هل العمليات الاستشهادية تضر بالسلطة الفلسطينية ؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
هل العمليات الاستشهادية تضر بالسلطة الفلسطينية ؟

بقلم : الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

أعلم أن السلطة الفلسطينية التي قامت على قاعدة نبذ "الإرهاب" لن تقوم في يوم من الأيام بالثناء العطر على العمليات الاستشهادية و مباركتها ، بل على النقيض من ذلك و كما هو متوقع ستسارع إلى التنديد بها و استنكارها و إدانتها و اتهامها و رفضها كما يحدث في كلّ مرة ، و لكن هل هذه العمليات في واقع الأمر تضر بمصلحة السلطة الفلسطينية ؟ أم أنها فضلاً عن أنها تشكل مصلحة وطنية عليا للشعب الفلسطيني و لقضيته العدالة ، تشكّل أيضاً مصلحة ذاتية للسلطة نفسها لكي تخرج من مأزقها التي وضعت نفسها فيه ؟

و لا أدلّ على مأزق السلطة من قرارها الأخير المتمثّل بتشكيل حكومة طوارئ و إعلان حالة الطوارئ ، و كأن الأزمة أزمة فلسطينية فلسطينية و ليست صراعاً بين شعب يتطلع إلى الحرية و التحرر و عدو يسلبه ذلك .

كلّ المعطيات على أرض الواقع تشير إلى أن السلطة قد وصلت فعلاً إلى طريق مسدود ، و مثلها في دخولها جحر أوسلو كمثل الدب الذي ابتلع منجلاً فلا هو قادر على إدخاله إلى جوفه و لا هو قادر على قذفه إلى الخارج ، فقد فشلت في تحقيق حلمها الذي هو أدنى بكثير من تطلعات الشعب الفلسطيني ، الذي لن يقبل بحال التفريط في شبر واحد من وطنه ، فقد وصلت السلطة إلى قناعة تامة خاصة بعد مفاوضات كامب ديفيد أنها لن تتمكن من تحقيق ما تصبو إليه ، و الذي أطلقت عليه الحد الأدنى من حقوقنا الوطنية المشروعة ، و هي أيضاً لا تستطيع التحلّل من كارثة أوسلو التي فارقت الحياة منذ زمن بعيد ، و من هنا باتت ثؤمن أن الخيار الوحيد أمام الشعب الفلسطيني هو خيار الانتفاضة أو باختصار شديد خيار المقاومة ، و إن كانت لا تستطيع أن تبوح بقناعتها بذلك لأن البوح بذلك يتناقض مع المكتسبات الشخصية .

لقد باتت السلطة الفلسطينية على يقين أن الصهاينة لن يتزحزحوا عن تعنتهم ، و رفضهم للوجود الفلسطيني ، و إصرارهم على التنكر لكافة الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني ، و ذلك لأن قيام دولة فلسطينية ذات سيادة ، و عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي شردوا منها ، و إزالة المستوطنات التي زرعت في الضفة الغربية و قطاع غزة بهدف ابتلاع الأراضي تدريجياً و كذلك بهدف التضييق على الشعب الفلسطيني ، كل ذلك يتناقض مع المشروع الصهيوني الرامي إلى تحقيق دولة الكيان الصهيوني العظمى من النيل إلى الفرات ، و الذي لا زال محفوراً في تلافيف العقلية الصهيونية .

كما أن السلطة الفلسطينية أيقنت أن الموقف الأمريكي لا يمكن أن يكون محايداً ، بل إن الموقف الأمريكي في عدة نقاط ذهب في تطرّفه أبعد مما ذهب إليه الموقف الصهيوني في تناقضه مع المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني ، فالضمانات الأمريكية ذهبت أدراج الرياح ، و الوعود الأمريكية تبخرّت في الهواء و قد اتضح أنها لم تكن إلا وعوداً تضليلية سرابية هدفها الضحك على الذقون ليس إلا ، أما الموقف الأوروبي فهو موقف انتهازي رخيص ، موقف لا يبنى على مبادئ و قيم ، و لكنها المصلحة هي التي تحدّد المواقف لديهم ، و ما من شكٍ أن مصلحتهم في قضية فلسطين تقتضي وقوفهم إلى جانب الكيان الصهيوني ، فيجب علينا ألا ننسى أن الكيان الصهيوني ابتداء هو مشروع أوروبي .

