعتبرها أهدافاً وطنية ، و أن تحقيقها كافٍ لإنهاء الصراع مع العدو الصهيوني ، و انطلاقاً من هذا الفهم الخاطئ لطبيعة الصراع و لحقيقة نوايا العدو الصهيوني قامت السلطة عام 1996 م بضرب الحركة الإسلامية لشلّ المقاومة و إجهاض الانتفاضة ، و لكن مع مرور الأيام وجدت السلطة نفسها تدور في حلقة مفرغة ، و بدأ المفاوض الفلسطيني يشعر أنه يسير في نفق مسدود ،

و لكنه للأسف الشديد لم يعد قادراً على الإقرار بالحقيقة أو الخروج من النفق ، و من هنا بدأ المفاوض مرحلة جديدة انتقل فيها من مخدوع يفتقر إلى الحقيقة إلى عالم بالحقيقة و لكنه لا يستطيع أن يبوح بها ، بل وجد نفسه مضطراً لتسويق الخداع الصهيوني على الشعب الفلسطيني ، لأن هناك مشكلة حقيقية تكمن في أن العديد من عناصر السلطة أصبحوا أمام خيارين إما أن يغضّوا الطرف و يبيعوا الوهم أو يفقدوا كلّ المكتسبات على الصعيد الشخصي مغامرين بمستقبلهم السياسي ، و لم يكن هذا الهروب من المصير المحتوم من قبل هذه العناصر إلا هروباً مؤقتاً ، و لكن هذا الحال الذي بلغه المفاوض الفلسطيني بات مؤرّقاً للكل الفلسطيني الذي أصبح مطلوباً منه أن يراعي هذا الوضع الخطير خشية الوقوع في فتنة داخلية .

و انطلاقاً من هذا الواقع بات المفاوض الفلسطيني مضطراً لتسويق الوهم على الشعب الفلسطيني خاصة في مواطن المفاصلة السياسية حيث الخشية على المستقبل ، فرغم ما ارتكب العدو من جرائم بحق الشعب الفلسطيني من قتل و تخريب و تدمير للحياة إلا أن المفاوض الفلسطيني يجد نفسه مضطراً للقول إن السلام هو الخيار الوحيد ، و رغم إعلان شارون نهاية أوسلو قولاً و فعلاً إلا أن المفاوض الفلسطيني لا يزال متشبثاً بها على أنها الطريق إلى السلام ، و بالرغم من ترسّخ القناعة لدى المفاوض الفلسطيني أن طريق المفاوضات طريق عقيم إلا أنه يعتبره خياراً استراتيجياً ، و رغم أن الحديث عن السلام كان متزامناً مع فعل صهيوني على الأرض يتناقض كلياً مع السلام كبناء المغتصبات ، و مصادرة الأراضي لشق الطرق الالتفافية ، و تهويد المقدسات ، و إغلاق المؤسسات ، و هدم البيوت ، إلا أن المفاوض الفلسطيني كان مصراً على الجلوس على طاولة المفاوضات و لا ينسى أن يبشرنا بالسلام العادل و الدائم و الشامل ، و لا ينسى أيضاً عند خروجه من جولة المفاوضات أن يبشّرنا بأن الأجواء كانت إيجابية متجاهلاً هدير الجرافات الذي يقوّض مشروع الدولة الفلسطينية .

