نريد الحوار... ولا نريد شعارات بلا مضمون

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
نريد الحوار... ولا نريد شعارات بلا مضمون

بقلم : الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

بات من المؤكد ونحن نمر في منعطف خطير أننا في أمس الحاجة إلى الصدق مع الذات، خاصة أننا ما فتئنا نطلق شعارات بمناسبة وغير مناسبة، ولكنها للأسف الشديد شعارات بلا مضمون، فقد تستر العناوين البراقة نوايا أقل ما يقال فيها أنها بعيدة كل البعد عن المضامين الحقيقية للشعارات المطروحة، وبينما تخطف الأبصار تلك العناوين، تعمل ماكينة التدمير على سحق المضامين، فأصبحنا ونحن في خضم المعركة مع العدو نخدع أنفسنا ونعتبر ذلك إبداعا سياسيا، بينما أصبحت مصداقية ما نطرح من شعارات في مهب الريح، والخطير في ذلك أن عدونا يستثمر كل ذلك لصالحه، لتصبح شعاراتنا الجوفاء وبالا علينا، ودمارا لمصالحنا الوطنية العليا.

فإذا رفعنا مثلا شعار الوحدة الوطنية ينصرف جل هدفنا إلى تجميل صورتنا أمام شعوبنا التي يسرها أن تسمع هذا الشعار، ولكنها تتمنى أن تراه واقعا ملموسا على الأرض، فعلى مدى عقود مديدة من الزمان ودولنا العربية تطرح هذا الشعار ولكنه لم يترجم ولو لمرة واحدة إلى وحدة حقيقية بعيدا عن الاستحواذ، والتذويب، والأنانية السياسية، وكم من مرة على صعيدنا الفلسطيني رفعنا هذا الشعار ودغدغنا به عواطف الجماهير المتعطشة لهذه الوحدة، ولكننا للأسف الشديد لم نر يوما خطوات عملية مخلصة من شأنها أن تقودنا إلى الوحدة الحقيقية التي ينشدها شعبنا، بل على النقيض من ذلك قد نرى على أرض الواقع من ممارساتنا ما يتناقض كليا مع شعار الوحدة الوطنية الذي نتغنى به.

وإذا تحدثنا عن الحوار فلم يعد لهذا المصطلح العظيم من مضمون، لأننا نفهم الحوار على أنه سلوك وطني وإسلامي يضع كافة القضايا التي تهم المتحاورين تحت المجهر بهدف التوصل لما هو أفضل لقضيتنا ولشعبنا، وأن يكون هناك استعداد مسبق لدى الأطراف المتحاورة أن تفتح أسماعها وأبصارها وأفئدتها للرأي الآخر، وأن يكون لديها استعداد للتخلي عن موقفها لصالح المصلحة العليا إذا تجلت في الرأي الآخر، بينما نرى مفهوما آخر للحوار يفرغه من مضمونه، فقد أصبح في عرف البعض أنهم وحدهم يحتكرون الصواب دون غيرهم، وأن على الآخرين أن يتخلوا عن قناعاتهم وإلا فالحوار يعتبر فاشلا قبل انعقاده، .

وعندها يجرد الحوار من معناه الجميل ليصبح ضغوطا وإلحاحا وتخجيلا، من طرف على طرف آخر كي يتخلى عن ثوابته التي يؤمن أن المصلحة الوطنية العليا تكمن في التشبث بها، فالحوار ليس وسيلة ضغط من أجل دفع هذا الطرف أو ذاك لتغيير محضنه الفكري أو الثقافي أو السياسي، وليس وسيلة من وسائل الترغيب والترهيب، ونجاح الحوار يكمن في قبول الطرف الآخر كما هو، ثم يجري البحث في التحول المطلوب كنتيجة للحوار، وليس كشرط مسبق لنجاح الحوار، فهناك من يقيد نجاح الحوار بتحقيق الهدف الذي حدده كنتيجة مسبقة للحوار، فإن تحقق كما يرجو يصبح في عرفه الحوار ناجحا، وأما إذا لم يتمكن من تحقيق ما يشتهي فلا يتردد في الإعلان عن فشل الحوار، ثم لا يلبث أن يحمل صاحب الرأي الآخر الذي لم يقترف ذنبا إلا أنه تشبث برأيه الذي اقتنع بصوابيته، وأبى أن يكون إمعة، مسئولية ذلك الفشل المزعوم.