كما أن السلطة الفلسطينية باتت تدرك بما لا يدع مجالاً للشك أن الموقف العربي الرسمي لا يمكن الاعتماد عليه و هو أضعف من أن يقدّم دعماً فاعلاً لإخراج السلطة الفلسطينية من ورطتها ، فقد أثبتت الأيام أن الموقف العربي كان على الدوام موقفاً عاجزاً هزيلاً ، مما شجّع على مزيد من التعنت الصهيوني ، و ساهم في تنامي الانحياز الأمريكي لصالح العدوان الصهيوني ضد الصالح الفلسطيني ..

و أمام كلّ ذلك أصبحت السلطة الفلسطينية - بيدها لا بيد عمرو - أمام خيارات صعبة أحلاها مر ، و ألخصها في النقاط التالية  :

•الإعلان الصريح عن نهاية أوسلو ، و هذا يعني نهاية السلطة التي قامت بناء على مشروع أوسلو ، و لهذا الإعلان تبعات كبيرة و استحقاقات خطيرة ، لأن خطوة كهذه من شأنها أن تضرّ بالمصالح الشخصية لكلّ من حضر من الخارج مع قدوم السلطة و ربط مصيره بمصير أوسلو ، كما أن هذا الإعلان يعني انحياز السلطة إلى خيار المقاومة و هذا ما لا تريده .

•تأقلم السلطة مع الوضع القائم حالياً و هو استمرار الاحتلال الصهيوني دون أن يتحمّل هو تبعات احتلاله ، فالشعب الفلسطيني يرزح تحت وطأة الاحتلال ، و السلطة الفلسطينية في ظلّ استمرار الاحتلال تقوم هي بإدارة شؤون الشعب الفلسطيني الحياتية مما يخفّف العبء عن الاحتلال ، و هذا الأمر لا تستطيع السلطة أن تتأقلم معه طويلاً ، فالسلطة تعيش حالة تآكل جماهيري مستمر ، و إذا استمر الحال على ما هو عليه الآن فستجد السلطة نفسها معزولة تماماً عن الجماهير بعد فترة وجيزة .

•إنشاء قيادة وطنية موحدة ، و هذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلا على قاعدة مقاومة الاحتلال و التمسك بكامل الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني ، و هذا ما لا يمكن أن تقبل به السلطة لأنها بذلك ستتناقض مع ما التزمت به في أوسلو ، كما أن الجانب الأمريكي و الجانب الصهيوني سيتصديان بقوة لخطوة كهذه ، و هذا يعني أن السلطة الفلسطينية ستضع نفسها في موقف المتحدي للأمريكان و العدو الصهيوني ، و لا أتصوّر أنها يمكن أن تتخذ هذا الموقف .

و أمام هذه الخيارات الصعبة ترى السلطة أن المخرج الوحيد يتمثّل في ممارسة الضغط على الجانب الصهيوني ، و لكن أصبح يقيناً أن أمريكا لن تمارس هذا الضغط ، كما أن الاتحاد الأوروبي لا يتناقض على الإطلاق مع الموقف الأمريكي من القضية الفلسطيني ، فالفرق بين الموقف الأمريكي و الموقف الأوروبي كالفرق بين شارون و بيرز أي وجهان لعملة واحدة أدوارهما تتكامل و لا تتناقض ، و أما الموقف العربي فكما بيّنا أعجز من أن يمارس ضغطاً على الجانب الصهيوني ، أو أن يدفع الجانب الأمريكي لممارسة هذا الضغط .

ولا يختلف اثنان أن العمليات الاستشهادية هي الوحيدة القادرة على ممارسة الضغط المطلوب على كلّ من الكيان الصهيوني و زعيمه شارون ، و على الجانب الأمريكي و الأوروبي ، فكلاهما ينظر إلى العمليات الاستشهادية على أنها سلاح فعال في مواجهة النفوذ الغربي في المنطقة ، و أن العمليات الاستشهادية أصبحت تشكّل ثقافة جهادية تسري في أوصال الأمة الإسلامية ، و هذا ما من شكّ يهدّد مستقبل الهيمنة الغربية على مقدرات الأمة العربية و الإسلامية .

فهل تجد السلطة ضالتها في العمليات الاستشهادية ؟

الواقع أنني أرى أن العمليات الاستشهادية التي تقدّم اليوم خدمة جليلة للقضية الفلسطينية ، تقدّم أيضاً و في نفس الوقت طوق النجاة للسلطة الفلسطينية إن هي أحسنت إدارة الصراع .

المصدر

للمزيد عن الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة بالرنتيسي

مقالات بقلم الرنتيسي

تابع مقالات بقلم الرنتيسي

.

حوارات مع الرنتيسي

حوارات مع عائلة الرنتيسي

بيانات حول إغتيال الرنتيسي

أخبار متعلقة

تابع أخبار متعلقة

.

وصلات فيديو

.