و عليه فلا غرابة أن يعبّر أحد الوزراء عن ارتياحه للقاءات واشنطن معتبراً أن اختراق الجدار الأمريكي للوصول إلى البيت الأبيض قمة الإنجاز ، فلا عبرة إذن لما سيتمخّض عنه اللقاء و لكن العبرة كلّ العبرة في الاستقبال الدافئ في البيت الأبيض، مع أن الحكومة الجديدة لا تجهل أن أكثر من استقبل في البيت الأبيضهو الرئيس عرفات المحاصر الآن بمباركة و دعم من البيت الأبيض، و أعتقد أن الحكومة الجديدة لا تجهل أيضاً أن منتجع أو "معتقل" كامب ديفيد كان شاهداً على موقف البيت الأبيض المنحاز تماماً لصالح العدو الصهيوني ، و لقد أخبرنا قادة المفاوضات في كامب ديفيد أن الجانب الصهيوني لم يعرِض على الجانب الفلسطيني شيئاً يمكن أن يقبل به الشعب الفلسطيني ، مع أن الذي أشرف على المفاوضات من قبل البيت الأبيض كان "بيل كلينتون" الذي أبدى اهتماماً كبيراً و تعاطفاً نوعاً ما مع الجانب الفلسطيني و ليس "بوش" الذي تسيطر عليه العقلية الصهيونية لأنه يؤمن بالتوراة أكثر من إيمان "شارون" بها ، كما أن الذي كان يترأس المفاوضات من الجانب الصهيوني هو "باراك" زعيم حزب العمل أو ما يسمّى بمعسكر السلام و ليس "شارون" زعيم الليكود و معه اليمين المتطرف ، و قد قال لي قادة فلسطينيون حضروا كامب ديفيد أن الذي عرض على الجانب الفلسطيني في كامب ديفيد هو أقصى ما يمكن أن يصل إليه اليسار الصهيوني ، و يعتبر خيانة من قبل اليمين الصهيوني ، فماذا يعني التشبث بالمفاوضات كخيار استراتيجي في ظلّ هذه المعطيات البائسة ؟

هل يعني شيئاً غير القبول بالخداع و التناغم مع الوهم .

فأيّ ارتياح هذا الذي تملك زمام فؤاد هذا الوزير ، و قد ذهب الوفد الفلسطيني إلى واشنطن و على رأس سلّم أولوياته الإفراج عن المعتقلين ، و الوفد الفلسطيني يعلم جيداً أن المقصود هو الإفراج عن أولئك الذين حكم عليهم بالسجن المؤبد ، و الذين أمضوا أعواماً طويلة خلف القضبان منهم من أمضى أكثر من عشر سنوات و منهم من قفز على الخمسة عشر سنة و منهم من زاد على العشرين ، فإذا أعلن بوش موقفاً واضحاً ضد الحرية لهؤلاء الأبطال متناغماً في ذلك مع موقف "شارون" القائل بعدم الإفراج عن كلّ من على يديه دم يهودي فيقول "بوش" بكلّ صراحة :

"بالتأكيد لا نريد أن نعطي القتلة بالدم البارد أن يفرَج عنهم فيمسون بالمسيرة السلمية" ، فهل يعقَل بعد هذا القول أن يكون الوفد الفلسطيني مرتاحاً و متفائلاً ؟!! و هل يمكننا أن نطمئن للصهيوني "بوش" الذي لا يرى أن اليهود الأمريكان و الروس و الأوروبيين الذين تركوا أوطانهم و اغتصبوا فلسطين و ذبحوا أبناءها في مئات المذابح أنهم قتلة ، بينما يعتبر ضحايا العدوان الصهيوني الذين يدافعون عن وطنهم و شعبهم و مقدساتهم قتلة يجب أن يبقوا خلف القضبان .

فإن قيل ألا يعتبر قول "بوش" إنجازاً عندما قال : "أنا أعتقد أن السور هو مشكلة و بحثت في ذلك مع شارون

. من الصعب تطوير ثقة بين (إسرائيل) و الفلسطينيين عندما يكون هناك سور يتلوّى في الضفة الغربية" ..

نقول إن هذه الصياغة لم تتجاوز صيغة العتاب اللطيف ، "فبوش" لم يطالب الصهاينة ، و لم يهدّدهم ، و لم يعِد باتخاذ إجراءات عقابية ضدهم ، كما أننا تعوّدنا على أن هذه الصيغ لا تجدي نفعاً و لا تعدو كونها ضحكاً على الذقون ، فكم من مرة انتقدت أمريكا الاستيطان فهل توقف ؟ أم أنه تمدّد ؟ و هكذا سيحدث بشأن السور ، و لقد أعلن "شارون" تشبثه بالسور بعد تصريح "بوش" و كلّي ثقة أن "بوش" سيتفهم الحاجة الصهيونية لهذا السور ، فهل نتفهم الحاجة الفلسطينية لعدم تسويق الوهم ؟!!!! .

المصدر


للمزيد عن الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة بالرنتيسي

مقالات بقلم الرنتيسي

تابع مقالات بقلم الرنتيسي

.

حوارات مع الرنتيسي

حوارات مع عائلة الرنتيسي

بيانات حول إغتيال الرنتيسي

أخبار متعلقة

تابع أخبار متعلقة

.

وصلات فيديو

.