والمتابع لحوار القاهرة يسمع عجبا، في كل يوم يطالعنا تصريح إعلامي جديد يقول بأن الحوار يجري في القاهرة من أجل وقف المقاومة الفلسطينية للاحتلال الصهيوني، وهذا يعني أن نتيجة الحوار أصبحت معلنة قبل الشروع بالحوار، وكأن الهدف من الحوار هذه الجزئية الضيقة، بينما الحوار المطلوب كما نتمناه ويتمناه شعبنا ينبغي أن يدور حول قضايا كبيرة وهامة، حول الوضع السياسي، والوضع الاقتصادي، والحريات، والقضاء، ومواجهة الاحتلال وما يمارسه من إرهاب، وحول الوسائل التي من شأنها أن تعزز الوحدة الوطنية، وغير ذلك من العناوين الكبرى التي تخدم المصلحة الوطنية العليا، أما أن يصبح الحوار من أجل وقف المقاومة وسحق الانتفاضة فهذا أمر يشكل خطورة بالغة علينا جميعا وذلك للأسباب التالية:

أولا :

إن تسليط الضوء على هذه الجزئية على أنها الهدف من الحوار قد يوحي للعالم أن الجانب الفلسطيني - المعتدى عليه والذي هو في حالة دفاع عن النفس - هو المسئول عن الأحداث التي تجري على أرض فلسطين وليس الاحتلال، وأنه هو المطالب بوقف عدوانه وليس الاحتلال، وهذا يعطي انطباعا بأن ما يقوم به الاحتلال من إرهاب إنما هو عبارة عن دفاع عن النفس كما يزعم الصهاينة والأمريكان، أو ردة فعل لما تقوم به المقاومة الفلسطينية من جهاد مشروع، مما يعفي الصهاينة من المسئولية عما يرتكبون من جرائم متمثلة في قتل متعمد للأطفال والنساء والشيوخ، وهدم للبيوت، وتجريف للأراضي الزراعية، واعتقال للآلاف من أبناء فلسطين، وتدمير للحياة بكل معنى كلمة التدمير، ويحملنا نحن المسئولية الكاملة عن كل ذلك.

ثانيا :

مما لا شك فيه أن فشل الحوار يتمثل في عدم قدرة المتحاورين التوصل إلى اتفاق، فإذا أعلن طرف من أطراف الحوار أن هدفه من الحوار وقف المقاومة وهو يعلم مسبقا أن هذا الهدف لا يمكن الإجماع عليه، بل إن الغالبية الساحقة من شعبنا الفلسطيني لا تقبل به، عندئذ نكون قد حكمنا على الحوار مسبقا بالفشل، وللفشل تبعات واستحقاقات وآثار سلبية تنعكس على معنويات شعبنا الفلسطيني المجاهد، وعلى قدرته على مواصلة الطريق، وتؤدي إلى زعزعة ثقته بفصائله المجاهدة، كما سيكون له انعكاس سلبي وخطير على وحدة الصف الفلسطيني.

ثالثا :

إن مجرد الإعلان المسبق من البعض على أن هدف الحوار هو وقف المقاومة يعد انتصارا حقيقيا لسياسة الإرهاب التي ينتهجها شارون، مما يغريه بمزيد من القتل والتخريب والدمار، وهذا ما حدث فعلا منذ انطلاقة الحوار، ففي كل يوم مجزرة جديدة، وفي كل يوم تدمير للمزيد من البيوت وتشريد للمواطنين، ومضاعفة لمعاناة الشعب الفلسطيني من خلال إحكام أشد للحصار، وكما أن الجدل الذي يدور أحيانا داخل الصف الصهيوني حول جدوى استخدام القوة الغاشمة ضد الفلسطينيين يعزز إصرارنا على مواصلة المقاومة، فإن هذا الجدل الذي يحدثه البعض حول جدوى المقاومة يعزز تصميم العصابات الصهيونية على مواصلة الإرهاب ضد شعبنا الفلسطيني.

رابعا :

إن هذا الإعلان في حد ذاته سيفهم على أنه إعلان هزيمة، ومن شأنه أن يبث في روع أبناء شعبنا الضعف والوهن والهزيمة، ففي الوقت الذي يتبجح فيه الإرهاب الصهيوني من الأجدر بنا أن نحرض على القتال، وأن نرفع المعنويات لا أن نتفنن في تبرير الدعوة للهزيمة، خاصة أن العدو الصهيوني يعاني من ضرباتنا ولم تنجح وسائله على تنوعها في توفير الأمن الذي يبحث عنه.

المصدر

للمزيد عن الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة بالرنتيسي

مقالات بقلم الرنتيسي

تابع مقالات بقلم الرنتيسي

.

حوارات مع الرنتيسي

حوارات مع عائلة الرنتيسي

بيانات حول إغتيال الرنتيسي

أخبار متعلقة

تابع أخبار متعلقة

.

وصلات فيديو

.